الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ص 108]
تحقيق حال سليمان بن موسى
(1)
قال البخاري: عنده مناكير.
النسائي: ليس بالقوي.
أبو حاتم: محله الصدق، وفي حديثه بعض الاضطراب.
أما عبارة البخاري؛ فهو وإن قال: "كل من قلت فيه: منكر الحديث، لا يحتج به"، وفي لفظ:"لا تحل الرواية عنه" ا? "فتح المغيث"
(2)
(ص 163) = ففرقٌ بين "منكر الحديث" و "عنده مناكير".
قال ابن دقيق العيد في "شرح الإلمام": "قولهم: "روى مناكير" لا يقتضي بمجرَّده ترك روايته، حتى تكثر المناكير في روايته، وينتهي إلى أن يقال فيه: "منكر الحديث"؛ لأن "منكر الحديث" وصفٌ في الرجل يستحق به الترك لحديثه. والعبارة الأخرى لا تقتضي الديمومة، كيف وقد قال أحمد بن حنبل في محمد بن إبراهيم التيمي: "يروي أحاديث منكرة"، وهو ممن اتفق عليه الشيخان، وإليه المرجع في حديث "الأعمال بالنيّات" ا?. "فتح المغيث"
(3)
(ص 163).
أقول: وإنما يُجْرَح بالمناكير إذا كان الرواة عن الرجل ثقات أثبات
(4)
،
(1)
له ترجمة في "تهذيب الكمال": (3/ 304)، و"تهذيب التهذيب":(4/ 226)، و"إكمال تهذيب الكمال":(6/ 99)، و"الميزان":(2/ 415).
(2)
(2/ 125).
(3)
(2/ 126).
(4)
كذا، والوجه:"أثباتًا".
يبعد نسبة الغلط إليهم، وكذا مشايخه ومن قبلهم، ثم كثر ذلك في روايته، ولم يكن له من الجلالة والإمامة ما يقوِّي تفرُّده.
وهم قد يطلقون هذه الكلمة إذا كانت تلك الأفراد مما رُوِيت عنه، وإن لم يتحقق أن النكارة من قبله، ويطلقونها إذا كان عنده ثلاثة أحاديث فأكثر. انظر كتب المصطلح.
وقد سَرَد في "الميزان"
(1)
ما له من الغرائب، وهي يسيرة، وبيَّن أنه توبع في بعضها، ثم قال:"كان سليمان فقيه أهل الشام في وقته قبل الأوزاعي، وهذه الغرائب التي تُسْتنكر له يجوز [ص 109] أن يكون حفظها" ا? .
قلت: وبعض الغرائب من رواية ابن جريج عنه بالعنعنة، وابن جُرَيج مدلّس، فربما كانت النكارة من قبل شيخٍ لابن جريج، دلَّس له عن سليمان.
وعلى نحو ذلك تُحْمَل كلمة أبي حاتم، مع أن قوله:"بعض الاضطراب" يُشْعِر بقلته جدًّا، لاسيما مع قرنه له بقوله:"محله الصدق".
أما كلمة النسائي؛ فتوهينٌ يسيرٌ، غير مفسَّر.
وأبو حاتم والنسائي من المتعنتين في الرجال.
الموثقون
سعيد بن عبد العزيز: لو قيل: من أفضل الناس؟ لأخذت بيد سليمان ابن موسى.
ابن عدي: تفرَّد بأحاديث، وهو عندي ثبتٌ صدوق.
(1)
(2/ 415).
يحيى بن معين: سليمان بن موسى عن الزهري، ثقة.
دُحيم: كان مقدَّمًا على أصحاب مكحول.
[ص 110] ومع هذا كله، فليس الحديث الذي نحن بصدده من أفراده، ولكن أردنا تحقيق حال الرجل من حيث هو، كما فعلنا في شأن أبي الزبير.
بقي البحث في سماعه من جابر:
في "تهذيب التهذيب"
(1)
: أرسل عن جابر، وفيه: وقال ابن معين: سليمان بن موسى عن مالك بن يُخَامر، وعن جابر مرسل. ا? .
ولم يذكر ما يخالف ذلك، لكن رأيت في "مسند الإمام أحمد"
(2)
(جزء 3/ص 295): ثنا عبد الرزاق أنا ابن جريج قال سليمان بن موسى: أنا جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا يقيم أحدُكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالفه إلى مقعده، ولكن ليقل: افسحوا".
ثنا محمد بن بكر أنا ابن جريج أخبرني سليمان بن موسى قال أخبرني جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا يقيم أحدُكم أخاه يوم الجمعة، ثم يخالفه إلى مقعده، ولكن ليقل: افسحوا".ا? .
[ص 111] فقول سليمان في السند الأول: "أنا جابر" صريحٌ في سماعه من جابر، لكن فيه عنعنة ابن جريج.
وأما السند الثاني؛ محمد بن بكر وابن جريج على شرط الشيخين، وقد
(1)
(4/ 227).
(2)
رقم (14143، 14144).
صرَّح كلٌّ منهما بالسماع، بحيث انتفى احتمال التدليس، وصرح سليمان بقوله:"أخبرني جابر"، ويبعد كلَّ البعد أن يكون ههنا سهو من النسَّاخ في السندين المتتابعين معًا، فلم يبق إلا أحد احتمالين:
إما أن يكون صَدَق في أن جابرًا أخبره، وإما أن يكون كذب.
وقد ثبت أن الرجل صدوق، وهو أعلم بنفسه من ابن معين وغيره. ولم ندرِ علامَ بنى ابنُ معينٍ حكمَه، فتمسَّكْنا بما صح من سماع سليمان عن جابر، وقد أدرك من حياة جابر مدةً طويلة.
هذا، مع علمنا بأن ثبوت سماعه من جابر لا يفيد صحة حديثه في شأن القبور [ص 112] ما دامت عنعنة ابن جريج قاطعة الطريق، إلا أن توجد رواية مصرحة بسماع ابن جريج منه لهذا الحديث.
فأما تصريح سليمان بالسماع، فلا ضرورة إليه، إذ قد صحّ سماعُه من جابر، وليس بمدلّس.
على أن مجرد إمكان لقيه لجابر كافٍ في حمل عنعنته على السماع، على ما اختاره مسلم، وسيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى، في تحقيق حال القاسم بن مخيمرة
(1)
.
(1)
(ص 94 وما بعدها).