الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد:
يتضمن أمرين:
الأول: تعريف التخريج
الفعل الثلاثي: خَرَجَ على وزن فََََعَلَ، مصدره: الخروج: نقيض الدخول، فهو يعني: الظهور والانفصال. سواء كان في الأعيان أو في المعاني. وفعله الرباعي المتعدي بالهمز: أخرج، على وزن أفعل، مصدره: إخراج.
والمضعف: خرّج على وزن فعّل، مصدره: تخريج (1) .
قال الراغب: ((والإخراج أكثر ما يقال في الأعيان ومنه: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} [الأنفال:5] . والتخريج أكثر ما يقال في العلوم والصناعات)) . ا? (2) .
أما في الاصطلاح: فقد عرفه الإمام السخاوي عَرَضاً في مبحث آداب طالب الحديث فقال: ((التخريج: إخراج المحدث الأحاديث من بطون الأجزاء والمشيخات والكتب ونحوها، وسياقها من مرويات نفسه أو بعض شيوخه أو أقرانه أو نحو ذلك، والكلام عليها وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب والدواوين مع بيان البدل والموافقة ونحوهما، وقد يتوسع في إطلاقه على مجرد الإخراج والعزو)) . ا? (3) . واقتصر الشيخ زكريا الأنصاري على بعض هذا
(1) انظر: الصحاح للجوهري1/309- المفردات للراغب ص278- لسان العرب 2/249- القاموس المحيط ص237.
(2)
المفردات ص 278.
(3)
فتح المغيث2/34
التعريف (1) .
وقد حوى هذا التعريف أعلى مراتب التخريج وأدناها، وإن كان الثاني على ندرة. فأعلى مراتب التخريج يشمل العزو والرواية والحكم والتعليل والترجيح، وهو شأن الأئمة الكبار كما هو ظاهر في كتب شيخه الحافظ ابن حجر، وغيره من الأئمة كالزيلعي وابن الملقن. يقول الخطيب البغدادي:((كان بعض شيوخنا يقول: من أراد الفائدة فليكسر قلم النسخ وليأخذ قلم التخريج)) . ا? (2) .
كما يتناول التعريف أدنى المراتب وهي مجرد العزو والإخراج، وهذا توسع في الإطلاق كما ذكر؛ لأن الأصل هو الأول. وبين هاتين المرتبتين مراتب أخرى. وسائر التعريفات التي عرف بها التخريج بعد الإمام السخاوي لاتخرج عن هذا التعريف (3) .
على أن كلمة التخريج من المشترك اللفظي الذي تتجاذبه معان عدة عند المحدِّثين وعند غيرهم (4) . لكن الذي أعنيه في هذا البحث هو التعريف المذكور، وهو المتبادر عند الإطلاق.
(1) فتح الباقي 2/133.
(2)
الجامع لأخلاق الراوي 2/428.
(3)
انظر: حصول التفريج للغماري ص13– معجم مصطلحات الحديث للأعظمي ص83 – أصول التخريج لمحمود الطحان ص10.
(4)
انظر: فيض القدير للمناوي 1/20 – التأصيل لبكر أبو زيد ص 55 – طرق تخريج حديث رسول الله (لعبد المهدي بن عبد القادر ص 9.
الثاني: عرض موجز لأسباب نشأة علم التخريج
إن مبدأ التثبت في قبول الأخبار وطلب المتابع والشاهد ليس بدعاً من القول، بل هو قديم العهد، إذ يبدأ منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد نقلت إلينا أخبار كثيرة تبين هذه الحقيقة، فالصحابة –رضي الله عنهم– هم أول من سن هذه السنة، يقول الإمام الذهبي عن أبي بكر –رضي الله عنه: كان أول من احتاط في قبول الأخبار. ا? (1) .
ومضى أئمة التابعين على النهج ذاته، ولاسيما أن زمنهم عرف ظهور البدع وانتشار النحل، وفشو الوضع.
وفي زمن صغار الأتباع وأتباعهم ألفت الكتب وجمعت السنة كما هو مقرر في غير هذا الموضع.
ولم يكن العلماء –في هذا العصر– بحاجة إلى هذا العلم لقصر الأسانيد، وسعة حفظهم واطلاعهم على الحديث النبوي، مع أن قواعد هذا العلم كانت تتناقل بينهم شفهياً (2) .
إلا أن هناك من اعتنى بجمع الطرق ولو لحديث واحد، ولعل من أقدم من فعل ذلك هو: الإمام علي بن المديني (ت234?) فقد جمع طرق حديث "من كذب علي متعمداً" وتبعه: يعقوب بن شيبة (ت262?) وغيرهما (3) .
كما أن الإمام الترمذي –رحمه الله– (ت279?) وضع لبنة أخرى في
(1) تذكرة الحفاظ 1/2
(2)
انظر: كشف اللثام لعبد الموجود بن عبد اللطيف 1/142 – أصول التخريج ص 13.
(3)
انظر: نظم المتناثر للكتاني ص 37.
هذا البناء الشامخ حيث ألف السنن وكان يشير بعد كل حديث إلى شواهده المروية عن عدد من الصحابة فيقول: وفي الباب عن فلان وفلان (1) .
فكان بهذا العمل ينمو هذا العلم الوليد.
وبعد ذلك اجتهد عدد من العلماء في القرن الرابع في العناية بالأحاديث المرسلة والمعلقة والمعضلة في كتب الحديث المشهورة فوصلوها في مصنفات مستقلة، ولعل أقدمهم: أبو عمر أحمد بن خالد القرطبي المعروف بابن الجبَّاب (ت322?) حيث ألف مسند الموطأ، وتبعه غيره من العلماء (2) .
فهذه الكتب جمعت بين التخريج والإخراج، وبعبارة أخرى: كانت تخرج بالرواية. واستمر الحال على ذلك حتى جاء الإمام البيهقي؛ فقد نقل أن له كتاباً في تخريج أحاديث ((الأم)) للشافعي (3) .
وبعد هذه المرحلة المؤسسة لهذا العلم أتت مرحلة أخرى وهي حين بعُد الزمن وطالت الأسانيد وتنوعت العلوم وكثرت المصنفات وصار كثير من المعتنين بالعلوم الأخرى كالتفسير والفقه والأصول تقل عنايتهم ببيان الأحاديث والآثار التي يوردونها في كتبهم. يقول العراقي: ((عادة المتقدمين السكوت عما أوردوا من الأحاديث في تصانيفهم، وعدم بيان من خرجها، وبيان الصحيح من الضعيف إلا نادراً وإن كانوا من أئمة الحديث، حتى جاء النووي فبين. وقصد الأولين ألا يغفل الناس النظر في كل علم في مظنته، ولهذا
(1) كشف اللثام 1/142.
(2)
انظر: حصول التفريج ص 24.
(3)
يوجد منه مجلد في دبلن، والمجلد الثاني في دار الكتب المصرية برقم 725 (انظر مقدمة تخريج أحاديث شرح العقائد لصبحي السامرائي ص11) .
مشى الرافعي على طريقة الفقهاء مع كونه أعلم بالحديث من النووي)) (1) .
وعندها نهض كثير من العلماء فصنفوا كتبا في تخريج أحاديث هذه الكتب في كل فن.
ثم استقل هذا العلم واحتيج إليه أكثر، وبذلت فيه جهود عظيمة ولاسيما في القرنين الثامن والتاسع، واستمرت العناية به إلى عصرنا الحاضر لكن توسع المعاصرون في التخريج من بطون الكتب وعزو الأحاديث إلى مصادرها الأصلية، وذلك لشدة الضعف في العلم بالحديث النبوي، وغلبة قصور الهمم عن حمل هذا العلم الشريف (2) .
(1) فيض القدير 1/21
(2)
انظر أصول التخريج ص 14.