الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الثاني
تابع (الباب الأول) : خلاصة كتاب عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية
الفصل الرابع: في التحذير من نقيض عقيدة السلف الصالح أو نقيض كمالها
…
الفصل الرابع: في التحذير من نقيض عقيدة السلف الصالح أو نقيض كمالها
لما كانت الفصول المتقدمة، هي في عقيدة الشيخ، التي هي عقيدة السلف الصالح، ناسب أن نتبعها بفصل يتضمن التحذير من ما يناقض عقيدتهم، أو يناقض كمالها وينقصه، ببيان ذلك المناقض.
وهذا أمر عظيم يستحق الاهتمام، ولذا كان جانبا بنَّاءً من عقيدة الشيخ- رحمه الله تعالى- كيف لا؟. وهو بيان ما ينقض البنيان من أساسه للحذر منه والتحرز عنه قال الله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً
…
} الآية (النحل:92) .
وما من شك أن بيان النواقض للإيمان أو لكماله للحذر منها من الأمور البناءة لأنها حماية للبناء أن ينهدم، قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:"كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني"1.
ولذا فالشيخ يحذر من نواقض الإيمان ومبطلاته ويبينها ويبعدها عن
1 صحيح البخاري، ج8 كتاب الفتن، باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، ص 92، 93.
المسلمين ويبعد المسلمين عنها بكل ما استطاع.
ولقد اهتم بذلك أيما اهتمام، حتى كاد أن يستأثر هذا الجانب بكل همته، كما كاد أن يستأثر بالواقع، في بداية الإِصلاح، ولأن مشكلة العالم الإسلامي تكمن في هذه الناحية، وكيد الشيطان يتركز على هذا الجانب، حيث يكيد للمسلم، ويزين له ما يحبط عمله ويفسده، ثم بعد ذلك يصل الشيطان إلى غرضه، فلا يضيره كثرة عمل المسلم وضخامته مادام أنه على شيء يناقضه ويفسده، ولذا فالشيخ رحمه الله كرس جهودا عظيمة في بيان هذه النقطة التي هي مفرق الطريق، ومنها يتميزالمسلم المستقيم الثابت من الذي ينقض دينه، سواء علم أو لم يعلم.
ولئن كان أبو حيان قد أصاب في مدحه ابن تيمية بقوله:
لما أتانا تقيُّ الدينِ لاحَ لنَا
…
داعٍ إلى اللهِ فَرْدٌ ما له وَزَرُ
عَلى محياه منْ سيما الأُلى صَحِبوا
…
خيرَ البريَّةِ نُورٌ دونهُ القَمَرُ
حَبْر تَسربل مِنه دهْرهُ حِبر
…
بحرٌ تقاذفُ منْ أَمواجهِ الدُّررُ
قامَ ابن تَيمية في نصْر شِرعتِنَا
…
مقامَ سَيدِ تَيمٍ إذْ عصتْ مُضَرُ
وأَظهرَ الحقَّ إذ آثارهُ اندرَستْ
…
وأخمدَ الشرَّ إذْ طارتْ لَهُ شَررُ1
فإن من يصف الشيخ محمد بن عبد الوهاب بهذا الوصف، يصيب أيما إصابة حيث إِنه رحمه الله قد أظهر الحق، اذ اندرست آثاره، وأخمد
1 عن الدرر الكامنة، في أعيان المئة الثامنة، تأليف الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني، ج1ص 152.
الشر بعد أن طار شرره، وقام مقام سيد تيم، أبي بكر رضي الله عنه لما ارتد غالب العرب، وعصوا من بعد ما سمعوا، ونقضوا غزلهم، وأفسدوا صلاحهم وأبطلوا أعمالهم، ففسدت قوتهم العلمية والعملية. كما سبق أن بينا ذلك في وصف البيئة التي ظهر عليها الشيخ رحمه الله1.
فكان الشيخ يركز دفاعه على الاحتراز من إِفساد هاتين القوتين، القوة العلمية والقوة العملية. يقول- رحمه الله في استنباطه من قول الله تعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف: 105،106) يقول فيها: أن الذي أتاهم من الآيات ليست هذه وحدها (يعني قصة يوسف) بل كم وكم من آية من الآيات السماوية والأرضية يمرون عليها، ويعرضون عن الانتفاع بها، وليس هذا قصورا في البيان، فانه مشاهد، بل القلوب غير قابلة.
وفيها: المسألة العظيمة، وهي إِخباره تبارك وتعالى أن أكثر هذا الخلق، لو آمن أفسد إيمانه بالشرك، فهذه فساد القوة العملية، والتي قبلها فساد القوة العلمية. وفيها: التنبيه على الاحتراز من اجتماع الإيمان مع الشرك المفسد له خصوصا لما ذكر أن هذا حال الجمهور2.
هذا وقد بلغت آيات القرآن الكريم التي فيها لفظة الشرك وما
1 انظر: (1/37) وما بعدها من هذا البحث.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، ص 177-178.
تصرف منها في الحكم على الشرك وأهله حسب استقرائي ما يقارب مائة وخمسا وستين آية ما عدا الآيات الأخرى التي فيها ذم له بغير لفظه، أما الأحاديث الصحيحة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكثيرة جداً. إذاً فلا غرابة إذا كثرت ألفاظ الشرك في التحذير عنه وذمه وذم أهله، والبراءة منه ومن أهله في أعمال الشيخ ومؤلفاته1.
ذلك أن الشرك أعظم مفسد للعلم والعمل المبتغى بهما رضوان الله والسعادة وليس أضر على الإنسان من إِفساد عمله وعلمه، ولذا كان من أشد الناس خسرانا من اتصف بالناصية الكاذبة الخاطئة.
ويقول الشيخ: قوله تعالى: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} فيه الجمع بين الكذب والخطأ في وصف هذه الناصية فدل على وصفه بفساد القول والعمل2.
فما من شك أن الاهتمام بهذا الجانب لاجتناب الفساد حق. فلنبدأ بنواقض الإسلام نبينها لتعرف فتجنب.
يقول الشيخ: اعلم أن نواقض الإسلام عشرة نواقض:
الأول: الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ
1 انظر: مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، ثلاثة الأصول، كشف الشبهات، ومفيد المستفيد، والقواعد الأربع، والأصل الجامع وغيرهما.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 372.
ِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء. رقم 48 ورقم 116) .
وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (المائدة: 72) .
ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر.
وفي كتاب التوحيد عقد الشيخ بابا في ذلك: هو باب ما جاء في الذبح لغير الله تعالى وأورد تحته أدلة منها قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: 162-163) وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (الكوثر: 2) .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض" رواه مسلم من طرق بمعنى ما ذكره المصنف وفيه قصة، ورواه الإمام أحمد كذلك1.
وقال الشيخ فيه تفسير: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} وتفسير {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} والبداء بلعنة من ذبح لغير الله2.
1 تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ص 156، 157.وانظر: صحيح مسلم، ج3 ص 1567.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد، ص 35، 36.
ويقول الشيخ سليمان في تيسير العزيز الحميد "قال النووي: المراد به أن يذبح باسم غير الله تعالى، كمن يذبح للصنم أو للصليب أو لموسى أو لعيسى صلى الله عليهما وسلم أو للكعبة ونحو ذلك، فكل هذا حرام، ولا تحل هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلما أو نصرانيا أو يهوديا، نص عليه الشافعي، واتفق عليه أصحابنا، فان قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى والعبادة له، كان ذلك كفرا، فإن كان الذابح مسلما قبل ذلك صار بالذبح مرتدا. ذكره في "شرح مسلم"1 ونقله غير واحد من الشافعية وغيرهم2.
قال الشيخ: وقال أبو العباس رحمه الله في كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم" في الكلام على قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} ظاهره: أنه ما ذبح لغير الله سواء لفظ به أو لم يلفظ وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه النصراني للحم وقال فيه باسم المسيح ونحوه، كما أن ما ذبحناه نحن متقربين به إلى الله سبحانه كان أزكى مما ذبحناه للحم وقلنا عليه بسم الله فإن عبادة الله سبحانه بالصلاة له والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور. والعبادة لغير الله أعظم كفرا من الاستعانة بغير الله. فلو ذبح لغير الله متقربا به إليه لحرم، وإن قال فيه بسم الله كما قد يفعله
1 صحيح مسلم بشرح النووي ج13 ص 141.
2 تيسير العزيز الحميد ص 157.
طائفة من منافقي هذه الأمة وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبائحهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان، ومن هذا ما يفعل بمكة وغيرها من الذبح للجن1 انتهى.
قال الشيخ معلقا: فانظر أرشدك الله إلى تكفيره من ذبح لغير الله من هذه الأمة وتصريحه أن المنافق يصير مرتدا بذلك، وهذا في المعين، إذ لا يتصور أن تحرم إلا ذبيحة معين2.
ويذكر الشيخ في جوابه لمن سأله عن الذبح للجن، أن العلماء صرحوا أن الذبح للجن ردة تخرج من الملة، وقالوا: الذبيحة حرام ولو سمى عليها، قالوا: لأنها يجتمع فيها مانعان: الأول: أنها مما أهل به لغير الله. والثاني: أنها ذبيحة مرتد، والمرتد لا تحل ذبيحته وإن ذبحها للأكل وسمى الله عليها، وقول العلماء إنه منهي عنها أو حرام أو مكروهة أو لا تنبغي، ألفاظ عامة، تستعمل في المكفرات والمحرمات التي هي دون الكفر وفي المكروهات كراهة التنزيه التي هي دون الحرام، ومثال استعمالها في المكفرات- قوله:{وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً} وقولهم: "لا تنبغي العبادة إلا لله وحده"، وقوله تعالى:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} .
قال الشيخ: " وكلام العلماء لا ينحصر في قولهم: " يحرم كذا " لما
1 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، ص 259.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، مفيد المستفيد ص 285، 286.
صرحوا في مواضع أخرى أنه كفر، وقولهم:"يكره " لما هو كفركقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (الإسراء 23) إلى قوله: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} (الإسراء: 38) .
وأما كلام الإمام أحمد في قوله: "أكره كذا" فهو عند أصحابه على التحريم. والمقصود من هذا هو إزالة شبهة أو ردها السائل وهي أن قول العلماء: الذبح للجن منهي عنه أو محرم هل يفهم من قولهم هذا أنه دون الكفروالشرك الأكبر لأن هذا القول ليس صريحا بأنه شرك؟. وقد جادل بهذه الشبهة على أقوال العلماء تلك مجادلون رد عليهم الشيخ بمثل ما قدمت عنه وكشف الشبهة وبين حكم الذبح لغير الله وأنه شرك أكبر.
الثاني: من نواقض الإسلام:
من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم كفر إجماعا.
وسئل الشيخ عن قوله في الإقناع باب حكم المرتد: "أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كفر إجماعا"1.
فأجاب بقوله: وكذلك أي يكفر من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم إجماعا، وذكروا أن هذا بعينه هو الذي يفعله أهل زمانهم عند القبور، فكيف بزماننا؟ يبينه لك قول الشارح، لما
1 الإِقناع في فقه الإمام أحمد لأبي النجا موسى الحجاوي، ج4 ص 297.
ذكر هذا وذكر بعده أنواعا من الكفر المخرج عن الملة، قال: وقد عمت البلوى بهذه الفرق، وأفسدوا كثيرا من عقائد أهل التوحيد، نسأل الله العفو والعافية.. انتهى كلامه في شرح الإقناع1،2.
الثالث: من نواقض الإسلام:
من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر.
الرابع: من نواقض الإسلام:
من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر.
الخامس: من نواقض الإسلام:
من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كفر إجماعا والدليل- قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} .
وقد سئل الشيخ عن معنى قوله في باب حكم المرتد من كتاب الإقناع، في الفقه الحنبلي:"أو كان مبغضا لما جاء به الرسول اتفاقا"3.
1 كشف القناع عن متن الإِقناع للبهوتي، ج 6 ص 170.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، الفتاوى رقم 14 ص 62، 63.
3 انظر: الإِقناع في فقه الإمام أحمد، لأبي النجا موسى الحجاوي، ط، مصطفى محمد، ج4 ص 297.
فأجاب الشيخ: إن معناه إذا كان مبغضا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإن لم يشرك بالله، لكن أبغض السؤال عنه ودعوة الناس إليه، كما هوحال من يدعي العلم ويقرر أنه دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويبغضونه أكثر من بغض دين اليهود والنصارى، بل يعادون من التفت إليه، ويحلون دمه وماله، ويرمونه عند الحكام.
وكذلك يقرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى بالإنذار عن الشرك، بل هو أول من أنذر عنه وأعظم ما أنذر عنه، ثم يقولون:"خلق الله ما يتيهون، وينصرون الشرك بالقلب واللسان واليد".
والتكفير بالاتفاق فيمن أبغض النهي عن الشرك وأبغض الأمر بمعاداة أهله، ولو لم يتكلم ولم ينصر، فكيف إذا فعل ما فعل1.
السادس: من نواقض الإسلام:
من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم، أو ثواب الله، أو عقابه، كفر - والدليل- قوله تعالى:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (التوبة: 66) .
وقال الشيخ في كتاب التوحيد، باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم. وقول الله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (التوبة: 65) .
1 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، الفتاوى رقم 14 ص 62.
وعن ابن عمر، ومحمد بن كعب، وزيد بن أسلم، وقتادة- دخل حديث بعضهم في بعض- أنه قال رجل في غزوة تبوك:"ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء. فقال عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه. فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ارتحل وركب ناقته، فقال يارسول الله، إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب، نقطع به عنا الطريق. قال ابن عمر: كأني أنظر إليه، متعلقا بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الحجارة تنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ما يلتفت إليه، وما يزيده عليه".
يقول الشيخ سليمان في تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد: "هذا الأثر ذكره المصنف مجموعا من رواية ابن عمر، ومحمد بن كعب، وزيد بن أسلم، وقتادة وقد ذكره قبله كذلك شيخ الإسلام. فأما أثر ابن عمر فرواه ابن جرير1، وابن أبي حاتم، وغيرهما بنحو مما ذكر المصنف. وأما أثر محمد بن كعب، وزيد بن أسلم وقتادة فهي معروفة
1 ج 10 ص 172،173. من تفسير ابن جرير.
لكن بغير هذا اللفظ"1.
قال الشيخ: فيه مسائل:
الأولى: وهي العظيمة- أن من هزل بهذا: أَنه كافر.
الثانية: أن هذا هو تفسير الآية فيمن فعل ذلك كائنا من كان2.
وقد سئل الشيخ عن قول مؤلف الإقناع في الفقه الحنبلي في باب حكم المرتد "أو استهزأ بالله أو كتبه أو رسله أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين.. كفر"3 ما وصف هذا الاستهزاء المكفر؟ فأجاب: بأن العلماء استدلوا عليها بقوله تعالى في حق بعض الناس في غزوة تبوك {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} (التوبة: 65) .
قال الشيخ: فذكر السلف والخلف أن معناها عام إلى يوم القيامة فيمن استهزأ بالله أو القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم.
وصفة كلامهم: أنهم قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء. يعنون بذلك رسول الله والعلماء من أصحابه، فلما نقل الكلام عوف بن مالك، أتى القائل يعتذر، أنه قاله على وجه اللعب كما يفعل المسافرون فنزل الوحي أن هذا كفر بعد الإيمان، ولو كان على وجه المزح. والذي يعتذر يظن أن الكفر إذا قاله
1 تيسير العزيز الحميد، ص 555-556.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد، ص 117-118.
3 الإِقناع في فقه الإمام أحمد لأبي النجا موسى الحجاوي، ج4 ص 297.
جادا لا لاعبا.
وهذا قول صريح في الاستهزاء بالدين. إذا فهمت أن هذا هو الاستهزاء فكثير من الناس يتكلم في الله عز وجل، بالكلام الفاحش عند وقوع المصائب، على وجه الجد وأنه لا يستحق هذا، وأنه ليس بأكبر الناس ذنبا.
وكذلك من يدعي العلم والفقه- إذ أستدللنا عليه بآيات الله- أظهر الإستهزاء1
وأما صفة الاستهزاء الفعلي فمثل مد الشفة واخراج اللسان أورمز العين، مما يفعله كثير من الناس، عندما يؤمر بالصلاة والزكاة، فكيف بالتوحيد2.
ويقول الشيخ في ملخصه عن ابن تيمية في الآية: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (التوبة: 65) :
"الآية تدل على أن الاستهزاء بالله كفر، وبآياته كفر، وبالرسول كفر، من جهة الاستهزاء بالله وحده كفر بالضرورة فلم يكن ذكر الآيات والرسول شرطا، فعلم أن الاستهزاء بالرسول كفر، وإلا لم يكن لذكره فائدة، وكذلك الآيات، وأيضا فالاستهزاء بهذه الأمور متلازم"3.
1 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، الفتاوى ص 61، 62، 65.
2 المصدر السابق ص 65.
3 مؤلفات الشيخ، ملحق المصنفات، مسائل ملخصة رقم 110 ص 104-106.
السابع: من نواقض الإسلام:
السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر. والدليل قوله تعالى:{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} (البقرة: 102) .
الثامن: من نواقض الإسلام:
مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين- والدليل- قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة: 51) .
التاسع: من نواقض الإسلام:
من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر.
العاشر: من نواقض الإسلام:
الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به- والدليل- قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} (السجدة: 22) .
وهذه النواقض التي ذكرها الشيخ هي مسألة التكفير لخصها الشيخ من كلام العلماء، قال الشيخ:"وذكر (أي الشيخ أبو النجا مؤلف الإقناع) في الإقناع إجماع المذاهب كلها على ذلك"1.
1 انظر: الإِقناع باب حكم المرتد، ج4 ص 297-308.
ثم قال: "فإن كان عند أحد كلمة تخالف ما ذكروه في مذهب من المذاهب فيذكرها وجزاه الله خيرا"1 والغالب أنه ليس عند أحد علم يخالف ما ذكروه وإنما العناد. فيقول الشيخ: "وإن كان يبغي يعاند كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام العلماء، ولا يصغي لهذا أبدا فاعرفوا أن هذا الرجل معاند ما هو بطالب حق، وقد قال الله تعالى:{وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 80) .
ثم يبين الشيخ أن هؤلاء الذين يعتذرون بالتكفير ليس لأنه مشكل عليهم تكفير أناس بأعيانهم قد اشتبه أمرهم بل إذا تأمل المتأمل أحوالهم يجد أن هؤلاء أعداء للموحدين، يبغضونهم ويستثقلونهم، والمشركين والمنافقين هم ربعهم الذين يستأنسون إليهم كما جرى من رجال في الدرعية وفي العيينة الذين ارتدوا وأبغضوا الدين2.
ثم يقول الشيخ بعد أن أورد النواقض العشرة:
"ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره. وكلها من أعظم ما يكون خطرا، ومن أكثر ما يكون وقوعا. فينبغى للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه"3.
1 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 32 ص 212.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 32 ص 212.
3 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، نواقض الإسلام، ص 385-387. والقسم
الخامس، الشخصية رقم 32 ص 212-214، والدرر السنية، ج 8 ص 89، 90
ويقرر الشيخ أنها تقع من المعينين وممكن أن يرتد المسلم ويكفر بعد إسلامه والعياذ بالله من ذلك، فقد عرف المرتد في باب حكم المرتد بأنه المسلم الذي يكفر بعد إسلامه1، فهذا يفيد الحذر والخوف والاستعاذة بالله.
وقد بين الشيخ لرجل من أهل الإحساء استشكل تكفير المعين لأنه يقول لا إله إلا الله وإن عبد الأوثان مع هذا عبادة أكبر من عبادة اللات والعزى وسب دين الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما شهد به مثل سب أبي جهل. فالشيخ يبين له أحكام هذه المسألة من كلام أهل العلم المتقدمين والمتأخرين فيقول مخاطبا هذا المستشكل:
"فأول ما أنصحك به أنك تفكر هل هذا الشرك الذي عندكم هو الشرك الذي ظهر نبيك صلى الله عليه وسلم ينهى عنه أهل مكة، أو شرك أهل مكة نوع آخر أغلظ منه أم هذا أغلظ؟ فإذا أحكمت المسألة، وعرفت أن غالب من عندكم سمع الآيات، وسمع كلام أهل العلم، من المتقدمين والمتأخرين، وأقر به، وقال أشهد أن هذا هو الحق ونعرفه قبل ابن عبد الوهاب، ثم بعد ذلك يصرح بمسبة ما شهد أنه الحق، ويصرح بحسن الشرك واتباعه وعدم البراءة من أهله، فتفكر هل هذه المسألة إلا مسألة الردة الصريحة التي
1 الإِقناع ج 4 ص 297.
ذكرها أهل العلم في الردة؟ ولكن العجب من دلائلك التي ذكرت كأنها أتت ممن لايسمع ولا يبصر.
أما استدلالك بترك النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده تكفير المنافقين وقتلهم فقد عرفه الخاص والعام ببديهة العقل أنهم لو يظهرون بكلمة واحدة أو فعلا واحدا من عبادة الأوثان أو مسبة التوحيد الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم يقتلون شر قتلة، فإن كنت تزعم أن الذين عندكم أظهروا اتباع الدين الذي تشهد أنه دين الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبرؤا من الشرك بالقول والفعل، ولم يبق إلا أشياء خفية تظهر على صفحات الوجه أو فلتة لسان في السر، وقد تابوا من دينهم الأول، وقتلوا الطواغيت وهدموا البيوت المعبودة فقل لي، وإن كنت تزعم أن الشرك الذي خرج عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أكبر من هذا فقل لي؟ وان كنت تزعم أن الإنسان إذا أظهر الإسلام لا يكفرإذا أظهرعبادة الأوثان، وزعم أنها الدين وأظهر سب دين الأنبياء وسماه دين أهل العارض وأفتى بقتل من أخلص لله الدين واحراقه وحل ماله فهذه مسألتك، وقد قررتها وذكرت أن من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا لم يقتلوا أحدا ولم يكفروه من أهل الملة، أما ذكرت قول الله تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
…
} إلى قوله: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} (الأحزاب: 60، 61) . وقوله: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا
…
} الآية (النساء: 91) . واذكر قوله في
الاعتقاد في الأنبياء: {أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 80) .
واذكر ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أشخص رجلاً معه الراية إلى من تزوج امرأة أبيه ليقتله ويأخذ ماله فأي هذين أعظم؟
تزوج امرأة الأب أو سب دين الأنبياء بعد معرفته، واذكر أنه هم بغزو بني المصطلق لما قيل انهم منعوا الزكاة حتى كذب الله من نقل ذلك. واذكر قوله في أعبد هذه الأمة وأشدهم اجتهادا "لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة".
واذكر قتال الصديق وأصحابه مانعي الزكاة وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم. واذكر إِجماع الصحابة على قتل أهل مسجد الكوفة وكفرهم وردتهم لما قالوا كلمة في تقرير نبوة مسيلمة، ولكن الصحابة اختلفوا في قبول توبتهم لما تابوا والمسألة في صحيح البخاري وشرحه في الكفالة1.
واذكر إِجماع الصحابة لما استفتاهم عمر على أن من زعم أن الخمر تحل للخواص مستدلا بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} (المائدة: 93) مع كونه من أهل بدر، وأجمع الصحابة على كفر من اعتقد في علي مثل اعتقاد هؤلاء في عبد القادر وردتههم وقتلهم، فأحرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهم أحياء فخالفه ابن عباس
1 صحيح البخاري، ج3 ك/ الكفالة، ب1ص 56. وانظر فتح الباري 4 / 470.
في الإِحراق وقال: يقتلون بالسيف، مع كونهم من أهل القرن الأول أخذوا العلم عن الصحابة.
واذكر إِجماع أهل العلم من التابعين وغيرهم على قتل الجعد بن درهم، قال ابن القيم:
شكر الضحية كل صاحب سنة
لله درك من أخي قربان
قال الشيخ: ولو ذهبنا نعدد من كفره العلماء مع ادعائه الإسلام وأفتوا بردته وقتله لطال الكلام، لكن من آخرما جرى قصة بني عبيد ملوك مصر، وطائفتهم وهم يدعون أنهم من أهل البيت، ويصلون الجمعة والجماعة ونصبوا القضاة والمفتين، أجمع العلماء على كفرهم وردتهم وقتالهم وأن بلادهم بلاد حرب يجب قتالهم.
واذكر كلامه في الإقناع وشرحه في الردة كيف ذكروا أنواعا كثيرة موجودة عندكم، ثم قال منصور: وقد عمت البلوى بهذه الفرق وأفسدوا كثيراً من عقائد أهل التوحيد نسأل الله العفو والعافية. هذا لفظه بحروفه، ثم ذكر قتل الواحد منهم وحكم ماله1.
هل قال واحد من هؤلاء الصحابه (أو أحد من العلماء) إلى زمن منصور إن هؤلاء يكفر أنواعهم لا أعيانهم؟.
1 انظر: الإِقناع ج4 ص 297-308 وكشاف القناع عن متن الإِقناع لمنصور البهوتي فرغ من تأليفه سنة 1046 والمتوفى سنة 1051هـ ج6 ص 167-187.
ثم أخذ الشيخ يبين عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية في تكفير المعين فيقول: "وأما عبارة الشيخ التي لبسوا بها عليك فهي أغلظ من هذا كله ولو نقول بها لكفرنا كثيرا من المشاهير بأعيانهم فإنه صرح فيها بأن المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة. ثم أخذ الشيخ يقرر معنى قيام الحجة وأن معناها أن المعين إن عرف الحق وخالف كفر بعينه، وإلا لم يكفر- ثم أخذ الشيخ يذكر له من كلام شيخ الاسلام ابن تيمية ما يصدق هذا من اقتضاء الصراط المستقيم وغيره1.
وكما بينا في منهج الشيخ أنه يعتبر قيام الحجة وبلوغها فمن لم تبلغه الحجة وتقوم عليه فإنه لا يكفره2.
وقد سئل الشيخ عن قوله في الإقناع: "أو نطق بكلمة كفر ولم يعلم معناها فلا يكفر بذلك"3.
هل المعنى: نطق بها ولم يعرف شرحها أو نطق بها ولم يعلم أنها تكفره؟.
فأجاب الشيخ: بأنه إذا نطق بكلمة الكفر ولم يعلم معناها صريح واضح أنه يكون نطق بما لا يعرف معناه، أي فلا يكفر- وأما كونه لا
1 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 33 ص 216-224.
2 انظر: (1/328- 329) من هذا البحث.
3 انظر الإِقناع ج 4 ص 297.
يعرف أنها تكفره يعني إذا نطق بكلمة الكفر التي يعرف أنها كفر، لكن يظن أنه إذا نطق بالكفر، هازلا أو مازحا أو يريد مصلحة من المصالح الدنيوية أن هذا لا يكفره. قال الشيخ: فيكفي فيه قوله: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ، فهم يعتذرون للنبي صلى الله عليه وسلم ظانين أنهم حين يقولونها على وجه اللعب أنها لا تكفرهم- ثم أورد الشيخ أدلة توضح هذه النقطة وهي قوله تعالى:{وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} (الكهف: 104) . وقوله تعالى: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأعراف: 35) . وقوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} (الزخرف: 37)1.
وهؤلاء الذين ذكرهم الله في هذه الآيات الكريمة كفار مع أنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ويحسبون أنهم مهتدون.
وكما ذكرنا في منهج الشيخ- أن الشيخ يفرق بين الكفر المخرج من الملة والكفر الذي لا يخرج من الملة. وقد سئل الشيخ عن قولهم: "ومن أطلق الشارع كفره كدعواهم لغير أبيهم إلى آخره، فللعلماء فيه أقوال أيها أقرب إلى الصواب؟ فأجاب: أن من أطلق الشارع كفره بالذنوب فالراجح فيها قولان:
أحدهما: ما عليه الجمهور أنه لا يخرج من الملة.
والثاني: الوقف كما قال الإمام أحمد: أمروها كما جاءت يعني لا
1 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، الفتاوى ص 58 وص 65، 66.
يقال يخرج ولا ما يخرج وما سوى هذين القولين غير صحيح1.
وإذا تأملنا هذه النواقض نجد أَنها تدور على الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن من ارتكب ناقضا منها فهو إما لأنه جنى على الألوهية فأشرك بالله تعالى وإما لأنه جنى على النبوة، وإما لأنه جنى عليهما معا غير أن المشكلة التي واجهها الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي الجناية على الألوهية بالشرك، لذا فسيكون بيان الشرك أهم ما في هذا الفصل وأوسعه.
أما تعريف الشرك ما هو؟
فيعرفه الشيخ رحمه الله بقوله: "هو أن يدعو مع الله غيره، أو يقصده بغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها".
فمن صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله تعالى أو قصد غير الله بشيء من أنواع العبادة فقد اتخذ هذا الغير رباً وإلها من دون الله تعالى وأشرك مع الله غيره الشرك الأكبر الذي نهى عنه وأنكره على المشركين وأخبر أنه لا يغفره فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48، 116) . وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (المائدة: 72)2.
1 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، الفتاوى ص 58، 66.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد، ثلاثة الأصول ص 186 والأصل الجامع لعبادة الله وحده ص 381.
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن في قرة عيون الموحدين ما مضمونه: إن صرف القصد بالعبادة لغير الله شرك بالله لالتفاته في التعبد إلى غيره تعالى فيما يرغب فيه أو يرهب، وكل هذه الأبواب التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى تدل على أن من أشرك مع الله غيره بالقصد والطلب فقد خالف ما نفته (لا إله إلا الله) وعكس مدلولها فأثبت ما نفته ونفى ما أثبته من التوحيد1.
فصرف أي نوع من أنواع العبادة التي أمرالله بها عن طريق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم يعتبر شركاً بالله تعالى.
وصرف شيء من العبادة لغير الله كصرف مجموعها لأن الله سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا- كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (الزمر: 2، 3) .
أما صفة إِشراك المشركين فيقول عنها الشيخ2: واعلم أن
1 قرة عيون الموحدين، باب من الشرك: النذر لغير الله، ص 67 ط السلفية بمصر، ضمن مجموعة التوحيد.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 318، والقسم الخامس، الشخصية رقم
17 ص 111، 112.
المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صفة إِشراكهم أنهم يدعون الله ويدعون معه الأصنام والصالحين، مثل عيسى وأمه والملائكة، يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله وهم يقرون أن الله سبحانه هو النافع الضار المدبر، كما ذكر الله عنهم في قوله تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} (يونس: 31) .
فإذا عرفت هذا- وعرفت أن دعوتهم الصالحين وتعلقهم عليهم أنهم يقولون ما نريد إلا الشفاعة.
وأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتلهم ليخلصوا الدعوة لله ويكون الدين كله لله. وعرفت أن ذلك هو الشرك بالله الذي لا يغفر لمن فعله، وهو عند الله أعظم من الزنا وقتل النفس، مع أن صاحبه يريد به التقرب من الله، ثم مع هذا عرفت أمرا آخر وهو أن أكثر الناس ما عرف هذا، منهم الذين يسمونهم العلماء في سدير والوشم وغيرهم إذا قالوا نحن موحدون الله نعرف ما ينفع ولا يضر إلا الله، وأن الصالحين لا ينفعون ولا يضرون، وعرفت أنهم لا يعرفون إلا توحيد الكفار، توحيد الربوبية، عرفت كبر نعمة الله عليك، خصوصا إذا عرفت أن الذي يواجه الله وهو لا يعرف التوحيد أو عرفه ولم يعمل به أنه خالد في النار ولو كان من أعبد الناس-
كما قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} 1 (المائدة: 72) .
وقال الشيخ في تلخيصه عن ابن تيمية: والمشركون يزعمون أن عبادتهم إما واجبة وإما مستحبة، ثم منهم من عبد غير الله فيتقرب به إلى الله، ومنهم من ابتدع دينا عبد به الله كما أحدثه النصارى من العبادات، وأصل الضلال في الأرض إنما نشأ من هذين إما اتخاذ دين لم يشرعه الله أو تحريم ما لم يحرمه، ولهذا كان الأصل الذي بنى عليه أحمد وغيره مذهبهم أن الأعمال عبادات وعادات فالأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله، وهذه المواسم المحدثة إنما نهى عنها لما أحدث فيها من الدين الذي يتقرب به إلى الله2.
ويذكر الشيخ من مسائل الجاهلية: أنهم يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله وعبادته يريدون شفاعتهم عند الله لظنهم أن الله يحب ذلك وأن الصالحين يحبونه- كما قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} . وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، الرسالة الثالثة عشرة ص 399.
2 مؤلفات الشيخ، ملحق المصنفات، مسائل ملخصة رقم 100 ص 93، 94.
الله صلى الله عليه وسلم 1.
ويقرر الشيخ في القواعد الأربع الأمر الذي صار به الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركين مع أنهم مقرون بأن الله تعالى هو الخالق المدبر، ولكن ذلك لم يدخلهم في الإسلام لجحدهم توحيد الله بالألوهية- ويستدل بقول الله تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} (يونس: 31) .
وأن هؤلاء المشركين يقولون: ما دعوناهم وتوجهنا إليهم إلا لطلب القربة والشفاعة والدليل على قولهم هذا- قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (الزمر: 3) - هذا دليل القربة، أما دليل الشفاعة فقوله تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (يونس:18) .
ثم إن هؤلاء المشركين متفرقون في عبادتهم منهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الأنبياء والصالحين، ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار، ومنهم من يعبد الشمس والقمر. وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفرق بينهم والدليل قوله تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} (البقرة:193) .
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، مسائل الجاهلية ص 334.
والدليل على عبادتهم الشمس والقمر قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (فصلت: 37) .
والدليل على عبادتهم الملائكة قوله تعالى: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً} (آل عمران: 80) .
ودليل عبادتهم الأنبياء- قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (المائدة: 116) .
ودليل عبادتهم الصالحين- قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} (الإِسراء: 57) .
ودليل عبادتهم الأشجار والأحجار- قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} .
وحديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا: يارسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط " الحديث، قال
الشيخ: رواه الترمذي وصححه وهو كما قال1.
ويقول الشيخ في تفسير كلمة التوحيد: "ولنختم الكلام بآية ذكرها الله تعالى في كتابه تبين لك أن كفر المشركين من أهل زماننا أعظم من كفر الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُوراً} (الإِسراء: 67) .
فقد ذكر الله عن الكفار أنهم إذا مسهم الضر تركوا السادة والمشائخ فلم يدعوا أحدا منهم ولم يستغيثوا به، بل يخلصون لله وحده لا شريك له ويستغيثون به وحده فإذا جاء الرخاء أشركوا وأنت ترى المشركين من أهل زماننا- ولعل بعضهم- يدعي أنه من أهل العلم وفيه زهد واجتهاد وعبادة- إذا مسه الضر قام يستغيث بغير الله مثل معروف أوعبد القادر الجيلاني وأجل من هؤلاء مثل زيد بن الخطاب والزبير وأجل من هؤلاء مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم فالله المستعان، وأعظم من ذلك وأطم أنهم يستغيثون بالطواغيت والكفرة والمردة2.
وبعد مقارنة أحوال مشركي زمان الشيخ بأحوال مشركي الجاهلية الأولى يقول الشيخ: "إن مشركي زماننا أغلظ شركا من الأولين، لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، ومشركو زماننا شركهم
1 انظر: تصحيح الترمذي في أعلا صحائف تحفة الأحوذي ج6 ص 407-408.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، التفسير كلمة التوحيد ص 367-369.
دائم في الرخاء والشدة".
ويدلل أيضا على أن شرك الأولين أخف- بقوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (العنكبوت: 65) أما المشركون في زمان الشيخ فشركهم يكون دائما في الرخاء والشدة ودليله الواقع المشهود1. والذين قاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم أصح عقولا وأخف شركا من هؤلاء2.
وخلاصة ما تقدم من تعريف للشرك هو:
أن يصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله تعالى طلبا للزلفى عند الله. وهذه نظرة المشركين إلى شركهم أنه عبادة لله تعالى وقربة إليه، ولذا كان أشبه بهم أهل البدع الذين يتعبدون لله بالبدع، والشرك أكبر البدع في العبادة.
أما حكم الشرك فإنه أعظم ما نهى الله عنه في مثل قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} (النساء: 36) . وغير ذلك من الآيات الكثيرة.
والشرك أول المحرمات كما قال الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} الآيات (الأنعام: 151-153)3.
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، القواعد الأربع، ص 199-202.
2 المصدر السابق، كشف الشبهات ص 171.
3 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، التوحيد ص 8، 9.
والله سبحانه يقرن بين الشرك والكذب كما يقرن بين الصدق والاخلاص ولهذا في الصحيح عدلت شهادة الزور الاشراك بالله ثم قرأ قوله: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} (الحج:30- 31) .
وقال: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} (القصص: 74، 75) إلى قوله: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} .
وقوله: {أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} (الصافات: 87) .
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (الزمر: 3) .
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ} الآية (الاعراف: 152) .
قال أبو قلابه: هي لكل مبتدع من هذه الأمة إلى يوم القيامة، وكل من كان أقرب إلى الشرك كان أقرب إلى الكذب كالرافضة الذين هم أكذب طوائف أهل الأهواء وأعظمهم شركا1.
وينقسم الشرك إلى: أكبر وأصغر. فالأكبر مخرج من الملة- والأصغر لا يخرج من الملة2.
وقد مثل الشيخ للشرك الأصغر فقال: كيسير الرياء والحلف بغير الله
1 مؤلفات الشيخ، ملحق المصنفات، مسائل ملخصة رقم 99 ص 91، 92.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد، ص 28 وص 33 وص 86 وص 110 وص 113 وص 123 ومفيد المستفيد ص 295.
وقول هذا من الله ومنك وأنا بالله وبك وما لى إلا الله وأنت وأنا متوكل على الله وعليك ولولا أنت لم يكن كذا وكذا. قال الشيخ: وقد يكون هذا شركا أكبر بحسب حال قائله ومقصده1.
ويمثل الشيخ للشرك الأكبر بطلب الحوائج من الموتى ودعائهم لذلك، والنذر لهم ليشفعوا عند الله لداعيهم والناذرلهم.
ويقول الشيخ: عن هذا إنه الشرك الأكبر الذي بعث الله النبي محمدا صلى الله عليه وسلم بالنهي عنه فكفر من لم يتب منه وقاتله وعاداه ثم يشير إلى ما ذكر في الإقناع عن الشيخ تقي الدين أن من دعا علي بن أبي طالب فهو كافر، وأن من شك في كفره فهو كافر. ويقول الشيخ: "فإذا كان هذا حال من شك في كفره مع عداوته له ومقته له فكيف بمن يعتقد أنه مسلم ولم يعاده؟ فكيف بمن أحبه؟ فكيف بمن جادل عنه وعن طريقته وتعذر أنا لا نقدر على التجارة أوطلب الرزق إلا بذلك2.
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي- رحمه الله تعالى- في كتابه "القول السديد على مقاصد التوحيد": "حد الشرك الأكبر وتفسيره الذي يجمع أنواعه وأفراده أن يصرف العبد نوعا أو فردا من أفراد العبادة
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، مفيد المستفيد ص 295.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، مفيد المستفيد ص 296-297. والدرر السنية ج 2 ص 4- 5.
لغير الله " فكل اعتقاد أو قول أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع فصرفه لله وحده توحيد وإيمان وإخلاص وصرفه لغيره شرك وكفر، فعليك بهذا الضابط للشرك الأكبر الذي لا يشذ عنه شيء.
كما أن حد الشرك الأصغر هو: كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة، فعليك بهذين الضابطين للشرك الأكبر والأصغر، فإنه مما يعينك على فهم الأبواب السابقة واللاحقة من هذا الكتاب10 "يعني كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب".
وفي كتاب التوحيد عقد الشيخ أبوابا كثيرة في بيان أشياء من أفراد الشرك بنوعيه الأكبر والأصغر مما ينافي التوحيد أو ينافي كماله وهي كما يلي:
باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه2.
وباب ما جاء في الرقى والتمائم3.
وباب من تبرك بشجرة أوحجر ونحوهما4.
وباب ما جاء في الذبح لغير الله 5.
1 القول السديد في مقاصد التوحيد ص 52،53.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 27-28.
3 المصدر السابق ص 29-31.
4 المصدر السابق ص 32-34.
5 المصدر السابق ص 35-37.
وباب من الشرك: النذر لغير الله 1.
وباب من الشرك: الاستعاذة بغير الله 2.
وباب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره3.
وباب ما جاء في السحر4.
وباب بيان شيء من أنواع السحر5. ووجه إِدخالهما في ذلك أن كثيرا من أقسام السحر لا يتأتى إلا بالشرك والتوسل بالأرواح الشيطانية إلى مقاصد الساحر.
فالسحر يدخل في الشرك من جهتين: من جهة ما فيه من استخدام الشياطين ومن التعلق بهم وربما تقرب إليهم بما يحبون والشرك مما يحبون فيتقرب به إليهم ليقوموا بخدمته ومطلوبه، ومن جهة ما فيه من دعوى علم الغيب ودعوى مشاركة الله في علمه وسلوك الطرق المفضية إلى ذلك وهذا من شعب الشرك6.
1 المصدر السابق ص 40.
2 المصدر السابق ص 41.
3 المصدر السابق ص 42-44.
4 المصد ر السابق ص 72-73.
5 المصدر السابق ص 74- 75.
6 القول السديد في مقاصد التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن سعدي ص 93- 95.
وباب ما جاء في الكهان ونحوهم1.
وباب ما جاء في النشرة2. وهي حل السحر بسحرمثله.
وباب ما جاء في التطير3، وهو التشاؤم بالطيور والأسماء والألفاظ والبقاع وغيرها.
وباب ما جاء في التنجيم4، وهو زعم تأثير الأحوال الفلكية في الحوادث الكونية.
وباب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء5. أي نسبة السقي ومجيء المطر إليها.
وباب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} (البقرة: 165)6. فاتخاذ الأنداد التي تجذب بمحبتها عن محبة الله من الشرك.
وباب قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص76-78.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول العقيدة، كتاب التوحيد ص 79-80.
3 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 81-83.
4 المصدر السابق ص 84.
5 المصدر السابق ص 85-87.
6 المصدر السابق ص 88-90.
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 175)1. فخوف العبادة من غير الله تعالى من الشرك.
وباب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} 2 (الاعرأف: 99) . وقوله: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} (الحجر: 56) . فالأمن من مكر الله أو القنوط من رحمة الله من شعب الشرك.
وباب ما جاء في الرياء3.
وباب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا4.
وباب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا من دون الله5.
وباب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} الآية6. لأن الله تعالى له الحكم القدري، وله الحكم الشرعي، وكذلك الحكم الجزائي له وحده
1 المصدر السابق ص 91-92.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 81-83.
3 المصدر السابق ص 98-99.
4 المصدرالسابق ص100- 101.
5 المصدر السابق ص 102-103.
6 المصدر السابق ص 104- 105.
لا شريك له، فاذا قدم العبد طاعة الأمراء والعلماء على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتحاكم إلى الطاغوت وترك التحاكم إلى شريعة الله، فهذا من شعب الشرك1.
ومن أفراد الشرك أو من أفراد أبوابه ووسائله التي عقد الشيخ لها أبوابا في كتابه كتاب التوحيد، باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات2. فذلك من شعب الكفر ونسبته إلى غير الله من الشرك كما قالوا: لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة3. وباب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} 4 (النحل: 83) . فإِنكار نعمة الله بعد معرفتها هو بنسبتها إلى غيره وهذا من الشرك.
وباب قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 5 (البقرة: 22) . فجعل الأنداد من الشرك.
وباب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله وذكر تحته النهي عن الحلف بغير الله كالحلف بالآباء ونحو ذلك6.
1 انظر: القول السديد في مقاصد التوحيد ص 130-134.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، كتاب التوحيد ص 106-107.
3 انظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد للشيخ سليمان 511،512.
4 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، كتاب التوحيد ص 108.
5 المصدر السابق ص 109-110.
6 المصدرالسابق ص 111.
وباب قول ما شاء الله وشئت1.
وباب من سب الدهر فقد آذى الله2، لأن الله يقلب الليل والنهار.
وباب التسمي بقاضي القضاة ونحوه) 3.
وباب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم 4
وباب قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} 5 أي فيمن يزعم أن ما أوتيه من النعم والرزق إنما هو بكده وحذقه وفطنته.
وباب قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 6 (الأعراف: 190) - أي يسمونه باسم معبد لغير الله تعالى.
وباب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي
1 المصدر السابق ص 112-113.
2 المصدر السابق ص 114.
3 المصد ر السابق ص 115.
4 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص117-118.
5 المصدر السابق ص 119-121.
6 المصدر السابق ص 122-123.
أَسْمَائِهِ} (الأعراف: 180) . والمقصود الذين يلحدون في أسمائه أي يشركون1.
وباب لا يقال السلام على الله2 لأن الله هو السلام.
وباب قول: اللهم اغفر لي إن شئت3، لأن الله لا مكره له.
وباب لا يقول: عبدي وأمتي4. للبعد عن الألفاظ التي فيها إيهام التشريك.
وباب لا يرد من سأل بالله5.
وباب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة6. فإن رد من سأل بالله والسؤال بوجه الله غير الجنة ترك لتعظيم الرب إلى تعظيم من سواه بغير إِذنه.
وباب ما جاء في اللو7،لأن لو تفتح عمل الشيطان.
1 المصدر السابق ص 124.
2 المصدر السابق ص 124.
3 المصدر السابق ص126.
4 المصدر السابق ص 127.
5 المصدر السابق ص 128.
6 المصدر السابق ص 129.
7 المصد ر السابق ص 130-131.
وباب النهي عن سب الريح1، لأنها مأمورة فيستعاذ بالله من شر ما أمرت به.
وباب قول الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} 2 الآية (آل عمران: 154) - لأنهم لم يوحدوا الله توحيد المعرفة والإِثبات في الأسماء والصفات.
وباب ما جاء في منكري القدر3.
وباب ما جاء في المصورين4، الذين يضاهئون بخلق الله.
وباب ما جاء في كثرة الحلف5، لأن كثرته من غير داع شرعي استخفاف بحق الله تعالى.
وباب ما جاء في: "ذمة الله وذمة نبيه صلى الله عليه وسلم " 6 لأن نقضها ترك لتعظيم الله من أجل غيره.
وباب ما جاء في الإِقسام على الله7.
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 132.
2 المصد ر السابق ص 133-134.
3 المصدر السابق ص 135-137.
4 المصدر السابق ص 138-139.
5 المصد ر السابق ص 140-141.
6 المصد ر السابق ص 142-143.
7 المصد ر السابق ص 144.
وباب لا يستشفع بالله على خلقه1، لأن في الإقسام والتألي على الله أن لا يغفر لفلان وفي الاستشفاع بالله على خلقه سوء أدب. فالأول: من العجب بالنفس- والثاني: من تعظيم غير الله- وهذان من شعب الشرك.
وباب ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} 2 ومن أشرك لم يقدر الله حق قدره.
ولهذا الشرك أسباب ووسائل يبينها الشيخ رحمه الله ويهتم ببيانها للحذر منها وقد عقد في ذلك أبوابا في كتاب التوحيد أيضا وهي:
باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين3.
وباب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله 4.
وباب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، فكيف إِذا عبده؟ 5.
1 المصد ر السابق ص 145.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 148-151.
3 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة ص 56-59.
4 المصدر السابق ص 64- 65.
5 المصدر السابق ص 60-63.
وباب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما1. (أي باب ما جاء فيمن تبرك) .
وباب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله2.
وباب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك3. ويقصد بهذا الباب حماية- التوحيد من جانب الأعمال.
وباب آخر يشبهه في العنوان وهو: باب ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم التوحيد وسده طرق الشرك 4، ويقصد بهذا الباب حماية التوحيد من جانب الألفاظ والأقوال.
وعن أسباب الشرك أيضا فالشيخ يبينها في مثل استنباطه من قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الزمر: 67) .
قال الشيخ في هذه الآية: التنبيه على سبب الشرك وهو أن المشرك بان له شيء من جلالة الأنبياء والصالحين، ولم يعرف الله سبحانه وتعالى،
1 المصدر السابق ص 32-34.
2 المصدر السابق ص 38-39.
3 المصدر السابق ص 66-67.
4 المصدر السابق ص 146-147.
وإلا لو عرفه لكفاه وشفاه عن المخلوق وهذا معنى قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية1.
ويقول الشيخ في بيانه سبب الشرك: "لأن الناس يعرفون الرجل الصالح وبركته ودعاءه فيعكفون على قبره ويقصدون ذلك فتارة يسألونه وتارة يسألون الله عنده. وتارة يصلون ويدعون الله عند قبره، ولما كان هذا بدء الشرك سد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الباب. ففي الصحيحين أنه قَال في مرض موته " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما صنعوا2الخ.
وسيأتي هذا الحديث للاستدلال به وبغيره من الأدلة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سد أبواب الشرك. وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: "والغلو في الصالحين لا شك أنه هو الباب المفضي إلى الشرك قديما وحديثا.
فالغلو فيهم هو مجاوزة الحد بأن يجعل للصالحين من حقوق الله الخاصة به شيء، فإن حق الله الَّذي لايشاركه فيه مشارك، هو الكمال المطلق، والغنى المطلق، والتصرف المطلق، من جميع الوجوه، وأنه لا يستحق العبادة والتأله أحد سواه.
1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 345، 346.
2 الدرر السنية، ط 2، ج 2 ص 5.
فمن غلا بأحد من المخلوقين حتى جعل له نصيبا من هذه الأشياء فقد ساوى به رب العالمين، وذلك أعظم الشرك.
ومن رفع أحداً من الصالحين فوق منزلته التي أنزله الله بها فقد غلا فيه، وذلك وسيلة إلى الشرك وترك الدين.
والناس في معاملة الصالحين ثلاثة أقسام:
1-
أهل الجفاء الَّذين يهضمونهم حقوقهم ولا يقومون بحقهم من الحب والموالاة لهم والتوقير والتبجيل.
2-
وأهل الغلو الَّذين يرفعونهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله بها.
3-
وأهل الحق الَّذين يحبونهم ويوالونهم ويقومون بحقوقهم الحقيقية ولكنهم يبرأون من الغلو فيهم وادعاء عصمتهم.
4-
والصالحون أيضا يتبرأون من أن يدعو لأنفسهم حقا من حقوق ربهم الخاصة، كما قَال الله عن عيسى صلى الله عليه وسلم:{سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} .
واعلم أن الحقوق ثلاثة:
حق خاص لله لا يشاركه فيه مشارك وهو التأله له وعبادته وحده لا شريك له، والرغبة والإِنابة إليه حبا وخوفا ورجاء.
وحق خاص للرسل وهو توقيرهم وتبجيلهم والقيام بحقوقهم الخاصة.
وحق مشترك وهو الإيمان بالله ورسله وطاعة الله ورسله، ومحبة الله
ومحبة رسله، ولكن هذه لله أصلا وللرسل تبعا لحق الله.
فأهل الرسل يعرفون الفرقان بين هذه الحقوق الثلاثة فيقومون بعبودية الله وإِخلاص الدين له ويقومون بحق رسله وأوليائه على اختلاف منازلهم ومراتبهم.. والله أعلم"1.
وأورد الشيخ تحت باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين، أدلة مناسبة من الكتاب والسنة، مثل قول الله تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} (النساء: 171) . واختصر الشيخ ما في صحيح البخاري: عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} (نوح: 23) . قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تعبد، حتى اذا هلك أولئك ونُسي العلم عبدت".
ثم يقول الشيخ: وقال ابن القيم: قال غير واحد من السلف: "لما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم".
1 القول السديد في مقاصد التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن سعدي، المطبوع بهامش كتاب التوحيد ص 75-79.
ويسوق الشيخ حديثا عن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم. إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله" أخرجه البخاري في صحيحه1. ثم ذكر الشيخ رحمه الله تعالى حديثا عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو". رواه أحمد في المسند (ج1 ص 215 وص 347) .
ولمسلم عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هلك المتنطعون قالها ثلاثا".
يقول الشيخ فيه: أن من فهم هذا الباب وبابين بعده ويعني بهما باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟، وباب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله. قال الشيخ: من فهم هذه الأبواب الثلاثة تبين له غربة الإسلام، ورأى من قدرة الله، وتقليبه للقلوب العجب. وفيه معرفة أول شرك حدث في الأرض: أنه بشبهة الصالحين. وأول شيء غير به دين الأنبياء، وسبب ذلك مع معرفة أن الله أرسلهم.
وفيه قبول الناس البدع، مع كون الشرائع والفطر تردها. وأن سبب
1 وهو الحديث الخامس عشر من عشرين حديثا من صحيح البخاري، قام بدراسة أسانيدها الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد مع شرح متونها، (عشرون حديثا
…
ص 169) .
ذلك كله مزج الحق بالباطل، فالأول: محبة الصالحين.
والثاني: فعل أناس من أهل العلم شيئا أرادوا به خيرا، فظن من بعدهم أنهم أرادوا به غيره.
وفيه تفسير الآية التي في سورة نوح وبيان جبلة الآدمي، في كون الحق ينقص في قلبه والباطل يزيد.
وفيه شاهد لما نقل عن السلف أن البدع سبب الكفر.
وفيه بيان سبب محبة الشيطان للبدعة لمعرفته بما تؤول إليه، ولوحسن قصد الفاعل.
وفيه معرفة القاعدة الكلية، وهي النهي عن الغلو ومعرفة ما يؤول إليه.
وفيه مضرة العكوف على القبر لأجل عمل صالح. ومعرفة النهي عن التماثيل والحكمة في إزالتها. ومعرفة شأن هذه القصة وشدة الحاجة إليها مع الغفلة عنها.
وفيه فائدة وهي أعجب وأعجب: قراءة بعض أهل الزمان هذه المسألة إياها في كتب التفسير والحديث، ومعرفتهم بمعنى الكلام، وكون الله حال بينهم وبين قلوبهم حتى اعتقدوا أن فعل قوم نوح أفضل العبادات، واعتقدوا أن نهي الله ورسوله هو الكفر المبيح للدم والمال.
وفيه التصريح بأن هؤلاء الذين دعوا صور الصالحين لم يريدوا إلا الشفاعة من الصالحين وظنهم أن الناس الذين صوروا الصور أرادوا ذلك.
وفيه: البيان العظيم في قوله: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم" فصلوات الله وسلامه على من بلغ البلاغ المبين. ونصيحته إيانا بهلاك المتنطعين. والتصريح بأنها لم تعبد حتى نسي العلم، ففيها بيان معرفة قدر وجوده، ومضرة فقده. وأن سبب فقد العلم موت العلماء1.
وتحت باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله أورد الشيخ أن مالكاً روى في الموطأ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد. اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
ولابن جرير بسنده عن سفيان عن منصورعن مجاهد: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} (النجم: 19) - قال: كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره".
وكذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس كان يلت السويق للحاج.
ويقول الشيخ في ملخصه عن ابن تيمية:
سبب عبادة اللات تعظيم قبر رجل صالح وهذه هي العلة في تغليظه صلى الله عليه وسلم في النهي عن اتخاذ قبور الصالحين مساجد، ونهيه عن الصلاة في المقبرة وقد نبه عليها بقوله:"اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد" وقد ذكرهذه العلة
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 56-59، وانظر: تيسير العزيز الحميد في شرح التوحيد ص 270-272،275.
الشافعي، وأبو بكر الأثرم، وغيرهما من العلماء، وهي التي أوقعت كثيراً من الأمم إِما في الشرك الأكبر أو ما دونه، فإِن الشرك بقبر الذي يعتقد نبوته أو صلاحه أعظم من أن يشرك بخشبة أو حجر على تمثاله، ولهذا نجد قوما كثيراً يتضرعون عندها، ويتعبدون بقلوبهم عبادة لا يعبدونها في المسجد ولا في السحر، فهذه المفسدة هي التي حسم صلى الله عليه وسلم مادتها حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقا، وإِن لم يقصد بركة البقعة، كما يقصد بركة المساجد الثلاثة، كما نهى عن الصلاة وقت الطلوع والغروب والاستواء، لأنها الأوقات التي يقصد المشركون بركة الصلاة للشمس فيها فنهى المسلم عن الصلاة حينئذ، وإن لم يقصد ذلك الوقت سدا للذريعة فأما إذا قصد الصلاة عند قبور الصالحين متبركاً فهذا عين المحادة لله ورسوله، والمخالفة لدينه وابتداع دين لم يأذن الله به، فنهى صلى الله عليه وسلم من اتخاذها مساجد، وعن الصلاة عندها، وعن اتخاذها عيدا، ودعا الله أن لا يجعل قبره وثنا يعبد واتخاذ المكان عيدا هو اعتياد إِتيانه لعبادة أو غيرها، وتقدم النهى الخاص عن الصلاة عندها وإليها، وذكرنا ما في دعاء المرء لنفسه من الفرق بين قصدها لأجل الدعاء والدعاء ضمنا وتبعا1.
وينقل الشيخ عن شيخ الإسلام ابن تيمية قوله:" وكانت الطواغيت الكبار التي تشد إليها الرحال ثلاثة: اللات
1 مؤلفات الشيخ، ملحق المصنفات، مسائل ملخصة رقم 98 ص 90، 91.
والعزى ومناة وكل واحد منها لمصر من أمصار العرب فكانت اللات لأهل الطائف ذكروا أنه كان في الأصل رجلاً صالحا يلت السويق للحجاج فلما مات عكفوا على قبره. وأما العزى فكانت لأهل مكة قريباً من عرفات وكانت هناك شجرة يذبحون عندها ويدعون. وأما مناة فكانت لأهل المدينة وكانت حذو قديد من ناحية الساحل.
ومن أراد أن يعلم كيف كانت أحوال المشركين في عبادتهم الأوثان ويعرفه حقيقة الشرك الذي ذمه الله وأنواعه حتى يتبين له تأويل القرآن فلينظر إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحوال العرب في زمانه وما ذكره الأزرقي في أخبار مكة وغيره من العلماء ولما كان للمشركين شجرة يعلقون عليها أسلحتهم ويسمونها ذات أنواط فقال بعض الناس يارسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال: الله أكبر إِنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم فأنكر صلى الله عليه وسلم مجرد مشابهتهم للكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها معلقين عليها أسلحتهم فكيف بما هو أطم من ذلك من الشرك بعينه إلى أن قال: "فمن ذلك عدة أمكنة بدمشق" مثل مسجد يقال له مسجد الكف. فيه تمثال كف يقال إنه كف علي بن أبي طالب حتى هدم الله ذلك الوثن وهذه الأمكنة كثيرة موجودة في البلاد وفي الحجاز منها مواضع ثم ذكر كلاما طويلاً في نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند القبور فقال: العلة لما يفضي إليه ذلك من الشرك ذكر ذلك الشافعي وغيره وكذلك الأئمة من أصحاب مالك وأحمد كأبي بكر الأثرم وعللوا بهذه العلة وقد
قال تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} الآية.
ذكر ابن عباس وغيره من السلف أن هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم. ذكر هذا البخاري في صحيحه وأهل التفسير كابن جرير وغيره مما يبين صحة هذه العلة أنه لعن من يتخذ قبور الأنبياء مساجد.
ومعلوم أن قبور الأنبياء لا يكون ترابها نجسا وقال عن نفسه: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد" فعلم أن نهيه عن ذلك كنهيه عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها سدا للذريعة لئلا يصلي في هذه الساعة وإن كان المصلي لا يصلي إلا لله ولا يدعو إلا الله لئلا يفضي ذلك إلى دعائها والصلاة لها. وكلا الأمرين قد وقع. فإِن من الناس من يسجد للشمس وغيرها من الكواكب ويدعوها بأنواع الأدعية. وهذا من أعظم أسباب الشرك الذي ضل به كثير من الأولين والآخرين حتى شاع ذلك في كثير ممن ينتسب إلى الإسلام وصنف بعض المشهورين فيه كتاباً على مذهب المشركين مثل أبي معشر البلخي وثابت بن قرة وأمثالهما ممن دخل في الشرك وآمن بالطاغوت والجبت وهم ينتسبون إلى الكتاب كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} انتهى كلام الشيخ رحمه الله1.
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، مفيد المستفيد ص 286-288. وقد نقل الشيخ هذا الكلام من اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية كما ذكر، وقد اختصره من مواضع من الكتاب. انظر: ص 313، 314، 316، 318، 404، 405.
ويختار الشيخ تحليلات جيدة للأمور التي ضل منها من ضل من المشركين وأشباههم من المتفلسفة حيث جعلوا ما يجري بين الخلق بعضهم مع بعض من الأسباب هو مثل ما بينهم وبين الخالق تعالى الله عن ذلك فيقول الشيخ في تلخيصه لهذه النقطة عن شيخ الإسلام ابن تيمية: إِن ما بين الخلق من الأسباب الكسبية التي بها يتساءلون ويشفع بعضهم إلى بعض هي من جنس المشاركة، والسبب الآخر الولادة، فالأسباب والصلات التي بينهم لا تخرج عن سبب خلقي وهو الولادة، أو كسبي من جنس المشاركة، والمعاوضة، ولهذا افتتح سورة النساء بقوله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} الآية فذكر في السورة حكم الأسباب من هذا وهذا، فذكر ما يتعلق بالولادة من القرابة والرحم، وما يتعلق بذلك من المواراث والمناكح، وكذلك ما يحصل بينهم بالعقود من المناكح والمواريث والوصايا على اليتامى فالنسب من الأول، والصهر من الثاني، كما قال:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} (الفرقان: 54) فافتتحها بقوله: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} ثم قال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ}
أي تتعاهدون وتتعاقدون والأرحام فدخل في الأول ما بينهم من التساؤل والتعاقد الذي يجمع المعاوضة والمشاركة وفي الثاني الولادة وفروعها، وقد نزه الله نفسه المقدسة عنهما، فقال:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} الآية (الإِسراء: 111) وقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} الآيتين (الفرقان: 1-2) وقال: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} الآيتين (الأنعام: 100) وقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} إلى آخرها.
ومن هنا ضل من ضل من المشركين وأشباههم من المتفلسفة حيث جعلوا لله ما نسبو إليه نسب الولادة، أو جعلوه كالشريك ولهذا كانوا يتخذون هؤلاء شفعاء فإِنهم يعبدونهم ليقربوهم إلى الله زلفى، ويتخذونهم وسيطا ووسائل كما يتخذون ذلك عند المخلوقين، فهذا أصل مادة هؤلاء الجهلة الضلال ونحوهم، والقرآن قد حسم هذه المادة، وجرد التوحيد، وبين أنه لا نسبة بين المخلوق والخالق إلا نسبة العبودية المحضة، كما قال:{بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} (الأنبياء: 26) وقال: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ} (النساء: 172) وقال: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} 1 (مريم: 90) وفي قياس الصابئة المشركين طريقتهم في اتخاذ النجوم وسائط معبودة على اتخاذ الحنفاء الرسل متبوعين ينقل الشيخ ما يفسد هذا القياس من كلام ابن
1 مؤلفات الشيخ، ملحق المصنفات، مسائل ملخصة رقم 102 ص 95، 96.
تيمية أيضا فيقول: المشركون من الصابئة ونحوهم لما عبدوا الكواكب والملائكة، وجعلوها وسائط بين الله وبين خلقه، جادلوا الحنفاء الذين يتبعون الرسل ولا يعبدون إلا الله فقالوا: نحن نتخذ الروحانيين وسائط، وأنتم تتخذون البشر. فأخذ يعارضهم طائفة كالشهرستاني في الملل والنحل وغيره، ويذكرون أن توسط البشر أولى من توسط الروحانيين فبنوا معارضتهم على أصل فاسد، وهومقايسة وسائط أولئك بوسائط الحنفاء، وهذا جهل بدين الحنفاء، فإنه ليس بينهم وبين الله واسطة في العبادة، وإنما الرسل بلَّغتهم أمر الله فهم وسائط في التبليغ كدليل الحاج، وإمام الصلاة، وبعض من دخل دين الصابئة والمشركين ظنوا أن شفاعة الرسول لأمته لا تحتاج إلى دعاء منه، بل الرحمة التي تفيض على الرسول تفيض على المستشفع من غير شعور من الرسول ولا دعاء منه ومثلوا ذلك بانعكاس شعاع الشمس إذا وقع على جسم صقيل ثم انعكس على غيره، وكما أن انعكاس الشعاع يحتاج إلى المحاذاة فكذلك الفيض لابد فيه من توجه الإنسان إلى النفوس الفاضلة، وجعلوا الفائدة في زيارة قبورهم من هذا الوجه، وقالوا إن الأرواح المفارقة تجتمع هي والأرواح الزائرة فيقوى تأثيرها، وهذه المعاني ذكرها طائفة من الفلاسفة، ومن أخذ عنهم كابن سينا وأبي حامد وغيرهم، وهذه من أصول عباد الأصنام، وهي من المقاييس التي قال فيها بعض السلف: ما عبدت الشمس والقمر إلا
بالمقاييس1.
وينقل الشيخ أيضا عن ابن تيمية أن أصل كل شرك في العالم إنما حدث برأي أئمة هؤلاء المتكلمين أصحاب المقاييس المعارضة للوحي فيقول بعد أن ذكر بعض أحوالهم المخالفة: "كل شرك في العالم إنما حدث برأي جنسهم فهم الآمرون بالشرك والفاعلون له، ومن لم يأمر منهم بالشرك فلم ينه عنه بل يقر هؤلاء وهؤلاء، وإِن رجح الموحدين ترجيحا ما فقد يرجح في غيره المشركين، وقد يعرض عن الأمرين جميعا فتدبر هذا فإِنه نافع جدا. ولهذا كان رؤوسهم المتقدمون والمتأخرون يأمرون بالشرك. وكذلك الذين كانوا في ملة الإسلام لا ينهون عن الشرك. ويوجبون التوحيد بل يسوغون الشرك أو يأمرون به أو لا يوجبون التوحيد وقد رأيت من مصنفاتهم في عبادة الملائكة وعبادة الأنفس المفارقة. أنفس الأنبياء وغيرهم ما هو أصل الشرك، وهم إذا ادعوا التوحيد فإنما توحيدهم بالقول لا بالعبادة والعمل، والتوحيد الذي جاءت به الرسل لابد فيه من التوحيد بإِخلاص الدين لله وعبادته وحده لا شريك له وهذا شيء لا يعرفونه فلو كانوا موحدين بالقول والكلام لكان معهم التوحيد دون العمل وذلك لا يكفي في السعادة والنجاة بل لابد من أن يعبد الله وحده ويتخذه إلها دون ما سواه وهذا هو معنى "لا إله إلا الله". انتهى كلام الشيخ ابن تيمية.
1 المصدر السابق رقم 103 ص 96، 97.
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب1:
فتأمل رحمك الله هذا الكلام فإِنه مثل ما قال الشيخ فهو نافع جدا ومن أكبر ما فيه من الفوائد يبين حال من أقر بهذا الدين وشهد أنه الحق وأن الشرك هو الباطل وقال بلسانه ما أريد منه ولكن لا يدين بذلك إما بغضا له أو عدم محبته كما هي حال المنافقين الذين بين أظهرنا. وإما إِيثاراً للدنيا مثل تجارة أو غيرها فيدخلون في الإسلام ثم يخرجون منه كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} الآية. وقال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} إلى قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} فإذا قال هؤلاء بألسنتهم نشهد أن هذا دين الله ورسوله ونشهد أن المخالف له باطل وأنه الشرك بالله غرَّ هذا الكلام ضعيف البصيرة.
ويقول الشيخ سليمان في شرحه، ولما كان عباد القبور إنما دُهُوا من حيث ظنوا أنهم محسنون، فرأوا أن أعمالهم القبيحة حسنة، كما قال تعالى:{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} (فاطر: 8) نوع المصنف التحذير من الافتتان بالقبور وأخرجه في أبواب مختلفة ليكون أوقع في القلب وأحسن في التعليم، وأعظم في الترهيب2.
ويقول الشيخ في ملخصه عن ابن تيمية: ومما يتبين حكمة الشريعة
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، مفيد المستفيد ص 299-300.
2 تيسير العزيز الحميد، ص 277.
أنها كسفينة نوح أن الذين خرجوا عن المشروع خرجوا إلى الشرك، وطائفة منهم يصلون للميت ويدعو أحدهم الميت، فيقول اغفر لي وارحمني، ومنهم من يستقبل القبر ويصلى لله مستدبراً الكعبة، ويقول القبر قبلة الخاصة والكعبة قبلة العامة1، وهذا يقوله: من هو أكثر عبادة وزهدا، وهو شيخ متبوع، ولعله أمثل أصحاب شيخه، لقوله في شيخه وآخر من أعيان الشيوخ المتبوعين أصحاب الصدق والاجتهاد في العبادة والزهد يأمر المريد أول ما يتوب أن يذهب إلى قبر الشيخ فيعكف عليه عكوف أهل التماثيل عليها وجمهور هؤلاء المشركين بالقبور يجدون عند عبادة القبور من الرقة والخشوع وحضور القلب ما لا يجدونه في المساجد، وآخرون يحجون إلى القبور وطائفة صنفوا كتباً وسموها مناسك حج المشاهد، وآخرون يسافرون إلى قبور المشايخ وإِن لم يسموه منسكا وحجا، فالمعنى واحد وبعض الشيوخ المشهورين بالزهد والصلاح صنف كتاب الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم
…
وذكر في مناقب هذا الشيخ أنه حج مرة
1 وقد سمعت عام 1398 هـ نحو هذه العبارة بل أشد من رجل يتكلم العربية وأظنه من الهنود اللاجئين إلى باكستان جاء زائرا إلى المسجد النبوي، وقد رأيته متجها نحو القبر يدعو رافعا يديه من مسافة بعيدة عن القبر منحرفا إليه عن القبلة، فلما نبهته إلى القبلة قال لي مثل هذه العبارة وزاد بتكفير من يخالفه وقال يخاطبني:"وهابي كافر"!
وهذه الظاهرة نذير خطر من أخطار الشرك وقد كثرت في هذه الأيام وأقل ما فيها انها بدعة منكرة نسأل الله السلامة والاستقامة والهداية إنه هو السميع العليم.
وكان قبر النبي صلى الله عليه وسلم منتهى قصده، ثم رجع ولم يذهب إلى الكعبة، وجعل هذا من مناقبه وبسبب الخروج عن الشريعة صار بعض الشيوخ ممن يقصده القضاة والعلماء قيل عنه إِنه كان يقول: البيوت المحجوجة ثلاثة، مكة وبيت المقدس، والذي بالهند الذي للمشركين. لأنه يعتقد أن دين اليهود والنصارى حق وجاءه بعض إِخواننا العارفين قبل أن يعرف حقيقته، فقال له أريد أن أسلك على يدك فقال له على دين اليهود، أو النصارى، أو المسلمين؟، فقال له: اليهود والنصارى أليسوا كفارا؟ قال لا تشدد عليهم ولكن الإِسلام أفضل، ومن الناس من يجعل مقبرة الشيخ كعرفات يسافرون إليها وقت الموسم، فيعرفون بها كما يفعل بالمغرب والمشرق، وهؤلاء وأمثالهم صلاتهم ونسكهم لغير الله فليسوا على ملة إبراهيم والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته موجود في كلام بعض الناس، مثل يحيى الصرصري ومحمد بن النعمان، وهؤلاء لهم صلاح لكن ليسوا من أهل العلم بل جروا على عادة كعادة من يستغيث بشيخه في الشدائد ويدعوه، وكان بعض الشيوخ الذين أعرفهم وله فضل وعلم وزهد إذا نزل به أمر خطا إلى جهة الشيخ عبد القادر خطوات واستغاث به وهذا يفعله كثير من الناس، وهؤلاء مستندهم مع العادة قول طائفة: قبر معروف أو غيره ترياق مجرب، ومعهم أن طائفة استغاثوا بحي أوميت فرأوه أتى في الهوى، وقضى بعض الحوائج، وهذا كثير واقع في المشركين الذين يدعون الملائكة أو الأنبياء أو الكواكب والأوثان فإِن الشيطان
يتمثل لهم، ولو ذكرت ما أعلم من الوقائع الموجودة في زماننا من هذا لطال المقال، وقد طاف هذا بجوابه يعني الذي ذكر فيه جواز الاستغاثة بالنبي على علماء مصر ليوافقه واحد منهم فما وافقوه، وطلب منهم أن يخالفوا الجواب الذي كتبته فما خالفوه مع أن قوما كان لهم غرض، وفيهم جهل بالشرع قاموا في ذلك قياما عظيما، واستعانوا بمن له غرض من ذوي السلطان مع فرط تعصبهم، وكثرة جمعهم، وقوة سلطانهم ومكائد شيطانهم1.
ويورد الشيخ آثاراً في سد ذرائع الشرك فيقول: "وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج". قال الشيخ رواه أهل السنن.
ويقول الشيخ: فيه تفسير الأوثان2، وتفسير العبادة وأنه صلى الله عليه وسلم لم يستعذ إلا مما يخاف وقوعه، وقرنه صلى الله عليه وسلم بدعائه أن لا يجعل الله قبره وثنا يعبد إِخباره بوعيد اتخاذ قبور الأنبياء مساجد "وذكر شدة الغضب من الله على ذلك وفيه ما هو من أهم هذه المسائل وهو صفة معرفة اللات التي هي من أكبر الأوثان ومعرفة أنه قبر رجل صالح، وأنه اسم صاحب القبر، وذكر معنى التسمية ولعنه زوارات القبور، ولعنه من أسرجها3.
1 مؤلفات الشيخ، ملحق المصنفات، رقم 104 ص 97-99.
2 وقوله: تفسبر الأوثان. أي في الحديث بيان معنى الوثن.
3 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 64- 65.
قال الشيخ سليمان في شرحه تيسير العزيز الحميد لكتاب التوحيد: أراد المصنف رحمه الله بهذه الترجمة أمورا:
الأول: التحذيرمن الغلو في قبور الصالحين.
الثاني: أن الغلو فيها يؤول إلى عبادتها.
الثالث: أنها إذا عبدت سميت أوثانا ولو كانت قبور الصالحين.
الرابع: التنبيه على العلة في المنع من البناء عليها واتخاذها مساجد1.
وتحت باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عبده؟
أورد الشيخ أحاديث فقال في الصحيح ويعني في الصحيحين2، عن عائشة: أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رَأَتْها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح، بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله".
قال الشيخ: فهؤلاء جمعوا بين فتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل.
قال الشيخ ولهما أي للبخاري ومسلم عنها أي عن عائشة قالت: "لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم، طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها
1 ص 293-294.
2 تيسير العزيز الحميد ص 277.
كشفها. فقال- وهو كذلك-: "لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا" أخرجاه أي البخاري ومسلم. ولمسلم عن جندب بن عبد الله قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، وهو يقول:"إِني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فان الله قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا، لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإِن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإِني أنهاكم عن ذلك".
قال الشيخ: فقد نهى عنه في آخرحياته.
ثم إِنه لعن- وهو في السياق- من فعله. والصلاة عندها من ذلك وإِن لم يبن مسجد، وهو معنى قولها:"خشي أن يتخذ مسجدا"، فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا، وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدا، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا، كما قال صلى الله عليه وسلم:"جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا".
وقال الشيخ: ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا "إِن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد" ورواه أبو حاتم في صحيحه.
وقال الشيخ فيه: ما ذكر الرسول فيمن بنى مسجدا يعبد الله فيه عند قبر رجل صالح، ولو صحت نية الفاعل. وفيه: النهي عن التماثيل فاذا اجتمع الأمران غلظ الأمر.
وفيه: العبرة في مبالغته صلى الله عليه وسلم في ذلك. كيف بين لهم هذا أولا ثم قبل موته بخمس، قال: ما قال، ثم لما كان في السياق لم يكتف بما تقدم.
وفيه: نهيه عن فعله عند قبره قبل أن يوجد القبر. وبيانه أنه من سنن اليهود والنصارى في قبور أنبيائهم. ولعنه إياهم على ذلك. وأن مراده تحذيره إيانا عن قبره. وفيه: بيان العلة في عدم ابراز قبره. وبيان معنى اتخاذها مسجدا. وأنه قرن بين من اتخذها مساجد وبين من تقوم عليه الساعة فذكر الذريعة إلى الشرك قبل وقوعه مع خاتمته. وذكره في خطبته قبل موته بخمس: الرد على الطائفتين اللتين هما شرار أهل البدع، بل أخرجهم بعض أهل العلم من الثنتين والسبعين فرقة وهم الرافضة والجهمية. وبسبب الرافضة حدث الشرك وعبادة القبور، وهم أول من بنى عليها المساجد1.
ومن أسباب الشرك ووسائله التي يجب القضاء عليها ومنعها: لمس القبر والتمسح به وبناء القباب على القبور والصلاة عندها وقصدها لأجل الدعاء عندها معتقداً أن الدعاء هناك أفضل من الدعاء في غيره أو النذر لله في هذا المكان ونحو ذلك فهذا ليس من دين المسلمين بل هو مما أحدث من البدع القبيحة التي هي من شعب الشرك.
قال الشيخ: أما بناء القباب على القبور فيجب هدمها ولا علمت
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 60-62.
أنه يصل إلى الشرك الأكبر، وكذلك الصلاة عنده أي القبر وقصده لأجل الدعاء فكذاك لا أعلمه يصل إلى ذلك، ولكن هذه الأمور من أسباب حدوث الشرك، فيشتد نكير العلماء لذلك، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" وذكر العلماء أنه يجب التغليظ على هذه الأمور لأنه يفتح باب الشرك، كما أنه أول ما حدث في الأرض بسبب ود وسواع ويعوق ونسر، لما عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم يتذكرون بها الآخرة، ثم بعد ذلك بقرون عبدوا، فكذلك في هذه الأمة كما قال صلى الله عليه وسلم:"لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" 1 فأول ما حدث الصلاة عند القبور والبناء عليها من غير شرك، ثم بعد ذلك بقرون وقع الشرك. وأول ما جرى من هذا أن بني أمية لما بنوا مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وسعوه واشتروا بيوتاً حوله، ولم يمكنهم إِدخال بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه قبره وقبر صاحبيه، ولكن أدخلوا البيت في المسجد2 لأجل توسيع المسجد ولم يقصدوا تعظيم الحجرة بذلك، لكن قصدوا تعظيم المسجد، ومع هذا أنكره علماء المدينة حتى قتل خبيب بن عبد الله بن الزبير بسبب
1 انظر: تخريجه في (1/ 268) من هذا البحث.
2 يعني ببيت النبي صلى الله عليه وسلم، الحجرة التي ضمت قبره وقبر صاحبيه فهذه قد أَحاطوها بثلاثة جدران على شكل مثلث قاعدته جنوبي الحجرة لأنه لا يمكنهم إِدخالها في المسجد، أما بقية بيوت أزواجه فأدخلوها.
إِنكاره ذلك، فانظر إلى سد العلماء الذرائع. وأما النذر له "أي للقبر" أو صاحبه ودعائه والخضوع له فهو من الشرك الأكبر، فتأمل ما ذكره البغوي في تفسير سورة نوح في قوله تعالى:{وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً} الآية (نوح: 23) .
وما ذكره أيضا في سورة النجم في قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} (النجم: 19) أن اللات قبر رجل صالح فتأمل الأصنام التي بعثت الرسل بتغييرها كيف تجد فيها قبور الصالحين1.
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي:
الممنوع مما يفعل عند القبور: نوعان:
أحدهما: محرم ووسيلة للشرك كالتمسح بها والتوسل إلى الله بأهلها، والصلاة عندها وكإِسراجها والبناء عليها، والغلو فيها وفي أهلها إذا لم يبلغ رتبة العبادة.
والنوع الثاني: شرك أكبر كدعاء أهل القبور والاستغاثة بهم وطلب الحوائج الدنيوية والأخروية منهم، فهذا شرك أكبر، وهو عين ما يفعله عباد الأصنام مع أصنامهم.
1 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، الفتاوى، ص 60وص 69- 71. وانظر: مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، مختصر زاد المعاد، ص 67-68. والقسم الأول، مسائل الجاهلية ص 347 ص 348.
ولا فرق في هذا بين أن يعتقد الفاعل لذلك أنهم مستقلون في تحصيل مطالبه، أو متوسطون إلى الله، فإِن المشركين يقولون {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} و {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} فمن زعم أنه لا يكفر من دعا أهل القبور حتى يعتقد أنهم مستقلون بالنفع ودفع الضرر، وأن من اعتقد أن الله هو الفاعل وأنهم وسائط بين الله وبين من دعاهم واستغاث بهم لا يكفر.
من زعم ذلك فقد كذب ما جاء به الكتاب والسنة، وأجمعت عليه الأمة من أن من دعا غير الله فهو مشرك كافر في الحالين المذكورين سواء اعتقدهم مستقلين أو متوسطين. وهذا معلوم بالضرورة من دين الإسلام. فعليك بهذا التفصيل الذي يحصل به الفرقان في هذا الباب المهم الذي حصل به من الاضطراب والفتنة ما حصل، ولم ينج من فتنته إلا من عرف الحق واتبعه1.
وتحت باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله- يورد الشيخ قول الله تعالى: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (التوبة: 158) .
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: " نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانه، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية
1 القول السديد في مقاصد التوحيد، ص82- 84.
يعبد؟ قالوا: لا- قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فانه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم " قال الشيخ: رواه أبو داود وإِسناده على شرطهما.
قال الشيخ فيه: تفسير قوله {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً} والمنع من تخصيص البقعة بالنذر إذا كان فيها وثن من أوثان الجاهلية، ولو بعد زواله أو كان فيه عيد من أعيادهم ولو بعد زواله والحذر من مشابهة المشركين في أعيادهم ولو لم يقصده1.
ويذكر الشيخ أن الشيطان والعياذ بالله منه أظهر لهؤلاء الغلاة، الذين غلوا في الصالحين وفي قبورهم أن دعاءهم أو اتخاذ قبورهم مساجد يدعون عندها ويصلون في صورة المحبة لهؤلاء الصالحين أو القيام بحقوقهم والتعظيم لهم، أما من يخلص لله الدين ولا يغلو في الأولياء والصالحين فقد أظهر الشيطان عمله هذا لهؤلاء الغلاة في صورة تنقص الصالحين والتقصير في حقوقهم2.
وتحت باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما يورد الشيخ قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} (النجم: 19- 20) .
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، التوحيد ص 38-39.
2 انظر: مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، ستة أصول عظيمة مفيدة ص 393، وانظر: مفيد المستفيد ص 291.
وعن أبي واقد الليثي قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة: فقلنا: يارسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، إِنها السنن قلتم والذي نفسي بيده، كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} (الأعراف: 138) . لتركبن سنن من كان قبلكم".
قال الشيخ رواه الترمذي وصححه.
يقول الشيخ فيه: تفسير آية النجم ومعرفة صورة الأمر الذي طلبوا، وكونهم لم يفعلوا، وكونهم قصدوا التقرب إلى الله بذلك، لظنهم أنه يحبه، وأنهم إذا جهلوا هذا فغيرهم أولى بالجهل، وأن لهم من الحسنات والوعد بالمغفرة ما ليس لغيرهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعذرهم بل رد عليهم بقوله:"الله أكبر إِنها السنن لتتبعن سنن من كان قبلكم" فغلظ الأمر بهذه الثلاث، وفيه الأمر الكبير وهو المقصود أنه أخبر أن طلبهم كطلب بني إسرائيل لما قالوا لموسى:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً} وأن نفي جعل ذات الأنواط للتبرك والعكوف عندها من معنى لا إله إلا الله مع دقته وخفائه على أولئك، ولذا حلف على الفتيا وهو لا يحلف إلا لمصلحة وفيه أن الشرك فيه أكبر وأصغر لأنهم لم يرتدوا بهذا. وقولهم:"ونحن حدثاء عهد بكفر" فيه أن غيرهم لا يجهل ذلك. وفيه سد الذرائع والنهي عن التشبه بالجاهلية وأن
العبادات مبناها على الأمر، وأن سنة أهل الكتاب مذمومة كسنة المشركين وما ذم الله به اليهود والنصارى في القرآن تحذير لنا أن نقع فيه وأن المنتقل من الباطل الذي اعتاده قلبه لا يؤمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة، لقولهم:"ونحن حدثاء عهد بكفر"1.
ويقول الشيخ: هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدرى عنها- فتفيد التعلم والتحرز، ومعرفة أن قول الجاهل "التوحيد فهمناه" أن هذا من أكبر الجهل ومكائد الشيطان.
وتفيد أيضا أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنبه على ذلك فتاب من ساعته أنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل، والذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم. وتفيد أيضا أنه لو لم يكفر فإِنه يغلظ عليه الكلام تغليظاً شديداً كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم 2.
وفي بيان حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على إِبطال أسباب الشرك العملي يورد الشيخ تحت باب: ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك:
قول الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، التوحيد ص 32-34.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كشف الشبهات ص 175.
الْعَظِيمِ} (التوبة: 128، 129) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم" قال الشيخ: رواه أبو داود باسناد حسن، رواته ثقات.
وعن علي بن الحسين: "أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيدخل فيها فيدعو، فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي، فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم " رواه في المختارة1.
قَال الشيخ فيه: تفسير آية براءة وإِبعاده أمته عن هذا الحمى غاية البعد. وذكر حرصه علينا ورأفته ورحمته ونهيه عن زيارة قبره على وجه مخصوص، مع أن زيارته من أفضل الأعمال ونهيه عن الإِكثار من الزيارة. وحثه على النافلة في البيت. وأنه متقرر عندهم أنه لا يصلى في المقبرة. وتعليله ذلك بأن صلاة الرجل وسلامه عليه يبلغه وإِن بعد، فلا حاجة إلى ما يتوهمه من أراد القرب. وكونه صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم في البرزخ تعرض أعمال أمته في الصلاة والسلام عليه2.
1 المختارة: كتاب جمع فيه مؤلفه الأحاديث الجياد الزائدة على الصحيحين، ومؤلفه هو أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي الحافظ ضياء الدين الحنبلي أحد الأعلام، توفي سنة 643 هـ.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص66، 67.
أما بيان حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على إِبطال أسباب الشرك حتى في الأقوال فيورد الشيخ تحت الباب: ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك:
حديثا عن عبد الله بن الشخير رضي الله عته قَال: " انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا أنت سيدنا. فقال: السيد الله تبارك وتعالى. قلنا: وأفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا. فقال: "قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان" قَال الشيخ: رواه أبو داود بسند جيد.
وعن أنس رضي الله عته: "أن ناسا قالوا: يا رسول الله، يا خيرنا، وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا. فقال: "يا أيها الناس، قولوا بقولكم ولايستهوينكم الشيطان أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل" قَال الشيخ: رواه النسائي بسند جيد.
قَال الشيخ فيه: تحذير الناس من الغلو. وما ينبغي أن يقول: من قيل له: أنت سيدنا. وقوله: " لا يستجرينكم الشيطان " مع أنهم لم يقولوا إلا الحق. وقوله: " ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي "1.
وعن خطورة الشرك وقبحه وضرره فالشيخ يبين ذلك بيانا بليغاً من
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص146-147.
القرآن والسنة وأن الحكمة في كون الله سبحانه يغفر الكبائر ولا يغفر الشرك هي لأنه أقبح المسبة لله تعالى، وهو الذي لا يبرأ من السوء والنقص والعيب سواه، ولا ينبغي الحمد والثناء مطلقاً إلا له سبحانه لكماله، فالشرك أعظم الظلم، ولا تسعه المغفرة التي هي صفة كمال له سبحانه وتعالى عما يشركون1.
ويقرر الشيخ أن الشرك إذا دخل في العبادة بطلت ولم تقبل وأن كل ذنب يرجى له العفو إلا الشرك، والدليل قوله تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الزمر: 65) .
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} (النساء: 115) .
وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} 2 (المائدة: 75) .
ويقول الشيخ في موضع آخر: إن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد، كما أَن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت، كالحدث إذا دخل في الطهارة، فإذا عرفت أن
1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 347، والقسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 20،21.
2 الدرر السنية، ج2 ص 3، 4.
الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة وهي الشرك بالله تعالى1.
ويقرر الشيخ في موضع ثالث خطورة هذا الشرك ببيان أن الإنسان إذا لم يجتنب الشرك فهو كافر ولو كان من أعبد هذه الأمة يقوم الليل ويصوم النهار قال الله تعالى في الأنبياء: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام: 88) وتصير عبادته كلها كمن صلى ولم يغتسل من الجنابة أو كمن يصوم في شدة الحر وهو يزني في أيام الصوم.
ويبين الشيخ أهمية معرفة هذا الشرك قبل معرفة الزنا وغيره من المحرمات2.
ولما كان الشرك ناقضا للعبادة ومفسدا لها وظلما عظيما وأقبح مسبة لله تعالى كان أعظم ذنب عصي الله به، ولهذا رتب الله عليه من عقوبات الدنيا والآخرة ما لم يرتبه على ذنب سواء من إباحة دماء أهله وأموالهم وسبي نسائهم وأولادهم، وعدم مغفرته من بين الذنوب إلا بالتوبة منه. ولما كان الشرك خطيراً مخوفا من وقوعه عقد الشيخ باباً في مؤلفه كتاب التوحيد أورد فيه ما جاء من التخويف منه والتحذير وبيان
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، القواعد الأربع ص 199- 202.
2 الدررالسنية ج 1ص 93.
أنه يقع في الأمة ولذا يخاف منه المسلم فقال الشيخ باب الخوف من الشرك، ثم أورد تحت هذا الباب الأدلة من الكتاب والسنة مثل قول الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48، 116) . وقول الله تعالى عن الخليل أَنه قال يدعو ربه: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} (إبراهيم: 35) .
وفي الحديث: " أخوف ما أخاف عليكم: الشرك الأصغر، فسئل عنه. فقال: الرياء" رواه أحمد والطبراني والبيهقي.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار" رواه البخاري.
ولمسلم عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار".
قال الشيخ فيه: الخوف من الشرك وأن الرياء من الشرك الأصغر، وأنه أخوف ما يخاف على الصالحين وأن من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار ولو كان من أعبد الناس.
وفيه المسألة العظيمة: سؤ ال الخليل له ولبنيه وقاية عبادة الأصنام، واعتباره بحال الأكثر لقوله:{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ} وفضيلة من سلم من الشرك1.
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 18-19، وانظر:
ص21، وانظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ص 89، 90. والقول السديد في مقاصد التوحيد ص 29-31.
إذاً: فالشرك خطير، ينافي التوحيد ويوجب دخول النار والخلود فيها وحرمان الجنة إذا كان أكبر ولا تتحقق وتكمل السعادة إلا بالسلامة منه وكان حقا على العبد أن يخاف منه أعظم خوف وأن يسعى في الفرار منه ومن طرقه ووسائله وأسبابه ويسأل الله العفو والعافية منه كما فعل ذلك الأنبياء والأصفياء وخيار الخلق1.
ولأن عباد القبور، الذين يفعلون الشرك يقولون: إِنه لا يقع الشرك في هذه الأمة المحمدية وهم يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولو ظهر منهم دعاء الأموات والذبح لهم والطواف حول قبورهم والنذر لهم والاعتقاد فيهم فهذا ليس شركاً، والشرك لا يقع فقد أراد الشيخ الرد عليهم بالباب الذي عقده في كتاب التوحيد وترجمته باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان وأورد تحته ما يناسب من أدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بين فيها ما يدل على تنوع الشرك في هذه الأمة ورجوع كثير منها إلى عبادة الأوثان، وإن كانت طائفة منها لا تزال على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى2.
1 انظر: القرل السديد في مقاصد التوحيد لابن سعدي ص 30، 31.
2 انظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ص 315.
وهذه الأدلة هي قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} (النساء: 50) .
وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} (المائدة: 60) . وقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} (الكهف:21) .
عن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذه بالقذه1 حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا يارسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ " أخرجاه.
ولمسلم، عن ثوبان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها. وإِن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض. وإِني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم. وأن ربي قال: يا محمد، إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد. وإِني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم. ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا" رواه البرقاني في صحيحه وزاد: "وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين. وإذا وقع عليهم
1 القذة- بضم القاف- واحدة القذذ وهو ريش السهم.
السيف لم يرفع إلى يوم القيامة. ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان. وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين. لا نبي بعدي. ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، تبارك وتعالى" 1.
قال الشيخ فيه: تفسير آية النساء. وتفسير آية المائدة. وتفسير آية الكهف.
وفيها:- وهي أهمها- ما معنى الإيمان بالجبت والطاغوت؟ هل هو اعتقاد قلب، أو هو موافقة أصحابها مع بغضها ومعرفة بطلانها؟.
يقصد الشيخ: أن الذين أوتوا نصيباً من الكتاب وافقوا المشركين في الظاهر أما في قلوبهم فيعتقدون بطلانها ويعرفونه ومع ذلك قالوا: إِن الكفار الذين يعرفون كفرهم أهدى سبيلا من المؤمنين فبمجرد هذه الموافقة للمشركين في الظاهر فقد آمنوا بالجبت والطاغوت2.
1 تقدم إيراد هذا الحديث وتخريجه، وترجمة البرقاني أيضا (انظر:(1/ 416-417) من هذا البحث) .
2 انظر: سبب نزولها في تفسير ابن جرير الطبري قال ابن جريرحدثنا محمد بن المثنى ثنا ابن أبى عدي عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت له قريش أنت خير أهل المدينة وسيدهم قال نعم قالوا ألا ترى إلى هذا الصنبور المنبتر من قومه يزعم أَنه خيرٌ منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية؟ قال أنتم خير منه، قال: فأنزلت: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} ، ونزلت:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} إلى قوله: {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} ابن جرير، التفسير، ج5 ص 133. والحديث ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره من رواية الإِمام أحمد قال حدثنا محمد بن أَبي عدي به. وذكر قريباً منه من رواية ابن أبي حاتم ثم قال ابن كثير وقد روى هذا من غير وجه عن ابن عباس وجماعة من السلف. (ابن كثير، التفسير ج1ص 513) . وأخرجه ابن حبان في صحيحه كما في موارد الظمان في زوائد ابن حبان ص 428.
قال الشيخ وفيها مسألة: وهي المقصودة بالترجمة أن هذا لابد أن يوجد في هذه الأمة، كما تقرر في حديث أبي سعيد.
وفيها: التصريح بوقوعها، أعني عبادة الأوثان في هذه الأمة في جموع كثيرة.
وفيها: العجب العجاب: خروج من يدعي النبوة مثل المختار، مع تكلمه بالشهادتين، وتصريحه بأنه من هذه الأمة، وأن الرسول حق، وأن القرآن حق. وفيه: أن محمدا خاتم النبيين، ومع هذا يصدق في هذا كله مع التضاد الواضح، وقد خرج المختار في آخر عصر الصحابة، وتبعه فئام كثيرة، يعني فلا يستبعد. تصديق من يدعي أن الشرك الأكبر لا يكفر صاحبه إذا كان يقول "لا إله إلا الله" كما جرى من المختار.
وفيه. البشارة بأن الحق لا يزول بالكلية، كما زال فيما مضى، بل لا تزال عليه طائفة. والآية العظمى: أنهم مع قلتهم لا يضرهم من خذلهم
ولا من خالفهم. وأن ذلك الشرط إلى قيام الساعة.
وفيها: حصر الخوف على أمته من الأئمة المضلين. والتنبيه على معنى عبادة الأوثان1
ويعلق الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في القول السديد على هذا الباب:
"باب ما جاء أن بعض هذه الأمة تعبد الأصنام" فيقول: "مقصود هذه الترجمة الحذر من الشرك والخوف منه، وأنه أمر واقع في هذه الأمة لا محالة، والرد على من زعم أن من قال "لا إله إلا الله" وتسمى بالإسلام أنه يبقى على إسلامه ولو فعل ما ينفيه من الاستغاثة بأهل القبور ودعائهم وسمى ذلك توسلا لا عبادة فان هذا باطل.
فإن الوثن اسم جامع لكل ما عبد من دون الله لا فرق بين الأشجار والأحجار والأبنية ولا بين الأنبياء والصالحين والطالحين في هذا الموضع وهو العبادة فانها حق الله وحده فمن دعا غير الله أو عبده فقد اتخذه وثنا وخرج بذلك عن الدين، ولم ينفعه انتسابه إلى الإسلام، فكم انتسب إلى الإسلام من مشرك وملحد وكافر ومنافق! والعبرة بروح الدين وحقيقته لا بمجرد الأسامي والألفاظ التي لا حقيقة لها2.
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص68-71، مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد ص 296-310 وص 311.
2 القول السديد في مقاصد التوحيد ص 89 -92.
وقد ذكر الشيخ معنى الطاغوت ورؤوس أنواعه وصفة الكفر به، فقال: الطاغوت عام فكل ما عبد من دون الله ورضي بالعبادة من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله فهو طاغوت ورؤوسهم خمسة: الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله تعالى، والحاكم الجائر المغير لأحكام الله تعالى، والذي يحكم بغير ما أنزل الله، والذي يدعي علم الغيب من دون الله، والذي يعبد من دون الله وهو راض بالعبادة. وأما صفة الكفر بالطاغوت فهو أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها وتكفر أهلها وتعاديهم1.
وما ذكره الشيخ عن معنى الطاغوت هو ما ذكره ابن جرير الطبري في تفسيره - فقال ابن جرير الطبري: "الجبت والطاغوت اسمان لكل معظم بعبادة من دون الله أو طاعة أو خضوع له، كائنا ما كان ذلك المعظم، من حجر أو إنسان أو شيطان، وإذا كان كذلك وكانت الأصنام التي كانت الجاهلية تعبدها كانت معظمة بالعبادة من دون الله فقد كانت جبوتاً وطواغيت، وكذلك الشياطين التي كانت الكفار تطيعها في معصية الله، وكذلك الساحر والكاهن اللذان كان مقبولا منهما ما قالا في أهل الشرك بالله وكذلك حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف، لأنهما كانا مطاعين في أهل ملتهما من اليهود في معصية الله والكفر به وبرسوله صلى الله عليه وسلم،
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، معنى الطاغوت ص 376-378.
فكانا جبتين وطاغوتين1.
وكذلك ابن القيم ذكر معنى الطاغوت فقال: الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله.
فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس رأيت أكثرهم عدلوا عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت وعن طاعة الله ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته، وهؤلاء لم يسلكوا طريق الناجين الفائزين من هذه الأمة - وهم الصحابة ومن تبعهم- ولا قصدوا قصدهم، بل خالفوهم في الطريق والقصد معا2.
هذا وللمشركين شبه كثيرة وحجج ومعارضات يتوصلون بها إلى الشرك وإبطال التوحيد، ولو قامت شبههم لقامت الفتنة وأصبح الدين مفرقا ليس كله لله تعالى ولكن الشيخ كشف شبههم واحدة واحدة، ونقضها حتى أبطلها جميعا وحاصل هذه الشبة يمكن تصويره في سبع شبهات هي:
1-
أن الشرك لا يكون فيمن يشهد أن الله هو النافع الضار المدبر
1 تفسير ابن جرير الطبرى 5/133.
2 إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن قيم الجوزيه ج 1ص 50.
ولكنه يقصد أولياء الله والصالحين لأن لهم جاها وشفاعة عند الله تعالى وهو مذنب فيدعوهم ويستغيث بهم ويذبح لهم وينذر لهم ليشفعوا له عند الله تعالى لا غير.
2-
والشرك إنما هو في من يعبد الأصنام. والأولياء والصالحون ليسوا مثل الأصنام فمن يدعوهم ليس مثل من يدعو الأصنام.
3-
أن من يقصد الصالحين والأولياء بالدعاء والاستغاثة والذبح والنذر وغير ذلك ليس مشركاً وليست هذه الأمور شركاً لأنه وهو يفعل ذلك لا يريد منهم وإنما يطلب من الله شفاعتهم فهذا ليس عبادة لهم ولا شركاً بالله تعالى بل توسل بهم.
4-
إنه وهو يقصدهم بهذا الفعل إنما يطلبهم مما أعطاهم الله تعالى وقد أعطاهم الشفاعة والجاه والقرب لديه ولا سيما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5-
قالوا وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم ثم بنوح، ثم بإبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى، فكلهم يعتذرون حتى ينتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك في قصة إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار أن جبريل عرض عليه الاغاثة. قالوا فهذا يدل على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركاً.
6-
ويقولون: إن المشركين هم الذين نزل فيهم القرآن أولا وهم لا يشهدون أن لا إله إلا الله ويكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم وينكرون البعث ويكذبون القرآن ويجعلونه سحراً، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصدق القرآن ونؤمن بالبعث ونصلي ونصوم فكيف تجعلوننا مثل أولئك المشركين لأننا قصدنا أولياء الله ليشفعوا لنا فحسب؟!
7-
ويقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة قتل من قال لا إله إلا الله.
وقال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله"، وأحاديث أخرى بهذا المعنى في الكف عمن قالها، فمن قالها لا يكفر ولا يقتل ولو فعل ما فعل.
هذا هو حاصل الشبه التي يشبه بها المشركون ممن يدعي الإسلام، ويريد قلب الحقائق فيجعل التوحيد إلحادا، والإلحاد توحيدا- وقد كشف الشيخ هذه الشبه ونقضها فبطلت بكتاب الله المحكم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الحاكمة، والحق القائم الذي أحقه الله بكلماته الكونية كما أحقه بكلماته الشرعية.
ونورد كيف بين الشيخ كشفه لهذه الشبهات فقال ما معناه:
إن الشبهة الأولى وهي قولهم إِن الشرك لا يكون فيمن يشهد أن الله هو النافع الضار المدبر، ولو دعا غيره واستغاث به وذبح له ونذر له ليشفع له ويقربه عند الله أن هذه مقالة المشركين الأوائل سواء بسواء وهم الذين كفرهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحل دماءهم وأموالهم وسبي نساءهم وذراريهم مع إِقرارهم بأن الله هو النافع الضار الخالق المدبر بدليل قول الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ
السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} (يونس: 31) .
وغير هذه الآية من الآيات الكثيرة وأن هؤلاء المشركين يقولون ما دعوناهم وتوجهنا إليهم إلا لطلب القربى والشفاعة بدليل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3) .
وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (يونس: 18) .
وكشف الشيخ الشبهة الثانية وهي قولهم إِن الشرك إنما هو فيمن يعبد الأصنام. والأولياء، والصالحون ليسوا مثل الأصنام فمن يدعوهم ليس مثل من يدعو الأصنام بما ذكر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة من الحكم بكفر جميع من يدعو غير الله تعالى مهما كان هذا الغير، سواء كان نبيا أو ملكا أو من دونهما أو دعا طاغوتاً أو صنما فالحكم على من دعا غير الله واحد، ولم يفرق الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم بين من يعبد الأصنام وبين من يعبد الصالحين في الحكم بل الجميع يحكم عليهم بأنهم مشركون بالله.
ويقول الشيخ في قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} إلى قوله تعالى: {سبحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الزمر: 67) . فيه مسائل: فيها أنواع من بطلان الشرك وتقبيحه:
الأولى: الجواب عن قول المشركين: هذا في الأصنام وأما الصالحون فلا.
قوله: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ} عام فيما سوى الله.
الثانية: أن المسلم إذا أطاع من أشار عليه في الظاهر كفر، ولو كان باطنه يعتقد الإيمان، فإِنهم لم يريدوا من النبي صلى الله عليه وسلم تغيير عقيدته، ففيه بيان لما يكثر وقوعه ممن ينتسب إلى الإسلام في إِظهار الموافقة للمشركين خوفا منهم، ويظن أنه لا يكفر إذا كان قلبه كارها له.
الثالثة: أن الجهل وسخافة العقل هو موافقتهم في الظاهر، وأن العقل والفهم والذكاء هو التصريح بمخالفتهم ولو ذهب مالك، خلافاً لما عليه أهل الجهل من اعتقاد أن بذل دينك لأجل مالك هو العقل، وذلك في آخر الآية:{أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} 1
ويقول الشيخ: فإِن قال قائل من المشركين: نحن نعرف أن الله هو الخالق الرازق المدبر، لكن هؤلاء الصالحين مقربون، ونحن ندعوهم وننذر لهم وندخل عليهم ونستغيث بهم ونريد بذلك الوجاهة والشفاعة وإلا فنحن نفهم أن الله هو الخالق الرازق المدبر. فقل: كلامك هذا مذهب أبي جهل وأمثاله، فإِنهم يدعون عيسى وعزيراً والملائكة والأولياء يريدون ذلك كما قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3) .
1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص344.
وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (يونس: 18) .
وكشف الشيخ الثالثة وهي قولهم أن من يقصد الصالحين بالدعاء والاستغاثة والذبح والنذر وغير ذلك ليس مشركاً وليست هذه الأمور شركاً بل هي توسل بهؤلاء الأولياء. فأجاب الشيخ: بأن الدعاء والاستغاثة والذبح والنذر ونحوها مما أمر الله أن يتقرب العبد به إليه فهو عبادة وكل أنواع العبادة لا يجوز صرف شيء منها لغير الله تعالى، والشرك إنما هو في العبادة وفي أنواعها، وصرف شيء من أنواعها كصرف مجموعها لأن الله أغنى الشركاء عن الشرك، فمن أشرك معه غيره تركه وشركه وقولهم إِن التوجه بالدعاء والاستغاثة والذبح والنذر ونحوها إلى غير الله لا يريد منه إنما يريد من الله بشفاعته ليس عبادة قد أبطله الله بأنه سماه عبادة كما تقدم من قوله تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} 1 (يونس:18) .
وقال الشيخ- رحمه الله في كشف تسميتهم دعاء الأموات والأولياء بالتوسل ليتوصلوا إلى جوازه: "الدعاء الذي يفعل في هذا الزمان أنواع:
النوع الأول: دعاء الله وحده لا شريك له الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم.
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، كشف الشبهات، ص160 وما بعدها.
النوع الثاني: أن يدعو الله ويدعو معه نبيا أو وليا، ويقول أريد شفاعته وإلا فأنا أعلم ما ينفع ولا يضر إلا الله، لكن أنا مذنب، وأدعو هذا الصالح لعله يشفع لي فهذا الذي فعله المشركون وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتركوه ولا يدعو مع الله أحدا لا لطلب شفع ولا نفع.
النوع الثالث: أن يقول: اللهم إني أتوسل إليك بنبيك أو بالأنبياء أو الصالحين فهذا ليس شركا ولا نهينا الناس عنه (على أَنه شرك) ولكن المذكورعن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهم أنهم كرهوه لكن ليس مما نختلف نحن وغيرنا فيه1.
وسئل الشيخ رحمه الله عن قول بعض الفقهاء في الاستسقاء: لا بأس بالتوسل بالشيوخ والعلماء المتقين، وقولهم: يجوز أن يستشفع إلى الله برجل صالح، وقيل يستحب، وقول أحمد: إنه يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه والفرق بين هذا القول وقول أحمد وغيره في قوله عليه الصلاة والسلام "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" الاستعاذة لا تكون بمخلوق، فما معنى هذا؟ وما العمل عليه منهما؟
فأجاب بقوله: قولهم في الاستسقاء لابأس بالتوسل بالصالحين. وقول أحمد: يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، مع قولهم إنه لا يستغاث بمخلوق فالفرق ظاهر جدا، وليس الكلام مما نحن فيه فكون بعض يرخص بالتوسل
1 الدرر السنية، ط 2، ج2، ص 43.
بالصالحين وبعضهم يخصه بالنبي صلى الله عليه وسلم وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه، فهذه المسألة من مسائل الفقه، ولو كان الصواب عندنا قول الجمهور أَنه مكروه فلا ننكر على من فعله ولا إِنكار في مسائل الاجتهاد لكن إنكارنا على من دعا المخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى، ويقصد القبر يتضرع عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غيره يطلب فيه تفريج الكربات، وإِغاثة اللهفات، وإعطاء الرغبات، فأين هذا؟ ممن يدعو الله مخلصاً له الدين لا يدعو مع الله أحداً ولكن يقول في دعائه: أسألك بنبيك أو بالمرسلين أو بعبادك الصالحين، أو يقصد قبر معروف أو غيره يدعو عنده، ولكن لا يدعو إلا الله مخلصاً له الدين، فأين هذا مما نحن فيه؟! 1.
وهكذا يكشف الشيخ تلبيسهم حيث جعلوا دعاء غير الله توسلا ببيان ما هو التوسل الحقيقي في الدعاء والفرق بينه وبين دعاء غير الله تعالى وأن التوسل مسألة خارجة عن موضوع النزاع وهو دعاء غير الله تعالى.
وكشف الشيخ الرابعة وهي قولهم: إنهم يطلبون الأنبياء والأولياء مما أعطاهم الله تعالى وقد أعطاهم الشفاعة والجاه والقرب لديه ولا سيما رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى وإن أعطاهم ما أعطاهم فقد نهى أن يطلب منهم الشفاعة والزلفى عند الله، وأمر بأن يطلب ذلك منه وحده لا
1 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، الفتاوى ص 59، 60، 68، 69.
شريك له فيقول: "اللهم شفع في نبيك" مثلا، ذلك أن الشفاعة لله جميعا ولا يشفع عند الله أحد إلا من بعد إذنه، والله سبحانه لم يأذن بأن نطلب من الميت ذلك، وأما الحي فالذي يطلب منه دعاؤه وهذا عام في جميع الصالحين الأحياء القادرين على الدعاء.
والمقصود أن الدعاء والذبح والنذر والاستغاثة ونحوها مما أمر الله أن يعبد به، لابد من أن تؤدى لله خَالِصَةً لا يشركه فيها ملك مقرب ولا نبي مرسل كما قال تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} وغير ذلك من الآيات والأحاديث الكثيرة التي بينها الشيخ للدلالة على الإِخلاص في جميع أنواع العبادة ومن أنواعها طلب الشفاعة من الله لديه فيتوجه بذلك الطلب والرغبة والقصد إلى الله مباشرة وبدون واسطة كما قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: 186) .
فلا تطلب الشفاعة من غير الله تعالى لأن الشفاعة كلها له سبحانه، قال تعالى:{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} (الزمر: 44) . ولا يشفع أحد في أحد إلا من بعد أن يأذن الله تعالى كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (البقرة: 255) . وكما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} (الأنبياء: 28) . والله لا يرتضي أن تطلب الشفاعة من أحد إلا بإذنه، وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد. قال الله تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} .
وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} . وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} (النساء: 47) . وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} (سبأ 22،23) .
قال الشيخ: قال أبو العباس: "نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون فنفى أن يكون لغيره ملك أوقسط منه، أويكون عونا لله. ولم يبق إلا الشفاعة. فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب. كما قال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة، كما نفاها القرآن وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم "أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده، لا يبدأ بالشفاعة أولا " ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع وقال أبو هريرة "من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه " فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله.
وحقيقته: أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإِخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع، ليكرمه وينال المقام المحمود.
فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها من شرك ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإِخلاص " ا. هـ كلام ابن تيمية.
قال الشيخ: "فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد. تبين لك أن الشفاعة كلها لله فاطلبها منه وقل: اللهم لا تحرمني شفاعة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم شفعه فيَّ وأمثال هذا".
وأيضاً فإن الشفاغة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم، فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون، والأَفراط يشفعون أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة فاطلبها منهم فإِن قلت هذا: رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه وإِن قلت: لا. بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله1.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد: "وأما الاستشفاع بالرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، فالمراد به استجلاب دعائه وليس خاصاً به صلى الله عليه وسلم بل كل حي صالح يُرجى أن يستجاب له، فلا بأس أن يطلب منه أن يدعو
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، كشف الشبهات ص 65 -166، وكتاب التوحيد باب الشفاعة ص 51-53، ومسائل الجاهلية ص 351، والقسم الخاص، الشخصية رقم 17، ص 112،113، ورقم 8، ص 52، 54.
للسائل بالمطالب الخاصة والعامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر لما أراد أن يعتمر من المدينة:"لا تنسنا يا أخي من صالح دعائك"1.
والحديث رواه الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمر "أن عمر استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن له فقال: يا أخي أشركنا في صالح دعائك، ولا تنسنا " قال عبد الرزاق في حديثه. فقال عمر: "ما أحب أن لي بها ما طلعت عليه الشمس لقوله: يا أخي" 2
وكشف الشيخ الخامسة وهي قولهم: يستدلون على جواز الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ودعائه كذلك: بأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح، ثم بإبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى، فكلهم يعتذرون حتى ينتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويستدلون كذلك بقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ألقي في النار عرض جبريل الإِغاثة فلو كانت شركا لم يعرضها جبريل عليه السلام فكشفها الشيخ ببيان أن المنكر هو استغاثة العبادة التي تفعل عند القبر وسائر القبور، أو تفعل في غيبة المستغاث به والتي يطلب بها ما لا يقدر عليه إلا الله وحده من غير الله تعالى.
أما استغاثة الناس يوم القيامة بالأنبياء ليدعوا لهم فهذا جائز بل يجوز في الدنيا والآخرة أن يطلب الشخص من حي صالح حاضر يسمع قوله
1 فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد ص 515 طبعة راجعها الشيخ عبد العزيز بن باز.
2 انظر: المسند ج1/ ص 29، ج 2/ ص 59.
ويقدر أن يدعو الله له. وكذلك استغاثة إبراهيم بجبريل لو وقعت فهي في أمر يقدر عليه جبريل عليه السلام فهو كما وصفه الله شديد القوى ففي مقدوره أن يغيث إبراهيم مثل قوي في مقدوره أن يغيث عاجزا بقوته كما فعل موسى بالقبطي إِغاثة للذي من شيعته.
وكشف الشيخ السادسة- وهي أنهم يقولون: إِن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن: (لا إله إلا الله) ويكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم وينكرون البعث، ويكذبون القرآن ويجعلونه سحراً، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ونصدق القرآن، ونؤمن بالبعث. ونصلّي، ونصوم. فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟! فكشفها الشيخ ببيان نواقض الإسلام وبيان أحكام المرتد وأنه الذي يكفر بعد إسلامه، وبيان أن النواقض للإسلام لا يصح معها إسلام ولا عمل كما لا تصح الصلاة مع ناقض من نواقض الوضوء- فالشرك مثلا يفسد العبادة ويفسد قول "لا إله إلا الله" مهما كانت العبادة كثيرة ولو أمثال الجبال فالشرك يفسدها ويحبطها ويجعلها هباءاً منثوراً، لأن الإسلام والشرك لا يجتمعان فمن ادعى بقاء إسلامه مع ممارسته الشرك فهوكاذب. قال الله تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الزخرف: 65) .
قال الشيخ فيها: المسألة الكبرى وهي كشف شبهة علماء المشركين الذين يقولون: هذا شرك ولكن لا يكفرمن فعله لكونه يؤدي الأركان الخمسة فإذا كان الأنبياء لو يفعلونه كفروا فكيف بغيرهم؟! وأن الذي
يكفر به المسلم ليس هو عقيدة القلب خاصة، فإن هذا الذي ذكرهم الله لم يريدوا منه صلى الله عليه وسلم تغيير العقيدة، بل إذا أطاع المسلم من أشار عليه بموافقتهم لأجل ماله أوبلده أو أهله مع كونه يعرف كفرهم ويبغضهم فهذا كافر إلا من أكره1. وقال تعالى:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام: 88) .
ويقول الشيخ إِنه لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء وكذبه في شيء أنه كافر لم يدخل في الإسلام، وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه. كمن أقر بالتوحيد وجحد وجوب الصلاة، أو أقر بالتوحيد والصلاة وجحد وجوب الزكاة، أو أقر بهذا كله وجحد الصوم أو أقر بهذا كله وجحد الحج.
ولما لم ينقد أناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للحج، أنزل الله في حقهم {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران: 97) .
ومن أقر بهذا كله وجحد البعث كفر بالإجماع، وحل دمه وماله كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} (النساء: 150، 151) .
1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع التفسير ص 345.
فإذا كان الله قد صرح في كتابه أن من آمن ببعض وكفر ببعض فهو الكافرحقاً وأنه يستحق ما ذكرت زالت الشبهة.
وهذه هي التي ذكرها بعض أهل الأحساء في كتابه الذي أرسله إلينا.
ويقال أيضاً إن كنت تقر أن من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء وجحد وجوب الصلاة أَنه كافر حلال الدم والمال بالإجماع، وكذلك إذا أقر بكل شيء إلا البعث. وكذلك لو جحد وجوب صوم رمضان وصدق بذلك كله لا تختلف المذاهب فيه، وقد نطق به القرآن كما قدمنا.
فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعظم من الصلاة والزكاة والصوم والحج، فكيف إذا جحد الإنسان شيئا من هذه الأموركفر ولو عمل بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر؟ سبحان الله! ما أعجب هذا الجهل!
ويقال أيضا: هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة، وقد أسلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويؤذنون ويصلون.
فإن قال إنهم يقولون: إن مسيلمة نبي، فقل هذا هو المطلوب، إذا كان من رفع رجلا إلى رتبة النبي صلى الله عليه وسلم كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف؟ أوصحابيا أونبيا
إلى مرتبة جبار السموات والأرض، سبحان الله! ما أعظم شأنه! {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} (الروم: 59) .
ويقال أيضا: الذين حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالناركلهم يدعون الإسلام، وهم من أصحاب علي، وتعلموا العلم من الصحابة ولكن اعتقدوا في علي مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما، فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم؟! أتظنون أن الصحابة يكفرون المسلمين؟! أم تظنون أن الاعتقاد في تاج وأمثاله لا يضر والاعتقاد في علي بن أبي طالب يكفر؟!
ويقال أيضا: بنو عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس كلهم يشهدون أن "لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " ويدعون الإسلام، ويصلون الجمعة والجماعة، فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم، وأن بلادهم بلاد حرب، وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين.
ويقال أيضا: إذا كان الأولون لم يكفروا إلا أنهم جمعوا بين الشرك وتكذيب الرسول والقرآن وإنكار البعث وغير ذلك، فما معنى الباب الذي ذكر العلماء في كل مذهب:"باب حكم المرتد". وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه.
ثم ذكروا أنواعا كثيرة لكل نوع منها يكفر ويحل دم الرجل وماله
حتى إِنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها، مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أوكلمة يذكرها على وجه المزح واللعب.
ويقال أيضا: الذين قال الله فيهم: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} (التوبة: 74) . أما سمعت الله كفرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجاهدون معه ويصلون ويزكون ويحجون ويوحدون؟ وكذلك الذين قال الله فيهم: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (التوبة: 65، 66) .
فهؤلاء الذين صرح الله فيهم أَنهم كفروا بعد إيمانهم وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح فتأمل هذه الشبهة وهي قولهم: تكفرون من المسلمين أناساً يشهدون أن "لا إله إلا الله" ويصلون ويصومون، ثم تأمل جوابها فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق.
ومن الدليل على ذلك أيضاً ما حكى الله عن بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم، أنهم قالوا لموسى:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} (الأعراف: 138) .
وقول أناس من الصحابة "اجعل لنا ذات أنواط" فحلف النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا نظير قول بني إسرائيل اجعل لنا إلها.
ولكن للمشركين شبهة يدلون بها عند هذه القصة: وهي أنهم
يقولون: إِن بني إسرائيل لم يكفروا بذلك. وكذلك الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا ذات أنواط لم يكفروا.
فالجواب أن تقول إِن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك وكذلك الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلوا ذلك. ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا.
وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم لولم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا، وهذا هو المطلوب، ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها فتفيد التعلم والتحرز، ومعرفة أن قول الجاهل (التوحيد فهمناه) أن هذا من أكبر الجهل ومكائد الشيطان.
وتفيد أيضاً أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري، فنبه على ذلك، فتاب من ساعته أنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل، والذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم. وتفيد أيضاً أنه لولم يكفر فإِنه يغلظ عليه الكلام تغليظا شديدا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.. انتهى.
ويقول الشيخ إن هذه الشبهة هي من أعظم شبههم فأصغ سمعك لجوابها 1.
لذا نقلت جوابه بنصه، وأشير إلى أن الشيخ ألف رسالة أخرى في هذه المسألة وهي (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد)2.
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كشف الشبهات ص 171- 175.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، مفيد المستفيد فى كفر تارك التوحيد ص 279-329.
وكشف الشيخ الشبهة السابعة وهي قولهم إِن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة قتل من قال: (لا إله إلا الله)، وكذلك قوله:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" وأحاديث أخر في الكف عمن قالها ومراد هؤلاء الجهلة أن من قالها لا يكفر ولا يقتل ولو فعل ما فعل، فكشف الشيخ هذه الشبهة ببيان أن من قالها وجب الكف عنه إلا إن تبيَّنَ منه ما يناقض ذلك كدعاء الأولياء وقصدهم فيما هومن حق الله تعالى، فأما حديث أسامة فإنه قتل رجلا ادعى الإسلام بسبب أنه ظن أنه ما ادعى الإسلام إلا خوفا على دمه وماله.
والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك. وأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} (النساء: 94) . أي فتبينوا فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل لقوله تعالى: "فتبينوا" ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى.
وكذلك الحديث الآخر وأمثاله. معناه ما ذكر أن من أظهر التوحيد والإسلام وجب الكف عنه إلى أن يتبين منه ما يناقض ذلك. والدليل على هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: "أقتلته بعدما قال: (لا إله إلا الله) ؟! وقال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا (لا إله إلا الله) هو الذي قال في
الخوارج: "أينما لقيتموهم فاقتلوهم لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" مع كونهم من أكثر الناس عبادة وتهليلا وتسبيحا، حتى إِن الصحابة يحقرون صلاتهم عندهم وهم تعلموا العلم من الصحابة فلم تنفعهم (لا إله إلا الله) ولاكثرة العبادة، ولا ادعاء الإسلام لما ظهرمنهم مخالفة الشريعة. وكذلك ما ذكر في جوابه في السادسة وكشفها من قتال اليهود وهم يقولونها وقتال الصحابة بني حنيفة، وكذلك أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغزو بني المصطلق لما أخبره رجل أنهم منعوا الزكاة، حتى أنزل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} (الحجرات: 6) - وكان الرجل كاذباً عليهم.
قال الشيخ: "وكل هذا يدل على أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث التي احتجوا بها وجوب الكف عمن قالها حتى يتبين منه مخالفتها"1.
وبهذا انتهى هذا الفصل وبنهايته ينتهى الباب الأول وهو ما يخص عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وحيث قد أتينا على ذكر عقيدة الشيخ من جانبيها جانب عرضها من خلال بيان منهجه وجملة عقيدته في الإيمان وأركانه وفي التوحيد من مقاميه المقام الخبري والمقام الطلبي، وفي نواقض عقيدة السلف الصالح أو نواقض كمالها للتحذير من ذلك في هذا الباب الأول.
بقي علينا أن نتعرف على أثرها وذلك ما يتضمنه الباب الثاني وهو ما يلي.
1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كشف الشبهات ص 155- 181.