المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: أثرها في الدور الأول من أدوار دولة أنصارها آل سعود - عقيدة محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي - جـ ٢

[صالح بن عبد الله العبود]

الفصل: ‌الفصل الثاني: أثرها في الدور الأول من أدوار دولة أنصارها آل سعود

‌الفصل الثاني: أثرها في الدور الأول من أدوار دولة أنصارها آل سعود

الشيخ في الدرعية:

فيما يلي أسوق خلاصة خبر وصول الشيخ إليها وما جرى له: "لما وصل الشيخ بلد الدرعية دخلها من أعلاها وقت العصر فنزل على عبد الله بن سويلم تلك الليلة فأقام عنده ذلك اليوم ولعله هو الذي تبرم بوجود الشيخ عنده خوفاً على نفسه من محمد بن سعود1 ثم إِن الشيخ انتقل من عنده إلى بيت تلميذه الشيخ أحمد بن سويلم، فعلم به خصائص من أهل الدرعية فزاروه خفية ورأوه لا يزال على سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم ثابتاً يدعو إلى الله على بصيرة ويقرر لهم التوحيد الذي هو أساس الدين والذي وقعت فيه الخصومة فاستقر التوحيد في قلوب هؤلاء الخصائص فأرادوا أن يخبروا محمد بن سعود ويشيروا عليه بنصرته فهابوه فأتوا إلى زوجته (موضي بنت أبي وهطان من آل كثير) 2 وأخيه ثنيان الضرير، وكانت المرأة ذات عقل ودين ومعرفة فأخبروهما بمكان الشيخ وصفة ما يأمر به وينهى عنه، فوقر في قلوبهما معرفة التوحيد، وقذف الله في قلوبهما محبة

1 الشيخ محمد بن عبد الوهاب للدكتور العثيمين ص 54.

2 في الأصل من تاريخ ابن بشر بياض والزيادة من بحث حمد الجاسر: المرأة في حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص 3، 4.

ص: 807

الشيخ1.

اللقاء التاريخي بالأمير الراشد:

وهذه خلاصة أيضا أنقلها عن ابن بشر وابن غنام: دخل محمد بن سعود على زوجته فأخبرته بمكان الشيخ، وقالت له: إن هذا الرجل ساقه الله إليك، وهو غنيمة، فاغتنم ما خصك الله به فقبل قولها، ثم دخل عليه أخوه ثنيان وأخوه مشاري وأشاروا عليه بمساعدته ونصرته، وألقى الله سبحانه في قلبه للشيخ المحبة، فأراد أن يرسل إليه فقالوا سر إليه برجلك في مكانه وأظهر تعظيمه والاحتفال به لعل الناس أن يكرموه ويعظموه، فقام محمد بن سعود من فوره وسار إليه ومعه أخواه ثنيان ومشاري، فدخلوا عليه في بيت أحمد بن سويلم فسلم عليه ورحب به وأبدى غاية الإِكرام والتبجيل، وأخبره أنه يمنعه بما يمنع به نساءه وأولاده، وقال أبشر ببلاد خير من بلادك، وأبشر بالعز والمنعة، فقال الشيخ: وأنا أبشرك بالعز والتمكين، وهذه كلمة (لا إله إلا الله) من تمسك بها وعمل بها ونصرها ملك بها البلاد والعباد وهي كلمة التوحيد، وأول ما دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم وأنت ترى نجدا وأقطارها أطبقت على الشرك والجهل والفرقة وقتال بعضهم لبعض، فأرجو أن تكون إماما يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك.. 2 وهكذا تم اللقاء

1 انظر: ابن بشر، عنوان المجد ج1/ 11،12 وط 3 ص 24 وروضة ابن غنام ج 1/3.

2 انظر: ابن بشر، عنوان المجد ج1/ 11، 12، وطبع وزارة المعارف ج1/ 24،

وروضة ابن غنام ج 1/3.

ص: 808

التاريخي، وحصلت البيعة المباركة على ذلك كما سيأتي إن شاء الله.

وأما ما يقال عن اختلاف ابن بشر عن ابن غنام في تفصيلات ما حدث للشيخ محمد منذ وصوله إلى الدرعية حتى اتفاقه مع أميرها محمد ابن سعود1. فهو ليس اختلافا ينقض بعضه بعضا ولكن غايته أن ابن بشر انفرد بذكر أمور فيها زيادة بيان مثل ذكره خوف ابن سويلم من نتائج حلول الشيخ في بيته، وزيارة بعض كبار أهل البلد له سرا، وإخبارهم زوجة الأمير بالقضية واشتراكها بإِقناع زوجها بأن يستقبله استقبالا حسنا وهذه الزيادات التي انفرد بها ابن بشر لا تتعارض مع ما اتفقا فيه مثل كون الأمير محمد بن سعود سار إلى الشيخ في بيت ابن سويلم ورحب به، ووعده النصر والحماية وكون الأمير محمد بن سعود اشترط على الشيخ مقابل تأييده له، عدم مغادرته بلدته، وأن الشيخ وافقه على ذلك، وكذلك ما انفرد بذكره ابن بشر وهو شرط آخر اشترطه محمد بن سعود على الشيخ وهو أن يقره على ما اعتاد أن يأخذه من أهل الدرعية، أقول إِن هذه الأمور التي زادها ابن بشر على ما ورد في تاريخ

1 انظر: تاريخ البلاد العربية السعودية للدكتور منير العجلاني 90- 91 فقد جعل هذا الاختلاف سببا في تضعيف رواية ابن بشر وتبعه على ذلك الدكتور العثيمين (الشيخ محمد

حياته وفكره) ص 54-55.

ص: 809

ابن غنام ليست معارضة مع ما اتفقنا على ذكره، فلا يسوغ تضعيفها بمجرد انفراد ابن بشر بها عن ابن غنام فإن ابن بشر موثوق، ولا محل لترجيح ما ذكره أحدهما لعدم التعارض بينهما.

وكون أمر الشيخ معروفا لدى خصائص من أهل الدرعية لا ينفي ما ذكره ابن بشر، ولايضعفه1.

ولا شك أن أمر الشيخ ودعوته إلى عقيدة السلف الصالح منذ ابتدأ به في حريملاء والعيينة من قبل ليس مجهولا في الدرعية، بل كان فيها من يعرفه معرفة جيدة وكان له فيها أَتباع وتلاميذ كانوا يترددون عليه في العيينة ويحضرون حلقات دروسه ويأخذون عنه ويكاتبونه ويجيبهم من هؤلاء الذين يعرفونه ثنيان ومشاري أخوا الأمير محمد بن سعود والشيخ أحمد بن سويلم وجماعة سواهم2 وعبد العزيز بن محمد بن سعود فقد كان يكاتب الشيخ وكتب له الشيخ تفسير سورة الفاتحة3 وبين له من خلال تفسيره الأمر العظيم الذي خلق الله لأجله الجن والإنس وهو عبادة الله وحده وعدم الإِشراك به في العبادة وفي ثنايا تفسيره كأن الشيخ يرمز

1 انظر: تاريخ البلاد العربية السعودية للدكتور منير العجلاني 90- 91، والشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره للدكتور العثيمين ص 54-55.

2 روضة ابن غنام 1/ 31، وانظر: تاريخ البلاد العربية السعودية للدكتور العجلاني ص 97.

3 روضة ابن غنام 1/222.

ص: 810

لعبد العزيز بمقام من يقوم بالتوحيد فيستشهد له ببيت الشعر المعروف والذي هو:

قد هيئوك لأمر لو فطنت له

فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل1

ولقد كان أتباع الشيخ في الدرعية يتتبعون أخباره ويتشوفون إلى نصرته.

البَيْعة المباركة:

بعد أن تم لقاء الأمير محمد بن سعود بالشيخ محمد بن عبد الوهاب كما أسلفت في بيت ابن سويلم وسلامه على الشيخ وذكر الشيخ ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما دعا إليه وما عليه أصحابه وما أعزهم الله به من الجهاد في سبيله وأغناهم به وجعلهم إخوانا، ثم ذكر ما عليه أهل نجد في زمانهم من مخالفتهم بالشرك والبدع والاختلاف والجور والظلم، فتحقق محمد بن سعود معرفة التوحيد وفضله ورأى بعد الناس في الواقع عنه فقال للشيخ ياشيخ!: إن هذا دين الله ورسوله، الذي لا شك فيه وأبشر بالنصرة لك ولما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد، ولكن أريد أن أشترط عليك اثنتين:

الأولى: نحن إذا قمنا في نصرتك والجهاد في سبيل الله، وفتح الله لنا ولك البلدان أخاف أن ترحل عنا وتستبدل بنا غيرنا.

1 المصدر السابق 1/ 223.

ص: 811

الثانية: إِن لي على أهل الدرعية قانوناً آخذه منهم في وقت الثمار، وأخاف أن تقول:"لا تأخذ منهم شيئا".

فقال الشيخ:

أما الأولى: فابسط يدك. الدم بالدم والهدم بالهدم.

وأما الثانية: فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك الله من الغنائم ما هو خير منها1.

ويقول الدكتور العثيمين2 إن إجابة الشيخ عن الشرط الثاني غير حاسمة ولكن من الواضح أَن الشيخ قارن بين المصلحة العامة لدعوته وبين مسألة جزئية كان واثقاً من حلها مستقبلا بسهولة، وهو كما قال ثم إِن محمدا بسط يده وبايع الشيخ على دين الله ورسوله والجهاد في سبيل الله وإِقامة شرائع الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فقام الشيخ ودخل معه البلد واستقر عنده. ووقع تحقيق ظن الشيخ فإنه أتى إليهم غنيمة، فقال الشيخ للأمير: هذا أكثرمما أنت أخذته على أهل بلدك فتركها بعد ذلك3.

ولا أدل على بركة الإسلام ولله الحمد مما أولاه الله من نعم على هذه البلاد من المال والأمن منذ العهد المبارك والبيعة الصادقة إلى يومنا

1 ابن بشر، عنوان المجد 1/12.

2 الشيخ محمد بن عبد الوهاب

ص 55.

3 ابن بشر، عنوان المجد 1/12.

ص: 812

هذا وما تخلف شيء من ذلك إلا بسبب المخالفة وكلما راجع القوم عهدهم عاد الله عليهم بعائدته ولله الحمد والمنة.

ومعنى قول الشيخ: الدم بالدم والهدم بالهدم أي أقبر حيث تقبرون ومنزلكم منزلي، وإِن طلب دمكم فقد طلب دمي وإن هدر دمكم فقد هدر دمي1 وهذا فيه إِشارة إلى ما ورد في سيرة ابن هشام أن أبا الهيثم ابن التيهان قال يارسول الله! إِن بيننا وبين الرجال حبالا وإنا قاطعوها- يعني اليهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أَن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:"بل الدم بالدم، والهدم بالهدم أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم". قال ابن هشام. ويقال: الهدم الهدم أي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم2.

أثر العقيدة السلفية ينشط في الدرعية:

ولما استقر الشيخ في الدرعية ومنع ونصر وجهر بالدعوة إلى الله تعالى معززا، ينشر الإسلام وساعده على ذلك الأمير محمد بن سعود بكل ما لديه بلا فتور ولا ضجر وقام مع الأمير وزراؤه وأعوانه وأنصاره من أهل الدرعية وإخوانه ومن مشاهيرهم ثنيان بن سعود ومشاري بن سعود وفرحان بن سعود والشيخ أحمد بن سويلم والشيخ عيسى بن قاسم

1 انظر: لسان العرب 185.

2 الروض الأنف 2/ 189، 214.

ص: 813

ومحمد الحزيمي وعبد الله بن دغيثر وسليمان الوشيقري وحمد بن حسين وأخوه محمد وغيرهم فجردوا للدعوة هممهم وعزائمهم وقاموا بها من غير كسل ولا تهاون وكانت بداية هذه القومة في سنة سبع وخمسين ومائة وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم 1.

وبقي الشيخ- رحمه الله على مناصحة الناس وعرض الحق وبيانه وكشف الشبه عنه قريبا من سنتين، وخلال ذلك كان قد تسلل إليه أنصاره الذين في العيينة ومن ينتسب إلى الدين ومعهم أناس من رؤساء المعامرة منهم عبد الله بن محسن وأَخواه زيد وسلطان المعامرة معاكسين لعثمان بن معمر على ما يقول ابن بشر2 وعبد الله بن غنام وأخوه موسى وهاجر مع هؤلاء خلق كثير كما أخذ كثير من أنصار الشيخ وتلامذته في مختلف بلدان نجد يقدمون عليه ويهاجرون إليه3، حتى إِن عثمان بن معمر نفسه على ما يقول ابن بشر لما علم أن محمد بن سعود آوى الشيخ ونصره وأن أهل الدرعية فرحوا به والذين كانوا عنده في بلده هاجروا وتركوه وأَن أمر الشيخ قوي وصار إلى زيادة، ندم ابن معمر على ما فعل من إخراجه وعدم نصرته، وخاف منه أمور تفاقم عليه، فركب في عدة رجال من أهل العيينة ورؤسائها فقدم على الشيخ في الدرعية، وحاوله

1 روضة ابن غنام 2/ 3- 4.

2 عنوان المجد 1/ 12 وروضة ابن غنام 2/ 4 والمقصود بالمعامرة- آل معمر.

3 المصدر السابق.

ص: 814

على الرجوع معه ووعده نصره ومنعه- فقال الشيخ: ليس هذا إلي إنما هو إلى محمد بن سعود، فإِن أراد أن أذهب معك ذهبت، وإِن أراد أن أقيم عنده أقمت ولا أستبدل برجل تلقاني بالقبول غيره، إلا أَن يأذن لي فأتى عثمان إلى محمد، فأبى عليه ولم يجد إلى ما أتى إليه سبيلا فرجع إلى بلده1

وكان أهل الدرعية في غاية الجهالة وقد وقعوا فيما وقعوا من الشرك الأكبر والأصغر، والتهاون بالصلاة والزكاة، ورفض شعائر الإسلام2 وهم يومئذ في غاية الضعف وضيق المؤونة3، فتخولهم الشيخ بتعليمهم وتلقينهم التوحيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأمر بتعلم معنى (لا إله إلا الله) وأَنها نفي وإثبات.

(فلا إله) تنفي جميع المعبودات- (وإلا الله) تثبت العبادة لله وحده لا شريك له. ثم أمرهم بتعلم ثلاثة الأصول: وهي معرفة الله تعالى بآياته ومخلوقاته الدالة على ربوبيته وإلهيته، كالشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والسحاب المسخر بين السماء والأرض وما عليها من الآدلة من القرآن. ومعرفة الإسلام وأَنه تسليم الأمر لله وهو الانقياد لأمر الله والانزجار عن مناهيه. ومعرفة أركانه التي بني عليها وما عليها من الأدلة

1 عنوان المجد 1/13. وروضة ابن غنام 2/ 4.

2 المصدر السابق 1/ 14.

3المصدر السابق1/ 13.

ص: 815

من القرآن ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم واسمه ونسبه ومبعثه وهجرته ومعرفة أول ما دعا إليه وهي (لا إله إلا الله) ثم معرفة البعث وأن من أنكره أوشك فيه فهو كافر. وما على ذلك من الأدلة من القرآن والسنة، ومعرفة دين محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو التوحيد ودين أبي جهل وأتباعه وهو الشرك بالله تعالى.

فلما استقر في قلوبهم معرفة التوحيد بعد الجهالة أشرب في قلوبهم محبة الشيخ وأحبوا المهاجرين وآووهم1.

وكان المهاجرون في أضيق عيش وأشد حاجة وابتلوا بلاء شديدا، وكان الشيخ ينفق عليهم ما استطاع ويستدين لذلك وكانوا في الليل يأخذون الأجرة ويحترفون، وفي النهار يجلسون عند الشيخ في درس الحديث والمذاكرة2.

انطلاق الدعوة وبدء الجهاد:

ثم إن الشيخ كاتب أهل البلدان ورؤساءهم وقضاتهم ومدعي العلم منهم فمنهم من قبل واتبع الحق، ومنهم من اتخذه سخرياً واستهزؤا به ونسبوه إلى الجهل وعدم المعرفة ومنهم من نسبه إلى السحر، ومنهم من رماه بأشياء هو بريء منها3، واستمر الشيخ على المناصحة والدعوة والمكاتبة مدة سنتين حتى عام 1159 هـ من غير غزو ولا مقاتلة وممن

1 المصدر السابق 1/ 14.

2 المصدر السابق 1/ 13.

3 المصدر السابق 1/ 14.

ص: 816

قام الشيخ والأمير محمد بن سعود بمناصحته دهام بن دواس رئيس بلد الرياض فاجتهدا في مناصحته غاية الاجتهاد ولكن دهاما لم يقبل الحق وأعرض عنه واشترى الحياة الدنيا بالآخرة، فحمله ذلك على البغي والحسد فأبطن عداوة أهل الدين رغم إقراره بأنه دين الحق وأَظهر موالاة المبطلين. وكان قد فشا الإسلام والسنة في بلده ودخل في ذلك كثير منهم فصار إذا رأى من جماعته من يحب هذا الدين ويفشيه أخذ يصادره ويتعرض له بصنوف الأذى، وإذا رأى عدوا قربه وآواه وجعل يتزايد في العداوة ويتظاهر بقمع الحق ويعلن القبائح الشنيعة وقد كانت أخلاقه القديمة وأفعاله السابقة غير محمودة ولما جاءه الحق زاد في طغيانه وشره، وحاكى بأفعاله الفاجرة نمرود وفرعون فأخاف أهل منفوحة لأنهم دخلوا في دعوة الشيخ وتبعوا الإمام محمد بن سعود فعدا عليهم صباحا ومعه بعض البوادي من آل ظفير على غرة وغفلة لأنهم ما كانوا يتوقعون ذلك منه وهو صديق لمحمد بن سعود فيما يتظاهر به لأن محمد بن سعود سبق أن أعانه على ثورة من أهل الرياض ضده ولكنه فجأهم واحتل قصر الإمارة وقهرهم ساعة ثم إن الله سبحانه أعقب أهل منفوحة بالنصر والفرج فكانت الدائرة على دهام وحزبه وقتل من أشرارهم ورؤسائهم أحد عشر رجلا تقريبا وجرح دهام نفسه وعقر حصانه فهرب هو ومن معه وقد باء بالفشل، ولكنه قد افتضح بإظهاره عداوة أهل الدين فزاده ذلك تمادياً وأعلن محاربة محمد بن سعود لأجل ذلك ونذر جزوراً لتاج بن

ص: 817

شمسان إن تغلب على ابن سعود1.

عند ذلك أمر الشيخ بالجهاد وحض عليه2، وكان هذا في سنة 1159 هـ بعد مضي سنتين من اتفاق الأمير محمد بن سعود مع الشيخ على القيام بالإسلام لأن وقت الجهاد قد حان وهو من واجبات الدين والخطر أصبح وشيكاً على النفس والحرمة والفتنة كائنة على أهل السنة وليس من ذنب ينقمه العدو إلا الإيمان بالله وإقامة سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقد قامت عليه الحجة.

والأمر كما قال أبو تمام:

وما هوَ إلا الوحي أوْ حَدّ مُرْهَفٍ

تُمِيلُ ظُبَاهُ أَخْدَعَيْ كل مائل

فهذا دواء الداء من كلِ عاقل

وَهذا دواءُ الداءِ من كلِ جاهل

هو الحق إن تستيقظوا فيه تغنَموا

وإنْ تَغفلوا فالسيف ليس بغافل3

وكما قال شوقي يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا

لقتل نفس ولاجاؤا لسفك دم

جهل وتضليل وأحلام وسفسطة

فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم

لما أتى لك عفوا كل ذي حسب

تكفل السيف بالجهال والعمم4

1 روضة ابن غنام 2/ 6، 7.

2 ابن بشر، عنوان المجد 1/ 14.

3 العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين ص 84، وابن بشر، عنوان المجد من تعليق عبد الرحمن بن عبد اللطيف 1/ ص 26.

4 الشوقيات ج1/ 242.

ص: 818

وكما قال شاعر:

وما الدين إلا أن تقام شريعة

وتأمن سبل بيننا وشعاب1

وأبلغ من ذلك قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} (البقرة: 193) .

وقد قال الشيخ في رسالته إلى السويدي: "وأما القتال فلم نقاتل أحدا إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا2 ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وكذلك من جاهر بسب دين الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما عرفه والسلام"3.

ومنذ بلغ ابن سعود وإخوانه من المسلمين غدر دهام بن دواس واعتداؤه على أهل الدين حدثوا نفوسهم بالجهاد في سبيل الله تعالى وحين رآه الشيخ متعيناً لمثل غدرات ابن دواس وغيره بأصحاب السنة المحمدية، أمر به وحض عليه فتعاهدوا على أن تكون أول عدوة يعدونها مبتدئين بها جهاد أعداء الدين على دهام بن دواس في قصره، فكان ذلك ووفوا بعهدهم4.

1 العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين ص 84.

2 المعنى: لم يبقوا شيئا ممكنا من أَذانا إلا فعلوه.

3 روضة ابن غنام1/ 154.

4 روضة ابن غنام 2/7، عنوان المجد

لابن بشر 1/17،1.

ص: 819

فأقاموا علم الجهاد في سبيل الله، لأن الجهاد في سبيل الله من الواجبات الدينية وهو ذروة سنام أمر الدين1.

وما زالوا على ذلك يجاهدون في سبيل الله وينشرون دين الله تعالى ومحمد بن سعود إمامهم صابر على عداوة الأدنى والأقصى من أهل نجد ومن الملوك المجاورين من كل جهة، وقتل أولاده فيصل بن محمد، وسعود ابن محمد، فما زاده إلا قوة وصلابة في دينه على ضعف منه وقلة في العدد والعدة، وكثرة من عدوهم ووفاء بعهده والتزاما بوعده، واحتسابا لموعد ربه لمن نصر دينه، وفيما جرى منه شبه بما جرى من الأنصار في بيعة العقبة2.

وليس الأمر كما يزعمه بعض الباحثين في عصرنا هذا حتى ماثل بعض المستشرقين من غير قصد أَن الحروب الإسلامية كان يدفعها جوع المسلمين ومشكلات دنيوية فزعم هذا الباحث أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان يخطط لدعوته مراحل، وأَنه أمر بالجهاد "لتنتقل دعوته إلى مرحلة جديدة ينال فيها بالقوة ما عجز عنه بطريقة الإِقناع والإِغراء" 3 وأن الأمير محمد بن سعود كان مستعدا للقتال من أجل الدعوة خاصة أَنها وسيلة من وسائل توسيع نفوذه، وإِمكان تحقيق كثير من النجاح

1 انظر: آخر رسالة الأصول الثلاثة للشيخ.

2 انظر: الدرر السنية ج11/ ص 61، 62.

3 الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره للدكتور العثيمين ص 85.

ص: 820

العسكري في بداية الأمر دون تدخل خارجي، وأن إمكانيات الدرعية الاقتصادية محدودة وكان على قادتها أَن يجدوا حلا لمشكلة ازدياد الوافدين إليها من أنصارهم الفقراء، وأَن هؤلاء الوافدين مؤهلون لأن يلعبوا دوراًكبيراً في تأسيس جيش قوي1.

فكل هذه الالتواءات والتعليلات مكشوفة يراد منها أَن الشيخ وابن سعود وأَتباعهم إنما قاتلوا للظفر والنفوذ وحل المشكلة الاقتصادية. وهذا غير صحيح.

أما أن الشيخ رحمه الله أمر بالجهاد فنعم أمر به حين رأى أن وقت الجهاد قد حان تعبدا لله تعالى وجهادا في سبيله بكل أنواع الجهاد وأحواله التي تحدث لهم بحول الله وتدبيره والشيخ يرصد حاله وأحوال من معه وما يجري لها من تغيرات ويستلهم من شريعة الله أحكام تلك الأحوال المتغيرة فيقوم بتنفيذها تعبدا لله وقياما بالواجب الذي فقهه من دين الله تعالى، وكذلك من كان معه على شيء من فقه الإسلام.

والتحدث عن مقاصد الشيخ ومقاصد أمثاله وأعوانه على ضوء قياسها بمقاصد أهل السياسة الدنيوية والخطط الماكرة في سبيل الدنيا يعتبر ظلما وتعدياً عليه وقصوراً عن مستوى حسن الظن بالمسلم ولكن الواجب إذا تحدثنا عن مقاصد الشيخ ونواياه أن نتحدث عنها على ضوء

1 المصدر السابق، نفس الموضع.

ص: 821

ما يظهره ويدعو إليه، أما السرائر وما لا نعلمه فنكله إلى الله تعالى مع وجوب حسن الظن فيمن يظهر منه الخير والرشد والصلاح، وكذلك محمد بن سعود لا نظن به أَنه قام بنصرة الإسلام لأنه وسيلة لتوسيع نفوذه أو استقلاله عن سيادة الأَتراك كما يقوله صاحب كتاب الفكر السامي1. فإنه إنما قام بنصرته لأنه دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالدرجة الأولى- كما قال ذلك عند لقائه بالشيخ رحمه الله، وما كانت ظروف الدرعية المشكلة من ناحية الاقتصاد هي الدافع للقتال فإِن أولئك القوم تركوا تنمية اقتصادهم مختارين ليقوموا بتنمية دينهم وعلمهم به فكيف ينحرفون لحل مشكلاتهم الاقتصادية بالقتال وسفك الدماء ليأخذوا أموال الناس ويستولوا على أملاك الغير، بطريقة جاهلية؟! أَلا يمكن حل مشكلتهم الاقتصادية بالتجارة ومزاولة أسباب المعيشة ولو في خارج البلدة لو كانوا إنما أرادوا حل المشكلة الاقتصادية؟! لكنهم بالجهاد أرادوا إِعلاء كلمة الله ونشر الإسلام وما جاءهم من الغنائم من غير أن يقصد، قبلوه وتعاملوا به على ما يرضي الله تعالى.

وليس صحيحا ما يزعمه مؤلف كتاب الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي من أَن ابن سعود توصل بنشر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لأمنيته وهي الاستقلال

1 الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي ج 2 ص 374.

ص: 822

والتملص من سيادة الأتراك1. والواقع أن ابن سعود ونجدا كلها لم تكن تحت سيادة الأتراك كما أثبتناه فيما سبق2، وابن سعود كان مستقلا ليس لأحد عليه ولاية من الأمراء والسلاطين حتى إِن العداء كان قائما بينه وبين سليمان بن محمد زعيم بني خالد ورئيس الأحساء3.

محمد بن سعود مؤسس دولة آل سعود:

يتفق الدكتور العجلاني والدكتور العثيمين على استقرار إمارة الدرعية عشرين سنة في يد محمد بن سعود قبل مبايعته للشيخ مما يدل على حكمة الرجل وحسن سياسته وقضائه على دسائس المنافسين في الداخل والدفاع ضد الأعداء والطامعين من الخارج ويبدو أَنه على صلات حسنة مع أمير العيينة لأن ابنه عبد العزيز تزوج بنت عثمان بن معمر، وأما أمير الرياض دهام بن دواس فإنه كان مدينا لمحمد بن سعود ببقائه في الإِمارة لأنه أنجده بعدد من الجنود حينما ثار عليه أهل الرياض فاستقر له الحكم4.

1 الفكر السامي

2/ 374.

2 انظر 1/40- 41 من هذا البحث.

3 الشيخ محمد بن عبد الوهاب

للدكتور العثيمين ص 53.

4 روضة ابن غنام 2/ 5، 6، وانظر: تاريخ البلاد العربية السعودية للدكتور العجلاني ص 63، 64

- وانظر: الشيخ محمد بن عبد الوهاب للدكتور العثيمين ص 53.

ص: 823

وعلى أية حال فإذا كان ليس أحد يصلح للسياسة والحكم 1 فإن محمد بن سعود قد امتاز على غيره بما وهبه الله من ملكات الإِمارة والحكم وأنه كما يقول المؤرخ حسين بن غنام: "كان في جاهليته بحسن السيرة معروفا وبالوفاء وحسن المعاملة موصوفا، مشهوراً بذلك دون من هنالك وكان من وفائه أَن وفى بكفالته لزيد بن مرخان وفاء كلفه ثمنا باهظا أدى إلى قتل عمه مقرن بن محمد لما خفر الأخير ذمة ابن أخيه بقتله زيد بن مرخان غدرا2.

ثم إِن الأمير محمد بن سعود3 قد أدرك بصفاء بصيرته وسلامة تفكيره أَنه لا مطمع للشيخ في الإِمارة ولا في الرئاسة ولا في أي علو في الأرض ولا فساد من دعوته، بل إن دعوته إلى صلاح الدين والدنيا معاً، إلى عقيدة السلف الصالح وتيقن من خلال ما سمعه من الشيخ ورآه أَن نصيحته صادقة وعرضه صحيح، وأن القيام بنصر دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم سبب للنصر والعز والتمكين وحصول الملك، وزاد يقين الأمير رسوخا ما بينه الشيخ له من أَن الله سيمكن من يقوم بنصر (لا إله إلا الله) ويُعزه ويورثه الملك، وأَن الأمة بحاجة إلى إقامة الدين، وإِصلاح ما أفسد الناس،

1 انظر: فكرة القومية العربية على ضوء الإسلام، رسالة ماجستير، أعدها صالح

العبود ص/ 125-126.

2 روضة ابن غنام 2/3.

3 انظر: عنوان المجد لابن بشر سابقة سنة 1139 ج1/ 234- 235.

ص: 824

وأن هذا واجب عليه.

فقبل محمد بن سعود وأصبح هو المؤسس لدولة آل سعود وهو الذي سن سنة حسنة لبنيه بمناصرة دين الله وإكرام علماء السنة وهذا ما

يحققه الدكتور العجلاني أيضاً حيث يقرر أَن مؤسس دولة آل سعود هو محمد بن سعود بمبايعته للشيخ محمد بن عبد الوهاب على إِخلاص العبادة لله وحده واتباع حكم الإسلام الصحيح في سياسة البلاد1 وإقامة علم الجهاد في سبيل الله تعالى.

وأقول إن مبايعته للشيخ على ذلك لدليل على عظيم عقله، وبعد همته وطموحه وتوفيق الله له.

قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم: "وكفى برهاناً على شجاعته وثبات جأشه وشهامته وإرادته الحديدية، وعزمه البات، وقوة إيمانه وسائر خصاله الحميدة إِيواؤه للشيخ، وقيامه بنصرته، وقد رأى وعلم ما وراء ذلك من الأخطار، وتأليب الملوك والأمراء، وعامة الناس عليه، ولولا أَنه هو الأوحد، فرد زمانه، لما نجح في توطيد دعائم ملكه ونشرسلطته على البلدان وتوحيد كلمة التوحيد تحت لوائه بين خطوب سود، ونظراء أقوياء، وتكالب من جميع أطراف جزيرة العرب، فلهو القائد الباسل، والأوحد الحلاحل، فما قام بنصرة هذا الشيخ والأخذ بساعده إلا عن

1 تاريخ البلاد العربية السعودية ص 46، 47.

ص: 825

اعتقاد راسخ وإيمان قوي1.

ونستطيع أَن ندرك من خلال حديث اللقاء والبيعة بينه وبين الشيخ أنه مدرك لحقيقة الإسلام ومميز لما هو من دين الله ورسوله من غيره بما آتاه الله من صفاء الفطرة ونفوذ البصيرة وما بلغه من الحجة على يد الشيخ وغيره فكان من صدقه ووفائه استجابته وعدم استنكافه عن قبول الحق لما جاءه وإِن كان قد جاءه من مستضعف ثم أدرك شيئا بعيدا فاشترط على الشيخ إِن نصرهم الله أن لا يرتحل عنهم إلى غيرهم لأنه رحمه الله ذو فراسة وذكاء ومن أعظم العقلاء، وأَنه حين لقي الشيخ ورآه عرف الصدق في وجهه وبديهته وتحقق في قوله وحاله حلية أولياء الله وكل عاقل يرغب في أولياء الله وفي قربهم وفعلاً وقع ما كان يتوجسه محمد ابن سعود من مجيء ابن معمر نادما يطلب عودة الشيخ إليه2.

وحيث كان شأن العاقل أَن ينقاد لأولياء الله فقد انقاد الأمير محمد ابن سعود للشيخ محمد بن عبد الوهاب لأن الأمير من أعظم عقلاء زمانه والشيخ من أعظم أولياء زمانه.

قال أبو نعيم في حلية الأولياء: "واعلم أن لأولياء الله تعالى نعوتاً ظاهرة وأعلاما شاهرة، ينقاد لموالاتهم العقلاء والصالحون، وذكر من نعوت هؤلاء الأولياء ما رواه بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رب أشعث ذي

1 الدرر السنية 12/29.

2 انظر: 2/ 814 من هذا البحث.

ص: 826

طمرين تنبو عنه أعين الناس لو أقسم على الله عز وجل لأبره"1.

وكان الشيخ في تلك الآونة ضعيفا مستضعفا أشعث من السفر قد نَبَتتْ عنه أعين الناس، أهل الدنيا والبأس إلا أنه من أولياء الله ومن العلماء بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم الأمناء، فلا ينقاد له ويوافقه إلا ذو عقل صريح كما هو الشأن من موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح فكان بتوفيق الله ومعونته وفضله على أهل الجزيرة أَن وفق لأمير عظيم الفراسة كبير القلب راجح العقل حيث اغتنم أعظم فرصة وغنيمة سيقت إليه وكانت سبب ارتفاعه وارتفاع ذكره وذكر نسله من بعده وعزه في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى فرحمة الله عليه وعلى خلفه من أسلاف صالحين وبارك في المعاصرين من خلفه وثبتهم على أسباب رضى رب العالمين، الذي هو عزهم وسبب نصرهم آمين. هذا ومازال الإمام محمد بن سعود وفياً بالعهود حتى لقي ربه.

وبعد وفاة الإمام محمد بن سعود سنة 1179 هـ بويع لابنه عبد العزيز بن محمد إماما للمسلمين، بايعه الخاص والعام، والشيخ محمد هو رأس ذلك النظام2.

وللإمام عبد العزيز مكانة خاصة من أثر عقيدة الشيخ محمد بن

1 حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للحافظ أبي نعيم 1/5-7.

2 روضة ابن غنام 2/ 74.

ص: 827

عبد الوهاب السلفية فمنذ أَن كان صغير السن كان له اهتمام بعلم الشيخ فلقد كتب للشيخ والشيخ إذ ذاك في العيينة عند ابن معمر يسأله أَن يكتب له تفسير الفاتحة، فكتب الشيخ ذلك، وقد ضمن تفسير سورة الفاتحة عقيدة السلف الصالح، وأرسلها إلى الأمير عبد العزيز وقد ناهز الاحتلام1، وما من شك أن تلقي العلم في هذه الفترة من العمر له كبير الأثر والرسوخ.

ولذا فقد اجتمع في الإمام عبد العزيز مؤهلات الإِمارة وملكاتها ومواهبها مع رسوخه في العلم وسلامة العقيدة منذ نعومة أَظفاره فهو ليس أميراً يناصر الحق بقوة السلطان فحسب بل مع ذلك عالم ينصر الحق بقوة الحجة والبرهان.

ولهذا الإمام رسالة جليلة القدر، لها أثر كبير وواسع في نشر عقيدة السلف الصالح افتتحها بالثناء على الله والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم ثم قال: من عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى من يراه من العلماء والقضاة في الحرمين والشام ومصر والعراق وسائر علماء المشرق والمغرب ثم أخذ يشرح عقيدة السلف الصالح بالبيان الواضح والأدلة القويمة والبراهين العظيمة فتكلم عن الحكمة من إيجاد الله الخلق، ومعنى كلمة التوحيد والشفاعة والوساطة وحق الله وحق رسوله صلى الله عليه وسلم وأوليائه،

1 انظر: روضة ابن غنام، ج1ص 222.وما بعدها. وانظر: 2/ 810 من هذا البحث.

ص: 828

وعن خصوم أنصار العقيدة السلفية خصوصا أنصار الشيخ الإمام، وعن إِرادة الله القدرية الكونية وإرادته الشرعية، وأن المشروع للموتى وللنبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لهم لا دعاؤهم، وبيان ما يفعل عند قبره صلى الله عليه وسلم والمأثور من نهيه عن اتخاذ قبره صلى الله عليه وسلم عيدا وحديث شد الرحال، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، وإنكار عبادة القبور بالدعاء وغيره وبيان كونها شركا، وأن حقيقة التوحيد تقتضي الإيمان بالله وعبادته وحده وعدم الشرك به ووصف دين المشركين وبيان الشرك الأصغر والأكبر وبيان التوسل الصحيح، والنهي عن الإِقسام على الله بمخلوق، ثم يبيّن ما هي الوسيلة؟ ويكمل وجوه الرد على المشبهين بالحديث لتجويز دعاء غير الله تعالى، ويبين أن العادة هي عداوة القبوريين لأهل التوحيد ورميهم إياهم بالعظائم والجرائم، ونسبة كل قبيح إليهم وتنفير الناس عن الموحدين بأنهم يتنقصون الصالحين، ثم ختام هذه الرسالة بالتوجيه إلى القرآن الكريم وإلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم والعمل بهما والاستغناء بالسنة النبوية عن البدع والشرك والتخرصات والشطحات التي هي وساوس الشيطان والنفوس المتبعة للهوى. وقد استغرقت هذه الرسالة ما يقارب من (34) صفحة كبيرة1.

وله رسالة إلى من يراه من أهل بلدان العجم والروم أرسلها مع رجل منهم اسمه محمد خلف النواب وفد عليهم وأَقام عندهم مدة طويلة

1 الهدية السنية لابن سحمان، أولها.

ص: 829

وأشرف على ما هم عليه من الدين الحق وما يدعون إليه الناس ويقاتلونهم عليه ويأمرونهم به وينهونهم عنه ويقول في تلك الرسالة: " إِن حقائق ما عندنا يخبركم بها أَخونا محمد من الرأس" وذكر لهم جملة ما هم عليه من عقيدة السلف الصالح1.

وكتب أيضا إلى أهل المخلاف السليماني بناء على طلب واحد منهم اسمه الشريف أحمد قدم عليهم ورأى ما هم عليه وتحقق صحة ذلك لديه ثم التمس من الإمام عبد العزيز أَن يكتب له ما يزيل الاشتباه ليعرف أهل هذا المخلاف دين الإسلام وعقيدة السلف الصالح فضمنها ذلك رحمه الله ومما قال: " فلما من الله علينا بمعرفة ذلك وعرفنا أَنه دين الرسل اتبعناه، ودعونا الناس إليه، وإلا فنحن قبل ذلك على ما عليه غالب الناس من الشرك بالله من عبادة أهل القبور والاستغاثة بهم والتقرب إلى الله بالذبح لهم وطلب الحاجات منهم مع ما ينضم إلى ذلك من فعل الفواحش والمنكرات وارتكاب الأمور المحرمات وترك الصلوات وترك شعائر الإسلام حتى أظهر الله تعالى الحق بعد خفائه وأَحيى أثره بعد عفائه على يد شيخ الإسلام فهدى الله تعالى به من شاء من الأنام وهو الشيخ محمد ابن عبد الوهاب أَحسن الله له في آخرته المآب فأبرز لنا ما هو الحق والصواب من كتاب الله المجيد وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام الأئمة الأعلام

1 الدرر السنية ج1 ص 143، 146.

ص: 830

الذين أجمعت الأمة على درايتهم. ثم مضى يبين ما هم عليه من التزام عقيدة السلف الصالح.

وله رسائل أخرى ونصائح رحمه الله موزعة في الدرر السنية

وغيرها1.

وطلب الإمام عبد العزيز من الشيخ محمد، أن يكتب رسالة موجزة في أصول الإسلام ليتعلمها الناس، فكتب الشيخ ثلاثة الأصول، وهي معرفة العبد الرب المعبود، والرسول صلى الله عليه وسلم، ودين الإسلام بالأدلة، مبنية على مسائل القبر الثلاث من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وأرسلها الإمام عبد العزيز إلى جميع النواحي وأمر الناس أن يتعلموها في المساجد على يد أئمتها وطلبة العلم، وأَن يعملوا بها جميعاً بدون استثناء، فصاروا يسألون الناس في المساجد كل يوم بعد صلاة الصبح وبين العشاءين عن معرفة ثلاثة الأصول2.

وقد كتب بصيغ مختلفة مطولة ومختصرة وباللغة الفصحى وبالعامية على حسب طبقات الناس، وعلى مستوى كل طبقة وما يناسبها وكان الشيخ يعلمها الناس في الدرعية ويأمرهم بتعلمها3، وأَلحق بها شروط الصلاة

1 الدرر السنية ج 1 ص 146- 148 وانظر: ص 152، 153.

2 الدرر السنية ج 1 ص 87- 89.

3 عنوان المجد لابن بشر ج1/ ص 14، وص 90- 91.

ص: 831

وأركانها ونحو ذلك من أمور الدين التي لا يسع أحدا من المسلمين جهله.

وأرسل الإمام عبد العزيز برسائل للشيخ منها "كتاب التوحيد" إلى الوزير سليمان باشا في بغداد نصيحة له1، فأحالها الباشا إلى عبد الله أفندي الراوي البغدادي خطيب المسجد المنسوب للوزير سليمان باشا، فقام الراوي بالرد عليها برسالة مضمونها أنَّ التوحيد مختص بمعنى الربوبية فالإله اسم مختص بالخالق الرازق الضار النافع فحسب2، فرد عليه محمد ابن علي بن غريب بالكتاب المسمى:" التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق" وفند شبهه، وكسر تحدياته وأرسل إليهم في العراق ووجد مخطوطا في بغداد عند رجل يقال له الملا دليم- ليس له عنوان، وليس عليه اسم مؤلفه. ثم طبع عام 1319 هـ بالمطبعة الشرقية بمصر وجعل اسمه:"التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق" ونسب تأليفه للشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وليس له، وإنما هو لشيخه محمد بن غريب المذكور، ذلك أن في الكتاب مسائل يبعد أن تصدر من الشيخ سليمان في علمه وتحقيقه، مثل قوله: " فالله تعالى كان ولا مكان، ثم خلق المكان، وهو تعالى كما كان

1 الدولة السعودية الأولى، للدكتور عبد الرحيم عبد الرحمن ص 192.

2 انظر: التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق ص 10، 17.

ص: 832

قبل أن يخلق المكان"1 ومثل هذه العبارة ليست على طريقة السلف في العقيدة فإن المعطلة يقصدون بها: نفي استواء الرب على عرشه استواء حقيقياً يليق بجلاله2 بالإِضافة إلى أن صاحب السحب الوابلة ذكر أن ابن غريب هو الذي رد على أهل العراق.

ويوجد لكتاب "التوضيح" هذا نسخة خطية في المكتبة السعودية بالرياض ناقصة من الآخر قليلا بخط حسن، وعليها تملك الشيخ عبد الله ابن عبد اللطيف آل الشيخ عام 1319هـ ثم انتقلت منه إلى أخيه الشيخ محمد بن عبد اللطيف3.

وبغض النظر عن الغلط الموجود في الكتاب كما ذكرنا فهو ذو أثر بالغ في نشر عقيدة السلف الصالح خصوصا في بيان معنى التوحيد.

ويقول ابن بشر: وكان عبد العزيز كثير الخوف من الله والذكر. آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم، ينفذ الحق ولو في أهل بيته وعشيرته لا يتعاظم عظيماً إذا ظلم فيقمعه عن الظلم، وينفذ الحق فيه، ولا يتصاغرحقيراً ظلم فيأخذ له الحق، ولوكان بعيد الوطن. وكان لا يكترث في لباسه ولا سلاحه، بحيث إِن بنيه وبنى بنيه محلاة

1 انظر: التوضيح

ص 43.

2 حاشية، بقلم محمد بن مانع على كتاب تحفة المستفيد، قسم 2 ص 104 حاشية

رقم (1) . وعلماء نجد خلال ستة قرون للبسام 3/915، 916.

3 علماء نجد خلال ستة قرون 3/915/ 916.

ص: 833

سيوفهم بالذهب والفضة ولم يكن في سيفه شيء من ذلك إلا قليلا. وكان لا يخرج من المسجد بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس، ويصلي فيه صلاة الضحى. وكان كثير الرأفة والرحمة بالرعية، وخصوصا أهل البلدان بإعطائهم الأموال وبث الصدقة لفقرائهم والدعاء لهم، والتفحص عن أحوالهم.

يقول ابن بشر: "وقد ذكر لي بعض من أثق به أَنه يكثر الدعاء لهم في ورده، قال وسمعته يقول: اللهم ابق فيهم كلمة لا إله إلا الله حتى يستقيموا عليها ولا يحيدوا عنها. وكانت الأقطار والرعية في زمنه آمنة مطمئنة في عيشة هنيئة. وهو حقيق بأن يلقب مهدي زمانه. لأن الشخص الواحد يسافر بالأموال العظيمة أي وقت شاء، شتاءً وصيفاً، يمناً وشاماً، شرقاً وغرباً في نجد والحجاز واليمن وتهامة وعمان وغير ذلك، لا يخشى أحدا إلا الله، لا سارقاً ولا مكابراً، وكانت جميع بلدان نجد من العارض والخرج والقصيم والوشم والجنوب وغير ذلك من النواحي، في أيام الربيع يسيبون جميع مواشيهم في البراري والمفالي1 من الإبل والخيل والجياد، والبقر والأغنام، ليس لها راعٍ ولا مراعٍ بل إذا عطشت وردت على البلدان ثم تصدر إلى مفاليها حتى ينقضي الربيع، أويحتاجون لها أهلها لسقي زروعهم ونخيلهم. وربما تلقح وتلد، ولا يدري أهلها إلا إذا جاءت

1 عنوان المجد لابن بشر ج1/ 124، 125.

والمفالي: جمع مفلى أي مراعى بلغة اهل نجد العامية.

ص: 834

وولدها معها، إلا الخيل الجياد فإن لها من يتعاهدها في مفاليها لسقيها وحدها بالحديد.

وكانت إبل أهل سدير ونجائبهم وخيلهم مسيبات أيام الربيع في الحمادة وفي أراط والعبلة، ومعها رجل واحد يتعاهدها ويسقيها ويزور أهله ويرجع إليها وهي في مواضعها فيصلح أَربطها وقيودها ثم يغيب عنها. وكذلك خيل أهل الوشم ونجائبهم في الحمادة وفي روضة محرقة وغيرهما. وهكذا يفعلون بها. وكذلك خيل عبد العزيز وبنيه وعشيرته في النقعة، الموضع المعروف قرب بلد ضرمي، وفي الشعيب المعروف بقرى عبيد من وادي حنيفة، وليس عندها إلا من يتعاهدها لمثل ما ذكرنا، وكذلك جميع النواحي تفعل ذلك. وكان رحمه الله تعالى من رأفته بالرعية شديدا على من جني جناية من الأعراب أوقطع سبلاً أوس رق شيئا من مسافر أو غيره بحيث من فعل شيئا من ذلك أخذ ماله نكالا أو بعض ماله أوشيئا منه على حسب جنايته. وأدبه غير ذلك أدبا بليغاً".

.:ويذكر ابن بشر: أن السبل والطرق تأمنت كثيراً في عهد الإمام عبد العزيز فكان أهل الأسفار يسافرون ويرجعون إلى أوطانهم لا يخشون أحدا من جميع البوادي مما احتوت عليه هذه المملكة لا بحرب ولاسرق، وليس يؤخذ منهم شيء من الإِتاوات والقوانين والجوائز التي يأخذها الأعراب على الدروب يحيون بها سنن الجاهلية فبطلت جميعها ولله الحمد، وصار بعض العمال إذا جاءوا بالأَخماس والزكاة من أقاصي البلاد يجعلون

ص: 835

مزاود الدراهم أطنابا لخيمتهم وربطا لخيلهم بالليل لا يخشون سارقا ولا غيره ونمت المواشي والثمار وساد الأمن جميع البلاد وهذا من أثر عقيدة السلف الصالح التي أظهرها الشيخ. قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} .

وكان الإمام عبد العزيز يوصي عماله بتقوى الله وأخذ الزكاة على الوجه المشروع وإِعطاء الضعفاء والمساكين ويزجرهم عن الظلم وأخذ كرائم الأموال، ويكثر العطاء والصدقات للرعية من الوفود والأمراء والقضاة وأهل العلم وطلبته ومعلمة القرآن والمؤذنين وأئمة المساجد، حتى أئمة مساجد نخيل البلدان ومؤذنيهم.

وإذا أراد من الناس الغزو معه أو مع ابنه سعود، بعث رسله إلى رؤساء القبائل من العربان وواعد جميعهم يوما معلوما على ماء معلوم، فلا يتخلف أحد عن ذلك الموعد لا حقير ولا جليل، لا من بوادي الحجاز ولا العراق ولا الجنوب ولا غير ذلك فمن ذكر متخلفا ممن تعين عليه الأمر من راجل أو فارس، أدب أدبا بليغا وأخذ من ماله نكالا، والرجل الواحد أو الاثنان إذا أرسلهم عبد العزيز وابنه سعود إلى البوادي من جميع أقطار جزيرة نجد أخذوا منهم النكال من الأموال والخيل والإبل وغير ذلك، ويضربون الرجال ويعذبون المجرم بأنواع العذاب، ولا يتجاسر أحد أن يقول لهم شيئا، أو يشفع فيه، بل كلهم طائعون مذعنون.

ص: 836

قال ابن بشر: " وهذا الذي ذكرت من جهة الأمن وطاعة

الحاضر والباد وغير ذلك اتفق في زمنه وزمن ابنه سعود وصدر من ولاية عبد الله".

ثم مضى ابن بشر يذكر أمراء عبد العزيز وقضاته1، ومن هؤلاء القضاة:

الشيخ حسين بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي أخذ عن أبيه واستكمل فنون العلم وفاق بالمعرفة أقرانه حتى صار الخليفة بعد أبيه والقاضي في بلد الدرعية2، وكان له دور كبير في نشر عقيدة السلف الصالح وتأثره بها وتأثيره في الناس لحملها ونشرها وتطبيقها، وله عدة بنين طلبة علم وقضاة.

قال ابن بشر: "ومعرفتي منهم بعلي وحمد وحسن وعبد الرحمن وعبد الملك.

فأما علي فهو الشيخ الفاضل وحاوي الفضائل العلامة في الأصول والفروع الجامع بين المعقول والمشروع كشاف المشكلات، مفتاح خزائن أسرار الآيات، قاضي الدرعية بوجود أعمامه، وخليفتهم فيها إذا غابوا زمن سعود وابنه عبد الله، ثم ولي القضاء لتركي بن عبد الله رحمه الله

1 عنوان المجد في تاريخ نجد ج1، ص 126 – 129، وفي طبعة وزارة المعارف سنة 1394 هـ ص 168 – 178.

2 الدرر السنية 12/46 ومشاهير علماء نجد وغيرهم ص 28.

ص: 837

تعالى في حوطة بني تميم، ثم كان قاضياً في بلد الرياض عند الإمام فيصل ابن تركي أسعده الله تعالى" اهـ1.

وذكر ابن بشر أن له اليد الطولى في معرفة الحديث ورجاله، وأَنه علق شرحا على كتاب التوحيد تأليف جده محمد بن عبد الوهاب2، لكن عبد الرحمن بن عبد اللطيف المعلق على عنوان المجد ينكر وجود هذا الشرح3، ولا وجه لإِنكاره فقد يكون في زمن مبكر، وله رسائل

وفتاوى نشرت مفرقة في الدرر السنية التي جمعها عبد الرحمن بن قاسم وفي الرسائل والمسائل النجدية طبع محمد رشيد رضا4.

ومن هؤلاء القضاة أيضا الشيخ الزاهد الورع عبد العزيز بن عبد الله بن إبراهيم الحصين- الذي طبق بركة علمه الآفاق، وشهد له بالفضل أهل الآفاق القاضي في ناحية الوشم زمن عبد العزيز وابنه سعود وابنه عبد الله5.

أخذ الفقه في صغره عن الشيخ إبراهيم بن محمد بن إسماعيل ثم

1 ابن بشر، عنوان المجد 1/93.

2 المرجع السابق.

3 هامش ص 87 رقم (1) من جزء (1) من عنوان المجد، طبعة وزارة المعارف

سنة 1387 هـ.

4 الدرر السنية 12/ 45 ومشاهير علماء نجد ص 49.

5 ابن بشر، عنوان المجد

1/ 94، والدرر السنية 12/ 49، 50.

ص: 838

أخذ العلم عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وابنه الشيخ عبد الله، والشيخ حسين، والشيخ حمد بن ناصر بن معمر وخلق غيرهم، له مجالس في التدريس مشهورة، وأوقاته بالعبادة معمورة، وله رسالة في معنى التوحيد وفتاوى، ولي القضاء في الوشم في ولاية الإِمام عبد العزيز بن محمد وأول ولاية الإمام سعود وأخذ عنه عدة من العلماء منهم الشيخ عبد الله أبا بطين والشيخ إبراهيم بن سيف والشيخ غنيم بن مسفر والشيخ عبد الله ابن سيف والشيخ محمد بن عبد الله الحصين والشيخ عثمان بن منصور والشيخ علي بن يحيى بن مساعد والشيخ عبد الله بن سليمان بن عبيد والشيخ محمد بن سيف والشيخ إبراهيم بن حجي والشيخ عثمان بن عبد المحسن أبا حسين والشيخ محمد بن نشوان والشيخ عبد الله القضيبي ولم يل القضاء، والشيخ عبد الكريم بن معيقل وغيرهم ممن لم يل القضاء الجم الغفير1.

وكان للشيخ عبد العزيز الحصين جهود خاصة في نشر عقيدة السلف الصالح لدى شريف مكة وعلمائها حيث كان الذي وقع عليه الاختيار من قبل الشيخ والإمام عبد العزيز ليكون مفوضا عنهما في شرح المعتقد وبيان حقيقة الدعوة بناء على طلب شريف مكة.

يقول السباعي: " في سنة 1185 هـ طلب الشريف أحمد بن

1 ابن بشر، عنوان المجد 1/ 232، 233، 234، والدرر السنية 12/ 50.

ص: 839

سعيد من الإمام عبد العزيز بن محمد ومن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن يرسلا إليه فقيها منهم، يبين له حقيقة الدعوة بمحضر من علماء مكة، فأرسلا الشيخ عبد العزيز الحصين، ووقعت المناظرة مع بعض علماء مكة منهم مفتي السلطان في مكة بحضور الشريف أحمد في ثلاث مسائل:

1-

في التهمة المفتراة على الشيخ وهي: التكفير بالعموم.

2-

هدم القباب التي على القبور.

3-

طلب الشفاعة عند الله من الأموات1.

ويذكر ابن غنام أَن الإمام عبد العزيز والشيخ محمد كتبا مع الشيخ عبد العزيز الحصين رسالة إلى الشريف أحمد بن سعيد، يهيبان به أَن ينصر الشريعة المحمدية ومن تبعها وأَن يعادى من خرج عنها، كما هو الواجب على ولاة الأمور، ويذكران أَنهما تجاوبا مع طلبه أن يرسلا إليه طالب علم يشرح له ولعلماء مكة عقيدة السلف الصالح التي قاما بنصرتها، فأرسلا إليه الشيخ الحصين للحضور مع علماء الحرم في مجلس الشريف فإن اجتمعوا فالحمد لله، وإِن اختلفوا أَحضر الشريف كتبهم وكتب الحنابلة، مع قصد وجه الله ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم وقد أخذ الله الميثاق على الأنبياء إِن أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به وينصروه فكيف بأمته فلابد من الإيمان به ونصرته، لا يكفي أحدهما عن الآخر، وأحق الناس وأولاهم

1 تاريخ مكة للسباعي ج2 ص 77، 124.

ص: 840

بذلك أهل البيت الذين بعثه الله منهم، وأحق أهل البيت بذلك، من كان من ذريته صلى الله عليه وسلم 1.

وقال ابن غنام: "فذكر لهم الشيخ عبد العزيز الحصين أَن نسبة التكفير بالعموم إلينا زور وبهتان علينا، وأما هدم القباب، فهو الحق والصواب كما هو مقرر بالأدلة في كتب كثيرة، وليس لدى العلماء فيه شك، وأما دعاء الصالحين وطلب الشفاعة منهم والاستغاثة بهم في النوازل فقد نص عليه الأئمة أَنه من الشرك الذي فعله الأولون ولا يجادل فيه إلا جاهل ظالم.

ثم أحضروا من كتب الحنابلة الإِقناع فرأوا عبارته في الوسائط وحكايته الإجماع فاقتنعوا وأقروا وتفوهوا بأن هذا دين الله، وانتشر فيما بينهم وشاع، وقالوا هذا مذهب الإمام أحمد، وانصرف عبد العزيز مبجلا ومكرما"2.

ويبدو أن الشريف قد اقتنع بصحة العقيدة وأنها عقيدة السلف الصالح، ولكن ثار آل مساعد على عمهم أحمد بن سعيد هذا، وانتزعوا من يده ولاية مكة بالقوة فأخرجوه منها، ووضعوا مكانه شريفا آخر هو ابن أخيه سرور بن مساعد سنة 1186هـ، فمنع أهل نجد من الحج إلا

1 روضة ابن غنام، ج2 ص 80، 81.

2 روضة ابن غنام 2/ 81.

ص: 841

بضريبة ثم تولى أخوه غالب.

وفي سنة أربع ومائتين وألف للهجرة أرسل غالب الشريف إلى الإمام عبد العزيز كتابا، وذكر في أثنائه أَنه يريد إنسانا عارفا من أهل الدين حتى يعرف حقيقة الأمر، فأرسل إليه الشيخ عبد العزيز الحصين، وكتب معه الشيخ رسالة يبين فيها عقيدة السلف الصالح التي يدعو إليها ونصها: بعد البسملة من محمد بن عبد الوهاب إلى العلماء الأعلام في البلد الحرام نصر الله بهم سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام وتابعي الأئمة الأعلام، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، جرى علينا من الفتنة ما بلغكم وبلغ غيركم، وسببه هدم بنيان في أرضنا على قبور الصالحين، ومع هذا نهيناهم عن دعوة الصالحين، وأمرناهم بإخلاص الدعاء لله، فلما أظهرنا هذه المسألة مع ما ذكرنا من هدم البناء الذي على القبور، كبر على العامة وعاضدهم بعض من يدعي العلم لأسباب ما تخفى على مثلكم، أعظمها اتباع الهوى مع أسباب أخر فأشاعوا عنا أنا نسب الصالحين، وأنا على غير جادة العلماء، ورفعوا الأمر إلى المشرق والمغرب وذكروا عنا أشياء، يستحي العاقل من ذكرها، وأنا أخبركم بما نحن عليه بسبب أن مثلكم ما يروج عليه الكذب على أناس متظاهرين بمذهبهم، عند الخاص والعام، فنحن ولله الحمد متبعون لا مبتدعون على مذهب الإمام أحمد بن حنبل.

وتعلمون أعزكم الله، أن المطاع في كثير من البلدان، لو

ص: 842

يتبين1 بالعمل بهاتين المسألتين أَنها تكبر على العامة، الذين درجوا هم وآباؤهم على ضد ذلك وأنتم تعلمون رحمكم الله أَن في ولاية الشريف أحمد بن سعيد، وصل إليكم الشيخ عبد العزيز بن عبد الله، وأشرفتم على ما عندنا، بعدما احضروا كتب الحنابلة التى عندنا عمدة كـ "التحفة" و"النهاية" عند الشافعية، فلما طلب منا الشريف غالب أعزه الله ونصره امتثلنا وهو إليكم واصل، فإِن كانت المسألة إجماعاً فلا كلام، وإِن كانت مسألة اجتهاد فمعلومكم أَنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد، فمن عمل بمذهبه في محل ولايته لا ينكر عليه، وأنا أشهد الله وملائكته وأشهدكم أني على دين الله ورسوله وإني متبع لأهل العلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ثم ذكر ابن غنام أَن غالبا أكرم عبد العزيز الحصين لما قدم عليه في مكة المشرفة بهذه الرسالة واجتمع معه مرات عديدة وعرض عليه رسالة الشيخ المفيدة فعرف ما بها من الحق والهدى وما نفته من الباطل والردى فأذعن بذلك وأقر ثم بعد مدة تنكر وتمسك بقديم سنته وطلب منه عبد العزيز الحصين أن يحضر العلماء معه فيقف على كلامهم ويسمعه ويناظرهم في أصول التوحيد، فأبوا عن الحضور وقالوا هؤلاء الجماعة ليس عندهم بضاعة إلا إزالة نهج آبائك وأجدادك ورفع يدك عن معتادك

1 يتبين بالعمل- معناه: يظهر العمل.

ص: 843

وجوائز بلادك، فطار لبه وارتعش قلبه1. فصار يقاتل أهل التوحيد ثم لم يربح، بل خسر حيث عاند الحجة التي أقامها عليه الشيخ عبد العزيز الحصين2.

ومن هؤلاء القضاة في عهد الإمام عبد العزيز الشيخ العالم حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر- ولد في الدرعية وأخذ عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حتى كان فقيها محدثا زاهدا عابدا كثير الخير، له قدم راسخ في الفتوى وله رسائل وأجوبة تبلغ مجلدا فرقها الشيخ عبد الرحمن بن قاسم

في مواضع من الدرر السنية حسب ترتيبه لها3.

ومن هذه الرسائل رسالة جيدة ألفها الشيخ حمد بعنوان: النبذة الشريفة في الرد على القبوريين، جوابا لأسئلة أوردها بعض المجادلين على الشيخ محمد بن أحمد الحفظي اليمني في جمادى الثانية من شهور سنة سبع عشرة بعد المائتين والألف من الهجرة فطلب جوابها واستغرقت ستا وستين صفحة وله أيضا في مجموعة الرسائل والمسائل رسالة له في معرفة الدليل والتقليد واستغرقت ثلاثين صفحة، وعدة رسائل أخر في مسائل فقهية

1 روضة ابن غنام ج 2 ص 144، 145.

2 انظر: تاريخ مكة للسباعي 2/77، 80، 92-94، 123، 124، وعنوان المجد

لابن بشر 1/ 122، وروضة ابن غنام ج 2 ص 145- 150.

3 ابن بشر، عنوان المجد

1/ 94 والدرر السنية 12/47. وتوجد في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ج4 ص 591- 662.

ص: 844

واستغرقت اثنتين وستين صفحة1. وكان قاضياً في الدرعية، وغيرها. ثم أرسله الإمام سعود قاضياً ومعلما في مكة المكرمة وأقام فيها مدة وتوفي فيها سنة 1225 هـ2.

ويذكر الشيخ حسين بن غنام في حوادث سنة 1211هـ من تاريخه الجزء الثاني أَنه في هذه السنة أرسل غالب الشريف رسلا إلى عبد العزيز يطلب منه علماء من أهل الدين والتوحيد ويزعم أَنه يقصد بذلك تحقيق هذا الأمر، ولينجلي له في مناظرتهم ما كان خافياً عليه، وكان من حسن سيرة عبد العزيز وعظيم فضل الله عليه أَنه يدعو إلى الله تعالى بالتي هي أحسن وأحكم ويرشد العباد للتي هي أقوم، فرأى إجابة الشريف غالب إلى ما طلب، فعسى أن يكون له سببا للسعادة، وأرسل إليه جماعة من أهل الدين والعلم، المشهورين بحسن المحاضرة في المناظرة بالبراهين وكبيرهم حمد بن ناصربن معمر ورئيسهم وأميرهم، فلما وصلوا دخلوا مكة معتمرين ومعهم جزر مهداة من سعود تذبح في الحرم فنحروها في المروة من شعائر الله، فقابلهم الشريف بالإِكرام وأحضرهم لديه مع علمائهم ليال وعقدوا للمناظرة مجالس فكانت الغلبة بالحجة للشيخ حمد

1 انظرها في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ج 2 تحت عنوان رسائل وفتاوى للشيخ حمد بن ناصر بن معمر.

2 الدرر السنية

12/ 47.

ص: 845

ابن معمر وأصحابه على علماء الشريف غالب، لكن علماء الشريف غالب أجمعوا على المغالطة في الألفاظ فأبرموا ذلك ولكنهم لم يعثروا في حجج الشيخ وما سرده من صحيح السنة القامعة على شيء فيه لبس لدى العلماء المنصفين سوى لفظة جرى اللسان فيها على اللحن في الأعراب فارتفع من بعضهم عند ذلك التخطئة في الجواب مبادرين ومعاجلين، رغم أَن الحجة فالجة وقاطعة وملزمة، لكنهم جحدوا وشوشوا! وصفة ما جرى أَنهم حضروا ببيت الشريف تجاه بيت الله الحرام وجرت المناظرة بينهم في مسألتين: مسألة قتال الموحدين الناس ما وجهها؟

فطلب من حمد بيان الحجة والدليل والبرهان فأتى لهم بالنصوص القاطعة، وأصل لهم الأصول الواضحة، وأسمعهم من نصوص الآيات والأحاديث الصحيحة الراجحة والأدلة الواضحة، وأوقفهم على المنصوص في الكتب المعتبرة عندهم، وكانوا من قبل ينكرون وجودها في الكتب أصلا، وتفوهوا بذلك بحضرة الشريف. فلما أوقفهم حمد عليها خجلوا وخافوا فأقروا وسلموا لتلك النصوص، ثم تفاوضوا بعد ذلك في مجالس عديدة في دعوة الأموات فأبدى لهم حمد من النصوص الصحيحة والآثار الراجحة والأقوال السديدة ما أدهش العقول مما لا يسع المنصف إنكاره، ولكنهم جحدوا أن يقع ذلك في الوجود وأنكروا وجوده في الأقطار رغم وجوده عندهم واقعاً مشهودا يشهده الخلق عيانا عندهم وجهارا.

ثم يقول ابن غنام: لا بدع فيما جرى منهم فقد قال كبيرهم أول ما قال وتأهب للمناظرة، وجر ذيول المفاخرة: أعلم أَني لا أناظرك بالدليل

ص: 846

من الكتاب والسنة، ولا أطالبك بما قاله علماء المذاهب سوى ما قال به إمامي أبو حنيفة لأني مقلدله فيما قال فلا أسلم لغير قوله، ولو قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال الله تعالى، لأنه أعلم مني ومنك، والأخذ بغير قول الأئمة مهلك.

ويقول ابن غنام: فلما انقضت تلك الأيام والليالي وانتهت ساعات الجدال والمناظرة، طلبوا من حمد بن ناصر بن معمر تأصيل ما برهن به واحتج به وقرره، وكتابة ما سجله عليهم أثناء المناظرة، فانتدب لذلك، فحرر من الكتب التي عندهم ما أرادوه رسالة أوجز فيها ما فيه حجة ودلالة، تكفي المنصف العاقل للشهادة بفضل محررها وصحة وصدق مضمونها، ثم أورد الشيخ ابن غنام نصها وشغلت ما يقارب

ثلاثين صفحة، من الجزء الثاني من تاريخ ابن غنام1 وهي في الهدية السنية التي جمعها الشيخ سليمان بن سحمان وشغلت خمساً وثلاثين صفحة2. واستغرقت في الدرر السنية ثمانياً وعشرين صفحة3.

وقد أشار إلى هذه المناظرة الشيخ محمد بن علي الشوكاني حيث قال في ترجمة الشريف غالب: "وبلغنا أَنه وصل إلى مكة، بعض علماء

1 روضة ابن غنام ج2/ ص 203-232.

2 الهدية السنية، ط. المنار، ص 51-87.

3 الدرر السنية ج2 ص 176- 204.

ص: 847

نجد، لقصد المناظرة فناظر علماء مكة بحضرة الشريف في مسائل تدل على ثبات قدمه وقدم صاحبه في الدين" 1. وطبعت في رسالة مستقلة بمؤسسة النور بالرياض ويذكر ناشرها أَنه سمى أجوبة الشيخ حمد المذكورة "الفواكه العذاب في الرد على من لم يحكم السنة والكتاب" 2.

ومن هؤلاء القضاة في زمن الإمام عبد العزيز، الشيخ سعيد بن حجي، رحل إلى الدرعية فقرأ على الشيخ وأخذ عن ابني الشيخ حسين وعبد الله وقرأ على الشيخ حمد بن ناصر بن معمر وعلى غير هؤلاء من علماء الدرعية وكان قاضياً في حوطة بني تميم زمن عبد العزيز وابنه سعود، وله رسائل في كلمة الإِخلاص، وفي أجوبة فقهية محررة سديدة نشرت في

مجموعة الرسائل والمسائل النجدية3.

ومن هؤلاء القضاة: الشيخ حمد بن راشد العريني القاضي في ناحية سدير زمن عبد العزيز4.

ومنهم الشيخ: عبد الرحمن بن خميس الذي صار عالما وإماما في

1 البدر الطالع ج2 ص 7.

2 المقدمة ص 2-3.

3 مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ج4 ص840ـ 876 وج1 ص 601-725. وانظر: عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر 1/94، وعلماء نجد خلال ستة قرون1/273.

4 عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر 1/94، وعلماء نجد خلال ستة قرون 1/223.

ص: 848

قصر آل سعود وقاضياً في الدرعية زمن عبد العزيز وابنه سعود1.

ومنهم: الشيخ حسين بن عبد الله بن عيدان الذي صار قاضياً في بلد حريملاء زمن عبد العزيز ودرس وأفتى في مقر عمله2.

ومنهم: الشيخ محمد بن سويلم الذي صار بسبب الأخذ عن الشيخ محمد عالما وقاضياً في بلد الدلم وناحية الخرج زمن عبد العزيز3.

ومنهم الشيخ عبد العزيز بن سويلم العريني الذي صار عالما قاضياً في ناحية القصيم زمن عبد العزيز وابنه سعود وابنه عبد الله، وكان مقره مدينة بريدة وما حولها فاستمر في القضاء مدة طويلة ودرس وأفتى فانتفع بعلمه جماعة منهم الشيخ عبد الله بن صقيه، وبقي بعد خراب الدرعية

وهو لايزال القاضي والمدرس في القصيم حتى توفي فتولى القضاء بعده تلميذه عبد الله بن صقيه4.

وغير هؤلاء من القضاة عدد كبير.

وكان القضاة لا يعينون إلا بمشورة من الشيخ محمد لأن منصب القضاء منصب مهم له تأثير كبير، فبالإِضافة إلى القضاء يتولون الإمامة والخطابة والتدريس والفتوى والإِرشاد ويكونون أصحاب الكلمة الفاصلة

1 عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر 1/94، 129، 169، 175.

2 عنوان المجد

لابن بشر 1/94، وعلماء نجد 1/ 214.

3 ابن بشر، عنوان المجد 1/ 94.

4 ابن بشر: عنوان المجد.. 1/ 94، وعلماء نجد 2/ 463، 559.

ص: 849

في البلد الذي يتولون القضاء فيه، ولا يخفى ما يكون لهم من أثر كبير وعظيم في نشر عقيدة السلف الصالح رحمهم الله تعالى.

وقد كان لخلق كثير، وجم غفير أثر في عقيدة السلف الصالح التى تلقوها عن الشيخ محمد زمن الإمام عبد العزيز وبعد زمنه ممن ولي القضاء وممن لَمْ يله من العلماء والأعيان ومن دونهم1.

ومن هؤلاء ابن الشيخ: الشيخ علي.

قال ابن بشر: "كان عالما جليلا ورعاً كثير الخوف من الله وكان يضرب به المثل في بلد الدرعية بالورع والديانة وله معرفة في الفقه والتفسير وغير ذلك، وراودوه على القضاء فأبى عنه، وأبناؤه صغار ماتوا

قبل التحصيل إلا محمدا فإنه طالب علم وله معرفة" اهـ 2.

ومنهم أيضا ابن الشيخ: الشيخ إبراهيم.

قال ابن بشر: "رأيت عنده حلقة في التدريس وله معرفة في العلم ولكنه لم يل القضاء قرأت عليه في صغري في كتاب التوحيد سنة أربع وعشرين ومائتين وألف3") .

وأبناء الشيخ على العموم ممن حمل ميراث أبيهم ونشره بصفة

1 ابن بشر، عنوان المجد

1/ 94، 95 ومجلة الدارة ع 2/ رجب/ 1398 هـ صورة اللوحة من كتاب رفع النقاب رقم 74، 75 ص 97.

2 عنوان المجد 1/ 93.

3 عنوان المجد 1/ 93.

ص: 850

خاصة كيف لا وهو عقيدة السلف الصالح وميراث العلماء الصالحين رحمهم الله ورضي عنهم؟!

قال ابن بشر عنهم: "ولقد رأيت لهؤلاء الأربعة العلماء حسين وعبد الله وعلي وإبراهيم مجالس ومحافل في التدريس في الدرعية عندهم من طلبة العلم من أهل الدرعية وأهل الآفاق الغرباء ما يفضي لمن حكاه إلى التكذيب، ولهؤلاء الأربعة المذكورين من المعرفة ما فاقوا به أقرانهم، وكل واحد منهم قرب بيته مدرسة فيها طلبة العلم الغرباء ونفقتهم من بيت المال، ويأخذون عنهم العلم في كل وقت"1.

قال محمد الحفظي بعد ثنائه على الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أولاد الشيخ:

أولاده مشائخ التحقيق

وسدرة في منتهى الطريق2

ومن هؤلاء غير أبناء الشيخ: الشيخ أحمد بن مانع الوهيبي التميمي. انتقل من أَشيقر إلى الدرعية في أول عهد الدعوة السلفية فقرأ على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأَدرك حظه من العلوم الشرعية، وكان من الموالين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب المدافعين عنها قال ابن بسام: "وقد اطلعت له على رسالة يرد بها على عبد الله المويس أحد علماء نجد المعادين

1 عنوان المجد 1/ 93.

2 هو محمد بن أحمد بن عبد القادر الحفظي (1178-1237 هـ) من أهل عسير.

الدرر السنية 1/2 47

ص: 851

لدعوة الشيخ محمد" في ترخيصه للناس في التخلف عن صلاة الجماعة وتهوين أمرها بحجة ان الإمام من أتباع ابن عبد الوهاب فبين أَن ابن عبد الوهاب إنما يدعو الناس إلى التوحيد والتبرّي من الشرك وأهله وهذا دين النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسع المسلم غيره وبين الأدلة الشرعية على وجوب صلاة الجماعة على الأعيان، وقد توفي في الدرعية في شهر رمضان عام 1186 هـ1.

وقد كان لبعض المشائخ الكبار الذين ليسوا من تلاميذ الشيخ المتخرجين على يديه جهود طيبة في نشر عقيدة السلف الصالح متأثرين بعقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومنهم:

الشيخ المؤرخ حسين بن غنام- قد التقى بالشيخ محمد بن عبد الوهاب واستفاد منه، ودون كثيرا من علم الشيخ ورسائله، وأرخ للشيخ وأنصاره وللإمام من آل سعود تاريخا مباشرا من أشمل التواريخ، ودون كثيرا من أخبارهم فتاريخه من أوثق التواريخ التي كتبت في هذا الشأن، وسبق أن طلب العلم على علماء بلده (الأحساء) ولذا لما وصل الدرعية كان أهلا لأن يجلس للتدريس.

قال عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ: "نزح من الأحساء إلى مدينة الدرعية فقدمها على الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود والشيخ

1 علماء نجد خلال ستة قرون1/183.

ص: 852

محمد بن عبد الوهاب فأكرماه وأنزلاه المنزلة الرفيعة. فاستقر في الدرعية وجلس فيها لطلبة العلم يقرأون عليه في علم النحو والعروض فقط، فأخذ عنه جملة من علماء الدرعية وذكرمن فضلائهم سليمان بن عبد الله بن الشيخ، وعبد العزيز بن حمد بن معمر، وعبد الرحمن بن حسن بن الشيخ" 1.

ويعتبر الشيخ حسين بن غنام ممن شهد بالحق لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن الذين ناصروها بالقلم وبيان الحق والعلم فمن ذلك ست قصائد قالها وهي:

1-

قصيدة في رثاء الشيخ وذكر محاسنه وسبق أن ذكرناها2.

2-

قصيدة بمناسبة جلاء دهام بن دواس ومطلعها:

كشف الحق ظلمة الأغلاس

ومحا الدين جملة الأرجاس3

3-

وموعظة لبعض من تزعزع عن لزوم الحق ومطلعها:

نفوس الورى إِلا القليل ركونها

وإلى الغي لا يلفى لدين حنينها4

1 مشاهير علماء نجد وغيرهم ص 147.

2 انظر: 1/ 234- 237 من هذا البحث.

3 روضة ابن غنام ج 2/ ص 68-88.

4 روضة ابن غنام ج2/ ص 71-72.

ص: 853

4-

والرابعة رد على قصيدة محمد بن عبد الله بن فيروز ومطلعها:

على وجهها الموسوم بالشؤم قد خطا

عروس هوى ممقوتة زارت الشطا1

5-

والخامسة بمناسبة قتل ثويني وتهنئة الأمير سعود ووالده الإمام عبد العزيز بن محمد حين فتح الأحساء ومطلعها:

تلألأ نور الحق وانصدع الفجر

وديجور ليل الشرك مزقه الظهر2

6-

والسادسة بمناسبة تهنئة سعود بن عبد العزيز بالحج وذكر في أولها مدح الشيخ محمد ومطلعها:

غياهب ليل الشرك مزقه الفجر

فأصبح دين الحق طالعه الغفر3

وله تقريرات حسنة، وكشف شبهات يبين بها عن الحق الذي دعا إليه الشيخ محمد ويشهد له، وقد ألف كتابا سماه:"العقد الثمين في شرح أصول الدين" بإشارة من الإمام عبد العزيز كما يقول4 بعد وفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا يزال الكتاب مخطوطا، وهوكتاب مفيد ولكن في مسألة القرآن سلك فيها مسلك الأشعرية، وقد نبه على ذلك تلميذه

1 المصدر السابق، ص 190-192.

2 المصدر السابق، ص 237-242، وعنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر، ط وزارة المعارف، ج1ص 145 ومابعدها.

3 انظر: عنوان المجد في تاريخ نجد ط وزارة المعارف ج1ص 123- 125.

4 انظر: كتاب العقد الثمين في شرح أُصول الدين مخطوطة في المكتبة السعودية بالرياض تحت رقم 86/ 57، الغلاف ولوحة رقم 13.

ص: 854

الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ1، وكذلك الشيخ محمد بن مانع2.

ومن آثار عقيدة الشيخ في عهد الإمام عبد العزيز أَن بعض معارضيه كأخيه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب بعد أَن كان معارضا يؤلف كتبا ضدها اتضح له الحق وتاب إلى الله، ووفد على أخيه الشيخ محمد في الدرعية واستقر بها إلى أن توفي، ذكر ذلك الشيخ عبد العزيز بن باز في تعليقه على كتاب: "الشيخ محمد بن عبد الوهاب

للشيخ أحمد بن حجرآل بوطامي3، ونص هذا الخبر في عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر في حوادث 1190هـ 4، وفي روضة ابن غنام كذلك وقال ابن غنام: "وكان من الشيخ إلى أخيه سليمان أعظم تحنن واهتشاشة فدثر حاله حينئذ وأَراشه، ووسع عليه قوته ومعاشه، فكان ذلك سببا لإنقاذ سليمان وصدقه مع أهل الإيمان وتحققه بهذا الشأن، فقام في هذا الدين بتحقيق وجزم ويقين، وأقر على نفسه واعترف، بما قدمه قبل وأسف، ووفى بما عاهد عليه وما أَخلف ومات ولله الحمد على حالة رضى، بعد ما جرى منه ومضى، فلم يوافه القضا إلا بعد ما رفض ما كان عليه

1 الدرر السنية في الأجوبة النجدية ج1ص 157 ط 2.

2 انظر: حاشية مخطوطة كتاب العقد الثمين في شرح أصول الدين، المحفوظة بالمكتبة السعودية بالرياض تحت رقم 86/57، لوحة رقم 28.

3 هامش ص 74.

4 عنوان المجد ص 65.

ص: 855

وانقضى" 1 وتوفي سنة 1208 هـ 2.

وفي مصباح الظلام للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن نص رسالة من سليمان بن عبد الوهاب فيها رجوعه3، وكذلك في كتاب الضياء الشارق، تأليف سليمان بن سحمان4، وفي كتاب صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان5. وفي هذا رد على الشيخ عبد الله ابن بسام في قوله: إن سليمان بقي مصراً على مباينة الدعوة السلفية وأصحابها إلا أنه رضخ لسلطتها وقوتها

".

وقال: "إِن الرسالة المذكورة يرجح أَنها نسبت إليه لغرض حسن

الظن به، وإبعاد المسبة عن أبنائه العلماء الصالحين، أو لغرض الرد على أعداء الدعوة الذين نفروا عنها بحجة أَن أقرب الناس إلى صاحبها باينه فيها أو لغير ذلك من المقاصد".

وأمور الترجيح هذا لدى البسام هي باختصار: لأنه قام وقعد بمحاربة الدعوة السلفية مع علماء وقته- وقال: ولم نر أحدا من هؤلاء رجع،

1 روضة ابن غنام ج2 ص 96.

2 علماء نجد خلال ستة قرون 1/304.

3 مصباح الظلام، تأليف الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ص 96،103.

4 الضياء الشارق، تأليف الشيخ سليمان بن سحمان ص 22-25، ط 1، المنار 1344.

5 صيانة الانسان عن وسوسة الشيخ دحلان ص 468-473.

ص: 856

وكل أتباعها هم تلاميذ الشيخ محمد، ولذكر ابن لعبون في تاريخه المخطوط انه لم ينزل الدرعية إلا كرها، ولأن ابن بسام لم ير له نشاطا في الدعوة غير هذه الرسالة، ولأن ابن بسام اطلع على جواب تلك الرسالة وفيها الترحم على الشيخ محمد مما يدل على أَنها كتبت بعد وفاة الشيخ محمد فلو كانت حقيقة لكان جواباً في عهد الشيخ محمد لا بعده1. انتهى ملخصا.

ولا يخفى أن الشيخ البسام عارض رواية الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن والشيخ سليمان بن سحمان –ودليلهما وهو الرسالة المذكورة من سليمان– ولم يذكر البسام رواية ابن بشر وابن غنام، وكان الشيخ عبد العزيز بن باز قد ذكر رجوعه بناء على ما ذكره ابن بشر والبسام عارض هذا كله بظنون، والظن لا يبني عليه شيء؛ فكيف يعارض به روايات الثقات، ويرجع هذا الظن عليها بأمور لا تقوم ولا تتم؟!.

فأما الأمر الأول فما يدريه عن رجوع من رجع وتاب ثم إنه يجوز ويمكن أَن من قام وقعد في محاربة الحق أَن يتضح له الحق ويرجع ويتوب، يجوز ذلك في العقل والواقع والشرع، وكونه لم ير له نشاطا، فالنشاط ليس بلازم، وربما كان له نشاط غير ظاهر، مع أَن ابن غنام حكى ذلك

1 علماء نجد خلال ستة قرون ج1ص 304-306.

ص: 857

عنه، وكون ابن لعبون ذكر في مخطوطته التي عند البسام أن سليمان قدم كرها فهذا معارض برواية ابن بشر وابن غنام.

الثانية: ثم لو كان الأمر صحيحاً فلا مانع من كون العاقبة رجوعه إلى الحق، أنسي أن من أهل الجنة من يقاد إليها بالسلاسل؟!

وكون ابن بسام اطلع على رسالة يذكر كاتبها أَنها من هؤلاء الثلاثة الذين كتب لهم سليمان تلك الرسالة المذكورة وأَنها جواب له وأن تاريخها متأخر بعد موت الشيخ محمد لا بعد موت الشيخ سليمان بل هي في حياته فتأخر تاريخها هذا إِن صح ليس فيه ما يبرر أنها مزيفة أيضا، مادام أن هذه الرسالة حصلت في حياة الشيخ سليمان والتي استمرت سنتين بعد وفاة أخيه الشيخ محمد واستنتاج البسام من هذه الرسالة أَن سليمان كان ساكتا في حياة أخيه على معتقده الأول ثم بعد وفاة أخيه يعلن رجوعه وموافقته لأخيه وأَن هذا الأمر من البعيد جدا، فلو صح الاستنتاج لكان من القريب جدا أَن سليمان كان في حياة أخيه يجد في نفسه، ثم لما مات زال ذلك الوجد المانع من قبول الحق فأعلنه وكم أسلم من أسلم، بعد وفاة من كان يدعوه إلى الإسلام ويأبى في حياته، وقد قال الإمام أحمد:"قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم الجنائز"1. وزعمه أَن كل أَتباع عقيدة الشيخ هم تلاميذه يرده الواقع السلفي.

1 انظر: تخريج هذه الرواية في 1/ 233 –234 من هذا البحث.

ص: 858

وعلى كل فعقيدة الشيخ محمد السلفية رحمه الله مؤثرة بعد مماته، كما كانت في حياته وربما أكثر لأنها تكشفت عنها الشبهات، وتجردت من كل ما يخالف عقيدة السلف الصالح، وأثمرت اتحاد الكلمة، واجتماع الشمل، وائتلاف القلوب والأمن والهدى سيما في عهد الإمام عبد العزيز، فلعمر الله قد أصبحت سلفية خالصة لا يشوبها شائبة، فما للقلوب النافرة عنها أدنى عذر ولا حجة.. والله أعلم.

وأذكر ما يقول ابن بشر معقبا على ما وصف في عهد الإمام عبد العزيز من اتساع دولة أنصار العقيدة وقوتها وما أنعم الله به عليها من الأمن وطاعة الرعية وانتظام ولايتهم فيقول: "وهذا الأمر في هذه المملكة شيء وضعه الله تعالى في قلوب العباد من البادي والحاضر في كل ما احتوت عليه هذه المملكة مع الرعب العظيم في قلوب من عادى أهلها وذلك والله أعلم من سببين:

أحدهما: أَن الراعي إذا عف عفت رعيته، فإذا عمل الإمام بطاعة الله وبذل العدل في الرعية، وصار القريب والبعيد، والغني والفقير والجليل والحقير في الحق سواء، وكان متواضعاً يحب العلماء وطلبة العلم وحملة القرآن، ويعظمهم ويحب الفقراء والمساكين ويعطيهم حقهم ويضع في المسلمين فيئهم جعل الله له الهيبة في القلوب وتداعى له كل مطلوب.

والسبب الثاني: أَن الله جعل لكل شيء ضدا مخالفا له منافيا أو معاديا، فجعل الشرك ضد التوحيد والعلم ضد الجهل إلى غير ذلك من

ص: 859

الأضداد المنافية بعضها لبعض، وأما الأضداد المعادية بعضها لبعض كعداوة الحية لبني آدم وعداوة إبليس لهم، وعداوة السباع لأضدادها وعداوة البادي لأهل القرى عداوات قديمة طبيعية فلا يصلح هذه العداوة بين أهل القرى وبينهم بذل المال، فإِنه إذا بذل لهم أصلح عداوتهم الظاهرة نحو أسبوع أوشهر، وأما عداوتهم الباطنة كالسرق ونحوه (كالخيانة) فإِنه لا يصلحها ويصلح الظاهرة معها إلا السيف، ولما عرف عبد العزيز رحمه الله هذا الداء عرف الدواء فاستعمل لمن عاداه منهم السيف ولمن والاه منهم قوة الجانب والغلظة والشدة فكان يأخذ منهم الأموال الكثيرة على السرقة وقطع السبل، ويجعل رؤساءهم في السجن وأَغلال الحديد حتى إنه جعل الحميدي بن هذال رئيس بوادي عنزه ورجلا هتيميا في حديد واحد، وربط وطبان الدويش وابن هذال في حديد واحد ويأخذ النكال الكثير من أموالهم على من تخلف منهم عن المغزى مع المسلمين من فرس أو ذلول معروفة أو رجل معروف حتى ذكر لي أَنه لم يوجد عند مطير إلا فرس أوفرسان وذلك لأن بوادي هذه الجزيرة لم يحتاجوا لها لأنهم لم يخافوا من أحد ولا يخاف منهم أحد ولا يطمعون في أحد، قد حجز عبد العزيز جميع القبائل ويأخذ منهم هذه الأموال مع زكواتهم ويفرقها على أهل النواحي والبلدان "

إلى أن قال ابن بشر: "فصار البلد الواحد من قرايا نجد بهذا السبب يركب من هذا الغزو معه ومع ابنه سعود سبعون أو ستون مطية أوأقل أوأكثر، وإذا أرسل عماله لقبض الزكاة من الأعراب أمرهم أن لا يأخذوا

ص: 860

من الزكاة عقالا حتى يأخذوا لصاحب الدين حقه ولمن سرق له شيء قيمة ما له والنكال، فقويت البلدان واشتدت وطأتهم على عدوهم، فصار الأعرابي يرفع يده ولا يخفضها على شيء من مال أهل القرى ولا من مال البوادي، بعضهم من بعض في مفازة خالية فضلا عن غيرها، وصارهذا مطردا سائغا في زمنه وزمن ابنه سعود، وصدرمن ولاية عبد الله"1.

ولما توفي الإمام عبد العزيز بن محمد شهيدا سنة 1128هـ، تولى بعده ابنه سعود فصار هو الإمام، وكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد أمر أهل بلدان نجد وغيرهم أن يبايعوه وأن يكون ولي العهد بعد أبيه، وذلك في السنة الثانية بعد المائتين والألف (1202 هـ) بناء على أمر الإمام عبد العزيز، فبايعه جميعهم2. وهوصاحب السيرة الحسنة في السلم والحرب يتتبع سيرة السلف الصالح في كل ذلك ويطبق مقتضى عقيدتهم السليمة وكان كثيرا ما يذكر رعيته خصوصا جيوش المسلمين بما أنعم الله عليهم من الاجتماع على كلمة الإسلام، وأَن سببه العمل بطاعة الله والصبر في مواطن اللقاء وأَن النصر لا ينال إلا بالصبر.

يقول ابن بشر: " وكان متيقظا بعيد الهمة، يسر الله له من الهيبة عند

1 عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر، طبعة وزارة المعارف سنة 1394 هـ، ج1/ ص 170-171.

2 عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر ج1 ص 83.

ص: 861

الأعداء والحشمة في قلوب الرعايا ما لم يره أحد، وكانت له المعرفة التامة في تفسير القرآن، أخذ العلم عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أقام مدة سنين يقرأ عليه ثم كان يلازم على مجالس الدرس عنده وله معرفة في الحديث والفقه وغير ذلك، بحيث إِنه إذا كتب نصيحة لجميع رعاياه من المسلمين أتى فيها بالعجب العجاب وبهرت عقول أولي الأَلباب، وكان أول ما يصدر النصيحة بالوصية بتقوى الله تعالى ومعرفة نعمة الإسلام ومعرفة التوحيد والاجتماع بعد الفرقة، ثم الحض على الجهاد في سبيل الله، ثم الزجر عن جميع المحظورات من الزنى والغيبة والنميمة وقول الزور والمعاملات الربوية وغير ذلك، وكل نوع من ذلك يأتي عليه بالأدلة من الكتاب والسنة وكلام العلماء، فمن وقف على شيء من مراسلاته ونصائحه عرف بلاغته ووفور علمه، وإذا تكلم في المحافل بنصيحة أو مذاكرة بهر عقل من لم يكن قد سمعه، وخال في نفسه أَنه لم يسمع مثل قوله وحسن منطقه، وعليه الهيبة العظيمة التي ما سمعنا بها في الملوك السالفة، بحيث إِن ملوك الأقطار لا تتجاسر على مراجعته الكلام، ولا ترمقه بأبصارها إعظاما له وهو مع ذلك في الغاية من التواضع للمساكين وذوي الحاجة وكثير المداعبة والانبساط لخواصه وأصحابه

" إلخ ما وصفه به من صفات كريمة، هي من أثر التمسك بعقيدة السلف الصالح1.

1 عنوان المجد في تاريخ نجد ج1/165-176.

ص: 862

وقال الشيخ راشد بن علي الحنبلي في كتابه مثير الوجد في معرفة أنساب ملوك نجد عن الإمام سعود بن عبد العزيز "تولى ملك نجد وجند منها جنودا تزيد على أربعمائة ألف ما بين فارس وراجل، وأَخضع جزيرة العرب، وحاول مناهضة ملوك الدنيا وانتزاع الممالك. وكان مدة حياته لم تهزم له راية، وكان عالما ذكيا يحسن الخط والقراءة، وعليه من الأبهة والهيبة والجلال ما يبهر العقول، وكان فصيحا، إذا تكلم أنصت له كل سامع"1.

وعلى الجملة فهو شجاع فارس صادق في الحديث وعالم راسخ في العلم، وتقي دين، سلم لأولياء الله حرب على أعدائه، اجتمعت فيه ملكات الحكم والإِمارة ومواهب العلم والإمامة رحمه الله تعالى وقد تم على يديه دخول الحجاز في ولاية الدولة السعودية الأولى. وكان انتشار عقيدة السلف الصالح في عهده انتشارا مستمرا وواسعاً حتى شمل الحرمين وساد في أَرجاء الجزيرة وما حولها.

وقد قام الإمام سعود بن عبد العزيز بتقديم كتاب كان موجها إلى سليمان باشا يشرح فيه عقيدة السلف الصالح والتي قام بها الشيخ محمد ابن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود ومن خلفه من أبنائه وفند مطاعن الأعداء وكشف شبهاتهم وأَن كل ما قالوه ضد عقيدة الشيخ وأنصاره

1 مثير الوجد ص 42.

ص: 863

باطل وليس لهم حجة إلا من جنس ما يحتج به أعداء الرسل على الرسل وعلى أَتباعهم إلى يوم القيامة فاطلع عليه أهل مكة وعلماؤهم، ووقع عليه علماء مكة وقضاتها وأرباب الفتوى فيها من جميع المذاهب الأربعة ووقع الشريف غالب بن مساعد على ذلك وكذلك علماء المدينة المنورة، وكلهم يقولون نشهد أن هذا الدين الذي قام به الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ودعانا إليه إمام المسلمين سعود بن عبد العزيز من توحيد الله عز وجل ونفي الشرك الذي ذكره أَنه هو الحق الذي لا شك فيه ولا ريب، الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأن ما وقع في مكة والمدينة سابقا ومصر والشام وغيرها، من البلاد إلى الآن، من أنواع الشرك المذكورة في هذا الكتاب أَنه الكفر المبيح للدم والمال والموجب للخلود في النار، ومن لم يدخل في هذا الدين ويعمل به، ويوالي أهله، ويعادي أعداءه فهو عندنا كافر بالله واليوم الآخر، وواجب على إمام المسلمين والمسلمين جهاده وقتاله حتى يتوب إلى الله مما هو عليه ويعمل بهذا الدين.

ومن هؤلاء المشائخ: الشيخ عبد الملك بن عبد المنعم القلعي الحنفي

مفتي مكة المكرمة، والشيخ محمد صالح بن إبراهيم مفتي الشافعية بمكة، والشيخ محمد بن محمد عربي البناني مفتي المالكية بمكة المشرفة، والشيخ محمد بن أحمد المالكي، والشيخ محمد بن يحيى مفتي الحنابلة بمكة المكرمة وغيرهم1.

1 انظر: الدرر السنية، ج1ص 318-.32.

ص: 864

وبهذا كسر الطاغوت وأرغم الشيطان ولله الحمد، نصر من الله وفتح قريب، وهذا النصر العزيز والفتح المبين هو من آثار عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وفوقه مدخل إلى الجنة كريم إن شاء الله تعالى.

ومن أشهرالعلماء العاملين في زمن الإمام سعود: ابن الشيخ، الشيخ عبد الله العالم الجليل.

قال ابن بشر: "هو الخليفة بعد أخيه حسين والقاضي في بلد الدرعية زمن سعود فكان آية في العلم ومعرفته ومعرفة فنونه"1.

وحصَّل علماً كثيرا حيث أوقف حياته على تحصيل العلم وتعليمه ونشره وأخذ عنه خلق كثير من فطاحل العلماء، وصار مرجع القضاة وله مؤلفات عديدة وفتاوى كثيرة منها رد على بعض علماء الزيدية فيما اعترض به على دعوة التوحيد السلفية، ومختصرة السيرة النبوية، والكلمات النافعة، ورسالة طويلة كتبها حال دخوله مكة المكرمة مع الإمام سعود فاتحاً سنة 1218 هـ اشتملت على بيان عقيدة شيوخ

الدعوة وما هم عليه ورد مفتريات أعداء الإسلام.

جاء في هذه الرسالة: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين، وبعد فإِنا معاشر الموحدين لما من الله علينا وله الحمد بدخول

1 عنوان المجد 1/ 93.

ص: 865

مكة المشرفة نصف النهار يوم السبت في ثامن شهر المحرم الحرام سنة 1218 بعد أن طلب أشراف مكة وعلماؤها وكافة العامة من أمير الغزو سعود الأمان، وقد كانوا تواطؤا مع أمراء الحجيج وأمير مكة على قتاله أو الإقامة في الحرم ليصدوه عن البيت فلما زحفت أجناد الموحدين ألقى الله الرعب في قلوبهم، فتفرقوا شذر مذركل واحد يعد الإياب غنيمة وبذل الأمير حينئذ الأمان لمن بالحرم الشريف ودخلنا وشعارنا التلبية آمنين محلقين رؤوسنا ومقصرين غير خائفين من أحد من المخلوقين بل من مالك يوم الدين، ومن حين دخل الجند الحرم وهم على كثرتهم مضبوطون متأدبون لم يعضدوا به شجرا، ولم ينفروا صيدا ولم يريقوا دما إلا دم الهدي أو ما أحل الله من بهيمة الأنعام على الوجه المشروع ولما تمت عمرتنا جمعنا الناس ضحو الأحد وعرض الأمير رحمه الله على العلماء ما نطلب من الناس ونقاتلهم عليه وهو إخلاص التوحيد لله تعالى وعرفهم أَنه لم يكن بيننا وبينهم خلاف له وقع إلا في أمرين: أحدهما إخلاص التوحيد لله تعالى، ومعرفة أنواع العبادة وأَن الدعاء من جملتها، وتحقيق معنى الشرك الذي قاتل الناس عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، واستمر دعاؤه برهة من الزمان بعد النبوة إلى ذلك التوحيد، وترك الإِشراك قبل أن تفرض عليه أركان الإسلام الأربعة.

والثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لم يبق عندهم إلا اسمه وانمحى أثره ورسمه.

ص: 866

فوافقونا على استحسان ما نحن عليه جملة وتفصيلا وبايعوا الأمير على الكتاب والسنة وقبل منهم وعفى عنهم كافة فلم يحصل على أحد منهم أدنى مشقة ولم يزل يرفق بهم غاية الرفق لا سيما العلماء، ونقرر لهم حال اجتماعهم وحال انفرادهم لدينا أدلة ما نحن عليه، ونطلب منهم المناصحة والمذاكرة وعرفناهم بأن صرح لهم الأمير حال اجتماعهم بأنا قابلون ما وضحوا برهانه من كتاب أو سنة أو أثر عن السلف الصالح كالخلفاء الراشدين المأمورين باتباعهم بقوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي " أوعن الأئمة الأربعة المجتهدين ومن تلقى العلم عنهم إلى آخر القرن الثالث لقوله صلى الله عليه وسلم "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" وعرفناهم أَنا دائرون مع الحق أينما دار وتابعون للدليل الجلي الواضح ولا نبالي حينئذ بمخالفة ما سلف عليه من قبلنا، فلم ينقموا علينا أمرا.

فألحينا عليهم في مسألة طلب الحاجات من الأموات إِن بقي لديهم شبهة. فذكر بعضهم شبهة، أو شبهتين فرددناها بالدلايل القاطعة من الكتاب والسنة حتى أذعنوا ولم يبق عند أحد منهم شك ولا ارتياب فيما قاتلنا الناس عليه أَنه الحق الجلي الذي لا غبار عليه، وحلفوا لنا الأيمان المغلظة من دون استحلاف لهم على انشراح صدورهم وجزم ضمائرهم أَنه لم يبق لديهم شك في أَن من قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يا ابن عباس، أو يا عبد القادر أو غيرهم من المخلوقين طالبا بذلك دفع شر أو جلب

ص: 867

خير من كل ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى من شفاء المريض والنصر على العدو والحفظ من المكروه ونحو ذلك إِنه مشرك شركا أكبر يهدر دمه ويبيح ماله وإِن كان يعتقد أن الفاعل المؤثر في تصريف الكون هوالله تعالى وحده لكنه قصد المخلوقين بالدعاء متشفعاً بهم ومتقربا بهم لتقضى حاجته من الله بسرهم وشفاعتهم له فيها أيام البرزخ، وأَن ما وضع من البناء على قبور الصالحين صارت في هذه الأزمان أصناما تقصد لطلب الحاجات ويتضرع عندها ويهتف بأهلها في الشدائد كما كانت تفعله الجاهلية الأولى، وكان من جملتهم مفتي الحنفية الشيخ عبد الملك القلعي وحسين المغربي مفتي المالكية، وعقيل بن يحيى العلوي فبعد ذلك أزلنا جميع ما كان يعبد بالتعظيم والاعتقاد فيه ويرجى النفع والضر بسببه من جميع البناء على القبور وغيرها حتى لم يبق في تلك البقعة المطهرة طاغوت يعبد فالحمد لله على ذلك ثم رفعت المكوس والرسوم، وكسرت آلات التنباك، ونودي بتحريمه وأحرقت أماكن الحشاشين والمشهورين بالفجور ونودي بالمواظبة على الصلوات في الجماعات، وعدم التفرق في ذلك بأَن يجتمعوا في كل صلاة على إمام واحد، ويكون ذلك الإمام من أحد المقلدين للأربعة رضوان الله عليهم، واجتمعت الكلمة حينئذ، وعبد الله وحده، وحصلت الألفة وسقطت الكلفة، وأمر عليهم، واستتب الأمر من دون سفك دم ولا هتك عرض ولا مشقة على أحد والحمد لله رب العالمين.

ثم دفعت لهم الرسائل المؤلفة للشيخ محمد في التوحيد المتضمنة للبراهين وتقرير الأدلة على ذلك بالآيات المحكمات والأحاديث المتواترة

ص: 868

مما يثلج الصدر واختصر من ذلك رسالة مختصرة للعوام تنشر في مجالسهم وتدرس في محافلهم ويبين لهم العلماء معانيها ليعرفوا التوحيد فيتمسكوا بعروته الوثيقة فيتضح لهم الشرك فينفروا عنه وهم على بصيرة آمنين.

وكان فيمن حضر مع علماء مكة وشاهد غالب ما صار حسين بن محمد بن الحسين الإبريقي الحضرمي ثم الحياني ولم يزل يتردد علينا ويجتمع بسعود وخاصته من أهل المعرفة، ويسأل عن مسألة الشفاعة التي جرد السيف بسببها من دون حياء ولا خجل لعدم سابقة جرم له؛ فأخبرناه بأن مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة وطريقتنا طريقة السلف التي هي الطريق الأسلم بل والأعلم والأحكم خلافا لمن قال طريق الخلف أعلم".

ومضى الشيخ يبين عقيدتهم السلفية في الأصول والفروع في رسالته هذه وهي طويلة ونقلت منها ما نقلت لتضمنه وصفا لأثر عقيدة الشيخ في نشر دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أثنى عليها العلماء وصدقوها وزكوها وما علمت أن أحدا نفى ما جاء فيها من وصف ما جرى وما هو واقع.

يقول محمد كرد علي الدمشقي في كتابه "القديم والحديث " عن هذه الرسالة: "ورسالة عبد الله بن عبد الوهاب التي كتبها حين فتح الحرمين الشريفين شاهد عدل أَنه بريء من تلك الافتراءات التي افتروها على عقائده وعقائد أبيه، وبنوا عليها تلك الزلازل والقلاقل وأن مذهبه

ص: 869

عين مذهب الأئمة المحدثين والسلف الصالحين" 1.

والحق أن الشيخ أنصف ولم يترك لأحد مقالا، وأحال إلى الواقع الذي لا يقدر أحد أن ينكره يقول في رسالته تلك:"ومن شاهد حالنا وحضر مجالسنا، وتحقق ما عندنا علم قطعاً أن جميع ذلك وضعه وافتراه علينا أعداء الدين وإخوان الشياطين تنفيرا للناس عن الإِذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة وترك أنواع الشرك الذي نص الله عليه بأن الله لا يغفره ويغفر ما دونه لمن يشاء".

ويشير إلى ما كذب عليهم من أنهم مخالفون لعقيدة أهل السنة والجماعة في أي مسألة من مسائل العقيدة2.

ومن هؤلاء القضاة في زمن الإمام سعود:

الشيخ عبد الرحمن بن نامي الذي صار قاضيا في بلد العيينة، ثم صار قاضيا في الأحساء زمن سعود وابنه عبد الله3.

والشيخ محمد بن سلطان العوسجي قاضي المحمل صار قاضيا في الأحساء زمن سعود 4 وقد حصل في التوحيد والتفسير والحديث والفقه

وأصول هذه العلوم، وقام بنشر عقيدة السلف الصالح في الاحساء5.

1 نقلا عن هامش عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر تهميش عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ ص 164 ط المعارف 1394 هـ.

2 انظر: نص رسالة الشيخ عبد الله كاملا في الدرر السنية ج1ص 123- 134.

3 عنوان المجد في تاريخ نجد 1/94.

4 عنوان المجد في تاريخ نجد 1/94.

5 علماء نجد خلال ستة قرون 3/809.

ص: 870

والشيخ عبد الرحمن بن عبد المحسن أبا حسين الذي صار قاضيا في حريملاء وبلَدِ الزلفي وغيرهما زمن سعود وابنه عبد الله1.

وعن الأثر العمراني والحضاري لهذه العقيدة السلفية التي لا ينسى صاحبها نصيبه من الدنيا ويحسن كما أحسن الله إليه- يحدثنا المؤرخ ابن بشر عن مثال رآه وشاهده فيقول:"ولقد رأيت في الدرعية بعد ذلك في زمن سعود رحمه الله تعالى وما فيه أهلها من الأَموال وكثرة الرجال والسلاح المحلى بالذهب والفضة الذي لا يوجد مثله، والخيل الجياد والنجايب العمانيات والملابس الفاخرة وغير ذلك من الرفاهيات ما يعجز عن عده اللسان ويكل عن حصره الجنان والبنان ولقد نظرت إلى موسمها يوما في مكان مرتفع، وهو في الموضع المعروف بالباطن، بين منازلها الغربية التي فيها آل سعود، والمعروفة بالطريف، ومنازلها الشرقية المعروفة بالبجيري، التي فيها أبناء الشيخ، ورأيت موسم الرجال في جانب وموسم النساء في جانب وموسم اللحم في جانب وما بين ذلك من الذهب والفضة والسلاح والإبل والأغنام والبيع والشراء، والأخذ والعطاء وغير ذلك، وهو مد البصر، لا تسمع فيه إلا كدوي النحل من النجناج، وقول: بعت وشريت، والدكَاكِين على جانبيه الشرقي والغربي وفيها من الهدم والسلاح والقماش مالا يعرف ولا يوصف2.

1 عنوان المجد في تاريخ نجد 1/94.

2 تاريخ نجد 1/13، 14.

ص: 871

"وكان قوة هذه البلد وعظم مبانيها، وقوة أهلها وكثرة رجالها وأموالها لا يقدر الواصف صفتها، ولا يحيط العارف بمعرفتها، فلو ذهبتُ أعد رجالها وإقبالهم فيها وإدبارهم في كتائب الخيل والنجائب العمانيات وما يدخل على أهلها من أحمال الأموال من سائر الأجناس التي لهم مع المسافرين من أهلها، ومن أهل الأقطارلم يسعه كتاب ولرأيت العجب العجاب، وكأن الداخل في موسمها لا يفقد أحدا من أهل الآفاق من اليمن وتهامه والحجاز، وعمان والبحرين وبادية الشام، ومصر وأناس من حاضرتهم، إلى غير ذلك من أهل الآفاق ممن يطول عدهم، هذا داخل فيها وهذا خارج منها، وهذا مستوطن فيها. وكانت الدور لا تباع فيها إلا نادرا، وأثمانها سبعة آلاف ريال وخمسة الآف ريال والداني بألف ريال وأقل وأكثر وكل شيء بقدره، على هذا التقدير، وكروة الدكان الواحد في الشهر خمسة وأربعون ريالا وسائر الدكاكين الواحد بريال في اليوم، وشيء نصف ريال، وذكر لي أن القافلة من الهدم إذا أتت إليها، بلغت كروة الدكان في اليوم الواحد أربعة أريل، وأراد رجل منهم أن يوسع بيته ويعمره، فاشترى نخيلات تحت هذا البيت، يريد قطعها وتعمير موضعها، كل نخلة بأربعين ريالا وخمسين ريالا، فقطع النخل وعمر البيت، ولكنه وقع عليه الهدم1 قبل تمامه.

1 يعني هدم الدرعية على يد إبراهيم باشا.

ص: 872

وذكر لي من أثق به أن رجلا من أهل الدرعية قال له: إني أردت ميزابا في بيتي، فاشتريت خشبة طولها ثلاثة أذرع بثلاثة أريل، وأجرة نجره وبناه ريال. وكان غلا الحطب فيها والخشب إلى حد الغاية حتى قيل إن حمل الحطب بلغ خمسة أريل وستة، والذراع من الخشبة الغليظة بريال وكل بيوتها مقاصير وقصور. كأن ساكنيها لم يكونوا من أبناء ساكني القبور. فإذا وقفت في مكان مرتفع ونظرت موسمها وكثرة ما فيها من الخلائق وتزايلهم فيه وإقبالهم وإدبارهم ثم سمعت رنتهم ونجناجهم فيه فكأنه دوي السيل القوي إذا صب من عالي جبل"1 اهـ.

لا شك أن هذا الوصف يصور تطورا عمرانيا وحضاريا متفوقا على جميع الأقطار من حولهم حيث كان الداخل في موسمها لا يفقد أحدا من أهل الآفاق من اليمن وتهامة والحجاز، وعمان والبحرين، وبادية الشام ومصر وأناس من حاضرتهم

، إلى غير ذلك من أهل الافاق ممن يطول عدهم الخ كلام ابن بشر الذي رأى ذلك زمن الإمام سعود.

وأما الإمام عبد الله بن سعود؛ فيقول الشيخ راشد بن علي بن جريس في كتابه " مثير الوجد في معرفة أنساب ملوك نجد" بعد أن ذكر وفاة الإمام سعود بن عبد العزيز سنة 1229 هـ؛ قال:

" لما توفي الإِمام سعود تولى الإمامة بعده ابنه عبد الله بن سعود

1 عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر 1 ص 214.

ص: 873

فسار سيرة والده إلَاّ أَنَّ إخوته لا يوافقونه على إرادته وكان لا يخالفهم ونازعه أخوه فيصل بن سعود فكان يأمر وفيصل يأمر، فتفرقت شوكتهم ونفرمنهم فئام من العرب، واتسع الخرق في قوتهم، فحاربتهم الدولة المصرية، وانحاز إلى المصريين أكثر العرب من نجد والحجاز واليمن والعراق والشام وكان عبد الله شجاعاً ديناً عفيفاً كريماً سخياً، إلا أنه ليس له من الرأي والألمعية كما لوالده، فلذلك أضاع من سياسة الرعية شيئا عظيما فوافاه القدر المحتوم فتوفي في مدينة قسطنطينية سنة 1233هـ"1.

وقال ابن بشر: "وهذا الذي ذكرت من جهة الأمن وطاعة الحاضر والباد وغير ذلك اتفق في زمن عبد العزيز وزمن ابنه سعود وصدر من ولاية عبد الله"2.

حاصل أثر عقيدة الشيخ في هذا الدور:

يمكننا تحصيل أبرز آثار عقيدة الشيخ في هذا الدور من أدوار دولة أنصارها في نقاط هي: إشراق نور الحق من نجد، وإمامة الأئمة والملوك من آل سعود، وتحقيق أَن منهج السلف يأتي بالخلافة في الأرض، وتحقيق أَن عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية قامت عليها دولة عظيمة فاقت أهل زمانها، وهي صالحة لأن تقوم عليها دولة عصرية تفوق أهل هذا الزمان بحول الله وقوته.

1 ص 42.

2 عنوان المجد 1/ 128.

ص: 874

وهذه النقاط يمكن استعراضها بشكل موجز فيما يلي:

إشراق نور الحق من نجد:

لقد أشرق نُورُ الحق وأضاء نور هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أثار طواغيت العالم حوله القتام من نجد هذه المرة كما قال حسين بن غنام:

تلألأ نور الحق وانصدع الفجر

وديجور ليل الشرك مزقه الظهر

وشمس الأماني أشرقت في سعودها

ولاح بأفق السعد أنجمه الزهر

وجلا ظلام الخطب بيض صنائع

كأن سناها في غياهبه بدر

وأسفر وجه الوقت بعد تعبس

وحالت بصنع الله أَحواله الكدر

إلى أن قال:

تشعشع من خمسين عاما ضياؤه

ولم تبق أرض ليس فيها له ذكر1

ومن عادة المؤرخين أنهم لا يهتمون في تاريخهم بتدوين الحوادث في الأزمنة والأمكنة ما لم تكن لها دولة ذات شأن، ولذا فإن الباحث في أية ناحية من نواحي التاريخ المتعلقة ببلاد نجد وما جاورها في القرون التي تلت القرن الثالث الهجري حتى زمن ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعوزه المصادر ولا يرى اهتماما من المؤرخين بحوادثها، وكل من كتب من المؤرخين المحدثين يبني تاريخه على الشهرة القديمة في صدر الإسلام ويعول على ما ذكره متقدمو المؤرخين عنها 2، أما بعد أن

1 روضة الأفكار، ج 2 ص 237، وص 340.

2 انظر: حمد الجاسر في كتابه: مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ ص 45- 79، 80- 100، ومقدمته لتاريخ بعض الحوادث لابن عيسى ص 5- 6.

ص: 875

أنعم الله على هذه البلاد بظهور دعوة الشيخ إلى عقيدة السلف الصالح وإصلاح ما فسد وانحرف من عقائد الناس على أيدي الغر الميامين آل سعود فقد عمت بركتها وشمل يمنها الجزيرة وما جاورها وبلغت أقصى أقطار المعمورة وكان ذلك موضع اهتمام المؤرخين والعلماء فكان همهم الأكبر فهم حقيقة تلك النهضة التي هي حقيقة الإسلام خالصا من كل شائبة.

وكان أول من قام بتدوين تاريخ قيام هذه النهضة المباركة وتصوير كفاح أولئك الأبطال الذين حموا حوزتها، ودافعوا عنها بالنفس والنفيس عالم جليل من بلاد الأحساء هوالشيخ حسين بن غنام (ت 1225هـ) فسجل حوادث ما يزيد على نصف قرن من الزمان، وجاء بعده عالم جليل آخر هو عثمان بن بشر (1210-1290هـ) فسجل أهم حوادث أكثر من قرن كامل من الزمان بطريق التسلسل، (من سنة 1158 إلى سنة 1268هـ)1.

ويلاحظ أن ابن بشر قد خصص كتابه لتاريخ تلك النهضة المباركة

1 إبراهيم بن صالح بن عيسى، عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث والعبر في آخر القرن الثالث عشر والرابع عشرعام 1372 باشراف عبد الله الحاتم ص 101. وانظر: حمد الجاسر: مقدمته لتاريخ بعض الحوادث.. لابن عيسى ص 5-7، وعلماء نجد

3/ 700، 703.

ص: 876

والدولة الميمونة وما دونه من نتف قبلها اعتبرها سوابق سبقت تلك العصور الزاهرة وقال: "إنما دونتها ليعرف من وقف عليها نعمة الإسلام والجماعة والسمع والطاعة ولا تعرف الأشياء إلا بأضدادها"1.

ويرى الدكتور منير العجلاني أن مبدأ تاريخ نجد الحديث والجزيرة العربية والشرق الأدنى هو من السنة التي هاجر فيها الشيخ محمد ابن عبد الوهاب إلى الدرعية قال: "ففيها بدأت نجد تكتشف نفسها، وتعي رسالتها، وتصنع وحدتها، وتبني نهضتها، وقبل ذلك وحتى القرن الثاني عشر، كانت (نجد) تعبيرا تاريخيا أو (جغرافيا) في الكتب القديمة، وأما في الواقع فما كان شيء يذكر بوحدتها أو وجودها

وإنما كانت هناك مجموعة كبيرة من الإمارات والمشيخات تنفرد كل واحدة منها بسلطانها، وتعتز باسمها ولا ترى شيئا فوقه، وقد تتحالف أحيانا لقتال الآخرين واستباحة ديارهم وأموالهم، ولكنها متى فرغت من قتال عدوها عادت تتقاتل فيما بينها، ولما يجف مداد عهدها ودم جندها".

إلى أن قال: "فلما تأسست دولة الإسلام في الدرعية، أخذت الصفوف تتجمع والبلدان تتوحد، فنشأت وحدة في العارض، ثم وحدة في نجد، ثم توسع مدلول نجد نفسه، فنشأت دولة نجد الكبرى إن صح هذا التعبير "2.

1 ابن بشر 1/ 157، 158.

2 تاريخ البلاد العربية السعودية ص 35، 36، 40، 41، 42.

ص: 877

ولقد أيد الدكتور العجلاني هذا الرأي بنقول عن صحيفة "الخليج الفارسي " وعن الدكتور فيليب حتى في كتابه "تاريخ العرب"، وعن "دائرة المعارف الإسلامية النسخة الإنكليزية، الطبعة الجديدة"1.

وإذا اعتبرنا- وهو اعتبار صحيح يؤيده الواقع التاريخي- أن وجود العلماء والمؤرخين إنما يكون بقيام الدول الإسلامية لأن من شأنها الاستقرار والعدل والقضاء على الظلم والجهل فإننا نستطيع القول بأن التاريخ أشرق مرة أخرى بقيام دولة آل سعود بنصرعقيدة السلف الصالح منذ عقد الإمامان المحمدان العهد بينهما على نصرة دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عام 1158هـ.

إمامة الأئمة والملوك من آل سعود وتاريخهم:

قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .

فمن آتاه الله الملك وسار فيه على النهج السوي كانت له هيبة مأثورة ومكانة مرهوبة وأنساب محفوظة، وتاريخ مجيد، وآل سعود منذ آووا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ونصروه في دعوته إلى عقيدة أهل السنة والجماعة، قد جعل الله لهم ملكا قائما وتاريخا مجيدا بالفضائل مشرقا، ودونت أنسابهم وسلسلت أَعلامهم في مشجرات الأنساب،

1 انظر: ص 42- 45 من المرجع السابق.

ص: 878

وحفظت في تواريخ ومؤلفات ومن هذه المؤلفات كتاب: "مثير الوجد في معرفة أنساب ملوك نجد"، تأليف شيخ من أفاضل السلفيين هو راشد بن علي الحنبلي من آل جريس من قرية نعام ومن أهل القرن الثالث عشر كان معاصرا لصديق حسن خان وله ترجمة في "التاج المكلل" لصديق حسن خان1.

ولعل الدكتور منير العجلاني لم يطلع على هذا الكتاب فإِنه في بحثه نسب آل سعود، قصر سلسلة نسبهم على مانع الجد السابع لمحمد بن سعود، وقال:"هذه هي سلسلة النسب التي نجدها في كل كتاب يبحث في تاريخ الدولة السعودية لأنها قريبة العهد، وأما ما فوق مانع من الآباء، فبعض المؤلفين يهمله وبعضهم ينقص منه، وبعض يغلط فيه، ولكن المؤلفين يجمعون على أن مانعاً يتحدر من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان"2.

ثم عدد الدكتور العجلاني المراجع التي اطلع عليها وناقش ماورد

فيها من معلومات ومشجرات لهذا النسب ولم يذكر "مثير الوجد في معرفة أنساب ملوك نجد" هذا، وهو لعالم من علماء النسب في نجد

1 انظر: مقدمة محب الدين الخطيب، لكتاب مثير الوجد، ط السلفية بالقاهرة 1379هـ ص 3- 8. وانظر: التاج المكلل ص 517. ط. الهند عام 1382 هـ.

2 تاريخ البلاد العربية السعودية ص 67.

ص: 879

الأثبات كما يبدو من ترجمته1، وقد ذكرفيه مشجر ربيعة وتميم الذي تضمن ذكر من فوق مانع حتى ربيعة2، وفي ظني أنه مشجر صحيح.

وعلى كل حال فإن ذلك الغموض في تاريخ من فوق محمد بن سعود يؤكد بأن هذه الأسرة الكريمة لم يظهر صيتها، ولم يهتم بها المؤرخون حتى آتى الله آل سعود الملك ببركة إتفاق جدهم محمد بن سعود مع محمد ابن عبد الوهاب على نصرة الإسلام.

يقول الدكتور العثيمين: " إن تاريخ الأسرة السعودية في بلدة الدرعية يعود إلى منتصف القرن التاسع الهجري وكان جد هذه الأسرة مانع المريدي، مقيماً في مكان يقال له الدرعية ناحية القطيف، وكان ابن عمه، ابن درع، مستقراً في حجر اليمامة، ونتيجة لمراسلات بينهما انتقل مانع إلى منطقة نفوذ ابن عمه سنة 850" اهـ3.

ويقول أيضاً: "والمتأمل في تاريخ هذه الأسرة خلال أكثرمن قرنين ونصف القرن يجد أنه لا يختلف عن تاريخ كثير من الأسر التي كانت في نجد آنذاك على العموم: كانت هذه الأسرة في بدايتها ضعيفة،

1 المصدر السابق ص 67- 79، وعلماء نجد خلال ستة قرون للشيخ البسام 1/257-260، وروضة الناظرين عن مآثر علماء نجد لمحمد القاضي1/104-105. والتاج المكلل.. لصديق حسن ص 517.

2 مثير الوجد في معرفة أنساب ملوك نجد ص 30-39.

3 الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص 51.

ص: 880

ثم قويت وتوسعت على حساب جيرانها آل يزيد- وكغيرها من الأسر قام بين أفرادها صراع حول السلطة والنفوذ حتى ضعف مركزها، وانتقلت رئاسة بلدة الدرعية إلى رجل من خارج هذه الأسرة يسمى سلطان بن محمد القبس سنة 1107 هـ، وعلى أية حال؛ فإن رئاسة البلدة عادت بالقوة إلى أصحابها السابقين بعد ثلاثة عشر عاما وأصبح موسى بن ربيعة أميرا لكنه ما لبث أن أبعد عن الإِمارة وحل محله سعود بن محمد بن مقرن، وحين توفي سعود سنة 1137 هـ لم يتول ابنه محمد الإِمارة بعده وإنما تولاها زيد بن مرخان على أن محمداً كان له تأثير قوي على سير الحوادث في الإِمارة، وكان قد حل بالعيينة وباءٌ سنة 1138 هـ مات فيه أميرها عبد الله بن معمر وعدد كبير من رجالها واستغلالا لذلك أخذ زيد بن مرخان يعد العدة لمهاجمتها، لكن خطته فشلت حين استدرجه أمير العيينة الجديد محمد بن معمر وقتله غدرا في السنة التالية وحينما عاد بقية من كانوا معه إلى الدرعية بقيادة محمد بن سعود أصبح هذا الأخير أميراً لها" 1.

ويقول الدكتور العجلاني: "وبقي محمد بن سعود رئيسا للدرعية قبل هجرة الشيخ إليها نحو عشرين سنة أي منذ عام 1139 هـ إلى عام

1157 هـ ولسنا نعرف شيئا من أخبار هذه الفترة الطويلة، ولعله لم

1 المصدر السابق ص 52، 53.

ص: 881

يكن فيها شيء يستحق الذكر" اهـ1.

هذا هو تاريخ الأسرة السعودية فقبل قيامها بدين الله على منهج السلف الصالح نجده تاريخا لا يختلف عن تاريخ أي أسرة من الأسر النجدية الأخرى التي كانت كل واحدة منها دولة وفي كل بلدة من بلدانها إمارة أو مشيخة.

تحقيق أن منهج السلف الصالح يأتي بالخلافة في الأرض:

لما قام آل سعود بدين الله على منهج السلف الصالح وفازوا على غيرهم بإِيواء حامل لوائه ونصرته ووفوا بما عاهدوا عليه الله آتاهم الله الملك، واستخلفهم في الأرض كما قال تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} الآية (النور: 55) .

فكانت لهم مكانة مرهوبة وهيبة مأثورة وأنساب وتاريخ محفوظ ولا غرو في ذلك لأنهم نصروا منهج السلف الصالح وامتازوا بذلك على غيرهم، ومنهج السلف الصالح هو الأساس في بناء الأمة الإِسلامية وهو قطب رحاها فكما أن الأمة الإِسلامية وسط بين الأمم فكذلك منهج السلف الصالح وسط بين المناهج والفرق الإِسلامية، والدين الراشد هو الأمر الوحيد الذي ينقاد له العرب، وبالدين يأتيهم الملك كما قرر

1 تاريخ البلاد العربية السعودية ص 63.

ص: 882

هذا عالم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون في "مقدمته"، فقال:

"إن العرب لا يحصل لهم الملك إلَاّ بصبغة دينية من نبوَةٍ أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة، والسبب في ذلك أنهم لخلق التوحش الذي فيهم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض، للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرئاسة، فقلما تجتمع أهواؤهم، فإذا كان الدين بالنبوة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم فسهل انقيادهم واجتماعهم وذلك بما يشملهم من الدين المذهب للغلظة والأنفة، الوازع عن التحاسد والتنافس فإذا كان فيهم النبي أو الولي الذي يبعثهم على القيام بأمر الله يذهب منهم مذمومات الأخلاق ويأخذهم بمحمودها ويؤلف كلمتهم لإِظهار الحق تم إجتماعهم وحصل لهم الملك والتغلب"1.

وقال أيضا: "إن الدولة العامة الاستيلاء، العظيمة الملك أصلها الدين إما من نبوة أودعوة حق، وذلك لأن الملك إنما يحصل بالتغلب، والتغلب إنما يكون بالعصبية واتفاق القلوب وتأليفها إنما يكون بمعونة من الله في إقامة دينه قال تعالى:{لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} وسره أن القلوب إذا تداعت إلى أهواء الباطل والميل إلى الدنيا حصل التنافس وفشا الخلاف، وإذا انصرفت إلى الحق ورفضت الدنيا والباطل

1 مقدمة ابن خلدون ص 151.

ص: 883

وأقبلت على الله اتحدت وجهتها فذهب التنافس وقلَّ الخلاف، وحسن التعاون والتعاضد واتسع نطاق الكلمة لذلك فعظمت الدولة" 1 اهـ.

وهكذا فإن دولة آل سعود التي عظمت إنما أصلها الدين، أصلها الدعوة إلى الإِسلام والسنة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب فقبلوها وأقاموها خالصة من أي شيء يخالف عقيدة السلف الصالح ونهجهم السليم.

إن الشيخ وابن سعود وأتباعهم قصدوا إقامة دين الله ونشر الإِسلام وإقرار السنة وإماتة البدعة فجعل الله سبحانه وتعالى لهم عاقبة حميدة ونصرهم في نهاية جهادهم وأوصلهم ما كانوا يأملون به رغم كثرة الخصوم وشراستهم، وعداوة الأمراء والملوك من حولهم لهم ولما قاموا به، بالإضافة إلى استمرار معارضة علماء السوء وما أكثرهم وابتلاء الأمة بأشخاص عرفوا بالعلم والديانة ثم انسلخوا من أداء الأمانة وقول الصدق وشهادة الحق في شأن الشيخ وأنصاره وما دعوا إليه من الدين وراحوا يشبهون ويفترون على الإِسلام والمسلمين، ولم تحل خشية الله بينهم وبين كتمان ما أنزل الله من البينات بل لم تحل بينهم وبين افتراء الكذب ولبس الحق بالباطل.

ومع ذلك فإن الله سبحانه وتعالى كتب لدعوة الشيخ النجاح ولمناصريه العز والتمكين ولخاذليه الذل والإِزالة فها هو عثمان بن معمر

1 مقدمة ابن خلدون ص 157.

ص: 884

الذي طرد الشيخ مهابة من ملك الأَحساء، يجد نفسه وقد ذهبت عنه تلك المهابة وبطل عنه كل ما كان يجد من دون الله تعالى وما وجد غير أن يأتي إلى الدرعية نادما تائبا يرجو من الشيخ أن يعود معه، ثم لما رأى بالبصيرة أن اغتنام بقاء الشيخ قد فاته وظفر به ابن سعود1 لم يجد بدا من أن ينضوي تحت لواء ابن سعود يجاهد في سبيل الله، وهذا مقتضى العقل وعين الحق الذي لا مفر منه ثم نلمح الوفاء والكرم من الشيخ ومحمد بن سعود يكرمون هذا العزيز الذي ذل ويجعلونه أمير الغزو كله بمثابة القائد العام للجيوش التي هي عدد الأمة وعدتها يريدون بذلك إعادة اعتباره بين قومه، والإِبقاء على مكانته وإشباع طموحه في الزعامة والذي كان هو سبب ضعفه عن نصرة الإِسلام عسى أن يجد في الإِسلام ما فقده في غيره وعسى أن يغتبط بهذا الفضل وينسى ما يطمح إليه وقد قصر عن مستواه2، ولكنه ظل متأرجحاً بين الحق والباطل ثم أدركه حب الرياسة والاستقلال، وأعمته الأنفة عن طريقه الذي سلكه وهو الصواب، ولم يصبر على ما توهم أنه تبعية مذلة لابن سعود وابن عبد الوهاب فنزعت به نفسه إلى سلوك ما يريب منه ويشينه ويفتح عليه باب المؤاخذة والعقوبة فيقتله بعض جماعته من أهل العيينة بسبب ذلك3، والعيينة يحرسها الله

1 روضة ابن غنام 2/ 4.

2 ابن بشر، عنوان المجد 1/ 21، وروضة ابن غنام 2/9، 10، 11، 12، 13، 14.

3 المرجع السابق ابن بشر 1/23، 24. وروضة ابن غنام 2/ 9، 10، 11، 13،14.

ص: 885

بولائها للشيخ وابن سعود من استشراء الفتن فيها وتمزيقها لها فما كان إلَاّ أن تداركها الله بسرعة مجيء الشيخ إليها وتعيين أمير يخلف الراحل وتستمر العيينة بأهلها في مسيرتها تحت لواء الدعوة استمرارا يسحق ما يقف في طريقها حتى ولو كان الواقف في طريقها أميرهم عثمان1 أو قصر آل معمر فيها2.

وفشلت كل معارضات علماء السوء النجديين، وخططهم وسعاياتهم، وانكشفت تشبيهاتهم وزهق باطلهم بانتشار دعوة الحق ودولتها حتى انهزم أمير الرياض وافتتحها عبد العزيز بن محمد بعد حروب استمرت حوالي ثمانية وعشرين عاماً تخللتها فترات صلح يلجأ إليها دهام ابن دواس حين يحس بضعف موقفه فيظهر الطاعة ثم ينكث وأخيرا هرب منها فأدخلوها تحت حكمهم الراشد، وغنموا ما فيها من عائدات الدولة3.

وخاضت دولة الدعوة معارك في زمان محمد بن سعود كثيرة مع أعداء كثيرين وشرسين من أعظمهم في زمان محمد بن سعود ثلاثة أمراء: أمير الرياض وأمير نجران وأمير الأحساء فكانا يشتركان بالهجوم على الدرعية، وينضم معهم كثير من بلدان نجد وبواديها يرمونهم عن قوس

1 روضة ابن غنام 2/ 14.

2 روضة ابن غنام 2/57. وابن بشر في عنوان المجد 1/ 43.

3 روضة ابن غنام 2/83-88.

ص: 886

واحدة، وكانت نهاية النجراني ومن تبعه الخذلان عام 1188- 1189 هـ في ولاية عبد العزيز خذلانا عظيما ويرجع إلى بلاده مقهورا مدحورا هالكا1.

أما أمير الأحساء الذي كان يخشاه ابن معمرفقد هلك بعد أن أذله الله وقام خلفه عرعر بن دجين وجمع جموعاً من عشائر بني خالد وعددا كبيرا من بلدان نجد المناوئين من أهل سدير والوشم والرياض والخرج وغيرهم وبواديهم من عنزة والظفير وتحزبوا أحزابا هائلة اشرأب الباطل لها ونقضت عهود لأجلها ووقعت بينه وبين أهل الجبيلة والدرعية عدة وقائع وقتل من جنده عدة قتلى ولم يحصل على طائل فنكس على عقبيه قد فشل وفشل من نقض العهد لأجله2، ثم عاد مع النجراني وأتباعه ليحارب ابن سعود معه ولكن الله لم يوفق بينه وبين النجراني فلم يدرك شيئا مما أراده ورجع إلى الأحساء3.

ثم إن سعدون بن عريعر الذي تولى أمر الأحساء بعده جاء ليحارب ابن سعود مساعدة لأعدائه ومعه المدافع ولم يفز ورجع إلى بلاده وترك مدافعه في اليمامة فغنمها أهل الإِسلام وذلك في سنة خمس وتسعين ومائة وألف4.

1 روضة ابن غنام 2/88-89، 1 9-93.

2 روضة ابن غنام 2/68-72.

3 روضة ابن غنام 2/66-68.

4 روضة ابن غنام 2/ 110.

ص: 887

ثم في سنة مائتين وألف دب الخلاف والفتن بين بني خالد بما كسبت أيديهم فصار ذلك لعز الإِسلام مقدمة واستولت دولة الدعوة على الأحساء وما حولها1، ثم تجمعت أحزاب ثويني من بغداد وعلماء السوء لديه فهاجموا الأَحساء فهزمهم الله على يد آل سعود تحت راية التوحيد.

وهكذا تم القضاء على بقية الأمراء الذين وقفوا في وجه الإِسلام وطما على بلدانهم ملك أنصاره؛ كما جرى للسابقين الأَولين، وكما قال الله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} الآية (النور: 55)

والحمد لله رب العالمين.

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في نصيحته للإمام عبد الله بن فيصل: "تفهم أن أول ما قام به جداك محمد وعبد الله وعمك عبد العزيز أنها خلافة نبوة يطلبون الحق ويعملون به ويقومون ويغضبون له ويرضون ويجاهدون، وكفاهم الله أعداءهم على قوتهم، إذا مشى العدوكسره الله قبل أن يصل لأنها خلافة نبوة ولا قاموا على الناس إلا بالقرآن والعمل به كما قال تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} وأخذ عمك في الإسلام

1 الدرر السنية 11/47. وانظر: عنوان المجد، لابن بشر ص 124، 128.

ص: 888

حتى جاوز الثمانين في العمر، والإسلام في عز وظهور وأهله يزيدون وحصل لهم مضمون قوله {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} وصار أهل الأمصار يخافونهم" 1.

وما من شك أن عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية هي التي قامت عليها هذه الدولة العظيمة، فإنه لم يتوف إلا ومنطقة الأحساء تكاد كلها تخضع لها2.

وقد استمرت هذه الدولة في تطور عظيم كلما قامت بنشر العقيدة السلفية وحمايتها ولقد يسر الله من يقوم بنشرها من العلماء والأمراء حتى بعد وفاة الشيخ محمد سنة 1206 هـ كما كانوا في حياته على ما قدمنا ذكره حتى تمكنت دولة العقيدة السليمة من ضم الأَحساء ومناطق كبيرة من الساحل الغربي للخليج العربي وعمان كما تمكنت من صد حملتين عسكريتين وجههما إليها باشا بغداد، واستطاعت أيضاً أن تستولي على الحجاز وما يقع إلى الجنوب منه حتى أواسط اليمن وتمكنوا من صد الحملة المصرية وهزيمتها، في حياة سعود وبتلك العقيدة في أقل من عشرين عاما من وفاة الشيخ أصبحت مساحة دولة الدرعية تمتد من الشام والعراق شمالا حتى أواسط اليمن جنوبا ومن البحر الأَحمر غربا حتى الخليج العربي

1 الدرر السنية 11/47 وانظر: عنوان المجد، لابن بشر ص 124، 128.

2 عنوان المجد 1/128.

ص: 889

وأواسط عمان شرقا، وبذلك تعدى نفوذ سلطانها خارج جزيرة العرب وأصبحت تشن الغارات داخل الأراضي العراقية والشامية حتى بات كثير من القبائل الموجودة هناك تدفع إليها الزكاة1.

قال الشاعر:

وقد ملكوا نجدا وغوراً واتهموا

وشاماً إلى البصرى بل الغربَ والشرْقَا

حنيفية في دينها سَلفية

وكانوا أولي بأس فسلْ كل من تَلْقَى2

مجمل إصلاحات الشيخ السلفية:

والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هو الذي دعى إلى عقيدة السلف الصالح وقام معه أنصاره بهذا الدين على حين غربة فنشره الله في الآفاق وبارك الله في جهوده وجهاده فكل امرىء أخذ منه حظه وقسمه وبعثت العمال لقبض الزكاة بعد أن كانوا يسمون قبل ذلك عند الناس مكاسا وعشارا، ونشرت راية الجهاد بعد أن كانت فتنا وقتالا، وعرف الصغير والكبير التوحيد بعد أن كان لا يعرفه إلا الخواص، واجتمع الناس على الصلوات والدروس والسؤال عن أصل الإسلام وشروط الصلاة وأركانها وواجباتها ومعاني قراءتها وتعلمها الصغير والكبير والقارئ والأمي بعد أن كان لا يعرفها إلا الخصائص، وانتفع بعلمه أهل الآفاق لأنهم يسألون عما يأمر به وينهى عنه، فيقال لهم يأمر بالتوحيد وينهى عن

1 انظر الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره للدكتور العثيمين ص 65.

2 الدرر السنية لابن قاسم 12/ 30.

ص: 890

المنكر، ويقال لهم إِن أهل نجد يمقتونكم بذلك، فانتهى أناس كثير من أهل الآفاق بسبب ما سمعوا من أوامره ونواهيه وهدم المسلمون جميع القباب والمشاهد التي بنيت على القبور وغيرها من جميع المواضع الشركية في أقاصي الأقطار من الحرمين واليمن وتهامة وعمان والأحساء ونجد وغير ذلك، حتى لا تجد فيمن شملته ولاية المسلمين الشرك الأصغر فضلا عن غيره إلا الرياء الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:"إنه أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل" وأمر جميع أهل البلدان من أهل النواحي يسألون الناس في المساجد كل يوم بعد صلاة الصبح وبين العشاءين عن معرفة ثلاثة الأصول: معرفة الله ومعرفة دين الإسلام ومعرفة أركانه وما ورد عليها من الأدلة من القرآن ومعرفة محمد صلى الله عليه وسلم ونسبه ومبعثه وهجرته وأول ما دعا إليه وهي: لا إله إلا الله، ومعرفة معناها، والبعث بعد الموت وشروط الصلاة وأركانها وواجباتها وفروض الوضوء ونواقضه وما يتبع ذلك من تحقيق التوحيد من أنواع العبادة التي لا تنبغي إلا لله كالدعاء والذبح والنذر والخوف والرجاء والخشية والرغبة والرهبة والتوكل والإنابة وغير ذلك كما سبق ذكره، وذلك يسأل عنه الناس ويلزمون بتعلمه كل على قدر مستواه.

وكان الشيخ هو المرجع في أمور الدين وما يتعلق به من الأمور الأخرى، فهو المرجع في شئون الإِفتاء، وكان هو الذي يختار القضاة ويعينهم، كما كان يرسل المرشدين إلى المناطق المختلفة ويبعث العلماء

ص: 891

لمناقشة من يود أن يعرف ما كان يدعو إليه كما طلب الشريف فأرسل إليه الشيخ عبد العزيز الحصين وغيره وقد شرح لعلماء مكة حقيقة الدعوة، وللشيخ دور كبير في تدريس وتخريج كثير ممن أصبحوا قادة في ميادين العلوم الدينية المختلفة وقاموا بأدوار إصلاحية هامة1.

وكان رحمه الله تعالى هو الذي يجهز الجيوش ويبعث السرايا ويكاتب أهل البلدان ويكاتبونه، والوفود إليه والضيوف عنده والداخل والخارج من عنده2.

ولم يزل الشيخ مجاهدا حتى أَذعن أهل نجد وتابعوا، وعمل فيها بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبايعوه، فعمرت نجد بعد خرابها وصلحت بعد فسادها ونال الفخر والملك من آواه، وصاروا ملوكا بعد الذل والتفرق والقتال وهكذا كل من نصر الشريعة من قديم الزمان وحديثه فإِن الله يظهره على أعدائه ويجعله مالكا لمن عاداه، وما مات إلا وقد قرت عينه بنصر الله لدين الإسلام فكان كثيرا ما يتمثل شاكرا لربه بثلاثة أبيات هي:

بأي لسان أشكر الله إنه

لذو نعمة قد أعجزت كل شاكر

حباني بالإسلام فضلا ونعمة

علي وبالقرآن نور البصائر

وبالنعمة العظمى اعتقاد ابن حنبل

عليها اعتقادي يوم كشف السرائر3

1 الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره للدكتور العثيمين ص 71 بتصرف.

2 ابن بشر، عنوان المجد 1/ 90. والدرر السنية 11/ 31.

3 ابن بشر، عنوان المجد 1/ 91.

ص: 892

ويلهج دائما بقوله تعالى: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وكان قد ثقل في آخر عمره. فكان يخرج لصلاة الجماعة يتهادى بين رجلين حتى يقام في الصف. فكان لا يزال قدوة حتى وهو في هذه الحال، إلى أن توفي رحمه الله تعالى.

ويمكننا أن نتبين مجمل إصلاحات الشيخ السلفية حسبما ذكره الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن ذلك، فقال رحمه الله:

"فأتاح الله بمنه في هذه البلاد النجدية والجهات العربية من أحبار الإسلام وعلمائه الأَعلام من يكشف الشبهة، ويجلو الغمة وينصح الأمة، ويدعو إلى محض الحق وصريح الدين، الذي لا يخالطه ولا يمازجه دين الجاهلية المشركين فنافح عن دين الله ودعا إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنف الكتب والرسائل وانتصب للرد على كل مبطل ومماحل، وعلم من لديه كيف يطلب العلم؟ وأين يطلب؟، وبأي شيء يقهر المشبه المجادل ويغلب؟ واجتمع له من عصابة الإسلام والإيمان طائفة يأخذون عنه وينتفعون بعلمه، وينصرون الله ورسوله حتى ظهر واستنار ما دعا إليه وأشرقت شموس ما عنده من العلم وما لديه، وعلت كلمة الله حتى أغشى إشراقها وضوؤها كلَ مبطل ومماحل، وذل لها كل منافق مجادل، وحقق الله وعده لأوليائه وجنده كما قال تعالى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} وقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي

ص: 893

الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

} الآية.

فزال بحمد الله ما كان بنجد وما يليها من القباب والمشاهد والمزارات والمغارات وقطع الأشجار التي يتبرك بها العامة، وبعث السعاة لمحو آثار البدع الجاهلية من الأوتار والتعاليق والشركيات، وألزم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج البيت وبسائر الواجبات، وحث من لديه من القضاة والمفتين على تجريد المتابعة لما صح وثبت عن سيد المرسلين مع الاقتداء في ذلك بأئمة الدين والسلف الصالح المهديين ونهاهم عن ابتداع قول لم يسبقهم إليه إمام يقتدى به، أوعلم يهتدى به وأنكر ما كان الناس عليه في تلك البلاد وغيرها من تعظيم الموالد والأعياد الجاهلية التي لم ينزل في تعظيمها سلطان، ولم يرد به حجة شرعية ولا برهان، لأن ذلك فيه مشابهة للنصارى الضالين، في أعيادهم الزمانية والمكانية وما هو باطل مردود في شرع سيد المرسلين.

وكذلك أنكر ما أحدثه جهلة المتصوفة وضلال المبتدعة من التدين والتعبد باللهو واللعب والمكاء والتصدية، والأغاني التي صدهم بها الشيطان عن سماع آيات القرآن وصاروا بها من أشباه عباد الأوثان، الذين قال الله فيهم:{وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} وكل من عرف ماجاء به الرسول تبين له أن هؤلاء من أضل الفرق وأخبثهم نحلة وطريقة، والغالب على كثير منهم النفاق وكراهة سماع كلام الله.

وأنكر رحمه الله ما أحدثته العوام والطغام من اعتقاد البركة

ص: 894

والصلاح في أناس من الفجار والطواغيت الذين يترشحون لتأله العباد بهم وصرف قلوبهم إليهم باسم الولاية والصلاح وأَن لهم كرامات ومقامات ونحو هذا من الجهالات فإن هؤلاء من أضر الناس على أديان العامة.

وأنكر رحمه الله ما يعتقده العامة في البله والمجاذيب وأشباههم الذين أحسن أحوال أحدهم أن يرفع عنه القلم ويلحق بالمجانين.

وأرشد رحمه الله إلى ما دل عليه الكتاب وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وساق الأدلة الشرعية التي يتميز بها كل فريق ويعتمدها أهل الإيمان والتحقيق، فإن الله جل ذكره وصف الأبرار ونعتهم بما يمتازون به ويعرفون، بحيث لا يخفى حالهم ولا يلتبس أمرهم وكذلك وصف تعالى أولياء الشيطان من الكفار والفجار ونعتهم بما لا يخفى معه حالهم ولا يلتبس أمرهم، على من له أدنى نظر في العلم وحظ من الإيمان.

وكذلك قام بالنكير على أجلاف البوادي وأمراء القرى والنواحي فيما يتجاسرون عليه ويفعلونه، من قطع السبيل وسفك الدماء ونهب الأموال المعصومة حتى ظهر العدل واستقر، وفشا الدين واستمر، والتزمه كل من كانت عليه الولاية من البلاد النجدية وغيرها، والحمد لله على ذلك1.

1 مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ج 4 ص 440- 441.

ص: 895

أسباب زوال الدولة وتسليط العدو:

ثم إنه حصلت ذنوب من الناس بعد ذلك وأمور من التقصير والاختلاف فكانت سببا في تسليط الأعداء على المسلمين، ابتلاء وامتحانا وتمحيصا واختبارا كما هي سنة الله تعالى العزيز الحكيم.

وقد تنبه إليها أبناء الشيخ وهم حسين وإبراهيم وعبد الله وعلي منذ حدوثها واستنكروها ونصحوا كافة المسلمين بمنشورهم إليهم، وحثوا على التوبة منها قبل أن تحل العقوبة وتنزل الكارثة فلا ينفع حينئذ ندم نادم.

ومن هذه الأمور المخالفة: ترك المحافظة على الصلوات الخمس، وهي عمود الإسلام من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ومنها الغفلة عن التفقه في دين الإسلام، حتى إن من الناس من ينشأ وهو ما يعرف دين الإسلام ومنهم من يدخل فيه وهو ما يعرفه ولا يفعله ظنا منه أن الإسلام هوالعهد، ومعرفة الإسلام والعمل به واجب على كل أحد ولا ينفع فيه التقليد.

ومنها أن من الناس من يمنع الزكاة، والذي ما يقدر على المنع يحبسها، والزكاة ركن من أركان الإسلام.

ومنها ظهور عقوق الوالدين وقطيعة الرحم من كثير من الناس.

ومنها ما يجري من بعض الأمراء والعامة من الغلول من المغانم، ومن لم يستطع يتحيل على الغلول بالشراء ولا ينقد الثمن.

ص: 896

ومنها ظلم بعض الأمراء، يأخذون من أموال الناس بصورة الجهاد ولا يصرفه في الجهاد بل يأكله، وبعض الأمراء يأخذ جميع الزكاة ولا يعطي المساكين منها شيئا، وربما يجري من هؤلاء تحميل الناس ما لا يستطيعون.

ومنها اختلاط الجيد بالرديء، وصاحب الدين بالمنافق، ولا يميز هذا من هذا، ووقع بسببه ظهور الكلام الباطل والذي لو يظهر من أحد في أول أمر هذه العقيدة أدب أدبا بليغا وعرف أَن قائله منافق.

ومنها الظلم والوقوع فيما حرم الله من الدماء والأموال والأعراض، والغيبة والنميمة وقول الزور وبهت المسلم بما ليس فيه، وصار هذا ما يستنكر فإذا بان كذبه وتزويره ما سقط من العيون.

ومنها الجسرة على ذمة المسلم فإذا أعطى أحد من المسلمين أحدا من الكفار ذمته خفر في دمه أو ماله، والعجب أَن بعض الجهال يفعل هذا ديانة ويظن أنه معاداة للكفار، واستحلال المحرم أعظم من ارتكابه مع معرفة تحريمه.

ومنها أن بعض الناس يغضب إذا أنكر على رجاله أو من له علاقة إذا فعل المنكر وأنكر عليه، وهذا أمر ما يحل.

ومنها التعاطي بمعاملات من الربا، ويمحق الله الربا.

ومنها التثاقل عن الجهاد ومعصية الإمام في ذلك وغيره وقد فرض

ص: 897

الله الجهاد على المسلمين، وبهذا الجهاد أعزهم الله بعد الذلة، وقواهم بعد أن كانوا مقهورين.

ومنها ما يجري من تطليق على غير السنة، يطلق الرجل زوجته بطريقة مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من الأمور التي تجري من الناس قبيل نكبتهم على يد إبراهيم باشا.

والعلماء من آل الشيخ وغيرهم من حملة العقيدة السلفية ينبهون على ذلك وينصحون وينكرون وكذلك الإمام سعود وابنه عبد الله لهما في ذلك نصائح، وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن بن قاسم هذه النصائح وأوردها بنصوصها وتفاصيلها1، وقد اختصرت منها ما ذكرته من تلك الأمورالتي كانت أسبابا في التغير قال الله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} .

وأهم هذه الأمور والتي كأنها نتيجة لتلك الأمور المنكرة المتقدمة، وسراية لها ما يذكره الشيخ راشد بن علي الحنبلي في رسالته:"مثير الوجد في معرفة أنساب ملوك نجد" من تنازع على الإمارة والسلطة واختلاف بسبب ذلك بين القادة فقال ما نصه عن الإمام عبد الله بن سعود: (فسار سيرة والده إلا أن إخوته لا يوافقونه على إرادته، وكان لا يخالفهم، ونازعه أخوه فيصل بن سعود، فكان يأمروفيصل يأمرفتفرقت شوكتهم، ونفر منهم فئام من العرب واتسع الخرق في قوتهم، فحاربتهم الدولة

1 انظر: الدرر السنية، ج 12، كتاب النصائح ص 3- 21.

ص: 898

المصرية وانحاز إلى المصريين أكثر العرب من نجد والحجاز واليمن والعراق والشام" 1.

ويجمل ابن بشر ذلك بقوله: "إِن الدولة المصرية سلطت على المسلمين بسبب الذنوب"2.

والمقصود بيان أثر عقيدة الشيخ السلفية حين تقرر وتطبق أما إذا جرى أمور تخالفها فيكون الأثر عَكسياً ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولقد أثر العدوان على القائمين بها وخذلانُهم دمارا رهيبا يصوره لنا ابن بشر رحمه الله في تاريخه فيقول في سنة حلول النكبة المصرية: "وكانت هذه السنة قد كثر فيها الاضطراب والاختلاف ونهب الأموال وقتل الرجال وتقدم أناس وتأخر آخرين وذلك بحكمة الله سبحانه وقدرته وقد أرخها بعض الإخوان من أهل سدير وهو محمد بن عمر الفاخري فقال:

عامٌ به الناس جالوا حسبما جالوا

قال الأَخلاء أرِّخْهُ فقلت لهم

ونال منا الأعادى فيه ما نالوا

أَرخت قالوا بماذا قلت غِرْبَال3

والشاهد كلمة غربال فإنها بحسب حروف الجمل تساوي 1233،

1 مثير الوجد في معرفة أنساب ملوك نجد، للشيخ راشد بن علي الحنبلي، ط السلفية

بالقاهرة 1379 هـ ص 42.

2 عنوان المجد 1/ 128.

3 عنوان المجد 1/ 210.

ص: 899

وهي السنة التي حصلت فيها النكبة.

ويقول ابن بشر: "انحلَّ نظام الجماعة والسمع والطاعة وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى لا يستطيع أحد أن ينهى عن منكر أو يأمر بطاعة، وعمل بالمحرمات والمكروهات جهرا، وليس للطاعات ومن عمل بها قدر.

وجرى الرباب والغناء في المجالس، وسفت الذواري على المجامع والمدارس، وعمرت المجالس بعد الأذان في الصلاة واندرس معرفة ثلاثة الأصول وأنواع العبادات وسل سيف الفتنة بين الأنام، وصار الرجل في وسط بيته لا ينام، وتعذرت الأسفار بين البلدان، وتطاير شرر الفتن في الأوطان، وظهرت دعوى الجاهلية بين العباد وتنادوا بها على رؤوس الأشهاد، فلم تزل هذه المحن على الناس متتابعة وأجنحة ظلامها بينهم خاضعة" 1.

ويقول الشيخ عبد العزيز بن الشيخ حمد بن ناصر بن معمر من قصيدة نظمها في رثاء أهل الدرعية وذكر ما جرى لهم وعليهم وأولها قوله:

إليك إله العرش أشكو تضرعاً

وأدعوك في الضراء ربي لتسمعاَ

إلى أن قال:

وكم قتلوا من عصبة الحق فتيةً

هداةً وُضاة ساجدين وركعاً

1 عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر: ج1/ 210- 211.

ص: 900

وكم دمروا من مربع كان آهلا

فقد تركوا الدار الأنيسة بلقعا

فأصبحت الأموال فيهم نهائبا

وأصبحت الأيتام غرثى وجوعا

وَفَرَّ عن الأوطان من كان قاطنا

وفرق ألف كان مجتمعاً معاً

إلى أن قال:

عسى وعسى أن ينصر الله ديننا

ويجبر منا ما قد تصدعا

ويعمر للسمحا ربوعا تهدمت

ويفتح سبلا للهداية مهيعا

ويظهر نور الحق يعلو ضياؤه

فيضحى ظلام الشرك والشك مُقْشِعاَ

إلهي فحقق ذا الرجاء وكن بنا

رؤرفا رحيما مستجيبا لنا الدعا

إلى أن قال:

ألا أيها الإِخوان صبرا فإنني

أرى الصبر للمقدور خيرا وأنفعا

ولا تيأسوا من كشف ما ناب إِنه

إذا شاء ربي كشف ذاك تمزعا

وماقلت ذا أشكو إلى الخلق نكبة

ولا جزعا مما أصاب فأوجعا

فما كان هذا الأمر إلا بقدرة

بها قهر الله الخلائق أجمعا

وذلك عن ذنب وعصيان خالق

أخذنا به حينا فحينا لنرجعا

وقد آن أن نرجو رضاه وعفوه

وأن نعرف التقصير منا فنقلعا

فيا محسنا قد كنت تحسن دائما

ويا واسعا قدكان عفوك أوسعا

نعوذ بك الله من سوء صنعنا

فإِن لنا في العفو منك لمطمعا

أغثنا أغثنا وادفع الشدة التي

أَصابت وصابت واكشف الضر وارفعا

ص: 901

وتفضل بالذي أنت أهل

من العفو والغفران ياغيث من دعا1

وبذلك نأتي إلى نهاية هذا الفصل، وقد تضمن ذكر أثر عقيدة الشيخ السلفية في الدور الأول من أدوار دولة أنصارها، التي بحول الله وقوته لا تنقطع أبدا فإلى الفصل التالي وهو الفصل الثالث من الباب الثاني، باب أثر عقيدة الشيخ السلفية ويتضمن أثرها في الدور الثاني من أدوار دولة أنصارها.

1 عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر، 2 / 34،35 وفي ط المعارف ص 43-45.

ص: 902