الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر السهروردي قدس سره في عوارف المعارف أن من جلس بعد الصبح يذكر الله تعالى إلى طلوع الشمس وارتفاعها كرمح يصلي بعد ذلك ركعتين بنية الاستعاذة بالله من شرور يومه وليلته ثم ركعتين بنية الاستخارة لكل عمل يعمله في يومه ونيته. ثم قال وهذه تكون بمعنى الدعاء على الإطلاق وإلا فالاستخارة التي وردت بها الأخبار هي التي يفعلها أمام كل أمر يريد انتهى. وتعقبه الهيتمي في التحفة بأن ما ذكر صلوة مخترعة لا أصل لها في السنة. وألف الكوراني رسالة في رده سماها) الأسفار عن أصل استخارة أعمال الليل والنهار (وفيها ما يتعلق بما نحن فيه أنه قد تبين من السنة الصحيحة سنية الاستخارة في أمر معين بشرطه بلا خلاف فهي سنة في كل عمل هو محل لها فلا مانع أن يلاحظ بوجه كلي أعمال الليل والنهار ويقال في الدعاء اللهم إن كنت تعلم أن جميع ما أتحرك به أو أكتسبه فعلاً أو تركاً خير الخ. وقد ورد في أدعية الصباح والمساء ما فيه عموم نحو أسألك خير هذه الليلة وخير ما بعدها وأعوذ بك من شرها وشر ما بعدها ونحو اللهم أنجح الليلة كل حاجة لي ولا تزدني في دنياي ولا تنقصني في آخرتي وجاء أنه إذا أصبح قال مثل ذلك. وعلى هذا فالهم في أحاديثها يعم الهم بأمر معين والهم بأمور متصورة بعنوان كلي إجمالاً في مدة معينة وللمجد الفيروز آبادي في سفر السعادة وجمال الدين السمهودي في جواهر العقدين ما هو ظاهر في أن تلك الصلوة غي مخالفة لما ورد في السنة) وقال الشيخ الأكبر قدس سره (جربنا هذه الصلوة ورأينا عليها كل خير. وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من هاتيك الرسالة وما ذكرناه بالنسبة إلى ما هناك أقل ذبالة) وبالجملة (أمر ما يفعلونه من تلك الصلوة هين بالنسبة إلى ما اعتادوه من الاعتماد على الرؤيا التي يرونها في النوم بعد الاستخارة إذ ليس في ظواهر الأخبار ما يؤيد) وذكر الكوراني (عليه الرحمة أن المقصود من الاستخارة أن يختار الله تعالى لعبده ما فيه الخير وإعلام الله سبحانه له درجات متفاوتة ومن درجاته الرؤيا فهي من قسم المضي لما ينشرح له الصدر المفسر به العزم لرجوعه إلى الانشراح بالخطاب الرباني الشامل لما يكون يقضة بالإلهام ولما يكون رؤيا وهو كما ترى فتأمل) نعم (هم القوم الواقفون مع الآداب الشرعية ظاهراً وباطناً فحسن الظن بهم أنهم لم يعتمدوا ذلك إلا لدليل يعتمد عليه وما يضرهم عدم علمنا به) فوق كل ذي علم عليم (.
الفصل التاسع
لهذه الاستخارة المنامية أدعية مختلفة. منها ما سمعته في الآثار. ومنها غير ذلك فقد رأيت في بعض الكتب أنه يقول بعد الصلوة والدعاء الوارد اللهم يا هادي اهدني ويا عليم علمني ويا مبين بين لي ويا خبير خبرني عن أمري ويسميه وينام على وضوء مستقبل القبلة وفي بعضها زيادة واضعاً خده على كف يده اليمنى وهو مما لا بأس به والاقتصار على الوارد أولى) نعم (الطامة الكبرى ما ذكره ابن خلدون في كتابه المشهور وسماه بحطومة الانطباع التام وذكر أنه يقرأ عند النوم بعد فراغ السر وصحة التية فيرى القارئ ما يرى وهو تماغس بعد أن يسوادد أغداس نوفنا تمادس. وذلك فإن هذه الأسماء مجهولة المعنى لم ترو قراءتها ولا الأمر بها عن المعصوم عليه الصلوة والسلام وقد صرحوا بحرمة قراءة مثل ذلك لعدم الأمن من تضمنه محظوراً ولا أقل من الكراهة وندب الترك لخبر يدع ما يريبك إلى ما يريبك) ومن الاستخارات الشائعة (الاستخارة بالقرآن ويسمونها تفاؤلاً ولهم فيها كيفيات شتى والظاهر أن ذلك مما لا دليل على مشروعيته. وفي شرح فقه الأكبر لعلي القارئ ما نصه ومن جملة علم الحروف فال المصحف حيث يفتحونه وينظرون في أول صفحة أي حرف وافقه وكذا في سابع الورقة السابعة فإذا جاء حرف من الحروف المركبة من تشخلا كم حكموا بأنه غير مستحسن وفي سائر الحروف بخلاف ذلك. وقد خرج ابن العجمي في منسكه قال ولا يؤخذ الفال من المصحف قال العلماء اختلفوا في ذلك فكرهه بعضهم وأجازه بعضهم ونص المالكية على تحريمه انتهى. ولعل من أجاز أو كره من اعتمد على المعنى ومن حرمه من اعتبر حروف المبنى فإنه في معنى الاستقسام بالأزلام انتهى كلام القاري. والذي أميل إليه الكراهة مطلقاً ولا يبعد القول بالحرمة كذلك فتأمل) ومن البدع (ما يستعمله الشيعة من التفاؤل بالسبحة ونحوها على سائر الكيفيات المعروفة بينهم وكذا ما يفعله كثير من الناس من التفاؤل بديوان الحافظ الشيرازي قدس سره وقد تفاؤل لي بعض أصحابي يوم عزيمتي على السفر فخرج قوله:
كل بر در ومي در كف ومعشوقة بكامست
…
سلطان جهانم بجينين روز غلامستِ
حافظ منشين بي مي معشوقة زماني
…
أيام كل وياسمين وعيد صيامست
) وللعوام تفاؤلات بغير ذلك (من أقدمها التفاؤل بالطيور وكانت الجاهلية تفاؤل بأسمائها وأصواتها وأحوالها وتتشاءم بذلك وعليه قول ذي الرمة:
رأيت غراباً ساقطاً فوق قضبة
…
من القضب لم ينبت لها ورق خضر
فقلت غراب لاغتراب وقضبة
…
لقضب النوى هذي العيافة والزجر
وهبت جنوب باجتنابك منهم
…
ونفح الصبا تلك الصبابة والهجر
وقول كثير عزة:
رأيت غراباً ساقطاً فوق بانة
…
ينتف أعلى ريشه ويطايره
فقلت ولو أني أشاء زجرته
…
بنفسي للنهدي فهل أنت زاجره
فقال غراب لاغتراب من النوى
…
وفي البان بين من حبيب تحاوره
فما أعيف النهدي لا در دره
…
وأزجره للطير لا عز ناصره
وقول بعضهم:
دعا صرد يوماً على غصن بانة
…
وصاح بذات البين منها غرابها
فقلت أتصريد وشحط وغربة
…
فهذا لعمري نأيها واغترابها
ومثل ذلك الطرق بالحصى والتشاؤم بالعطاس إلى أمور كثيرة من هذا الباب ولله تعالى در من قال:
لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى
…
ولا زاجرات الطير ما الله صانع
وقال صابي بن الحرث البرجمي:
وما أنا ممن يزجر الطير همه
…
أصاح غراب أم تعرض ثعلب
ولا السانحات البارحات عشية
…
أمر سليم القرن أم مر أعضب
وقال شاعر قديم:
لا يمنعنك من بغاء الخ
…
ير تعقاد التمائم
ولا التشأم بالعطا
…
س ولا التيامن بالمقاسم
ولقد غدوت وكنت لا
…
أغدو على واق وحائم
فإذا الأشايم كالأيا
…
من والأيامن كالأشايم
وكذاك لا خير ولا ش
…
ر على أحد بدائم
قد خط ذلك في الزبو
…
ر الأوليات القدائم
وصح لا عدوى ولا طيرة. والطيرة على ما قال المناوي التشاؤم بالطيور والظاهر أن مثله التشاؤم بغيرها) نعم (في التشاؤم بالمرأة والدار والفرس خلاف وقد ذكر الجلال السيوطي في حاوي التاوي قد ورد في التشاؤم بالمرأة والدار والفرس الحديث واختلف العلماء هل ذلك على ظاهره أو مؤول والمختار أنه على ظاهره وهو ظاهر قول مالك انتهى. ثم أن التفاؤل بنحو سماع كلمة طيبة مما لا أرى فيه بأساً بل قد ورد أنه عليه الصلوة والسلام كان يحب الفأل فليحفظ. وكل هذا استطراد وتحقيق الكلام عليه في محله وليس الغرض إلا تحقيق الاستخارة التي ذكرها الفقهاء وذكر أني قد فعلتها فخار لي ربي عز وجل السفر) فخرجت يوم الخميس (لما أنه يوم مبارك وقد جاء في خبر اللهم بارك لأمتي في سبتها وخميسها وفي البخاري كان عليه الصلوة والسلام قلما يخرج إذا خرج في سفر إلا في يوم الخميس وفي رواية للشيخين ما كان يخرج) صلى الله عليه وسلم (إلا في يوم الخميس لكن ذكر غير واحد أنه) عليه الصلوة والسلام (خرج مرة يوم السبت وبكرت في الخروج لخبر اللهم بارك لأمتي في بكورها وفي رواية بزيادة لا سيما يوم الخميس. ثم أن في هذا اليوم تفاؤلاً من جهة أنه يوم بث الله تعالى فيه الدواب في أصل الخلق وأخرجها من العدم إلى الوجود وجعلها تسرح في رياض كرم وجود ومن جهة أنه خامس أيام الأسبوع بناء على ما اختاره من أن أوله الأحد لا السبت كما قاله جمع والخمسة عدد مآثر لا تعدم بضربها في نفسها وضرب الحاصل في نفسه وهكذا إلى ما لا يتناهى ومن جهة أن اسمه قبل مؤنس كما قيل:
أؤمل أن أعيش وأن يومي
…
بأول أو بأهون أو جبار
أو التالي دبار فإن انته
…
فمؤنس أو عروبة أو شيار
ومن هذا يعلم سائر أسماء الأسبوع من قبل وفي السفر فيه للغزو تفاؤل آخر من جهة أنه اسم للجيش ففيه تفاؤل على الظفر بالخميس أي الجيش لأنه عبارة عن مقدمة وقلب وميمنة وميسرة وسافة. وكان ذلك أول جمادى الآخرة وجمادى كحبارى معرفة مؤنثة تجمع على جماديات ويقال للأولى جمادى خمسة وللآخرة جمادى ستة نظراً إلى أن الأولى خامسة شهور السنة المفتتحة بالمحرم والآخرة سادستها وكانت تسمى زبى كزنى وكذا لغيرها من الشهور أسماء في الجاهلية غير المشهورة. فالمؤتمر للمحرم. وباجر لصفر. وخوان كشداد لشهر ربيع الأول. وبصان كغراب ورمان لشهر ربيع الثاني. وحنين كأمير وسكيت وباللام فيهما لجمادى الأولى والآخرة وما سمعت للآخرة فقط. والأصم لرجب. والعادل لشعبان. ونانق لرمضان والوعل لشوال. وورنه لذي القعدة. وبرك كزفر لذي الحجة.) واخترت (أولى المشهد لأنه أول أيام الليالي الغرر فلا يخلو ذلك عن تفاؤل لا سيما والقمر متوجه إلى الكمال. واعلم أن لكل ثلاث ليال من الشهر أسماء يخصها وقد نظم ذلك فقيل:
ثم ليالي الشهر قد ما عرفوا
…
كل ثلث بصفات تعرف
فغرر ونفل وتسع
…
وعشر فالبيض ثم الدرع
وظلم حنادس دآدي
…
ثم المحاق لانمحاقٍ بادي
) وكنت (قد التمست الرفيق قبل الطريق لخبر رافع بن خديج التمسوا الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق. لكن قال الكمال ابن أبي شريف أنه منكر وقد أشرت إلى الرفيق فيما مر) وأنا أقول (الآن هو حضرة الوزير والمشير الخطير) عبد الكريم باشا (دام بخير وعاشا يلقب بعبدي بين الأكابر والأصاغر. ولقبه حضرة السلطان عبد المجيد خان بالنادر جاء إلى بغداد مشير عساكر الحجاز والعراق فوقع بينه وبين واليها حضرة نجيب باشا سيء الشقاق وأنى يتصافى لا سيما في العراق عشاق هند وهل يجمع السيفان ويحك في غمد فعرض كل منهما للباب العالي شاكياً على صاحبه طالباً أن يسلب من يديه لحمة منصبه بقوى مخالبه فصادف ذلك انتهاء مدة الوالي في أم الكتاب فجاء البريد أسرع من رجع العطاس بفصله من جانب الباب وكان علاوة على ذلك نصب النادر بدله وتوجيه النيشان ذي الشأن له.
ما حيلة الرامي إذ التقت العدى
…
وأراد يرمي السهم فانقطع الوتر
فعلا النجيب من ذلك حزن عجيب وخرج من بغداد ملتفتاً إليها بقلب ذي وجيب ولم يسر النادر نصبه والياً وكان منصبه الأول في عينه وعينيك حالياً وكان يهوى قلبه البقاء في العسكرية وليس له وراءها إلى المنية أمنية لأنه نشأ فيها ووقف على جليها وخافيها فهي حبيبه الأول الذي لا ينتقل عنه ولا يتحول فلسان حاله يقول وتسمعه إذا صاخت إليه آذان العقول.
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى
…
فصادف قلباً خالياً فتمكنا
على أنه يعلم أن علم السياسة أدق من عمل الإكسير. والفتق الذي فتقه سلفه يعجز عن رتقه دقيق التدبير وأن ليس عنده من يحل رجل دجاجة أو يقضي له من حاجة أدنى حاجة وكان سلمه الله تعالى ذكي الأخلاق زكي الأعراق طاهر الثياب نقي الأهاب لين الجانب مكرم الصاحب إذا دقق بهر وإذا فكر شق الشعر يحب الكرم ويكره من ظلم لا يرتوي جواد ذهنه من حياض التفكر في عظمة ذي الكبرياء ولا يزال طرف طرفه سارحاً في رياض ملكوت السماء كلماته تعد وكمالاته لا تحد بيد أنه لا يلتزم لامرئ أمراً ولا يتجرع لشرب حلو مراً قد حول كل أمر إلى القدر فلا يغضب إن عصي إذا نهى أو أمر) وبالجملة (هو نادر الأمثال فيمن رأينا من الرجال ما أحسن صحبته وأجل لمن ليس له عنده أمل أسأل الله تعالى أن يديمه في سعود وصعود ويكفيه على ممر الزمان كيد كنود وحسود) والرفيق الثاني (الذي التمسته وأدركت منه اللطف من قبل وآنسته أخي الذي لم أزل معه ولم يزل معي) جناب مصطفى بك أفندي الربعي (وهو من قوم كانوا في بغداد أعيان مجد يشار إليه بالأصابع وأقران فضل لا طاعن فيه ولا مدافع.
إذا ركبوا زانوا المواكب هيبة
…
وإن جلسوا كانوا صدور المجالس
صار أبوه) علي بك (في بغداد قائمقام واليها سليمان باشا الكبير وكان عند الوالي المشار إليه ذا قدر على خطير ونصبه بعد متسلما في ماردين وهناك تسلمت الملائكة روحه فعرجوا بها إلى عليين وهو ابن عبد الله بك بن محمد أفندي دفتر دار بغداد المحمية وقد ورد دفتر دار إليها من جانب الدولة العلية وهو ابن علي باشا كان والياً في الحدباء أتاها من قبل الدولة سنة خمس وتسعين بعد الألف وحكم فيها ثلاث سنين على ما ذكره العمري في كتابه منهل الأولياء وذكر فيه أيضاً قصة غريبة لهذا المرحوم ونص على أن اسم أبيه عليه الرحمة قدوم وذريته تنكر ذلك الكلام وترفع رأسها إلى بعض الصدور العظام وتقول أن ذلك الصدر كان من رؤوس ربيعة وأنه كان صدراً عند حضرة السلطان مراد يوم جاء إلى بغداد فنال بفتحها الفخر جميعه وقد فاز عند الفتح بالشهادة وحاز بالرفع إلى عليين أعلى مراتب السعادة) وأنت تعلم (أن الناس مأمونون على أنسابهم كذباً أو صدقاً نعم يطالبون بحجة إذا ادعوا بها حقاً وأن التسامع في هذا المطلب نافع على أن النفس إذا كانت بأهلية لا يجديها نفعاً شرف الأنساب ولو كانت هاشمية.
ما تنفع الأنساب من هاشم
…
إن كانت الأنفس من باهلة
فبلال حبشي وأبو لهب قرشي ولله تعالى در من قال:
كن ابن من شئت واكتسب أدباً
…
يغنيك مضمونه عن النسب
إن الفتى من يقول هاأنا ذا
…
ليس الفتى من يقول كان أبي
ولعمري لا ينفع الحسب ما لم يكن بالمكتسب.
وما الحسب الموروث لا در دره
…
بمحتسب إلا بآخر مكتسب
إذ العود لم يثمر وإن كان شعبة
…
من المثمرات اعتاده الناس للحطب
والشرف النسبي في حكم النعت السببي ومن الجهل والغرور التعاظم بعظام في القبور ولله تعالى در ذي النظم الدري والنثر العبقري سلطان بني الآداب عبد الباقي أفندي العمري في قوله دام صيب فضله:
قل لمن ظهر التعاظم في الأرض
…
على الناس بالعظام الرميمة
لا تكن بالعظام كالكلب مغري
…
ليس في الكلب ويك في العظم قيمة
وقوله:
أقول لمن غدا في كل وقت
…
يباهينا بأسلاف عظام
أتقنع بالعظام وأنت تدري
…
بأن الكلب يقنع بالعظام
وقوله:
لم يجدك الحسب العالي بغير تقى
…
مولاك شيئاً فحاذر واتق الله
وابغ الكرامة في ترك الفخار به
…
فأكرم الناس عند الله أتقاها
والكلام في هذا الباب مما تضيق عنه صفحات هذا الكتاب وفيما ذكرنا غنية عن المزيد ويكفي من القلادة ما أحاط بالجيد على أن الأمر أوضح من صباح فأي حاجة إلى مصباح) ثم أني أقول (ويشهد لي بذلك عدول إن أباء الرفيق المومى إليه رحمة الله تعالى عليهم وعليه لا يختلف في جلالتهم اثنان ولا ينتطح في شرفهم كبشان وقد أراد هو أن يتسور ما تسوروا ويجسر على الكسر والجبر كما جسروا ويصل إلى ما وصلوا وينزل من العلياء حيثما نزلوا فجهد وجد لكن لم يساعده الجد.
إذا لم يكن للمرء جد مساعد
…
فلا جهده يغني ولا جده يجدي
وجد الفتى من غير جد يعينه
…
كسيف بلا حد وكف بلا زند
ونهاية امرأ أن مد الزمان له يداً فرفعه حتى جعله عند عبدي باشا في بغداد كدخدا إلا أنه لم يمهله أن يجبر كسراً أو يسر سراً أو يسدي يداً أو يرد على صديق ردي أو يبني كأسلافه مجداً أو يبقي بإحسانه على الأحرار لا خلافه عبداً حيث ضيق بواسع الحوادث صدره ونفث في عقد عقله فغير فكره ولم يزل يغريه بأشياء كان هو ينكرها على غيره ويحسن له أموراً كان يكرهها في سره وجهره وبذلك وجد عليه من وجد وثنى عنه عطفه بلا اكتراث معظم وجوه البلد وقبل أن تنجلي عنه غياهب المحن ويفطن لما غشه به غشاش الزمن صرحت الأقدار وصرحت الأخيار بعزل وزيره وحطه عن سريره وأمره بالذهاب إلى آمد السوداء وتوجيه أيالتها بدل أيالة الزوراء فعند ذلك عادت إليه أفكاره التي كانت له في الأصل وجادت بوصل حيث لا ينفع الوصل وقد كانت بيني وبينه رحمه الله تعالى محبة شديدة ومودة لم تزل على ممر الأيام أكيدة لا تكاد نفترق في أغلب الليالي والأيام إلا لحاجة ضرورية أو ضروري منام وكنت أوفر أخلائه نصيباً من وافر هممه وكان يذب عني ذب الغيور عن حرمه ومن كرامة نفسه أنه يغضب من غية بني جنسه بل يغضب من غيب أعدائه فضلاً عن أصدقائه وأحبائه وكان إذا نطق لا يتلعثم وكثيراً ما يضحك وهو يتكلم وله عقيدة أصفى من الحليب ومذهب السلف إليه أحب حبيب وكان معظماً بين الكوله مند حيث أن له ولاء يخفق لواؤه على فريقهم بنسائم عتق فعله الجد ولإثبات هذا الولاء في حق داود باشا تجشم السفر للأستانة العلية فسوعد وأثبت إلا أنه قبل أن يلوي عنان الرجعة لوت ساعد حياته المنية ويا سبحان الله تعالى كان بصدد أن يقبض أرث المشار إليه فقبضت روحه وبقصد أن يسكن ريح من يشق ذلك عليه فسكنت ريحه.
يرجى المرء ما أن لا يراه
…
ويعرض دون أدناه الخطوب
وقد لبس من الشهادة الحلة الفاخرة سنة تسع وستين ومائتين وألف تاسع جمادى الآخرة من الله تعالى عليه بالرحمة والغفران وأورثه بدل ما فاته من الإرث غرف الجنان.
) والرفيق الثالث (في هذا السفر الحادث) هو سليمان بك (بن ليث أوغا كدخدا بغداد سابقاً الحاج طالب أغا ارتضع در الفضل صغيراً وتقلد در الأفضال كبيراً عانى فن الكتابة فمهر في الإنشاء فهو اليوم ينظم الكواكب الدرية في سلك تحريراته التركية إن شاء.
عباراته في النظم والنثر كلها
…
غرائب تصطاد القلوب بدايع
فهن لأجياد المعالي قلائد
…
وهن لأجناد المعاني طلايع
أقرت له بارق كتاب الروم وقالت أنى لنا أن نقر بالرق سواري النجوم فيا له من كاتب جمع العجائب والغرائب.
إن هز أقلامه يوماً ليعملها
…
أنساك كل كمي هز عامله
وإن أقر على رق أنامله
…
أقر بالرق كتاب الأنام له
قد سخرت له جن المعاني المتعاصية على الأذهان ولا بدع إذا ما سخرت الجن لسليمان ولعمري لو صعد الذهن النظر في بلقيس كتبه وصوب لظهر له من معانيها وألفاظها غاية العجب.
معان كالعيون ملئن سحراً
…
وألفاظ موردة الخدود
ومع ذا إذا نظم أبدع وإذا تفتق نور شعره فالحسن بين مرصع ومصرع وينضم إلى ذلك لين جانب ورعاية صاحب وكرم أخلاق وحسن وفاق.
ولو أن المكارم صرن نفساً
…
لكان لها الضمائر والعيونا
فهو الذي اجتهد في طلب الكمال ففاق وقلد بدور الأفضال سائر الأعناق فيا له من مجتهد مقلد ومسددٍ مسدد ما صحب ذا عقل من الوزراء إلا كان مقدم حزبه والمستولي على سمعه وبصره وقلبه كل ذلك لعلو همته ومزيد صدقه في خدمته لا يترك وإن ضاقت لسعة غائلته الأوقات الاشتغال بما عين له من النفي والإثبات ويميل في الاعتقاديات إلى مذهب الحلف وكم له في ذلك الميل من سلف ولا يرى في العمليات غير تقليد الإمام الأعظم وتعظيم سائر أئمة الدين عنده أمر ملتزم فكلهم درر مستجاده إلا أن الإمام الأعظم واسطة المقلادة ولله تعالى در شيخ الإسلام الكاشف بدراري حكمه عن جو سماء الحقيقة الظلام ذي الخلق العطر الندي أحمد عارف حكمت بك أفندي حيث يقول:
إن الأئمة عقد در فاخر
…
وأبا حنيفة درة التيجان
بعلومه تزهو الشريعة ما علت
…
زهر الربا بشقائق النعمان
ولقد أنصف بقوله دام فاضل فضله:
إن الأئمة كالمناهل في الهدى
…
والناس مثل الوارد الظمآن
والنفس إن رويت بأول منهل
…
غنيت بلا كره لشرب الثاني
يحيى من الرحمى موات قبورهم
…
صوب الغمام بوابل هان
) وأبو هذا المترجم (حفظه الله تعالى من كل ألم كان حسن السياسة ذا عفة وكياسة وكان محباً للعلماء ومحبوباً لجميع أهل الزوراء وهو من موالي حضرة الوزير أبي الوزراء سليمان باشا الكبير وليس لأحد على كاهل ولده لواء ولاء لعدم وجود الشرط الذي اعتبره في هذا المقام الفقهاء) وبالجملة (ما أدرك ذو حس مثل هذا الأب والابن وروح القدس غير أن هذا الابن فاق أباه وغدا أعرف في أمور أخراه وأولاه وهو في الدهاء بين كتاب الزمان أشبه رجل بكاتب الوحي معاوية ابن أبي سفيان وبين ما للأمراء من ذوي الاختصاص يحكي داهية العرب عمرو بن العاص فلعمري وعمره هو معاوية هذا الزمان وعمره جعله الله تعالى على المقام وأناله من حسن الآمال غاية المرام.
) واتفق (أن وافقنا في المسير غنياً عن رفاقه مأمور وأمير شامة وجنة الأحباب حضرة) إقبال الدولة (الشهير بالنواب وهو رجل من ملوك الهند سكن العراق ووافقه صباه وجنوبه غاية الوفاق وعرف الناس وعرفوه وألف الأخيار وألفوه حيث كان ذا خلق أرق من دمعة الصب وطبع ألطف من وابل غيث غب الجدب وله مع الأحبة منهاج لا تجد له ولو تتبعت من هاج ومزاج عير أجاج هو لمدام الأنس خير مزاج مع عراقة أصل ورجاحة عقل وكمال فضل يحب بشر أشره العترة الطاهرة وليس له رأس مال سوى ذلك في الآخرة ولا يقبل منقولاً ما لم يكن لديه معقولاً وله نظم في الفارسية الدرية رائق ونثر كالنجوم الدرية فائق والذي أوجب سفره حب رؤية سوق لم يسبق مثله أحدث في لوندره ومن عادته حب رؤية الغرائب ولو صرف لأجلها جل الرغائب على أن ما صرف ولو بلغ حد السرف قل من جل وغيض من فيض فقد يسر الله تعالى له تجارة رابحة وأتاه) من الكنوز ما إن مفاتحه (فليس عليه لأحد سوى الله تعالى منه ولا يرى محنة تعالج بمرهم الدراهم محنة ولقد آنسنا برفاقته لغاية لطفه ونجابته لا زال يسرح في رياض النعم محفوظاً من كل ألم بحرمة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.
) وعند (ما وضعت رجلي بالركاب وتنادت بالرحيل الأصحاب تشبث بأذيالي عيالي وأطفالي وقالت لا نطيق الفراق ولا نقدر على علاج آلامه ولو جئنا بألف راق ودونك فادفنا أحياء إن لم تجد في هذه الأحياء لداء حاجتنا دواء وجعلت تذري دموعاً حمراً وتذكي في كانون فؤادي عوفيت جمراً وكادت تصرخ بالويل وتشق الجيوب إلى الذيل فناديتها ودموعي كدموعها ذواري.
ذريني أن أسير ولا تنوحي
…
فإن الشهب أشرفها السواري
فشرعت تخوفني عجزاً وذله ما قد يحدث للغريب من سقام وعله:
فقلت أليس الموت إن لم ألاقه
…
أمامي أتتني خيله من ورائيا
فما عذر أهل العجز والكل تابع
…
جديساً وطمساً والقرون الخواليا
وهل منكر للضيم مات ولم يمت
…
رويبضة ما زال بالدار ثاويا
ومن لم يفارق منزل الذل الذي لم يرح
…
ويغدو إلا موجع القلب باكيا
ومن يبق في دار الهوان يعش بها
…
أخاً مضض لا يبرح الدهر شاكيا
عدمت يميني إن أقمت على القلى
…
نعم وتلتها عن قريب شماليا
فلما تحققت أفي لا أحول أنشدت تقول:
هو الصبر والتسليم لله والرضى
…
إذا دهمتنا خطة لإنشاءها
فتركت الله تعالى الخليفة فيهم وسرت مع صحبي والله سبحانه وتعالى أعلم بما تضمنه قلبي:
هواي ورائي والمسير خلافه
…
فوجهي إلى بلخٍ وقلبي إلى الكرخ
وشيعني أحبه وقد اغرورقت منهم بالدمع عيون المحبة وآخرون قد خنقتهم حبال الغبرة وحرقتهم من خيال البين جمره حتى إذا ودعتهم ولله تعالى أودعتهم انفصمت منهم عرى الأجفان فجادت عزاليها بوابل هتان فسرت وإنسان عيني بالدمع غريق وبين حنايا ضلوعي من نيران الفراق حريق واعترتني دهشة وأضل طائر عقلي عشه فلم أدر أيمنة أضرب أم شامة ونجداً أقصد أم تهامة فلما اعتم الليل واعتم الجو بشملة الويل بت بليلة أنقد أرعى السهر والفرقد حتى إذا ذاب كحل الدجى بدمع فجره وآب أسير الضياء طليقاً من قيد أسره رأيت حولي ولدي عبد الباقي جعله الله تعالى راقياً أعلى المراقي فعقلت في الجملة نفسي وعلقت يدي بأذيال ما فارقني من حسي فسألته عن مذهبه وأمره الذي جاء به فأخبرني أنه لم يطق فراقي وأنه معي إلى انتهاء أيام سفري إن شاء الله تعالى باقي فحسنت له الرجوع إلى أمه والهجوع من أخيه وعمه فلم يكن يعقل ويعي وأبى إلا البقاء معي وحدست أن أمه سهلت عليه سلوك الفجاج وأرسلته ليكون رقيباً علي يمنعني مما عسى أن أهم به من الزواج فقدم حقوقها على حقوقي وقدم على تحمل مشاق السفر العقوقي فأذنت له بالبقاء لعلي أداوي به علل الأحزان وقلت لنفسي لا تيأسي فما شاء الله تعالى كان على أن وإن كنت في حب النكاح مشهوراً قد جعل الله تعالى اليوم بيني وبين ذلك إحجاباً مشتوراً حيث أجدني قد صرت مما عناني عنيناً وأظنك بعد أن ترني لو كشف لك الغطاء لم تزدد يقيناً فما أولاني في هذه الأوقات بقول عبد الرحيم قاضي هرات.
قالوا تزوج بأرض مرو
…
تعش أخاً غبطة وخير
فقلت أحسنتم ولكن
…
بأي مالٍ وأي أير
ولو رجعت إلى الجد لكنت من قبل الحرى بقول العلامة جار الله الزمخشري:
تزوجت لم أعلم وأخطأت لم أصب
…
فيا ليتني قد مت قبل التزوج
فوالله ما أبكي على ساكني الثرى
…
ولكنني أبكي على المتزوج
وعلى العلات بقي في معيتي وشغل بخدمته خدمتي عن خدمتي) ثم (إنا لم نزل نفري بطون الوهاد ونلطم وجه الصحصحان بأيدي الجياد حتى ارتضع صبي العين در الأنس من ثدي) أم الربيعين (فنزلنا عند جسرها حتى دعانا وردة زهرها ذو الذهن العبقري محمود أفندي العمري إلى بيته روضة الآداب وغيل ليوث أبناءه) أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (وهذا الفاضل فيلسوفي الفكر قد غاص غواص ذهنه في بحار الحقائق فاستخرج الدرر وله اطلاع على العلوم الغريبة وله بواسطتها سهام أخبار لهدف الصدق مصيبة قد جعل الفتوحات المكية ثاني قرآنه وزين بفصوص الحكم خواتم زمانه واستغنى بالتنزلات الموصلية عن الترفعات الدنيوية ومطالعة الكبريت الأحمر عن قدح زناد الفكر في تحصيل الذهب الأصفر يحب الشيخ الأكبر أكثر من نفسه وولده ولا كذلك أغلب خواص علماء بلده وله عقل يعقل به الفلك الدوار إن شاء ولا يغلبه في ميدان خصام أحد إلا القضاء ولقد شاع في علم الطب فضله حيث غدا تذكرة لصاحب القانون وحوى مالاً يسع الطبيب جهله) وبالجملة (قد غمس يد فكره في كل فن ولم يحد عن صوب الصواب كل ما خطر له وعن طالما ينادم خرائد الأفكار وراء أستار الخلوة وقلما يشافه غواني الأسرار على أرائك الجلوة وما ذلك إلا لكونه بالأفق الأعلى من الحكمة وبمقعد صدق من علو الهمة ولقد صحبته كثيراً في بلدتي وشفيت بمعجون ياقوت حكمه علتي:
وكانت بالعراق لنا ليالٍ
…
سرقناهن من أيدي الزمان
جعلناهن من تاريخ الليالي
…
وعنوان المسرّة والأمان
وهو اليوم قد شرفت الزوراء بزورته ورشفت الأخلاء حمياً وصلته حيث رأى الحدباء قد ولى شبابها واحدودب ظهرها وكشر نابها ونكحت غير كفوها وجادت على كدر السيرة والسريرة بصفوها وقد حل في بيت أخيه الأوحدي آية الله تعالى الكبرى عبد الباقي أفندي ونحن ولله تعالى الحمد معهما في روض من الأنس أريض وركض في ميدان من الأدب طويل عريض تخطاهما كل سوء وعداهما ودانت لأقدامهما رؤوس عداهما ولا زالا في سماء الفضل فرقدين ولفلكي الحدباء والزوراء منطقتين) ولما (حللت في بيت المومى إليه لا زال ممدود الفضل مقصوداً عليه جاء لزيارتي علماء أعلام كل منهم في حلبة الرهان أمام أولهم وأولاهم وأفضلهم وأغلاهم الفاضل السري) عبد الله أفندي العمري (وهو نور الشجرة العمرية ونور فرق العصابة الفاروقية إليه انتهت رياسة العلماء وعليه حدبت طلبة العلم في الحدباء فعنه يروون ومن زلال فضله يرتوون جاء منذ ثلاثين سنة إلى بغداد وقرا فيها لأمرِ ما عند غرباء العلماء الأمجاد فأصلد القدر له زنداً ونادته غواني الاستفادة مكانك أن حراسنا أسداً وفي أثناء هاتيك الأوقات قرأت عليه بعض القراءات فهو أحد مشايخي في القرآن وأنا أفتخر به على سائر الأقران وقد تخرج على علامة عصره وعلامة الفضل في مصره حليف التدريس والإفادة علي أفندي محضر باشي زادة) وبالجملة (قد عدا فغدا للأمثال سباقاً وراق ففاق علماء بلده علماً وأخلاقاً) وسألني (جماعة بمحضره دام علاه عما يقوله الشيعة في) إلا تنصروه فقد نصره الله (فقلت راجعوا تفسيري روح المعاني فإني وإن كنت آلوسياً فأنا من مشقة الطريق عاني فأحضرت لهم التفسير ولم أكن حظرت فيه شيئاً من التقرير فرأوا فيه العجب العجاب وقالوا ما وجدنا هذا في غير هذا الكتاب وإن أحببت أن يكون ذلك لديك فاستمع الآن لما نتلوه عليك قد ذكرت في تفسير الآية ما ذكرت وحررت ما حررت ثم قلت فهي لعمري مما يدع الرافضي في جحر ضب أو مهامه قفر فإنها خرجت مخرج العتاب للمؤمنين ما عدا أبا بكر رضي الله تعالى عنه. فقد أخرج ابن عساكر عن سفيان بن عيينة قال عاتب الله سبحانه المسلمين جميعاً في نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم غير أبي بكر وحده فإنه خرج من المعاتبة ثم قرأ الا تنصروه الآية. وأخرج الحكيم الترمذي عن الحسن قال عاتب الله تعالى جميع أهل الأرض غير أبي بكر فقال إلا تنصروه الآية. وأخرج ابن عساكر عن علي كرم الله تعالى وجهه بلفظ أن الله تعالى ذم الناس كلهم ومدح أبا بكر رضي الله تعالى عنه فقال إلا تنصروه فقد نصره الله الخ. وفيها النص على صحبته رضي الله تعالى عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يثبت ذلك لأحد من الصحابة سواه وكونه المراد من الصاحب ما وقع عليه الإجماع ككون المراد من العبد بقوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هنا قالوا إن إنكار صحبته كفر مع ما تضمنته من تسلية النبي صلى الله تعالى عليه وسلم له بقوله لا تحزن وتعليل ذلك بمعية الله تعالى الخاصة المفادة بقوله أن الله معنا ولم يثبت مثل ذلك في غيره بل لم يثبت لنبي معية الله سبحانه له ولآخر من أصحابه وكأن في ذلك إشارةً إلى أنه ليس فيهم كأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وفي إنزال السكينة عليه بناءً على عود الضمير إليه مما يفيد السكينة في أنه هو هو رضي الله تعالى عنه ولعن بأغضيه وكذا في إنزالها على الرسول صلى الله عليه وسلم مع أن المنزعج صاحبه ما يرشد للمنصف إلى أنهما كالشخص الواحد وظهر من ذلك إشارة ما ذكر أن الحزن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويشهد لذلك ما مر في حديث الشيخين وأنكر الرافضة دلالة الآية على شيء من الفضل في حق الصديق رضي الله تعالى عنه قالوا أن الدال على الفضل إن كان) ثاني اثنين (فليس فيه أكثر من كون أبي بكر متمماً للعدد) وإن كان إذ هما في الغار (فلا يدل على أكثر من اجتماع شخصين في مكان وكثيراً ما يجتمع فيه الصالح والطالح وإن كان) لصاحبه (فالصحبة تكون بين المؤمن والكافر كما في قوله تعالى) قال لصاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك (وقوله) وما صاحبكم بمجنون (و) يا صاحبي السجن (بل قد تكون بين من يعقل وغيره كقوله:
إن الحمار مع الحمير مطية
…
وإذا خلوت به فبئس الصاحب
وإن كان) لا تحزن (فيقال لا يخلو أما أن يكون الحزن طاعة أو معصية لا جائز أن يكون طاعة وإلا لما نهى عنه صلى الله عليه وسلم فتعين أن يكون معصية لمكان النهي وذلك مثبت خلاف مقصودكم على أن فيه من الدلالة على الجبن ما فيه) وإن كان إن الله معنا (فيحتمل أن يكون المراد إثبات معية الله تعالى الخاصة له صلى الله عليه وسلم وحده لكن أتى بنا سداً لباب ألا يحاش ونظير ذلك الإتيان بأوفى قوله تعالى) وإنا وإياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين (وإن كان) فأنزل الله سكينته عليه (فالضمير فيه للنبي صلى الله عليه وسلم لئلا يلزم تفكيك الضمائر وحينئذ يكون في تخصيصه عليه الصلوة والسلام بالسكينة هنا مع عدم التخصيص في قوله) فأنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين (إشارة إلى ضد ما ادعيتموه. وإن كان ما دلت عليه الآية من خروجه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت فهو عليه الصلوة والسلام لم يخرجه معه إلا حذراً من كيده لو بقي مع المشركين بمكة وفي كون المجهز لهم بشراء الإبل علياً كرم الله تعالى وجهه إشارة لذلك وإن كان شيئاً وراء ذلك فبينوه لنتكلم عليه انتهى كلامهم) ولعمري (أنه أشبه شيء بهذيان المحموم أو عربدة السكران ولولا أن الله سبحانه حكى في كتابه الجليل عن اليهود والنصارى ما هو مثل ذلك ورده رحمة بضعفاء المؤمنين ما كنا نفتح في رده فماً أو نجري في ميدان تزييفه قلماً) لكني لذلك أقول (لا يخفى أن ثاني اثنين وكذا إذ هما في الغار إنما يدلان بمعونة المقام على فضل الصديق رضي الله تعالى عنه ولا ندعي دلالتهما مطلقاً ومعونة المقام أظهر من نار على علم ولا يكاد ينتطح كبشان في أن الرجل لا يكون ثانياً باختياره لآخر ولا معه في مكان إذا فرض عدو ما لم يكن معولاً عليه ومتحققاً صدقه لديه لا سيما وقد ترك الآخر لأجله أرضاً حلت فيه قوابله وحلت عنه بها تمائمه وفارق أحبابه وجفا أترابه وامتطى غارب سبسب يضل به القطا وتقتصر فيه الخطا) ومما (يدل على فضل تلك الاثنينية قوله صلى الله عليه وسلم مسكناً جاش أبي بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما والصحبة اللغوية وإن لم تدل بنفسها على المدعي لكنها تدل عليه بمعونة المقام أيضاً فإضافة صاحب إلى الضمير للعهد أي صاحبه الذي كان معه في وقت يجفو فيه الخليل خليله ورفيقه الذي فارق لمرافقته أهله وقبيله) وإن (لا تحزن ليس المقصود منه حقيقة النهي عن الحزن فإنه من الأمور التي لا تدخل تحت التكليف بل المقصود التسلية للصديق رضي الله تعالى عنه أو نحوها) وما ذكروه (من الترديد يجري مثله في قوله تعالى خطاباً لموسى وهارون عليهما السلام لا تخافا إنني معكما (وكذا في قوله سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعاً (إلى غير ذلك افترى أن الله سبحانه نهى عن طاعة أو أن أحداً من أولئك المعصومين عليهم السلام ارتكب معصية سبحانك هذا بهتان عظيم ولا ينافي كون الحزن من الأمور التي لا تدخل تحت التكليف بالنظر إلى نفسه أنه قد يكون مورداً للمدح والذم كالحزن على فوات طاعة فإنه ممدوح والحزن على فوات معصية فإنه مذموم لأن ذلك باعتبار آخر كما لا يخفى وما ذكر في حيز العلاوة من أن فيه من الدلالة على الجبن ما فيه من ارتكاب الباطل ما فيه) فإإنا (لا نسلم أن الخوف يدل على الجبن وإلا لزم جبن موسى وأخيه هارون عليهما السلام فما ظنك بالحزن وليس حزن الصديق بأعظم من الاختفاء بالغار ولا يظن مسلم أنه كان عن جبن أو يتصف بالجبن أشجع الخلق على الإطلاق صلى الله تعالى عليه وسلم ومن أنصف رأي أن تسليته عليه الصلوة والسلام لأبي بكر بقوله لا تحزن كما سلاه بقوله) لا يحزنك قولهم (مشيرة إلى أن الصديق رضي الله تعالى عنه عنده عليه الصلوة والسلام بمنزلته عنه ربه جل شأنه فهو حبيب له تعالى بل لو قطع النظر عن وقوع مثل هذه التسلية من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم كان نفس الخطاب بلا تحزن كافياً في الدلالة على أنه رضي الله تعالى عنه حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فكيف تكون محاورة الأحباء وهذا ظاهر إلا عند الأعداء. وما ذكر من أن المعية الخاصة كانت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وحده والإتيان بنا لسد باب الإيحاش من باب المكابرة الصرفة كما يدل عليه الخبر المار آنفاً على أنه إذا كان إشفاقاً على
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا غير فأي إيحاش في قوله لا تحزن إن الله معي وإن كان إشفاقاً على الرسول وعلى نفسه رضي الله تعالى عنه لم يقع التعليل موقعه والجملة مسوقة له) ولو سلمنا (الإيحاش على الأول ووقوع التعليل موقعه على الثاني يكون ذلك الحزن دليلاً واضحاً على مدح الصديق رضي الله تعالى عنه) وإن كان (على نفسه فقد كما يزعمه ذو النفس الخبيثة لم يكن للتعليل معنى أصلاً وأي معنى لقولك لا تحزن على نفسك إن الله معي لا معك) على أنه (يقال للرافضي هل فهم الصديق من الآية ما فهمت من التخصيص وأن التعبير بنا كان سداً لباب الإيحاش أم لا. فإن كان الأول يحصل الإيحاش ولا بد فنكون قد وقعنا فيما فررنا عنه وإن كان الثاني فقد زعمت لنفسك رتبة لم تكن بالغها ولو زهقت روحك ولو زعمت المساواة في فهم عبارات القرآن الجليل وإشاراته لمصاقع أولئك العرب المشاهدين للوحي ما سلم لك أو تموت فكيف يسلم لك الامتياز على الصديق وهو وقد فهم من إشاراته صلى الله عليه وسلم من حديث التخيير ما خفي على سائر الصحابة حتى على علي كرم الله وجهه فاستغربوا بكاءه رضي الله عنه يومئذ. وما ذكر من التنظير في الآية مشير إلى التقية التي اتخذتها الرافضة ديناً وحرفوا لها الكلم عن مواضعها وقد أسلفنا لك الكلام في ذلك على أتم وجه فتذكره. وما ذكر في أمر السكينة فجوابه يعلم مما ذكرناه. وكون التخصيص مشيراً إلى إخراج الصديق رضي الله تعالى عنه عن زمرة المؤمنين كما رمز إليه الكلب عدو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لو كان ما خفي على أولئك المشاهدين للوحي الذين من جملتهم الأمير كرم الله وجهه فكيف مكنوه من الخلافة التي هي أخت النبوة عند الشيعة وهم الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم وكون الصحابة قد اجتمعوا في ذلك على ضلالة والأمير كان مستضعفاً فيما بينهم أو مأموراً بالسكوت وغمد السيف إذ ذاك كما زعمه المخالف قد طوى بساط رده وعاد شذر مذر فلا حاجة إلى إتعاب القلم في تسويد وجه زاعمه. وما ذكر من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرجه إلا حذراً من كيده. فيه أن الآية ليس فيها شائبة دلالة على إخراجه له أصلاً فضلاً عن كون ذلك حذراً من الكيد على أن الحذر لو كان في معيته له صلى الله عليه وسلم وأي فرصة تكون مثل الفرصة التي حصلت حين جاء الطلب لباب الغار فلو كان عند أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وحاشاه أدنى ما يقال لقال هلموا فهاهنا الغرض. ولا يقال أنه خاف على نفسه أيضاً لأنه يمكنه أن يخلصها منهم بأمور ولا أقل من أن يقول لهم خرجت لهذه المكيدة. وأيضاً لو كان الصديق كما يزعم الزنديق فأي شيء يمنعه من أن يقول لابنه عبد الرحمن أو ابنته أسماء أو مولاه عامر بن نهيرة فقد كانوا يترددون إليه في الغار كما أخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله تعالى عنها فيخبر أحدهم الكفار فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أنه على هذا الزعم يجيء حديث التمكن وهو أقوى شاهد على أنه هو هو. وأيضاً إذا انفتح باب هذا الهذيان أمكن للناصبي أن يقول والعياذ بالله تعالى في علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالبيتوتة على فراشه الشريف ليلة هاجر إلا ليقتله المشركون ظناً منهم أنه النبي صلى الله عليه وسلم فيستريح منه وليس هذا القول بأعجب ولا أبطل من قول الشيعي أن إخراج الصديق إنما كان حذراً من شره. فليتق الله سبحانه من فتح هذا الباب المستهجن عند ذوي الألباب وزعم أن تجهيز الإمام كرم الله تعالى وجهه لهم بشراء الأباعر إشارة إلى ذلك. لا يشير إلى ذلك بوجه من الوجوه على أن ذلك وإن ذكرناه فيما قبل إنما جاء في بعض الروايات عن ابن عباس والمعول عليه عند المحدثين غير ذلك) ولا بأس (بإيراده تكميلاً للفائدة وتنويراً لفضل الصديق رضي الله عنه فنقول (أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمرر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية.) ولما (ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً قبل أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغمار لقيه ابن الدغة وهو سيد القارة فقال ابن الدغنة أين تريد يا أبا بكر فقال أبو
بكر أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي قال ابن الدغنة مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلدك فارتحل ابن الدغنة. فرجع مع أبي بكر فطاف ابن الدغنة في كفار قريش فقال إن أبا بكر لا يخرج مثل ولا يخرج أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق. فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره وليصل فيها ما شاء وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا ولا يستعلن بالصلوة والقراءة في غير داره ففعل) ثم (بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأ ويتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان رجلاً بكاءاً لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا إنما أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وأنه جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره وأعلن بالصلوة والقراءة وإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نحتقرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال يا أبا بكر قد علمت الذي عقد لك عليه فأما أن تقتصر على ذلك وأما أن ترد إلى ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في عقد رجل عقدت له. فقال أبو بكر إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله تعالى وجوار رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة يومئذ قال للمسلمين قد أريت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما جرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة إلى أرض الحبشة من المسلمين. وتجهز أبو بكر مهاجراً فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي فقال أبو بكر وترجو ذلك بأبي أنت وأمي قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبته وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر فبينما نحن جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فداه أبي وأمي إن جاء به في هذه الساعة إلا أمر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأذن من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قد أذن لي بالخروج فقال أبو بكر فالصحابة بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله نعم فقال أبو بكر فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثمن. قالت عائشة فجهزناهما أحث الجهاز فصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر من نطاقها فأوكت به الجراب فلذلك كانت تسمى ذات النطاق. ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيخرج من عندهما سحراً فيصبح مع قريش بمكة كبات فلا يسمع أمراً يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حتى يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى لأبي بكر منيحة من غنم فيريحها عليهما حين يذهب بغلس ساعة من الليل فيبيتان في رسلهما حتى ينعق بها عامر في غلس يفعل ذلك كل ليلة من الليالي إلى الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الذئل ثم من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل وهو على دين كفار قريش فآمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث فأتاهما براحلتيهما صبيحة ثلاث ليال فأخذ بهم طريق إذ أخر وهو طريق الساحل الحديث بطوله. وفيه من الدلالة على فضل الصديق ما فيه وهو نص في أن تجهيزهما في بيت أبي بكر وأن الراحلتين كانتا له وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل أحدهما إلا بالثمن يرد على الرافضي زعم تهمة الصديقة وحاشاها في الحديث هذا. ومن أحاط خبراً بأطراف ما ذكرناه من الكلام في هذا المقام علم أن قوله وإن كان شيئاً وراء ذلك فبينوه لنا حتى نتكلم عليه ناش عن محض الجهل أو العناد) ومن يضلل الله فما له من هاد (
وبالجملة. أن الشيعة قد اجتمعت كلمتهم على الكفر بدلالة الآية على فضل الصديق رضي الله تعالى عنه. ويأبى الله تعالى إلا أن تكون) كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا (انتهى. ما روجع من روح المعاني وتلي على رؤوس الأشهاد في هاتيك المغاني) وبعد أن تم ذاك (طاف بنا المفتي عبد الرحمن أفندي الكلاك وهو رجل قد لبس كفن التماوت فوق ثيابه وأنعم من حب الحيوة الدنيا عيابه حتى غدت لا تنطبق شفاه عياً به قد جعل مسكنته حبة لفخه لكنه لم يصطد بها حتى طار طائر الشباب بفرخه وكان صيده جرادة الدنيا الدنية وحمامة إفتاء المستفتين من الحنفية وكم جاهل صاد ذلك بحبائل حيل نحو ما هنالك وأعانه عليه خوراً كثر العوام وجور معظم الحكام) نعم (له علم لكنه دون ما يدعيه وصلاح لكنه عملي وفيه ما فيه فهو على علاته أحسن ممن مد ذراع حيلته فنال ما نال وقدح زند مسكنته فأوري وهو من الجهال وقد دلت الآثار أن من إمارات الساعة إفتاء من ليس سوى بز الجهل بضاعة ولا شك أن قيام الساعة قريب فوقوع مثل ذلك غير عجيب وإلا فبين أهل الصدر الأول السادة الأمجاد كانت لا تمهر فتاة الإفتاء إلا بنقد الاجتهاد:
فتراخى الأمر حتى أصبحت
…
هملاً يطمع فيها من يراها
ولست أقول هذا من نفس واجدة لا والذي شقهن خمساً من واحدة كيف وأنا أحمد الله تعالى على أن خلصني من نصب منصب الإفتاء وشغلني برشف رضاب فتاة التدريس في الإصباح والإمساء وأنار ليلي بتوقد وجنات ليلي الدقائق ومن على سرح فكري برياض اللطائف وجنات الحقائق وهذه نعمة لا يبلغ طائر الشكر ذراها فكيف تقبل النفس أن تقبل شوهاء غداً وينم ذباب الجهل لعس شفاها وأعود فأقسم ممن أخرج العذق من الجريمة والنار من الوثيمة أني لفي نعمة من فضل ربي عز شأنه جليلة عظيمة يحق لي أن أقول غير مبال بحسود جهول:
سهري لتنقيح العلوم الذلي
…
من وصل غانية وطيب عناق
وتمايلي طرباً لحل عويصةٍ
…
في الدرس ابلغ من مدامة ساق
وصرير أقلامي على أوراقها
…
أشهى من الدوكاه والعشاق
وألذ من نقر الفتاة لدفها
…
نقري لألقي الرمل عن أوراقي
يا من يحاول بالأماني رتبتي
…
كم بين مستفل وآخر راق
أأبيت سهران الدجى وتبيته
…
نوماً وتبغي بعد ذلك لحاقي
فما قلت ما قلت إلا لإفادة حقيقة الحال ولإخبار الأخيار بأن طعم الدهر الحلو قد استحال فيسأل الواقف ربه سبحانه من فضله أن يوسد الأمر إلى أهله ويصون بلطفه تعالى هذا الدين من أن يقضي عليه إفتاء الجاهلين) وقد استعظم (ذلك المفتي بين علماء في المجلس قعود أمر السؤال الشهير بين الأسود والأحمر في قوله تعالى) غرابيب سود (فقلت يكفي في جوانه ما يعرفه الحاضر والبادي وقد ذكر في قاموسه مولانا) مجد الدين الاسترابادي (قال وأسود غربيب حالك وأما غرابيب سود فالسود بدل لأن توكيد الألوان لا يتقدم فجعلت إبهامه تناجي ناجده فانبهم على أمره فلم أدر أفهم أم أنه لم يفهم فسكت حيث شككت وكنت ناوياً أن أسلك غير ذلك المسلك فما سلكت) وفي روح المعاني (ظاهر كلام الزمخشري أن غرابيب هنا توكيد لمحذوف والأصل سود غرابيب أي شديدة السواد. وتعقب بأنه لا يصح إلا على مذهب من يجوز حذف المؤكد ومن النحاة من منع ذلك وهو اختيار ابن مالك لأن التأكيد يقتضي الاعتناء والتقوية وقصد التطويل والحذف يقتضي خلافه. ورده الصفار كما في شرح التسهيل لأن المحذوف لدليل كالمذكور فلا ينافي تأكيده. وفي بعض شروح المفصل أنه صفة لذلك المحذوف أقيم مقامه بعد حذفه وقوله تعالى سود بدل منه أو عطف بنيان له وهو مفسر للمحذوف ونظير ذلك قول النابغة:
والمؤمن العائدات الطير يمسحها
…
ركبان مكة بين الغيل والسند
وفيه التفسير بعد الإبهام ومزيد الاعتناء بوصف السواد حيث دل عليه من طريق الإضمار والإظهار. ويجوز أن يكون العطف على جدد على معنى ومن الجبال ذو جدد مختلف اللون ومنها غرابيب متحدة اللون كما يؤذن به المقابلة وإخراج التركيب على الأسلوب الذي سمعته وكأنه لما اعتنى بأمر السواد بإفادة أنه في غاية الشدة لم يذكر بعده الاختلاف بالشدة والضعف. وقال القرآن الكلام على التقديم والتأخير أي سود غرابيب. وقيل ليس هناك مؤكد ولا موصوف محذوف وإنما غرابيب معطوفة على) جدد أو على بيض من أول الأمر وسود بدل منه. قال في البحر وهذا حسن ويحسنه كون غربيب لم يلزم فيه أن يستعمل تأكيداً ومنه ما جاء في الحديث أن الله تعالى يبغض الشيخ الغريب وهو الذي يخضب بالسواد. وفسره ابن الأثير بالذي لا يشيب أي لسفاهته أو لعدم اهتمامه بأمر آخرته وحكى ما في البحر بصيغة قيل وقول الشاعر:
العين طامحة واليد شامخة
…
والرجل لايحة والوجه غربيب
انتهى. ويرد على ما يقل عن الفراء ما يرد فتأمل) وأعجبني (فتى ذو فطنة وقادة يدعى) حسن أفندي قاضي زاده (ولقد رأيته أحد الأفاضل الأكياس الذين لهم من نقود الأدب دون الذهب أكياس قد حل من رتب المعارف المحل الأسمى ودل عرفانه على أن الاسم عين المسمى. وهو من سادة لا شك في صحة نسبهم وقادة لا شبهة لأحد في سمو رتبتهم بهم يفخر الفخر وبنورهم يكتحل طرف الفجر قد عرجوا إلى سماء مجد انحط عنها زحل وتبوءوا مقاعد صدق ما نال من تبوأها لا والذي عز وجل.
بيض بها ليل يستسقي الغمام بهم
…
في المحل إن ضل يوماها طل الديم
يفوح عرف المعاني إن ذكرتهم
…
ويعبق الأفق مسكاً من حديث فم
ودأب هذا الفتى من بينهم التأليف والتدريس والاستغناء بحمياهما عن حميا منادمة الجليس ولا يزال يمد إلى اكتساب الفضل ذراعاً ويطول كل يوم على من يروم مطاولته باعاً ويلوح لي من أسارير جبين فضله أنه سيكون رأس قومه وأهله وأنه ستنتهي إليه رياسة العلماء ويتقوم به أود الطلبة في الموصل الحدباء:
إن الهلال إذا رأيت نموه
…
أيقنت أن سيصير بدراً كاملا
) والموصل (قال في اللباب بفتح الميم وسكون الواو وكسر الصاد المهملة وفي آخرها لام مدينة من الرابع من الجزيرة وهي على دجلة في جانبها الغربي انتهى. وفي جانبها الشرقي نينوى بكسر النون كطيطوى وهي المدينة التي أرسل إلى أهلها يونس عليه السلام وفيها مرقده الشريف. والقول بأنه عليه السلام إنما أرسل إلى أهل أربل مما لا يعول عليه أصلاً اللهم إلا أن يقال أن نينوى كانت بلدة واسعة جداً وكانت أرض أربل قطعة منها وكون ما بينهما مسيرة نحو يومين لا يضيق جوابه بعد فرض السعة بل زعم بعضهم فيها أنها سعة تسع أربل وكركوك والله تعالى الخبير. ومدنها نينوى ابن بالوس من ملوك آثور سنة ألف وثلاث وسبعين بعد الطوفان. وطول الموصل على ما في الأطوال) سز (وعرضها) لزل (وفي المقاصد العوالي أن عرضها) لدل (وطولها) عزما (ولعله الأقرب للتحقيق. وفاتحها في زمن الفاروق رضي الله تعالى عنه قيل عياض بن غنم الأشعري وقيل خالد بن الوليد فتحها عنوة رضي الله تعالى عنه.) وأهلها (على ما في التعريبات الشافعية لبعض المعاصرين المصريين خمسة وثلاثون ألفاً وقيل سبعون ألفاً ما بين أتراك وأكراد وعرب. وسميت بالموصل على ما هو المشهور لأن نوحاً عليه السلام سبر الماء هنالك وهو في السفينة فوصل المسبار الأرض. وفي المراصد سميت بذلك لأنها وصلت بين الجزيرة والفرات وقيل وصلت بين دجلة والفرات وقيل لأنها وصلت بين بلد والحديثة وقيل أن الملك الذي أحدثها كان يسمى الموصل انتهى. ولا أجزم بشيء مما ذكر والله تعالى أعلم) وقريب (من الموصل المعمورة اليوم محل يسمى أسكي موصل يعنون الموصل القديمة وهذا ظاهر في أن المعمورة حديثة) وفي معجم البلدان (ما يدل على أن تلك القديمة هي حديثة الموصل ونقله عنه علامة عصره وفهامة مصره الفاضل السري الملا أمين العمري في كتابه منهل الأولياء ومورد الأصفياء وصححه من عدة أقوال وعليه فوصفها بالقديمة لعله لخرابها اليوم واشتهر بين خواص المعمورة أنها تسلطت في وقت عليها الجن فلم يستطع أهلها الإقامة فيها فتحولوا إلى مكان قريب منها وعمروا فيها مساكن لهم وسموه بحديثة الموصل ثم انتقلوا في أيام الشيخ أبي الفتح الموصلي قدس سره إلى بلدتهم الأولى حيث انقطع عنها ببركة الشيخ المذكور قدس سره ما عراها من الجن فخرب ما أحدثوه في ذلك المكان من المساكن انتهى. ولم يخطر لي أني رأيت ذلك في كتاب ومن ينكر تسليط الجن وتمكين الله تعالى إياهم من مثل ما يحكى يقول في ذلك هو حديث خرافة ومن ينكر الجن رأساً والعياذ بالله تعالى فحاله في مثل هذه الحكاية غير خفي عليك. والأقرب أن يقال لعلهم تركوا مكانهم في وقت من الأوقات لمزعجات الليالي فحوادثها جمة وأحدثوا ما سمعت ثم نامت عنهم عيون الحوادث فاستيقظت عين محبة الوطن فحنوا إليه حنين الشارف إلى العطن فرجعوا إليه وانتقلوا عما كانوا عولوا عليه فخلا من السكان فخربته أيدي الحدثان) وهي عذبة (الماء طيبة التربة والهواء طعامها هني وشرابها مري واسطة البلاد وسرتها ووجهها الصبيح وغرتها تلد الربيع في السنة مرتين فهي بين البلاد أم الربيعين فأراضيها في فصلين قد علا جنسها وتجرد عن عوارض الكدر أنسها وهي كالعرائس في حليها وزخارفها والقيان في وشيها ومطارفها باسطة زرابيبها وأنماطها ناشرة حبرها ورياطها:
كأن نسيم الريح في جنباتها
…
نسيم حبيب أو لقاء مؤمل
لا عيب فيها سوى أنها أيام الربيع تسرق العمائم الخضر من السادة فتنشرها على سطوح دورها وتبيع وتقول لا بأس على أم الربيعين لو سرقت عمائم أبناء الريحانتين) ولعمري (أن من اختبر وامتحن حكم بأن كل روضة بالنسبة إلى رياضها خضراء الدمن وأنها تنبت العلماء المحققين كما تنبت الأقحوان والنسرين وتخرج الأخيار كما تخرج الأزهار وهذا أظهر من الشمس وأقوى من الأمس فلا حاجة إلى التطويل بإقامة الدليل:
وليس يصح في الأعيان شيء
…
متى احتاج النهار إلى دليل
ونفحة الشمامة تهدي من ليس له زكام إلى حمى بعض أولئك العلماء الأعلام) وفي الروض النضر (أريج فضلاء منهم ارتدوا رداء أحسن عصر ولا يكاد يحيط نطاق بجميع من فاق منهم علماء الآفاق والأمر من البديهيات الأولية عند منصفي علماء العراق فهيهات أن يكون فيه بين اثنين نزاع وشقاق) وبعد يومين (ودعنا أم الربيعين وسرنا مع رفقائنا الغرر) حتى أتينا جزيرة ابن عمر (وهي بلدة هلالية الشكل لكن لا نور فيها ولا فضل وذلك لو خامة هوائها ودمامة أرجائها ولولا أن تكون دجلة عليها شفيقة لجعلتها بمجازها جزيرة على الحقيقة) وابن عمر (الذي تنسب إليه وتعول في الشهرة عليه قيل هو يوسف بن عمر الثقفي وفي معجم البلدان جزيرة ابن عمر أحسب أن أول من عمرها الحسن بن عمر بن الخطاب التغلبي وكان له إمرة بها سنة مائتين وخمسين انتهى. وفي تاريخ ابن المستوفي ابنا عمرهما أوس وكامل ابنا عمر ابن أوس التغلبي وإليهما تنسب الجزيرة المشهورة انتهى. وفي تاريخ ابن خلكان ما يتعلق بذلك) وأنا (أعول على ما في المعجم والله تعالى أعلم ويبعد ما في تاريخ ابن المستوفي في الجملة أفراد ابن) وسألي (رجل ذو ذقن طويل عريض وذهن عليل مريض عن معنى قول العلامة ابن حجر في شرح المنهاج الذي غدا بين المحققين كالسراج الوهاج ليس له من هاج قيل والإيجاز لكونه حذف طول الكلام وهو الإطناب غير الاختصار لأنه حذف تكريره مع اتحاد المعنى ويشهد له) فذو دعاءٍ عريض (وفيه تحكم واستدلال بما لا يدل إذ ليس في الآية حذف ذلك العرض فضلاً عن تسميته فالحق ترادفهما كما في الصحاح انتهى. فقرأت عليه ما كتبه العلامة) أحمد حيدر (والفهامة) صبغة الله أفندي الحيدري (والمحقق) الشيخ عبد الله السويدي (والمدقق) الشيخ إبراهيم أفندي الراوي (فما رأيته هش ولا بش.) ثم (تلوت عليه ما حررته فأوضحته لديه وقررته فأحسست أن تكاثف شعر ذقنه حال بينه وبين وصوله إلى ذهنه) ولما (عييت عن التفهيم أنشدت قول الشاعر القديم:
على نحت القوافي من معادنها
…
وما على إذا لم تفهم البقر
وإذا أحببت أن تسمع كلامي وما حررته في ذلك أقلامي فهاك ذاك والله تعالى يتولى هداك) قوله (قيل والإيجاز لكونه على ما يفهم من كلام غير واحد حذف طول الكلام أي ترك ما به يطول وهو أي الطول بمعنى الإطالة لمكان قوله الإطناب ففيه استخدام غير الاختصار فيما أرى لأنه أي الاختصار حذف تكريره أي ترك ما به يحصل تكرير الكلام مع اتحاد المعنى المقصود منه) ولما (كان هذا القائل إنما قال ما قال والله أعلم لمن يسلم أن الإيجاز حذف طول الكلام ويدعي أن الاختصار كذلك ولا يسلم أن للكلام عرضاً يكون بالتكرير ليكون الاختصار حذفه أراد أن يقوي ما قاله فقال ويشهد له أي للفرق أو للمدعى المذكور وهو المغايرة بين الإيجاز والاختصار قوله تعالى) فذو دعاءٍ عريض (وذلك أنه يدل على ثبوت عرض للكلام الذي ينكره الخصم الغير الفارق بينهما إذ الدعاء فيه بمعنى المدعو به دون المعنى الصدري لخفاء وصفه بالعريض إلا أن يتكلف وهو ليس إلا الكلام والمتبادر من عرضه تكرره لا سيما هذه الآية لأن دعاء الإنسان فيها لدفع الشر الذي يمسه فهو يكرر قوله رب ادفع الشر عني فحيث أفادت أن للكلام عرضاً يكون بتكريره كما في دعاء الإنسان المحدث عنه ومن المسلم أن له طولاً وأن حذفه يسمى إيجازاً تعين أن يسمى المتعلق بالعرض أعني حذفه اختصاراً إذ لا جائز أن يسمى إيجازاً لأنه متعلق بالطول دون العرض إذ لا عرض عند الخصم يتعلق به وليس في البين ثالث يرتفع به الشقاق ويقع على حسن التسمية به الاتفاق) واعترض (عليه الشارح العلامة أولاً بقوله وفيه أي في هذا القيل تحكم حيث جعل قائله الإيجاز حذف الطول والاختصار حذف العرض ولم يعكس مع عدم المانع. وهذا غفلة منه عفا الله تعالى عنه عن كون الكلام مع من سلم أن الإيجاز حذف الطول واستقر رأيه عليه لكن أدعى أن الاختصار ليس أمراً وراءه متعلقاً بالعرض لإنكاره إياه) واعترض (ثانياً بقوله وفيه أيضاً استدلال على مدعاة من المغايرة بما لا يدل عليه من قوله عز وجل فذو دعاءٍ عريض (إذ ليس في الآية المذكورة حذف ذلك العرض الذي يشير كلامه إلى أنه تكرير الكلام بل فيها الوصف به فضلاً عن تسميته أي تسمية حذف ذلك اختصاراً. وهذا أيضاً غفلة منه عليه الرحمة عن كون إثبات ذلك العرض والوصف كافياً في العرض. ومما ذكر يعلم ضعف تفريع قوله فالحق تراد فهماً أي الإيجاز والاختصار وكونهما معاً عبارة عن حذف طول الكلام كما يشعر به كلام الجوهري في الصحاح حيث قال اختصار الكلام إيجازه وأوجزت الكلام أقصرته هذا. وللعلامة شيخ مشايخنا) صبغة الله أفندي الحيدري (في حل هذه العبارة وتوجيه الشهادة ما تشهد بداهة العقول بأنه بمعزل عن ساحة القبول ونحوه من وجه كلام المولى) أحمد حيدر (في ذلك ولكثير من الأجلة غيرهما نحو ما لهما) وبالجملة (لم تزل هذه العبارة معتركاً لأولي الأفهام من العلماء الأعلام ولم أر أحداً منهم أصاب المحز ولا عرف مغزى ذلك القائل فيما قال وأوجز وكلهم راعي فيما ذكر تصحيح اعتراض العلامة ابن حجر مع أنه لم يلزم ذلك عليهم أصلاً وإن كان نور الله تعالى صريحه للفضل أهلاً ويكفي في توهين الاستدلال غير ذلك مما لا يخفى على فحول الرجال فتدبر ذاك والله سبحانه وتعالى يتولى هداك وأنا إن كنت قد أصبت فذلك من محض فضل الله عز وجل وإن كنت قد أخطأت فقد أخطأ قبلي من هو أفضل مني بمراتب وأجل وكل شيء بقضاء وقدر حتى العجر والكيس انتهى. والذي كتبه العلامة السري شيخ مشايخنا) صبغة الله أفندي الحيدري (ما نصه قوله. ويشهد له الخ. وجه الشهادة أنه فسر العريض في الآية بالكثير على أن يكون مستعاراً مما له عرض متسع فكأنه قال فذو دعاءٍ عريض عرضه فحذف العرض ونقل الضمير إلى الصفة واكتفى بوصف الدعاء بالعريض عنه لدلالته عليه فهذا إيجاز لحذف طوله الذي هو الإطناب وليس باختصار لعدم حذف تكرير منه. وفيه تحكم إذ ليس تخصيص كل من الإيجاز والاختصار بما خصصه ذلك القائل به أولى من تخصيص الآخر به لأنه لا مانع في اللغة ولا في الاصطلاح من أن يوصف ما حذف طوله من الكلام بالاختصار ولا ما حذف تكريره بالإيجاز واستدلال بما لا يدل إذ لا حذف لذلك العرض في الآية. ولا حاجة إلى اعتباره في نظمها بل هو ووصفه بالاتساع كلاهما مفهومان من لفظ العريض باعتبار مادته وصيغته فضلاً عن تسمية ذلك الحذف
بالإيجاز دون الاختصار وتسمية النظم موجزاً لا مختصراً ولا دلالة في الآية على ما ذكر باعتبار ما صدق عليه مفهوم الدعاء العريض أيضاً فإن الحق أن المراد بالعريض على ما أشير إليه أولاً هو الكثير مطلقاً بسواء كان كثرته بالتطويل أو التكرير فلا اختصاص له بواحد منهما فتأمل من تقصير انتهى. وقال المولى) أحمد حيدر (قوله. ويشهد له الخ. وجه الشهادة أن المراد بالدعاء العريض ما حذف فيه الطول وحصل تكثيره بتكرير المعنى الواحد وليس بمختصر بناء على هذا التكثير مع أنه يتحقق فيه الإيجاز لحذف طوله الذي هو الإطناب. وفيه تحكم إذ ليس كونه كثيراً بتكرير المقصود الواحد أولى من كونه كذلك بتطويله مطلقاً. واستدلال بما لا يدل إذ الآية لا تدل على حذف طوله فضلاً عن أن تدل على تسميته بالعريض دون الاختصار وتسمية الدعاء عريضاً لا مختصراً فالحق أن المراد بالعريض الكثير الطويل مطلقاً وعلى هذا فالأولى أن يقال بدل ذلك العرض ذلك الطول انتهى.) ونقل (جميع ما قيل يفضي إلى الإطناب والتطويل وقد اتحد الكل في المنهج وكلام هذين الشيخين في ذلك نموذج) وناولني (بعض السائحين السابحين في بحار طلب اليقين ورقة فيها عدة أسئلة مختصرة ومطولة يتعلق معظمها بالسادة الصوفية من الله تعالى علينا بمثل علومهم اللدنية وحث على الأجوبة عنها وحض فأنبأته عن بعض منها وأعرضت عن بعض ووعدته بأن أرسل له ذلك ضمن كتاب وما غرضي من ذلك إذ ذاك إلا مجرد الإعراض عن الجواب فكم من حق لا يقبله الخدق ومتى قيل ترتب عليه شرح طويل ولذا قال بعض الأمجاد ونسب ذلك إلى زين العابدين السجاد:
إني لأكتم من علمي جواهره
…
كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا
ورب جوهر علم لو أفوه به
…
لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
وقد تقدم في هذا أبو حسن
…
إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا
وكنت عزمت على أن أكلف حبيبي عيسى أفندي بأجوبتها حيث أني أعلم أنه بين آبا الإرشاد في العراق ابن بجدتها) فلما (اجتمعت به رأيته مشغولاً فما أحببت أن أكون على ذلك الخفيف الروح بطلب ذلك ثقيلاً وأنا الآن ذاكر معظم ما كان بيد أني لا أطيل في الجواب ولا أركب فيه متن الإطناب لئلا يمل الأصحاب ويطول جداً هذا الكتاب والحق أن ذلك يطلب سفراً ضخماً ويذيب من قلم التحرير لحماً وعظماً ووقتي والذي أخرج قائبة من قوب أضيق من مبعج الضب لا بل أضيق من النخروب فأقول: السؤال الأول: ما الفرق بين الطرق والبدع والأهواء
الجواب أن الطرق كما يدل عليه كلام السيد الشريف في تعريفاته هي السير المختصة بالسالكين إلى الله تعالى من قطع المنازل والترقي في المقامات والبدع جمع بدعة بكسر فسكون وهي ما استحدث في الدين بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وما ليس له أصل في كتاب ولا سنة وتنقسم إلى أقسام الحسنة وغيرها كما ذكر ذلك العلامة ابن حجر في شرح الأربعين النووية وفتاواه الحديثية والأهواء جمع هوى بالقصر وهو الحب والاشتهاء المتعلقان بمحمود أو مذموم وغلب الهوى على ما تعلق بالمذموم وشاع إطلاقه على المهوى المذموم فالأهواء الأمور المذمومة المهوية وشاع إطلاقها على البدع المذمومة التي ليس لها أصل شرعي) وإنما (استحدثت عن الهوى وشهوة النفس فاتضح الفرق بين الثلاثة لكن ينبغي أن يعلم أن في بعض ما يطلق عليه الناس اليوم الطريق والطريقة بدعاً ذميمة وأهواءً وخيمة نعوذ بالله تعالى منها.
الثاني: بأي شيء تفترق الطرق الجواب أنها تختلف باختلاف السير والأعمال التي هي رواحل لقطع المنازل وسلالم للترقي في المقامات.
الثالث أن الورد لا يكون إلا من أفضل الوارد ويجب على الصوفي متابعة الفقهاء إن اتفقوا وإن اختلفوا فعليه العمل بالأحسن الأحوط ولم يختلف في أفضلية كلمة التوحيد والجمع في الذكر بين القلب واللسان فما بال بعض الصوفية لا يعرجون إلا على الذكر القلبي ويقدمونه على الجمع ويوظفون للمريد ورداً أول وروده عليهم غير كلمة التوحيد التي ورد في أفضليتها ما ورد.
الجواب قال العلامة ابن حجر في الفتاوى الحديثية ذكر) لا إله إلا الله (أفضل من ذكر الجلالة مطلقاً بلسان أئمة الظاهر) وأما (عند أهل الباطن فالحال مختلف باختلاف أحوال السالك فمن هو في ابتداء أمره ومقاساته لشهود الأغيار وعدم انفكاكه عن التعلق بها وعن إراداته وشهواته لبقائه مع نفسه يحتاج إلى إدمان الإثبات بعد النفي حتى يستولي عليه سلطان الذكر وجواذب الحق المرتبة على ذلك فإذا استولت عليه تلك الجوانب حتى أخرجته عن شهواته وإراداته وحظوظه وجميع أغراض نفسه صار بعيداً عن شهود الأغيار واستولى عليه مراقبة الحق وشهوده فحينئذٍ يكون مستغرقاً في حقائق الجمع الإحدى والشهود السرمدي فالأنسب بحاله الإعراض عما يذكر الأغيار والاستغراق فيما يناسب حاله من ذكر الجلالة فقط لأن بذلك تمام لذته ودوام مسرته ونعمته ومنتهى أدبه ومحبته بل إذا وصل السالك لهذا المقام وأراد قهر نفسه إلى الرجوع إلى شهود غيره حتى ينفيه أو يتعلق به خاطره لم تطاوعه نفسه المطمئنة لما شاهدت من الحقائق الوهبية والمعارف الذوقية والعوارف اللدنية وقد فتحنا لك باباً تستدل بما ذكرناه على فتحه بل على ما وراءه فافهم مقاصد القوم. السالكين السالمين من كل محذور ولوم. وسلم لهم تسلم. ولا تنتقد حقيقة من حقائقهم تندم. بل قل فيما لم يظهر لك الله تعالى أعلم انتهى. وهذا جواب عن مسألة الورد) وأما الجواب (عن العدول عن الأفضل من الجمع بين اللسان والقلب إلى انفراد القلب فهو ما ذكر هذا العلامة أيضاً فقد قال بعد ما سمعت أن ذكر اللسان والقلب عند أهل الظاهر أفضل مطلقاً وعند أهل الطريق في ذلك تفصيل تفهمه مما قبله أن وعيته فإن المستغرق قد يعرض له من الأحوال ما يلتجم به لسانه ويصير في غاية مقام الحيرة والدهش فلا يستطيع نطقاً ويستغرق بسبب ما تحلى به من معالي تلك الأحوال. وما هو مستغرق فيه من بحار العرفان والكمال) والحاصل (أن الأولى بالسالك قبل الوصول إلى هذه المعارف أن يكون مديماً لما يأمره به أستاذه الجامع لطريقي الحقيقة والشريعة. فإنه الطبيب الأعظم وأنه بمقتضى معارفه الذوقية. وحكمه الربانية. يعطي كل نفس ما هو اللائق بشفائها. والصالح لغذائها. فإن لم يكن له أستاذ كذلك فلا يعدل عن ذكر) لا إله إلا الله (بلسانه وقلبه بل يديم ذلك إلى أن يفتح له مما يعلم به خير الأمرين. والترقي إلى شهود العين. حقق الله تعالى لنا ذلك بمنه وكرمه انتهى.) ولعلك (تقول ما عليه المشايخ في ذلك مخالف لما عليه الفقهاء فكيف نأخذ به وقائله غير مجتهد. فنقول ظاهر أنه ما من طريقة حقة إلا وفي سلسلتها مجتهد واحد أو أكثر وأن قلنا بتجزي الاجتهاد فالأمر أظهر وأظهر.) ولعلك (تقول حينئذ من أن أخذوا ما ذكر فنقول لا يلزم المقلد معرفة مأخذ المجتهد ومع ذا نقول يجوز أن يكون المأخذ أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم بعض أصحابه رضي الله تعالى عنهم شيئاً ويأمره باستعماله ويسلك بآخر غير ذلك. وذلك لاختلاف الاستعدادات. وتنوع القابليات. وتفاوت تأثيرات الأسماء والأذكار والأوراد. كما تتفاوت تأثيرات أمراض الأبدان والأجساد. ولذا تداوى بعض العلل بنحو الثوم والكراث والبصل. ولا تداوى باللبن والعسل. مع أنهما كما لا يخفى عليك بلا شبهة أفضل. بل صرح الفقهاء بحرمة شرب العسل على الصفراوي مع أنه وصف بأنه شفاء للناس. وللشيخ الكامل حظ أوفر. من إشراق نور سيد البشر. صلى الله عليه وسلم فلا يبعد أن ينكشف له في شأن داخل طريقته. نحو ما كان ينكشف له عليه الصلوة والسلام في شأن المتشرف بصحبته. وقد جاء في خبر صحيح أو حسن اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عز وجل والفراسة قيل مكاشفة اليقين ومعاينة الغيب وقيل سواطع أنوار تلمع في القلب يدرك بها المعاني وقيل وقيل. مما هو من هذا القبيل. ثم أنه يكفي هذا المقدار مأخذاً ولا يلزم أن يكون فعله عليه الصلوة والسلام في خصوصية الذكر بكلمة التوحيد واسم الجلالة وخصوصية جمع اللسان والقلب وإفراد القلبنهأأااااا فإن كان قد ظفر المشايخ بشيء من ذلك فزيادة خير.) نعم (في قول العلامة في الجواب عن الجمع والإفراد فإن المستغرق الخ شيء فإنه لا يحسم مادة السؤال. ولا يقطع القيل والقال. كيف ونحن نرى مشايخ بعض الطرق الجليلة الشأن. يأمرون المريد من أول ساعة بالذكر القلبي وربما لا
استغراق له إذ ذاك إلا في بحار الجهل والنقصان. دون بحار الكمال والعرفان. ولا يكاد يندفع السؤال عنهم إلا بالتزام أنهم ظفروا بما يدل على أفضلية إفراد القلب ويلتزم القول بأن في ضم اللسان إليه إخلالاً بجمعية الفكر) وأيضاً (في قوله أول الجواب الأول يحتاج إلى إدمان الإثبات بعد النفي نوع مناقشة فإن الأظهر يحتاج إلى إدمان كلمة التوحيد مثلاً والقول بأنه اختار ذلك للإشارة إلى أن المقصود الأهم الإثبات لا يخلو عن دغدغة لكن هذا بحث لا يضر في المقصود كما لا يخفى وما أحسن قوله والحاصل الخ. لكن ذلك الأستاذ أعز من بيض الأنوق. بل أشبه شيء بالأبلق العقوق. ولا تغتر بالهيئات. والجلوس في التكيات. فليس التشابه في منظر. دليل التشابه في مخبر.
وفي البرج يجتمع الكوكبان
…
وما زحل ثم كالمشتري
وعندي بعد كلام. لا تسعه كؤوس الأرقام. ولا تظنه من باب الإنكار. على أحد من المشايخ الأخيار. فذلك لدي من أقبح المعايب. لا يرتكبه إلا كل صخب الشوارب. بل أمر آخر يطول الكلام بذكره. وأكره سماع نهيق حمر جهلة المتصوفة من نشره.
الرابع: بأي شيء يصير الفقيه صوفياً الجواب أن الفقيه يصير صوفياً بسلوكه نحو ما سلك الصوفية. قدس الله تعالى أسرارهم الزكية. وروح قلوبنا بنفحاتهم الذكية. وذلك بأن يتخلى عن الرذائل. ويتحلى بأنواع الفضائل. وقد اختلفوا في معنى التصوف اختلافاً كثيراً مذكوراً في محله. وفي آخر الفتاوى الحديثية طرف منه نفيس فارجع إليه) واختار السيد (قدس سره أنه الوقوف مع الآداب الشرعية ظاهراً فيسري حكمها من الظاهر في الباطن وباطناً فيسري حكمها من الباطن في الظاهر فيحصل للتأدب بالحكمين كمال أي كمال وقال بعض الأجلة:
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا
…
وكلهم قال قولاً غير معروف
ولست أمنح هذا الاسم غير فتىً
…
صافى فصوفي حتى سمي الصوفي
وحصول نحو ما عند الصوفي للفقيه قلما يتفق من غير سلوك على يد شيخ كامل يعرف الداء والدواء وأكثر الفقهاء اليوم كالعطارين الذين يعرفون العقاقير ولا يعرفون خواصها أو يعرفون ذلك لكن لا يعرفون الداء الذي تنفع معه تلك الخاصة أو يعرفون ذلك أيضاً لكن لا يعرفون كمية ما ينفع فلا تغتر بفقهك إن كنت فقيهاً. وتوجه إلى ربك جل شأنه بالتخلية والتحلية تكن وجيهاً. واسلك طريقة القوم. لتسلم من العتاب واللوم.
على نفسه فليبك من ضاع عمره
…
وليس له منها نصيب ولا سهم
ولا تظن أنك من غير طلب. تنال الإرب. وبدون جد. تنال وصال دعد. فتلك أماني كاسدة. وآراء أصلحك الله تعالى فاسدة.
أراك تطلب دنيا ليس تدركها
…
فكيف تدرك أخرى لست تطلبها
نسأل الله التوفيق. والهداية لأقوم طريق.
الخامس: ما التربية والوعظ يتأتى من الأستاذ تقريراً وتحريراً) الجواب (أن التربية كعلاج الطبيب للمريض فتتوقف على معرفة الداء ودرجته والدواء وكميته وربما تكون بتوجيه الشيخ المربي بهمة نفسه القدسية نحو من يربه نظير ما يقال في السلحفاة أو دابة أخرى أنها تربي بيضتها بالنظر ومتى قصرت فيه فسدت فكم فرق بينها وبين الوعظ كما لا يخفى على المصنف.
السادس: بأي شيء تفترق الأمة بضعاً وسبعين فرقة كما في الحديث والمرتد لا يكون فرد من الأمة الفاعلة للافتراق.
) الجواب (إن الافتراق بالعقائد ولا سؤال بالمرتد على تقدير أن يراد بالأمة في الحديث أمة الدعوة كما جوزه بعض شراحه ونقله عن المحقق الدوائي في شرح العقائد العضدية. وأما على تقدير أن يراد بالأمة فيه أمة الإجابة وهم الذين آمنوا به عليه الصلوة والسلام كما هو الظاهر لأن أكثر ما ورد في الحديث على هذا الأسلوب أريد به أهل القبلة وفي الروايات الأخرى في حديث الافتراق ما يؤيده فيقال أن اللازم تقدم وصف الكون من الأمة على الافتراق تقدماً بالذات فلا يضر ذهابه بالافتراق إن كان ما حصل به الافتراق كفراً كما في الغرابية مثلاً وهذا كما تقول كفر المسلم ومات الحي وسقم الصحيح إلى غير ذلك فلا إشكال فتأمل.
السابع: بأي شيء يعرف سبيل الله تعالى من السبل المذكورة في حديث خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً وقال هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً عن يمينه وخطوطاً عن يساره وقال هذه سبل وعلى كل سبيل شيطان يدعو إليه.
) الجواب (يعرف ذلك بموافقة الشرع ومخالفته فما وافق فهو سبيل الله تعالى وما خالف فهو خلافه. ويرشد إلى ذلك قوله تعالى هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني. ولمعرفة الموافق من غيره موازين ذكرها حجة الإسلام الغزالي في بعض كتبه يطول الكلام بذكرها وإلا فما من فرقة ضالة من الفرق الإسلامية إلا تدعي الموافقة.
وكل يدعي وصلاً لليلى
…
وليلى لا تقر لهم بذاكا
الثامن: بأي شيء يعرف هذا الداعي) الجواب (ظاهر مما قدمناه بأدنى التفات.
التاسع: هل يعارض هذا الحديث قول العامة من لا شيخ له فشيخه الشيطان حيث أن هذا القول يصدق على الشيخ كيفما كان.
) الجواب (ما بعد قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قول لقائل وأي قول ما عدا قول الله عز شأنه لذلك القول معادل. وروي عن مالك أنه ذكر لمسألة حديثاً فقال بعض الحاضرين قال أبو بكر كذا وقال عمر كذا فقال مالك الله الله يوشك أن تقع عليكم حجارة من السماء أنا أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تقولون قال أبو بكر قال عمر. فإذا كان قول الشيخين رضي الله تعالى عنهما وهما هما في جنب قوله عليه الصلوة والسلام مضمحلاً فما ظنك بقول من هو أقل باللفظ من لا. على أن لنا أن نقول المراد بالشيخ في قول العامة الشيخ الكامل المتبع لما جاء به عليه الصلوة والسلام لمكان قولهم فشيخه الشيطان إذ غير المتبع لذلك متبع للشيطان لا محالة غاية ما في الباب أن اتباع الشيطان متفاوت المراتب حتى أن بعض المتبعين له من هو أشد ضرراً منه. بل قد يكون شيخه في بعض الأمور التي تصدر عنه. نعوذ بالله تعالى من شر الشيطان. من الإنس والجان.
العاشر: ما المتبع أقول الهيتمي في فتاواه يشترط في سند التصوف اتصاله بالحسن البصري ومنه بعلي كرم الله تعالى وجهه أو بأويس ومنه بعمر رضي الله تعالى عنه أم اجتماع أهل الزمان على ما اتصل سنده بالصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه.
) الجواب (كلام الهيتمي إن صح عنه في حيز المنع والحق صحة كل طريقة اتصلت بصحابي من الصحابة رضي الله تعالى عنهم بسند مقبول عند المحدثين كسند الطريقة القادرية أو عند المشايخ المعتبرين كالسند المشهور للطريقة النقشبندية فإنه على خلاف أسانيد أهل الحديث لما فيه من الأخذ عن الروحانية لكنه معتبر عند أهل الله تعالى.) ثم (ما ذكر في السؤال من الاجتماع على ما اتصل سنده بالصديق الأكبر رضي الله عنه ممنوع فإن بلاد الإسلام مملوءة والحمد لله تعالى من الطرائق المتصلة بعلي كرم الله تعالى وجهه بل هي أكثر جماعة.) وأنا (لم أجد إلا شخصاً أو شخصين يتصل سند طريقتهما بعمر رضي الله تعالى عنه على أنه سند في القلب من صحته شيء) والحاصل (أنه كل ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند مقبول فعلى العين والرأس. وما كان على خلاف ذلك نبذناه وراء ظهورنا وإن تلقته بأيدي القبول جهلة الناس. والله تعالى ولي التوفيق. وهو سبحانه نعم المولى ونعم الرفيق.
الحادي عشر: ما الفرق بين الجذبة الرحمانية والجذبة الشيطانية
) الجواب (أن الجذبة الرحمانية ما يحصل من وارد رحماني بواسطة أمر شرعي من استعمال ذكر أو استماع وعظ أو قرآن أو نحوها يضيق عنه وسع السالك فيفزع منه وربما يصعق مع بقاء شعوره كما في نحو العطاس والسعال ولذا لا يعاب من تعتريه ولا يعادلها وضوء. وهذا كثيراً ما يعرض في أول السلوك لضيق الوسع إذ ذاك.) وقلما (يعرض للكاملين المتسعة صدورهم للواردات والكثير عروض البكاء لهم والطمأنينة والاستغراق كما كان يعرض ذلك لأصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) وإنما (لم يعرض لهم الصعق ونحوه لاتساع قلوبهم وانشراح صدورهم بما أشرق عليها من مشكاة النبوة فمبتديهم كمنتهى غيرهم حيث فازوا بالإكسير الأعظم صلى الله تعالى عليه وسلم. وما يحكى من وقوع التواجد في محضره عليه الصلوة والسلام بل منه صلى الله عليه وسلم حتى أنه سقطت جبته عن كتفه الشريف إلى آخر القصة كذب لا أصل له لعن الله تعالى من افتراه ليروج به بدعته ومدعاه. وقد تقال الجذبة الرحمانية على تحويل الله تعالى عبده إلى حال أعلى وأغلى من حاله الذي كان فيه قبل التحويل بسبب الوارد المذكور. وقد تقال أيضاً على جذبه عز وجل قلب عبده إليه وتخليصه إياه من مخالب بازي نفسه. وجعله سارحاً في رياض أنسه وقدسه. وعلامة ذلك النشاط والعبادة وضعف تعلق القلب بالدنيا أو انقطاعه عنها بالكلية حسب قوة الجذب وضعفه. وقد يقوى الجذب إلى حد لا يبقى معه صحو أصلاً فيبقى العبد سكران القلب مستغرقاً في الرب وحينئذ يعذره الشرع إذا صدر منه ما ينكره من غيره لارتفاع التكليف إذ ذاك كذا قيل) ومن الناس (من لا يطلق الجذبة الرحمانية على ما يفوت معها الصلوة ونحوها ويقول لا بد أن يكون المجذوب محفوظاً عليه وقت العبادة وجعل ذلك أحد الفروق بين المجذوب والمجنون فليتأمل) وأما الجذبة الشيطانية (فهي نزغة من الشيطان كثيراً ما تحصل بواسطة أمر غير شرعي ظاهر يثير من النفس كوامنها. ويحرك منها سواكنها. كاستماع النغمات المحرمة فتنعق وتزعق. وتشهق وتزهق. وربما تحصل من تصور معشوق. يحلو للمتصور ويروق. وعلامتها عدم ندم صاحبها على التقصير وعدم اهتمامه بما يقربه إلى ربه سبحانه قدر قطمير وكثير ممن شاهدناه يصرخ من استماع النغمات المحرمة وينعق ويشدخ الحجر برأسه من شدة ضربه به ويسحق هو تارك للصلوة متبع للشهوات مستحل للمحرمات مستحلٍ لمر الخطيئات. أجازنا الله تعالى والمسلمين من ذلك ولا سلك بنا سبحانه هاتيك المسالك ولها إطلاقات أخر لعلها تعلم مما ذكرناه في الجذبة الرحمانية بأدنى فكر فتفكر.
الثاني عشر: ما الحكم في طرد شيوخ الوقت من يحضر مجلس قراءتهم السور المعبر عنها بخزاتم الخواجكان ولو في المسجد ولو قاصداً للصلوة مع قول صاحب التحفة المسجد وقف للمصلي وللقارئ والواعظ بالتبع وقول صاحب الأنوار يسن الجلوس في حلقة القراءة والإصغاء إليها إلى غير ذلك مما يدل على قبح ذلك الطرد.
) الجواب (أنه لا شبهة في أن الطرد عن مثل ذلك في كل مكان قبيح وهو في المسجد أقبح وقل من يفعله لكن قبح ذلك إنما يسلم أن لو كان رغبة عن أن يشارك المطرود الجماعة في القراءة أو كراهة أن يصغي إليها وليس كذلك بدليل أنه لو قرأ نحو ما يقرءون أو القرآن كله لا معهم أو لو أصغى إليهم غير جالس في حلقتهم ولا مطلع على ما يقع منهم لم يمنعوه بل ذلك الطرد يحتمل أن يكون لكراهة أن يطلع على ما يقع منهم حيث أنهم ترد على بعضهم واردات لا يتحملها فيصعق منها أو يعتريه ما يغير هيئته ويهول رؤيته. ويشوق خلقته. ويخرج عن الانتظام حركته. فربما يفضي ذلك إلى سخرية من حضرهم وليس منهم واستهزائه واستخفافه بهم. حتى أنهم متى أمنوا من حضور الأجنبي نحو ذلك لم يمنعوه ولو دخل عليهم في بيوتهم فضلاً عن كونهم في المسجد وذلك بأن يكون صالحاً عارفاً بأحول السالكين عاذراً لهم فيما يصدر عنهم عند تلاطم أمواج الواردات عليهم ولا أظن أن في الطرد لهذا الغرض بأساً أو في إباحته لهذا المقصد التباساً ويحتمل أن يكون لأن الأجنبي قد يكون منكراً منتقداً لا مسلماً معتقداً فيكون حضوره حسبما جربوه مانعاً من الرقة والفيض وحصول الجمعية لمكان انعكاس حال الجليس على جليسه وأن البياض قليل الحمل للدنس ولا تكاد تطيب أنفسهم ببعد ما عن محبوبهم وإن ترتب عليه قرب ما للأجنبي منه ودرء المفاسد أولى كما قالوا من جلب المنافع فلا يرد أنه كما يخشى انعكاس حاله عليهم يرجى انعكاس حالهم عليه فتأمل وقد حكي أن الجنيد قدس سره وهو من تعلم جمع أصحابه في خلوة عن الأغيار فاشتغلوا بالذكر والفكر فلم يحصل لهم ما عودوه فقال انظروا هل فيكم أجنبي حرمتم الفيض بسببه فنظروا فقالوا لا فقال انظروا هل تجدون شيئاً من آثاره فنظروا فوجدوا نعلاً لمنكر فقال قدس سره من هنا أوتيتم فانظر إذا كان هذا حال نعل المنكر فكيف هو لو حضر بلحيته. وزاحم أهل الحلقة بفقحته. وحاصل الأول أن الطرد لمصلحة المطرود وحاصل الثاني أنه لمصلحة الطارد كمنع قارئ يشوش على مصل مثلاً وحاصلهما أنه ليس رغبة في أن لا يحصل له ثواب قراءة أو استماع وربما يستأنس في هذا المقام بما روي في الحديث الصحيح أخرج الحاكم في مستدركه عن يعلى بن شداد قال حدثني أبي شداد بن أوس وعبادة بن الصامت حاضر يصدقه قال أنا لعند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال هل فيكم غريب يعني أهل الكتاب قلنا لا يا رسول الله فأمر بغلق الباب وقال ارفعوا أيديكم فقولوا) لا إله إلا الله (فرفعنا أيدينا ساعة ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم قال اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة إنك لا تخلف الميعاد ثم قال ابشروا فإن الله قد غفر لكم. وكذا بما صح من رواية مسلم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم دخل الكعبة فأغلقها عليه الحديث قال النووي عليه الرحمة إنما أغلقها عليه صلى الله عليه وسلم ليكون أسكن لقلبه وأجمع لخشوعه ولئلا يجتمع الناس ويدخلوا أو يزدحموا فينا لهم ضرر فيتشوش عليه الحال بسبب لغطهم انتهى. وقد كان معه عليه الصلوة والسلام أسامة وبلال رضي الله تعالى عنهما فلا تغفل ثم أن تفسير الغريب في الخبر السابق بأهل الكتاب غير متعين كما لا يخفى على المنصف من ذوي الألباب فتأمل. هذا نهاية ما عندي في الجواب. مما لم أجده لعمرك في كتاب فإن حصل به الإقناع فذاك وإلا فاطلب نار فكرة وقادة فلعلك تجد على النار هداك ثم اعلم أنه يقال نحو ذلك في طردهم الأجنبي عن جمعيتهم للتوجه المعروف فيما بينهم ورابطتهم على الطرد هناك أقوى من رابطتهم على الطرد في ختم الخواجكان. وبالجملة إياك ثم إياك من الإنكار عن هوى على ذوي العرفان.
الثالث عشر: ما الحكم في نهي فضلاء الزمان عن أكل طعام أهل الكتاب ويقولون أن يقسي القلب ويظلمه وهذا تحريم أو ارتكاب بدعة مذمومة بمقتضى قول شارح العباب واجتناب طعام أولي الكتاب بدعة مذمومة انتهى.
) الجواب (متى صدر هذا النهي من مرشد كامل ينظر بنور الله تعالى عز وجل فهو مقبول. ولولا ما يقال لقلت يلقى له في البحر كلام شارح العباب. وليس ذلك من باب التحريم في شيء كما لا يخفى على ذوي الألباب. وقد روي عن بعض الأئمة وأظنه الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه أنه كان في حبس الخليفة فأتته بطعام فلم تصل إليه فأعطته السجان ليوصله إليه فلما أتاه به لم يأكل منه شيئاً فقيل له إنه طعام أهل بيتك فقال نعم لكن اليد التي حملته فأوصلته إلي ظالمة يعني يد السجان ومثله ما يحكى عن بعض المشايخ أنهم لا يأكلون طعاماً يصنعه جنب أو محدث ويتحرون طهارة صانعه وصلاحه وأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم لتأكيد إفادة الحل مع أنه عليه الصلوة والسلام وكذا أصحابه الكرام على نور تتحاماه الظلمة ورقة قلب لا يحوم حوله قسوة فتدبر. والله أعلم وأخبر.
الرابع عشر: إذا دخل رجل بالزهد بأن أكل اللذائذ ولبس المفاخر وبنى فوق تسعة أذرع ارتفاعاً وطمع في الجلوس بصدر الديوان ودعا إلى الاجتماع إليه فهل يحسن الاجتماع عليه مع قول شارح الأربعين الاجتماع على رجل بغير زهد وورع بدعة مذمومة انتهى.
) الجواب (غير ذي الزهد والورع لا يحسن الاجتماع عليه ولا السلوك على يديه بل قالوا ترك السلوك خير من سلوك على يد ناقص لكن وقوع الإخلال بالزهد وأخيه من غير استمرار عليه لا يضر. فقد قيل للجنيد قدس سره أيزني العارف فقال وكان أمر الله قدراً مقدورا ثم ينبغي أن يعلم أن أكل اللذائذ وكذا لبس المفاخر ليس على إطلاقه إخلالاً بالورع والزهد فإن الورع اجتناب الشبهات خوفاً من الوقوع في المحرمات وقيل ملازمة الأعمال الجميلة والزهد بغض الدنيا والإعراض عنها وقيل ترك راحة الدنيا طلباً لراحة الآخرة وقيل أن يخلو قلبك مما خلت منه يداك ولبس المفاخر الغير المحرمة قد يكون لغرض شرعي مع إعراض القلب وعدم تعلقه بها والتفاته إليها كما وقع لكثير من المشايخ الكبار المقطوع بولايتهم بل قد وقع له عليه الصلوة والسلام كما لا يخفى على من تتبع الآثار وكذا أكل اللذائذ وقد صح أنه عليه الصلوة والسلام أكل حلوى عسلية صنعها له عثمان رضي الله تعالى عنه ولا شك أنه عليه الصلوة والسلام سيد الزاهدين والورعين ويقال نحو ذلك في البناء فوق تسعة أذرع فإنه ليس بمنهي عنه مطلقاً كيف وقد تمس الحاجة إليه والتفصيل في محله وربما يقال أيضاً في الطمع في الجلوس بصدر الديوان أنه ليس مخلاً بالورع والزهد مطلقاً إذا تأملت) وبالجملة (المدار الإخلال بشرطه المشار إليه سابقاً وعدم الإخلال. وأكثر الجهلة اليوم مجتمعون على كلاب دنيا لا يخطر لهم الزهد والورع ببال. وقد رأس أهل الطريقة أقوام هم في الحقيقة بالنسبة إلى أهل الشريعة أخس من نعال أقدام فيا أسفي على الطرائق العلية كيف عرتها اليوم هذه البلية.
لقد هزلت حتى بدا من هزالها
…
كلاها وحتى استأمها كل مفلس
نسأل الله تعالى أن يخلصها من أياديهم ويقطع بسيف غيرته سبحانه دابر من يواليهم.
الخامس عشر: قال العلامة بن حجر في فتاواه اتفق الفقهاء على أنه لا ثواب للذكر القلبي وقال الإمام النووي الذكر بالقلب واللسان أفضل من الذكر بالقلب وهو ظاهر في أن للذكر القلبي فضلاً فيكون له ثواب فكيف التوفيق.
) الجواب (قد أخل السائل في النقل. ففي الفتاوى الحديثية لابن حجر ما نصه. سئل عن قول النووي في آخر مجالس الذكر من شرح مسلم ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من ذكر القلب انتهى. فهل يؤخذ من كلامه أنه إذا ذكر الله تعالى بالقلب دون اللسان أن ينال الفضيلة إذا كان معذوراً أم لا. وهل إذا قرأ بقلبه دون لسانه من غير عذر ينال الفضيلة أم لا. فأجاب بقوله الذكر بالقلب لا فضيلة فيه من حيث كونه ذكراً متعبداً بلفظه.) وإنما (فيه فضيلة من حيث استحضار معناه من تنزيه الله تعالى وإجلاله بقلبه. وبهذا يجمع بين قول النووي المذكور وقولهم ذكر القلب لا ثواب فيه فمن نفي عنه الثواب أراد من حيث لفظه ومن أثبت فيه ثواباً أراد من حيث حضوره بقلبه كما ذكرناه. فتأمل ذلك فإنه مهم ولا فرق في ذلك بين المعذور وغيره والله تعالى أعلم انتهى كلام الفتاوى. وقال في موضع آخر منها بعدما تقدم بورقات الذكر الخفي قد يطلق ويراد به ما هو بالقلب فقط وما هو بالقلب واللسان بحيث يسمع نفسه. ولا يسمع غيره. ومنه خير الذكر الخفي أي لأنه لا يتطرق إليه الرياء.) وأما (حيث لم يسمع نفسه فلا يعتد بحركة لسانه. وإنما العبرة بما في قلبه على أن جماعة من أئمتنا وغيرهم يقولون لا ثواب في ذكر القلب وحده ولا مع اللسان حيث لم يسمع. وينبغي حمله على أنه لا ثواب عليه من حيث الذكر المخصوص) وأما (اشتغال القلب بذلك وتأمله لمعانيه واستغراقه في شهودها فلا شك أنه بمقتضى الأدلة يثاب عليه من هذه الحيثية الثواب الجزيل ويؤيده خبر البيهقي الذكر ما لم يسمعه يضاعف سبعين ضعفاً انتهى كلامه. ويعلم منه أن ليس المراد من قوله في الكلام السابق وقولهم قول جميع الفقهاء بل قول جمع منهم ومن مجموع الكلامين يعلم جواب السؤال وما فيه من الإخلال.
السادس عشر: إن من أهل الطرائق من ذكر الله في القلب وهو لا يصدق عليه تعريف الذكر لأنه مفرد وتعريف الذكر قول سيق لثناء أو دعاء. ولا سياق في المفرد. وقد نص الإمام النووي في فتاواه على أن المفرد ليس ذكراً وأيضاً هو لا يدل على تنزيه وإجلال ليحصل باستحضار معناه بالقلب ثواب فكيف أطبق جميع أهل تلك الطريقة على ذلك.
) الجواب (أنه ينبغي أن يكون المفرد ذكراً كالكلام لأن الذكر إن كان باللسان فهو مقابل الصمت والسكوت وإن كان بالقلب ويقال له ذكر بضم الذال فهو مقابل الغفلة أو السكوت الباطني أو القول النفسي وأياً ما كان فهو يتحقق بالمفرد بلا شبهة وكل أحد يؤخذ من قوله ويرد كما قال الإمام مالك ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تنقص جلالة النووي رضي الله تعالى عنه إذا لم يؤخذ بقوله هاهنا. وقد اتفق له نفسه أنه لم يأخذ بقول من هو أفضل منه كأصحاب المذاهب الثلاث أبي حنيفة ومالك وأحمد رضي الله تعالى عنهم فما علينا نحن من بأس إذا لم نأخذ بقوله في هذه المسألة مع إنا أدنى من تراب نعاله رضي الله تعالى عنه. وأن الاسم الجليل وإن كان من حيث أنه علم شخصي على الصحيح موضوع للذات البحت يدل على التنزيه والإجلال باعتبار الأوصاف المشتهر بها ولا اشتهار حاتم بوصف الكرم وباعتبار ذلك قبل تعلق الجار به في قوله تعالى) وهو الله في السماوات وفي الأرض (على أن تلك الطائفة التي عناها السائل إنما يعتبرون الذكر القلبي به إذا كان مع ما يسمونه بالوقوف القلبي. وهو أن يستحضر الذاكر مع كل قول الله الله ذات بلا مثل وعليه فلا إشكال ولا قيل ولا قال.
السابع عشر: قال العلامة بن حجر في فتاواه لابس المرقعة يجب أن يكون قد أدب نفسه بالأدب وراضها بالمجاهدات والمكابدات وتحمل المشاق وتجرع المرارات وجاوز المقامات واقتدى بالمشايخ أهل الاتباع والاقتداء وصحب رجال الصدق والاهتداء وعرف أحكام الدين وحدد أصوله وفروعه ومن لم يكن بهذه الصفة حرم عليه التعريض للمشيخة فما الجواب في إجماع الناس على من هو عن هذه الصفات بمعزل. وبعيد عنها بألف ألف منزل. أو يكون ذلك مصداق قوله عليه الصلوة والسلام بدا الإسلام غريباً وسيعود كما بدا.
) الجواب (أنه لا إجماع. وإنما هو اجتماع كثير من الرعاع. وجملة ممن يظن أنه ذو قدر خطير. وليس يمد في نفس الأمر في عير ولا نفير. وإن اتفق في المجتمعين. بعض العلماء المحققين. فذاك ممن ركس في أوحال الأمل. وضل عن سبيل الرشاد وعدل. وبرق له برق من سحاب هاتيك المرقعة. فحسب أن هناك صبياً يروي غليله فتبعه. وذلك لأنه رأى أن ذلك المجتمع عليه. قد أمال قلوب أهل الدنيا ومعظم ولاتها إليه. ونصب لهم فخاً ما وراء طور العقل فاصطادهم. ومد إليهم باع حيلة يضيق عن تفاصيلها نطاق القتل فاقتادهم. فقادت لذلك لهم كثيراً من أهل العلم شرط أطماعهم. ونظمتهم لا در درها في سلك مردتهم وأتباعهم.
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
…
ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهان ودنسوا
…
محياه بالأطماع حتى تجهما
فرمى الدين من ذلك بثالثة الأثافي. وقص من جناح الشريعة القدامى والخوافى. ولا أكاد أرى ذلك أمراً عجيباً. فقد ورد بدا الإسلام غريباً وسيعود غريباً.
إن دام هذا ولم حدث له غير
…
لم يبك ميت ولم يفرح بمولود
ونسأل الله تعالى أن يجيرنا من الأعظم. بحرمة صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم.
الثامن عشر: كيف يقولون الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق مع إدخالهم ألوفاً في طريقة واحدة.
ففي كل شيء له آية
…
تدل على أنه واحد
وعلى كل تقدير لا منافاة بين الأمرين اللذين ذكرهما السائل ثم ينبغي أن يعلم أن نسبة شعاب الطريقة إليها كنسبة شعاب الشريعة التي هي الطرائق إليها. وإن شئت قلت كنسبة المذاهب المعروفة إليها. ويعد الكل طريقاً واحداً. وهو سبيل الله تعالى المشار إليه في حديث خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً الخ فتأمل.
التاسع عشر: ما التوفيق بين قول الغزالي في الأحياء أن المبتدع قد يسلب إيمانه وقول الفقهاء تكره الصلوة خلف الفاسق والمبتدع. وبين قولهم لا ترد شهادة مبتدع لبدعة إلا أن يدعو إليها.
) الجواب (أنه لا تلازم بين كراهة الصلوة خلف شخص وبين رد شهادته بل قد لا تصح خلفه فضلاً عن أنها تكره وتقبل شهادته كالصلوة خلف المرأة فإنها لا تصح وقد تقبل شهادتها في بعض الحوادث كما بين في محله وقد تصح الصلوة ولا تكره خلف شخص ولا تقبل شهادته في الجملة كما إذا كان ذلك بين الوالد وولده فإن صلوة أحدهما خلف الآخر تصح بلا كراهة ولا تقبل شهادة أحدهما للآخر وما ذلك إلا لأن مدار أمر الاقتداء صحة وكراهة غير مدار الشهادة قبولاً ورداً وإن سلب الإيمان أمر لا نجزم به في شأن كل مبتدع ولا نطلع عليه وإلا لزمنا أن لا نصلي على من علم أنه مبتدع ولا ندفنه في مقابر المسلمين بل نعامله معاملة من علمنا أنه يهودي أو نصراني قبل هلاكه. مع أن الأمر ليس كذلك بالاتفاق فلما كان ذلك غبياً وكان الظاهر الإسلام وعدم الفسق بمجرد البدعة من غير دعاءٍ إليها كان لنا أن نقبل شهادة المبتدعة غير الدعاة إلى بدعتهم) والحاصل (أن مدار سلب الإيمان عند الموت وعدم سلبه شيء ومدار قبول الشهادة وردها شيء آخر فتدبر.
السؤال الموفي للعشرين: من أعطى شيئاً على ظن صلاحه وليس له صلاح فهل يحل له أخذه أم لا.
) الجواب (لا يحل عليه أخذه ويحرم فقد صرحوا أن من أعطى شيئاً على صفة ليست فيه يحرم عليه أخذه.
الحادي والعشرون: قال الهيتمي في فتاواه من يتوصل إلى الدنيا بطريق الصلاح أشد من الظلمة فهل من يتوصل بالعلم كذلك أم لا.
) الجواب (نعم من يتوصل بالعلم كذلك فيما أرى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وما ألطف ما حكاه لي بعض الثقات مما حاصله أن أمير المؤمنين في الحديث) الشيخ علي أفندي السويدي (رحمة الله تعالى عليه قال يوماً لحضرة مولانا المجدد المجددي سيدي وسندي) الشيخ خالد النقشبندي (قدس سره يا مولانا بئسما يفعله أكثر علماء الأكراد اليوم من الاشتغال بالفلسفة وهجر علوم الدين كالتفسير والحديث على عكس ما يفعله علماء العرب. فقال قدس سره كلا الفريقين طالب يعلمه الدنيا الدنية وطلبها بقال الله تعالى قال رسوله صلى الله عليه وسلم أقبح من طلبها بقال أفلاطون قال أرسطو فإن الدني إن طلب طلب بدني مثله) نعم (لو كانوا طالبين الآخرة فيا حبذا ما يفعله أكثر علماء العرب فسكت الشيخ علي أفندي السويدي. وصار في ذلك المجلس عليه الرحمة لا يعيد ولا يبدي. ولله تعالى در الشيخ قدس سره ما أغيره وما أغوره فتأمل.
الثاني والعشرون: ما الحكم في شرب التتن عند الشافعية مع قول بعض الحنفية أنه حرام لتفتيره وقد ورد كل مسكر ومفتر حرام.
) الجواب (أنه تجري فيه الأحكام الخمسة على ما قرره بعض المتأخرين من فقهاء الشافعية في فتاواه) وأغلب (ظني أنه محمد بن سليمان المدني الكردي رحمه الله تعالى والقول بالتحريم مطلقاً ممن كان لا يعول عليه والمراد بالمفتر في الخبر مفتر العقل لا أعمم منه ومن مفتر البدن وإلا لحرم نحو اللبن لتفتير البدن والتتن لا يفتر العقل وإنما يفتران فتر البدن والله تعالى أعلم. هذا ما أردنا إيراده من الأجوبة المرية عن الأسئلة الجزرية ولم يبق من الأسئلة إلا أقل قليل. لا طائل في ذكرها والجواب عنها سوى التطويل.
ثم إنا بعد يومين أو ثلاث. سرنا من الجزيرة مع أصحابنا الدماث. ولم نزل في حل وترحال. ومسالمة سهول ومحاربة جبال. حتى أمطنا غبار العناء. براحة الحلول في) آمد السوداء (. قال في اللباب هي بمد الألف وكسر الميم وفي آخرها دال مهملة مدينة من الإقليم الرابع من ديار بكر وهي على غربي دجلة كثيرة الشجر والزرع. قال ابن حوقل وعليها سور في غاية الحصانة. قال المعاصر الشيخ رفاعة المصري في التقريبات الشافعية يظن أنه من بناء الرومانيين وأهلها أربعون ألفاً منهم نحو عشرين ألفاً نصارى) وأقول (أنها تشتمل على جوامع نفيسة ومدارس لكنها لخلوها عن التدريس غير أنيسة وطولها على ما في كتاب الأطوال) سرك (وعرضها) لزج (وفي الرسم طولها) سزن (وعرضها) لزنيب (وفي القانون طولها) لزل (وعرضها) لزمة (وفي المقاصد العوالي طولها) عج (وعرضها) م (ولعله المعول عليه وقد اعتبره من الجزائر الخالدات دون ساحل أوقيانوس) وفاتحها (أبو عبيدة رضي الله تعالى عنه واشتهرت بديار بكر وهو في الحقيقة اسم لذلك القطر الذي هي فيه وسمي به لأنه كان ينزله بكر بن وائل بن قاسط بقومه وفي التقريبات ربما سميت أيالة بكر باشوية بغداد وكانت أيالة الجزيرة وديار بكر وهي ما بين دجلة والفرات تسمى عند اليونانيين) ميشوبوتاميا (وفي نشوة المدام. ما يتعلق أيضاً بهذا المقام. فارجع إليه إن أردته) وسألني (بعض مدرسيها المشهورين بين أهاليها عن قول العلامة البيضاوي. فإن مجرد الكف لا يوجب نفي التعرض في تفسير قوله تعالى في سورة النساء فإن لم يعتزلوكم الآية. فذكرت له ملخص ما ذكره في رسالة مستقلة الفاضل سليمان أفندي ابن الحاج أحمد المدرس بالمدرسة الشعبانية. المشروطة للغرباء في حلب المحمية. ثم أخرجت لهم الرسالة فقالوا الحمد لله على الخبير سقطنا. ومن درر البحر الغزير التقطنا. فلننقل لك ملخص ذلك. مما كان هنالك. مع ما يزيدك بصيرة من عبارة البيضاوي. بيض الله تعالى غرة أحواله يوم تهوى بسود الوجوه المهاوي) فأقول (قال قدس سره. فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم بأن لم يتعرضوا لكم وألقوا إليكم السلم الاستسلام والانقياد. فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم. ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم وينبذوا إليكم العهد ويكفوا أيديهم عن قتالكم. فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم حيث تمكنتم منهم فإن مجرد الكف لا يوجب نفي التعرض انتهى. فأقول قوله إن مجرد الكف الخ. تعليل لاعتبار إلقاء السلم في المفهوم المخالف من قوله تعالى فإن لم يعتزلوكم الخ. فالمعنى وإنما اعتبر إلقاء السلم في المفهوم المخالف لأن مجرد الكف لا يوجب نفي التعرض لا من جهتهم لإمكان تعرضهم باللسان وغيره ولا من جهتنا وهو ظاهر وإذا لم يوجب مطلقاً فاعتبر إلقاء السلم في هذا القول فإن مجرد الكف والاعتزال وعدم القتال لا يوجب نفي التعرض وإذا لم يوجب فاعتبر إلقاء السلم في هذا القول وفيه بعد ما لفظاً بخلاف الأول وكلا الوجهين إذا كان قوله تعالى ويكفوا معطوفاً على النفي وتوجه النفي إلى الجمع كما هو الظاهر. ويمكن أن يكون معطوفاً على النفي ويتوجه النفي إلى الأولين فقط لا إليه ويكون المتوجه إليه هو الشرط المتوجه إليهما وسقوط النون لذلك ويكون المعنى فإن لم يعتزلوكم اعتزالاً كلياً ولم يلقوا إليكم السلم بل اعتزلوكم اعتزالاً جزئياً ويكفوا أيديهم عنكم فخذوهم الخ. فإن مجرد كف اليد لا يوجب نفي التعرض وإذا لم يوجب فخذوهم واقتلوهم فهو تعليل للتالي في الشرطية الثانية ولعل هذا أقرب لفظاً ومعنىً ويؤيده تأخير قوله تعالى ويكفوا عن قوله سبحانه ويلقوا مع أن مقتضى الظاهر والمناسب لترتيب أجزاء المقدم في الشرطية الأولى تقديمه عليه فتأخيره عنه والعدول عن مقتضى الظاهر يشعر بعدم توجه النفي إليه ويؤيده أيضاً أن السبب في نفي التعرض لهم مجموع أمرين. أحدهما اعتزالهم المراد بعدم قتالهم وكف أيديهم عن المسلمين. وثانيهما إلقاؤهم السلم إليهم كما هو المفهوم من الشرطية الأولى وإذا كان كذلك فانتفاء أحدهما يكفي في انتفاء نفي التعرض ولا حاجة إلى انتفاء الآخر وإلا يلزم الواسطة وتفوت المقابلة فافهم وإنما قلنا فالمعنى فإن لم يعتزلوكم اعتزالاً كلياً لقرينة المقابلة وليكون رفع إيجاب كلي فلا
يناقض الإيجاب الجزئي ويفهم منه حكم السلب الكلي فإنهم إذا لم يعتزلوهم أصلاً ولم يلقوا السلم ولم يكفوا أيديهم فأخذهم وقتلهم بالطريق الأولى وإذا أحطت خبراً بما سمعت من المقال علمت اندفاع ما قاله ابن الكمال وهو أن قوله تعالى ويكفوا إن كان معطوفاً على المنفي فأين الكف حتى يقال فإن مجرد الكف لا يوجب نفي التعرض وإن كان معطوفاً على النفي يلزم التناقض انتهى واندفاعه على كل من الشقين كما لا يخفى على ذي عينين ثم ينبغي أن يعلم أن الاعتزال وعدم القتال وعدم التعرض وكف الأيدي كلها شيء واحد ويشير إليه قول المصنف بأن لم يتعرضوا لكم فعطف فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم من قبيل عطف المفصل على المجمل ويؤيده الفاء وكذا العطف في قوله تعالى ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم في المآل على التقدير الثاني وأما على التقدير الأول فمن قبيل عطف الخاص على العام ويمكن أن يكون الاعتزال أعم من عدم القتال فالعطف من القبيل الثاني وإن يعلم أن قول المصنف وينبذوا إليكم العهد تفسير لقوله تعالى ويلقوا إليكم السلم على أن يتوجه النفي إليهما ويؤيده السياق والسباق ودأب المصنف والواو وإليكم كما لا يخفى وليس بإضراب ولا ترق لآباء المذكورات عن ذلك. وأيضاً إذا لم يوجد إلقاء السلم والعهد فكيف يتصور نقضه وإبطاله على أنه يلزم على تقدير الحمل عليهما ثبوت الواسطة ويبقى حكمها مجهولاً ولا يفهم بالطريق الأولى فتأمل جميع ذلك. والله تعالى الهادي لأوضح المسالك. هذا خلاصة ما في الرسالة وللبحث في بعض ما ذكره مجال كما لا يخفى على فحول الرجال لكن علماء آمد قنعوا وفرحوا بما سمعوا وفي الآية الجليلة كلام تستحسنه إفهام ذوي الأفهام فارجع إلى تفسيرنا روح المعاني تجد من ذاك ما هو ألذ من رنات المثاني) ولقد سئلت (أيضاً عن مسائل يطول الكلام بذكرها من غير طائل) وأقمت (نيفاً وعشرين يوماً في آمد السوداء بعيشة خضراء ونعمة بيضاء بين قوم يتوددون ولإقامتي فيهم إلى الأبد يودون بيد أني ما شمت فيهم من ذاق حلاوة كلام العرب ولا شممت من أردان شمائلهم نفحة علم الأدب ولا وجدت عندهم كتباً أدبية أرتع في حدائقها وأستمتع ما دمت بين ظهرانيهم بصافيها ورائقها وأسرح طرف الطرف في طرفها وأتلذذ بموائد مبسوطها وفواكه نتفها فبقي طائر قلبي في قفص الحيرة حبيساً وغدا لي يوم الوحشة في عش الدهشة أنيساً:
ما في الركاب أخو وجد نطارحه
…
حديث نجد ولا خل نجاوبه
) فبينما (أنا في ذلك الحال أترقب أن تميط بنان العناية عن لبي قشر البلبال هبت علي من جانب أرزن الروم نسمة نداء عطس منها عرنين فؤادي المزكوم فجعلت أشمشم جيوبها وقد استطيبت هبوبها وأسألها عن مهبها ومعطر أردان ثوبها فقالت مهبي فجر الوفاء ومعطر أردان ثوبي فخر الوزراء) حضرة محمد حمدي باشا (لا أنتعش معاديه ولا عاشا وهو يدعوك للقدوم إلى جنابه الفسيح فإن أردت شرح حواشي صدرك فاركب إليه ولو متن الريح فعندما تحققت ذلك نشرت جناحي وطويت لأجله سباسب المسالك لكني لم أصل إليه إلا بعد مقاساة أخطار وأشرفت غير مرة على أودية تيار حيث غدا معظم سيري على مناطق جبال غدت في الارتفاع معادلة لمنطقة معدل النهار لو رآها راء في منامه لفزع أو تهدد بسلوكها جان من الجان لجزع ولعمري لولا فسحة الأجل لنر أن يقال سلم البائس أو وصل ولصفق على أهل الوداد صفقة المغبون ولا التحقت بألف ألف ألف ألف ألف هالك أو يزيدون ولما حللت مغناه وحققت صورته ومعناه وجدت ما شغلني عن الأهل والوطن وأذهلني عن كل صفي وسكن وإنساني طوق إحسانه الذي طوقنيه هاتيك المناطق وصغر في عيني كبيراً إكرامه الذي أكرمنيه ما عاينته من البوائق وظفرت منه بضالتي المنشودة وبغية نفسي المفقودة:
ونلت مرادي فوق ما كنت راجياً
…
وليس ورا ذاك الذي نلت مطمع
) وأرزن الروم (بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الزاي المعجمة وبعدها نون وهي مضافة إلى الروم بلدة من الخامس من أرمينية وهي آخر بلاد الروم من جهة الشرق وفي شرقها وشمالها منبع الفرات ذات قلعة حصينة في الجملة ودور ظريفة وجوامع جليلة جيدة الهواء شديدة الشتاء وهو فيها ثمانية أشهر. ومن الناس من يقول امتداد شتائها كامتداد صيف بغداد. وأهلها على ما في التقريبات تسعة وسبعون ألفاً. وقال بعض المعاصرين من الجغرافيين أنهم يزيدون على مائة ألف وطولها على ما في الأطوال) سط (وعرضها) ما (وفي الرسم طولها) مو (وعرضها) لطية (وقال ابن سعيد طولها) سد (وعرضها ميل (وفي بعض كتب الجغرافيا لبعض المعاصرين طولها) نطيا (وعرضها) مرا (وأيضاً الصحيح) وفاتحها (عياض بن غنم الأشعري أرسله أبو عبيدة بعد أن فتح الشامات في زمن عمر رضي الله تعالى عنه سنة عشرين بعد الهجرة وهو الذي فتح أيضاً بلاد الأكراد وسعرد وبدليس وما حولها والناس اليوم يسمونها أرضروم وأزروم والأصل ما ذكرناه كما في القاموس وغير كتاب من كتب الجغرافيا. وبالإضافة إلى الروم تميزت عن أرزن غير مضافة فإنها من آخر الرابع من أطراف أرمينية عن خلاط ثلاثة أيام وطولها على ما في الأطوال) سه (وعرضها) لح (وقال ابن سعيد طولها) سو (وعرضها) لطى (ولم يتعرض لها المعاصر لأنها خراب وغير مشهورة ومثلها في الخرابية خلاط المشهورة بين العوام بأخلاط فهي اليوم يتجاوب في نواحيها اليوم وتتناوح في أراجيها الريح السموم. يستوحش فيها الأنيس. ويرثى لمصابها إبليس. ويوشك أن يساويها غيرها في ذلك. لعظم ما قد حل من البلاء لسوء معاملة المأمورين في أكثر الممالك. وفي بعض الكتب أن أرزن الروم كانت تسمى قاليقلا فليراجع.) ومحمد حمدي باشا (هو رجل من رجال إسلامبول. ولد على أيدي قوابل الاعتبار والقبول. وارتضع لبان المجد. وامتهد حجور السعد. حتى ترعرع وبرع. وورد منهل المجرة وشرع. وفاق الأقران. وزاحم منكبه كيوان. فهو اليوم لا يجارى بكرم. ولا يبارى بمحاسن شيم. ذو وفاء وافي. وطبع من كل غش صافي.
أريحي في العلى آثاره
…
شامة لاحت على وجه جميل
آصفي الرأي كم أبدى لنا
…
في الملمات جواز المستحيل
لم يزل صباً بأبكار العلى
…
غير مصغٍ لأحاديث العذول
لا يرى مثلاً له في عصره
…
غير آحاد لدى التحقيق حول
ورد بغداد في معية حضرة فاتحة قرآن العرفاء. وخاتمة قرون الوزراء) علي رضا باشا (. كان له رضى مولاه سبحانه غطاءاً وفراشاً. فنلت إذ ذاك تفضله. ورقيت إلى ما رقيت بإخلاصي له. فأنا ربيب نعمته. وغرس أيادي أياديه وهمته.
فها أنا شاكر ما دمت حياً
…
أيادي منه لا تجزى بشكر
وبقي في بغداد مدة مديدة. وأعواماً على عامة أهل وداده سعيدة. وهو في جميع تلك المدة بدر سماء وزارة ذلك الوزير. ونجمها الذي يهتدى به في ليل المشكلات ذلك المشير. وكان عليه الرحمة وهو المهاب يهابه. ويهوله وهو البحر الخضم عبابه. ثم رجع لأمرٍ ما إلى الأستانة العلية. فخطبته حوراء الوزارة البهية. ولم تزل تراوده حتى نكحها كرهاً وما كان في قلبه من قبل أن يمنحها وجهاً.
رب شخص تقوده الأقدار
…
للمعالي وما لذاك اختيار
غافل والسعادة احتضنته
…
وهو عنها مستوحش نفار
وقد تشرفت بولايته عدة أيالات. وما انفصل من أيالة الأواصل أهلها البكاء لما أضحكهم من أياديه السالفات. وكان بينه وبين المرحوم) علي رضا باشا (قرابة سببية. وكانت أقوى من كثير من القرابة النسبية. وذلك أنه كان متزوجاً بخالته. ولذا اتحدت حالته بحالته. وكان هو متزوجاً ببنت درويش باشا الصدر الأعظم. وبعد وفاته خرجت عليه الصدور فصودر بما الله تعالى بمقداره أعلم. وكان أبوه رئيس وزراء العساكر البحرية. وكان داهية دهما مع ديانة وأياديه البيض أدهمية. وهو زاده الله تعالى في الآخرة انتعاشاً. مشهور في البر والبحر بسيدي) علي باشا (. وسبب ذلك أنه كان والياً في الجزائر. وكان يجلب بملاطفته قلوب أهلها الأكابر والأصاغر. فكانوا يخاطبونه على وجه التعظيم بسيدي بالتخفيف. وكذا كانت عادتهم في خطاب كل جليل شريف. فاشتهر بذاك. من بين وزراء الأتراك. تغمده الله تعالى برحمته. وأسكنه الغرف العلية من جنته.) وبالجملة (حضرة المترجم. حفظه الله من كل ألم. لا نظير له في الوزراء حسباً ونسباً. وأنه لكريم الطرفين أماً وأباً.
يا من يناظره بالغير من ملك
…
هداك ربك ما دير كمسجده
والفرق واضح ليس فيه مشتبه. بين من يفتخر بالوزارة ومن تفتخر الوزارة به. وكم بين من كلمت رقبته بشفاه الرق يد النخاس. ومن ملكت رقته بما تفضل به من أكياس الورق رقاب الأحرار الأكياس. وهيهات أن يقاس وزير يتلون تلون الحرباء بين شقاق ونفاق. بوزير صبغه الله تعالى بيد النعماء فغدا يختال ببياض محاسن الأخلاق. ولا يغرنك أن هذا وزير وذاك وزير. فبين النجم والنجم فرق كبير وبعد كثير.
قد يبعد الشيء عن شيء يشابهه
…
إن السماء نظير الماء في اللون
أسأل الله تعالى أن يعطيه سؤله. ويبلغه عن قريب مأموله. ويوالي مواليه. ويعادي سبحانه معاديه) وأقمت (نحو خمسة وعشرين يوماً في أرزن الروم. وقدر بين أجلة أهاليها يسامت النجوم. وقد أخذ عني كثير من فضلائها الكرام. وألبست خرقة الأذن غير واحد من علمائها العظام. وصنع لذلك طعام وفير. أكل منه الغني والفقير. وكان ذلك في يوم مشهود. هو عند الأجلة من أجل الأعياد معدود. وكل ما قد كان. من آثار ذلك الوزير العلي الشأن. وفي نشوة الشمول. بعض إجازات حررتها لأولئك الفحول. أن أحببت الوقوف عليها. فأرجع هديت إليها. وبعد أن استوفينا ما قسم لنا من الخبز والماء. وأتممنا ما كتب علينا من الإقامة في هاتيك الأرجاء. خرجنا مع حضرة الوزير المشار إليه. لا زال السعد آخذاً بضبعيه. متوجهين بسرور واستئناس. إلى محل ولايته بلدة سيواس. حيث أنها نادته ليكشف بنسائم رأفته عنها غيوم الغموم. فوجهت له لحسن حظ أهلها بدل أيالة أرزن الروم. فنالت من توجيهه إليها مناها. وآلت أختها من فراقه إياها تبكي شجاها.
بذا قضت الأيام ما بين أهلها
…
مصائب قوم عند قوم فوائد
ولم نزل في حل وارتحال. نفري بطون أودية ونفاق هام جبال. حتى دخلنا في يوم مشهود) سيواس (. فجعل سامري النصب وطالما سامرناه ينادي لا مساس. وهذه البلدة بكسر السين المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح الواو وبعدها ألف وسين مهملة وهي بلدة من الخامس وقاعدة أرمينية الصغرى التي كانت تسمى بلاد الروم. وملوكها يلقبون بملوك الروم. والبلد في سهل من الأرض على نهر يقال له) قزل أورماق (يقرب منبعه منها وهي مدينة وسخة ردية البناء شديدة الشتاء بنى لها السلطان علاء الدين السلجوقي عليه الرحمة سور من حجارة فخربه تيمورلنك ملك المغول يوم خربه مع المرحوم السلطان بايزيد العثماني واستيلائه عليه واتفق تاريخ ذلك لفظ) خراب (. وتشتمل اليوم على جوامع وحمامات وأسواق. دون ما كان أولاً حين استولى عليها الطاغية تيمور. ويقال أنها تشتمل اليوم على نحو ألف دار. وقيل على أكثر من ذلك بقليل وهي قليلة الأشجر والثمار. وطولها على ما في الأطوال) سال (وعرضها) مى (وقال ابن سعيد طولها) لطيا (والله أعلم بالصواب. وفيها علماء أفضلهم) جاشغون أفندي (المفتي وهو على كبر سنه أشد حياءً من ذوات الحجال. وعلى قلة ذات يده أكرم من ابن مامة وابن سعدي بين الأمثال. وفيها وجوه أوجههم من زمرة العلماء. رجل يقال له) أوليا أفندي (كان مفتياً فترك باختياره الإفتاء. حيث رأى الابتلاء بذلك من مر القضاء. فهو اليوم في ذلك البلد. محترم مكرم عند كل أحد. ذو خلق ألطف من النسيم. وفكاهة ألذ من التسنيم. ولباس كلباس الشيوخ. غير أنه ليس له مثلهم فخوخ. فكأنه أحد الأولياء. في هاتيك الأرجاء. وأوجههم من سائر الناس. ذو الذهن المزري بالنبراس. صاحب الأخلاق الحسان. حر النفس) عبدي أفندي (خواجكان. وهو الذي نزلت في داره العامرة. فكانت سحب هممه بوابل المسرة لي غامرة. رأيته ينشد بلسان حاله. وشفتي فضله وأفضاله.
وإني عبد الضيف ما دام نازلاً
…
وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا
) وبقيت (هناك خمسة أيام. ثم توجهت جهة مقصدي بسلام. وقد أثقل ركابي ببره. فخر وزراء عصره. فخرجت من عنده وكل شيء عندي. ولذا قرت عليه بعد الله عز وجل حمدي.
وإن أنا لم أشكر لنعماه جاهداً
…
فلا نلت نعمي بعدها توجب الشكرا
ولم أزل أحث العملات. حتى أتيت مدينة) توقات (. وهي على ما ف أوضح المسالك بضم التاء المثناة من فوق وسكون الواو وفتح القاف ثم ألف وتاء مثناة كالأولى بلدة صغيرة في الروم من الخامس في لحف جبل من تراب حمر انتهى. وذكر الشيخ رفاعة الطنجاوي في التقريبات أن أهلها مائة ألف. وقال بعض الجغرافيين من الروم المعاصرين أنهم يقربون من ذلك وتصنع فيها آنية النحاس وتحمل منها إلى كثير من البلاد لجودتها وبجوارها يخرج العنب الجيد وفاكهتها كثيرة وطولها على ما في الأطوال) سال (وعرضها) ماي (وكثير من الناس يقولون طوقات بالطاء أولها وبعضهم يبدل التاء آخرها دالاً والأصل الصحيح ما ذكرناه ومعظم أهلها أهل حسد ودناءة. وارتكاب ورداءة. وليس بين سكنتها اليوم في مكارم الأخلاق مثل) خان أفندي (وأصله من أهل غازي قمق هاجر من بلده فسكن بعد اللتيا والتي بينهم في ذلك المغنى. فهو لعمري هناك غريب حساً ومعنى. وأرداهم طبعاً. وأكثرهم للمساوي جمعاً. مفتٍ فيها اسمه أحمد. فقد أطفئ بصرصر أخلاقه نور الإفتاء وأخمد. وقد أحسست منه بكبر وحسد. وغل وحقد. وعجب ومكر. وجبن وبخل وشر.
مسا ولو قسمن على الغواني
…
لما أمهرن إلا بالطلاق
) واتفق (أن ذهبت يوم دخلت إلى جامع لاستماع الوعظ. فوقعت على واعظ كبا به جواد الحظ. فأضخت بعد أن قعدت حيث يسمع قوله. فإذا هو يقرأ خبر سبعة يظلهم الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله. فغلط والله في لفظ الخبر. سبع غلطات أو أكثر. وقبل الشروع في التفسير والتأويل. ذكر حديث دنو الشمس من رؤوس الخلائق في المحشر قدر ميل. ثم قرر ما قرر. وأجرى من عيون المستمعين العبر. وبعد أن ختم. وقبلت منه اليد والقدم. تقدمت إليه. وسلمت عليه. وقلت يا سيدي. أنا مستفيد فأفدني. كيف يكون للعرش ظل والشمس دونه. على ما يقرره المحدثون ويذكرونه. فاصفر وجهه وتلعثم. وجعل يلوك بلحييه ولا يستطيع أن يتكلم. فعدا على من أقصى الجامع رجل قصير. فقال لي ألست تؤمن بأن الله تعالى على كل شيء قدير. فقلت بلى. أنا مؤمن بقدرته على جميع الممكنات جل وعلا. فقال إذن يلزمك أن تؤمن بأن للعرش ظلاً على الأرض. وإن اقترن به عامل الرفع واقترن بالشمس عامل الخفض. وأمر الآخرة غريب. بل كل شأنها عجيب. ثم أكثر الهراش علي. فجعلت أعدو والتفت مخافة أن يعض رجلي. وسألت عنه فقيل لي هو أمين الفتوى. وأنه شرير عديم التقوى. فقلت وافق شن طبقة. وسبحان من أتقن كل شيء خلقه. وهذا السؤال مشهور. وهو في كتب الحديث مسطور. وقد أشار إلى جوابه المناوي في شرحه الكبير للجامع الصغير. فقال أضاف الظل إلى العرش لأنه محل الكرامة. وإلا فالشمس وسائر العالم تحت العرش ليس شيء فوقه يظل منه انتهى. وجوز أن لا يراد بالظل حقيقته بل الحماية. والإضافة إلى العرش لتعظيم شأنه. وكذا جوز أن يكون الكلام خارجاً مخرج الاستعارة التمثيلية ويراد أيضاً الحماية والحفظ من أهوال يوم القيمة فتأمل. وقد نظم أبو شامة معنى الحديث فقال:
وقال النبي المصطفى أن سبعة
…
يظلهم الله العظيم بظله
محب عفيف ناشئ متصدق
…
وباك مصل والإمام بعدله
وذيلها الحافظ ابن حجر. بأبيات أخر. ولا حصر عنده بسبعة كما صرح بذلك في أماليه. وفي رسالته التي سماها معرفة الخصال. الموصلة إلى الأظلال. وأنهى السخاوي والجلال السيوطي فيما ألفاه في ذلك تلك الخصال إلى تسعين خصلة ولذا قيل العدد في الخبر السابق لا مفهوم له فليحفظ. وهذا استطراد فلنكتف بهذا المقدار. مخافة الملل من الإكثار. ولم أبق في توقات سوى ليله. لما أني رأيت من أهلها حشفاً وسوء كيله. ولم أزل في عروج على معارج الجبال إلى النجوم. وهبوط في مدارك الأودية إلى التخوم. فما أتيت) سامسون (. إلا بعد أن كادت تصفق على الأحبة صفقة المغبون. وهي بالسين المهملة ثم ألف وميم وسين ثانية وواو ونون مدينة من السادس من سواحل الروم. وهي فرضة مشهورة قال في تحفة الآداب سميت بسام ابن نوح عليهما السلام. وفي جهان نما بدل السينين صادان والعامة يسمونها صمصوم بصادين مهملتين بينهما ميم وبعد الثانية واو بعدها ميم. قال ابن سعيد هي على شرقي نهر يخرج من عند أماسية ويمر حتى يصب في البحر عند سامسون. وقال غيره لها قنى وعليها بساتين وهي في وطاءة والجبل من جهة الجنوب منها متصل شرقاً وغرباً بساحل البحر وهو البحر الأسود ويسمى البحر الأزرق وبحر القرم ويقال له في القديم بحر نيطش بنون مكسورة ثم ياء مثناة تحتية ساكنة ثم طاء مهملة مكسورة ثم شين معجمة وفي مختصر معجم البلدان لصفي الدين عبد المؤمن ما يستفاد منه أنه بنطش بباء موحدة ثم نون ساكنة بعدها طاء مهملة اكنة وآخره سين مهملة. وحكى صاحب الأصل ياقوت الحموي أنه كذا وجده بخط أبي الريحان وهو يبتدئ من طرف بلاد الترك في الشمال ويمتد إلى ناحية الغرب والجنوب ويتضايق حتى يصب في بحر الروم ويكون خليجاً في مصبه وهو خليج القسطنطينية وله جرى ما يظهر هناك ولا يكاد يدرك سبب ذلك إلا بحراً في العلم مديد وهو أشد خطراً من بحر الروم الذي يصب هو فيه) وطول سامسون (على ما قال ابن سعيد) نطك (وعرضها) مويح (. ومن العجب أن حماماتها مربع للولدان. ومرتع للغزلان. إلا أن معظم أهلها ذياب. وأكثر أهل السوق أجلكم الله تعالى كلاب. وقد) سألني (عن عدة مسائل بعض الأخيار. من أهمها الجمع بين حديثي أطفال المشركين في الجنة والوائدة والموؤدة في النار. فقلت أن الإمام النووي عليه الرحمة في شرح مسلم قال في حديث الوائدة معنى الوائدة والموءودة في النار. القابلة التي كانت تستر الولد في الأرض والموءودة لها وهي أم الولد في النار. وبهذا يتجلى الغبار.) ثم إنا (ركبنا البحر الأسود لطلب العيش الأخضر. وأذاقه البدو الأزرق طعم الموت الأحمر. فقاسيت من أهواله ما يذيب المهج. وحدث عن البحر ولا حرج.
البحر صعب المذاق مر
…
لا رجعت حاجتي إليه
أليس ماء ونحن طين
…
فما عسى صبرنا عليه
وجعلت نفسي تلوم. وتتمنى لو بقيت في صمصوم. فقلت لها دعي اللوم. وعي قول لابنة القوم:
وقائلة أراك ركبت بحراً
…
يشيب فذال قلبك من كروبه
وتهرب فلكه شرقاً وغرباً
…
وترهب من صباه ومن جنوبه
فقلت دعي الملام فقد دعتني
…
نوازل يا أميم إلى ركوبه
) ثم أني (لم أزل أذكرها يوم اتهم الهم بها وانجد. حتى أنسيتها ما نزل بها من الموت الأحمر الأسود. فتركت عذلي. وعدت أطوع إلى من ظلي.) وفي اليوم الرابع (لثمت شفاه العيون ثغر القسطنطينية. وشربت أفواه القلوب خمر السرور بجام رؤية قصورها العلية. وريثما انسابت سفينة الدخان في الخليج سكن اختلاجها. وانجلى عن أفق سمائها دخان أحشائها وعجاجها. ثم أخرجت أثقالها. كأن ربك أوحى لها. فصدر الناس عنها أشتاتاً. بعد أن كانوا فيها أمواتاً. وصدرت أنا إلى بيت) حمدي باشا (. فوردت فيه من حياض الراحة ما زادني انتعاشاً. وكان ذلك البيت الأجل عند الساحل. في محل يسمى جنكل. وهو بمرأى من القسطنطينية ومسمع. ومقعد بين شعبها الأربع. فبقيت هناك مدة. قعيد مخدرة الوحدة.
فلا صديق إليه مشتكى حزني
…
ولا أنيس إليه منتهى جذلي
وعطرت هناك أردان وحدتي. بنفحة رسالة ذكرت فيها إلى الريحانتين نسبتي. مع ذكر نسبة آخرين. غدوا في البلاد متفرقين. وبعد عدة أيام دخلت القسطنطينية. وبلغت من الحلول فيها الأمنية. وهي بضم القاف وسكون السين المهملة وفتح الطاء الأولى وقد تضم وبعدها نون ثم طاء مكسورة وبعدها ياء ساكنة ثم نون بعدها ياء مشددة وقد تسقط هذه الياء فيقال قسطنطينة. قال الشيخ رفاعة في التقريبات الشافية لمريد الجغرافية كانت هذه المدينة في سالف الأعصر قرية من قرى طراسة التي هي الآن روملي وكانت تسمى ليغوس ثم صارت بعد نزول قبائل اليونان تسمى بيزنطيا) ولما (صارت تحت مملكة الرومانيين سمين نيي روما أي رومة الجديدة ثم أبدلوا هذا الاسم بالقسطنطينية. وفي كتب تواريخ المسقو تسمى زرغورود يعني المدينة الملكية والبلغار والأولاف يسمونها زرعوراد وأهل جزيرة أسلندة والسكندناوية كانوا يسمونها في القرن العاشر من تاريخ الميلاد مكلا غرد أي المدينة الكبيرة) وأما إسلامبول (فلفظ مركب من كلمة يونانية وكلمة عربية والمراد مدينة الإسلام انتهى. وفي القاموس أنها تسمى بوزنطيا وفي موضع آخر منه أنها تسمى فروق أيضاً. وذكر ماغريفوريوس في مختصر الدول أن قسطنطينوس قصر القاهر ملك اثنتين وثلاثين سنة وفي السنة الثانية له ملك على الفرس ابور بن هرمز واستمر تسعاً وستين سنة وفي السنة الثالثة بنى لبوزنطيا سوراً وزاد في ساحتها أربعة أميال وسماها قسطنطينية ونقل الملك إليها. وفي السنة السابعة استعد لغزو مكسانطيس بن بنت يوز فيلطيانس لأنه لم يبايعه وغلب على رومية وكان قسطنطينيوس يفكر إلى من يلجئ أمره في هذا فبينما هو كذلك رفع رأسه إلى السماء نصف النهار فرأى راية الصليب في السماء مثل النور وقد كتب فيها بهذا الشكل تغلب فصاغ له صليباً من الذهب وكان يرفعه على رأس رمح ثم أنه غزا رومية فخرج إليها مكسانطيس فوقع في نهر واختنق وافتتح قسطنطينيوس مدينة رومية وبنى في القسطنطينية بيعة عظيمة وسماها أجياسوفيا أي حكمة القدوس. وفي أيامه حاصر سابور مدينة نصيبين ثلاثين يوماً وبدعاء أسقفها مر يعقوب وتلميذه مارا فريم رحل عنها خائباً ومات قسطنطينوس سنة اثنتين وأربعين وستمائة للإسكندر يوم الأحد لثمان بقين من أيار وكان قد قسم ملكه بين بنيه الثلاث فأعطى ابنه الكبير المسمى قسطنطينوس مصر والشام وما بين النهرين وأرمينية وأعطى ابنه الأوسط المسمى قطنطيس مصر والشام وما بين النهرين وأرمينية وأعطى ابنه الصغير المسمى قسطوس رومية وسفاينا وما يليها من ناحية المغرب ووقع بين هذا والكبير حرب فقتل الكبير في ذلك الحرب. وكان له ابنان غالوس ويوليانس فنصب صاحب مصر غالوس على القسطنطينية مكان أبيه فعصاه فسير عليه جيشاً عظيماً فقتله ونصب أخاه يوليانس مكانه وبعد قليل قتل قسطوس صاحب رومية ومات قسطنطيس صاحب مصر والشام فاستقل يوليانس بجميع الممالك انتهى. وفي القانون المسعودي أنه بنيت بوزنطيا في أيام سنحاريب الصغير من ملوك بابل لأربعة آلاف وثمانمائة وتسع وأربعين سنة من لدن آدم عليه السلام وجاء قسطنطينوس المظفر ولد امرأة اسمها هيلالي لخمسة آلاف وثمانمائة وعشرين سنة من لدن آدم عليه السلام وتنصر ولثلاث من ملكه بنى سوراً لقسطنطينية وانتقل إليها من رومية. ومن لدن آدم عليه السلام إلى الهجرة النبوية على مهاجرها أفضل الصلوة وأكمل التحية ستة آلاف سنة ومائة واثنتا عشرة سنة انتهى. وعليه فبين بناء القسطنطينية والهجرة ألف ومائتان وثلاث وستون سنة وبين بناء سورها والهجرة مائتان وإحدى وثمانون سنة. ونقل عن التاريخ الكامل لابن الأثير أن الملك قسطنطينوس لما بنى مدينة قسطنطينية سماها استنبول ومعناها بلغتهم دار الملك انتهى. والمشهور أنه سماها بالقسطنطينية. وفي التقريبات الشافعية أن الملك يستنبان بنى فيها كنيسة في القرن السادس قبل الميلاد وهو قرن ولادة المصطفى صلى الله عليه وسلم فاشتهرت عند العامة باسم بنته صوفية. فلما فتحت إسلامبول بالإسلام جعلوها مسجداً وسموها أيا صوفيا انتهى. ولعل هذا أقرب إلى التحقيق وأيا بفتح الهمزة والياء بعدها مخففة ومعناه على ما سمعت خانم أي سيدة جليلة كقولهم خاتون وهذه الكنيسة على ما رأيت في بعض الكتب معمارها من أهل بابل فإن الحضارة فيهم أقدم وأتم وسمعت أنها كانت من
خشب فاحترقت ثم أعيدت من حجر وهي اليوم جامع. للمحاسن جامع. لا يحيط بوصفه نطاق الألفاظ. ولا يشرح حاله إلا ما يسرح فيه من عبارات أشعة الألحاظ. ما إيوان كسرى إلا زاوية من زوايا فيه. ولا منارة جامع الخلفاء إلا سارية من سواريه. وبالجملة هو آية. وفي الغرابة نهاية. لا زال معبداً للإسلام. إلى يوم القيام. ثم أن القسطنطينية على شكل مثلث فالزاوية الأولى منه فيما بين الشرق والجنوب قريبة من الشرق والزاوية الثانية فيما بين الغرب والشمال قريبة من الغرب والزاوية الثالثة فيما بين الشرق والشمال قريبة من الشمال والضلعان اللذان أحدهما من الزاوية الأولى إلى الزاوية الثانية وثانيهما من الزاوية الأولى إلى الزاوية الثالثة في البحر وأما الضلع الذي هو من الزاوية الثانية إلى الزاوية الثالثة ففي البر. ومقابل القسطنطينية في الجانب الشرقي الشمالي من البر الآخر قرية متوسطة في الصغر والكبر تسمى) غلطة (وقد تسمى) غلتا (وهي عامرة آهلة وبينها وبين القسطنطينية خليج دقيق عرضه قدر ميل وعليه ثلاثة جسور) الجسر الأول (أنشأه في سبيل الله تعالى المرحوم السلطان الغازي محمود خان. أوصله الله تعالى على جسر رحمته إلى رياض الجنان) والجسر الثاني (أنشأه ولده الموفق السلطان عبد المجيد خان. دام ملكه ثابت الأركان ما دام الدوران. وأوقفه على دار الشفا. فهو يستغل ممن مر عليه منتعلاً أو ذا حفا. وتصرف غلته على مرضى المسلمين. من الفقراء والمساكين) والجسر الثالث (اشترك في إنشائه وأنا هناك ذوو الأموال. من تجار الدولة العلية والرجال. فجعلوا يستغلونه. إلا أنهم يشتكون من قلة نفعه ويستقلونه. وبين الأول والثاني. قريب من ألفي ذراع عثماني. وبين الثاني والثالث ما يزيد على ذلك. ويختلف الأمر حسب اختلاف المسالك. ويمتد ذلك الخليج حتى يتجاوز الزاوية الثالثة للقسطنطينية وإذا جاوزها بمقدار يسير فهناك قبر خالد الشهير) بأبو أيوب الأنصاري (الذي أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم شرف المدينة المنورة جاء غازياً مع يزيد اللعين وتوفي ودفن هناك وأظهر قبره السلطان محمد الفاتح عليه الرحمة ودله عليه كشفاً آق شمس الدين قدس سره وكشف القبور مما يقع لأصاغر السالكين. فضلاً عن أكابر الأولياء الكاملين. ونفحة ليلى تدل عليها. وتهدي قلوب الأحبة إليها.
تأرج مسكاً بطن نعمان إذا مشت
…
به زينب في نسوة خفرات
ثم يمتد إلى الشمال والشرق حتى ينتهي إلى قرية يقال لها) كاغد خانة (وهي من المتنزهات المشهورة والخليج بعد أن يتجاوز قبر أبي أيوب رضي الله تعالى عنه يدق جداً وفي جهة غلطة الطوبخانة والترسخانة وربما يقال لها الترسانة وعندها مرسى السفن واللفظان أخذهما سكان هاتيك الأرجاء. من لفظ المرسى لكن غرقوا في لجة الغلط كما لا يخفى ومقابل القسطنطينية من البر الآخر الشرقي) أسكدار (وهي فرضتها من البر الشرقي وهي أيضاً عامرة آهلة أهلها نحو ثلاثين ألفاً أو يزيدون. وسور القسطنطينية مرتفع في الجملة وقد أحدثت بيوت بينه وبين البحر وله اليوم وله اليوم على ما في التقريبات ثمانية وعشرون باباً أربعة عشر منها من جهة خليج غلتا وسبعة من جهة البر ومثلها من جهة بحر مرمرا وأنا لم أحقق ذلك لكن أعلم يقيناً أن أبوابه بضع عشر باباً والمدينة عبارة عن ستة أو سبعة تلول وفي طرقها كثير ارتفاع وانخفاض ويقولون للطريق المرتفع) يوقش (واليوقشات المشهورة نحو أربعين والطرق المشهورة تزيد على مائة وثلاثين. والجوامع والمساجد التي فيها وفي ساحلها نحو أربعمائة وخمسة وعشرين وقال الشيخ رفاعة في التقريبات هي نحو ستمائة وقال فيها أيضاً فيها خمسمائة وثماني عشرة مدرسة وخمس وثلاثون مكتبة ومائة وثلاثون حماماً واثنتان وعشرون كنيسة. وأهلها قيل أربعمائة ألف وقيل مائتا ألف وثلاثون ألفاً وبعضهم أدخل أهل غلتا وغيرها وجعلهم ستمائة ألف وقيل هم خمسمائة ألف وسبعة وتسعون ألفاً وقيل سبعمائة ألف وقيل خمسمائة ألف وتسعون ألفاً وصحح بعضهم أن أهلها ستمائة ألف وسمعت هناك أن مجموع أهلها وأهل غلتا وأهل أسكدار ومن في الساحل ألف ألف وفيهم كل صنف من الناس. وقد عد أهل إيران الذين يتجرون فيها فبلغوا ثلاثين ألفاً فما ظنك بالنصارى والإفرنج على اختلاف أصنافهم. ومعظم بيوت البلد من أخشاب وما كان منها من حجر قليل جداً وقلما تجد فيها بيتاً ليس له كوى على البحر أو على الطريق وأنا لم أر ذلك وفي طرقاتها مواضع كثيرة معدة لمياه عذبة يشرب منها أبناء السبيل والماء يأتيها من خارجها ويقل بقلة المطر ويكثر بكثرته. وفي كثير من بيوتها أماكن معدة يدخرون فيها ما يسيل من سطوحها أيام المطر من المياه وقد يجتمع في ذلك المعد ما يكفي أهل سنة من مياه الأمطار. وفي الساحل مما يقرب منها عيون قليلة جداً ماؤها في غاية اللطافة والعذوبة يشبه ماء دجلة المصفى أو أحسن منه لكن لا يبل غليله منه بعض الفقراء. وإذا جمع جميع مياه القسطنطينية الداخل والخارج لا يبلغ قدر ماء نهر الخالص من أنهر بغداد وفيها مكاتب للفنون نفيسة. ومشاهد للسلاطين أنيسة. وإذا رأيت مدفن المرحوم السلطان الغازي محمود خان الثاني حسبته بيضة نعامة كبيرة حيث أنه بني من المرمر الأبيض ويصرف فيها لا سيما في رمضان من الزيت للقناديل ونحوها ما لو جمع لكان كنهر الدجيل وقد حققت أن الزيت الذي يشعل في جوامع السلاطين في رمضان ثمانون ألف حقة كل حقة أربعمائة درهم. وأكثر جوامعها مما لا نظير له في بلدة من بلاد الإسلام على التحقيق وكذا أسواقها. وفي حماماتها وخاناتها قولان الثاني أن حمامات دمشق الشام مثل حماماتها أو ألطف. وخانات حلب مثل خاناتها أو أظرف. وأنا لا أظن ذلك وإن اشتهر ويكثر فيها الحريق وذلك لأمر ما يريده الله تعالى ولا يبعد أن يكون ذلك من إصابة عين. ولولا ذلك لكان لبيوتها سقف من فضة أو لجين. وليس ذلك لكون بيوتها من خشب. إذ كثير من البلاد بيوتها كذلك ولا يكثر ككثرته فيها الحريق واللهب. وفيها عمد قديمة أعجبها عمود قريب من باب جامع السلطان أحمد منحوت من حجارة واحدة صنوبري الشكل مخروطية قائم على أربعة أثافي من نحاس مكعبة ارتفاع الأثفية نحو شبر وقد وضعت على بنية مكعبة ارتفاعها أقل من قامة وفيها صور شتى وفي العمود نقوش يظن أنها كتابة بقلم قديم غريب وكان قبل الفتح فيها عمود أعجب من ذلك على ما يقال وهو مذكور في كتب التواريخ) وطولها (على ما في الرسم والقانون والأطوال وكتاب ابن سعيد) نط (وعرضها) مه (وفي المقاصد العوالي طولها) نطن (وعرضها) ن ها (وصحح بعضهم أن طولها) نوم (وعرضها) ماية (والصحيح عندي أن طولها) مول (وعرضها) ماها (وانحراف قبلتها إلى شرقي الجنوب كثير جداً وتكاد تكون قبلتها نصف القوس التي بين القطب الجنوبي
ونقطة مطلع الاعتدال ولم أحقق ذلك وذكر في القاموس أن فتحها من إمارات الساعة. وقد روى الإمام أحمد في مسنده والحاكم في الفتن عن أبي عبد الله بشر الغنوي وقيل الخثعمي لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش لك الجيش. ولهذا الحديث جهد قوم في فتحها وأول من غزاها يزيد اللعين في زمن أبيه رضي الله تعالى عنه فأبى الله تعالى أن يفتحها على يديه. لعنة الله تعالى عليه) لا يقال (روى أن أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له فيكفي اللعين أنه أول من غزاها) لأنا نقول (قال المناوي أن يزيد بن معاوية غير مغفور له وإن كان من ذلك الجيش لأن الغفران مشروط بكون الإنسان من أهل المغفرة ولا كذلك يزيد انتهى. وغزاها مسلمة بن عبد الملك فجهد كل الجهد في فتحها فلم يفتحها الله تعالى أيضاً على يديه والقصة في أمره مشهورة وفي أكثر كتب التواريخ مسطورة) والحاصل (أن الله تعالى عز وجل أبى فتحها إلا على يد المرحوم السلطان محمد خان وجاء تاريخ فتحها) بلدة طيبة (وكذا) عون خالق (وهذا الفتح يحتمل أن يكون هو الذي من إمارات الساعة ويحتمل أن لا يكون كذلك ويكون الفتح الذي هو من إماراتها ما يقع ومن المهدي رضي الله تعالى عنه وإنكار مجيء المهدي أشبه شيء بإنكار المتواتر) نعم (لا بأس بإنكار ظهوره على الوجه الذي يزعمه الشيعة والله تعالى أعلم. وقصة فتح ذلك السلطان الموفق إياها شائعة ذائعة فلا نطيل بذكرها) ثم أعلم (أن المتقدمين من المؤرخين بالغوا في عظم هذه البلدة. وجاوزوا في الوصف حده. كما بالغوا في شأن الزوراء. في عصر الخلفاء.) وأنا أقول (غير مبالغ بمقول. أنها بلدة مونقة الأرجاء. رائقة الأنحاء.) ذات قصور تضيق عن قصورها سعة الأذهان. وتتجاذب الحسن هي وقصور الجنان. وربة رياض أريضة. وأهوية صحيحة مريضة. قد تغنت أطيارها. فتمايلت طرباً أشجارها. وبكت أمطارها. فتضاحكت أزهارها. وطاب روح نسيمها. فصح مزاج إقليمها. وليتك رأيت ما فيها من الرياض الأنيقة. والأشجار المتهدلة الوريقة. وقد ساقت إليها أرواح الجنائب. زقاق خمر السجائب. فسقت مروجها مدام الطل. فنشأ على أزهارها حباب كاللؤلؤ المنحل. فلما رويت من الصهباء أشجارها. ونحها مع النسمات المسكية خمارها. فتدانت ولا تدانى المحبين. وتعانقت ولا تعانق العاشقين. يلوح من خلالها شقيق. كأنه جمرات من آثار حريق. ويتخللها بهار يبهر ناظره. فيرتاح إليه ناظره.
وكأن النرجس الغض بها
…
أعين العين وما فيهن غمض
وجملة أمرها أنها أنموذج الجنة بلامين. فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ العين. وكم فيها من حبر راقت حبره. ومن إمام توجت جباه الإسلام سبره. آثار علومهم على صفحات الدهر مكتوبة. وفضائلهم في محاسن الدين والدنيا محسوبة. وإلى كل قطر مجلوبة. ولكل قلب محبوبة. فما من متين علم وقديم رأي إلا ومنهم مشرقه. ومن بروجهم مطلعة. ولا من معين فضل وقوي فهم إلا وعندهم مغربه. وإليهم منزعه. وما تشاءووه من كرم أخلاق بلا اختلاق إلا وجدته فيهم. ولا جلالة أعراق في طيب أعراق إلا اجتليته من معانيهم. أطفالهم رجال. وشبانهم أبطال. ومشايخهم أبدال. شواهد مناقبهم باهرة ودلائل مجدهم ظاهرة.
فمن حاتم في جوده وابن مامة
…
ومن أحنف إن عد حلم ومن سعد
وأما الثغر وما أدراك ما الثغر. فذاك الذي تنشق من حلاوة لمى محاسن ثناياه مرارة الخمر. وقد دلع لسانه بالافتخار. فجرى مطلق عنان الفخر في كل مضمار. وتلاسن البحران بلا مرا. فألقم البحر الأسود حجرا بحر مرمرا. وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً. وملكاً مقيماً. وملكاً عظيماً. فالقصور هناك لها الترفع عن القصور سمه. فوحسنها لقد غدت فلفلة الغيرة منها في أست قصور أرض السمسمة. فإن الفرق بين هذه وتلك جبال. فهذه مما تلتذ به الحواس العشر وليس في تلك حظ لسوى الخيال. وقد غدت تسحل ذيول الفخر بأفصح لسان على ساحلي خليج يزري بالمجرة. وتنقل لرائيها أحاديث غرف الجنان فتملي إذ تملي الجنان بأنواع المسرة. وأنها على ما أضمرت من دقائق الحسن في سرائرها. ليرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها. وقد غلت مقداراً. وعلت مناراً. وشمخت بأنفها حتى ظن أن لها عند الشعري العبور ثاراً. وقد اتصلت بها من ورائها جنان. هي فوق ما تتخيله أذهان الإمكان. وأن مبتدأ أمرها لينادي ليس الخبر كالعيان. وفي كل منها بركة مفعمة من الحسن ببركات. ولها خد كاللجين تحلى بعذار من انعكاس النبات. وحول كل بركة وحياتك روض نضر. وما من روضٍ إلا ويلتقي فيه ماء الحيوة والخضر. وامتداد هاتيك القصور ست ساعات. على ما حدثني به بعض الرواة الثقات. وأسود غابات) إسلامبول (وبدور بروجها التي ليس لها أفول. ينتقلون إليها إذا بلغت الشمس نصف برج الثور. ولهم إذا بلغت نصف برج العقرب رجوع بعد الإقامة وجور بعد الكور. وفي كلا الأمرين قد يتقدمون وقد يتأخرون. وربما تجد فيها قوماً مقيمين في الفصول الأربعة لا يرتحلون. قد اتخذوها منزلاً. واستوطنوها ولم يبلغوا عنها حولاً. وعرض الخليج هناك نحو جسر الزوراء أربع مرات. وأنه يزيد على ذلك وينقص في بعض الجهات. والزوارق فيه تزيد على اثني عشر ألفاً. وهي مشحونة لطفاً ومملوءة ظرفاً. وأنها تحكى فيها الدعاميس. كما أن زوارقه السلطانية تشبه الطواويس. وفيه من السفن النارية عدة. قد اتخذت للعبور عدة. وهي من حيث البوائق. أأمن بكثير من الزوارق. وفيه من الحيتان اليونسية كثير. ويتحرج من هناك من أكلها كما يتحرج المسلم من أكل الخنزير. وربما يظنها الظان. أنها خنازير الحيتان. وهي تتطارد جهاراً. ليلاً ونهاراً. فماذا عسى تقول في بلدة لا يزال يضحك ثغرها على جميع البلاد. ولا يبرح في العمارة أمرها كل يوم في ازدياد. ويوشك أن تكون جنة يقضى منها العجب. لولا ما ابتليت به من الحريق وقمل الخشب. ولكم نمت فيها من القمل على مثل الأسنة. واعترتني من محن الدهشة من حريقها أعظم محنة. وكلا الأمرين في الساحل قليل. وفي الأرض قطع متجاورات كما نطق به التنزيل. ثم أنها لكثرة الخلق فيها. واختلاف صنوف أهاليها. لا تخلو عمن أو ألقى في البحر المحيط لنجسه. أو كان جزءاً من العديد الغير المتناهي لبخسه. وفيها من النسوان. ما يخيل أنهن حور الجنان. وكلامهن لو تجسد لأزري بالدر. ولولا الأدب لقلت هو حر بأن ينكح باير الفكر. وفيهن من عادات نساء الأعراب. أنهن يبرزن إلى الأزقة بمجرد نقاب. إلا أنه ألطف من شمائلهن. وأدعى للصبوة بهن من تمايلهن. فكأنه نسيم هم أن يتجسد. فعارضه توقد وجنة الخد. وربما يقول ظمآن النظر إذ أتى منهل مياه خدودهن وورد. الله أكبر كيف نسج الريح على الماء زرد. وربما ينشد. إذا ذاق نظره خمر خدها المتورد:
رق الزجاج ورقت الخمر
…
فتشاكلا وتشابه الأمر
فكأنما خمر ولا قدح
…
وكأنما قدح ولا خمر
ومعظمهن حرائر. وإن لم يتحجبن عن النواظر. فعدم الاحتجاب عادة قديمة في عرب الأعراب. وهن اللواتي لا شك في عفتهن. ولله تعالى در من قال في صفتهن:
هن الحرائر لا ربات أخمرة
…
سود المحاجر لا يقرأن بالسور
وقد حققت أن منهن من لا تخرج من بيتها حتى إلى الحمام. ولا يحوم عليها طائر نظر أهل الأزقة إلا أن تصير وكراً لحمام الحمام.) نعم (لا يخلو غيل من واوي. وأي بلد عريض طويل ليس فيه كلب عاوي. فالمعول عليه في رداءة البلدة وفضلها. إنما هو عند المنصف حال غاب أهلها. وحال غالب أهل هذه البلدة في الحسن لا يطال. وسيان في ذلك على ما علمت النساء والرجال.
قوم زكوا نفساً وطابوا مخبراً
…
وتدفقوا جوداً وراقوا منظراً
فانعم بذلك المغنى. فقد جمع الفضل حساً ومعنى:
تلك المنازل لا أعقة عالج
…
ورمال كاظمة ولا وادي القرى
أرض إذا مرت بها ريح الصبا
…
حمات من الأغصان مسكاً إذا فرا
فيها لقد حلّ المليك المجتبى
…
عبد المجيد أجل أملاك الورى
العادل الشهم الذي ألقا به
…
في كل ناحية تشرف منبرا
وبكل أرض جنة من عدله ال
…
ضافي أسأل نداه فيه كوثرا
عدل يبيت الذئب فيه على الطوى
…
غرثان وهو يرى الغزال الأعفرا
بين الملوك الغابرين وبينه
…
في العدل ما بين الثريا والثرى
ما مدحه المستعار له ولا
…
آيات سؤدده حديثاً يفترى
لا تسمعن حديث ملك غيره
…
يروى فكل الصيد في جوف الفرا
نسخت خلائقه الكريمة ما أتى
…
في الكتب عن كسرى الملوك وقيصرا
وله العساكر في الثغور نظامهم
…
يهدي إلى الأعداء موتاً أحمرا
من كل وضاح الجبين تخاله
…
بدراً فإن شهد الوغى فغضنفرا
يعشو إلى نار الوغى شغفاً بها
…
ويجل أن يعشو إلى نار القرى
لا زال مسعود الفريق مؤيداً
…
أبداً ومنصور اللواء مظفرا
ثم أن) إسلامبول (على ما حوت من الحسن مجملاً ومفصلاً. تضيق على الغريب في مبدأ الأمر ثم تتسع عليه أولاً فأولا. وأول من أشرفت على حضرته. وتشرفت برؤيته شيخ الإسلام. وولي النعم. والمغرد هزار الحق على أفنان قلمه لنغم لا ونعم. سيدي وسندي) السيد أحمد عارف حكمت بك أفندي (. وقد أفردت ترجمته بالتدوين. وقدمتها إلى حضرته المشبهة حظائر عليين. وقد كان سمع عني. ما جبذ ذيل إقباله عني. فرميت عند مواجهته بثالثة الأثافي. وقصت من أجنحة آمالي القدامى والخوافي. وعلى كل حال قدمت إليه تفسيري. وجعلته لديه شفيعي وسفيري. فأمر عليه برق نظره الحالي. فأمر أن أذهب به وأقدمه إلى الباب العالي. وقال العادة تقتضي أن تعرضه على الصدر الأعظم هناك. فحينئذٍ يصدره إلي فأورده النظر الدقيق إذ ذلك. وسأعطيه إن شاء الله تعالى حقه. وأرصع بجواهر المدح طوقه. فقمت من عنده بلا تواني. وذهبت إلى الباب العالي في اليوم الثاني. وآه ثم آه من أبناء الدنيا. ذوي المراتب العليا. حيث غدا من طباعهم. انصباب كلام كل خرق في خروق أسماعهم. ثم لا يكاد يمتص بمحجمة اعتذار. أو يصعد بأنبيق استغفار. والحمد لله تعالى على أن أستثني من هذا العموم حضرة ولي النعم. فإن أذنه الكريمة عن الفحشاء في صمم. وله إنصاف مع ذوي الفضل. خارج عن طور العقل. لا زال للإنعام ربعاً. ولجسد الأعلام عيناً وسمعاً. ولما دخلت الباب العالي. حظيت بمشاهدة طلعة البدر المتلألئ. قرة عيون بصائر ذوي الأبصار. حضرة رائس أقرانه) فؤاد أفندي (المستشار. فتلقاني بالترحيب. ولقيته أحب حبيب. كأني اصطحبت معه دهراً. واصطبحت بمدام أنسه عمراً. ووجدته لجسد النبل فؤاداً. ولإنسان عين العقل بياضاً وسواداً. ولشخص الأفضال رأساً. ولبدن الكمال نفساً. ولنوع الإنسانية فصلاً وجنساً. وأبوه اللطف المجسد عزت ملا. الذي لا تمل منادمته ولا تقلى. وهو مشهور في البسيطة بكيجة جي زاده. وقد فرشت له زمن المرحوم السلطان محمود بسط الشهادة. وثنيت له في دار الخلود على منصة السعادة الوسادة. وذلك أنه عثر به جواد اللسان. فلم يقل له أحد لعا سوى حور الجنان. وكم فصل الحق عن قائله رأساً. وسقاه من كؤوس المنون كأساً. تغمده الله برحمته. وبارك في أعمار ذريته) ثم أني (عرضت حاجتي على المستشار المشار إليه. جعل الله تعالى حاجة يوم العرض حاصلة لديه. فأمر النجيب ابن النجيب. ومن له من قداح الإنسانية المعلى والرقيب. ذا الأخلاق المستجادة) جميل بك أفندي (نجيب باشا زاده. وهو إذ ذاك مدير الأوراق وقد نال هذه الخدمة بعيد عوده من العراق. بأن يكون في صحبتي. إلى محل نيتي. فقام من غير تواني. وراح حاملاً على يديه تفسيري روح المعاني. فدخل بي على حضرة الصدر الأعظم. ووضع التفسير بين يديه فرفع شأنه وأعظم. ولما رآني قام وتلقاني. وحياني وبياني. وأجلسني حيث لا يجلس أقراني. وهذا الصدر هو واحد الزمان. والثاني في الوصف لآصف حضرة) سليمان (الذي لا تنال الرؤوس أقدامه. ولا تقدم الشوس أقدامه. ولا تدرك بديهياته إلا بالنظر الدقيق. ولا تطاق جزئياته إلا بكلى التوفيق. حضرة) رشيد باشا (لا زال سهم رأيه بريش الرشد مراشاً. وقد رأيته صدراً كاملاً من كل الوجوه. لا يرجع أحد توجه إليه إلا بما يرجوه. له صدق في خدمة الدولة والملة عظيم. وحنو عليهما ولا حنو المرضعات على الفطيم. يداري الناس وهو غني عنهم. ويعطيهم ولا يأخذ شيئاً منهم. وقد علاه الدين لمزيد كرمه. وأعوزه العين مع وفور نعمه. حتى سمع العتب على ذلك من أمثاله. فأنشدهم لسان حاله:
يعاتبني في الدين قومي وإنما
…
ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
أسد به ما قد أخلوا وضيعوا
…
ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدا
وهو الذي سعى في وضع التنظيمات. وجهد في رفع القتل بأهون الجنايات. وغل أيدي ظلمة الحكام. عن أن تختضب لمجرد النفسانية بنفوس الإسلام. ومن خلص ذهنه عن كدر التعصب ودق. يعلم أن فوات قتل مائة نفس بحق أهون من قتل مسلم محترم بغير حق. وأي شيء أعظم من هدم بنية الله تعالى بانيها. ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها. فجزاه الله تعالى بما رفع خيراً. ورفع عنه في الدارين ضيراً. وقد ضمته الصدارة العظمى إلى صدرها ثلاث مرات. وما كان انفصاله عنها إلا لإحدى الحادثات. ومن العجب أنها قبل أن تخرج من العدة ترجع إليه. وتقبل على الكرة منه يديه. لأنها مغرمة به. من بين صحبه:
فلم تك تصلح إلا له
…
ولم يك يصلح إلا لها
وقد ولد حفظه الله تعالى في العقد الثاني من المائة الثالثة من الألف الثانية من الهجرة النبوية. على صاحبها أفضل الصوة وأكمل التحية في البكرة والعشية. ولم يزل ينتقل في المناصب حتى صار صدراً. وعلا في الخافقين صيتاً وقدراً. وغدا محبوباً عند البرية. حتى عند الدول الأجنبية أسأل الله تعالى أن يديم وجوده. ويسبغ عليه كرمه وجوده. ولما وصل التفسير إليه. استفسر عن شأنه مما بين دفتيه. فنادته مباني عبارته. وناجته معاني إشارته. بما أجله لأجله. وأحله بسببه في لائق محله. حتى قال هذا أثر تفتخر به الدولة. حيث فك من مقفل المعاني قفله. وكان المجلس غاصاً بالرجال. فكل منهم صدق بما قال. ثم نظر في ديباجته. فرأى مدح حضرته. فقال يلوح لي فيه عيب واحد. ففطنت بالبداهة لما هو قاصد. فقلت نعم. ومن يقدر أن يحيط بمحاسن مولى النعم.
كأنها ويراع الواصفين لها
…
بحر مقيس إلى منقار عصفور
فاستغفر مولاه. وأظهر من هضم النفس ما يقتضيه علاه. ثم قال اكتب مذكرة لبيان مرامك. ومعاذ الله تعالى أن يكون منا قصور في إكرامك. فدعوت له. وشكرت فضله. ثم قمت بأنواع المسرات. فقام وشيعني بخطوات. فلما رأيته بهذه الحال. ورأيت مستشاره على ما مر وحلا من الكمال. قلت بين قوم أمجاد. يليق بهذا الصدر هذا الفؤاد. فشاع هذا المضمون. واستظرفه السامعون. وضمنه كثيرون. منهم جواد المعارف الذي لا يرجى به لحاق. وبدر العواطف الذي لا يخشى عليه محاق. ذو الخلق المعطر الندي. معلم أبناء جودت أفندي. فقال. وأحسن المقال:
جاء فؤاد مستشاراً لمن
…
أضحى رشيد الرأي صدر الرشاد
جاء بحق المدعي قائل
…
لاق لهذا الصدر هذا الفؤاد
ومنهم صابى زمانه بطرس كرامه. وقد قال لكنه لم ينل بذاك حباً ولإكرامه:
يا حبذا الصدر الرشيد الذي
…
حازت به الأيام أبهى رشاد
كذا فؤاد مستشاراً له
…
لاق لهذا الصدر هذا الفؤاد
ولما سمعت أنا ذلك. قلت وإن لم أعد فيمن هنالك:
ولما نظرت إلى المستشار
…
وشمت عليه مدار الأمور
هتفت أنادي بقول صحيح
…
عليه يلوح من الصدق نور
يليق بذا الصدر هذا الفؤاد
…
وهل غيره لائق للصدور
وقال آية الله تعالى الكبرى. وسورة كتابه الذي بأفواه العقول يثري ذو الفضل الجليل الجلي. حضرة عبد الباقي العمري الموصلي:
فؤاد لصدر الملك لا زال لائقاً
…
وهل لائق للصدر غير فؤاده
فذاك وذا جسم وروح تلازما
…
لخدمة ظل الله بين عباده
ثم أنه ذهب بي إلى ناد ندى. هو نادي التشريفاتي. واسمه محرر) علي بك (أو) بهجت أفندي (فقام قدامي. وبالغ في احترامي. وبعد أداء رسوم التحية. والارتواء من شرب القهوة البنية. قال يا مولانا عند من تختار أن تكون ضيفاً. ويكون لك ما دمت مقيماً عنده خادماً وألفاً ففكرت في نفسي أن الضيافة ثقيلة. ومدة الإقامة فيما أظن طويلة. وأنها سهلة. في دار ضيافة الدولة. فاخترت دار الضيافة. المعدة في كرسي الخلافة. فقال الأمر إليك. وما نريد أن نشق عليك. فنادى شاباً أمرد. يزري بالغصن إذا تأود. لكنه إذا تكلم تلجلج لسانه. فأشكل على السامع بيانه. فذكرني في ذلك المقام الكريم. قول الأديب ابن تميم:
عابوا التلجلج في لسان معذبي
…
فأجبتهم للصب فيه بيان
إن الذي ينشي الحديث لسانه
…
ولسانه من ريقه سكران
فقال اذهب بفلان إلى دار الضيافة. وأوص مأموريها أن لا يتخلفوا عن أمره أو يرتكبوا خلافه. فوحرمة إبراهيم الخليل. ما دخلها ضيف مثله جليل. فقال كلنا نتشرف بخدمته. ومعاذ الله تعالى أن نرتكب خلاف طبيعته. فقمت معه. وقد حزت السرور أجمعه. فسألته في أثناء الطريق عن اسمه. وعن خدمته في دار الضيافة ورسمه. فتلجلج لسانه ولم يكد يبدي. فقال بعض الرفاق هو فائز بك أفندي. وأنه أحد الكتبة ذوي الظرافة. وأن أباه طاهر أفندي قيم دار الضيافة. فحمدت ربي. وزاد بالتفاءل باسمه سرور قلبي. فلما دخلت المسافر خانه. رأيتها لمدام المسار خانه. وريثما استقر بي المقام. جائني القيم وابنه الأكبر شوكت بك أفندي للسلام. ورأيتهما قد هيأ جميع ما يراد. حتى السائس والجواد. وعندما دخل الليل. طلى قمل الخشب جسمي عندما بأيدي الويل. ولم يزل يخلط دمي ولحمي خلطاً. إلى أن تبدى الصبح كاللمة الشمطا. فسألت صحبي هل حل بكم من قمل الخشب ما حل بي. فقالوا إنه رعانا. وفي آخر الليل أتانا.
ألم بنا والليل أشمط والكرى
…
أصم وأحداق الكواكب حول
فلم أدر أكان تسلط ذلك على من بينهم لسالف جريمة. أم لخاصة أودعها الله تعالى في مزاج طبيعتي السقيمة. وفي اليوم الثاني عين لمصارفي في كل شهر ثلاثة آلاف قرش صاغ إسلامبول. فكان القيم يصرف علي أقل من ثلثها ويأكل باقيها وهكذا يفعل بما عين لسائر النزول. فقاتله الله تعالى ما أضيق عينه. وأوسع كذبه ومينه. وما أقل حياءه. وأكثر اجتراءه. وفي اليوم الثالث كتبت المذكرة. وقدمتها لهاتيك الحضرة المنورة.) وهي (بتوفيق الله عز وجل. وبركة حبيبه الرسول الأجل. لم أزل منذ درجت متدرجاً في خدمة الملة والدولة. فدرست من غير حد العلوم الرسمية غرباء بلدي وأهله. ورددت ببناني وبياني محالفي السنة. وأوردت بتقريري وتحريري مخالفي البدعة مضائق المحنة. وألفت لتأليف سرح القلوب بعون الملك الديان. شرح خلاصة البرهان في إطاعة السلطان. ونشرت مطوى النصيحة في أكناف العراق. وشمرت عن ذراعي في كف الأكف عن غمسها في غسلين الشقاء والشقاق. ولم تمض على الإعصار. حتى خدمت القرآن الكريم بتفسير تسعة أسفار. وقد كان إذ ذاك بالي صافياً. ورداء عيشي صافياً. بما قلدته قبل تقليد الإفتاء. من مرجان صدقات الدولة العلية لا زالت محاسنها محفوظة من سوء القضاء. ثم جرى ما جرى. بتقدير رب الآخرة والأولى. فتركت علي أنقى من الراحة. أتمنى لو أخذ الموت بيدي لعلي أجدبه راحه. فودعت أطفالاً لي كأفراخ القطا. وقد غدا بنا ألم الفراق لكل منهم ومني وطاءاً وغطاءاً وهرولت للثم مواطئ حضرة أمير المؤمنين. لا زال مؤبداً ومؤيداً إلى يوم الدين. فرأيت ما لم كد يخطر ببال. أو يخطو إلى حجرة حجرٍ أو خيال. من انتظام أمر الدولة. والاهتمام بتمييز حال خدمة الملة. فها أنا اليوم أرجو أن أعامل بما يقتضيه شأن الدولة العلية. مما يصدح ويصدع بتعظيم شأن القرآن العظيم بين الأمة المحمدية. فإني رجل من آل الرسول. وفدت من أقصى البلاد إلى ساحة ظل الله تعالى وبابه لكل مأمول. وقد خدمت حسب الطاقة ملتي ودولتي. راجياً بعد ثواب الله تعالى ترفيه عيشي وترفيع رتبتي. لأصرف ما بقى من نقد عمري في الخدمة. وجلب الدعوات الخيرية للدولة المجيدة المجيدية بأكمل همة. والأمر لمن له الأمر. في السر والجهر انتهى.
وكتبت على حدة في قرطاس. بيتين مضمناً لهما شطراً من شعر أبي فراس. وهما:
قصدت من الزوراء صدراً معظماً
…
وقد سامني ضر وقد سألني دهر
فقلت لنفسي والرجاء موفر
…
لنا الصدر دون العالمين أو القبر.
وقد سارتا في كل واد. وطارتا إلى بغداد. فشطرهما ذو الأدب العبقري. عبد الباقي أفندي العمري فقال:
قصدت من الزوراء صدراً معظماً
…
وما البحر إلا ما حوى ذلك الصدر
وذلك لما ضامني زمني عني
…
وقد سامني ضر وقد سألني دهر
فقلت لنفسي والرجاء موفر
…
لك الخير يا نفسي لقد حصل الوفر
وصارت بنا أولى مقالة غيرنا
…
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
وشطره أيضاً من أخرس مصاقع الشعراء. وأنطق بالثناء عليه كواكب الجوزاء. ذو النسب الذي هو من كل عيب خلي. السيد عبد الغفار الموصل فقال:
قصدت من الزوراء صدراً معظماً
…
تقر به عيني وينشرح الصدر
وأملت فيه النفع فيما يسرني
…
وقد سامني ضر وقد ساءني دهر
فقلت لنفسي والرجاء موفر
…
ليهتك هذا القصد والنائل الوفر
فكنا به كالقلب طول حياتنا
…
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
وشطرهما أيضاً ذو الفطنة الوقادة. والفكرة النقادة. والأخلاق المستجادة. والشرف والسيادة. فخر الملة المحمدية. السيد محمد أمين أفندي واعظ الحضرة القادرية. فقال:
قصدت من الزوراء صدراً معظماً
…
لي السعد في قصدي له ولي الفخر
وجئت إليه قائلاً تحت ظله
…
وقد سامني ضر وقد ساءني دهر
فقلت لنفسي والرجاء موفر
…
ومن يأسها لم يبق في خاطري ذكر
بخس لك يا نفسي بذا القصد إنه
…
لن الصدر دون العالمين أو القبر
وشطره أيضاً بعض ذوي الأدب. ممن كان غريباً هناك من أبناء العرب فقال:
قصدت من الزوراء صدراً معظماً
…
أبى الله أن يحكيه زيد ولا عمرو
فجئت ونيران الأسى في جوانحي
…
وقد سامني ضر وقد ساءني دهر
فقلت لنفسي والرجاء موفر
…
وروض أماني القلب جلله القطر
لك الله كفي عن مطامع خسة
…
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
) ولما وصلت (المذكرة والبيتان. إلى حضرة الصدر الأعظم السامي علي كيوان. وجه المذكرة إلى مجلس الشورى المعروف بمجلس الأحكام. وأمر بتحرير تذكرة في أمري لحضرة شيخ الإسلام. فحررت تذكرة من قبله لذلك المولى الخطير. وأرسلت لحضرته المنورة ومعها أسفار التفسير. فغم على هلال الجواب شهراً. فبقيت مغموماً لا أسمع شيء من أموري ذكراً. وأنا في تلك الأيام. لم أزل أتردد بلا تردد إلى حضرة شيخ الإسلام. فكان إنصافه يستعطفه علي. ويأخذ بعنان عنايته إلي. فلكم أطار بازي ذهني في جو سماء أبحاث. فعاد إليه بعنقاء غرائب ونسور عجائب مترفعاً عن اصطياد بغاث. ولكم أثار جواد فكري في ميادين مباحث. فأتاه بقصب سبق لم يصل إليه سوانا ثالث. وأكد ذلك الاستعطاف. ما انضم إليه من استعطاف بعض الأجلة الأشراف. وقد كثر مستعطفوه على من ألافه. ولم أر مستعطفاً إياه مثل إنصافه. وأول من عام في لجج الاستعطاف. وقام بترتيب حجج استحقاقي الألطاف. فخر الكتبة والطلبة. ومن عدت صحف أخلاقه مهذبة. عين أحبابي.) راشد أفندي (العينتابي. وهو ممن جاء في معية المرحوم) علي رضا باشا (إلى بغداد. وقد صار مكتوبياً وبقي فيها نحو سنة ثم عاد. وهو اليوم مميز بين كتبة الباب العالي. ومميز عليهم بقلائد أدبه الحالي. وقد جسره على ذلك فأقدم. علمه بفتوة حضرة ولي النعم. وكان ما كان من نصرته. قبل أن يتضح لسواد العين بياض الطريق إلى لثم عتبة محاسن طلعته. فلله تعالى دره من أخ. وحبيب انتصر قبل أن يستصرخ. وممن احتسب إزالة ما يزيد على النصف مما جلب علي من الافتراء. وعرض بنية البيع لدى حضرة شيخ الإسلام وولي النعماء. حضرة من لا يجارى في جده. ولا يبارى في قوة سعده. المنضد أمتعة حسن المعاملة في حجرة وجوده. والمشتري بضائع الأثنية الفاضلة بجواهر لسانه ونقوده. من لم يزل في ازدياد سعده.) عبد القادر باشا (الشهير بزياده زاده. وعظيم شهرته. ويغني عن ترجمته. وقد شمر سلمه الله تعالى عن ساق الاجتهاد. وسعى في الذب عني غاية السعي رعايةً لحقوق صداقة مرت في بغداد. وكان هو أعز من الولد المطيع. عند حضرة شيخ الإسلام. وكان كلامه أحب إليه من أزهار الربيع. إذا توجتها لآلئ حب الغمام. فلو فاجأه بوقوع المستحيل العقلي يصدقه. وإذا ناجاه بتوقيع الأمر الكلي يحققه. كل ذلك لقوة فراسته. ورصانة ديانته.) وبالجملة (لما كثر الاستعطاف في تلك الأيام. ثنى على عنان الشفقة والعناية شيخ الإسلام. وصار جنبه ألين من الخز. وعاد قلبه أصفى من عين الوز. وضمن جواب التذكرة على ما سمعت من مطلع خبير. كلاماً يشرح به فضلي ويرشح منه مدح أسفاراً لتفسيره. حتى أنه قال فيه كلما بالغتم في إكرام هذا الرجل. فهو بالنسبة إلى ما ينبغي له قل من جل. لكنه تحاشى. عن أن يعين معاشا. كأنه خشي عدم نفاد قوله عند ناظر المالية) نافذ باشا (. حيث أنه كان هنالك. خازناً أشد من مالك. لا يبتسم بوجه من الوجوه. ولا يرجع إلا بخيبة من يرجوه. يقول لفقراء العلماء. لا رزق لكم في بيت المال ورزقكم في السماء. ويقابل ذوي الفقر الأسود من المقعدين ببيض الأذى وزرقه. ويتلو عليهم قول رب العالمين) هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه (. ومن سعى إليه من غرباء الغبراء. عدا عليه بقول بعض الشعراء:
جرى قلم القضاء بما يكون
…
فسيان التحرك والسكون
جنون منك أن تسعى لرزق
…
ويرزق في غشاوته الجنين
وكم وقع على عرضحال قديم. إنما الرزق على الله الكريم. وكم قال لكتابه. وهم أن يكتبه على بابه. قولاً لا يدفع البلا. وقول نعم يزيل النعم. وقد أخذ على ما سمعت عهداً من حضرة السلطان. أن لا يغضب عليه إن لم ينفذ أمره بما عز وهان. فكان يعصي أمر سلطانه. ويضيع في كل أمر هوى شيطانه. ومع هذا هو من بيت المال أسرق من برجان. وبين أجلة الرجال أحمق من أبي غبشان. ولذا لم ينص شيخ الإسلام على مقدار معاشي ولم يلتفت إليه. ولقد كان سلمه الله تعالى يخاف على اعتباره من هواء يهب عليه. وعندما حققت الحال. ووقفت على ما لم يمر لي ببال. رفعت أكف الابتهال. وشكوت إلى ربي سبحانه ما لا يقال:
إني لأشكو أموراً لا أعينها
…
ليبرأ الناس من عذري ومن عذلي
كالشمع يبكي ولا يدري أعبرته
…
من صحبة النار أم من فرقة العسل
ولما وصل الجواب من حضرة شيخ الإسلام. قدم حسب العادة في مثله إلى مجلس الأحكام. فجعل أمر معاشي بينهم شورى. ومن أهل المدينة من لا يحب أن يصنعوا لسروري سوراً. فحسن لهم حضرة) أحمد بك (نجيب باشا زاده. وكان أحد مشاهير أعضاء المجلس بالفكرة الوقادة. أن يرجعوا لي نصف غلة وقف مرجان. أجرى الله تعالى عليه وظائف البر والإحسان. وأنه ليعلم أنها بأسرها لم تكن تفي. بإذهاب ثلث غلة مصرفي. وإن من يتصحب هوله. لا حق له حسب شرط الواقف في تلك الغلة. ومن علم حاله أصاخ إلى ما تقول جدران المدرسة. لم يبق له في صحة ما قلت وحرمه العلم الشريف وسوسة. وإنما لم يذكر حضرة المشار إليه حقيقة الحال. مع وقوفه عليها من بين أولئك الرجال. لأن نفاق أهل العراق على غبر جنانه. وباطلهم الذي نسبوه إلى غير عن قول الحق لسانه. وقد كنت في العراق أحظى أهله. بجزيل فضله. وأقرب أهل ناديه. إلى جميل أياديه. فلعن الله قوماً حالوا بنفاقهم بيني وبين هذا النجيب. والشهم الذي حاز من سهام المجد المعلى والرقيب. وماذا أقول. وحل عصام الكلام يستدعي عقد فصول. وعلى العلات. خطيئتي في رقاب أبناء المومسات. ولما حسن ما حسن حضرة المشار إليه. استقر رأي أهل المجلس جميعاً عليه. فلخصوا ذلك للمآبين وحصلوا فيه إرادة. وحرروا بعد مضي نحو شهرين فرماناً حسب العادة. وقد حكى لي جميع ما كان. متفضلاً بإعطاء الفرمان. حضرة مفتي الأنام. وشيخ مشايخ الإسلام. فقلت يا سيدي وجلالة قدرك الخطير. إن باعي الطويل عن ذراع ابن زند في أمر الكسب قصير. وأنه ليبتلع الفرات ودجلة. وما يرى على شفتيه بلة. فأخشى أن يبتلعني ونصفي. ويشرب شربة ماء على ملكي ووقفي. فاعفني عن شراكته الخاسرة. ووجهوا بدل معاشي ما شئتم نحو الخزينة العامرة. فقال تكلم. مع حضرة الصدر الأعظم. فذهبت إلى حضرة من افترع بلقيس الشيم. وارتفع قدراً على بساط الكرم. سر عسكر الإسلام سابقاً. وأجل أعضائه مجلس الأحكام لا حقاً. حضرة الوزير الخطير. والمشير الكبير. سليمان باشا. يسر الله تعالى له من جفان جفون الأنظار المجيدية ماشا. وقلما يوجد مثل هذا الوزير في مكارم الأخلاق. وجبر كسر قلوب العباد على اختلاف أصنافهم حسبما يطاق. وهو اليوم والي حلب. وقد حلب لأهلها من در فضله ما حلب. وجلب عليهم من در عدله ما جلب. وله بي بهي احتفال. كما لي به قوي اختصاص من بين أكثر الرجال. فعرضت عليه الأمر بلاً بلا. وشرحت له الحال فصلاً فصلا. وطلبت منه أن حول معاشي نحو الخزنة. وذكرت له أن لي في ذلك منحة عرية عن كل محنة. فقال سأسعى في ذلك جهدي. وأجد في مصلحتك غاية جهدي. فرأيته في اليوم الثاني جنب الصدر يشاوره فغلب على ظني أنه في أمري يحاوره. فالتفت حضرة الصدر بوجهه إلي. وقال جميع ما تريده على الله تعالى ثم علي. وقد جعلت حضرة الباشا من قبلك وكيلاً. فقال المشار إليه أن لي بهذه الوكالة فخراً طويلاً. فدعوت لهما. وشكرت فضلهما. وبعد نحو ثلاثة أشهر تم أمر التحويل على الخزنة. وأزال الله تعالى بنسائم خزائن لطفه على القلب حزنه. ولما وقفت على الفرمان. رأيت فيه إفراز المسقفات من أوقاف مرجان. كأنهم قطنوا بزيادة الإيراد. فضنوا به على مفتي بغداد. حيث أوقفوا على حاله. وقيل لهم أنه يرضى بمجرد المنصب ولو ضم إليه من ماله. وكيف لا يرضى به وهو على كل حال خير من البزازة. وأين قلم الفتوى من ذراع الأندازة. فشق علي والله ذلك. وكنت أحب أن يكون مفتي بغداد خيراً من جميع المفتين في سائر الممالك. وجعلت أثني عليه حسب الغيرة. وأفضله في فنه ولا أفضل عليه غيره. وطفقت أورد لهم أمثالاً جلية. وأباهتهم بالفتاوى البزازية. وأقول قد يكون مفتي دكان. أعلم من قاضي خان. فقالوا حظه ينطقك بهذا الكلام. ويلجئك أن تحر ببيانك الأفهام. ولا بدع في مثل ذلك فقد قالوا:
إذا صدق الجد افترى العم للفتى
…
مكارم لا تحصى وإن كذب الخال
وفي هاتيك الأثناء. فزت بعطية من حضرة ظل الله تعالى على أهل الغبراء. أيده الله تعالى وأبده. وخلد ملكه ونور خلده. ومقدارها خمسة وعشرون ألف قرش استنبولي. وكذا كان مقدار ما عين من بيت المال كل سنة لي. وبلغني أن العطية حين وجهت كانت أقل من هذا المقدار. فأبى ذلك حضرة شيخ الإسلام قائلاً أيعطى أقل مما صرفه حتى أتى هذه الدار. ولو أنه نفذ في أمري أمر نافد باشا. ما كنت رأيت عطية أصلاً ولا معاشاً. ولقد سعى لأسعى في المنع. فمج كلامه في وجهه كل سمع. وما ذلك إلا ببركة خدمتي للقرآن. ونسبتي إلى بضعة سيد الأكوان. صلى الله تعالى عليه وسلم. وأدام علينا بحرمته ديم النعم.) وبينما (أنا في حظيرة حضرة شيخ الإسلام المسامتة للنجوم. ناولني منشور القضاء في جميع أيالة أرزن الروم. فقلت يا ملاذي. إني لأعد المناصب من ملاي. وأن فتوتي لترى من مر القضاء. أن أنكح بعد اليوم فتاة إفتاء أو قضاء.
وشر ما قنصته راحتي قنص
…
شهب البزاة سواء فيه والرحم
وقد نزل المشيب بعذاري. وضاقت منه أقطار أوطاري. وانقض بازي الشيب على غراب شبابي فقنصه. وألقى جواد العقل على ظهره فارس أملي فدق عنقه ووقصه. بل لا يليق بمثلي. ومن حكى شكله شكلي. أن يستعمل طرفاً طماحاً. أو يركب طرفاً جماحاً. أو يلحف بيض طمع جناحاً. أو يشق لطلب دنيا من شقق البيد وشاحاً. ولولا أمور أبرمت أضمارها. وأحكمت في سري أسرارها. فلا أكاد أحدث بها نفسي أو تحدث الأرض أخبارها. ما كنت لأخرج من قرارة داري. وأدخل في مضايق غربة وسعت أكداري. وبعد أن يسر الله تعالى لي خبزاً آدمه بالقناعة. واحتساء قهوة سحت بكؤوس شريعة غراء. فقال سلمه الله تعالى قضي الأمر. ولا يرد المنشور بنظم أو نثر. فأنب عنك نائباً في أرزن الروم. ولا تأمره بأخذ شيء في هاتيك الحدود من الرسوم. وخذ أنت ما عين في بيت المال من الشهرية. ومبلغها في السنة ثلاثون ألفاً من القروش الرومية. ثم قال. سلمه الله تعالى المتعال. هذا ما وفقت له في رفدك. وإعانتك في مارف مجيئك وعودك. وكان علي أن أعلي رتبتك. فأغلي بين الأقران قيمتك. ألا أنه حق القول من حضرة السلطان. أن لا تعطى رتبة مخرج لمن خرج من إسلامبول من أهل البلدان. فإن كنت تعزم على الإقامة بالقسطنطينية. أوجه لك في مجلسي هذا ما تقصر عنه أيدي الأمنية. فقلت يا مولاي من العجب بناء حركة رتبتي على السكون. فقال نعم لا تحرك حتى تسكن. فقلت يا مولاي دون الإقامة. أهوال يوم القيامة. وكيف أترك أهلاً وأوطاناً. أم كيف ألتذ برفعة في غير بلدتي ولو أضحيت سلطاناً. فقال لم يبق في بلدتك أنيس. إلا اليعافير وإلا العيس. وإن زئير آساد المحن. زلزل أطراف ناديها. وصرير صعار الفتن جلجل أكناف واديها. فلو وقع عليها طرف لبيب ذي اعتبار. لحكم بلا خوف ولا تكذيب أنها جوف حمار. فقلت يا مولاي أنا مشغوف بترابها. فضلاً عمن حل برحابها. شج بماها. فضلاً عن لمى دماها. مغرم بطيب نسيمها. فضلاً عن نكهة ريمها. مع أني كم تجرعت في رحابها صابا. وقاسيت من أنياب كلابها عذابا. فقال هذا والعياذ بالله تعالى داء. فقلت نعم وأسأل الله عز وجل الشفاء. ثم أني حيث رفعت مرحمته عني الحرج. ناقشته في أمر منع رتبة المخرج عمن خرج. واعترضت عليه بما وقع في تلك الأثناء. للشامي الجابي الذي كان قاضياً في الزوراء. فإنه فتح له باب المخرج. وقيل له دونك ولا تحرج. فاحتسى منه معقة المأمول. من غير أن يشرطوا عليه الإقامة في إسلامبول. فأطال أطال الله عمره في ذلك جوابه. فحبست لسان الاعتراض عليه في فم المهابة. وقلت في نفسي. وأكاد أخفيه عن حسي:
أهابك أن أجيبك لا لعجز
…
ولكن لمخافة أسكتتني
هذا وقد كتب له حضرة الصدر. تذكرة يطلب لي فيها ترفيع القدر. فاعتذر بما اعتذر. وأنا أرضى بما صنع القدر.) وبالجملة (رضيت بقضاء أرزن الروم. وقنعت جبراً بما عين في مقابلته من المبلغ المعلوم. ولم أعتب إلا الزمان المفتون. والدهر الشرس الحرون.
ما خلت أن الدهر يثنيني على
…
صراء لا يرضى بها ضب الكدى
وتفضل علي حضرة ولي النعم الغامر أهل الفضل بأفضاله. بخمسين ألف قرش رومي من خالص ماله. أسأل الله تعالى أن يؤيد سعوده. ويديم وجوده وجوده.) وقد اجتمعت (في دار الخلافة برجال. هم في الكمال بمراحل عن دائرة الخيال.
من معشر فالأرض دارهم
…
والنجم جارهم والعز حيث هم
) منهم حضرة شيخ الإسلام (. وهو كالفاتحة بالنسبة إلى سائر الكلام. وأنه لعارف بأمور أولاه. معرفته بأمور أخراه. بل لا تكاد تتفاوت المعرفتان. لو وضعتا في كفتي الميزان. فهو في نعوته الباهرة. رجل الدنيا والآخرة. وقد ذكرنا بعض ذلك في كتابنا شهي النغم. في ترجمة شيخ الإسلام وولي النعم. وأما كل ما حواه أهابه مما يبهر الأذهان. فذاك مما يضيق عن أحضانه فم ظرف الزمان. وربما ينشق إلى أذنيه. إن هم أن يفتح بذلك شفتيه. وملخص الكلام فيه أنه آية الله تعالى الكبرى. وأن مشيخته اليوم نعمة على فتاة الشريعة عظمى. ولا تعبأ بسفسطة السفط. فأولئك كأبناء الزمان أكثرهم سقط. فهم إن يشبعوا مدحوا. وإذا جاعوا قدحوا. وكم أنهلت علي من سماء شفقته شئابيب مكارم. فجرت منها بحار أبحاث يمزق فيها فكر العالم العائم. لكن إذا اتغاث. بذلك الحبر أغاث. وسأجري إن شاء الله تعالى في بزائز هذه الرسالة. شيئاً مما استقر منها في حياض حافظتي السيالة. فحينئذ تتهادى رياضها ببرود سندسية. وتدل غياضها بجر أذيال طاوسية.
) ومنهم حضرة مصطفى رشيد باشا الصدر الأعظم (. ومن لم تر عين رأس الدولة العلية أجل عقلاً منه وأحكم. وقد قدمت لك شيئاً من سني ترجمته. ومن أين لي الإحاطة بما أودع الله تعالى فيه من عجائب قدرته. فبشرى لدولة هو صدرها. وإليه ينتهي أمرها ونهيها. أسأل الله تعالى أن يحفظه وذريته. ويؤيد به ملته ودولته.
) ومنهم الجار ذيل الفخر على قنة كيوان (حضرة) محمد علي باشا (صهر حضرة السلطان الغازي محمود خان. كان يوم دخلت الأستانة. مشير الترسانة. وهو الرئيس للعساكر البحرية المرابطين في حراسة الممالك الإسلامية. ولما واجهته آنسني غاية الإيناس. وقال لم يز يمدحك عندي حضرة) حمدي باشا (والي سيواس. فلما استنشقت بعرنين سمعي وياك. اشتقت علم الله تعالى كثيراً لأن أراك. فالحمد لله تعالى على رؤيتك. ومشاهدة طلعتك. وفي أواخر سنة ألف ومائتين وثماني وستين من هجرة صدر المرسلين. ورأس الخلائق أجمعين.) صلى الله تعالى عليه وسلم (توجيه إليه قلب جسد الخلافة الكبرى. فقلده أمانة الصدارة العظمى. وفي شعبان سنة التاسعة والستين. استردت منه وعاد كما كان قديماً مشير عساكر المسلمين. وسبحان من بيده الوضع والرفع. والوصل والقطع. والإعطاء والمنع. ومن أجل أخلاق المشار غليه. أنه يلتزم أمر من حط رحال الآمال لديه. فيبذل وسعه. فيما يعلم أن فيه نفعه. فالمحسوب عليه. كالمنسوب إليه. يغمره بصنوف النعم. ويذب عنه ذب الغيور عن الحرم.) نعم (يقال أن تواضعه. دون تواضع من تساوى في الرتبة معه. وأنت إذا حققت الأمر من راءٍ وسامع. تعلم أنه حفظه الله تعالى غير مقيد بتكبر أو تواضع. فتراه قد استوى على عرش المجد وذراه. ولم يستوف شيئاً من ذينك الأمرين يوماه. وهو عندي في الحقيقة مترفع عن الكبر. ولعله يقول بقولي هذا كل من أمعن فيه الفكر. وقد رأيته يشفق على الرعية. ويأسف لما هم فيه من صنوف البلية. ويقول والله إنا لم نأل جهداً في رعاية رعيتنا. إلا أن لله عز وجل مشيئة فوق مشيئتنا. فقلت يا سيدي على العبدان يسعى. والمأمول من الله تعالى أن لا يخيب المسعى. نعم.
إذا لم يكن عون من الله للفتى
…
فأول ما يجني عليه اجتهاده
ثم قلت يا سيدي تصافى رجال الملك. من موجبات عمارة الملك. واختلاف قلوبهم من أقوى مقتضيات الاضمحلال والهلك. فأسأل الله تعالى أن يؤلف بين القلوب. ويوفق الراعي والرعية إلى كل أمر محبوب.
) ومنهم الوزير المشير التالية مدافع عزماته على حصون الأعداء وكثرة الدخان. حضرة أحمد فتحي باشا الصهر الأول لحضرة السلطان الغاز محمود خان (وكان يوم دخلت الأستانة. مشير الطوبخانة. ولما واجهته أعلى محلي. وفاتحني بأبحاث علم نقلي وعقلي. فرأيت له اطلاعاً وافراً. وفكراً باهراً. فأحس مني باستغراب. فقال يا مولاي كنت أنا من جملة الطلاب. قد قرأت إلى شرح الشمسية. فأخذ السعد بيدي فجعلني قطباً لمصالح الدولة العلية. فضاق وقتي عن الدرس. ومضى ذلك الشغف كما مضى الأمس. ولم أزل أتردد إليه. لما وجدت من النجابة لديه. وهو يضاعف الاحترام. ويبالغ في مدحي عند الخواص والعوام. وكثيراً ما حكي لي أنه يقول. لم أر مثل فلان يعنيني بين علماء إسلامبول. وكان مدحه أحد أسباب شهرتي. وبلوغي حسب الإمكان ذرى هضاب أمنيتي. وقد رأيته لين الجانب. صلب الانتصار للصاحب. ولم أحس منه بانحلال عقيدة مع أني خضت معه في العقائد مراراً عديدة. بل تحققت منه. خلاف ما يرويه السفط عنه. ولعن الله تعالى امرأ له على الطعن في المسلمين ثبات. وعلى أكفار المؤمنين بمجرد التخمين هجوم ووثبات. ولي كل من ذهب إلى أوربا مستحقاً للإكفار.) نعم (إن من الذاهبين من رجع منها أكفر من حمار. ثم أن حضرة السلطان. يحب حضرة المشير أكثر من سائر الأقران. وكثيراً ما يأكل عنده الطعام. ويستمر لساعات وربما يسمر معه والناس نيام. وهو حفظه الله تعالى مع ذلك لا يظهر فخراً. ولا يبدي على أحد من الخلق كبراً.
زادوه إجلالاً فزاد تواضعاً
…
الله أكبر هكذا الرجل السوي
وقد عزل في اليوم الحادي والعشرين. من شوال سنة الألف والمائتين والثاني والستين. ثم عاد إلى ما كان. في السنة التالية أواسط شعبان. وسبحان من بيده مقاليد السماوات والأرض. وهو عز وجل المتصرف كما يشاء في الطول والعرض.
) ومنهم الشجاع القسور حضرة محمد باشا سر عسكر (وهو ذو ذهن نقاد وفكر دقيق. يحب الوقوف على أحوال العباد والبلاد بتحقيق وتدقيق. ومن قوة ما له من العقل والإدراك. تراه يجمع بين الضب والنون والسمك. فيعاشر كلاً من المتعاديين. كما يعاشر كلاً من المتحابين المتصافين. فيظن كل من يحبه. أنه مختص به. ويحس منه على فضله. الفخر بفاضل عقله. وقد اجتمعت به مرات. فسألني عن العراق وأهله عدة سؤالات. فأفصحت له عن الحقيقة الحال أي إفصاح. فجعل يعجب من فرط الأهوال ويصفق راحاً براح. لكن لعمري ما أثمر صفق الراح راحة لأهل العراق. بل أوقع في أيديهم ضحكة تتغنى بعجائبه الركبان في الآفاق. وما ذاك إلا لبعد خطتهم. عن حمى دولتهم. وقصور هممهم. عن شكاية المهم. واستيلاء وضيعهم. على رفيعهم. وشرارهم. على خيارهم. وتصعراً وجههم. لأوجههم. وعظم نفاقهم. على رفاقهم. وتفويق خضراء دمنهم. على سويداء مهجهم. وسوداء أعينهم. إلى أمور أنتن في الشم من ريح الجورب. وأشد على الذوق من سم العقرب. وليس لدائهم من دواء. حتى ينزل المسيح من السماء. وقد عزل هذا المشير الرصين. أواسط شعبان سنة التاسعة والستين. ونصب محله. من كان في ذلك المنصب قبله. أعني) محمد علي باشا (الصدر السابق. يسر الله تعالى الأمر الموافق. وجعل هو لأوردي الخاصة مشيراً. فعد كل ما ناله من المنصب قضاءً عليه وتقديراً. لما في ذلك من الحور. بعد الكور. والاتضاع. بعد الارتفاع. والحق أنه إذا توفر للعبد سهم السعود. ينبغي أن تتساوى عنده قوسا الهبوط والصعود. والغرض نظر السلطان. فمن أصابه اتحدت لديه القوسان.
إذا صح منك الود يا غاية المنى
…
فكل الذي فوق التراب تراب
ومن كان من صدق الخدمة بالأفق الأعلى. لا يبالي دنا أم تدلى. بل ذاك أعظم همومه. انتظام مصالح مخدومه. إلا أن مثل هذا في الخدم. أعز من الغراب الأعصم.
) ومنهم المشير المحكم قوانين الرياسة أي أحكام (. حضرة) رفعت باشا (رئيس مجلس الأحكام. وهو لين الجانب. متواضع للأهالي والأجانب. وله اعتقاد أظن أنه راسخ. بأهل الزوايا المتزينين بزي المشايخ. وقد كان معظم رجال الدولة. في هذا الاعتقاد مثله. ويجبرهم على الاعتقاد رجاء أغراض دنيوية. ويجيزهم عن الانتقاد خوف تأثيرات نفسية. وحب الدنيا يفعل بالعقول. فوق ما تفعله والعياذ بالله تعالى الشمول. ولحضرة المشير المشار إليه شغف بالمناصب. يكاد يخرج إلى حد الأمر الغير المناسب. فتراه إذا انفصل مضطرب البال. مضطرم البلبال. لا يدري ما يصنع. وما يحط وما يرفع. جيشه مهموم. ونديمه لا يسقى إلا بكاسات غموم. وهو في المنصب أنور من صبح مسفر. وأنشط من ظبي مقمر. ذو فكاهة مع الجليس. تغنيه عن احتساء الخدريس. وقد صحبته منصوباً ومعزولاً. وعلمت من أحواله جملاً وفصولاً. وبالجملة. هو من خيار رجال الدولة. وذلك من حيث الغيرة والوفاء. وحسن المعاملة مع الغرباء. عزل في الحادي والعشرين. من شوال سنة الثامنة والستين. وعاد إلى رياسته الحالية. في شعبان السنة التالية. فله اليوم في مجلس الأحكام. نقض وإبرام. وتوهين وأحكام. على قانون لو رآه ابن سينا لقال هذا لي إمام. أو عرج عليه عمر الخيام. لنصب عليه الخيام. أسأل الله تعالى أن يوفقه لما هو الأحرى. وييسره لما هو الأولى في الأولى والأخرى.
) ومنهم ذو النجابة التي تتشعشع أنوارها من جبينه وتبتلى حضرة سليمان باشا (أحد الأعضاء الرئيسة في مجلس الوالا. وهو ذو أخلاق أرق من دمعة الصب. وألطف وأبل غب الجدب. وله وفاء وافي. وفؤاد عن كل غش صافي. وغيرته على ملته. وصدق جلي في خدمة دولته. بهر نجم سعده الأنور. فلم يزل يترقى في المناصب وحتى صار سر عسكر. ثم غض طرف الحظ عنه بعض الإغضاء. فانفصل عن ذلك وصار في مجلس الأحكام من الأعضاء. لكنه أيضاً مشار إليه في البين. فأنزل من ذلك المجلس منزلة إنسان العين من العين. وفي أواسط السنة الثامنة والستين أعطي أيالة حلب. فحلت أهاليها من شطور عدله المبين در المنى والأدب. فهو اليوم والٍ هناك. بسيرة ترضي الإنس والجن والأملاك. أسأل الله تعالى أن يحفظه من كل مكروه. ويبلغه بلطفه كل ما يرجوه.
) ومنهم ذو الأخلاق الذكية الزكية. حضرة عالي باشا مشير الخارجية (وهي أحيى من كتاب. وأصحى قلباً من دمع سحاب. وأعظم تواضعاً من أرباب السلوك. لكل من قصده من غني وصعلوك. ذو فتوة وعفة. لا يرفع إلى سفاسف الأمور طرفه. نال الصدارة العظمى في الحادي والعشرين من شوال سنة الثامنة والستين. وقد فارق غيلها الليث الهسور. حضرة الرشيد الصدر الأسبق على كل الصدور. فما كان ذلك إلا من إقامة الفرع مقام أصله. واستعمال جزء الشيء في كله. فإن حضرة ذلك العالي القدر. كضلع من أضلاع ذلك الصدر. وهو الذي أوقد نبراسه. وأيد أساسه. وأعلى بين الرؤوس رأسه. ثم أنه عزل بعد أيام قصيرة من غير تقصير. وأخرج من الأستانة وجعل والي أزمير. وهو اليوم فيها. مترقب أن يعود إلى الأستانة بحالة يرتضيها. أسأل الله تعالى أن ينشر له أجنحة السرور. وييسر له ما يقر العيون ويشرح الصدور. وذلك بالعود إلى مسنده الأول. فإنه لديه فيما أظن أجل وأفضل.
) ومنهم كوكب السعد. الذي هو في فلك المجد. أجل السواري. حضرة المشير علي غالب باشا داماد حضرة الشهرياري (وهو سر أبيه الصدر الأعظم. والرشيد الذي قال رشده لكل معاند سلم تسلم. قد جمع قبل أن يبلغ من العمر عشرين. ما تفرق من أنواع الكمال في الفلاسفة المعمرين. واسترق رقاب الأحرار بالمكارم. قبل أن تسرق أيدي الآظار منه التمائم. ولما أن طر شاربه. وأذن الظمآن النظر أن يرد مباه حسنه حاجبه. صحكت فنون كماله على أكثر أهل الذقون. حتى إذا أحسوا بنقائصهم بكوا بعيون الندم على ما فاتهم من هاتيك الفنون. فلما رأى حضرة ظل الله تعالى ما أظل هذا الشاب مما سما به على السماء المظلة قدراً. استولى حبه على قلبه حتى خرق الحجاب فاختاره من بين شباب دولته صهراً. إلا أنه إلى الآن لم يقترن السعدان. وكأنك بهما إن شاء الله تعالى مقترنان.
) ومنهم جنة البصائر والأبصار. وحبة فؤاد السرائر والأسرار. حضرة جلاء عين الصدر من غين الدهر فؤاد أفندي المستشار (وقد شرت لك فيما مر شيئاً من عسل صفاته. وأشرت إلى ما لا يبلغ عشر العشر من سمى سماته. وحيث إني ممن لا يستغني عن المستشار. وأحاديثه لدي في العراق كأحاديث نجد لا تمل بتكرار. أعود فأقول. غير مبال بملول. هو فتى قد عرج إلى ما عرج. وعرج إلى ما لم يكن سواه عرج. وشأى فرأى ما لا تضبطه قواعد الإبصار حيث شاء. فلما ادعى. دعا فنادت شواهد الآثار. ما كذب الفؤاد ما رأى. ولقد شغفت به مناص المراتب. كما شغفت به خواص المناقب. وعندما صار مستشار الصدر. جبر كسر القلوب أحسن جبر. وذلك لما مصره من كرائم الأخلاق. واعتصره من كرم كرم الأعراق. ولمزيد فضله. وسلامة عقله. عول عليه الصدر في أمره كله. ولكونه ذا ذهن وقاد. أحل إليه الكلام في أحوال البلاد والعباد. ولا بدع في ذلك فالمستشار مؤتمن وأن الكلام في الفؤاد. واتفق أن دعاني إلى الثغر. ليشرح مني بالاستئناس الصدر. في قصر له طاب مغناه. وطال مبناه. فكأنه سخاب. في نحر السحاب. وقد أقرت له القصور. بغاية القصور. واكتست له الشعرى العبور. ثوب الغيور. وقد احتوت عليه دار دار بالسعد نجمها. وفاز بالحسن سهمها. ذات أشجار كأن الحور أعارتها قدودها. وكستها برودها. وحلتها عقودها. خلالها روض يروق. كأنه من الجنة مسروق.
فالأرض تجلى بالنبات الغض
…
في حليها المحمر والمبيض
من سوسن أحوى وورد غض
…
مثل الخدود نقشت بالعض
وأقحوان كاللجين المحض
…
ونرجس زاكي النسيم بض
مثل العيون رتقت للغمض
…
ترنو فيغشاها الكرى فتغضني
وياسمين في ذرى الأغصان
…
منظم كقطع العقيان
وجلنار شبه خدي دعد
…
أو مثل أعراف ديوك الهند
وغير هذا من صنوف الورد
…
ليس له سوى البها من حد
وهناك بركة ماء عذب مورده. وصفا حتى كأنما يفقده من يشهده. وربما يخيله الناظر في بعض الأوقات. خداً من لجين تجلى بعذار من انعكاس النبات. فجعلت أتمشى معه هناك بين سماء فاختيه. وأرض طاوسية. فتحير فكري. ودهش سري. حيث أبصرت ما لا يخطر في الجنان. ولا يكاد يتصور وجوده في سوى الجنان. فقال هل مثل هذا في مدينة السلام. فقلت لا ولا في غوطة دمشق الشام. وأنشدته ارتجالاً. وإن لم أكن قوالاً.
لقد وصف الرحمن للناس جنة
…
فشوق من كل العباد نفوسا
وما كنت أدري أن في الأرض نحوها
…
إلى أن رأينا منزلاً فيك مأنوسا
ففرح به. وجعل ينشده لصحبه. ثم رأيت في بعض رياضه. حذاء أحد حياضه. بصورة امرأة حسناء. كأنها حوراء. قد نحتت من رخام. وأحكمت صناعتها أي إحكام. فلا تكاد تعرف أنها من حجر. إلا بتدقيق النظر. فأنكر ذلك بعض الحاضرين. وقال إنه محرم باتفاق المسلمين. فقال المشار إليه أنها تناسب هذا المكان بناءً على تشبيهه بإحدى الجنان. فقلت على سبيل الارتجال. ناسجاً على ذلك المنوال.
هذه الدار يحاكي
…
حسنها دار السلام
غير أن الحور فيها
…
قد تجلت من رخام
فابيض وجهه بالسرور وأسفر. وأمر بكتابة ذلك على صدر الصورة بالذهب الأحمر. وقال هذا عندي كفتوى شيخ الإسلام. وسأقوى بها إذا أنكر منكر على هذا الرخام. فقلت في نفسي كيف تقوى. وهي لو فرضت فتوى. خالية عن تقوى. ثم خضنا في بحر التصوير. فاستوعبت الكلام فيه من غير تقصير.) ولما (عزمت على العود إلى الأوطان. التمست منه أن يحرر لي لأجل الطريق فرمان. وكتبت له هذه الأبيات يوم الدعوة الثالث والعشرين من شهر رمضان.
أرى دولة الإسلام شخصاً فرأسه
…
ملاذ الورى السلطان والصدر صدره
وأنت بلا ريب فؤاد وحبذا
…
فؤاد حوى العرفان لله دره
إذا ما بدا أمر مهم فرأيه
…
هو الرأي والفكر المسدد فكره
فيا سيدي قد طال بالعبد غربة
…
فمنوا عليه أن يحرر أمره
ليغدو إلى أهليه بالخير داعيا
…
ويبقى لكم ما عاش بالمدح ذكره
فوعد بإرساله بعد العيد حسب المراد. فصدق بما وعد وما كذب الفؤاد. وكان سلمه الله تعالى قد ذهب إلى القاهرة. ليجري مع واليها حضرة) عباس باشا (بعض المذاكرة. فعاد من هنالك. بوجه مستبشر ضاحك. فأرسلت إليه بأبيات. لها على كمال الحسن شرافات. وهي:
أهلاً وسهلاً بك من قادم
…
قد نفذ الأمر إلينا وعاد
فانسر من ظل الإله صدره
…
إذ عاد بالخير إليه الفؤاد
) وبالجملة (كان المشار إليه عاقلاً حليماً. وعارفاً بما يقتضيه الوقت عليما. وقد صار مشير الخارجية في الحادي والعشرين. من شوال السنة الثامنة والستين. وبعد نحو ثمانية أشهر جاء من قبل الدولة المسقوفية سفير. يقولون أنه بين السفراء ذو قدر خطير. وكان سفير شر. وخباثة وغدر. فذهب إلى الباب العالي. غير مارٍ بحضرة هذا البدر المتلألئ. وعادة سفراء الدول الأجنبية. المرور أولاً بمشير الخارجية. فاستشعر من ذلك عدم الاكتراث به. فأبى شريف طبعه جليل منصبه. فكان أهون عليه من قراضة الجلم. وأقل من براية القلم. وأحقر من تراب يصفع براحة القدم. فنبذه وراء ظهره. وفرى بطن أنانية السفير المسفور بشفرة أنفته وكبره. وهكذا فليكن الغيور. والليث الجسور. وبلغني أن كلب المسقوف أظهر الضجر. وجعل يعوي إذ رمي بهذا الحجر. وأن مجيئه لطلب أمور شاقة. لا تكاد تحققها الدولة العلية أو تحق إلحاقه. ولما لم يمكن منها فسخ العهد الذي كان في البين. وجعل رأس ذلك أن رفع ما لدولته في بطن أرجاء غلطة مما يشبه العين. ففهم الناس من ذلك فتح باب الحراب. فاضطربوا اضطراباً كثيراً لما في البلاد من الضعف وقوة الخراب. وأنشد الواقف على الخفايا. السائر في الأرض السابر لبحار البلايا.
أرى تحت الرماد وميض نار
…
وأخشى أن يكون لها ضرام
فإن لم يطفها عقلاء قوم
…
يكون وقودها جثث وهام
نسأل الله تعالى أن يطفئ نار أولئك الطغام. ويؤجج عز وجل بلطفه نور المسلمين والإسلام. ولا يخرجنا إلى الاستعانة بأعداء الدين يريدون أن يصطادوا بشباك الإعانة بعض بلاد المسلمين. وأنا أخوف ما أخاف من مكر الأعداء من جهة العراق. فإنه عضو ضعيف بالنسبة إلى سائر الآفاق. وإن إبل ذلك النادي. قد حداها والأمر لله تعالى غير حادي. ووراء ذلك ما لا يقال. وحسبنا الله الملك المتعال.
) ومنهم الآخذ بضبع المظلوم مخافة أن تدفعه يد الظالم إلى أشر المهاوي. حضرة مظلوم بك أفندي ناظر مجلس الدعاوى (وهو فتى تقمص الديانة والعفة. وكان من تقوى الله تعالى في أوقي محفة. يحب العلماء والشيوخ. وإن لم يكونوا من أهل الرسوخ. مع أخلاق أرض من النسيم. وفكاهة ألذ من التسنيم. وكم تقلد أموراً. فأنتجت فرحاً وسروراً. واتفق أن بعث رسولاً إلى) محمد علي باشا (ملك القاهرة. فبالغ في عظته ونصيحته. ولم يبال بأبهته وهيبته. وأرشده إلى تجارة غير خاسرة. وكان ممن حظي عند حضرة السلطان محمود خان. وتبوأ من غرف عنايته العلية أعلى مكان. وفي هاتيك الأثناء اتفق أن حظي أيضاً عند ذلك السلطان الأوحدي. رجل يدعى بصائب بك أفندي. فشق ذلك على الحساد. كما هو العادة في غالب العباد. فكانوا يقولون أن ميم مظلوم سرقت من أول صائب. فهذا ظلوم بلاميم أوله وذاك مصائب.) ولعمري (لقد ظلموا. وبالباطل الجلي حكموا. فقد رأيت المشار إليه مظلوماً بين الأقران. حيث لم يبوأ من بينهم قنة كيوان. وأن الظلم عنه بمعزل. وبعيد عن منزله بألف ألف منزل.
كأن ربي لم يخلق لخشيته
…
من الرجال سواه قط إنسانا
وقد حضرت مجلس دعاويه المرة بعد المرة. فرأيته لا يخرج عن دائرة الشريعة الغراء قيد شعرة. واستمر في منصبه عدة سنين. وعزل عنه أثناء السنة التاسعة والستين. وهو اليوم في مغناه. مشغول بعبادة مولاه. يسر الله تعالى له ما هو الأولى والأحرى. وستره سبحانه في الأولى والأخرى.) واتفق (أني سمرت معه في بعض الليال. مع جملة أحبة ذوي فضل وكمال. وكان قد بلغه عني إنكار على الشيخ الأكبر. وغض طرفٍ عن ذلك النور المجسد الذي لا ينكر. فقال ما تقول في الشيخ الأكبر محيي الدين. فقلت الشيخ الأكبر محيي الدين. فأعجبه الجواب جداً. وقال إذا أنكرت. ثم ذكرت من شؤون الشيخ قدس سره ما ذكرت. وأنشدت آخر المقال. قول الفاضل المفضال. ذي الأدب العبقري. عبد الباقي أفندي العمري. من قصيدة قالها في مدح الشيخ المشار إليه. لا زالت سحائب رحمة الله تعالى ورضوانه منهلة عليه.
ينكر المرء منه أمراً فينها
…
هـ نهاه فينكر الإنكارا
فعجب غاية العجب. وقال مثل هذا يكتب بماء الذهب. وأنا الآن أقول. غير مبال. بمنكر ذي فضول. أن الشيخ قدس سره لا شك في جلالته علماً وعملاً. وأن عنده وكذا عند أمثاله لكلامه المتشابه من أحسن المحامل محملاً. لكن أنا لا أعلم ما ألتزمه في شأنه من شر التدوين. مع ظهور أنه سبب قوي لضلال كثير من ضعفاء المسلمين. وقياسه على متشابه الكتاب والسنة. قياس لا يرتضيه إذا أمعن النظر ذو فطنة. وكذا لا أعلم سر تأخير النبي صلى الله عليه وسلم تبليغ ما في الفصوص. عن زمان تبليغ ما أوحي إليه عليه الصلوة والسلام من النصوص. إلى أن يأتي الشيخ الأكبر بعد نحو ستمائة سنة بعد الهجرة. فيناولها إياه في المنام ويقول له اخرج بها إلى الناس فخرج بها غير مغير منها مقدار ذرة. وليس مرادي من هذا نفي السر في نفس الأمر. فذلك عين الإنكار الذي هو أدهى وأمر. بل مرادي مجرد نفي علمي به. مع تسليم أن له سراً هو معلوم لدى صحبه.) وبالجملة (أنا معتقد جلالة قدره. مفوض سائر أحواله إلى عالم جهره وسره. ويأبى الله تعالى أن أخوض في حقه كما خاض المنكرون. فذاك فضول لا ينبغي أن يرتكبه العالمون. وهذا ما أدين به الملك الديان. غير مداهن به أحداً من كبراء الزمان.
وما علي إذا ما قلت معتقدي
…
دع الجهول يظن السوء عدوانا
) ومنهم حضرة ذي الخلق العطر الندي. مرضي الخالق والخلق رضا أفندي (. وهو فتى استحال تواضعاً وديانة. وتجسد نجابة وعفة وصيانة. له دين متين. وعقيدة قوية بالصالحين. وحب عظيم لأهل البيت. وغرام جسيم شامل للحي منهم والميت. أصله من أهل بروسا. من قوم طابوا فعالاً وزكوا نفوساً. ولقد رأيت أباه شريف أغا في الصلاح غاية. وفي رقة القلب نهاية. حتى أنه ليبكي متى سمع حديثاً أو آية. وقد استخدم المشار إليه مدة فيما بين. فقرت منه بالأنظار الخاقانية العين. ثم صار ناظر أوقاف همايون. فقرت به من الجوامع والمدارس والتكيات العيون. ثم صار أمين الدفتر. وهو بالأمانة أشهر من أن يذكر. ثم انضم إلى ذلك أن جعل أحد أعضاء مجلس الأحكام. وله مع ذلك من الأنظار المجيدة المجيدية أوفر السهام. وقد اقترح علي أن أصحح له الشفاء الشريف. فصححته له رعايةً لسابق فضله المنيف. ثم طلب مني الإجازة به فأجزته. وهذه صورة ما كتبته وحررته: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أجاز بالشفا. من أمراض النفس والهوى. من راعى حقوق المصطفى وواصل حبه وما جفا. والصلوة والسلام على ذلك الحبيب الأعظم. والمظهر الأتم. والنور الأعم. والسر المطلسم. وعلى آله وأصحابه القائمين بحقه. والكارعين كؤوس أخلاقهم من دنان خلقه.) أما بعد (فقد استجازني بالشفا. بتعريف حقوق المصطفى. صلى الله تعالى عليه وسلم. وشرف وعظم وكرم. الأخ المثابر على التخلق بالأخلاق الأحمدية. والمجد في السير فيما يجاز به المجد من الأفعال المرضية المصطفية. الذي هو أعز أخوتي عندي.) أبو المحامد حضرة رضا أفندي (. لا زال ملحوظاً بعين الرضا عند مولاه. ومحفوظاً من كل مكروه في أخراه وأولاه. فاعتذرت بأني عيبة العيوب. وأني لست بأهل لهذا الأمر المطلوب. فلم يقبل عذري. وأجل لحسن ظنه قدري.
وعين الرضى عن كل عيب كليلة
…
ولكن عين السخط تبدي المساويا
فأجزته بذلك. وفقنا الله تعالى وإياه لسلوك أقوم المسالك. حسبما أجازني به مشايخ عظام. وعلماء أعلام. كل منهم في حلبة الفضل إمام. منهم الشيخ عبد الرحمن الكزبري الدمشقي. عن أبيه الشيخ محمد. عن الشهاب أحمد المنيني. عن عبد الله بن سالم البصري. عن محمد بن سليمان المغربي. عن أبي عثمان سعيد الجزائري الشهير بقدوره. عن أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله التنسي. عن الحفيد أبي عبد الله محمد بن أحمد الخطيب محمد بن مزوق. عن جده الخطيب محمد. عن القاضي أبي علي حسن بن يوسف الحسين السبتي. عن القاضي الأزدي السبتي. عن القاضي ابن غازي السبتي. عن مؤلفاته القاضي عياض بن موسى اليحصبي السبتي رحمة الله تعالى عليهم أجمعين. وذلك بالشرط المعتبر. عند أهل الأثر. وأوصى المجاز المشار إليه. لا زالت الألطاف الإلهية منهلة عليه. بتقوى الله تعالى في السر والعلن. فأنها مجلبة للمنح مدرأة للمحن. وأرجو منه أن لا ينساني. وأولادي وأخواني. من صالح دعواته. لا سيما عقيب أوراده وصلواته. وأسأل الله عز وجل لي وله الشفا والعافية من كل ما يستوجب الجفا. بحرمة حبيبه المصطفى. وآله وصحبه أهل الصفاء صلى الله تعالى عليه وعليهم وسلم. ما حرر بجيز إجازة مستجيز. ورقم. وكتب أفقر كل رائح وغادي. أبو الثناء شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي. غفر له.
) ومنهم ذو الفضل البدي. حضرة زيور أفندي (. وهو شيخ سناً وكمالاً. وفتى فتوة وأفضالاً. قد سرى حب أهل البيت في لحمه وجلده. سريان ماء الورد في أوراق ورده. وأستولي على سره وعلنه. استيلاء روحه على بدنه. وله فيهم نظم فائق. وشعر رقيق رائق. تتمنى النجوم بعقود كلماته. وتود العقول المجردة أن تكون مكتسية ببرود عباراته. فهو اليوم فضولي الروم. وفاضلهم الذي يناطح فضله النجوم. قد تنقل في خدمات جليلة. وما من خدمة منها إلا توسدت ساعده مدة طويلة. وهو حفظه الله تعالى اليوم ناظر الأوقاف. وقد فخرت به الجوامع وأخواتها كما فخر على الوهاد جبل قاف. وكم مرت وقد حلت لي معه أوقات تضمنت فكاهات. ومحاورات هي لأرواح الارتياح أقوات.) فلعمري (ما رأيت ألين منه جانباً. ولا أحسن منه صاحباً. ولا أكثر منه إكراماً. ولا أبر منه ذماماً. ولا أطيب منه نفساً. ولا أخلب منه للأفئدة أنساً. ولا ألطف منه محاضرة. ولا ألذ منه محاورة. ولا أسرع منه جواباً. ولا أوفر منه صواباً. ولا أصدق منه قيلاً. ولا أقوم منه سبيلاً. ولا أسلم منه قلباً. ولا أتم منه للقلوب جلباً. ولا أوفى منه عهداً. ولا أصفى منه وداً. ولا أكمل منه للعترة. ولا. ولا ولا ولا ولا. أسأل الله تعالى أن يديم عليه ديم الألطاف. ويحيى بحياة أنظاره ما عاد رميماً من الأوقاف.
) ومنهم ذو الخلق الوردي. حضرة الكاتب الأول في مجلس الأحكام طلعت أفندي (. وهو رجل قد جاوز سن الكهولة. وما حط عبء لواء اللطف عن كاهله. وجاز سن الشيخوخة وما رفع من رداء الظرف ما يسجل من فاضله. يمزج الهزل بالجد. ويمزج جداً ولا يخرج عن الحد. يلتزم الصديق. ويمر له ريقه ليحلو له الريق. ذهب إلى أوربا وبقي شهوراً عديدة. وعاد ولم تحل بنان التشكيكات منه عقدة العقيدة. وقد سمرت معه حيث كان لي جاراً عدة ليال. فرأيته قد جمع جمع كثرة من حميد الخصال. وأكثر ما عنده رعاة حقوق الصحبة. وبذل الجهد في إدخال السرور على من أحبه. أسأل الله تعالى أن يديم طلعته. ويحفظ من كل مكروه مهجته وبهجته.