المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: دور علم التخريج في حفظ السنة رواية - علم التخريج ودوره في حفظ السنة النبوية - محمد بن ظافر الشهري

[محمد بن ظافر الشهري]

الفصل: ‌المطلب الأول: دور علم التخريج في حفظ السنة رواية

من العلماء كان أبرزهم: محمد بن إبراهيم المناوي (ت803هـ) وابن الملقن (ت804هـ) والزين العراقي (ت806هـ) وابن جماعة الحفيد (ت819هـ) وابن حجر (ت852هـ) وابن قطلوبغا (ت879هـ) . وكذلك الأمر بالنسبة للقرن العاشر على يد: الإمام السخاوي (ت902هـ) والسيوطي (ت911هـ) . ثم القرن الحادي عشر وكان فيه: علي القاري (ت1014هـ) والمناوي (ت1031هـ) وعبد القادر البغدادي (ت1093هـ) . وكذلك القرن الثاني عشر فقد ألف في التخريج: العجلوني (ت1162هـ) وابن همات (ت1175هـ) وأبو العلاء العراقي (ت1183هـ) . ثم تتالت كتب التخريج إلى عصرنا الحاضر لكن الفضل كان للمتقدم.

ونظرة عجلى إلى هذا القدر من المصنفات تشعر الناظر بأهمية هذا العلم ومدى عناية العلماء به ورعايتهم له، يتجلى هذا الأمر إذا أدركنا من العرض السابق للمصنفات أنها تربو على مائة مصنف، وهذا العدد –ولاشك- إن لم يزد فهو يساوي أي عدد من أعداد المصنفات التي ألفت للغرض ذاته، ومما لاجدل فيه أن هذا العدد كان مؤثراً تأثيراً بالغاً في حفظ هذا العلم النبوي وصونه، يؤكد ذلك ويقرره استعراض بعض هذه الأمور من خلال المطالب الثلاثة الآتية:

ص: 33

‌المطلب الأول: دور علم التخريج في حفظ السُّنَّة رواية

إن العصر الذهبي للرواية هو القرن الثاني والثالث والرابع، وما وجد بعد ذلك إنما هو قليل بالنسبة لهذه القرون (1) . لكن الناظر في كتب التخريج يجد

(1) انظر: الحديث والمحدثون لمحمد أبو زهو ص423 وما بعدها.

ص: 33

كثيرا منها حفل بالأسانيد التي تروى بها أحاديث كثيرة، وهذه الأسانيد لا تخلو من واحد من أحوال ثلاثة:

1-

أن يروي المخرج الحديث بسنده إلى صاحب الكتاب الذي ذكره أو إلى أحد الكتب المعتمدة في الرواية أو أحد رجاله، كما هو صنيع الحافظ ابن حجر –رحمه الله في تخاريجه التي من أشهرها: تغليق التعليق، ونتائج الأفكار. يقول في مقدمة الكتاب الأول: التزمت في وصل هذا التعليق أن أسوق أحاديثه المرفوعة وآثاره الموقوفة بإسنادي إلى من علق عنه المصنف لا إلى غيره ا? (1) . وفائدة هذا –فيما يظهر لي– أمور:

أولاً: حفظ الإسناد الذي اختص الله به هذه الأمة دون غيرها، ولاشك أن وجود الإسناد في هذه الأزمنة المتأخرة من مظاهر هذا الاختصاص.

ثانياً: بيان علو الإسناد لدى المصنف، فمثلاً: روى الحافظ حديث أنس –رضي الله عنه– "يتباهون بالمساجد

" لذي علقه البخاري، رواه الحافظ بإسناده ثم قال: وهكذا رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق أبي عامر، وقد وقع لنا من وجه آخر أعلى من طريقه

ثم ساق إسناده، وقال عقبه: وقع لنا بدلاً عالياً. ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من طريق حماد بن سلمة

وقد وقع لنا عالياً.. ثم ذكره (2) .

ثالثاً: أن المخرج يفعل ذلك ليبين اتصال إسناده بمؤلف أو بكتاب أوبإسناد بعينه، كما فعل الإمام العراقي في تقريب الأسانيد، فقد خرج لابنه

(1) تغليق التعليق2/12.

(2)

تغليق التعليق 2/235-236-237. وانظر: نتائج الأفكار 1/180-181-186. وغيرها.

ص: 34

أحاديث بأسانيد محصورة مما قيل فيه: إنه أصح الأسانيد، ثم ساق إسناده إلى هذه الأسانيد المشهورة (1) .

2-

أن يخرج المصنف من كتاب ويذكر إسناد صاحب الكتاب تاماً، وهذه الكتب منها الموجود بين أيدينا ومنها المفقود، وتظهر فوائد هذا الأمر فيما يأتي:

أولاً: حفظ مصادر أصلية للرواية فُقد كثير منها، ولا سبيل إلى معرفة سندها إلا بالنقل من هذه المصادر الفرعية التي خرجت منها. ذكر الزركشي في المعتبر أثر ابن عباس –رضي الله عنه– أنه قال: يصح الاستثناء في اليمين وإن طال شهراً. قال الزركشي: ورد مرفوعاً عنه: أربعون يوماً. رواه الحافظ أبو موسى في كتاب: التبيين لاستثناء اليمين من حديث يحيى بن سعيد

– قرشي كان بفارس– عن عمرو بن دينار.... ثم ذكره (2) .

وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة كتابه: تغليق التعليق أنه يجمع أسانيده في الكتب التي يحيل عليها في فصل يختم به الكتاب (3) . وهو ما فعله، فقد ذكر أسانيده إلى: مصنف حماد بن سلمة، ومصنف وكيع (4) ، والتفسير لابن غندر وغيرها (5) لكنها لم تتجاوز أربعة وستين كتاباً (6) . وهذا العدد ليس كل

(1) انظر: طرح التثريب 1/19.

(2)

المعتبر ص161.

(3)

تغليق التعليق 2/12.

(4)

تغليق التعليق 5/457.

(5)

المصدر السابق 5/462.

(6)

انظر: تغليق التعليق 5/442.

ص: 35

الكتب التي استفاد منها، فقد ذكر محقق الكتاب أن الحافظ استفاد في كتابه هذا من أكثر من خمسين وثلاثمائة مصنف (1) .

وهذا العدد الكبير من الكتب منه ما هو موجود، ومنه ما لا وجود له بأيدينا، ولعل من النوع الثاني: كتاب البر والصلة، وكتاب بر الوالدين، كلاهما للإمام البخاري، والسنة لأبي الحسين محمد بن حامد بن السري (ت299هـ) ، وصحيح البجيري (ت311هـ) ، وأمالي ابن البختري (ت339هـ) ، وكتاب الجمعة للطبراني (ت360هـ) ، وأمالي القطيعي (ت368هـ) ، والروح لابن منده (ت395هـ) ، وفضائل الصحابة لطراد بن محمد الزينبي (ت 491هـ) ، والسفينة الجرائدية لمحمد بن يعقوب الجرائدي (ت 720هـ) . ونحوها من المصادر الحديثية.

في حديث: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" أورد إسناد ابن أبي عاصم في كتاب العلم (2) . وفي قول الحسن –رحمه الله: إن منعته أمه عن العشاء في الجماعة شفقة عليه لم يطعها. نقل إسناد الحسين بن الحسن في كتاب الصيام (3) . ونحو هذا كثير.

ثانياً: ما يوجد عند المخرِّج من علو إسناد على صاحب الكتاب المخرَّج منه ذكر الحافظ في مقدمة كتابه السابق أنه إذا أخرج حديثاً من مصنف غير متداول فذلك لفائدتين:

(1) المصدر نفسه 1/243.

(2)

تغليق التعليق 2/79.

(3)

تغليق التعليق 2/275.

ص: 36

إحداهما: أن يكون من مسموعه. الثانية: أن يكون عالياً (1) .

ثالثاً: جمع أسانيد الحديث في مكان واحد، وفي ذلك فوائد يدركها أهل الفن، لعل من أظهرها: مقارنة المتون ببعضها، وإظهار السقط والتحريف والتصحيف، وتعيين المبهم وتقييد المهمل، وبيان المتابعات والشواهد، واستظهار الحكم الكلي علىالحديث، وغير ذلك.

ذكر الزركشي حديث: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً

" ثم قال: روي عن ستة من الصحابة.. فذكرهم وذكر رواياتهم بأسانيدها (2) .

وذكر الحافظ ابن حجر حديث أبي هريرة –رضي الله عنه: "لاصلاة لمن لا وضوء له" ثم بين أنه رواه من الأئمة أحمد وأبو داود والدارقطني وابن ماجه والحاكم، وذكر أسانيدهم بعد أن رواه بإسناده هو (3) .

رابعا ً: أن المخرج قد يذكر إسناد أحد المصنفين ثم يذكر ما يفيد في التصحيح والتضعيف. وهذا الصنيع أكثر منه الإمام الزيلعي إذ يذكر الحديث بسند المصنف ثم يبين ما فيه من علل إسنادية، فقد ذكر حديث زياد بن الحارث:"من أذن فهو يقيم" ثم ذكر رجال إسناده وما قيل في كل منهم وأجاب عن ذلك (4) . وكذلك الحافظ ابن حجر فقد خرج حديثاً من الجعديات فذكر إسناده ثم قال: عاصم فيه لين. ا? (5) .

(1) تغليق التعليق 2/13.

(2)

المعتبر ص 195.

(3)

نتائج الأفكار 1/225.

(4)

نصب الراية 1/289.وانظرص311 وغيرها الكثير.

(5)

التلخيص الحبير 4/89-90.

ص: 37

وذكر أن الإمام أحمد أخرج حديث: "كيف تقول في الصلاة.. " فذكر إسناده ثم قال: هذا حديث صحيح (1) . بل قد شرط في مقدمة ((تغليق التعليق)) أنه إذا قال البخاري في صحيحه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يخرجه من أصح طرقه إن لم يكن عند البخاري موصولاً في موضع آخر (2) .

خامساً: قد يسوق المخرج إسناداً يذكر فيه فوائد لاتظفر بها في غير هذا الموضع، فقد ذكر الحافظ حديث:"إن حبها أدخلك الجنة" وعند تخريجه له من سنن أبي داود ذكر أن المزي في الأطراف لم يذكره تبعاً لابن عساكر، وتعقبه أيضاً في رموزه في تهذيب الكمال لبعض الرواة ثم قال: وقد خرجنا عن المقصود، وإنما نبهنا على ذلك للفائدة ا? (3) .

3-

أن يذكر المخرج بعض إسناد الكتاب المخرج منه. وأهم الفوائد التي تدعو لهذا الأمر:

أولاً: التمييز بين رواية صحابي وآخر، كقول العراقي عن حديث:"الركوعين في الخسوف": متفق عليه من حديث عائشة وابن عباس (4) .

ثانياً: بيان أصل الحديث أو شا?ده الصحيح. كقول العراقي عن حديث: "ثم يفشو الكذب

": ابن حبان من حديث ابن عمر والحديث متفق عليه بلفظ آخر من حديث أبي هريرة وعمران (5) .

(1) نتائج الأفكار 2/211.

(2)

تغليق التعليق 2/12.

(3)

تغليق التعليق 2/315.

(4)

تخريج أحاديث المنهاج للعراقي ص66.

(5)

المصدر السابق ص 112.

ص: 38

وكقول السيوطي عن حديث: "ما زالت أكلة خيبر تعاودني

": ابن سعد وهو في الصحيح من حديث عائشة (1) .

ثالثاً: أن يذكر إسناد أحد المصنفين ويأتي بعده من يخرجه من طريقه أو يلتقي معه في إسناده، فإن المخرج لايذكر إسناد الثاني كاملاً بل يأتي بالمقصود منه يقول الزيلعي عن حديث: "جاء جبرائيل فصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم

": رواه عبد الرزاق في مصنفه

وذكر سنده

قال: وعن عبد الرزاق رواه إسحاق في مسنده (2) .

ويقول السخاوي عن حديث: "إذا أراد الله بالأمير خيراً

" رواه أبو داود في سننه

وذكر إسناده..ثم قال: ورواه عمر بن سعيد عن القاسم عن عائشة

فذكر نحوه وقال: أخرجه النسائي والبيهقي في الشعب والتيمي في الترغيب (3) .

رابعاً: أن يكون المذكور من السند هو من تكلم فيه من رجاله أو من أعل به الحديث. يقول العراقي عن حديث: النص على إمامة علي –رضي الله عنه: ابن حبان في الضعفاء من رواية مطر بن ميمون عن أنس فذكره ونقل عن ابن حبان أنه قال: مطر يروي الموضوعات. ثم ذكر أن الطبراني أخرج نحوه من رواية مينا عن ابن مسعود وقال: ((مينا كان يكذب قاله أبو حاتم)) .ا? (4) . وهذا يكثر في كتب التخريج.

(1) مناهل الصفا ص 134.

(2)

نصب الراية 1/225.

(3)

تخريج أحاديث العادلين ص 70-71.

(4)

تخريج أحاديث المنهاج ص66-67.

ص: 39