الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في كتب المتقدمين، بل اعتنى بها المتأخرون والمعاصرون للحاجة إليها، ولعل أبرز كتاب في هذا الباب هو كتاب: حصول التفريج في أصول التخريج لأحمد بن محمد بن الصديق الغماري (ت1380?)(1) .
وهذا الأمر مما يدرك بالمراس والدربة على البحث في دواوين السنة، وكثرة الاطلاع عليها، ومعرفة مناهجها، ومع ذلك اعتنى المعاصرون بوضع طرق مشهورة تمكن من ليس عنده علم بالسنة من العثور على الحديث الذي يريده دون مشقة، ولعل من أشهر هذه الكتب:-
- أصول التخريج ودراسة الأسانيد، للشيخ: محمود الطحان (2) .
- كشف اللثام عن أسرار تخريج حديث سيد الأنام، لعبد الموجود محمد عبد اللطيف (3) .
- طرق تخريج حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد المهدي بن عبد القادر بن عبد الهادي (4) .
(1) طبع في الرياض – مكتبة طبرية – 1414? - 94ص.
(2)
كتابه مطبوع 220ص.
(3)
طبع في مجلدين – القاهرة – 1404? - ذكر فيه كثيرا من كتب التخريج وطرقه.
(4)
طبع في القاهرة 309ص.
المطلب الثاني: تنوع هذه المصنفات بين الإطناب والاختصار
تنوعت هذه الكتب في مقدار المادة التي اعتنت بإيرادها، من حيث استيعابها لمصادر الحديث وطرقه والكلام عليه، بحسب الغرض الذي ألف الكتاب من أجله، ولهذا ألف بعض العلماء أكثر من كتاب في تخريج بعض الأحاديث.
ولعل مما يوضح ذلك عمل الحافظ العراقي – رحمه الله – في تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين، فقد ذكر في مقدمة المغني أنه ألف كتاباً في أحاديث الإحياء سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وتعذر عليه الوقوف على بعض أحاديثه فأخر تبييضه إلى سنة ستين فظفر بكثير مما عزب عنه علمه، ثم شرع في تبييضه في مصنف متوسط الحجم إلىأن ظفر بأكثر مالم يقف عليه، فأحب أن يكمله وبادر إليه لكنه اختصره في غاية الاختصار ليسهل تحصيله وحمله في الأسفار ا? (1) .
ولهذا ذكروا أن له ثلاثة كتب في تخريج أحاديث الإحياء أحدها مطول سماه: إخبار الأحياء بأخبار الإحياء، في أربعة مجلدات فرغ منه سنة751?، بيض منه نحو خمسة وأربعين كراساً ووصل فيه إلى أواخر الحج، ثم اختصره في المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، وهو المتداول، وبسببه تباطأ عن تبييض الأصل وشرع قبله في تخريج وسط سماه: الكشف المبين في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (2) .
وكذلك عمل الحافظ ابن حجر –رحمه الله– في تخريجه للأحاديث المعلقة في صحيح البخاري، فقد خرجها تخريجاً مختصراً في الفصل الرابع من هدي الساري، وأشار إلى أنه بسط ذلك في تصنيف كبير سماه: تغليق التعليق، وأنه جاء كتاباً حافلاً وجامعاً كاملاً (3) . كما ذكر أن هذا المختصر كالعنوان للمطول (4) .
(1) المغني – هامش الإحياء – 1/2.
(2)
انظر: حصول التفريج ص31 – الرسالة المستطرفة ص142- فهرس الفهارس 2/816-كشف الظنون 1/24.
(3)
هدي الساري ص17.
(4)
المصدر السابق ص 71.
وهذا ظاهر، فقد استغرق المختصر سبعاً وخمسين صفحة بينما استغرق المطول أربعة مجلدات هي مادة الكتاب. على أنه ذكر له تصنيف متوسط سماه: التشويق إلى وصل المهم من التعليق (1) .
وإذا نظر القارئ في التخريج الموسع وجد أنه يذكر فيه ما لا يشير- ولو إشارة - إلى بعضه في المختصر، ولعل أبرز عناصر التخريج الموسع:
1-
أنه يسوق الحديث المخرج بإسناده هو (2) .
2-
يخرج الحديث من الكتب المسندة المشهورة، وينبه على طريقة تخريجهم له، وينبه على ما وصله البخاري – مثلاً – في موضع آخر من صحيحه (3) .
3-
جمع أسانيده للكتب التي أحال عليها في فصل ختم به الكتاب (4) .
4-
ذكر أنه وصل المعلقة بإسنادها ولو كانت بصيغة الجزم في الصحيح، وذلك لإقامة البرهان ودحض حجة المخالف على أن هذه الأحاديث محكوم بصحتها (5) .
5-
إذا خرج حديثاً من كتاب ذكر إسناد صاحب الكتاب كاملاً، أو مداره إن وجد (6) .
(1) الجواهر والدرر 2 /666- منهج ذوي النظرص 55- كشف الظنون1/555- فهرس الفهارس1/333.
(2)
انظر: تغليق التعليق 2/12- 13، ومثله: موافقة الخبر الخبر 1/260 – نتائج الأفكار 1/233.
(3)
انظر: تغليق التعليق 2/12-13 و 4-79. وغيرها
(4)
تغليق التعليق 5/442- ذكر في هذا الفصل أسانيده إلى أربعة وستين كتاباً، وهي بعض ماأحال عليه فقد ذكر المحقق في المقدمة 1/243 أن الحافظ استفاد من أكثر من ثلاثمائة وخمسين مصنفاً، ذكرها.
(5)
تغليق التعليق 2/11.
(6)
انظر مثلاً: 2/56-57 فقد خرج من مسلم، وابن حبان، وابن منده، وأحمد، وذكر أسانيدهم.
6-
يعتني بذكر المتابعات والشواهد، والإسناد العالي بأقسامه، فيشير إلى الموافقة والبدل والمساواة والمصافحة (1) .
7-
يشير إلى الاختلاف على الرواة، ويرجح بعد سرد الأوجه (2) .
8-
يتكلم على تعديل الرواة وتجريحهم، ناقلاً كلام المتقدمين (3) .
9-
يشير إلى الإبهام الوارد في المتن (4) .
10-
يذكر بعض الفوائد الإسنادية (5) .
فهذه المسائل التي ترد بكثرة في التخريج الموسع (تغليق التعليق) لا تظفر بها في المختصر، لأنه يقتصر في المختصر على مايشبه العنوان، كقوله في أحاديث الأنبياء: رواية الليث عن يحيى بن سعيد ورواية يحيى بن أيوب عنه وصلهما البخاري في الأدب المفرد والإسماعيلي في المستخرج ا? (6) .
وقد سلك الحافظ –رحمه الله– مسلك التخريج الموسع في نتائج الأفكار وموافقة الخبر الخبر، وليس له تخريج مختصر لهما، وهذا يعني عدم اشتراط ذلك. وغالب التخريجات للأحاديث المفردة إنما هي تخريجات موسعة يستوعب المخرج طرق الحديث ومتابعاته وشواهده وماقيل فيه والحكم الكلي عليه. فحديث "طلب العلم فريضة على كل مسلم" خرجه الغماري من
(1) انظر: تغليق التعليق 2/210- 216-237 وغيرها الكثير.
(2)
انظر: تغليق التعليق 2/189 فقد ذكر الاختلاف على ابن لهيعة ورجح.
(3)
انظر: تغليق التعليق 2/185 عند كلامه عن: محمد بن يونس ومحمد بن سنان.
(4)
انظر: تغليق التعليق 2/249-5/81.
(5)
انظر: 2/315-316.
(6)
هدي الساري ص46.
طريق تسعة من الصحابة الكرام –رضي الله عنهم– ليقطع بذلك جدلاً حول صحة الحديث أوضعفه، واستغرق البحث أكثر من أربعين صحيفة، قررت صحته بمجموع طرقه.
ويمكن -على هذه القاعدة– أن يندرج تحت التخريج الموسع كتاب: نصب الراية للإمام الزيلعي، إذ يورد حديث الأصل مستوعباً تخريجه من مصادره الأصلية، ثم يذكر مايشهد له تحت عنوان: أحاديث الباب. ثم مايعارضه تحت عنوان: أحاديث الخصوم. ثم يرجح في المسائل الخلافية غالباً.
وقد اختصره ابن حجر في الدراية، فجاء تخريجه متوسطاً غير مخل بالمقصود.... ومثله: التلخيص الحبير، إذ اختصره الحافظ من البدر المنير لابن الملقن، وذكر أن شيخه ابن الملقن أطال كتابه بالتكرار فجاء في سبعة مجلدات، ثم لخصه في مجلدة لطيفة أخل فيها بكثير من مقاصد المطول فلخصه الحافظ في قدر ثلث حجمه مع الالتزام بتحصيل مقاصده، وزاد عليه بعض التخريجات (1) .
ومن تأمل كتب أهل هذا الفن ظهر له الأمر بجلاء ووضوح، فتخريج حديث يستغرق صفحات عدة بينما لا يتجاوز كلمات معدودة في موضع آخر، وبينهما مراحل.
أما تنوع أساليب العلماء في إيراد المادة العلمية، وعرض التخريج فقد ظهرت لي معالم رئيسة منها:
أولاً: إذا لم يحدد راوي الحديث فإن المخرج يورد لفظه ثم يذكر من رواه
(1) التلخيص الحبير 1/9.
من الصحابة على سبيل الإجمال ثم يفصل رواية كل منهم على طريقة اللف والنشر المرتب، ومن نظر في كتاب: نصب الراية ظهر له هذا (1) .
وكذلك فعل الغماري في تخريجه لحديث: "من سئل عن علم فكتمه ".
ثانياً: إذا كان الحديث في الأصل عن صحابي بعينه خرجه من رواية ذلك الصحابي فحسب، وقد يلتمس له الشواهد إن كان التخريج موسعاً، وإن لم يحدد خرجه عن عدد ممن رواه، سواء كان مطولاً أومختصراً. يقول العراقي في حديث "فيما سقت السماء العشر ": البخاري من حديث ابن عمر ومسلم من حديث جابر. وقال عن حديث عائشة –رضي الله عنها: "كان فيما أنزل عشر رضعات
…
": رواه مسلم (2) .
ثالثاً: قد يخرج الحديث بالرواية وهذا يكثر عند المتقدمين كفعل الإمام الطبراني في تخريجه لحديث: "من كذب علي متعمداً
…
" فقد خرجه من ثمانين طريقا عن ستين صحابياً (3) .
رابعاً: قد يشير مؤلف الأصل إلى الحديث إشارة، فيقول مثلاً: من السنة كذا، أو: كما ورد في السنة أو في الأثر فيخرجه المخرج. كقول الزركشي: باب النسخ: الأول: ورود النسخ بفعله صلى الله عليه وسلم هذا له أمثلة.. ثم ذكرها (4) .
خامساً: قد يسترسل المخرج في التخريج مع أن الحديث صحيح لغرض ما كإثبات تواتر الحديث أو نحو ذلك (5) .
(1) انظر مثلاً: 2/164-315.
(2)
تخريج أحاديث المنهاج للعراقي ص 63.
(3)
طبع في المكتب الإسلامي – 1410? -200ص.
(4)
المعتبر ص202.
(5)
انظر كتب الأحاديث المتواترة.
سادساً: يختلف ترتيب المخرجين لكتب الحديث في تخريجاتهم بحسب الغرض من التخريج، فهم –في الأصل- يقدمون الصحيحين ثم السنن ثم المسانيد ثم المعاجم ثم بقية الكتب المخرج منها (1) . وقد تقدم الكتب التي شرطت الصحة على المسانيد إلا مسند أحمد فإنه يقدم عليها (2) . وأحياناً يقدم أحمد على السنن (3) . لكن قد يعرض لهذه القاعدة مايقتضي عدم الالتزام بها كما لو اعتنى المخرج بالمتابعات وترتيبها فإنه يقدم ويؤخر تبعا لهذا الغرض (4) .
سابعاً: يختلف المخرجون تخريجا مختصراً في مقدار تخريجهم، فبعضهم يقتصرعلى العزو، كقول السيوطي عن حديث:"لما استقبلني جبريل بالرسالة": البزار ا? (5) . ويذكر البعض العزو والراوي الأعلى كقول المناوي عن حديث: "أنا دعوة أبي إبراهيم": أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم عن العرباض بن سارية. ا? (6) . ويزيد البعض على ذلك بيان الدرجة كقول العراقي عن حديث: "من ألقى جلباب الحياء": أخرجه ابن عدي وابن حبان في الضعفاء من حديث أنس بسند ضعيف ا? (7) .
وربما ذكر بعضهم علة في الحديث على سبيل الإيجاز كقول السخاوي عن حديث: "عمل العادل في رعيته": هو في مسند الحارث وراويه عن أبي هريرة
(1) انظر: نصب الراية 2/42- نتائج الأفكار1/309.
(2)
انظر: نصب الراية 2/125- 200.
(3)
انظر: تغليق التعليق3/ 281- نتائج الأفكار 1/447.
(4)
انظر: نتائج الأفكار 1/75 فقد بدأ بالترمذي فالنسائي فأحمد فأبي داود
…
وله أمثلة كثيرة.
(5)
مناهل الصفا ص 127.
(6)
الفتح السماوي 1/181.
(7)
المغني – هامش الإحياء 1/194.
مجهول ا? (1) .
ثامناً: قد يكون الغرض من التخريج خاصاً بشيء معين فيقتصر المخرج على ما يفي بالغرض. كما صنع ابن الجوزي في تخريجه لأحاديث التعليق الكبير المسمى بالتحقيق حيث قصد ترجيح بعض الروايات أو الأقوال الفقهية.
تاسعاً: قد يخرج المخرج ما يرد عن الصحابة ومن بعدهم من الآثار ولايقتصر على المرفوع (2) .
عاشراً: قد يظفر طالب التخريج بطلبته في غير كتب التخريج ككتب الشروح والتعليقات الحديثية، ومن ألفها من أهل الفن فقد يظفر فيها بما لايظفر به في غيرها، أو العكس.
(1) تخريج أحاديث العادلين ص 59.
(2)
انظر المعتبر ص24.