الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ص 12]
الفصل الثامن
في الآثار
بحسْبِك من آثار الصحابة رضي الله عنهم رواية هذه السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تقدم في رواية يحيى بن سعيد الأنصاري أن أبا أيوب رضي الله عنه قام في الناس عقبَ الفطر، فخطَبهم بهذا الحديث يُرغِّبهم في الصوم.
وأما التابعون فبحسْبِك من آثارهم رواية السنة كما سمعتَ. وروى الترمذي عن الحسن البصري "كان إذا ذُكِر عنده صيام ستة أيام من شوال فيقول: والله لقد رضي الله بصيام هذا الشهر عن السنة كلها"(1/ 141)
(1)
.
وهذا الأثر يدلُّ على استفاضة هذه السنة في زمن الحسن، وأنه لا يرى بها بأسًا، وإنما بيَّن أنها ليست بفرض، فإن قوله: "لقد رضي الله
…
" معناه: رضي الله بها أداءً للفرض. ولا يصح أن يُحمل كلامه على معنى أن الله رضي بها فلم يشرع غيرها، لأن هناك أيامًا غير رمضان مشروعٌ صومُها قطعًا، كالاثنين والخميس ويوم عرفة وثلاثة أيام من كل شهر وغيرها.
فإن قيل: يحتمل أنه أراد إنكار الحديث أن صومها مع رمضان يَعدِل صومَ السنة، فيكون قوله: "لقد رضي الله
…
" مراد به أن الله تعالى رضي برمضان وحده، فجعل صيامه يَعدِل صيامَ السنة.
قلت: هذا باطل، فأيُّ حجة على أن صيام رمضان وحده يعدِل صيامَ
(1)
(3/ 133) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 97).
السنة؟ بل الأدلة القطعية في أن الحسنة بعشْرِ أمثالها تُنافي ذلك، وتشهد لحديث الستّ. وما ورد من أن المضاعفة قد تزيد على العشر إلى سبعمئة أو أكثر فذلك غير موعود به وعدًا باتًّا، بل موكولٌ إلى فضل الله عز وجل، بخلاف العشر فإن الوعد بها مبتوت.
على أنه لو كان على ذلك حجة لما كان ذلك صريحًا في منافاة حديث الست، ولاسيما رواية "فكأنما صام الدهر".
وقال ابن قدامة في "المغني": "وجملة ذلك أن صوم الستّ مستحب عند كثير من أهل العلم، روي ذلك عن كعب الأحبار والشعبي وميمون بن مهران
…
". (3/ 95)
(1)
.
(1)
(4/ 438) ط. التركي.