الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أنواع الضرائر
اعلم أنها منحصرة في: الزيادة، والنقص، والتأخير، والبدل.
فصل الزيادة
وهي منحصرة في: زيادة حركة، وزيادة حرف، وزيادة كلمة، وزيادة جملة. فأما زيادة الحركة فنحو قول رؤبة:
وقاتمِ الأعماقِ
…
خاوي المخترق
مشتبه الأعلامِ
…
لماع الخَفَق
يريد: الخفق، فحرك الفاء لما اضطر إلى حركتها بالفتح، اتباعاً لحركة الخاء. ومثل ذلك قوله:
صوادق العقبِ
…
مهاذيب الوَلَق
يريد: الولق، وقول زهير:
ثم استمروا وقالوا إن منزلكم
…
ماء بشرقي سلمى فيد أوركك
وإنما اسم الماء رك، وقوله أيضاً في هذه القصيدة:
كما استغاث بسيئ فز غيطلة
…
خاف العيون فلم ينظر به الحشك
يريد: الحشك، وهو امتلاء الضرع: حشك يحشك حشكا، وقول الهذلي:
إذا تجرد نوح قامتا معه
…
ضرياً أليماً بسبت يلعج الجلدا
وقول طرفة:
أيها الفتيان في مجلسنا
…
جردوا منها وراداً وشُقُر
يريد: شقرا، فحرك القاف بحركة الشين ووقف على المنصوب بحذف التنوين، وقول الآخر:
قضين حجا وحاجات على عجلِ
…
ثم استدرن إلينا ليلة النّفرِ
يريد: النفر.
فأما قول الآخر:
تقول عِرسي إذ
…
رأتني كالنَّسِرْ
أسود كالقفة محروم الصَّدر
وقول الآخر:
أنا ابن ماوية
…
إذ جد النَّقُر
فليس من هذا النوع، إنما هو من باب إلقاء حركة الحرف الآخر على الساكن الذي قبله في الوقف. وهو جيد في الكلام والشعر.
ومن زيادة الحركة أيضاً قول قعنب ابن أم صاحب
مهلاً أعاذلَ قد جربت من خلقي
…
أني أجود لأقوام وإن ضننوا
يريد: ضنوا، وقول الآخر:
وإن رأيت
…
الحِججَ الرواددا
قواصرا بالعمر
…
أو مواددا
يريد: الرواد، والمواد.
فأما قول العجاج:
يشكو الوجا
…
من أظللِ وأظْلَلِ
وقوله:
(تعبداً لذي)
…
الجلال الأجْللِ
يريد: من أظلّ، والأجلّ، و (قول) الآخر:
قد علمت ذاك
…
بمنات ألْببِه
يريد: ألبه، وقول الآخر:
حتى إذا الليل
…
عليه ادلهمما
وقول الآخر:
إن بني
…
للئام زَهَده
ما لي من
…
صدورهم من مَوْدده
يريد: مودة، فليس في شيء من ذلك زيادة حركة، بل (ردت) فيه الحركة التي كانت قبل الحرف المضعف إلى الأول من المثلين، رجوعاً إلى الأصل عند الاضطرار إلى ذلك.
وربما حرك الساكن بحركة غير مجانسة لحركة الحرف الذي قبله. إلا أن ذلك من الندور بحيث لا يجوز القياس عليه. أنشد أبو زيد:
علام قتل
…
مسلم تعبدا
مذ سنة
…
وخَمسون عددا
يريد: وخمسون.
وأما زيادة الحرف فمنها: الحاقك التنوين فيما لا ينصرف، رداً إلى أصله من الصرف، وذلك نحو قول النابغة:
فلتأتينك قصائدُ ولتدفعن
…
جيشاً إليك قوادم الأكوار
وقوله:
إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم
…
عصائب طير تهتدي بعصائبِ
فصرف قصائد، وعصائب التي في آخر البيت. ونحو قول أبي كبير الهذلي
ممن حملن به وهنَّ عواقد
…
حبك النطاقِ فعاش غير مُهبَّل
فصرف عواقد، ونحو قول أمية بن أبي الصلت:
فأتاها أُحَيمرُ كأخي السه
…
م بِعضْبِ فقال كوني عقيرا
فصرف أحيمر، وقول امرئ القيس:
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة
…
فقالت لك الويلات إنك مُرجلي
وقوله:
رب رام من بني ثُعَل
…
مثلجُ كفيه في قتره
فصرف عنيزة، وثعل، وحكمه أن لا ينصرف، للعدل والتعريف، بدليل قول حاتم:
فليت شعري وليتُ غير مدركة
…
بأي حال ترى أضحى بنو ثُعَلا
والبيت من قصيدته التي أولها:
مهلا نَوادر أقلي اللوم والعذلا
…
ولا تقولي لشيء فات ما فُعلا
وصرف ما لا ينصرف في الشعر أكثر من أن يحصى. وزعم الكسائي والفراء أنه جائز في كل ما لا ينصرف إلا أفعل منك، نحو أفضل من زيد. وزعما أن (من) هي التي منعته الصرف. وذلك باطل، بدليل أنهم صرفوا: خيراً من عمرو، وشرا من بكر، مع وجود (من) فيهما. فثبت بذلك أن المانع لصرفه كونه صفة على وزن (أفعل) بمنزلة (أحمر). فكما أن (أحمر) يجوز صرفه في الضرورة، فكذلك (أفعل من).
وذهب بعض البصريين إلى أن كل ما لا ينصرف يجوز صرفه، إلا أن يكون آخره ألفاً، فإن ذلك لا يجوز فيه، لأن صرفه لا يقام به قافية ولا يصحح به وزن.
والصحيح أن صرفه جائز لما بيناه، قبل، من أن الشعر قد يسوغ فيه
ما لا يسوغ في الكلام، وإن لم يضطر إلى ذلك الشاعر. وأيضاً فإن السماع قد ورد بصرف ما في آخره ألف: قال المثلم بن رياح المري:
إني مقسم ما ملكت فجاعل
…
أجراً لآخرة ودنيا تنفع
رواه ابن الأعرابي بصرف دميا.
فإن قلت كيف جعلت صرف ما لا ينصرف من قبيل الضرائر، وقد زعم أبو الحسن الأخفش في الكبير له أنه سمع من العرب من يصرف في الكلام جميع ما لا ينصرف؟ وحكى الزجاجي أيضاً في نوادره مثل ذلك. فالجواب أن صرف ما
لا ينصرف في الكلام إنما هو لغة لبعض العرب. قال أبو الحسن: فكان ذلك لغة الشعراء، لأنهم قد اضطروا إليه في الشعر فصرفوه، فجرت ألسنتهم على ذلك.
وأما سائر العرب فلا يجبرون صرف شيء منه في الكلام، فلذلك جعل من قبيل ما يختص به الشعر.
ومنها: تنوين الاسم المبني للنداء، إجراء له مجراه قبل النداء. وإذا نون جاز فيه وجهان: أحدهما إبقاؤه على بنائه، والآخر نصبه رداً إلى أصله
من الإعراب. وذلك محو قول الأحوص:
سلام الله يا مطر عليها
…
وليس عليك يا مطُر السلام
وقول لبيد:
قدَّموا إذ قيل فيسُ قدموا
…
واحفظوا المجد بأطراف الأسَلْ
يريد: يا قيس، وقول الآخر:
فطر خالدُ إن كنت تستطيع طيرة
…
ولا تقعن إلا وقلبك خافق
يريد: يا خالد، قول الآخر:
يا هرمُ وأنت
…
أهلُ عَدْل
إن ولد الأحوص
…
يوماً قَبلِ
وقول الآخر:
ضربت صدرها إليَّ وقالت
…
يا عدُي لقد وقتك الأواقي
وقال آخر:
يا عديُ لقلبك المهتاج. . .
والنصب في جميع ذلك جائز.
ومنها: إثبات التنوين والنون في اسم الفاعل في حال اتصال الضمير به، إجراء للمضمر مجرى الظاهر أو لاسم الفاعل مجرى الفعل المضارع، نحو قول
الشاعر:
وليس بمُعْييني وفي الناس ممتع
…
رفيقُ إذا أعيى على رفيق
وقوله:
وما أدري وظني كل ظن
…
أمُسْلمُني إلى قومي شَراحي
وقوله:
هل الله من سَرْو الفَلاة مُريُحني
…
ولمّا تَقَسّمني النهارُ الكوانسُ
كان الوجه أن يقال: بمعيي، ومريحي، ومسلمي، لولا الضرورة، ونحو قول الشاعر:
هم القائلون الخير والآمرونه
…
إذا ما خشوا من مُحدثِ الأمر مُعظَما
وقول الآخر:
ولم يرتفق والناس مُحضرونهُ
…
جميعاً وأيدي المعتفين رواهقه
كان الوجه أن يقال: محتضروه، والآمروه، لولا الضرورة.
وزعم بعضهم أن الهاء للسكت. وذلك ضعيف، لما يلزم من إدخالها على معرب، وبابه أن لا يدخل إلا على مبني، ومن تحريكها وحكمها أن تكون ساكنة، ومن إثباتها في الوصل وبابها ألا تلحق إلا في الوقف.
ومنها: تنوين الاسم العلم الموصوف بابن المضاف إلى العلم أو ما جرى مجراه رداً إلى أصله، نحو قوله:
فإن لا يكن مال يثاب فإنه
…
سيأتي ثنائي (زيداً) بن مهلهل
وقوله:
جارية من قيس
…
بن ثعلبة
كأنها حِلْيَةُ
…
سيفِ مُذْهبه
فإن قال قائل: هلا جعلت ابنا وابنة بدلين مما قبلهما، لا وصفين حتى لا يكون
ثبات التنوين ضرورة. فالجواب أن ابنا وابنة إنما تأتي العرب بهما على طريق الوصف، لا على طريق البدل، بدليل أنهم لا يثبتون التنوين في قولك: قام زيد بن عمرو، وقامت هند بنت بكر، وأمثالهما، إلا في ضرورة شعر. ولو كانا بدلين لكثر تنوين مثل ذلك في الكلام.
ومنها: إلحاقهم النون الثقيلة أو الخفيفة في الفعل المضارع إذا كان منفياً، أو مقللاً، أو موجباً لم تدخل عليه لام قسم، أو جواب شرط أو فعل شرط غير مفصول بينه وبين أداة الشرط بما الزائدة، نحو قول أبي حناء الفقعسي:
يحسبه الجاهل ما
…
لم يَعْلما
شيخاً على
…
كرسيه معمما
يريد: يعلمن، فأبدل النون ألفاً في الوقف، وقول جذيمة الأبرش:
ربما أوفيتُ في علم
…
تَرْفعنْ ثوبي شِمالاتُ
وقول ابن الخَرع:
فمهما تشأ منه فزارةُ تعطكم
…
ومهما تشأ منه فزارة تَمنعا
وقول الآخر:
نبتم نبات الخيزراني في الثرى
…
حديثاً متى ما يأتك الخير يَنْفعا
الأصل: يمنعن، وينفعن، فأبدلت النون ألفاً في الوقف، وقوله:
من تثْقَفَن منكم فليس بآئب
…
أبداً وقتل بني (قتيبة) شافي
وقوله:
قليلاً به ما يحمدنك وارثُ
…
إذا نال مما كنت تجمع مغنما
وقوله:
وأبوك بشر ما يفند عمره
…
وإلى بلى ما يرجِعنَّ جديد
أجرى الفعل المضارع في جميع ذلك مجراه في المواضع التي تلحقه النون فيها
في فصيح الكلام.
ومنها: زيادتهم هذه النون في اسم الفاعل، أجرى في ذلك مجرى الفعل المضارع، لكونه في معناه وجارياً عليه في قوله:
أريت إن جئت
…
به أملودا
ملففاً ويلبس
…
البرودا
أقائلَنّ أحضري
…
الشهودا
يريد: أتقولن، وقول الآخر:
أشاهرنّ بعدنا
…
السيوفا
وأبعد من ذلك زيادتهم لها في آخر الاسم الذي ليس في المعنى الفعلي ولا جارياً عليه، تشبيهاً له بالاسم الذي هو في معناه نحو قول الراجز:
أحب منك
…
موضع الوِشْحَني
وموضع الإزار
…
والقَفَنَّي
فزاد نوناً مشددة في (الوشح) و (القفا)، وفتح ما قبلها، تشبيهاً بالنون المشددة في نحو (أتفعلن).
وأما قول الآخر:
كأن مجرى
…
دمعها المُسْنَنَّ
قطننة من جيد
…
القُطْنُنَّ
فأشبه ما يحمل عليه أن يكون زاد على القطن نوناً ليلحقه ببرثن، فقال: قطنن، ثم شدد النون الآخرة، على حد قول الآخر:
ببازل وجناء
…
أو عَيْنهَلَّ
ويروي من جيد القطن، بتشديد النون، إلحاقاً لقطن بمثل عتل.
ومنها: إثبات الزيادة اللاحقة لـ (من) في الاستثبات في باب الحكاية وصلا،
إجراء له مجرى الوقف، وهو قليل لم يسمع منه إلا قول الشاعر:
أتوا ناري فقلتُ مَنُونَ أنتم
…
فقالوا الجن قلتُ عموا ظلاما
كان الوجه أن يقول: من أنتم، إلا أن الضرورة منعته من ذلك.
ومنها: إشباع الحركة فينشأ عنها حرف من جنسها. فمن إنشاء الألف عن الفتحة قول ابن هَرمة:
فأنت من الغوائل حين ترمي
…
ومن ذم الرجال بمُنْتَزاح
يريد بمنتزح، وقول الفرزدق:
فظلا يِخَيطان الوَراق عليهما
…
بأيديهما من أكل شرَّ طعامِ
وقول الآخر أنشده الفارسي:
والأرض أورثت
…
بني آداما
ما يغرُسُوها
…
شجراً أياما
يريد: آدم، وقوله:
أقول إذ خرت
…
على الكَلْكَال
يا ناقتي ما جُلْتِ
…
من مَجَالِ
يريد الكلكل، وقوله:
أعوذ بالله من
…
العَقْرابِ
الشائلاتِ عقَ
…
دَ الأذنابِ
يريد العقرب، وقول الهذلي:
بينا تَعانُقِه الكماةَ وروغِه
…
يوماً أتيح له جريء سَلْفَعُ
يريد: بين تعانقه.
وأما قول عنترة:
يَنْباعُ من ذفري غضوبِ جَسرة
…
زيافة مثل الفينق المُكْدمِ
فجعله الفارسي من هذا. وقال: (أراد ينبع، فأشبع الفتحة).
وقال الأصمعي: (انباع الشجاع ينباع: إذا انخرط من بين الصفين ماضياً. وأنشد:
يطرق حلماً وأناة معاً
…
ثمت ينباع انبياع الشجاع
وقد يجيء مثل هذا في الكلام شذوذا: حكى أبو علي عن أحمد بن يحيى
أنه سمع: جيء به من حيث وليسا (و) خذه من حيث وليسا، بإشباع حركة ليس.
وحكى الفراء: أكلت لحما شاة، ويريد لحم شاة.
ومن إشباع الواو عن الضمة قوله، أنشده الفراء:
الله يعلم أنا في تلفتنا
…
يوم اللقاء إلى أحبابنا صُورُ
وأنني حيث ما يثني الهوى بصري
…
من حيثما سلكوا أدنو فأنظُورُ
يريد: فأنظر، وقول الآخر، أنشده الفراء أيضاً:
لو أن عَمْراً
…
هم أن يَرْقُودا
كأن في أنيابها
…
القَرَنْفُولْ
يريد: القرنفل.
ومن هذا النوع يجب أن يكون قول (الوليد):
إني سمعت بليل
…
نحو الرصافة رنة
خرجت أسحب ذيلي
…
أنظور ما شأنهنه
وهو ينشد: أنظر، بغير واو، وهو كسر في البيت. قال أبو العلاء المعري:(أن طيئاً تقول أنظور في معنى أنظر).
ومن إنشاء الياء عن الكسرة قوله:
يحبك قلبي ما حييت فإن أمت
…
يحبك عظم في التراب تَريبُ
يريد: تربا، اسم فاعل من ترب، وقول امرئ القيس في إحدى الروايتين:
كأني بفتخاء الجناحين لقوةِ
…
دفوفِ من العُقبان طأطأت شيمالي
يريد: شمالي، وقول الفرزدق:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة
…
نفي الدنانيرِ تنقادُ الصياريِف
يريد الصيارف، وقول زهير:
عليهن فرسان كرام لباسهم
…
سوابيغُ زغفُ لا تُخَرقها النّبل
يريد: سوابغ، ولو حذف الياء لم يضر ذلك بالبيت، وقول التغلبي:
وسواعيدَ يُخْتليْن اختلاء
…
كالمَغَالي يطرن كل مطير
يريد: سواعد - زيادة الياء في جميع ذلك ضرورة، لأنها إنما تزاد في الجمع إذا كانت الياء والواو أو الألف رابعة في المفرد، نحو: قنديل، وبهلول، ودينار، أو إذا كان الآخر مضعفاً غير مدغم، نحو قردد وقراديد، كراهية التضعيف. وما عدا ذلك لا تزاد الياء في آخره إلا في شاذ من الكلام، نحو قولهم في جمع مطفل ومشدن: مطافيل ومشادين، أو في ضرورة شعر، تشبيهاً له بما جمع على غير واحدة، نحو: لمحة وملامح.
وذهب الكوفيون إلى أن ذلك جائز في كل اسم يجمع على (مفاعل) في الكلام والشعر، إلا أن يكون ما قبل الآخر ساكناً، نحو: سبطر، فإن ذلك لا يجوز، بل تقول في جمعه سباطير لا غير، لأن الإشباع لا يتصور إذ ذاك في المفرد فيبني الجمع عليه.
واستثنى الفراء موضعين آخرين سوى ذلك. أحدهما ما كان مضاعف الآخر مدغماً، نحو مرد، لم يجز فيه مراديد، لأن الحرف المضعف بمنزلة حرف واحد، فكرهوا أن يصير في الجمع اثنين بظهور التضعيف. والآخر: ما كان على وزن فاعل: زعم أنهم لا يقولون في جمعه فواعيل، وجعل السبب
ذلك أن برقعا قد قيل فيه برقوع، ونحو مفتح قد قيل فيه مفتاح، فحمل الجمع على ما يتحمله المفرد من الزيادة. قال: ولم يأت في فاعل فاعيل، فكفوا عن الياء في جمعه لذلك. قال: قد
حكي لنا أن العرب قالت: سوابيغ. وهو شاذ.
وأجاز زيادة الياء في ما عدا ذلك. وحكي أنهم يقولون: منكر ومناكير، وموعظة ومواعيظ، ومعذرة ومعاذير، ومخمصة ومخاميص، ومطفل ومطافيل، ومدخل ومداخيل: قال: سمعت بعض العرب تقول: وسع الله مداخيلك، ومرفق ومرافيق، وأنشد:
في فتية كسيوفِ الهِند قد حسروا
…
أيدي السرابيل عن حد المرافيقِ
ودمل ودماميل، وأنشد:
ولست بمن أدعي له أن تفتحت
…
عليه دماميل استه وحبونها
وجميع ذلك عند البصريين شاذ أو ضرورة.
وما اعتذر به عن امتناعهم من أن يقولوا فواعيل في جمع فاعل، مناقض لما رواه من جمع مطفل ومخمصة ومدخل ومنكر، على مطافيل ومخاميص ومداخيل ومناكير، لأنه لا يقال مفعيل ولا مفعال.
ومن هذا القبيل مد المقصور. وفيه خلاف، فأجازه الكوفيون وطائفة من البصريين، فيما ذكر ابن ولاد ومنعه أكثر البصريين. واحتجوا على منعه بأن مد المقصور لا يتصور إلا بأن يزاد في الكلمة ما ليس في أصلها، وإنما يجوز في الضرورة رد الكلمة إلى أصلها، لا إخراجها عن ذلك.
واحتج الكوفيون على إجازته بالسماع والقياس. أما السماع فقوله، أنشده الفراء:
قد علمت أخت
…
بني السّعلاءِ
وعلمت ذاك
…
مع الجراء
أن نعم مأكولا
…
على الخَواءِ
يا لك من تمر
…
ومن شيشاءِ
ينشب في
…
المعسل واللهاءِ
فمد السعلى والخوى واللهى، وهي مقصورة، وقول طرفة:
لها كبد ملساء ذات أسرة
…
وكشحان لم ينقض طواءهما الحَبل
فمد الطوى وهو مقصور، وقول الآخر، أنشده ابن الأعرابي:
يا حُسنها في
…
الرّضاءِ والغَضَب
فمد الرضى وهو مقصور، وليس بمصدر راضي، نحو رامي رماء، كما ذهب إليه بعضهم، لأنه قرنه بالغضب، فدل ذاك على أنه أراد الرضى الذي هو ضد الغضب. ولو كان بمعنى المراضاة، لقرن به ضده وهو المغاضبة. وأنشد الأخفش، أيضا، في مدى الرضى، في الكبير له:
فرضيت عنها بالرضاء لما أتت
…
من دون غضبة صعبها ويسارِ
وقول العجاج:
والمرء يبليه
…
بِلَاء السربالْ
تناسخ الإهلال
…
بعد الإهلال
رواه الأخفش في الكبير له بلاء السربال، بكسر الباء والمد، وقول الآخر:
سيغنيني الذي أغناك عني
…
فلا فقر يدوم ولا غناء
فمد الغني، ضد الفقر: مقصور، وليس المراد به مصدر غانيته أي فاخرته بالغنى عنه. لأنه قرنه بالفقر، فدل ذلك على أنه يريد السعة في المال لا المفاخرة بالغنى عنه.
ومن هذا القبيل في أنه قد مد للضرورة، إلا أنه لم يكن أخره قبل ذلك ألفا، قول الشاعر:
فكلهمُ مستقبحٌ لصواب من
…
يخالفه مستحسنٌ لخطائه
فمد الخطأ وهو مقصور، وقد قيل أن المد لغة.
بل ما هو أشذ من هذا، وهو مد المقصور في المال في حال السعة: فرا طلحة
بن
مصرف: (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار)، فمد السنا الذي يراد به الضوء، وهو مقصور.
وأما القياس فإنه لا فرق بين زيادة الألف قبل الآخر في الخوى، والسعلى، واللهى، والطوى، والرضى، والغنى، فيجتمع ألفان إذ ذاك، فتنقلب الثانية همزة، وبين زيادتها قبل الآخر في: منتزح، وورق، وكلكل، وعقرب. فكما زيدت الألف قبل الآخر في هذه الأسماء وأشباهها، فلذلك (لا ينكر) زيادتها قبل آخر المقصور.
وإلى جواز مد المقصور ذهب ابن ولاد وابن خروف من المتأخرين، وزعما أن س دل على جوازه في الشعر بقوله: مدوا فقالوا منابير. قال ابن ولاد: فزيادة الألف قبل آخر المقصور كزيادة هذه الياء في الشعر،
(إذا) كانا جميعاً ليسا (من أصل الكلمة).
ومنها: إثبات حرف العلة في الموضع الذي يجب حذفه فيه سعة الكلام، إجراء للمعتل مجرى الصحيح، نحو قول جرير:
فيوماً يجاذبن الهوى غير ماضي
…
ويوماً ترى منهن غولا تَغولُ
ونحو قول الفرزدق:
فلو كان عبد الله مولى هجوته
…
ولكن عبد الله مولى مواليا
وقول الكميت:
خريع (دوادي) في ملعب
…
تأزرُ طوراً وترخي الإزارا
وقول الآخر:
قد عَجبتْ مني
…
ومن يُعَيْليا
لما رأتني
…
خلِقاً مُقْلَوليا
كان الوجه في جميع ذلك أن يقال: غير ماض، ومولى موال، وخريع (دواد)، ومن يعيل، لولا الضرورة.
ومثل ذلك:
أبيت على معاري فاخرات
…
بهن مُلوب كدم العباط
ولو أنشد على معار، لكان البيت مستقيماً، غير أنه يصير مزاحفاً، لأن الخبن على مفاعلتن من الوافر، فيسكن خامسه ويصير على مفاعلين. ويسمى هذا الزحاف العصب. فلما كره الزحاف أثبت الياء، إجراء للمعتل مجرى الصحيح. وذكر المازني أنه سمع أعرابياً ينشد:
أبيت على معارٍ فاخرات
…
. . . . . . . .
فاحتمل قبح الزحاف لاستواء الإعراب.
ومثل ذلك أيضاً قول الآخر:
ما أن رأيت ولا أرى في مدتي
…
كجواري يلعبن في الصحراء
فجمع بين ضرورتين: إحداهما إثبات الياء وتحريكها، وكان حقه أن يحذفها فيقول كجوار. والثانية أنه صرف ما لا ينصرف، وكان الوجه لما أثبت الياء، إجراء لها مجرى الحرف الصحيح، أن يمنع الصرف فيقول كجواري. ومثل ذلك قول أمية ابن أبي الصلت:
له ما رأت عينُ البصيرِ وفوقه
…
سماء الإله فوق سَبْع سمائيا
ورواه ابن السراج: فوق ست سمائيا. وفيه ثلاث ضرائر إحداهما أن سماءة قياسها أن يجمع على سمايا، كخطايا، فجمعها على سمائي كالصحيح، نحو سحابة وسحائب. والثانية أنه كان حكمه أن يقول سبع سماء كجوار. والثالثة أنه جمع سماءة على سمائي، وكان حقها أن تجمع على سماء، بحذف التاء، كشمامة وشمام، لأنها من جنس المخلوقات كتمرة
وتمر، أو بالألف والتاء، فيقال: سماوات كشمامات.
ومثل ذلك في الفعل قوله:
ألم يأتيك والأنباءُ تَنْمي
…
بما لاقت لبونُ بني زياد
وقول الآخر:
قال لها من
…
تحتها وما استوى
هُزي إليك الجذع
…
يَجْنيكِ الجنا
وقول الآخر:
هجوتَ زيانَ ثم جئتَ معتذراً
…
مِنْ هَجو زِبانَ لم تَهْجو ولم تَدع
وقول الآخر، أنشده الكسائي:
أبا خالدِ فأكسوهما حلتيهما
…
فإنكما إن تفعلا فتيان
كان الوجه في جميع ذلك أن يقال: ألم يأتك، ويجنك، ولم تهج، وفاكسهما إلا أنه أجرى المعتل مجرى الصحيح لما أضطر إلى ذلك.
ولا يجوز مثل ذلك في الألف عند المحققين من النحويين: لا يقال: لم تخش، ولا لم ترض. وسبب ذلك شيئان: أحدهما أن الجازم ليس له، إذ ذاك، ما يحذفه إلا الحركة المقدرة في اللف، وإذا حذفها وجب أن يرجع حرف العلة إلى أصله، فيقال: لم تخش، ولم ترض، لأن انقلاب الياء ألفاً إنما كان لتحركها وانفتاح ما قبلها. فإذا ذهبت الحركة للجزم، وجب أن يصح لذهاب الحركة منها، فلما لم يصححوها، دل ذلك على أنهم لم يحذفوا الحركة المقدرة. والآخر أن الياء والواو، لما شاع ظهور الضمة فيهما إذا أجريا مجرى الحرف الصحيح، ومن ذلك قوله:
فعوضني منها غناي ولم تكن
…
تُسَاوِيْ عنزي غيرَ خَمْسة (دراهم)
حذف الجازم تلك الحركة الظاهرة، ولم يحذف حرف العلة، كما يفعل بالصحيح، والألف لا يمكن ظهور الحركة فيها، فلم يجر لذلك مجرى الحرف الصحيح.
فأما قول الشاعر:
إذا العجوز
…
غضبت فطلق
ولا ترضاها
…
ولا تملق
فينبغي أن يجعل فيه (لا) الداخلة على (ترضاها) نافية والواو واو حال، مثلها في: قمت وأصك عينه، فيكون المعنى، إذ ذاك فطلقها غير مترض
لها، ويكون قوله:(ولا تملق) جملة نهي معطوفة على جملة الأمر التي هي (طلق). ولا ينبغي أن تجعل (لا) حرف نهي، لأنها لو كانت للنهي لوجب حذف الألف من ترضاها.
وكذلك قول عبد يغوث:
وتضحكُ مني شيخةُ عبشميةُ
…
كأن لم تَري قبلي أسيراً يمانياً
ينبغي أن يحمل على أن الألف من ترى بدل من الياء التي هي ضمير المخاطبة والأصل: كأن لم تري، على حد قولهم في ييأس: يائس. ويؤيد ذلك قول رواية من روى: كأن لم تري.
ومنها: رد حرف العلة المحذوف لالتقاء الساكنين، اعتداداً بتحريك الساكن الذي حذف من أجله، وإن كان تحريكه عارضاً، نحو قوله، أنشده الفراء:
ويها فداء لك
…
يا فُضَاله
أجِره الرُّمُح
…
ولا تَهاله
وقول الآخر:
تسائل بابن أحمر من رآه
…
أعارت عينُه أم لم تعارا
وقول الآخر، أنشده أبو زيد:
ما كان إلا
…
طلق الإهماد
وكرنا بالأغْربِ
…
الجِيادِ
حتى تحاجرن
…
عن الذُوّادِ
تحاجُرَ الري
…
ولم تكادي
وقول الآخر:
يا حب قد أمسينا
…
ولم تَنام العَيْنا
كان الوجه في جميع ذلك أن يقال: ولا تهله، ولم تعر، ولم تكد، ولم تنم العينان، إلا أنه اضطر فرد حرف العلة المحذوف واعتد بتحريك الآخر في جميع ذلك وإن كان عارضاً، ألا ترى أن الميم من قوله:(ولم تنام العينا) إنما حركت لالتقائها مع لام التعريف وهي ساكنة، وأن اللام من (تهاله)، والدال من (تكادي) إنما (حركتا لالتقائهما) مع حرف الإطلاق وهو ساكن، وأن الراء من (تعارا) إنما حركت لأجل النون الخفيفة المبدل منها الألف، والأصل: لم تعرن، ولحقت النون الخفيفة الفعل المنفي بلم، كما لحقته في قول الآخر:
يَحْسِبُه الجاهل
…
ما لم يَعلما
ومن هذا القبيل جعل الكسائي قول امرئ القيس:
لها متنتان خظاتاكما
…
أكب على ساعديه النمر
فقال: يريد خطتا، إلا أنه اعتد بحركة التاء، وإن كانت عارضة بسبب التقاء الساكنين.
وأما غيره فإنه يقول: إن أصله خظاتان، بمنزلة في قول الآخر:
ومتنانِ خَظاتان
…
كزُحُلوفِ من الهَضْبِ
إلا أنه حذف النون ضرورة.
ومنها: إثبات ألف (أنا) في الوصل، إجراء له مجرى الوقف، نحو قول الأعشى:
فكيفَ أنا وانتحالي القواف
…
ي بعد المشيبِ كفى ذاك عارا
وقول الآخر:
أنا سيفُ العشيرةِ فاعرِفوني
…
حَميداً قد تذريت السّنَاما
فإن قيل: كيف يكون هذا ضرورة، ومن القراء من يقرأ:(وأنا أعلم بما أخفيتم) وما كان مثله في القرآن بإثبات الألف؟ فالجواب أن الذي قرأ بذلك وصل بنية
الوقف، كما قرأ بعضهم:(فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه)، (وما أدراك ما هية نار حامية) بإثبات هاء الوقف إلا أن الفصل بين النطقين، لقصر زمانه، خفي على السامع.
ومنها: تضعيف الآخر في الوصل، إجراء له مجرى الوقف، نحو قول ربيعة بن صبح:
هبت الريح
…
بمور هبا
تترك ما أبقى
…
الدبا سبسبا
كأنه السيل
…
إذا اسلحبا
أو كالحريق
…
وافق القصبا
والتبن والحلفاء
…
فالتهبا
فشدد آخر (سبسب)، و (القصب)، و (التهب) في الوصل ضرورة. وكأنه شدد وهو ينوي الوقف على الباء نفسها، ثم وصل القافية بالألف، فأجتمع له ساكنان، فحرك الباء وأبقى التضعيف، لأنه لم يعتد بالحركة لكونها عارضة، بل أجرى الوصل مجرى الوقف. ومثل ذلك قول رؤبة:
ضَخْمُ يُحبّ
…
الخُلقَ الأضْخَما
يريد: الأضخم، وقول الآخر:
ببازلِ وجناَء
…
أو عَيهَلَّ
كأن مَهْواها
…
على الكَلكلَّ
يريد: أو عيهل، وعلى الكلكل، فشدد.
ومنها: إثبات هاء السكت في حال الوصل، نحو قوله:
يا مرحباهُ
…
بحمارِ ناجيه
إذا أتى قربتُه
…
للسَّانِيه
وقوله:
يا مرحباهُ
…
بِحمارِ عفراءْ
إذا أتى قربته
…
لما شاءْ
من الشعير
…
والحشيش والماء
قال أبو الفتح: (وهو شاذ ضعيف عند أصحابنا لا يثبتونه في الرواية ولا يحفظونه في القياس، من جهة أنه لا يخلو من أن تجري الكلمة على حد الوقف أو على حد الوصل. فإن أجراها على حد الوصل فسبيله أن يحذف الهاء وصلا، لاستغنائه عنها في الوصل بما يتبع الألف. وإن كان على حد الوقف، فقد خالف ذلك بإثباته إياها متحركة، بالكسر كانت أو بالضم، وهي في وقف بلا خلاف ساكنة. ولا يعلم هنا منزلة بين الوصل والوقف يرجع إليها وتجري هذه الكلمة عليها. فلهذا كان إثبات الهاء متحركة خطأ عندنا.
وهذا الذي أنكره قد جاء مثله، وهو قوله:
له زجل كأنه صَوْتُ حادٍ
…
إذا طلب الوسيقَة أو زَميرُ
وأشباهه. ألا ترى أن قوله: (كأنه صوت حاد) ليس على حد الوقف، لأن الضمير متحرك، ولا على الوصل، لأنه غير ممطول. فهو بين الوصل والوقف. وقد أثبت هو هذا وأمثاله، ولم ينكره، فكذلك ينبغي أن لا ينكر (يا مرحباه) وأمثاله من جهة القياس، لأنه لا فرق بينهما، ألا ترى أنه أثبت الهاء الساكنة في الوصل وحكمها أن لا تكون إلا في الوقف، وحرك الهاء لالتقائها وهي ساكنة مع الألف، على حد ما يفعل بالساكنين
إذا اجتمعنا في حال الوصل. كما أثبت ذلك حركة الضمير، وهي لا تثبت إلا في حال الوصل. فمن حرك بالكسر فعلى أصل التحريك لالتقاء الساكنين. ومن حرك بالضم فعلى حد ما حكاه قطرب من أن بعضهم فر فحرك بالضم. ومثل ذلك قول المجنون:
فقلت إياه رباهُ أول سؤلتي
…
لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها
ومنها: قطع ألف الوصل في الدرج، إجراء لها مجراها في حال الابتداء بها. وأكثر ما يكون ذلك في أول النصف الثاني من البيت، لتقدير الوقف على الأنصاف التي هي الصدور. نحو قول حسان بن ثابت:
لتَسْمعنَّ وشيكاً في دياركم
…
الله أكبر يا ثارات عثمانا
وقول لبيد:
ولا يبادرُ في الشتاءِ وليدُنا
…
ألقدرَ ينزلهاُ بِغَيْرِ جِعالِ
وقول الآخر:
أو مُذْهبُ جددُ على ألواحِهِ
…
ألناطقُ المزبورُ والمختوم
ألا ترى أن همزة الوصل الداخلة لام التعريف مقطوعة في جميع ذلك، ونحو قول الآخر:
لا نسبَ اليومَ ولا خلة
…
اتسع الخَرقُ على الراقع
ألا ترى أنه قطع ألف (اتسع) وهي ألف وصل.
وقد يقطع في حشو البيت. وذلك قليل، ومنه قول قيس بن الخطيم:
إذا جاوز الاثنين سرَّ فإنه
…
بنثِ وتكثير الوشاةِ قمينُ
وقول جميل:
ألا لا أرى اثنين أحسنَ شيمةَ
…
على حَدثان الدهرِ مني ومن جُملِ
وأنشد قدامة:
يا نَفسُ صبراً
…
كلُّ حيَّ لاقي
وكل اثنين
…
إلى افتراقِ
ألا ترى أن الألف من (اثنين) مقطوعة في جميع ذلك، وهي ألف وصل.
ومنها: زيادة حرف في الكلمة على طريق التوهم، نحو قوله:
طلبُ لعُرفِك يابن يحيى بعدما
…
تَقطعت بي دونك الأسباب
زاد تاء على التوهم، وذلك أن تقطعت كثرت في كلامه، حتى ظن أنها (فعلت)، فزاد عليها التاء التي تزاد في (تفعلت)، وقوله:
إن شَكْلي وإن شكلَك شتى
…
فالزمي الخُصّ (واخفضي تَبْيضّي)
كثر (تبيضي) عنده، حتى توهم أنها (تفعل)، فزاد فيها ضاداً.
وهذا من القلة والندور بحيث لا يقاس عليه.
فأما قول رؤبة:
أقفرت الوعساءُ
…
والعَثاعثُ
من أهلها
…
والبرقُ البَرارثُ
فإنه من قبيل ما يجمع على غير واحدة الملفوظ: في جمع لمحة ملامح. لأن الواحد، فيما زعم الأصمعي، برث، يقال: مكان برث، أي سهل التراب. والجمع براث.
وأما زيادة الكلمة، فمنها: الجمع بين العوض والمعوض منه، نحو قوله:
وما عليك أن
…
تقولي كُلّما
سبحت أو هَللتِ
…
يا اللهمَّ ما
فأدخل حرف النداء على اللهم، ولا يجوز ذلك في الكلام، لأن الميم المشددة عوض منه، والجمع بين العوض والمعوض منه لا يجوز إلا في ضرورة. ومثله قوله الآخر، أنشده الفراء:
إني إذا ما
…
حدثُ ألمّا
أقول يا اللهم
…
يا اللهما
ومنها: إدخال لام التأكيد في موضع لا تدخل فيه في سعة الكلام، نحو ما أنشده قطرب من قوله:
ألم تكن حلفْتَ
…
بالله العَليّ
أنّ مطاياك لَمنْ
…
خير المطيّ
فزاد اللام في خبر (أن) المفتوحة، ومثله قول الآخر، أنشده ابن دريد عن أبي عثمان المازني:
فنافسْ أبا المغْراء فيها ابن دَراعِ
…
على أنه فيها لَغيرُ مُنافِس
وقول الآخر، أنشده الفراء:
وأعلم أن تسليماً وتركاً
…
للامتشابهان ولا سَواءُ
ألا ترى أن اللام قد زيدت في البيتين في خبر (أن) المفتوحة.
وقد جاء مثل ذلك في الشاذ: قرأ ابن جبير: (إلا أنهم ليأكلونَ الطعامَ)، بفتح (أن).
ونحو قول الآخر، أنشده أبو علي:
مرُّوا عِجالاّ وقالوا كيف صاحبكم
…
قال الذي سألوا أمسى لَمجْهودا
فزاد اللام في خبر (أمسى)، وقول الآخر، أنشده ابن الأعرابي:
ثُمّتَ يَعْدُوا لَكأن
…
لم يَشعُر
رِخْوَ الإزار رمّح
…
التبختُرِ
فزاد اللام في (كأن)، وقول الآخر:
وما زلت من اسما لدن أن عرفُتها
…
لكالهائم المقصي بكل بلادِ
فزاد اللام في خبر زال، وقول الآخر:
. . . . . . . . .
…
ولكنني من حبها لَعميد
فزاد اللام في خبر لكن، وقول الآخر:
أم الحُليْس
…
لَعجُوزُ شَهْربَهْ
ترضى من اللّحمْ
…
بعظم الرَقَبةْ
فزاد اللام في خبر المبتدأ.
فأما ما رواه أبو الحسن الأخفش عن العرب، من قولهم: إن زيداً وجهه لحسن، فالذي سهله كون الجملة من المبتدأ والخبر في موضع خبر (إن). وهو مع ذلك ضعيف.
ومنها: زيادة (أن) و (إن) على طريق التأكيد في موضع لا تزادان فيه في فصيح الكلام.
فمن زيادة (أن) قول ابن صريم اليشكري:
ويوماً توافينا بوجهٍ مُقَسّم
…
كأن ظبيةٍ تعطو إلى وارقٍ السلَم
وقول الآخر:
حَمُومُ الشَد شائلةُ الذنابي
…
وهاديها كأن جذعِ سَحُوق
ألا ترى (أن) زيدت في البيتين بين الكاف والاسم المجرور بها، وقول الآخر:
أردت لكيما أن تطيرَ بقربتي
…
فتتركها شنا ببيداء بَلقع
(أن) فيه زائدة غير عاملة، لأن (لكيما) تنصب الفعل بنفسها، ولا يجوز إدخال ناصب على ناصب.
وأما قول حسان:
فقالت أكل الناس أصبحت مانحاً
…
لسانَك كيما أنْ تغُرَّ وتَخْدعاَ
(فإن) فيه ناصبة لا زائدة أظهرت للضرورة. لأن (كيما) إذا لم تدخل عليها اللام، كان الفعل بعدها منتصباً بإضمار (أن)، ولا يجوز إظهارها في فصيح الكلام.
ومن ذلك، عند بعض النحويين، دخول (أن) في خبر كاد، نحو قول رؤبة:
قد كَاد مِن طَولِ
…
البِلى أن يَمْصَحَا
وقول الآخر:
كادت النّفْسُ أن تفيظ عليه
…
إذ ثوى حَشو ريطةٍ وبُرود
والصحيح أن دخولها في خبر كاد ضرورة، إلا أنها ليست - مع ذلك - بزائدة.
لعملها النصب زائدة لا تعمل. بل هي مع الفعل الذي نصبته بتأويل مصدر، وذلك المصدر في موضع خبر كاد، على حد قولهم:(زيد إقبال وإدبار).
ومما زيدت فيه (أن)، عند بعض النحويين، في قول أبي ذؤيب:
فأجبتُها أما لجسمي أنه
…
أودى بَنيَّ من البلاد فودعوا
قال: يريد: أن ما، إلا أنه أدغم. و (أن) زائدة. و (ما) موصولة بمنزلة الذي. والتقدير: فأجبتها الذي لجسمي أنه أودى بني.
ومن زيادة (إن) المكسورة الهمزة قول الشاعر، أنشده س:
ورج الفتى للخير ما إن رأيته
…
على السن خيراً لا يزال يزيد
فزاد (أن) بعد (ما) وليست بنافية، تشبيهاً لها ب (ما) النافية. ألا ترى أن المعنى: ورج الفتى للخير مدة رؤيتك إياه لا يزال يزيد خيراً على السن، لكن لما كان لفظها كلفظ (ما) النافية زادها بعدها، كما تزاد بعد (ما) النافية في نحو قولك: ما أن قام زيد، وقول الآخر، أنشده أبو زيد:
يرجى المرءُ ما إن لا يلاقي
…
وتَعْرض دون أدناه الخطوبُ
فزاد (أن) بعد (ما)، وهي اسم موصول، لشبهها باللفظ بـ (ما) النافية، وقول النابغة في إحدى الروايتين.
إلا الأواريَّ لا إنْ ما أبينها
…
والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلدِ
فزاد (إن) بعد (لا) لشبهها ب (ما) من حيث كانتا للنفي. وزعم الفراء أن (لا)، و (إن)، و (ما) حروف نفي، وأن النابغة جمع بينها على طريق التأكيد.
ومنها: زيادة حرف الجر في المواضع التي لا تزاد فيها في سعة الكلام، نحو قول قيس بن زهير:
ألم يأتيك والأنياءُ تَنْمِي
…
بما لاقَتْ لبونُ بني زِيادِ
فزاد الباء في فاعل (يأتي). ألا ترى أن المعنى: ألم يأتيك ما لاقت لبون بني
زياد، وقول النمر بن تولب:
ظَهرتْ ندامتهُ وهان بِسخطها
…
شيئاً على مَربُوعها وعِذارها
التقدير: هان سخطها، وقول عمرو بن ملقط:
مهما لي الليلة مهما لِيهْ
…
أودي بِنَغليَّ وسرباليه
التقدير: أودى نعلاي وسرباليه، وقول امريء القيس:
ألا هل أتاها والحوادثُ جمّةُ
…
بأن امرأ القيس بن تملكَ بيقرا
التقدير: ألا هل أتاها أن امرأ القيس بن تملك بيقر، وقول الآخر:
نَضْربُ بالسيفِ
…
ونرجو بالفرجْ
التقدير: نرجو الفرج، وقول امرئ القيس:
وكذاك لا خيرُ ولا
…
شرُ على أحدٍ بدائمْ
التقدير: لا خير ولا شر على أحد دائماً، فزاد الباء في خبز (لا).
وبالجملة لا تنقاس زيادة الباء في سعة الكلام إلا في خبر (ما) وخبر (ليس) وفاعل عمرو بذاهب، وكفى بالله شهيداً، أي كفى الله، وكفى بنا حبك، وأحسن بزيد، ما أحسنه: ويلزم زيادتها في فاعل (أفعل) بمعنى ما أفعله. وما عدا هذه المواضع لا تزاد فيه الباء إلا في ضرورة أو شاذ من الكلام يحفظ ولا يقاس عليه.
ومنها: زيادة (من) على الاسم النكرة والمعرفة في الكلام الواجب، نحو قول الأسود بن يَعَفرُ:
هوى بهم من حبهم وسفاههم
…
من الريح لا تمري سحاباً وقَطرا
التقدير: هوى بهم الريح، وقول الآخر:
وكأنما ينأى بجانب دفها ال
…
وحشي من هزج العشي مأوم
والتقدير ينأى هزج العشي بجانب دفها الوحشي.
ويدل على أن (من) زائدة، و (هزج) في موضع رفع بـ (ينأى) قوله:
هرَّ جنيبُ كلما عطفت له
…
غضبي اتقاها باليَدينِ وبالفمِ
فأبدل (هر)، وهو مرفوع، من (هزح).
وقول الآخر، وهو جزء بن ضرار أخو الشماخ:
أمْهرَ منها
…
حيةَ ونينانْ
التقدير: أمهرها.
ومنها: زيادة الكاف، نحو قول رؤبة:
لواحق الأقرابِ
…
فيها كالمَقق
والمقق: الطول. ألا ترى أنه إنما يقال: في الشيء طول، ولا يقال فيه كالطول.
ومنها: زيادة (علي)، نحو قول حميد بن ثور:
أبى الله إلا أن سرحةَ مالكِ
…
على كل أفنانِ العضاةِ تَرُوقُ
التقدير: أفنان العضاة تروق: لا يحتاج في تعديها إلى حرف جر. وإنما يقال: راقني الشيء يروقني، أي أعجبني.
ومنها: زيادة (في)، نحو قول سويد بن أبي كاهل:
أنا أبو سعدِ
…
إذا الليلُ دجا
تَخَالُ في
…
سَودادهِ يَرَنْدجا
التقدير: تخال سواده يرندجا.
وزيادة هذه الأحرف الثلاثة، أعني (الكاف) و (على) و (في)، من القلة والندور بحيث لا يجوز القياس عليها عند أحد من النحويين.
ومنها: زيادة اللام على المفعول في حال تأخره عن الفعل العامل فيه تقوية للعمل، نحو قول ابن ميادة:
وملكت ما بين العراقِ ويثربٍ
…
مُلكاْ أجارَ لمُسلمِ ومعَاهدِ
يريد: أجار مسلماً ومعاهداً، وقول الآخر:
فلما أن (توافقنا) قليلا
…
أنخنا للكلاكلِ فارتمينا
يريد: أنخنا الكلاكل.
وقد يجيء ذلك في سعة الكلام، نحو قوله تعالى:(قل عسى أن يكون ردف لكم)، أي ردفكم، إلا أن ذلك لا يحسن إلا في الشعر، فلذلك أورد في الضرائر.
ومنها: زيادة (ما) بعد كاف الجر، نحو قول الأعشى:
كما راشدِ تجدين امرءاً
…
تفكر ثم ارعوي أو نَدمْ
يريد: كراشد، وقول الكميت:
يركضن في المهمة اليَبابِ كما
…
أقربِ أرضِ لها أباعِدُها
يريد: كأقرب أرض، وقوله:
وأنجيتني من موقف ذي عداوة
…
كما ابنةِ زبا أو أطم وأكيدا
يريد: كابنة زبا، وقول عدي بن زيد:
كما أنتم كنا وكما
…
نحن تكونون
يريد: كأنتم كنا، وكنحن تكونون.
وبعد (كما)، نحو قوله:
كما ما امرؤُ في معشر غير قومه
…
ضعيفُ الكلام شَخْصهُ متضائل
يريد: كما امرؤ.
وبين البدل والبدل منه، نحو قوله:
وكأنه لَهقُ السراة كأنه
…
ما حاجبيه معينُ بسواد
يريد: كأنه حاجبيه.
وأقل من ذلك زيادتها أول الكلام، نحو قول عبدة بن الطيب، أنشد ذلك له أبو زيد.
ما مع أنك يوم الوِرد ذو جرز
…
ضخمُ الجُزارة بالسَّلمين وكّارُ
ما كنت أولَ ضبٍ صاب تلعَتَهُ
…
غيثُ فأمرعَ واستخلتْ له الدار
قال أبو زيد: (ما زائدة)، يريد: مع أنك يوم الورد ذو جرز، ما كنت أول ضب صاب تلعته غيث.
ومنها: إدخال الحرف على الحرف، على جهة التأكيد لا تفاقهما في اللفظ والمعنى، أو في المعنى لا في اللفظ، نحو قول بعض بني أسد:
فلا والله لا يُلْفي لما بي
…
ولا لِلما بهم أبداً دواء
فزاد على لام الجر لاماً أخرى للتأكيد، ونحو قول الآخر، أنشده الفراء:
فلئن قوم أصابوا غِرةُ
…
وأصبنا من زمانِ رَنَقا
لَلَقد كنا لدى أزماننا
…
لصنيعين لبأسٍ وتُقى
فزاد على لام لقد لاماً أخرى للتأكيد، ونحو قول الآخر:
فأصبحنَ لا يسألنه عن بِما بِه
…
أصعَّد عن جَوَّ السّما أم تصوبا
فأدخل عن على (الباء) تأكيداً، لأنهم يقولون: سألت عنه، وسألت به، والمعنى واحد.
ومن هذا القبيل قول النابغة في أحد القولين:
إلا الأواري لا إن ما أبينها
…
والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد
فجمع بين (إن) و (ما) الزائدتين بعد (لا) النافية تأكيداً للنفي، وقول الآخر:
طعامُهمْ لئن أكلوا (معن)
…
وما إنْ لا (تحاك) لهم ثياب
فجمع بين (إن) و (لا) الزائدتين بعد (ما) تأكيدا للنفي.
ومنها: زيادة الواو، والفاء، وبل، وأم.
فمن زيادة الواو قول أبي خراش:
لعَمْرُ أبي الطَّيْرِ المربة غدوة
…
على خالدِ لقد وَقعتِ على لَحم
ولحم امرئٍ لم تَعم الطيرُ مثلهُ
…
عشيةَ أمسى لا يُبين من البَكْم
يريد: لحم امرئ، وهو بدل من لحم المتقدم، إلا أنه اضطر فزاد الواو بين البدل والمبدل منه، وقول الآخر، أنشده الفراء:
فإن رشيداً وابن مروانَ لم يكن
…
ليفعل حتى يُصدرِ الأمر مُصْدرا
يريد: إن رشيد بن مروان، فزاد الواو بين الصفة والموصوف، وقول الآخر:
ولما رأى الرحمن أن ليس فيهم
…
رشيد ولا ناه أخاه عن الغَدْرِ
وَصَبَّ عليهم تغلب بنة وائل
…
وكانوا عليهم مثل راغية البَكْرِ
يريد: صب عليهم، فزاد الواو في جواب (لما)، وقول الآخر:
حتى إذا قَمِلتْ بطونكم
…
ورأيتم أولادكُم شَبّوا
وَقَلبْتُمُ ظهر المجن لنا
…
إن اللئيم الغادر الخب
يريد: قلبتم، فزاد الواو في جواب (إذا)، وقول أبي كبير:
فإذا وذلك ليس إلا حينه
…
وإذا مضى شيء كأن لم يُفْعلِ
وقول الآخر، أنشده الأخفش:
كنا ولا تعصى الحليلةُ بعلَها
…
فاليوم تضربه إذا ما هو عَصَى
الواو زائدة في خبر (كان). والتقدير: (كنت قد يئست)، وكنا لا تعصى الحليلة بعلها.
ومن زيادة الفاء قوله:
يموتُ أناس أو يشيبُ فتاهم
…
ويحدث ناس والصغير فيكبر
يريد: والصغير يكبر، وقول أبي كبير:
فرأيت ما فيه فثُمَّ رزيته
…
فلبثت بعدك غير راض معمري
يريد: ثم رزيته، وقول الأسود بن يعفر:
فَلَنهشل قومي ولي في نهشل
…
نسب لعمر أبيك غير غِلابِ
زاد الفاء في أول الكلام، لأن البيت أو القصيدة.
ومثل ذلك زيادة (بل) في قول العجاج:
بَلْ ما هاج أحزاناً
…
وشجواً قد شجا
ألا ترى أنه زاد (بل) أول الكلام، لأن هذا البيت أول الرجز، وجعلها وإن لم ينتظمها الوزن كالفاء التي انتظمها الوزن في بيت الأسود. ولا يحفظ زيادة (بل) إلا في هذا البيت.
ومن زيادة (أم) قول الراجز، أنشده أبو زيد:
يا دهر أم ما
…
كان مشيي رَقَصا
بَلْ قَدْ تَكُونُ
…
مِشْيتي تَوَقّصا
يريد: يا دهر ما كان مشيي رقصاً، وقول الشاعر:
يا ليت شعري لا منجي من الهرم
…
أم هل على العَيشِ بعد الشّيبِ من نَدم
يريد: ياليت شعري هل على العيش بعد الشيب من ندم. واعترض، بقوله: لا منجي من الهرم، بين شعري والجملة التي في موضع معموله.
وأجاز الفارسي في قوله أبي ذؤيب:
فأجبتها أما لجسمي أنه
…
أودى بنيَّ من البلاد فودعوا
أن يكون الأصل في (أما): أم ما، وتكون (أم) زائدة، و (ما) بمعنى الذي.
والتقدير: فأجبتها الذي لجسمي أنه أودى.
وعلى زيادة (أم) حمل أبو زيد قوله تعالى: (أفلا تبصرون أم أنا خير) التقدير، عنده: أنا خير من هذا الذي هو مهين. ووافقه على جواز ذلك أبو بكر بن طاهر، من المتأخرين.
والصحيح أنها غير زائدة، لأن زيادتها قليلة، فلا ينبغي أن تحمل الآية عليها، إذ قد يمكن حملها على ما هو أحسن من ذلك. ألا ترى أنه يمكن أن تكون منقطعة،
على ما ذهب إليه س، أو متصلة، على ما ذهب إليه الأخفش. وقد بين النحويون الوجهين، فأغنى ذلك عن ذكره هنا.
ومنها: زيادة (إلا)، نحو قول الشاعر:
أرى الدهرَ إلا منجنوناّ بأهله
…
وما صاحبُ الحاجات إلا مُعذبا
هكذا رواه المازني، يريد: أرى الدهر منجنوناَ بأهله. وكذلك جعلها في قول الآخر:
ما زال مذ وجفت في كل هاجرةِ
…
بالأشعث الورد إلا وهو مهموم
يريد: هو مهموم، فزاد (إلا) والواو في خبر (زال)، وفي قول الآخر:
وكلهم حاشاك إلا وجدته
…
كعين الكذوب جهدها واحتفالها
يريد: وكلهم حاشاك وجدته، وفي قول ذي الرمة:
حراجيج ما تنفك إلا مناخةَ
…
على الخَسْف أو نَرمي بها بلداً قفرا
يريد: ما تنفك مناخة.
وهذه الأبيات كلها تحتمل (إلا) فيها أن تكون غير زائدة، إلا البيت الأول فإنها لا تكون فيه إلا زائدة، وذلك بأن تجعل (زال) و (تنفك)(تامتين)، وتكون (إلا) إذ ذاك داخلة على الحال.
ويقال إن ذا الرمة لما عيب عليه قوله: (ما تنفك إلا مناخة) فطن له، فقال: إنما قلت: (آلا مناخة)، أي شخصاً، كما قال:
فما بلغت بنا سَفوانَ حتى
…
طرحن سِخَالهن فصِرْن آلا
وكذلك، أيضا، تجعل (إلا) في قوله:(وكلهم حاشاك إلا وجدته) إيجابا للنفي الذي يعطيه معنى الكلام. ألا ترى أن المعنى: ما منهم أحد، حاشاك، إلا وجدته. وعلى ذلك حمله الفراء.
ومنها: زيادة (لا) لفظاً ومعنى، قول جرير:
ما بالُ جهلكَ بعد الحلمِ والدينِ
…
وقد علاك مشيبُ حين لا حينِ
يريد: حين حين، أي في وقته. وقول الآخر:
أبي جوده (لا) البخلَ واستعجلت به
…
نعم من فتى لا يمنع الجودَ قاتلَه
يريد: أبي جودة البخل. ولا ينبغي أن تجعل منصوبة الموضع بـ (أبي) والبخل بدل منها، لأن (لا) إذا استعملت اسماً مدت: قال الشاعر:
كأنك في الكتاب وجدت لَاء
…
محرمة عليك فما تَحلَ
فمد (لا) لما جعلها اسماً. وقول الآخر، أنشده أبو الحسن الأخفش:
لو لم تكن غَطَفانُ لا ذنوبَ لهَا
…
إلى لامت ذَوُو أحسابها عُمرا
قال أبو الحسن: لا زائدة. والمعنى لها ذنوب إلي.
ومنها: زيادة (كان) للدلالة على الزمان الماضي، نحو قول الفرزدق:
في لجةٍ غمرت أباك بُحُورها
…
في الجاهلية - كان - والإسلام
وقول الآخر، أنشده الفارسي:
في غرف الجنة العليا التي وجبت
…
لهم هناك بسعي - كان - مشكورِ
يريد: بسعي مشكور، وقول الآخر، أنشده الفراء:
سراة بني أبي بكر تساموا
…
على - كان - المسومةِ العرابِ
وقول غيلان بن حريث:
إلى كناس - كان
…
- مُستعيدهِ
يريد: إلى كناس مستعيده، وقول امرئ القيس، في الصحيح من القولين:
أرى أم عمرو دمعها قد تحدرا
…
بكاء على عمرو وما كان أصبرا
يريد: وما أصبر، أي: وما أصبرها.
وقد تزاد في سعة الكلام، ومنه قول قيس بن غالب البدري: (ولدت فاطمة بنت الخرشب الكملة من عبس، لم يوجد - كان - مثلهم يريد: لم يوجد مثلهم، إلا أن
ذلك لا يحسن إلا في الشعر.
وإنما أوردت زيادتها في (فعل)، دون زيادة الجملة، لأنها في حال زيادتها غير مسندة إلى شئ. وسبب ذلك أنها لما زيدت للدلالة على الزمان الماضي، فقيل: زيد - كان - قائم، أشبهت (أمس) من قولك: زيد
- أمس - قائم، فحكم لها بحكم (أمس)، فلم تسند إلى شئ، كما أن (أمس) كذلك. ونظير ذلك استعمالهم (قلما)، وهي في الأصل غير مسندة إلى فاعل، لما كانت في معنى ما لا يسند إليه، وهو حرف النفي، ألا ترى أنك تقول: قلما يقوم زيد، إذا أردت ذلك المعنى.
ولا يزاد شئ من أخواتها، إلا أن يسمع من ذلك شئ، فيحفظ ولا يقاس عليه لشذوذه، نحو ما حكاه أبو الحسن من قولهم: ما أصبح أبردها، وما أمسى أدفاها، يعنون الدنيا، أي: ما أبردها في الصباح، وما أدفاها في المساء.
وأما زيادة الجملة فمنها: زيادة (أكاد)، و (تكاد)، نحو قول حسان:
وتكاد تكسل أن تجيء فراشَها
…
في جسم خرعبةٍ ولين قوامِ
يريد: وتكسل أن تجيء فراشها، لأن المرأة إنما توصف بالكسل، لا بمقاربته، كما قال امرؤ القيس:
. . . . . . . . .
…
يطفن بجماء المرافق مِكسال
وقول الآخر:
فإن لا ألومُ النفس فيما أصابها
…
وإن لا أكادُ بالذي نلت أنجح
يريد: وإن لا أنجح بالذي نلت.
فأما قول حسان:
على ما قام يشتمني لئيمُ
…
كخنزيرٍ تمرغ في رماد
وقول بعض بني نبهان:
فإن كنت سيدنَا سُدْتَنَا
…
وإن كنت للخال فأذهب فَخَلْ
فزعم أبو الفتح أن (قام) في البيت الأول، و (فأذهب) في البيت الثاني زائدتان، لأن المعنى: وإن كنت للخال فخل، وعلام يشتمني، وإنهما زيدتا توكيداً للكلام وتمكيناً له.
والصحيح أنهما غير زائدتين، لأنه لا موجب لزيادتهما. بل (قام) في بيت حسان ليست ضد (قعد)، بل (في) معنى ثبت، من قوله تعالى (إلا ما دمت عليه قائماً). وكأنه قال: ما ثبت يشتمني لئيم. وكذلك (اذهب) في البيت الثاني له معنى لا يفهم إلا منه. ألا ترى أن المعنى: إن سرت فينا سير السادة المرضية سدتنا، وإن كنت تبغي الخال فأذهب فأطلب لذلك قابلاً وبه راضياً، فإننا لا نقبل ذلك ولا نرضاه. ولو جعلت زائدة لا معنى لها، لكان الكلام يعطي ظاهره الرضى بالخال والقرار على الإدلال، وهو خلاف مراد الشاعر.
ولم تزد العرب من الأسماء شيئاً إلا الضمير، في الفصل خاصة، في نحو قولك: ظننت زيداً هو القائم، لأنه لا موضع له من الإعراب. ألا ترى
أنه لا يمكن أن يكون تأكيداً لزيد، لأن الظاهر لا يؤكد بالمضمر، ولا بدلاً منه، لأن الضمير إذا كان بدلاً من منصوب كانت صيغته صيغة الضمير المنصوب. فلو كان بدلاً منه لوجب أن يقال: ظننت زيداً إياه القائم.
وزعم الكسائي أن العرب قد زادت من الأسماء (من) في الشعر واستدل على ذلك بقول عنترة:
يا شاة مَن قنص لمن حلت له
…
حرمت علي وليتها لم تحرمِ
وقول الآخر:
آلُ الزبير سنَام المجد قد علمت
…
ذاك القبائلُ والأثْرون مَنْ عَددا
والتقدير عنده في البيت الأول: يا شاة قنص، وفي البيت الثاني: والأثرون عدداً.
ولا حجة له في البيتين على زيادة (من)، لاحتمال أن تكون فيهما نكرة موصوفة،
كما هي في قوله:
إني وإياك إذ حلت بأرحلنا
…
كمن بواديه بعد المحلِ ممطورِ
ألا ترى أن ممطوراً صفة لـ (من)، وأن المعنى: كإنسان ممطور بواديه بعد المحل، وتكون في بيت عنترة موصوفة بالمصدر الذي هو (قنص)، على
حد قولهم: مررت برجل فطر، أي مفطر، وفي البيت الآخر بالاسم الموضوع موضع المصدر، وهو (عددا)، والمعنى: يا شاة إنسان قانص، والأثرون قوماً معدودين.
وزعم أبو عبيدة أن قول لبيد:
إلى الحولِ ثم اسم السلام عليكما
…
ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعَتَذرْ
إنما هو على زيادة (اسم)، وكأنه قال: ثم السلام عليكما، وكذلك قول غيلان:
لا يُنعشُ الطرف إلا ما تخونه
…
داع يناديه باسم الماء مبغوم
لأن المعنى: يناديه بالماء.
والمعنى كما قاله أبو عبيدة، لكنه ليس على زيادة (اسم)، كما ذهب إليه، بل ما ذكره أبو علي من حذف مضاف، أي: ثم اسم معنى السلام عليكما، وباسم معنى الماء. واسم معنى السلام هو السلام، وكذلك اسم الماء هو الماء، وإضافة المعنى الذي هو المسمى إلى اللفظ الذي هو الاسم قد جاء في كلامهم: حكى أحمد بن إبراهيم - أستاذ ثعلب: (هذا ذو
زيد، أي صاحب هذا الاسم الذي هو زيد. ومن ذلك قوله:
فكذبوها بما قالت فصبحهم
…
ذو آل حسان يزجي الموت والشرعا
أي أصحاب هذا الاسم الذي هو آل حسان.