المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تحقيق الحق في هذا البحث - عمارة القبور في الإسلام - المسودة - ضمن «آثار المعلمي» - ٥ ب

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌تحقيق الحق في هذا البحث

‌تحقيق الحق في هذا البحث

هذا ما يمكن أن يقوله المتشدِّد، ولكن الذي ينبغي التعويل عليه، وأن يدان الله تعالى به:

أن أثر "خارجة" لا دلالة له على شيءٍ، لما مرّ.

وأن مرسل الشافعي، لا مانع من صِحّته، ولكن محله إذا كان التراب الذي أعيد في الحفرة لم يكفِ لارتفاعها قليلًا عن وجه الأرض، أو كفى للارتفاع ولكن خُشي أن يلتبس القبرُ بغيره، وأُرِيد أن يُمَيَّز لقصدٍ صحيح جائز شرعًا.

وكذا حديث وضع الحجر على القبر سواء بسواء.

[ص 51] وحديث ابن أبي شيبة، لا مانع من صِحّته، ولكن التسنيم الواقع على القبور، هو الناشئ عن إعادة تراب الحفرة إليها فقط.

وأما دعوى الإجماع؛ فإنها وإن كان فيها ما فيها، فهي غير معارضة لما قلناه؛ لأن الفقهاء نصوا على جواز رفع القبر قليلًا، ونصوا على حظر الزيادة عليه من غير تراب حفرته

(1)

، وهذا هو الذي نقوله: أنه يعاد إليه تراب حفرته.

فإن حصل ارتفاع قليلٌ فذاك، وإلا جُعلت عليه علامة ليُعْرف أنه قبر، فإن حصل الارتفاع، وخشي الالتباس بغيره، وأُرِيد التمييز لمقصد شرعي صحيح، فلا بأس بوضع علامة عليه. وبهذا يحصل تمييز القبور الذي

(1)

انظر "بدائع الصنائع": (1/ 320) للكاساني، و"المغني":(3/ 435) لابن قدامة.

ص: 47

يقتضيه ما لها من الأحكام.

والرفع اليسير، أو وضع العلامة له مقتضٍ صحيحٌ، وهو تمييز القبر؛ ليجتنب الجلوس عليه، والصلاة إليه، وغير ذلك. فاندفع ما قيل: إنه زائدٌ على القدر الكافي للمواراة.

ثم إن ذلك لا يضر بالمستحقين عند إرادة الحَفْر بعد البِلَى؛ لأنه أمرٌ خفيفٌ، وإن سُلِّم أنه لا يخلو عن ضرر، فإن ذلك يُغْتفر من باب دفع كبرى المفسدتين؛ لما مرّ ، والله أعلم.

[ص 52] وأما حديث فَضالة بن عُبيد؛ فالحق أن التسوية فيه هي تصيير القبر سويًّا، أي معتدلًا، أي: على الهيئة المشروعة في القبور، بدون زيادة ولا نقصان، ومن هذا قوله تعالى:{الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ} [الانفطار: 7] أي ــ والله أعلم ــ: جعلك بشرًا سويًّا كامل الخلقة، بالنظر إلى الهيئة المشتركة بين البشر.

وكذا قوله: {الَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} [الكهف: 37].

قال الراغب

(1)

: السَّوِيّ ما يُصَان عن الإفراط والتفريط.

فنقول: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد بين لأصحابه الهيئة التي تنبغي أن تكون القبور عليها، وبعد أن عَقَلوها أمرهم بتسوية ما يطرأ من القبور، أي: جعلها سويَّة على الهيئة التي قد علمهم إياها.

(1)

في "المفردات"(ص 440).

ص: 48

وأما قول فَضالة: "أخِفّوا عنه"؛ فالظاهر أنه رأى التراب الذي حول الحفرة كثيرًا، بحيث إذا رُكِم فوق القبر ارتفع زيادةً على القدر المشروع، فأمرهم بالتخفيف، [ص 53] بأن لا يجمعوا التراب كله، بل يقتصروا على ما يبلغه القدر المعروف للقبور. أو يكون قال لهم هذا بعد أن ركموا التراب، ورآه كثيرًا، بحيث صار القبر مرتفعًا زيادةً عن القدر المشروع.

وأما ما نقلناه عن "كنز العمال"

(1)

ــ إن صح ــ فالتسوية هي: تسوية القبور في ذاتها. وقوله: "على وجه الأرض" احترازٌ من أن يُظن أن المراد بتسويتها في جوف الحفرة، والله أعلم.

ومما هو صريحٌ في الرفع: ما ثبت في رفع قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقبري صاحبيه، كما سيأتي. وما تقدم من حديث ابن أبي شيبة، وغير ذلك. والله أعلم.

(1)

انظر ما سبق (ص 45).

ص: 49