الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحرام زاده الله تشريفًا وتلك المشاعر الطاهرة؛ فلتكثر من الدعاء بلا ملل. فأنت هنالك قريب من الرحمة ..
وتطل عليك تلك المشاعر: إبتداء بالكعبة المشرفة، وهناك أيضًا: مقام إبراهيم، والصفا والمروة، وزمزم ..
وإذا حللت أرض منى فلا تنسى أن تكثر من الدعاء عند الجمرة الكبرى يوم النحر، والجمرة الصغرى والجمرة الوسطى أيام التشريق.
وإذا حللت مزدلفة فلا تنسى أن تذكر الله تعالى وتدعوه كثيرًا عند المشعر الحرام.
أخي المسلم: بقي أن أقول لك: تلك الأوقات والأماكن جعلها الله تعالى علامات لعباده؛ يتزودون منها لدنياهم وآخرتهم .. فالمحروم حقًا من ضيع تلك الفرص .. وغفل عن تلك المنح الإلهية.
روح الدعاء المستجاب
أخي المسلم: إن للجسد روح يحيا بها ويعيش بها بين الأحياء، ويوم أن تخرج هذه الروح من الجسد يصبح في عالم الأموات؛ ويصبح وقتها لا معنى من وجوده، فيواري التراب! ولتعلم أيها الداعي أن للدعاء أيضًا روح تحركه ليصبح دعاء حيًا ينبض بالحياة؛ حتى يصعد عاليًا ليعود لصاحبه ببشرى الإجابة.
أخي المسلم: أتدري ما هي روح الدعاء المستجاب؟ !
هي: (التذلل والافتقار إلى الله تعالى) فإذا أردت لدعائك أن
يصعد حقًا فتأمل في حالك وقت الدعاء: هل أنت ممن يدعون دعاء الراغب .. الراهب .. المستكين .. الخاضع .. المتذلل .. الفقير إلى ما عند ربه تبارك وتعالى؟ أم أنت إذا دعوت: دعوت دعاء غافل .. لاه؟ ! أيها الداعي: إن التذلل والخضوع والافتقار إلى الله تعالى أثناء الدعاء له مفعول عجيب في إجابة الدعاء ..
وقد غفل الكثيرون عن ذلك؛ فتجد أحدهم إذا دعا أخرج كلمات جافة لا أثر للخضوع والتذلل فيها، وقد نسي هذا أنه يخاطب ملك الملوك المتفرد بالجلال والكبرياء.
قال أبو حفص رحمه الله: أحسن ما يتوسل به العبد إلى الله: دوام الافتقار إليه على جميع الأحوال، وملازمة السنة في جميع الأفعال وطلب القوت من وجه حلال.
وقال بعضهم: «ادع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق» .
أخي المسلم: إن أثر التذلل والخضوع على إجابة الدعاء سريع .. مضمون الفائدة؛ ولا يعلم هذا إلا من جربه ..
وإليك هذه النماذج تبرهن لك أن أثر التذلل على إجابة الدعاء لا يتخلف.
قيل: أصاب الناس قحط على عهد داود عليه الصلاة والسلام فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتى يستسقوا بهم.
فقال أحدهم: اللهم إنك أنزلت في توراتك أن نعفو عمن
ظلمنا اللهم إنا ظلمنا أنفسنا فاعف عنا.
وقال الثاني: اللهم إنك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقاءنا، اللهم إنا أرقاؤك فأعتقنا.
وقال الثالث: اللهم إنك أنزلت في توراتك أن لا نرد المساكين إذا وقفوا بأبوابنا اللهم إنا مساكينك وقفنا ببابك فلا ترد دعاءنا فسقوا.
وفي عهد عبد الرحمن الثالث الخليفة الأموي على بلاد الأندلس، أمسكت السماء ذات مرة عن المطر فدعا الخليفة الناس إلى الاستسقاء.
وكان قاضي الجماعة يومها منذر بن سعيد رحمه الله فبعث إليه الخليفة أن يخرج بالناس إلى صلاة الاستسقاء. ولما جاء ر سول الخليفة إلى منذر، قال له منذر: كيف تركت مولانا؟ قال: تركته قد نزل عن سريره وافترش التراب! فقال منذر: أبشروا بالفرج فإنه إذا ذل جبار الأرض رحم جبار السماء!
ثم خرج الناس بعدها للاستسقاء فسقُوا.
أخي المسلم: لذلك كان أرجى الدعاء بالإجابة ما تضمن الخضوع والتذلل والاعتراف بالذنب.
وإذا أردت معرفة دعاء يجمع هذه الخصال؛ فقد أرشدك النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «دعوة ذي النون إذا دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم
يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له» (1).
وتأمل قليلا في هذه القصة التي يرويها لنا الإمام ابن الجوزي عن نفسه، وهي تجربة عالم خبير بهذا الترياق ..
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: عرض لي أمر يحتاج إلى سؤال الله عز وجل، ودعائه فدعوت وسألت فأخذ بعض أهل الخير يدعو معي فرأيت نوعًا من أثر الإجابة فقالت لي نفسي: هذا بسؤال ذلك العبد لا بسؤالك.
فقلت لها: أما أنا فإني أعرف من نفسي من الذنوب والتقصير ما يوجب منع الجواب غير أنه يجوز أن يكون أنا الذي أُجبت لأن هذا الداعي الصالح سليم مما أظنه من نفسي؛ لأن معي انكسار تقصيري، ومعه الفرح بمعاملته وربما كان الاعتراف بالتقصير أنجح في الحوائج على أنني أنا وهو نطلب من الفضل لا بأعمالنا، فإذا وقفت أنا على قدم الانكسار معترفًا بذنوبي، وقلت: أعطوني بفضلكم، فمالي في سؤالي شيء أمن به، وربما تلمح ذلك حسن عمله وكان صادّا له.
أخي المسلم: من القصة السابقة تدرك ما كان عليه الصالحون من الورع والتواضع، وقد كان ذلك ديدن المتقدمين من سلف هذه الأمة رضي الله عنهم الاعتراف بالتقصير وعدم الركون إلى أعمالهم الصالحة، أو التبجح بها، وهذه الصفة لا تجدها إلا في أقوام سمت نفوسهم فهم يطالبونها. بالدرجات العالية والهمم الشامخة!
(1) رواه الترمذي والحاكم صحيح الترمذي (3505).