المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: دور علم التخريج في تقرير الأحكام الحديثة - علم التخريج ودوره في حفظ السنة النبوية - محمد بن ظافر الشهري

[محمد بن ظافر الشهري]

الفصل: ‌المطلب الثالث: دور علم التخريج في تقرير الأحكام الحديثة

‌المطلب الثالث: دور علم التخريج في تقرير الأحكام الحديثة

المطلب الثالث: دورعلم التخريج في تقريرالأحكام الحديثية

إن الحكم على الأحاديث هو الغرض الأسمى من التخريج، فلم ينشأ هذا العلم وينمُ وتؤلف فيه الكتب المستقلة الكثيرة إلا لهذا الأمر. ومن المعلوم لدى أهل الفن أن الحكم على الأحاديث إنما هو شأن جهابذة العلماء وكبارهم الذين أبلوا في جمع الحديث وطلبه وتعلمه وتحقيقه بلاء حسنا، وأفنوا فيه أعمارهم، حتى صار الحديث النبوي مختلطا بلحم أحدهم ودمه، لكثرة ممارسته له. والمخرج لا يشتغل بهذا العلم إلا بعد أن يحصل أدواته من العلم الوافر والاطلاع الواسع والمعرفة التامة وقبل هذا وذاك الورع والخوف من الله جل وعلا أن يقول على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله أو العكس.

ولقد طَفَحَتْ كتب التخريج بالحكم على الأحاديث صحة وضعفاً. بل بتقرير القواعد اللازمة لهذا الأمر، والتي اعتمدها المخرجون واصطلحوا عليها حتى صارت قواعد عامة لا ينبغي مخالفتها أو الاجتهاد في الإتيان بأفضل منها.

وعند نظري في هذه الكتب ظهرت لي بعض هذه القواعد العامة المتعلقة بالتصحيح والتضعيف والتعليل والترجيح. ولعل من أظهرها:

1-

بيان ما يصح العزو إليه وما لا يصح.

هناك من كتب الحديث كتب أصلية يصح العزو إليها والتخريج منها، ومنها ما لا يصح العزو إليه ولا التخريج منه، والعبرة عند المخرجين بالإسناد فكل كتاب لا يكون مسنداً لا يفيد العزو إليه شيئاً، والمتأمل في كتب التخريج قاطبة يرى هذا الأمر بجلاء، فهم لا يذكرون كتاباً ولا يخرجون منه ما لم يكن مسنداً.

يقول المناوي في شرحه لقول السيوطي: بالغت في تحرير التخريج: أي

ص: 53

اجتهدت في تهذيب عزو الأحاديث إلى مخرجيها من أئمة الحديث من الجوامع والسنن والمسانيد، فلا أعزو إلى شيء منها إلا بعد التفتيش عن حاله وحال مخرجه، ولا أكتفي بعزوه إلى من ليس من أهله وإن جلّ كعظماء المفسرين ا? (1) .

2-

تقرير بعض قواعد العزو والإحالة.

إن كتب الحديث ليست في مرتبة واحدة، فبعضها أولى من بعض، بل كتب الإمام الواحد يقدم بعضها على البعض الآخر، وحينئذ يعاب على من اشتغل بهذا العلم أن يعزو إلى كتاب ويترك ما هو أولى منه.

يقول الزيلعي عن حديث: "أخذ ماء جديداً للأذنين": ذكره عبد الحق في أحكامه وقال: هذا حديث رواه الحاكم في كتابه: علوم الحديث. وهذا عجز منه وتقصير فقد رواه في المستدرك وصححه ا? (2) .

3-

التنبيه على عدم التقليد في العزو.

قد يستروح الباحث أن يقلد غيره في العزو والإحالة، لئلا يكلف نفسه عناء البحث والتخريج، وهذا قد يوقعه في أوهام وأمور لا تحمد. وعلى هذا كل من أراد أن يخرج حديثا أو يبحث عنه عليه أن يقف عليه بنفسه دون الاعتماد على غيره. يقول الحافظ ابن حجر عن حديث:"يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمور الناس شيئاً" بعد أن ذكر أنه أخرجه أحمد وأصحاب السنن: عزا المجد ابن تيمية حديث جبير لمسلم، فإنه قال: رواه الجماعة إلا

(1) فيض القدير 1/20.

(2)

نصب الراية 1/22.

ص: 54

البخاري، وهذا وهم منه تبعه عليه المحب الطبري فقال: رواه السبعة إلا البخاري. وابن الرفعة فقال: رواه مسلم ولفظه.... وكأنه والله أعلم لما رأى ابن تيمية عزاه إلى الجماعة دون البخاري اقتطع مسلماً من بينهم واكتفى به عنهم، ثم ساقه باللفظ الذي أورده ابن تيمية فأخطأ مكرراً ا? (1) .

4-

التنبيه على صيغ العزو والإحالة.

هناك صيغ للعزو والإحالة اصطلح عليها المحدثون، ومخالفة هذه الصيغ أمر غير محمود عند أهل الفن. مثال ذلك: أن المناوي ذكر أن البيضاوي لما أورد حديث: "إن إبراهيم كذب ثلاث كذبات" قال عنه: روي. فتعقبه المناوي بقوله: الحديث في الصحيحين، فالتعبير عنه بصيغة التمريض خلاف اصطلاح أهل الحديث (2) .

5-

منهج المخرجين في البحث عن العواضد.

الحديث الذي يخرج في الصحيحين أو أحدهما يختلف عن غيره فعادة المخرجين عدم الإسهاب في تخريجه من غيرهما بل يكتفون بالعزو إليهما؛ لأن ذلك مشعر بصحة الحديث دون البحث في غيرهما. فالزركشي مثلا يسهب في التخريج والتماس العواضد لكن لما ذكر حديث: "فيما سقت السماء العشر" قال: رواه البخاري عن ابن عمر ا? (3) .

وقد أشار في مقدمة الكتاب إلى المنهج الذي سلكه فقال: والتزمت أنه حيث وقع الاحتجاج بحديث ضعيف الإسناد ذكرت مايقوم مقامه من

(1) التلخيص الحبير 1/190.

(2)

الفتح السماوي 1/142.وذكر مثل ذلك في 1/155.

(3)

المعتبر ص 191.ومثله كثير.

ص: 55

الصحيح أو الحسن غالباً ا? (1) .

ويفهم منه أنه إنما تطلب العواضد عند عدم صحة الحديث.

6-

أخذ الأحكام على الأحاديث من كتب أهل الفن.

هذه الكتب ترشد إلى أنه لا ينبغي أن يؤخذ حكم حديثي إلا من أهل الحديث الذين هم أهل الشأن، لأنهم الذين اشتغلوا بالتصحيح والتضعيف، ومارسوه زمناً طويلاً.

يقول الزركشي عن حديث: "سأزيد على السبعين": أما قول القاضي أبي بكر والإمام الغزالي وغيرهم في كتبهم الأصولية: إن الحديث غير صحيح، فمحمول على أنهم لم يطلعوا على أنه في الصحيحين (2) .

ويقول الحافظ عن حديث: "من أتى من هذه القاذورات شيئاً

": لما ذكر إمام الحرمين هذا الحديث في النهاية قال: إنه صحيح متفق على صحته، وتعقبه ابن الصلاح فقال:((هذا مما يتعجب منه العارف بالحديث، وله أشباه بذلك كثيرة أوقعه فيها اطراحه صناعة الحديث التي يفتقر إليها كل فقيه وعالم)) ا? (3) .

7-

كثرة الأحكام الحديثية في كتب التخريج.

تكثر الأحكام الحديثية في كتب التخريج نظراً لاعتنائها بهذا الأمر، ولاشك أن هذه الأحكام صادرة عن أهل الصنعة الذين لا يصدرون هذه الأحكام جزافاً بل تأتي بعد تفحص وتمحيص للأسانيد والمتون.

(1) المعتبر ص24.

(2)

المعتبر ص198.

(3)

التلخيص الحبير 4/57.

ص: 56

وإذا كان هذا الأمر يتجلى بكثرة في الكتب المطولة فإن الكتب المختصرة لم تغفل هذا الأمر أيضاً. يقول العراقي عن حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدهن الشعر ويرجله غباً": رواه الترمذي في الشمائل بإسناد ضعيف من حديث أنس، وفي الشمائل أيضاً بإسناد حسن من حديث صحابي لم يسم ا? (1) . ويقول في كتاب آخر عن حديث:"خلق الله الماء طهوراً": رواه ابن ماجه من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف ? (2) .

وأما كتب التخريج الموسع فالأمر فيها أظهر، يقول الحافظ عن حديث: "إذا قام أحدكم من فراشه

" هذا حديث حسن من هذا الوجه بهذا السياق، وأصل شطره الأول صحيح. ا? (3) . ويقول عن حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل يمينه لطعامه وشرابه": صححه الحاكم، وفي تصحيحه نظر، وإنما قلت حسن لاعتضاده بما قبله ا? (4) .

8-

بيان المنهج في النتائج والمقدمات.

من المعلوم أن المنهج المتبع في التصحيح والتضعيف هو تقديم المقدمات على النتائج، أي إن الحكم مترتب على أمور تتقدمه ويبنى عليها، وهذا هو الغالب في هذه الكتب، إلا أن هذا الأمر ليس على إطلاقه فقد يذكر الحكم ثم يتبع بالتخريج. كقول الزيلعي: ماجاء أن الإمام لايكون مؤذناً فيه حديثان ضعيفان

ثم ذكرهما (5) .

(1) المغني – هامش الإحياء –1/121.

(2)

تخريج أحاديث المنهاج ص52.

(3)

نتائج الأفكار 1/ 109-110.

(4)

نتائج الأفكار 1/146.

(5)

نصب الراية 1/293.

ص: 57

ويقول الزركشي عن حديث: "تعمل هذه الأمة برهة بالكتاب": هذا حديث لاتقوم به حجة

ثم ذكر التعليل (1) . ويقول الحافظ عن حديث الأذان: هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود

إلخ (2) .

9-

استنباط الأحكام الفقهية والفوائد من الأحاديث الصحيحة.

عنيت كتب التخريج –الموسع خاصة– بذكر بعض الفوائد، واستنباط بعض الأحكام من الأحاديث الصحيحة المروية في كثير من المسائل. يقول الحافظ ابن حجر: استدل الرافعي بحديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم تيمم بضربتين –وهو ضعيف– على أن التراب لا يجب أن يصل إلى منابت الشعر

قال: ويغني عن هذا حديث عمار في الصحيحين (3) .

(1) المعتبر ص226.

(2)

نتائج الأفكار 1/329.

(3)

التلخيص الحبير 1/151.

ص: 58