الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: أثر عقيدة الشيخ السلفية في الدور الثالث الحاضر
إن الله سبحانه وتعالى عاد بعائدته، كما جرت به سنته للطائفة المنصورة فقيض الله لعقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية إماما راشدا وسلطاناً نصيرا وملكا حاميا، ألا وهو أبو الملوك، الملك عبد العزيز ابن عبد الرحمن آل سعود رحمهم الله تعالى، الذي سار على سنة آبائه في نصرة عقيدة السلف الصالح وإِعزاز أهل الدين الحق واستعادة مكاسب آبائه من ذلك وتجديد مجدهم وإِحياء سنتهم الراشدة.
يقول الشاعر الأديب العالم محمد بن عثيمين رحمه الله يخاطبه:
أرضيتَ آباءك الغر الكرام بما
…
جددت من مجدهم من بعد ما بانوا
نبهت ذكراً توارى منه حين علا
…
للمارقين ضباب فيه دخان
فجئت بالسيفِ والقرآن معتزما
…
تُمضي بسيفك ما أَمضاه قرآن
حتى انجلى الظلم والإظلام وارتفعت
…
للدين في الأرض أعلام وأركان
دين ودنيا وبأس في الوغى وندى
…
تفيض من كفه بالجود خُلْجَانُ1
1 العقد الثمين، من شعر محمد بن عثيمين، جمعه ورتبه وشرح ألفاظه سعد بن عبد العزيز بن رويشد ص 82- 85.
ويقول فيه أيضا:
تلألأت بك للإسلام أنوار
…
كما جرت بك للإسعاد أقدار
إن الذي قدَّر الأشيا بحكمته
…
لما يريد من الخيرات يختار
والعبد إن صلحت لله نيته
…
لابد يبدو لها في الكون آثار
إلى أن قال يخاطبه:
تألفتْ بك أهواءٌ مفرقةٌ
…
تَأَجَّجت بينهم من قَبْلِك النار
فأصبحوا بعد توفيق الإله لهم
…
بعد الشَّقَا والجفا في الدين أخيار
إلى أن قال:
كنا نمر على الأموات نغبطهم
…
من قَبْله إذ تولَّى الأمر أشرارُ
فالآن طابت به الأيام إذ أخذت
…
به لأهل الهدى والدين أوتارُ1
ويقول فيه أيضا:
إمام هدى للرشد يهدي ويهتدي
…
مقيم سواء بالرعيةِ يرفق
إلى أن قال:
فيا معشر الإخوان دَعْوَة صارخ
…
لكم ناصحٌ بالطبع لا مُتخلِّق
يود لكم ما يمتنيه لنفسه
…
ويعلم أن الحب في الله أوثق
تحاموا على دين الهدى مع إمامكم
…
وكونوا له بالسمع جندا توفقوا
وإياكم والافتراق فإنه
…
هو المهلك في الدنيا وللدين يوبق
ـ1 المصدر السابق ص 108، 109-110.
فو الله ثم الله لا رب غيره
…
يمين امرىء لا مفتر يتملَّق
لما علمت نفسي على الأرض مثله
…
إماما على الإسلام والخلق يشفق1
وصدق ابن عثيمين، فإن عبد العزيز، الإمام لما خرج من الكويت، خرج وهو يريد أن يسترد مكاسب العقيدة السلفية، التي اكتسبها آباؤه، حين تأثروا بعقيدة السلف الصالح، وطبقوها، وقد علم يقينا أن مفتاح استردادها هو العمل لنصرتها كما كان آباؤه وأجداده، ولن يصلح آخرهم إلا ما صلح أولهم ولا سبيل لبلوغ هذه الغاية إلا التمسك بالشريعة السمحاء وإقامة حدود الله والحكم بما أنزل الله وفي سبيل ذلك لابد من نشر العلم والمعرفة بعقيدة سلفنا الصالح، وتعليم فرائض الدين وأحكام الشريعة كما كان هذا هو منهجهم أيضا.
وما أن أظهره الله بالاستيلاء على الرياض إلا وكان أول همته تقريبه العلماء، وتكريمه لآل الشيخ من أجل الشيخ وعهده مع جده، ولأجل ما يتصفون به من علم راسخ وعمل ثابت.
وقد كان الملك يشارك العلماء في البيان والنصيحة وبيان منهج السلف الصالح في تطبيق العقيدة تطبيقا عملياً لرعيته حتى يجنبهم المخاطر ودروب الهلاك والفرقة مع كونه يجمعهم مع العلماء في مجالس يبينون لهم، ويكشفون عنهم الشبه، ومن ذلك مجلس عقده وفيه جمع من العلماء،
1 المصدر السابق، ص 122-123.
وبعده وجه نداء عاما شرح فيه حقيقة ما هو عليه من العقيدة هذا نصه:
"بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود إلى الإِخوان وفقنا الله وإياهم إلى فعل الخيرات وترك المنكرات آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ذلك: تفهمون أَن الله سبحانه وتعالى قد أنعم علينا بنعمة الإسلام ومن علينا بأن جعلنا من أهله، ولا يخفى عليكم ما مضى عليه أسلافكم من الأعراب من انحرافهم عن الدين والتقيد بشريعة سيد المرسلين، بما يأتونه من ارتكاب الأمور التي تغضب الله ورسوله، من استحلال الدماء ونهب الأموال وترك فرائض الإسلام، فأنتم اليوم لما أنَّ الله جل شأنه مَنَّ عليكم بهدايته لكم على دينه القويم وجب عليكم أن تقيدوا تلك النعمة بالشكر للمنعم تبارك وتعالى، وأعظم الشكر لله هو اتباع أمره واجتناب نهيه، على وفق ما جاء به نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، وأَن لا تحيدوا عنه ذات اليمين وذات الشمال، فتكونوا من الهالكين.
إني أريد أن أشرح لكم حقيقة ما نحن عليه من العقيدة في الدين، التي أشار إليها العلماء في جوابهم السابق في هذا المجلس، فاسمعوا واحفظوا عني ما أقوله لكم تنجوا من المهالك:
إن أصل الدين كتاب الله تعالى، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، فهم السلف الصالح ثم الأئمة الأربعة من بعدهم، أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل رضى الله عنهم،
وعن سلف الأمة من الصحابة ومن تبعهم إلى يوم القيامة، فإن هؤلاء الأئمة المقتدى بهم عند جميع المسلمين من أهل الكتاب والسنة، فإنه لا خلاف بينهم في أصل الدين، من توحيد الله تعالى في ربوبيته وفي أُلوهيته وأسمائه وصفاته وهذا - والحمد لله - ثابت في كتبهم الموجودة بين أيديكم، وإن حصل بينهم اختلاف في الفروع، فما ذاك إلا من شدة حرصهم وتمسكهم بكتاب ربهم، وما صح عن نبيهم صلى الله عليه وسلم واستخراج معانيهما، كل منهم على قدر ما آتاه الله من العلم والفهم في دينه، وكلهم إن شاء الله تعالى على حق، ومن سلك طريقهم وحذا حذوهم إلى يوم القيامة.
فهذا الذي ندين لله به، وهو اعتقادنا نحن واعتقاد مشايخنا وأسلافنا وهو الصراط المستقيم، والميزان العدل، فمن استقام عليه فهو المتبع المهتدي ومن حاد عنه وهو جاهل فيجب عليه الرجوع والتوبة إلى الله تبارك وتعالى، ومن خالفه معتقدا بطلانه فهذا ليس على شيء من الدين، لا أصله ولا فرعه، نعوذ بالله من ذلك، ولا يقال عن هذا إِنه مكذب للمشايخ، بل مكذب لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وإِن من حضر منكم هذا المجلس المبارك، وسمع كلام العلماء بغير واسطة، فقد قامت عليه الحجة، وليس هو بمعذور بما يأتيه من المخالفة وعلى الشاهد أن يبلغ الغائب، وإني أحذركم من التفرق في الدين وتتبع الخلافات فيه، فإن هذا من أعظم أسباب الهلاك.
وإنكم في زمن قد تشعبت فيه الأمة الإسلامية وكثرت فيها الفرق وفشت فيها البدع، ودنس وجه الدين بما ليس منه، وكثرت فيه شبه الضالين المضلين، غير أَنه بحمد الله لم يخل زمان من قائم لله في أمر دينه ينفي عنه غلو الغالين وانتحال المبطلين، أولئك هم علماء الدين، وهم ورثة الأنبياء وهم الحافظون لدين الله تعالى، حيث أقامهم لذلك:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وكل يدعي أَنه القائم لله بحفظ دينه، ولكن ميزان العدل في ذلك هو اتباع هذا النبي الكريم:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} .
إني أرشدكم إلى أعظم قائم لله تعالى في نصر دينه، بعد الأئمة الأربعة رضي الله عنهم، وذلك بعد أن كثرت الملل والنحل، وتشعبت الأهواء، وتفرق الناس شيعا كل حزب بما لديهم فرحون، ذلك: هو شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه الإمام محمد بن قيم الجوزية - رحمهما الله تعالى-، ومن هو على طريقتهم في الدعوة والتحقيق إلى يوم القيامة، فقد قام هذان الشيخان بما أوجبه الله على العلماء من بيان الحق، وعدم كتمانه، ولم تأخذهما في الله لومة لائم، فقد توفي الشيخ ابن تيمية رحمه الله بينما كان محبوسا في قلعة دمشق، وما ذنبه إلا بيان الحق والدعوة إليه وإبطال ما خالفه من العقائد الزائفة، والطرائق الضالة الفاسدة، فهذه كتب هذين الشيخين بحمد الله بين أيديكم قد سهل الله نشرها بعد أن كانت مدفونة في زوايا الترك والإِهمال، فعليكم بمطالعتها، فإنها بأَدلة
الكتاب والسنة تجلو عن القلوب صداها، وبمآثر الصحابة وهديهم تميط عن الأبصار غشاها.
وهذا شيخنا ذلك الإمام1 الوحيد في زمانه، الجليل القدر رحمه الله تعالى، قد قام بما قام به هذان الشيخان من الدعوة إلى تحقيق التوحيد لله تعالى في أسمائه وصفاته وتوحيده في أُلوهيته، بإِفراده بالعبادة له، وحده لا شريك له بجميع أنواعها، وهذا التوحيد هو أصل بعثة الرسل من نوح إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} 2.
وهذا التوحيد هو أصل الأصول للدين، الذي لا يجوز التقليد فيها، فعليكم بالتفقه في دينكم واتباع نبيكم صلى الله عليه وسلم وسلفكم الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة.
وقد تقدم لكم البيان بأَننا في الأصل على القرآن، وفي الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه.
إن هذا المقام ليس مقام تفصيل وإِطالة، بل هو مقام نصيحة وتنبيه لكم فيما تأتونه من أمور دينكم بأن تكونوا فيه على بصيرة، قال تعالى:
1 يعني الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى.
2 سورة الأنبياء: 25.
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 1 وقال تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 2.
فمن كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر وقصده في هجره البداوة، وانتسابه إلى الخير طلب رضا الله تعالى والتماس ما عنده من الثواب لمن تاب إليه وأناب؛ فلا يتمسك أحدكم بأموردينه برأيه، وليس الدين بالاستحسان، فكل طريق إلى الحق غير طريق نبيه صلى الله عليه وسلم فإنه مسدود، وكل عمل على غير سنته فهو إلى صاحبه مردود فاتبعوا ولا تبتدعوا، وقاربوا فمن سار على الدرب وصل.
وهذا ما يجب لكم علينا من النصيحة، فمن خالف ما بيناه لكم بقول أو فعل فذمتنا وذمة المسلمين منه بريئة ولا يأمن البطش بنفسه وبحلاله ومن أنذر فقد أعذر.
نرجو الله أن يوفقنا وإياكم للخير، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين" 3.
وفي موضع آخر يقول الملك عبد العزيز: " على أَنه في آخر الأمر
1 سورة الحشر: 7.
2 سورة الأنبياء: 7.
3 تاريخ المملكة العربية السعودية فى ماضيها وحاضرها، تأليف صلاح الدين المختار، ج2 ص 152- 155.
أظهر الله شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ثم بعدهما الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله ونفع بهم الإسلام والمسلمين، وخصوصا محمد بن عبد الوهاب، عندما اندرست أعلام الإسلام، وكثرت الشبهات والبدع، فلما رأى أسلافنا موافقة أقوالهم وأفعالهم لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قبلوا ذلك وقاموا بما أظهره الله على أيديهم، ونحن إن شاء الله على سبيلهم ومعتقدهم، نرجو أن يحيينا على ذلك، ويميتنا عليه، وقد عرفناكم بذلك لموجب ذكر المشائخ في الاعتقاد، والعمدة على ما ذكروه".
إلى أن قال: "ومن أَشكل عليه شيء من الأمور فليرده إلى طالب العلم المنصوب عندكم بأمر الولاية ورضى المشائخ"1.
وله رسالة إلى من يراه من علماء المسلمين وإخوانهم المنتسبين في سنة 1339هـ يقرر فيها ما كتبه إليهم المشائخ: حسن بن حسين، وسعد ابن حمد بن عتيق، وسليمان بن سحمان، وصالح بن عبد العزيز، وعبد الرحمن بن عبد اللطيف، وعمر بن عبد اللطيف، وعبد الله بن حسن، ومحمد ابن إبراهيم بن عبد اللطيف، وكافة آل الشيخ؛ حيث كتبوا يذكرون بما أظهر الله على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب من دين الإسلام والعمل به، ثم ذريته من بعده سلكوا على منواله، وأيدهم الله
1 نجد وملحقاته، وسيرة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود، ملك الحجاز ونجد وملحقاتهما تأليف أمين الريحاني ط 3 ص 435-436.
بولاة الأمر من آل سعود، وآخر من قام بهذا الأمر في زمانهم الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، ثم يبينون أَنه من المتعين على الجميع لزوم الاقتداء بهم، والسلوك على منهاجهم، وأَنه لا ينبغى لأحد من الناس العدول عن طريقة آل الشيخ، ومخالفة ما استمروا عليه من أصول الدين؛ فإِنه الصراط المستقيم، الذي من حاد عنه فقد سلك طريق أصحاب الجحيم، وكذلك في مسائل الأحكام والفتوى لا ينبغى العدول عما استقاموا عليه، واستمرت عليه الفتوى منهم، لأن الاختلاف بين الناس - خصوصا في جهة نجد - لابد أن يكون سبب شر وفساد وفتنة، وسد باب الشر والفتن والفساد أمر مطلوب في الشريعة، بل من أعظم مقاصدها؛ كما لا يخفى.
فقرر الملك على ذلك قائلا: "هذا كتاب إخوانكم المشائخ تشرفون عليه والعمل إن شاء الله على مافيه، ثم بعد ذلك ما هو بخافيكم أول منشأ هذا الأمر وتقويمه إنه من الله ثم أسباب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وأوائلنا رحمهم الله، وما جرى على المسلمين من اختلاف ولايتهم مرارا وكلما اختلف الأمر وشارف الناس لنقض دين الله وإِطفاء نوره؛ أَبَى الله وأخرج من ها الحمولتين من يقوم بذلك حتى إِن آخرهم والدنا وشيخنا الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف".
إلى أن قال الملك: "والحمد لله ما حنا1 في شك من أمر ديننا، وتفهمون أَنه من حين أظهر الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب في قرن أطيب من وقتنا ورجال أطيب من رجالنا وعلماء أطيب من علمائنا، فسدد الله به، وقام بهذه الكلمة وجدد الله أمر هذا الأصل، وأنقذ الله بأسبابه الناس من الظلمات إلى النور، فبان أمره لأولي الأبصار وخفي ذلك على كثير من الناس، وعاند من أزاغ الله قلبه وأعمى بصيرته، وقبل هذا الحق ورضيه آباؤنا وأجدادنا وعلماء المسلمين فيما أتى به من الأصل والفروع ويتعين علينا إن شاء الله أن نقتدى بما اقتدوا به".
إلى أن قال الملك: " فالآن يكون الأمر على ما ذكر المشائخ أعلاه فمن أفتى أو تكلم بكلام مخالف لما عليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأولاده عبد الله وعبد الرحمن وعبد اللطيف وعبد الله بن عبد اللطيف فهو متعرض للخطر، لأننا نعرف أَنه ما يخالفهم إلا إنسان مراوز للشر والفتنة بين المسلمين".
إلى أن قال الملك مستثنيا: "إلا إِن كان هنا إنسان عنده في مخالفتهم دليل من الكتاب أو السنة"
…
إلخ ما قاله رحمه الله2.
1 الدرر السنية ج11 ص 131-134، ويلاحظ أن الملك يتكلم بلهجة عامة الرعية وذلك أبلغ فى أنفسهم، ومعنى:(ماحنا) : أي ما نحن، و (مراوز للشر) : هو من يريد موافقة الشر.
2 انظر: الحاشية السابقة.
ومن كلمات الملك عبد العزيز وخطبه قوله:
" إني مسافر إلى مكة لا للتسلط عليها بل لرفع المظالم والمغارم التي أرهقت كاهل عباد الله، إني مسافر إلى حرم الله لبسط أحكام الشريعة وتأييدها، فلن يكون بعد اليوم سلطان إلا للشرع.
ثم استطرد قائلا: "
…
الذي أبغيه من هذه الديار أن تعمل بما في كتاب الله وسنة نبيه في الأمور الأصلية أما في الأمور الفرعية فاختلاف الأئمة رحمة " 1.
ومن خطبة له بمكة يقول:
"أَنا بذمتكم وأنتم بذمتى، إن الدين النصيحة، أنا منكم وأنتم مني، هذه عقيدتنا في الكتب، بين أيديكم؛ فإن كان فيها ما يخالف كتاب الله، فردونا عنه واسألونا عما يشكل عليكم فيها، والحكم بيننا كتاب الله وما جاء في كتب الحديث والسنة".
ويقول: "ما كنا عرباً إلا بعد ما كنا مسلمين، كنا عبيدا للعجم، ولكن الإسلام جعلنا سادة، ليس لنا فضيلة إلا بالله وطاعته واتباع محمد، ويجب أن نعرف حقيقة ديننا وعربيتنا، ولا ننساهما.
كل حرية باطلة، إلا حرية الإسلام، والإنسان لا ينفع إلا بالدين، ونحن لا نبغي محاربة أوربا، وإنما نطلب حقوقنا باتحادنا فنعتصم بالله،
1 تاريخ المملكة العربية السعودية، للصف الثالث المتوسط، ط 1 عام 1394 هـ ص 210.
والإسلام أكبر وسيلة وأكبر حصن، هو أكبر مزايا الحسب والنسب، فيجب على المسلم محبة دينه وشعبه ووطنه".
ويقول في خطبة له بمكة أيضا: "يسموننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا بالوهابي. باعتبار أَنه مذهب خاص وهذا خطأ فاحش، نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض، "نحن لسنا أصحاب مذهب جديد، أوعقيدة جديدة، ولم يأت محمد ابن عبد الوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الصالح، ونحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق بين الأئمة مالك والشافعى وأحمد وأبي حنيفة؛ كلهم محترمون في نظرنا" 1.
ومن خطبتين له في مكة إحداهما عام 1353هـ يقول:
" هذه عقيدتنا في الكتب التي بين أيديكم، فإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فردونا عنه
…
والحكم بيننا وبينكم كتاب الله وما جاء في كتب الحديث والسنة.
إننا لم نطع (ابن عبد الوهاب) وغيره إلا في ما أيدوه بقول من كتاب الله وسنة رسوله، وقد جعلنا الله، أنا وآبائي وأجدادي مبشرين ومعلمين بالكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، ومتى وجدنا الدليل القوي في أي مذهب من المذاهب الأربعة، رجعنا إليه وتمسكنا به،
1 الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، تأليف خير الدين الزركلى ص 217.
وأما إذا لم نجد دليلا قويا؛ أخذنا بقول الإمام أحمد؛ فهذا كتاب
" الطحاوية " في العقيدة الذي نقرأه وشرحه للأحناف وهذا تفسير " ابن كثير" وصاحبه شافعي1.
ويقول ينبه بعض المستعمرين:
" قد فاتكم أن الراعي مسئول عن رعيته وقد فاتكم أن صاحب السيادة لا يستقيم أمره إلا بالعدل والإحسان، وقد فاتكم أن العرب لا ينامون على الضيم، ولا يبالون إذا خسروا كل ما لديهم وسلمت كرامتهم"2.
ولما دخلت بلاد الحجاز في ولاية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود حصل اتفاق بين علماء مكة ونجد وقد نشرته رئاسة إدارات البحوث العلمية والإِفتاء والدعوة والإِرشاد بالمملكة العربية السعودية بعنوان: " البيان المفيد فيما اتفق عليه علماء مكة ونجد عن عقائد التوحيد"، وقد اشتمل على بيان ما يجب على الأمة الإسلامية اعتقاده من توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة وتحذيرها من كل ما يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كدعاء غير الله والاستغاثة والاستعانة بالأموات وطلب الشفاعة منهم، والذبح والنذر لغير الله، وكالحلف بغير الله وتعظيم القبور
1 تاريخ البلاد العربية السعودية، تأليف الدكتور منير العجلاني ص 229.
2 تاريخ المملكة العربية السعودية للصف الثالث المتوسط ط 1 عام 1394 هـ
ص 211.
بغير ما شرع الله من البناء عليها واتخاذها مساجد وشد الرحال إليها والطواف حولها والتبرك بها مما عمت به البلوى، وقد سبق نشرها في جريدة أم القرى في أجزاء متفرقة في سنة 1343 هـ ثم جمعت في رسالة تحت عنوان:" البيان المفيد فيما اتفق عليه علماء مكة ونجد من عقائد التوحيد " وطبعت عام 1344هـ ثم ضم إِليها مناظرة في نفس الموضوع جرت بين علماء مكة ونجد نشرتها " جريدة أم القرى " يوم الجمعة 15/5/ 1343هـ، وطبعت بمطابع دار الثقافة بمكة عام 1398هـ طبعتها الثانية، وأولها نداء عام من علماء بلد الله الحرام إِلى أمتنا الكريمة وإلى شعبنا النبيل، بينوا فيه ذلك المضمون الذي ذكرناه، ووقعه كل من الشيخ محمد المرزوقي قاضي مكة المكرمة والشيخ عبد الله بن إبراهيم حمدوه، والشيخ سعد وقاص، والشيخ حسين مكي الكتبي، والشيخ عيسى دهان، والشيخ عبد القادر أبو الخير مرداد، والشيخ محمد سعيد أَبو الخير، والشيخ أَبو بكر ابن محمد خوقير، والشيخ حسين عبد الغني، والشيخ محمد نور محمد الفطاني، والشيخ محمد عرابي سجيني، والشيخ عباس المالكي، والشيخ محمد أَمين فوده، والشيخ محمد جمال المالكي، والشيخ محمد عبد الهادي كتبي، والشيخ درويش عجيمي.
ثم أَعقبه خطاب رئيس القضاة الشيخ عبد الله بن بليهد الذي ألقاه في الاجتماع الذي عقد بين علماء نجد وعلماء مكة المكرمة، ثم ذكر المناظرة التي وقعت بين علماء مكة وعلماء نجد وما توصلوا إليه واتفقوا
عليه في بيان نذكر نصه كما يلي:
" بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
من علماء حرم الله الشريف وأئمته الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي، والشيخ عمر باجنيد أَبي بكر، والشيخ درويش عجيمي، والشيخ محمد مرزوقي، والشيخ أحمد بن علي النجار، والشيخ جمال المالكي، والشيخ عباس المالكي، والشيخ حسين بن سعيد بن محمد بن سعيد عبد الغني، والشيخ حسين مفتي المالكية والشيخ عبد الله حمدوه، والشيخ عبد الستار، والشيخ سعد وقاص، والشيخ عمر بن صديق خان، والشيخ عبد الرحمن الزواوي إِلى من يراه من علماء الحكومات الإِسلامية وملوكهم وأمرائهم
…
أما بعد؛ فقد اجتمعنا نحن المذكورين مع مشايخ نجد حين قدومهم إِلى الحرم الشريف مع الإمام عبد العزيز حفظه الله، وهم: الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف، والشيخ عبد الله بن حسن، والشيخ عبد الله بن عبد الوهاب بن زاحم، والشيخ عبد الرحمن بن محمد بن داود، والشيخ محمد بن عثمان الشاوي، والشيخ مبارك بن عبد المحسن بن باز، والشيخ إبراهيم بن ناصر بن حسين، فجرى بيننا وبين المذكورين والمحترمين مباحثة فعرضوا علينا عقيدة أهل نجد وعرضنا عليهم عقيدتنا، فحصل الاجتماع بيننا وبينهم بعد البحث والمراجعة في مسائل أصولية:
منها: أن من أقر بالشهادتين وعمل بأركان الإِسلام الخمسة ثم أتى بمكفر ينقض إِسلامه قولي أو فعلي أو اعتقادي إنه يكون كافرا بذلك يستتاب ثلاثا، فإن تاب وإلا قتل.
ومنها: من جعل بينه وبين الله وسائط من خلقه؛ يدعوهم في جلب نفع أو دفع ضر، أو يقربونه إلى الله زلفى أنه كافر يحل دمه وماله، ومن طلب الشفاعة من غير الله لا يقدر عليه إلا الله؛ أن ذلك شرك، فإِن الشفاعة ملك لله ولا تطلب إلا منه، ولا يشفع أَحد إلا بإذنه، كما قال تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (البقرة: 255) . وهو لا يأذن إلا فيمن رضي قوله وعمله؛ كما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} (الأنبياء: 28) وهو لا يرضى إِلا بالتوحيد والإخلاص.
ومنها: تحريم البناء على القبور، وإسراجها وتحري الصلاة عندها أن ذلك بدعة محرمة في الشريعة.
ومنها: أن من سأل الله بجاه أحد من خلقه فهو مبتدع مرتكب حراما.
ومنها: أَنه لا يجوز الحلف بغير الله لا الكعبة ولا الأمانة ولا النبي ولا غير ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد أشرك".
فهذه المسائل كلها لما وقعت المباحثة فيها حصل الاتفاق بيننا وبين المذكورين ولم يحصل خلاف في شيء، فاتفقت بذلك العقيدة بيننا معاشر
علماء الحرم الشريف وبين إخواننا علماء أهل نجد، نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه آمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
وهكذا يحصل الاتفاق على الحق، ويحصل زهوق الباطل " إن الباطل كان زهوقا".
وكتب الملك عبد العزيز إلى الشيخ أبي اليسار الدمشقي، وناصر الدين الحجازي نزيل دمشق، كتب إِليهما في الشام كتابا يعتبر منشورا إعلاميا وبيانا لما عليه الملك عبد العزيز من عقيدة السلف الصالح، ونورد نصه لأنه وثيقة لا يقدر أحد أن ينكرها:
" بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل إلى جناب الأخوين المكرمين الشيخ الفاضل أبو اليسار الدمشقي، وناصر الدين الحجازي، سلمهما الله تعالى، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
" أما بعد فإِني أحمد إليكما الله الذي لا إِله إلا هو على نعمه التي من أجلِّها نعمة الإسلام، ونشكره سبحانه إذ جعلنا من أهلها وأَنصارها والذابين عنها، ونسأله أن يصلي على عبده ورسوله وحبيبه وخيرته من خلقه محمد وآله وصحبه وحزبه.
وغير ذلك ورد علينا ردكم على عبد القادر الإسكندراني فرأيناه ردا سديدا وجوابا صائبا مفيدا، وافيا بالمقصود، فحمدنا الله على ما من به عليكم من معرفة الحق والبصيرة فيه، وعرضناه على مشائخ المسلمين
فاستحسنوه وأجازوه.
فالحمد لله الذي جعل لأهل الحق بقية وعصابة تذب عن دين المرسلين وتحمي حماه عن زيغ الزائغين، وشبه المارقين والملحدين، فلربنا الحمد لا نحصي ثناء عليه، بل هو كما أَثنى على نفسه، وفوق ما يثنى به عليه خلقه.
وهذه منة عظيمة، ومنحة جليلة جسيمة، حيث جعلكم الله في هذه الأزمان التي غلب على أَكثر أهلها الجهل والهوى والإعراض عن النور والهدى، واستحسنوا عبادة الأَصنام والأَوثان، وصرفوا لها خالص حق الملك الديان، ورأوا أَن ذلك قربة ودينا يدينون به، ولم يوجد من أَزمان متطاولة من ينهى عن ذلك أو يغيره، فعند ذلك اشتدت غربة الإِسلام واستحكم الشر والبلاء، وطمست أَعلام الهدى، وصار من ينكر ذلك ويحذر عنه خارجيا قد أَتى بمذهب لا يعرف لأنهم لا يعرفون إِلا ما أَلفته طباعهم وسكنت إِليه قلوبهم، وما وجدوا عليه أَسلافهم وآباءهم من الكفر والشرك والبدع والمنكرات الفظيعة، فالعالم بالحق والعارف له والمنكر للباطل والمغير له يعد بينهم وحيدا غريبا.
فاغتنموا رحمكم الله الدعوة إِلى الله وإِلى دينه وشرعه، ودحض حجج من خالف ما جاءت به رسله ونزلت به كتبه من البينات والهدى، وأَن تكون الدعوة إِلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة بالحجة والبيان، حتى يمن الله عليكم بمن يساعدكم على هذا، فإِن القيام في ذلك من أوجب
الواجبات، وأهم المهمات وأفضل الأَعمال الصالحات لا سيما في هذا الزمان الذي قلَّ خيره وكثر شره، قال صلى الله عليه وسلم:"من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أَن ينقص من أجورهم شيء"، وقال لعلي بن أَبي طالب رضي الله عنه:"فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم" ونحن إن شاء الله من أنصاركم وأعوانكم.
ومن حسن توفيق الله لكم أن أقامكم في آخر هذا الزمان دعاة إلى الحق وحجة على الخلق فاشكروه على ذلك، واعلموا أن من أقامه الله هذا المقام لابد أن يتسلط عليه الأعداء بالأذى والامتحان، فليقتد بمن سلف من الأنبياء والمرسلين، ومن على طريقهم من الأئمة المهديين، ولا يثنيه ذلك عن الدعوة إلى الله، فإن الحق منصور وممتحن، والعاقبة للمتقين في كل زمان ومكان.
وهذه1 هدية نهديها إليكم من كلام علماء المسلمين وبيان ما نحن ومشائخنا عليه من الطريقة المحمدية والعقيدة السلفية ليتبين لكم حقيقة ما نحن عليه وما ندعو إليه، نحن وسلفنا الماضون نسأل الله لنا ولكم التوفيق، والهداية لأقوم منهج وطريق، والسلام"2.
1 إشارة إلى كتاب الهدية السنية للشبخ سليمان بن سحمان المطبوعة بمصر سنة 1344 هـ.
2 الدرر السنية ج1ص 303-305.
والهدية السنية التي أشار إليها الملك عبد العزيز وقال إنها تبين حقيقة ما نحن عليه وما ندعو إليه، نحن وسلفنا الماضون هي مجموعة رسائل خمس لكبار أئمة نجد وعلمائها جمع وترتيب الشيخ سليمان بن سحمان طبعت بأمر ملك الحجاز وسلطان نجد عبد العزيز آل سعود، وقف على طبعها وعلق عليها بعض الفوائد والإِيضاحات محمد رشيد رضا، الطبعة الثانية في سنة 1344هـ، بمطبعة المنار بمصر وأعيد طبعها في مطابع دار الثقافة بمكة المكرمة، على نفقة فهد بن قاسم بن علي آل ثاني عام 1393هـ، وهي عبارة عن:
رسالة من الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى من يراه من العلماء والقضاة في الحرمين والشام ومصر والعراق وسائر علماء المشرق والمغرب يشرح فيها حقيقة العبادة ويبين التوحيد والفرق بين حق الله وحق أنبيائه وأوليائه ويحذر من الشرك ويبينه ما هو ليجتنب، وسبق ذكرها في أثر عقيدة الشيخ في الدور الأول من أدوار دولة أنصارها1.
والثانية من الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، وسبق ذكرها في أثر عقيدة الشيخ في الدور الأول من أدوار دولة أنصارها2، وفيها شرح مذهب الشيخ وأنصاره وأتباعه، وأنه مذهب أهل السنة والجماعة، وهي
1 انظر: الفصل الثاني من الباب الثاني من هذا البحث.
2 انظر: الفصل الثالث من الباب الثاني من هدا البحث.
عبارة عن محضر سجل ما وقع بالفعل ووثيقة تاريخية لا يقدر أحد أن ينكرها.
والرسالة الثالثة هي: "الفواكه العذاب في الرد على من لم يحكم السنة والكتاب" للشيخ حمد بن ناصر بن معمر، وهي كذلك وثيقة تاريخية سجلت مناظرة وقعت بين الشيخ حمد بن معمر وأصحابه وبين علماء مكة وأعيانها في دعاء غير الله وتمييز الشرك من التوحيد وفي حكم تارك الصلاة والزكاة وفي حكم البناء على القبور، وسبق ذكرها أيضا في أثر عقيدة الشيخ في الدور الأول من أدوار دولة أنصارها1.
والرسالة الرابعة للشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ في نبذة من سيرة جده الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومجمل عقيدته وأَتباعه، وهي نبذة أصيلة من مؤتمن لا يشك في أمانته العلمية، فتعتبر أصدق مرجع في زمانها يؤخذ منه حقيقة ما عليه الشيخ محمد وأتباعه وأنصاره، وسبق ذكرها في الدور الثاني من أدوار دولة أنصارها2.
والرسالة الخامسة للشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ تتضمن سجلا بما عمله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن من بعثه هذا الشيخ إلى اليمن وعسير وتهامة لينشر عقيدة السلف الصالح هناك ويبين التوحيد
1 انظر: الفصل الثالث من الباب الثاني (2/ 924) من هدا البحث.
2 انظر: الفصل الثالث من الباب الثاني (2/921) من هدا البحث.
ليعمل به والشرك ليجتنب، وهي وثيقة تاريخية جليلة لا يقدر أحد أن ينكرها أو أن ينكر صلتها الحاضر بالماضي وبيانها أن الحاضرلم ينحرف عن الماضى، وإنما على سننه- كما قال الملك عبد العزيز:"هدية نهديها إليكم من كلام علماء المسلمين، وبيان ما نحن ومشائخنا عليه من الطريقة المحمدية، والعقيدة السلفية، ليتبين لكم حقيقة ما نحن عليه، وما ندعو إليه، نحن وسلفنا الماضون".
ثم ختامها بقصيدة دالية للشيخ سليمان بن سحمان في جملة عقيدة الشيخ السلفية وقصيدة من صاحب لنجه في بيان طريقة الشيخ، وأرجوزة للعلامة محمد بن الشيخ أحمد الحفظي الحجازي اليمني في بيان عقيدة الشيخ وذكر مآثر آل سعود لما استجابوا لداعي الحق حتى ظهر دين الله وبان منهاج الشريعة المحمدية1.
ولا شك أن الملك عبد العزيز كان كأسلافه عقيدته سلفية وكان نصيرا لعقيدة السلف ويستشير العلماء في أمور الدين وينفذ أحكامهم ويعمل بنصائحهم وفتاويهم مع أَنه ذو فكر سديد، وإدراك عميق، واعتقاد سليم، مبني على استقلال في الشخصية، وحرية في الاختيار، وقوة
1 انظر: الهدية السنية، والتحفة الوهاببة النجدبة، لجميع إِخواننا الموحدين من أهل الملة الحنيفية، والطريقة المحمدية، جمع وترتيب الشيخ سليمان بن سحمان النجدى، طبعت بأمر جلالة ملك الحجاز وسلطان نجد عبد العزيزآل سعود، بمطبعة المنار، الطبعة الثانية سنة 1344 هـ.
في الإِرادة، ومضاء في العزيمة، وسعة في الأُفق، ويشاركهم في التوجيه والنصائح والإِرشاد والدعوة إلى عقيدة السلف الصالح كما ذكرنا1 مما يدل على علمه ورسوخ قدمه في عقيدة السلف الصالح وأَن عليها اعتقاده رحمه الله تعالى، لكنه مع ذلك يدرك أهمية العالم المتخصص، المعروف بالديانة والصدق ويضعه في مكانه، ويعلم أن ذلك هو منهج الصواب.
وكان من أبرز هؤلاء المشائخ الذين استعان بهم هو العلامة التقي الورع شيخ الإسلام الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولد في الأَحساء سنة 1265هـ وقدم بلد الرياض سنة 1272هـ وأخذ العلم عن أبيه وجده والشيخ حمد بن عتيق وغيرهم وبرع في جميع الفنون، الأصول والفروع والتفسير والنحو وغيرها، وصار رفيع القدر جم الفضائل، انتهت إليه الرئاسة في العلم والرأي والكرم، له اليد الطولى في التدريس ومجالسه المحفوفة بفحول العلماء والمدرسين وأهل الرأي، وله صدور المجالس والمحافل، وإلى قوله المنتهى في الفصل بين العشائر والقبائل، له رسائل وفتاوى ونصائح كثيرة مفيدة ورأي راجح في الحوادث المدلهمة، وهيبة أَلبسها بين الأمة، وأخذ عنه العلم جم غفير ترعرعوا ونموا في مدرسته ونالوا من إِكرام الملك ونصرته ما تمم نموهم وإِدراكهم فكانوا خير عون
1 وانظر أيضا: الدرر السنية ج11 ص 156-160، ص 171-174.
له، وعلى رأس هؤلاء التلاميذ للشيخ عبد الله علامة الديار النجدية ومفتى المملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.
وهذه قائمة بأسماء التلامذة الأوائل الذين ضمتهم مدرسة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف وأخذوا عنه مباشرة، وقربهم الملك عبد العزيز واستعان بهم:
1-
الشيخ عبد الملك بن عبد الله.
2-
الشيخ عبد اللطيف بن عبد الله.
3-
الشيخ محمد بن عبد الله.
4-
الشيخ صالح بن عبد الله.
5-
الشيخ إسحق بن عبد الرحمن بن حسن.
6-
الشيخ محمد بن عبد اللطيف.
7-
الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف.
8-
الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف.
9-
الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف.
10-
الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن.
11-
الشيخ محمد بن إبراهيم.
12-
الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم.
13-
الشيخ عبد الرحمن بن إسحق.
14-
الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللطيف.
15-
الشيخ عبد الملك بن إبراهيم بن عبد الملك.
16-
الشيخ عبد الله بن حسن بن ابراهبم بن عبد الملك.
17-
الشيخ على بن عبد العزيز.
18-
الشيخ عمر بن حسن.
19-
الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد.
20-
الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد.
21-
الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري.
22-
الشيخ عبد الله بن فيصل.
23-
الشيخ عبد العزيز بن بشر.
24-
الشيخ عبد الرحمن بن سالم.
25-
الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن داود.
26-
الشيخ عبد العزيز بن حمد بن عتيق.
27-
الشيخ عبد الله بن سليمان السياري.
28-
الشيخ عبد الله بن حمد الدوسري.
29-
الشيخ سالم الحناكي.
30-
الشيخ محمد الحناكي.
31-
الشيخ عمر بن سليم.
32-
الشيخ عبد الرحمن بن عودان.
33-
الشيخ محمد بن عثمان الشاوي.
34-
الشيخ ناصر بن سعود بن عيسى.
35-
الشيخ مبارك بن عبد المحسن.
36-
الشيخ عبد الله بن زاحم.
37-
الشيخ عبد الله بن بليهد.
38-
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله النمر.
39-
الشيخ سعد بن سعود.
40-
الشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك.
41-
الشيخ إبراهيم بن سليمان بن راشد.
42-
الشيخ عبد الله بن عتيق.
43-
الشيخ عبد اللطيف بن عتيق.
44-
الشيخ إبراهيم بن حسين.
45-
الشيخ عبد الرحمن بن حسين.
46-
الشيخ عبد الله بن رشيدان.
47-
الشيخ سليمان بن حمدان.
48-
الشيخ محمد بن علي البيز.
49-
الشيخ فالح بن عثمان بن صغير.
50-
الشيخ عبد العزيز الشثري.
51-
الشيخ عبد العزيز بن مرشد.
52-
الشيخ حمد بن محمد بن موسى.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم وأخذ عن الشيخ عبد الله خلق لا يحصيهم إلا الله تعالى1.
وقد أخذ عن هؤلاء أضعاف مضاعفة ممن صاروا علماء وقضاة ودعاة إلى عقيدة السلف الصالح2.
وتوفي الشيخ عبد الله سنة 1339هـ رحمه الله تعالى- ورثاه العلماء والشعراء وممن رثاه: الشيخ محمد بن إبراهيم بقصيدة مطلعها:
على الشيخ عبد الله بدر المحافل
…
نريق كصوب الغاديات الهواطل
ورثاه غيره3، ومن الشعراء: الشاعر محمد بن عثيمين والذي من مرثيته قوله:
شيخ مضى طاهرَ الأخلاق متبعا
…
طريقة المصطفى بالله معتصما
بحر من العلم قد فاضت جداوله
…
لكنه سائغ في ذوق من طعِما
تنشقُّ أصدافه في البحث عن درر
…
تهدي إلى الحق مفهوما وملتزما
فكم قواعد فقه قد أبان وكم
…
أشاد رسما من العليا قد انثلما
نعى إلينا العلا والبر مصرعه والعلم
…
والفضل والإحسان والكرما
1 الدرر السنية ج 12 ص 98 – 99.
2 انظر: تراجمهم في كتاب علماء نجد خلال ستة قرون لابن بسام ثلاثة اجزاء، ومشاهير علماء نجد وغيرهم للشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف.
3 انظر: الدرر السنية ج12 ص 96-104، وروضة الناظرين عن مآثر علماء نجد، لمحمد بن عثمان القاضي ج1/ 362، 363
هذي الخصال التي كانت تفضله
…
على الرجال فاضحى فيهم علما
فليت شعري من للمشكلات إِذا
…
ما حل منها عويص يبهم الفهما
وللعلوم التي تخفى غوامضها
…
على الفحول من الأحبار والعلما
إلى أن قال:
لهفي عليه ولهف المسلمين معي
…
لو أَن لهفا شفى من لاهف سدما
ولهف مدرسة بالذكر يعمرها
…
ومسجد كان فيه ينشر الحكما1
ولا ننسى في خضم هذا الأثر علما بارزا من تلاميذه هو الشيخ سليمان بن سحمان، العالم العلامة حَسَّان زمانه وشاعر عقيدة السلف الصالح في وقته، المجاهد بنثره ونظمه والمنافح بجهده وبيانه عن عقيدة الشيخ السلفية، أخذ العلم عن الشيخ عبد الرحمن بن حسن وابنه عبد اللطيف وابنه عبد الله، وكان له دور في التدريس ونشر العلم النافع، وهو من العلماء الذين استعان بهم الملك عبد العزيز في الدعوة إلى التمسك بالعقيدة السليمة، وطلب العلم النافع والالتزام بالعمل الصالح وتخريج العلماء وتنشئتهم، وقد تخرج على يديه الكثير من العلماء الذين نفع الله بهم، وله المؤلفات النافعة منها:
1-
" الضياء الشارق، في رد شبهات الماذق المارق ".
1 العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين ص 461- 465.
2-
" الهدية السنية " جمعها ورتبها وفي آخرها " المنظومة
الدالية " له.
3-
"تبرئة الشيخين الإمامين من تزوير أهل الكذب والمين ".
4، 5- "منهاج أهل الحق والاتباع "، و"إرشاد الطالب ". في مجلد واحد.
6-
"الصواعق المرسلة ".
7-
وديوان شعر، ومؤلفات غيرها.
وهو القائل:
نعم نحن وهابية حنفية
…
حنيفية نَسْقِي لمن غاضنا المرا
ومن هاضنا أو غاضنا بمغيضة
…
سنصعقه صعقا ونكسره كسرا
وكم من أخي جهل رمانا بجهله
…
فعاد حسيرا خاسئا نائلا شرا
بمحكم آيات وسنة أحمد
…
نصول على الأعدا فنأطرهم إِطرا
إلى أن قال:
وأَلفت كتبا نثرها ونظامها
…
يؤيد أهل الحق أَرجو بها الأجرا1
وله جهود في جمع وتحقيق رسائل علماء الدعوة إلى عقيدة السلف الصالح كمجموعة الرسائل والمسائل النجدية أربعة أجزاء في مجلدات كبار، وقد طبعها الملك عبد العزيز ونشرها ضمن ما اتفق عليه وعلى
1 ديوان ابن سحمان، ص 52 وص 59 طبعة هندية قديمة، وانظر: الدرر السنية
ج12 ص 92.
طبعه من كتب علماء العقيدة السلفية في جميع فنون العلم.
وقال في الانتصار لها الشاعر محمد بن عثيمين سنة 1346هـ:
شموس من التحقيق في طالع السعد
…
تجلت فأجلت ظلمة الهزل والجد
قواطعُ من آي الكتاب كأنها
…
بأَعناق أهل الزيغ مرهفة الحد
إلى أن قال:
كفاناهم من لم يزل متجردا
…
لنصر الهدى والدين أكرم به مهدي
سليمانُ من سارت فضائلُ مجده
…
مسير مهب الريح في الغور والنجد
إلى أن قال:
تمسك بما في محكم النص ظاهرا
…
وبالسنة الغرا عن الصادق المهدي
وطالع تصانيف الإمام محمد
…
وأبنائه أهل الدراية والنقد
فإن بها ما يُطْفِيُء الغلَّة التي
…
بها من أُوار الجهل وَقْدُ على وقْدِ
هُمُ قدوة في ذا الزمان وحجة
…
وميزان عدل لا يميمل عن القصد1
وكانت وفاة الشيخ سليمان سنة 1349هـ في الرياض رحمه الله تعالى2.
وقد رثاه حمد الجاسر، ورثى معه سعد بن عتيق- ومن ذلك قوله:
مضى عنها سُليمان محثا
…
يَؤم إِمامه قد سارَ سعد
فأَضحى العلم بعدهما يتيماً
…
يحاربه كثير وهو فَرد3
1 العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين ص 437-442.
2 الدرر السنية ج12 ص 92.
3 المصدر السابق ص 93.
ومن هؤلاء العلماء الجهابذة الذين حملوا عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، وقربهم الملك عبد العزيز وصدر عن علمهم، العالم الحافظ الشيخ سعد بن الشيخ حمد بن عتيق، أخذ العلم عن والده، ثم سافر لطلب العلم نحو تسع سنين فأخذ عن الشيخ نذير حسين الدهلوي، والشيخ شريف حسين، والشيخ محمد بشير السهسواني، والشيخ سلامة الله الهندي والشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى النجدي، وكلهم أجازوه، وأخذ عن جماعة من علماء مكة منهم: الشيخ حسب الله الهندي، والشيخ عبد الله الزواوي، والشيخ أحمد أبو الخير، وجم غفير، ولما رجع من رحلته لطلب العلم من الهند ثم من مكة إلى بلده الأفلاج قال الشيخ سليمان بن سحمان فيه:
على بلد الأفلاج أشرق سعدُه
…
فآبت لها الألطاف من كل جانب
هنيئا لكم أهل العَمَارِ1 بمن له
…
مآثر تزهو كالنجوم الثواقب
هنيئا لكم هذا القدوم بعالم
…
سلالة حبر فاضل ذي مناقب
ولما فتح الملك عبد العزيز الرياض عام 1319هـ، واستولى على الأفلاج، نقله منها إلى الرياض قاضيا في جميع قضايا البادية وجميع الدماء من القتل فما دونه من أنواع الجراحات، كما عينه الملك عبد العزيز إماما
1 ديوان ابن سحمان ص 247،248، وانظر: الدرر السنية ج12/ ص 93-96. والعمار من قرى الأفلاج جنوب الرياض.
في جامع الرياض الكبير، وفي هذا المسجد الواسع عقد له حلقتين للتدريس إحداهما بعد طلوع الشمس حتى امتداد النهار، والثانية بعد صلاة الظهر، وكان حريصا على ما يلقيه من الدروس، شديد التثبت لمعنى ما يقرأ عليه، فلا يلقي درسه، ولا يسمعه من الطالب، حتى يراجع عليه شروحه وحواشيه، وما قاله العلماء عليه، وضبطه لغة ونحوا وصرفا حتى يحرر الدرس تحريرا بالغا، وقد أوقع الله محبته في القلوب، وأمده بسعة العلم، وكان كثير الدعاء والابتهال، متواضعا عند العامة، رفيع القدر عند الخاصة، مجالسه معمورة بالعلماء، مشحونة بالفقهاء والمحدثين، مشتغلا بنفسه، وبإلقاء الدروس المفيدة على أصحابها كما وصفنا، وأخذ العلم عنه الجم الغفير، منهم أبناؤه محمد وعبد العزيز وحمد، وأخذ عنه إخوته الشيخ عبد العزيز والشيخ عبد اللطيف والشيخ عبد الله، ومحمد بن أخيه عبد العزيز، والشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، والشيخ محمد، والشيخ عبد اللطيف، والشيخ عبد الملك أبناء الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، والشيخ عبد الله والشيخ عمر أبناء الشيخ حسن بن حسين والشيخ سعد بن سعود بن رشود، والشيخ عبد الرحمن وإبراهيم ابنا حسين، وعبد الرحمن بن الشيخ إسحاق، والشيخ عبد اللطيف بن محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ، والشيخ محمد بن عثمان الشاوي، والشيخ سليمان بن حمدان، والشيخ عبد الله بن حمد الدوسري، والشيخ إبراهيم بن سليمان، والشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك، والشيخ عبد
العزيز بن مرشد، والشيخ عبد الله بن حسن بن إبراهيم بن عبد الملك، والشيخ عبد العزيز بن محمد الشثري، والشيخ عبد الله بن رشيدان، والشيخ عبد الرحمن بن عودان، والشيخ محمد بن رشيد، والأستاذ حمد الجاسر، وغيرهم خلق كثير1.
كما تصدى لنشر العلم بالكتابة والرسائل والنصائح، وحرر الفتاوى والأجوبة على الأسئلة فرقها الشيخ ابن قاسم في مجموعه المسمى:"الدرر السنية"، و"نظم مختصر المقنع" المسمى "زاد المستقنع" حتى كاد أن يتمه، وأتمه الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز بن سحمان وطبع بعنوان:"نيل المراد بنظم متن الزاد " بمراجعة الشيخ إسماعيل بن سعد بن عتيق، وله رسالة سماها:"حجة التحريض في تحريم الذبح للمريض" في مكتبة جامعة الملك سعود برقم 215، ورسالة أخرى سماها:"عقيدة الطائفة النجدية في توحيد الألوهية" وقد طبعت، قال فيها بعد أن حمد الله وصلى وسلم على رسوله اللهم صل وسلم على رسولك:
"أما بعد؛ فقد سألني بعض الأحباب أن أكتب ما أَعتقده ويعتقده مشايخي من أهل بلدي فيمن يأتي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويقول يا رسول الله أغثني أو اشفع لي أو غير ذلك من أنواع السؤال، وكذلك ما نعتقده في
1 انظر: الدرر السنية ج12/ ص 93-95، وعلماء نجد خلال ستة قرون ج1/ 266-269. وروضة الناظرين عن مآثر علماء نجد لمحمد بن عثمان القاضي ج1/106- 111.
شد الرحل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وما نعتقده في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ".
ثم أورد عقيدة السلف الصالح، أهل السنة والجماعة، الفرقة الناجية إلى أن قال:
" ونعوذ بالله من كل قول أو فعل يخالف ما شرعه الله ورسوله، ومن يعرف أحوالنا يعلم أنما ينسبه إلينا أكثر الناس لا أصل له، بل هو من البهتان، وسبب ذلك أن الرجل المشهور الذي أقام الله به هذه الملة الحنيفية ونفع بدعوته جمعا غفيرا من الأمة وهو شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، لما دعا إلى تجريد التوحيد وإِخلاص العبادة لله والتخلي من الرسوم العادية والوسائل الشركية شرق بذلك أكثر الناس واستعظموه قائلين ما قال إخوانهم الأولون: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ} 1 وجنوا عليه وعلى أتباعه بالسب والتكفير، واستحلوا دماءهم وأموالهم وسعوا لهم بالغوائل. كل ذلك عند قوله: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 2 كما قال رحمه الله تعالى في تفسير الفاتحة: "ومن عرف البردة ومن فتن بها عرف غربة الإسلام، وعرف أن العداوة واستحلال
1 سورة ص: 5- 7.
2 الأعراف: 59.
دمائنا وأبنائنا ونسائنا ليس عند التكفير والقتال، فإنهم الذين بدأونا بالقتال، بل عند قوله:{فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 1 وعند قوله: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} 2 وعند قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} 3 انتهى.
وجعل أهل العداوة والحسد خصوصا بعض علماء السوء، يرمونه بالعظائم ويلفقون من الأكاذيب ما الله به عليم، ومرادهم بذلك تنفير الناس عنه وعن ما دعا إليه، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولوكره الكافرون، والكلام في هذه المادة على وجه الكمال لا تحتمله هذه الأوراق.
ومما يجب أن يعلم أَن أكثر الناس في هذه الأزمان قد غرهم الشيطان ولبس عليهم حتى وقعوا في الشرك وغيروا اسمه وأسموه توسلا فتجدهم يدعون الأنبياء والصالحين من الأموات والغائبين ويسألونهم ما لا يقدر عليه إلا الله ويسمون ذلك توسلا فيخدعون الجهال بهذه التسمية ويلبسون على خفافيش البصائر بقولهم هذا الذي نفعل توسلا وليس بشرك، والله يعلم وملائكته وعباده المؤمنون أنه هو الشرك الذي قال الله
1 الجن: 18.
2 الرعد: 14.
3 الإسراء: 57.
على العموم فكتاباته وفتاواه تدل على غزارة علمه وسعة اطلاعه وحسن تصوره، وهو في عداد كبار علماء نجد المقربين من الملك عبد العزيز ويعتمد عليه في مهام الأمور الدينية كما ذكرنا وهو معزز محترم عند علماء الدعوة إلى عقيدة السلف الصالح يجلونه ويقدرونه ويعرفون له حقه ومكانته العلمية ونشاطه في الدعوة إلى عقيدة السلف الصالح وموالاة أهلها، ومازال على أحواله الكريمة وسجاياه الحميدة، حتى توفي في الرياض في اليوم الثالث عشر من جمادى الأولى عام 1349هـ ودفن في مقبرة العود في الرياض وبكاه الناس ورثاه الشعراء3.
وممن رثاه الشاعر محمد بن عثيمين بالقصيدة التي مطلعها:
أهكذا البدرُ تُخفِي نوره الحفرُ
…
ويفقدُ العلمُ لا عينٌ ولا أثرُ
إلى أن قال:
وابْكِ على العَلَمِ الفرد الذي حَسُنَتْ
…
بذكر أفعاله الأخبار والسير
من لم يبال بحق الله لائمةً
…
ولا يحابي امرءا في خده صعر
بَحْرٌ من العلم قد فاضت جداوله
…
أضحى وقد ضمه في بطنه المدر
1 المائدة: 72.
2 عقيدة الطائفة النجدية في توحيد الألوهية تأليف الشيخ سعد بن عتيق ص 5- 21.
3 انظر: علماء نجد خلال ستة قرون، للشيخ البسام 1/268-269.
فليت شعري من للمشكلات إِذا
…
حارت بغامضها الأفهام والفكر
من للمدارس بالتعليم يعمرها
…
ينتابها زمر من بعدها زمر
هذي رسوم علوم الدين تندبه
…
ثكلى عليه ولكن عزها القدر
طوتك يا سعد أيام طوت أمما
…
كانوا فبانوا وفي الماضين معتبر
إن كان شخصك قد واراه مَلْحَدُهُ
…
فعلمك الجم في الآفاق منتشر
والأسوة المصطفى نفسي الفداء له
…
بموته يتأسى البدو والحضر
بَنَى لكم حَمَدٌ ياللعقيق علاً
…
لم يبنها لكم مال ولا خطر
لكنه العلم يسمو من يسود به
…
على الجهول ولو من جده مضر1
ورثاه الشيخ عبد الملك بن إبراهيم بن عبد اللطيف بمرثية مطلعها:
مصاب دهى بالمعضلات النوازل
…
وَرُزْءٌ عظيم قد أَهاج بلابل
إلى أن قال:
لدن جاءنا الناعى مساءا مخبرا
…
بموت إمام العلم زاكي الشمائل
هو الشيخ سعد من غدا متفردا
…
بكل فنون العلم بين القبائل
إمام لعمري ناسك متورع
…
تقي نقي ما له من مماثل
إمام لعمري كان بالعلم عاملا
…
يراقب ربا ليس عنه بغافل
إمام لعمري كان للعلم باذلا
…
يقرر للتوحيد بين المحافل
1 العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين ص 474-482.
إلى أن قال:
له مجلس بالعلم يزهر دائما
…
تشد إليه مضمرات الرواحل
يؤمّونه الطلاب من كل وجهة
…
تراهم عكوفا بين قار وسائل
فيلقون حبرا للغوامض كاشفا
…
يحل عويص مشكلات المسائل1
رحمه الله رحمة واسعة ورحم جميع العلماء وسائر المسلمين.
ومن هؤلاء العلماء المحققين المجاهدين ذوي العقول الكبيرة صاحب السماحة ذو العقل الراجح، الطود الثابت والعالم الراسخ الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية، ورئيس قضاتها ومرجع علمائها ورئيس رابطة العالم الإسلامى، والجامعة الإسلامية في زمانه، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
حفظ القرآن عن ظهر قلب ثم أخذ في تلقي العلم عن والده الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف الذي كان قاضيا لمدينة الرياض في مطلع القرن الرابع عشر الهجرى، وقد قرأ على والده في مختصرات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومبادىء النحو والفرائض، ثم أخذ العلم عن عمه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف وقد مر ذكره قبل قليل2، قرأ على عمه هذا، "كتاب التوحيد " تأليف جده شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب
1 الدرر السنية، ج 12/ 96.
2 انظر: 2/ 965.
وغيره من كتب عقيدة السلف الصالح كالواسطية والحموية وقرأ على عمه أيضا في أصول التفسير والحديث، وقرأ على الشيخ سعد بن الشيخ حمد بن عتيق في الفقه ومصطلح الحديث ولازمه ملازمة تامة، وقرأ على الشيخ حمد بن فارس في الألفية وغيرها من المؤلفات النحوية وفي الفقه، وقرأ على الشيخ عبد الله بن راشد بن جلعود في الفرائض. ولم يزل مجدا في طلب العلم إلى أن صار مرجع العلماء وأبرز الفقهاء ونادرة الأذكياء.
وكان عمه وشيخه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف كما ذكرنا من قبل ممن أعان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل بعلمه وعمله ومحض النصيحة والولاء والإخلاص، فلما مرض مرض موته أوصى الملك عبد العزيز به خيرا وأخبره بكفاءته العلمية والدينية وأنه بموجب ذلك يصلح أن يكون خليفة بعده وتوفي سنة 1339هـ، فعينه الملك عبد العزيز خلفا لعمه في الفتيا وإمامة المسجد والتدريس فباشر ذلك بكفاءة وإخلاص، وعزيمة ومضاء وفي سنة 1345هـ أرسله جلالة الملك عبد العزيز إلى أهل الغطغط لما شددوا تشديدا ينافي الشرع فمكث عندهم ستة شهور يبين لهم معاني الكتاب والسنة وعبارات رسائل علماء دعوة التوحيد السلفية، ويحذرهم من الغلو ومجاوزة الحدود ثم رجع إلى الرياض واستمر في نشر العلم وتعليمه.
ويقول مؤلف كتاب "مشاهير علماء نجد": "وكان رحمه الله لا يدع طالب العلم المبتدىء يقرأ عليه في الفقه والمطولات حتى يقرأ في مختصرات شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وهي "شروط الصلاة
وأركانها" و"أربع القواعد"، و"ثلاثة الأصول"، و"كشف الشبهات"، و"آداب المشي إلى الصلاة"، و"كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد"، فإذا قرأ عليه هذه المختصرات عن ظهر قلب سمح له في القراءة عليه في مختصر المقنع وغيره من كتب الفقه، وفي القراءة في بلوغ المرام وغيره من كتب أحاديث الأحكام وشروحها، والروض المربع شرح زاد المستنقع وهذه قاعدته وقاعدة من تقدمه من علماء دعوة التوحيد السلفية- رحمهم الله1.
وما زال الشيخ مستمرا في إمامة مسجد عمه المعروف بمسجد الشيخ وتدريس الطلاب فيه من عام 1339هـ إلى قبيل وفاته رحمه الله.
وقد تخرج على يديه أفواج من العلماء كثيرون شغلوا مناصب القضاء والتدريس والدعوة إلى الله والإرشاد والبحث العلمي.
وأذكر اثنين هم أبرزهم:
1-
الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز- رحمه الله الذي كان نائبه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ثم أسندت إليه رئاسة الجامعة بعد وفاة شيخه ورئيسها ثم أسند إليه منصب رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
2-
الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد- رحمه الله وكان آخر ما
1 مشاهير علماء نجد وغيرهم ص 139.
أسند إليه منصب رئيس المجلس الأعلى للقضاء.
وقد قضى خمسين عاما من بعد وفاة عمه في الدعوة إلى عقيدة السلف الصالح والجهاد في سبيل الله، والذب عن الإسلام بجد وحزم وصبر.
هذا ومع أعماله الكثيرة التي قام بها وهي تشق على الجماعة من الرجال، قد خلف وراءه من الفتاوى ما يبلغ المجلدات الكثيرة وقد جمع بعضها الشيخ عبد الرحمن بن قاسم وأكثرها في ملفات دار الإفتاء ويجري طبعها حاليا، وطبع منها حتى الآن عدة مجلدات. وله نصائح توجيهية عامة وخاصة، ورسائل قيمة كبيرة الفائدة قد طبع كثير منها1.
وتوفي رحمه الله عام 1389هـ _ ورثي بمراثي كثيرة ما بين شعر ونثر ومنها قصيدة للشيخ عبد الله بن إدريس تبلغ أبياتها عشرين بيتا- ومطلعها:
ما عاش إلا للعلوم وشرعة الإنصاف
…
وقضى الحياة مكرم الأَوصاف
ومنها قصيدة للدكتور كامل الفقي تبلغ اثنين وثلاثين بيتا ومطلعها:
دهى الجزيرة خطب ليس يحتمل
…
فلتنفطر مهج ولتنهمر مقل2
وقد أصدرت صحيفة الدعوة التي تصدر بالرياض عددا خاصا عنه، وذلك عددها231 الصادر يوم الإثنين 13 شوال عام 1389هـ يشتمل
1 عالم جهبذ وملك فذ، ص 12-13.
2 مشاهير علماء نجد وغيرهم ص 142، وعلماء نجد خلال ستة قرون ج1 ص 96.
على سبع وعشرين مقالة نثرا وشعرا1.
وقد عُني بترجمته وتدوينها أتم ما يعنى بتراجم علماء الأمة الإسلامية، الذين هم لأمتهم رواسى، ترسيهم أن يجهلوا أو يميدوا، كما هي الجبال، أوتاد ورواسى للأرض أن تميد أو تضطرب2، أولئك حملة عقيدة السلف الصالح والمتأثرون بها والدعاة إليها، وناشروها ومعلمو أممهم إياها- والذين وصفهم الشاعر المفلق محمد بن عثيمين بقوله:
الثابتين على الإيمان جَهْدَهُمُ
…
والصادقين فما خانوا ولا ختروا
الصادعين بأمر الله لو سخطوا
…
أهل البسيطة ما بالو ولو كثروا
والسالكين على نهج الرسول على
…
ما قررت محكم الآيات والسور
والعادلين عن الدنيا وزهرتها
…
والآمرين بخير بعدما ائتمروا
لم يجعلوا سلما للمال علمهم
…
بل نزهوه فلم يعلق به وضر3
إلى أن قال:
هذى المكارم لا تزويق أبنية
…
ولا الشفوف التي تكسى بها الجدر4
1 عالم جهبذ وملك فذ، ص 18- 22.
2 انظر: علماء نجد خلال ستة قرون للبسام ج1/ ص88-97، ومشاهير علماء نجد وغيرهم ص 134-146، وروضة الناظرين عن مآثر علماء نجد ج2 ص 302 - 308، وعالم جهبذ وملك فذ ترجمتان موجزتان للشيخ محمد بن إبراهيم والملك فيصل رحمهما الله ص 7-17.
3 العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين ص 477.
4 المصدر السابق ص 478.
ولقد صدق الشاعر العثيمين في وصفهم فإنهم قد سلكوا منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وصدعوا بأمر الله غير مبالين، ولا طامعين في الدنيا بديلا عن الآخرة.
وذلك الذي ذكرته عن العلماء ونشرهم العقيدة السلفية هو من آثار قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالدعوة إلى عقيدة السلف الصالح. وقد كانوا في عهد الملك عبد العزيز وعهد أبنائه من بعده.
وما ذكرناه من ذلك أمثلة يسيرة، ثم لا يعزب عن البال أَن الحاضرة من الناس تبع لهؤلاء العلماء ويصدرون عنهم في عقيدتهم وعبادة ربهم لاسيما تحت حزم الحكومة على ذلك.
أما ما يختص بالبادية الذين شملهم الله تعالى بنعمة الأمن والاستقرار تحت ولاية الملك عبد العزيز وقيادته وحزمه الموفق، فقد شمل إكرامه جميع عشائر البدو الرحل، وسعى في تحضيرهم ولم شملهم وتشجيعهم على الاستقرار يعاونهم على بناء المدن والقرى وهي ما يسمى بالهجر وسكناها لأن حياة البداوة والغزو والسلب والتفرق وسفك الدماء لا تقوم معها حياة دينية ولا دنيوية صحيحة مستقرة فأخذ يسكنهم هذه الهجر ويشجعهم على التعلم وتلقي علوم دينهم وأصول عقيدة السلف الصالح ومختصرات الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ذلك على أيدي المشايخ وأئمة المساجد وطلبة العلم وصار يبعث إليهم من يعلمهم ويرشدهم ويبث فيهم عقيدة السلف الصالح بكل عناية وحزم. وذلك ابتداء من سنة
1330هـ تقريبا، حيث كانت هجرة الأرطاوية أول هجرة بنيت سنة 1330هـ1.
ويقول حافظ وهبه: إن من أعظم المشروعات الإصلاحية التي قام بها الملك عبد العزيز: مشروع تحضير البادية وإِقطاعهم الأراضي للسكنى والزراعة، وتعليم المبادىء الدينية ومكارم الأخلاق، ولا شك أَنه حصل نجاح عظيم لإصلاحات الملك عبد العزيز وإِقبال على دين الله خاصة من البدو الرحل فقد أَقبلوا على الهجر يبنونها بمساعدة الملك عبد العزيز، ويبني لهم المساجد، ويبعث إليهم المشايخ والأئمة وطلبة العلم يعلمونهم دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، حتى تم تهجيرهم وأَقبل الناس على بناء حضارة إسلامية، وأغدق الله عليهم من نعمه الكثيرة في الدين والدنيا، والعلم والقراءة، والأمن والاستقرار، وما لا يحصى من النعم.
ويذكر حافظ وهبة: أنه في سنة 1347هـ في ثامن شهر جمادى الأولى أمر الملك بعقد المؤتمر النجدي أو الجمعية العمومية2، وكان مؤتمرا عاما، وفي هذا المؤتمر، قال الملك علنا وبصراحة تامة: "إني لم أطلب منكم أَن تجتمعوا اليوم في هذا المكان خشية منكم، فإني قد أسست هذه المملكة بقدرة الله وحده الذي عاضدني وساعدني والذي كتب لي الفوز وكتب
1 حافظ وهبه، جزيرة العرب في القرن العشرين ص 289.
2 جزيرة العرب في القرن العشرين ص 298.
لي التوفيق، وإن خوفي من الله وحده هو الذي حدا بي لأن أجمع شملكم اليوم لنتباحث معا وقد فعلت ذلك حتى لا أقع في نقيصة الإعجاب بالنفس والكبرياء".
وقال الملك: "أيها الإِخوان! تعلمون عظم المنة التي من الله بها علينا بدين الإسلام إذ جمعنا به بعد الفرقة، وأعزنا به بعد الذلة، واذكروا قوله تعالى: {فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ
…
} الآية، إِن شفقتي عليكم وعلى ما منَّ الله به علينا وخوفي من تحذيره سبحانه وتعالى بقوله:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} كل هذا دعاني لأن أجمعكم في هذا المكان لتذكروا:
أولا: ما أنعم الله به علينا فنرى ما يجب عمله لشكران هذه النعمة.
وثانيا: لأمر بدا في نفسي وهو أنني خشيت أن يكون في صدر أحد شيء يشكوه مني أو من أحد نوابي وأمرائي بإساءة كانت عليه أو بمنعه حقا من حقوقه، فأردت أن أعرف ذلك منكم لأخرج أمام الله بمعذرة من ذلك وأكون قد أديت ما علي من واجب.
وثالثا: لأسألكم عما في خواطركم وما لديكم من الآراء وما ترونه يصلحكم في أمر دينكم ودنياكم".
وقال الملك: "إن القوة لله جميعا، وكلكم يذكر أنني خرجت عليكم وكنتم فرقا وأحزابا يقتل بعضكم بعضا، وينهب بعضكم بعضا، وجميع من ولاه الله أمركم من عربي أو أجنبي كانوا يدسون لكم الدسائس؛ لتفريق كلمتكم، وإضعاف قوتكم لذهاب أمركم، ويوم خرجت كنت
محل الضعف وليس لي من عضد وساعد إلا الله وحده ولا أملك من القوة إلا أربعين رجلا تعلمونهم، ولا أريد أن أقص عليكم ما من الله به علي من فتوح ولا بما فعلت من أعمال معكم كانت لخيركم، إن تاريخ ذلك منقوش في صدركل واحد منكم وأنتم تعلمونه جميعا وكما قيل: السيرة تبين السريرة.
إنني لم أجمعكم اليوم في هذا المكان خوفا أورهبا من أحد منكم، فقد كنت وحدي من قبل وليس لي مساعد إلا الله فما باليت الجموع والله هو الذي نصرني، وإنما جمعتكم كما قلت لكم خوفا من ربي ومخافة من نفسي أن يصيبها زهو أو استكبار، جمعتكم هنا في هذا المكان لأمر واحد ولا أجيز لأحد أن يتكلم في غيره، ذلك هو النظر في أمر شخصي وحدي فيجب أن تجتنبوا في هذا المجلس الشذوذ عن هذا الموضوع، أما الأشياء الخارجة عن هذا فسأعين لكم اجتماعات خاصة وعامة ننظر فيها.
أريد منكم أن تنظروا أولا فيمن يتولى أمركم غيري، وهؤلاء أفراد الأسرة أمامكم فاختاروا واحدا منهم ومن اتفقتم عليه فأنا أقره وأساعده وكونوا على يقين بأنني لم أقل هذا استخباراً. لأنني ولله الحمد لا أرى لأحد منكم منة علي في مقامي هذا بل المنة لله وحده، ولست في شيء من مواقف الضعف حتى أترك الأمر لمنازع بقوة، ولا يحملني على القول إلا أمران:
الأول: محبة راحتي في ديني ودنياي.
والثاني: إني أعوذ بالله من أن أتولى قوما وهم لي كارهون، فإن أَجبتموني إلى هذا فذلك مطلبي ولكم أمان الله، فإن من يتكلم في هذا فهو آمن ولا أعاتبه لا آجلا ولا عاجلا، فإن قبلتم طلبي هذا فالحمد لله، وإن لا تزالوا مصرين على ما كلمتموني به على إثر دعوتي لكم فإني أبرأ إلى الله أن أخالف أمر الشرع وفي اتباع ما تجمعون عليه مما يؤيد شرع الله".
ثم قال: "ابحثوا في شخصي وأعمالي، من كان له علي أنا عبد العزيز شكوى أو حق أو انتقاد في أمر دين أودنيا فليبينه، ولكل من أراد الكلام عهد الله وميثاقه وأمانه إنه حر في كل نقد يبينه ولا مسؤولية عليه، وإني لا أبيح لإنسان من العلماء ولا من غيرهم أن يكتم شيئا من النقد في صدره، وكل من كان عنده شيء فليبينه ولكم علي أن كل نقد تذكرونه أسمعه فما كان واقعاً أقررت به وبينت سببه وأَحْلت حكمه للشرع يحكم فيه، وما كان غير بين وهو عندكم من قبيل الظنون فلكم علي عهد الله وميثاقه أنني أبينه ولا أكتم عليكم منه شيئا، وأحكم في كل ما تقدم شرع الله فما أثبته أثبته وما نفاه نفيته.
أنتم أيها الإِخوان: ابدوا ما بدا لكم وتكلموا بما سمعتموه وبما يقوله الناس من نقد ولي أمركم أو من نقد موظفيه المسؤول عنهم.
وأنتم أيها العلماء! اذكروا أن الله سيوقفكم يوم العرض وستسألون عما سئلتم عنه اليوم، وعما أمنكم عليه المسلمون، فابدوا الحق في كل ما تسألون عنه، ولا تبالوا بكبير ولا صغير، وبينوا ما أوجب الله للرعية على
الراعي، وما أوجب للراعى على الرعية في أمر الدين والدنيا، وما تجب فيه طاعة ولي الأمر، وما تجب فيه معصيته، وإياكم وكتمان ما في صدوركم في أمر من الأمور التي تسألون عنها ولكل من تكلم الحق عهد الله وميثاقه أنني لا أعاتبه.
إني أكون مسرورا منه، وإني أنفذ قوله الذي يجمع عليه العلماء، والقول الذي يقع الخلاف بينكم فيه أيها العلماء، فإني أعمل فيه عمل السلف الصالح، إذ أقبل ما كان أقرب إلى الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو قول أحد العلماء الأعلام، المعتمد عليهم، عند أهل السنة والجماعة، وإياكم أيها العلماء أن تكتموا شيئاً من الحق تبتغون بذلك مرضاة وجهي، فمن كتم أمرا يعتقد أَنه يخالف الشرع فعليه من الله اللعنة، أظهروا الحق وبينوه وتكلموا بما عندكم" 1.
وقد بين الملك لهم أنه فاوض البريطانيين حول المخافر التي بنيت على حدود السعودية من جهة العراق ولكنهم أصروا على ذلك وتمسكوا بمبانيهم بسبب ما افتاته الدويش عليه حيث غزاهم بحجة الجهاد من غير إذن الإمام فقتلوا عمال المخفر وبعض شرطته وأخذوا أموالهم واستباحوها غير مرة وبدون إذن الإمام فالدويش هو المسؤول عن فشل المفاوضات التي لولا ما فعله الدويش لنجحت، وعلى كل فالجهاد لابد فيه من إذن
1 انظر: تذكرة اولى النهى والعرفان، للشيخ إبراهيم بن عبيد، ج3 ص 183-186.
الإمام فهو يرى ما فيه المصلحة وهو نائب عن المسلمين ورأيه لهم خير من رأيهم لأنفسهم.
ولنعد إلى خطبة الملك نتأمل ما ورد فيها على ضوء عقيدتنا السلفية كما هو موضوعنا:
فهذا الملك قد خرج من الكويت ممتشقا سيفه يقطع به رؤوس الفتن ويخضع به كل معاند مستكبر حتى ذلت له كل صعبة وانقاد له كل مستعص وأمسك بيده زمام الأمور حتى أصبح أعظم ملك في زمانه عندئذ قال كلمة العقيدة السلفية الخالصة قالها من مركز القوة، مركز من يقول ويفعل، لأنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، وقالها من مركز التضحية والفداء، لأن بذل حظوظ النفس بسخاء هكذا، دليل صدق القائل بقوله.
أما مكاسب عقيدة السلف الصالح التي نصرها واستردها من غاصبيها فذلك أمر لا يتنازل عنه بحال، كيف؟ وقد كان يوم خروجه من الكويت يسترد مكاسب عقيدتهم السلفية على ما وصف من القلة والذلة ومع ذلك لم يبال بالجموع ولا من بأقطارها من الدول ثقة بالله وحده وطمعا في نصره سبحانه لهذه العقيدة المهضوم أهلها، والمستباح بيضتهم من أنفسهم.
ولكنه كان مستعدا لتنازله عن مكاسبه الشخصية وحظوظه النفسية، وهي وإن كان يستحقها لكنه يتنازل عنها في سبيل ظهور العقيدة السلفية وانتصارها وعدم المساس بشيء من مكاسبها التي
استردها، فحين يحيل في خطابه المؤتمرين إلى أحد أفراد الأسرة ليختاروا منها غيره هو دليل صدقه في تنازله عن حظوظه الشخصية مع عدم تفريطه بأي شيء من مكاسب عقيدة السلف الصالح.
والأسرة السعودية هي من مكاسب عقيدة السلف الصالح التي دعا إليها الشيخ، فلم تنعم الجزيرة كما هو المعروف من التاريخ بأنصار لعقيدة السلف مثل هذه الأسرة المباركة كما أن هذه الأسرة لم يكن لها شأن يميزها بالأفضلية قبل أن تنصر عقيدة السلف الصالح، وكأن الكلام الذي جرى بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد ابن عبد الوهاب "الدم بالدم والهدم بالهدم" هو ترجمان هذا الالتحام المصيري ومنذ تبايعا وتعاهدا وتعاقدا على نصرة دين الله ورسوله كان قد تم ظهور عقيدة السلف الصالح بائتلاف علماء العقيدة السلفية مع أنصارها لأن هذا الائتلاف من ماهية هذه العقيدة ومن ذاتيتها لا يتخلف إلا إذا تخلفت قلوب الناس عنها.
ولذا فإن حملة العقيدة السلفية لا ينسون لهذه الأسرة تاريخها ولا يرتابون في صدق وفائها لعهودها وعقودها، ولا يمكن أن تطمئن نفوسهم من خلال تجاربهم التاريخية لغيرهم، وحملة عقيدة السلف الصالح هم أهل الحل والعقد، لأن هذه العقيدة هي مركز ثقل المسلمين وثقتهم وقد جَرَّبُوا غياب هذه الأسرة عن الحكم فرأوا في غيبتهم ضعف العقيدة والتفرق وعدم الأمن، وهذا ما يفهمه الملك عبد العزيز راسخا في نفوس المؤتمرين،
بل إِنه يذهب إلى أبعد من ذلك في سبيل تحقيق مكاسب عقيدة السلف الصالح، إنه لا يتأخر عن تقديم نفسه وأسرته ضحية في سبيل ذلك.
قال رحمه الله من خطبة له:
"أنا مبشر أدعو لدين الإسلام، ولنشره بين الأقوام.
أنا داعية لعقيدة السلف الصالح، وعقيدة السلف الصالح هي التمسك بكتاب الله وسنة رسوله وما جاء عن الخلفاء الراشدين، أما ما كان غير موجود فيها، فأرجع بشأنه إلى أقوال الأئمة الأربعة، فآخذ منها ما فيه صلاح المسلمين.
أنا مسلم، وأحب جمع كلمة الإسلام والمسلمين. وليس أحب عندي من أن تجتمع كلمة المسلمين ولو على يد عبد حبشي، وإنني لا أتأخر عن تقديم نفسي وأسرتي ضحية في سبيل ذلك" 1.
ويقول: "ليس لهذا الملك وعظمته عندي من قيمة وإنما الذي أحبه وأريده هو رضاء الله تعالى".
ويقول: "أرجو الله أن يوفقنا للخير، وافهموا أننا لا نُعِزُّ أحدا ولا نذل أحدا، وإنما المعز والمذل هو الله سبحانه وتعالى، ومن التجأ إليه نجا ومن اعتز بغيره هلك"2.
وقد بين العلماء ونصحوا كما أمرهم الملك الإمام وقد كانوا من
1 الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، تأليف خير الدين الزركلي، ط 2 ص 216.
2 تاريخ المملكة العربية السعودية، للصف الثالث المتوسط، ط1 عام 1394 هـ ص 210.
أول الأمر ينصحون للراعي والرعية، وما زالوا يسايرون الأحداث ويداوونها بعقيدة السلف الصالح رحمهم الله تعالى.
وكم كان للشيخ عبد الله بن عبد اللطيف من مواقف حاسمة وإرشادات صحيحة تُنْبِئُ عنها مراسلاته للإخوان في عهد الملك عبد العزيز يحذرهم الضلال والفرقة ويبين الهدى والجماعة، وهذه المراسلات موجودة في الدرر السنية في الجزء7 من ص 265 –278 ومن ذلك قوله في بعضها:
" قد بلغني عن بعض من غره الغرور من الطعن في العلماء ورميهم بالمداهنة وأشباه هذه الأقاويل التي صدت أكثر الخلق عن دين الله وزين لهم الشيطان بسبب ذلك الطعن في الولاية بأمور حقيقتها البهتان والطعن بالباطل"1.
وقد كتب هو وعدد من العلماء للملك عبد العزيز رسالة سنة 1338هـ هذا أولها بعد البسملة:
" من عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن، وحسن بن حسين، وسعد بن حمد بن عتيق، ومحمد بن عبد اللطيف، إلى جناب عالي الجناب الإمام المفخم والرئيس المقدم عبد العزيز ابن الإمام عبد الرحمن آل فيصل".
1 الدرر السنية ج 7 ص 376.
ثم ذكروا السبب لتحريره وأَنه محض النصيحة وبينوا له نعمة الإسلام، ومن ذلك أنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بالسمع والطاعة، كما لا يخفى على الملك ولا على أحد له معرفة بالإسلام، ومن ذلك منة الله تعالى في آخر هذا الزمان الذي اشتدت فيه غربة الإسلام، بهداية غالب بادية أهل نجد خصوصا رؤساؤهم وما جعله الله من حظ وافر للملك عبد العزيز في إعانتهم ببناء مساجدهم ومدنهم، وفشو الإسلام في نجد جنوبا وشمالا، وعناية الله بعباده، وحكمته لا يعلمها إلا هو، ولكن الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف ومن معه رأوا أمرا يوجب الخلل على أهل الإسلام ويدخل التفرق في دولتهم وهو الاستبداد من دون إمامهم بزعمهم أنه بنية الجهاد، ولم يعلموا أن حقيقة الجهاد ومصالحة العدو وبذل الذمة للعامة وإقامة الحدود أنها مختصة بالإمام ومتعلقة به، ولا لأحد من الرعية دخل في ذلك إلا بولايته، والذي يعقد له راية ويمضي في أمر من دون إذن الإمام ونيابته فلا هو من أهل الجهاد
في سبيل الله، إلى آخر ما دونوه في هذه الرسالة1.
وفي رسائل أخرى ومناسبات متعددة كان جميع المشايخ من علماء الدعوة يبينون عقيدة السلف الصالح للناس ويحثونهم على الجماعة والسمع والطاعة، ويبينون حقوق الراعي والرعية وما يجب لكل وما يجب عليه
1 الدرر السنية ج 7 ص 277، 278.
ويحذرون من خطر القول على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بلا علم، والتحذير من أمور الشيطان التي يدخلها على أهل الدين من المسارعة في التكفير والتهاجر والتقاطع واتهام علماء المسلمين بالمداهنة وإساءة الظن بهم وعدم الأخذ عنهم مما هو سبب للحرمان من العلم النافع وإساءة الظن بولي الأمر وعدم الطاعة له وعلى العموم فقد كانت للمشايخ فتاوى سديدة ومواقف حميدة، تجاه كل حادثة وفي كل مناسبة وما قصروا في بيان عقيدة السلف الصالح واستقصاء ذلك يطول، وحصره يصعب، ومن أراد الاطلاع على شيء من ذلك فنحيله على مجموعة الدرر السنية ج7 ص 277- 345.
وهكذا كان أثر عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية يخمد الفتن ويداوي الأمراض ويجمع الأمة تحت راية واحدة، ويُلم شعثها على إمام واحد، وينبذ الفرقة والخلاف ولا يقر الشذوذ والاعتساف، ويميت الهوى والبدعة، ويدعو إلى الائتلاف وإقامة السنة ولا غرو فعقيدة الشيخ هي مذهب أهل السنة والجماعة وعقيدة السلف الصالح رحمهم الله تعالى.
وما زال أثر عقيدة الشيخ يحمله العلماء والزعماء وكلما مضى علماء وزعماء ورثهم علماء وزعماء آخرون حتى وصل إلينا عن طريق علمائنا وزعمائنا المعاصرين وأذكر منهم بالثناء طبقة الشيخ محمد بن إبراهيم وتلاميذه الذين كانت لهم حلقات علم في المساجد وغيرها.
وكذلك من تخرج من الكليات الشرعية في جامعات المملكة وتلقى عقيدة السلف الصالح بالقبول والرضى والعمل.
وأخص بالذكر الرّئاسة العامة للكليات والمعاهد العلمية والتي تحولت إلى جامعة باسم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وتعددت فروعها في أنحاء المملكة خصوصا معاهدها العلمية، فقد كان لها أثر طيب في نشر عقيدة السلف الصالح.
وأذكر بالثناء والولاء والعرفان الزعماء الذين عاصروا أولئك العلماء إلى يومنا هذا من آل سعود ومن وازرهم في نشر الإسلام، منذ الملك عبد العزيز رحمه الله.
كما ذكرنا جانبا من أثر عقيدة الشيخ السلفية على يديه ويدي من بعده إلى يومنا هذا، وأنه بعد أن توفي الملك عبد العزيز تولى بعده الملك سعود بن عبد العزيزرحمه الله والذي تم على يديه فتح الجامعة الإسلامية، وكان في المناسبات يشكر الله على ما حبا به الشعب السعودي من نعمة التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في السمع والطاعة ولزوم طريق أهل السنة والجماعة.
ويذكر أن أول ما يهم الجميع هو الاعتصام بحبل الله المتين واتخاذ الوسائل التي تمكن روح التوحيد الخالص في قلوب أفراد الشعب كافة حتى يخلص الجميع العبادة لله وحده، والسير في ذلك بهدي الكتاب والسنة في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة في كل مجال وعلى الأخص في المدارس، ومراقبة ذلك وحث الناس على كل ما يأمر به الشرع الإسلامي ومنعهم من كل ما ينهى عنه، لأن في ذلك خيري الدنيا
والآخرة ولأنه ليس شيء من الخير، إلا أمر به الإسلام، وليس شيء من الشر إلا ينهى عنه الإسلام1.
ثم الملك فيصل بن عبد العزيز ذو الأفق الواسع والجهد الصادق في السير مع المسلمين والدول الإسلامية في ما يحقق للمسلمين جميعا تضامنهم عملا بقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} 2 ومادام أن العالم الإسلامي يشكل كتلة واحدة تربط أجزاءه وشعوبه عقيدة واحدة، كما ورد ذلك في القرآن الكريم {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 92) ، ويتعرض العالم الإسلامي كله لهجمات سياسية وفكرية من أعدائهم فكل ذلك يحتم على المسلمين أن يتضامنوا لاسيما في مقابل تضامن أعدائهم عليهم من اليهود والصهيونية في كل أنحاء العالم، وأن جَمْعَ أكثر من ستمائة مليون مسلم على الشعور بالرابطة الإسلامية وتوحيدهم بذلك كفيل بالوقوف دون أعدائهم أن يستبيحوا بيضتهم وأن يتسلطوا عليهم، ويحتلوا ديارهم كفلسطين وغيرها.
ولهذا تبنى الملك فيصل رحمه الله الدعوة إلى مؤتمر القمة الإسلامي
1 انظر: تاريخ الدولة السعودية، عهد سعود بن عبد العزيز، تأليف أمين سعيد، المجلد الثالث ص 17-18.
2 سورة آل عمران آية: 103.
بالرباط سنة 1389هـ، ثم تلته مؤتمرات إسلامية أخرى.
ومن خطاب له ألقاه في موسم الحج للدعوة إلى تضامن المسلمين:
" إخواني
…
إننا اليوم في هذا العصر الذي يتعرض فيه الإسلام إلى امتحان واختبار، نتجه بأفئدتنا إلى العلي القدير ضارعين أن يثبتنا جميعا وأن يهدينا سواء السبيل، وأن ينير لنا طريقنا القويم.
أيها الإخوة
…
إن الإسلام هو دين المحبة دين الأخوة دين السلام، دين القوة، دين العلم، دين البناء، دين التقدم، دين الفضيلة
…
لم يبق فضيلة ولا مكرمة إلا دعا إليها، ولم يبق رذيلة إلا حذر منها، فحينما نقوم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وإلى اتباع ما جاء به في كتابه وسنة نبيه، فإنما تؤدون واجبا مفروضا عليكم تجاه ربكم ودينكم وتجاه أنفسكم، وإن واجب المسلمين أن يتكاتفوا وأن يثبتوا لما يصيبهم من مكاره وما يعترض سبيلهم من صعاب، وعليهم أن يسعوا إلى ما يؤلف قلوبهم ويقرب بينهم، ويبذر بذور المحبة والأخوة والتعاون فيما يصلح دينهم ودنياهم " 1.
وقال رحمه الله في خطبته التي ألقاها في موسم الحج عام 1388هـ، وهو يتحدث عن تحرير المسجد الأقصى:
" أيها الإخوة المسلمون! نريدها غضبة ونهضة إسلامية، لا تدخلها
1 تاريخ المملكة العربية السعودية، للصف الثالث المتوسط ط 1 عام 1394 هـ
ص 291.
قومية ولا عنصرية ولا حزبية، إنما دعوة إسلامية دعوة إلى الجهاد في سبيل الله، في سبيل ديننا وعقيدتنا دفاعا عن مقدساتنا وحرماتنا، وأرجوا الله سبحانه وتعالى أنه إذا كتب لي الموت أن يكتب لي الموت شهيداً في سبيل الله" انتهى.
ونرجو أن يكون قد نال الشهادة التي تمناها1.
ومن كلمة له ارتجلها في الحفل الذي أقامته الجامعة الإسلامية بمناسبة زيارته لها قال:
" ليس غريباً أن أرى وأسمع وألمس في هذه الجامعة ما يثلج الصدور ويبهج الخاطر من انطلاقة إسلامية كبرى وأرجو لها النجاح وأرجو أن تؤتي ثمارها في أقطار العالم الإسلامي لخدمة هذه الدعوة المباركة والنهوض بها والسعي إلى نشرها بين أبناء الملة الإسلامية والدعوة إليها بين أبناء الملل الأخرى وإنني لأرجو لها نجاحا باهرا مادامت ترتكز على مثل هذه السواعد ومثل هذه الروح الوثابة المنطلقة بحول الله لنشر هذا الدين والدعوة إليه والجهاد في سبيله.
أيها الإخوة:
إن المسئولية الملقاة على عواتقكم وعواتق الجميع مسئولية كبرى فاسعوا إلى التفقه في دينكم ومعرفة كل ما يمكن معرفته لتكونوا مسلحين
1 عالم جهبذ وملك فذ، بقلم عبد المحسن العباد ص 26، 27.
بسلاح العلم وسلاح الفقه وبسلاح المعرفة حتى تكونوا مستعدين لما يجابهكم من صعاب ومن دعوات مضلله ومن مجهودات يرغب ويأمل أصحابها أن يأخذوا من هذا الدين وأن يحطوا من قدره وأن يهاجموه بكل ما أوتوا من قوة، وإنني لأرجو الله مخلصا أن يهبكم الصبر والشجاعة والقوة لتكافحوا في سبيل هذا الدين ولتبصروا الناس بما يحتويه هذا الدين وما تحتويه هذه الدعوة والشريعة من مزايا ومن مكارم ومن أسس هي أصلح ما يكون للبناء الذي يهدف إلى صالح البشر وإلى خير الأمة ولا يهدف إلى التزوير وإلى البدع والمضللات وإلى هدم الكيانات البشرية وإلى هدم الأخلاق وكل ما هو كريم في بني الإنسان.
أيها الإخوة:
إن أمامكم طريقا شاقا وطريقا طويلا وصعابا جمة، وأرجو أن تتسلحوا لها بالعلم والعرفان والنفس المطمئنة الصابرة الحكيمة في الدعوة إلى الله - وقد قال سبحانه وتعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وجادل الكفرة وجادل المشركين وجادل المرتدين والملحدين والمعاندين حتى تلقمهم الحجة وتتغلب عليهم بالحكمة والعقل والصبر، فهذا هو السبيل إلى الدعوة وهذا هو السبيل إلى تنوير أذهان الناس وتبصيرهم فيما تحتويه هذه الدعوة وما يحتويه الشرع الإسلامي، والدين الإسلامي من مزايا وخصائص لا يمكن أن تخطر على قلب بشر ولا يمكن أن ينكرها أو يجحدها إلا جاحد أو مكذب ".
إلى أن قال:
" إن ما نقوم به في سبيل نشر العلم والدعوة إلى الله ونشر الثقافة الإسلامية ما هو إلا قليل مما يجب علينا، ولكننا نسير حسب الإمكانيات وحسبما يتحمله أو يقتدر عليه مجهود البشر، ولكن ثقوا بحول الله، أننا سائرون بكل ما أوتينا من قوة لنصر ديننا ولخدمة الإسلام وللدفاع عنه ولتبصير الناس به، فمن أراد الحق ومن أراد الخير فسبيله واضح، ومن أراد غير ذلك استعنا عليه بالله سبحانه وتعالى، ثم بقوة العقيدة والإصرار على التمسك بها، فإن أخشى ما يخشى على المسلمين هو إدخال الشك في نفوسهم من عقيدتهم ومن دينهم، وهذا ما يخشى على المسلمين منه، وإنني أرجو الله مخلصا أن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه وأن يحفظنا بالإسلام وأن يوفقنا لسبيل الحق والصواب "1.
ومن كلمات الملك فيصل رحمه الله:
" إن غيرنا من الحكام مقلدون وليسوا مبتكرين ونحن لسنا في حاجة إلى استيراد تقاليدنا من الخارج، وقد كان لنا تأريخ مجيد وقدنا العالم، نحن لنا أجداد وأمجاد وتاريخ وتراث، فلماذا نتنصل من هذا ونلتفت يمينا وشمالا نتلمس الطريق ونتلمس المبادىء، تراثنا أشرف تراث وتاريخنا أشرف تاريخ وأمتنا خير أمة أخرجت للناس ونحن لا نقبل أبدا أن يقال
1 المرجع السابق ص 32-38.
عن ديننا وعن شريعتنا إنه دين التأخر والجمود نحن نريد لأمتنا أن تكون قائدة لا مقودة وأن تكون في المقدمة لا في المؤخرة وبإمكاننا أن نتقدم ونمسك الأمر إذا اتبعنا كتاب الله وسنة نبيه" 1.
ومن ضمن ما تدعو إليه مفاوضات الملك فيصل مع رؤساء الدول الإسلامية هو التمسك برسالة الإسلام الخالدة نصا وروحا.
وقام الملك فيصل برحلات إلى الأقطار الأفريقية والآسيوية وبعض الدول الأوربية لشرح وجهة نظر المملكة من منطلق إسلامي تجاه الخطر الصهيوني على العرب والمسلمين.
وكان فيصل رحمه الله قد تربى في بيت جده لأمه العلامة الحبر الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ والذي تقدم ذكر شيء عنه. وتعهده منذ نعومة أظفاره بتلقينه أصول الدين الحنيف ومبادىء العلوم، وحفظ في رحاب أبيه الملك عبد العزيز كثيرا من تجاربه، وقال:"إن والدي هو مدرستي الحقيقية"2.
ثم الملك خالد وكان رحمه الله رجلا فاضلا متواضعا ذا سجايا حسنة وأخلاق فاضلة وزامل كبار تلاميذ الشيخ محمد بن إبراهيم في
1 تاريخ المملكة العربية السعودية للصف الثالث المتوسط، ط 1 عام 1394 هـ،
ص289-290.
2 انظر: تاريخ المملكة العربية السعودية للصف الثالث المتوسط وفق المنهج الجديد،
ط 1 عام 1394هـ ص 221-291.
الدراسة، كالشيخ عبد الله بن حميد- وقد حدثني بذلك الشيخ ابن حميد رحمه الله.
وكان مما أعلنه الملك خالد في أول جلسة لمجلس الوزراء بعد توليه الملك شعوره بعظم المسؤولية ومشقتها التي تحملها هو وأعضاء حكومته وبين أن الواجب هو الإستعانة بالله وحده والحرص على بذل المجهود والاهتمام بكل ما من شأنه إِسعاد هذه الأمة وحفظ دينها وإصلاح دنياها وبين أن البلاد السعودية ليست مثل بلاد العالم من الناحية الإسلامية لأن كل المسلمين يتطلعون إليها وأن أهل هذه البلاد مغبوطون بشريعة الله وسنة رسوله كما هم مغبوطون بثروتهم المادية.
وقد عاضده ولي عهده الملك فهد بن عبد العزيز وإخوانه في تحمل هذه المسؤولية وفي عهده عقد مؤتمر القمة الإسلامي في مكة والطائف وعن ذلك المؤتمر صدر بلاغ مكة للعالم الإسلامي.
ثم الملك فهد بن عبد العزيز أيده الله وأعز به الإسلام، وهو الرئيس الأعلى للجامعة الإسلامية، وكان في كل مناسبة يحث على التمسك بالعقيدة الإسلامية ويؤكد أن قوتنا مستمدة من العقيدة الإسلامية وتنفيذ العقيدة الإسلامية حرفياً ونفتخر بذلك.
ويقول: " هذه الجامعة عندما أسست قصد بها شيء معين في الواقع هو المساهمة في بث روح العقيدة الإسلامية الصحيحة الخالية من الشوائب".
ويقول عن نشاط الجامعة في الخارج: "نؤكد أن الأساس هو كيف يمكن أن تعطى المملكة مجالا بواسطة الجامعة الإسلامية وأن تبرز العقيدة الإسلامية في إطارها الصحيح الخالي من الشوائب وأظن الإخوان يدركون تماما أنه فاتت مئات السنين وأدخلت على العقيدة الإسلامية أمور كثيرة والعقيدة الإسلامية براء منها، وقد أدخل هذه الأمور من أراد أن يبرز العقيدة الإسلامية بأنها عقيدة غير صالحة وغير مفيدة وأن دورها انتهى، والواقع أن دور العقيدة الإسلامية يتجدد دائما...... كذلك أبانت الطريق وأنارته لما فيه خير المجتمع سواء كان من ناحية العبادات أو من ناحية التشريع وبهذا يكون البشر سعيدا إذا التزم بمبادىء العقيدة الإسلامية. هذا الباب طُرِقَ من مستشرقين غير مسلمين وأبانوا بشكل أو بآخر التنظيمات والتشريعات التي أنزلها رب العزة والجلال على نبيه، على أنها صالحة في هذا العصر وفي هذا الوقت، لأن العالم جرب مبادىء وعقائد مادية مختلفة ووجد أنها غير كافية ولا تستطيع أن تسعد البشر ووجد في العقيدة الإسلامية الرأفة والرحمة والمحبة والقوة التي تبني على الحق، فلذلك نأمل أن نوفق ونؤدي واجبنا في هذا الإطار"
إلى أن قال: " الآن وهذا من فضل الله أصبحت البلاد الإسلامية وغير الإسلامية حرة تتمتع بالحرية التامة وقادة المسلمين فيها هم المسؤلون مسئولية مباشرة عن أن يجعلوا العقيدة الإسلامية هي الأساس في تكوينهم سواء في العبادات أو في أمورهم الخاصة والعقيدة الإسلامية والحمد لله صريحة وواضحة المعالم ومن سلك الطريق الإسلامي على الأسس
الصحيحة، لابد أن يصل إلى فضيلتين: فضيلة ما ينعم به الله عليه في هذه الدنيا والرصيد الأكبر في الآخرة، ربنا أبان لنا الطريق
…
إنما الدنيا كلها
زائلة ولا يبقى إلا ما قدم الإنسان من عمل صالح ".
ثم قال: " بقي شيء واحد وهو أن أوجه كلمة قصيرة لطلبة الجامعة الإسلامية هي أن يواصلوا هذا المجهود الخير، سواء في ذلك إخواننا الذين قدموا من جميع البلدان الإسلامية أو من السعوديين الموجودين فيها، أن يستبصروا العقيدة الإسلامية التبصر الصحيح
…
العقيدة الإسلامية والحمد لله أبانت الأمور بشكل غير قابل للنقاش إلا من أراد أن يوهم بأشياء أخرى.. الدين الإسلامي وسط.. لا رهبنة في الإسلام.. لأنه يمكن الكثير يعتقد في ناحية التصوف أو النواحي الأخرى التي هي بعيدة عن منطق الإسلام. هذا هو الإسلام. بالعكس الإسلام فيه المرونة والمحبة والتقوى والعمل والجد والنشاط، لم تأمر العقيدة الإسلامية بالكسل أو التكاسل أو التصوف على غير معنى
…
لأن هذا البلد والحمد لله بلد إسلامي وكل ما أرجوه أن يكونوا رسل البلاد الإسلامية الذين شرفوا المملكة العربية السعودية ورحبت بهم أن يعودوا إلى أوطانهم دعاة للإسلام في الإطار الصحيح كلنا نعرف ما أدخل على العقيدة الإسلامية والسبب من المسلمين أنفسهم.. ليس من العقيدة الإسلامية.. العقيدة الإسلامية إلى أن تقوم الساعة وهي القمة فلذلك أرجو أن ندرك معنى العقيدة الإسلامية،
ولا نقع فيما وقع فيه الغير بواسطة من يريد أن يبعدنا عن مسار العقيدة الإسلامية الصحيح ".
إلى أن قال: " وسوف نسير في الخط المستقيم إن شاء الله، ونجعله
دائما الهدف الرئيسى
…
نتمسك بعقيدتنا الإسلامية وربنا وعدنا بالحق: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} (محمد:7) ."
وكل هذه الكلمات قد سمعناها من الملك فهد خلال لقائه مع منسوبي الجامعة الإسلامية وغيرهم بالمدينة المنورة يوم الثلاثاء16 محرم 1403هـ1.
وعلى العموم فولاة الأمر قد فهموا أَن من واجبهم واللازم عليهم أن يكونوا حماة لمهد الإسلام ومكاسب عقيدة السلف الصالح، والتي تحققت على أيديهم وأن يكونوا أمناء على خدمة الإسلام ونشره بالنفس والنفيس، وأن يكونوا قدوة في التمسك بعقيدة السلف الصالح والعمل بأحكام الشريعة الإسلامية.
يقول حافظ وهبة في أثر التمسك بعقيدة السلف الصالح:
1 انظر: الكتيب الذي أصدرته وزارة الإعلام- الإعلام الداخلي، بعنوان الفهد فى رحاب الجامعة الإسلامية ص، ص 0 1، 16-17، 23-34، 31، 39، 40. وانظر الكتاب الذي أصدرته إدارة العلاقات العامة بالجامعة الإسلامية فى 30 صفر 1403 هـ. عن لقاء الملك فهد بن عبد العزيز مع أبنائه طلاب الجامعة الإسلامية، وبلغت صفحاته (239) صفحة.
"إن العقيدة الراسخة عند النجديين- أمرائهم وعلمائهم- أن الله مكنهم في جزيرة العرب، وأن سلطانهم في تلك الجزيرة لإحياء معالم الشريعة، وإظهار دين الله وجعل سلطان التوحيد في الجزيرة هو السلطان الأول. وإزالة كل أثر من آثار الشرك".
ولقد قال الإمام سعود في خطبته بعد دخول مكة سنة 1218هـ:
"إنا كنا من أضعف العرب، ولما أراد الله ظهور هذا الدين دعونا إليه، وكل يهزأ بنا ويقاتلنا".
وكان الملك عبد العزيز رحمه الله في كل مناسبة يشير إلى هذا ذاكرا فضل الله عليه وعلى أجداده من قبل وأن ما وقع على آل سعود في أيامهم الأولى لم يكن إلا عقوبة لهم من الله تعالى لتهاونهم في أمر المحافظة على الدين والانصراف إلى أمور الدنيا.
ولذا فإن المشايخ من وقت لآخر مازالوا يقدِّمون النصيحة لإمامهم ويوصونه بالمحافظة على الدين والأخذ على أيدى المتهاونين به، إذا رأوا شيئا من التراخي والتهاون من ذوي النفوذ والسلطان " 1.
وكما قال حافظ وهبة: " لا يزال العلماء وذوو الحجى في كل عهد يقدمون النصيحة ولا يتوانون في لفت نظر ولي الأمر منهم إلى ما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين ويذكرونه بعاقبة التفريط وأن الله لا يغير ما
1 جزيرة العرب في القرن العشرين، تأليف حافظ وهبة ص 328.
بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " 1.
وقد ثبت الله بهؤلاء جميعا الأمة، ونفع بعلم العلماء منهم الناس وقمع بهم بوادر الفتن بسلطان العلم، وسلطان السيف كما قال الشاعر
في الملك عبد العزيز:
فجئت بالسيف والقرآن معتزم
…
تمضي بسيفك ما أمضاه قرآن
وأبلغ من ذلك قول الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحديد: 25) .
هذا ومن يتأمل عهد آل سعود وأثر عقيدة الشيخ السلفية فيه يجده متكامل البناء متصل الحلقات، وكم لهم من يد طولى في نشركتب السلف الصالح وطباعتها وبذل الأموال الطائلة على التعليم ونشر الإسلام في الآفاق وهم بذلك أسبق أمم أهل الأرض في هذا الزمان قاطبة وأسدهم منهجا، وأسلمهم طريقا، فمنذ عهد الملك عبد العزيز وكتب السلف تطبع وتنشر وتوزع مجانا، هذه مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، والدرر السنية، ومجموعة فتاوى ابن تيمية، وكتب ابن القيم، وكتب الفقه، والتفسير، والحديث، في ذلك بين أيدينا شاهدة بآثارهم، وغيرها مما لا يحصيه إلا الله تعالى وقد تمت طباعة ذلك ونشره في هذا العهد المبارك، مما
1 المصدر السابق.
كان له أعظم سبب في نشر عقيدة السلف الصالح ولولا فضل الله تعالى بهذا العهد الميمون ما وصل إلينا من ذلك عين ولا أثر، ونخص رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالذكر لما لها من اختصاص بهذه الناحية وأعمال جليلة ظاهرة من نشر لكتب السلف، ودعوة وإرشاد وإفتاء في عقيدة السلف الصالح رحمهم الله.
انتشار مؤلفات وآثار الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
ويحسن هنا استعراض كيفية انتشار مؤلفات وآثارالشيخ محمد بن عبد الوهاب بصفة خاصة لما لها من أثر في نشر عقيدة السلف الصالح وإعادة الناس إليها غير أنه تمشيا مع ما تقتضيه طبيعة الدراسة الجامعية وهي الإِفادة من جهود السابقين إذا كانت جهودا علمية صادقة وعدم إهدارها أو إغفالها، لأن الدراسات العلمية متكاملة، وتهدف إلى الوصول إلى الحقيقة العلمية، فسأكتفي في هذه النقطة بالإحالة على مجهود سبقني قد أتى عليها وفرغ من بحثها صاحبه ألا وهو:
دليل ببليوجرافي:
أصدره الدكتور أحمد الضبيب وهو عميد شؤون المكتبات بجامعة الرياض في كتاب عنوانه: "آثار الشيخ محمد بن عبد الوهاب، سجل ببليوجرافي لما نشرمن مؤ لفاته"1.
1 طبع طبعة أولى في الرياض، بالمطابع الأهلية للأوفست في 199 ص عام
1397 هـ.
ومقصود مؤلفه أن يجد الباحث بغيته ميسرة، توخى فيه مؤلفه أن يكون كتابا جامعا للمتفرق من أعمال الشيخ ولجميع ما سطره مما وصل إلى علمه مطبوعا، يدل على مظانها وتواريخ طبعها، وأماكن نشرها، وعدد هذه الطبعات وصورها المختلفة.
وجعلها في ثلاثة أبواب خصص أولها وأضخمها لما كتبه الشيخ في العقيدة ذلك أن معظم ما كتبه الشيخ يتعلق بالعقيدة، والثانى لما كتبه الشيخ في الفقه، والثالث لما كتبه الشيخ في التفسير والحديث والسيرة النبوية.
وقسم الباب الأول إلى فصول ثلاثة:
1-
الكتب والرسائل والنبذ، ويشتمل على ما كتبه مستقلا في شكل كتاب، أو عالجه في رسائل قصيرة أو مطولة، أو سطره في هيئة نبذ قصيرة تتعلق بموضوعات معينة وقد طبع بعض ذلك مستقلا، وطبع بعضه ضمن مجموعات الدعوة السلفية.
2-
المسائل والأجوبة، وأكثر هذه ردود على أسئلة موجهة للشيخ حول موضوعات معينة في العقيدة، أجاب عنها إجابات تختلف طولا وقصرا.
3-
المكاتبات، وتشمل رسائله الخاصة التي بعثها إلى أشخاص
بأعيانهم أو منشوراته العامة التي يوجهها إلى أهالي القرى والمدن ومن يراها من المسلمين.
والباب الثاني لما كتبه الشيخ في الفقه، وضمنه فصلين:-
الأول: الكتب والرسائل والنبذ.
الثاني: الفتاوى والأجوبة الفقهية.
والباب الثالث: لما كتبه الشيخ في تفسير القرآن الكريم والتعليق على بعض آياته، وما ألفه في الحديث والسيرة النبوية، واشتمل هذا الباب على
فصلين:
الأول: ما كتبه في تفسير القرآن الكريم والتعليق على بعض آياته واستمداد بعض المسائل من هذه الآيات.
والثاني: ما كتبه في الحديث والسيرة النبوية، وتعليقات الشيخ على بعض الأحاديث.
إلا أن الباحث في عقيدة الشيخ السلفية لا يستغني بهذا القسم الذي سماه الدكتور قسم العقيدة عن ما كتبه الشيخ رحمه الله في التفسير والحديث والسيرة وفروع الدين مما له صلة وثيقة بالعقيدة، فإن الشيخ رحمه الله بين الوحدة الموضوعية الجامعة لهذا الدين برسالته العظيمة الأصول الثلاثة، الرب، المعبود، والعبادة ودين الإسلام بمراتبه الثلاث وأدلته من الكتاب والسنة، والرسول بخصائصه وحقوقه صلى الله عليه وسلم.
ولذا لابد من الإلمام بجميع ما أثر عن الشيخ بقدر الطاقة.
وقد ألحق الدكتور الضبيب بكتابه فصلا مستقلاً يشتمل على بعض ما كتب من شروح على بعض مؤلفات الشيخ، وضم إلى ذلك قائمة ببعض الكتب التي تناولت شخصية الشيخ بالترجمة.
وهذا السجل لا يستوفي جميع ما سطره الإمام المجدد ونشر من بعده وللمؤلف عذره في هذا، لكن فاته مما توخى أشياء:
فإنه مثلا أغفل ذكر مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، الأجزاء1، 2، 3 وفي الأول منها آثارللشيخ ورسائل، بينما نجده ذكر الجزء الرابع من هذه المجموعة وذكر جميع أجزاء الدرر السنية حتى جزئي: 9، 11 رغم خلوهما من ما سطره الشيخ ولم يذكر نبذة كتبها الشيخ وهي موجودة في الجزء الثاني من الدرر السنية في صفحة 12، كما لم يذكر وجود النبذة التي أولها: " الواجب عليك أن تعرف إرسال الرسل في الدرر السنية ج 1ص 95.
ولم يحقق نسبة بعض ما نسب للشيخ من مؤلفات وآثار كما وقع له في كتاب "نصيحة المسلمين بأحاديث سيد المرسلين" ونسبه للشيخ1. وهو ليس له كما حققناه في الكلام عن مؤلفاته في المدخل.
وانظر. المواد 69-74، ص 32، 33، ومادة 889- 891،
ص 153-154 من كتابه المذكور.
1 المقدمة ص 9.
وجعل لرسالة قواعد الدين الأربع عنوانين للمطولة عنوان وللمختصرة عنوان آخر وموضوعهما واحد، إلا أن الأولى مطولة، والثانية مختصرة ووقع خطأ في ترقيم الصفحات المحال عليها في المادة 429 ص 87- وقد التزم أن يذكر طرفا من أول كل مادة1، في كتابه ولم يذكر أول المادة رقم 34-35 ص 27.
وكرر مادة واحدة من غير فائدة فانظر: مادة 297 هي مادة 311، ومادة 298 هي مادة 312.
وخلط في الإحالة على الصفحات مادة مع مادة، في المادة رقم 213 ص 52 "كلمة لا إله إلا الله.. " دمج معها رسالة أخرى أولها "اعلم أرشدك الله.." وكان قد ذكرها تحت المادة 211 ص 51 بعنوان: كلمة التوحيد، ولم يذكر وجودها في الدرر السنية، ج2 ص 62-65.
وحصل خطأ في كتابه تعليق على مادة"422" وهو إنما يصلح لمادة 416.
وعلى الرغم من ذلك فهو أول دليل يسجل معظم أعمال الشيخ محمد بن عبد الوهاب من مؤلفات وآثار حسب قواعد علم الببليوجرافيا الحديثة وهو نافع في ذلك، ففيه مادة لا يستغني عنها باحث جاد في آثار الشيخ، وقد استفدت منه ونسأل الله أن يجزيه خيرا ولله الحمد والمنة.
1 المقدمة ص 9.
سأكتفي بهذه الإحالة فيما يختص بهذه النقطة تفاديا للتكرار والإطالة بذلك.
غير أني أذكر ما جَدَّ في هذا الموضوع وهو ما قامت به جامعة الإمام محمد بن سعود فقد طبعت جل مؤلفات الشيخ محققة ومقابلة على مخطوطات، وطبعت مؤلفات للشيخ لأول مرة كما سبقت الإشارة إلى ذلك عند ذكر مؤلفات الشيخ في المدخل، ثم قامت بتوزيع هذه المؤلفات على كثير من الباحثين في البلدان الإسلامية، ووفرت لديهم ذلك، وهذا له قيمته الواضحة في تأثير عقيدة الشيخ أثرا صحيحا مباشرا من آثار الشيخ الصحيحة الموثوقة وفي تعريف طلاب العلم على حقيقة عقيدته والبحث الموضوعي العلمي في ذلك، وعلى أثر ذلك استكتبت الجامعة عددا كثيرا من العلماء والباحثين عن دعوة الشيخ وعقيدته ثم وصلتها بحوث في ذلك قامت بطبعها أيضا ولكن على الآلة الكاتبة وبلغت ما يقرب من ستة مجلدات ثم وزعتها على مجموعة كبيرة من طلبة العلم والكتاب والعلماء والمثقفين ومن ضمن ذلك مصورات جغرافية تبين أماكن انتشار أثر عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العالم الإسلامي بلغت أربعا وعشرين لوحة يمكن من أراد ذلك مراجعتها. وهذا عمل يبين مدى أثر عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
وما من شك أن هذا الاعتناء والنشر لمؤلفات الشيخ وآثاره، يوضح جانبا من أثر عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وما كان ليتم بهذا الشكل الجيد ولا يكون لعقيدة الشيخ هذا الأثر لولا ما
أنعم الله به على أهل المملكة العربية السعودية رعاة ورعية وعلى الخصوص ورثة الشيخ في علمه وورثة أنصار الشيخ في قوتهم وسلطانهم.
هذا ومن أعظم ما قامت به حكومة المملكة العربية السعودية تجاه العالم الإسلامي لتعليم العلم النافع والدعوة إلى الخير هو إنشاء الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في عام 1381هـ1، وهي مؤسسة علمية، ذات فائدة ومنفعة كبيرة في الدين والدنيا، عامة وخاصة.
فهي منذ تأسيسها تؤتي ثمارها ويتخرج منها أفواج من أبنائها، ينتشرون في أنحاء المعمورة محققين بذلك بحول الله وقوته ما تهدف إليه الحكومة من تأسيسها، فنرجوا الله سبحانه أن يفتح بها آذاناً صماً عن استماع الحق وقلوبا غلفا قد استحكم عليها غلافها حتى صارت بعيدة عن الحق، وأعينا عميا عن النظر في الأدلة والبراهين التي نصبها الله لتدل على وجوده وأنه المستحق للعبادة دون ما سواه.
وكذلك إنشاء رابطة العالم الإسلامي للقيام بمهمة الدعوة لدين الله الحق، والعمل في سبيل الله، والدفاع عن الإسلام وحث المسلمين على احترام الأخوة الإسلامية والدعوة إلى التضامن الإسلامي بالحكمة والموعظة الحسنة.
1 الشيخ عبد المحسن العباد، عالم جهبذ وملك فذ ص 5..
وأَنَّ ما ينعم فيه أهل البلاد السعودية من نعمة لا مثيل لها في العالم كله في هذا الزمان من أمن في الأوطان وصحة في الأبدان، واتحاد تحت راية التوحيد تحت ولاية آل سعود ما هذا إلا من أثر تلك العقيدة السلفية.
وإننا ولله الحمد كما يشهد الواقع نمتاز في هذه المملكة عن جميع من حولنا ومن في أقطار المعمورة كلها بهذه الميزة، وكلما كنا متمسكين بعقيدة السلف الصالح كلما كانت آثارها من الأمن والهداية أرسخ وأقوى كما قال الله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام: 82) .
ومن يخالجه شك فليستقرىء الواقع في العالم الإسلامي بل وفي غيره وسيجده شاهدا بذلك، وهذا شأن عقيدة السلف الصالح لأنها قطب رحى المسلمين، ويوم يحققونها تكون لهم الإمامة والتمكين وعد الله لا يخلف الميعاد قال تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 55) .
ونزل الوحي في الجزيرة العربية، ومن الجزيرة أضاء، والمسلمون جميعا يستقبلون البيت الحرام ويأتمون بأهل الحرم وحماته وولاته فهم في وحدة مدارها على عقيدة السلف الصالح، عقيدة الشيخ محمد بن عبد
الوهاب، وكذلك تنتصر عقيدة السلف الصالح ولله الحمد.
وعلى كل حال فالكلام عن أثر عقيدة الشيخ في داخل سلطانها مهما بلغ من استيعاب ودقة لا يفي بوصف الواقع كما أن وصف الواقع يعجز عنه جهد الباحث ويخرج بنا عن حدود ما رسم لهذا البحث من حجم وجهد ووقت، ولكن حسبنا أن نبين صلة هذا الأثر الحاضر بالماضى ليعلم مشاهد هذا البناء الضخم المتماسك في وحدة المملكة العربية السعودية أن سنده وأساسه وأصله هو عقيدة السلف الصالح التي اعتقدها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعا إليها ونصرها الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى، فأظهرها الله بذلك على ما سواها وتوارثها بعدهم بنوهم إلى يومنا هذا ونسأل الله بأنه الأحد الصمد الذي لا إله إلا هو أن يثبتهم على عقيدة السلف الصالح وأن يوفقهم لنشرها والقيام بحقوقها وهو المجيب القريب الجواد الكريم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ولعل فيما قدمته من نقول وبيان كفاية في الدلالة على أثر عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في داخل المملكة العربية السعودية. وحيث عرفنا أثر تلك العقيدة السلفية في بناء ذلك السلطان القوي، والذي هو أصل أثرها في خارج سلطانها ننتقل إلى تعرف أثرها في الخارج وهو ما يشتمل عليه الفصل التالي.