الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
) ومنها المزاحي (الواقع في أحد أسانيد مشايخنا إلى صحيح البخاري وهو سلطان بن محمد المزاحي فأكثر الناس يغلطون فيه فيقولون المزاحي بكسر الميم وتخفيف الزاي ظناً منهم أنه نسبة إلى المزاح المعروف وإنما هو المزاحي بفتح الميم وتشديد الزاي وبعدها ألف وحاء مهملة نسبة إلى منية مزاح قرية من قرى مصر كما في معجم أبي المواهب الحنبلي فليحفظ.) ومنها غير ذلك (مما يطول. وإنما اقتصرت على ما ذكرت لأني رأيت من غلط فيه من علماء استنبول. والله عز وجل. العاصم من الخطأ والخطل.
خاتمة
ونسأل الله حسنها. إذا طويت المراحل وبلغ الكتاب المنتهى. في أبحاث علمية. ومسائل أدبية. جرت سواقيها. في رياض المحاورة مع شيخ الإسلام. ولم تكن لتصب في حياض المناظرة مع ذلك القمقام. وإنما كانت محض حمض. لا لغرض سواه عرض. نعم لم أتخل عن موافقة هواه. حيث شعرت منه أنه يحب العلم ويتمنى أن لا يكون له شغل سواه. وكم رأيته يتنفس الصعداء على أوقات له حلت ومرت. وجلت إذ تجلت فخلت وما استمرت. حيث كانت الفواكه العلمية أقواتاً لهاتيك الأوقات. والفكاهات الأدبية نزلاً لما يمر به من ضيوف الساعات. ومجلسه اليوم مع هذا غاص في كثير من ساعاته بالمباحث العلمية. وهو سلمه الله تعالى لا زال ينتهز الفرصة متى وجد أهلاً لكلماته فيحشي سمعه من درره البهية. لكن ذلك الأهل هنالك كالأبلق العقوق. ومسايره في هاتيك المسالك أعز مثالاً من بيض الأنوق. لأنه سلمه الله تعالى وقف لكثرة كتبه. على حقائق ودقائق لم يقف عليها جميع صحبه. وتضلع بحر أدب. من كل حبر من علماء جزيرة العرب. وعلماء القسطنطينية. أجهل الناس بالفنون الأدبية. ولذا ترى كلامه إياهم السكوت. وهم لا يسألون منه إلا المناصب والقوت. وأما الشعر العربي فطريقة بينهم بالكلية غير مسلوك. ولا بدع فالعربي بين الترك من قديم متروك. هذا.
) فمن هاتيك الأبحاث العلية (التي ذهب أكثرها من ذهني بالكلية. وهو في مبادئ ابتسام ثغر مقاصدي بالجلوس في مجلسه. وابتهاج مواقفي بإشراق أنوار طوالع أنسه. وأوائل توجهه لجبر كسر قلبي. وسعيه في تكذيب ظنون السوء بي. أنه قال ماذا أجبت عن السؤال. في قول الله الملك المتعال.) يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم (فقلت يا مولاي وما السؤال فليس لي به وحرمة علمك علم. فقال هو إن بعض الظن إثم في موقع التعليل. لما تضمنه ما قبله من الكلام الجليل. مع أنه لا استلزام بين اجتناب الكثير. وكون بعض الظن إثماً موقعاً في الأمر الخطير. فيجوز أن يجتنب المؤمن الكثير من الظن ويتقي. ويكون البعض الذي هو إثم فيما بقي. فحيث كان هذا في المبادئ. لم يساعدني على الجواب لساني وفؤادي. فلم أنطق ببنت لساني. حتى أنك لو رأيتني لتوهمت أني عديم بياني. فقال ما لك سكت عن البيان. وأنت مفسر القرآن. فقلت يا إمام ذوي التدقيق على التحقيق. ومن إذا دارت رحى فكره ذرت على ذوي المتربة بكل معنى دقيق. قد ضعفت ذهني لقوة هذا السؤال. وجف فمي لمزيد حرارة تعجبي من طراوة ذلك المقال. وأني قد صرفت نقد عمري في تتبع دقائق كرائم الآي. فلم أظفر إلى هذه الساعة بهذه الدقيقة التي تفضل بها حضرة مولاي. فأفد فديتك عبدك. وابن له لا بنت ما عندك. فقد شرد أسد جلالك مهاة لبي. وخطف من يدي بازي سؤالك قطاة قلبي. فتبسم وقال. مجيباً عن السؤال أن مبنى هذه المسألة المشكلة. ظن أن كثيراً مفعول به لاجتنبوا ومن الظن متعلقاً به يندفع السؤال. وتنحل عقدة الإشكال. كما لا يخفى على منتبه إذ يكون المعنى ح اجتنبوا من الظن اجتناباً كثيراً. وأبعدوا عنه بعداً وفيراً. فإن بعضه إثم. فيكاد يقع فيه من لم يجتنبه عن غير علم. فقلت يا مولا لا زلت ولي كل نعمة. وكشافاً بنسائم التقرير عن معالم أفئدة الطلبة غمائم كل غمة. فلقد أتيت بما لا أظن أن وراءه مرمى لرام. وهيهات أين أذهان أطفال العلماء من ذهن شيخ الإسلام. فسكن وسكتنا. وفي أبحاث أخر خضنا. ثم أني راجعت في ذلك تفسير روح المعاني. فرأيتني لم أسلك سبيلاً إلى هاتيك المغاني. واتفق أن أرسلت السؤال والجواب إلى بغداد. ليطلع عليهما علماؤها الأمجاد. فأرسلهما بعض الأجلة إلى الحدباء. فكتب في ذلك عبد الله أفندي العمري رئيس من فيها من العلماء.) وهذا ما كتبه (قوله تعالى) يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم (أوردوا هاهنا أشكالاً وهو أن المطلوب اجتناب ما هو إثم من الظن وباجتناب الكثير من الظن قد لا يتحقق اجتناب ذلك البعض الذي هو إثم لجواز أن يكون ذلك البعض خارجاً عن تلك الأفراد الكثيرة) وقد أجاب (عن هذا الإشكال شيخ الإسلام حضرة عارف حكمت بك أفندي بأن كثيراً واقع موقع المفعول المطلق ومن الظن متعلق باجتنبوا أي اجتنبوا من الظن اجتناباً كثيراً ولا تقربوه أصلاً لأن بعضه إثم وكل ما هذا شأنه ينبغي أن يجتنب اجتناباً كثيراً ولا يقرب خشية الوقوع فيما هو إثم منه انتهى.
) أقول (يرد على هذا الجواب أن اجتنبوا لا يتعدى بمن بل هو متعد بنفسه قال تعالى) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه (الآية وقال تعالى) فاجتنبوا الرجس من الأوثان (وإن حملناه على زيادة من يرد عليه إن من تزاد إلا في البكرة الواقعة بعد نفي أو شبهة إلا على قول ضعيف لا ينبغي حمل التنزيل عليه. وأيضاً الحرف الزائد لا يتعلق بشيء. ويمكن أن يجاب بأن قوله تعالى من الظن متعلق باجتنبوا على سبيل التضمين. والمعنى اجتنبوا متباعدين من الظن أو تباعدوا من الظن مجتنبين له اجتناباً كثيراً في الاجتناب معنى التباعد وهو يتعدى بمن قال تعالى) وما هي من الظالمين ببعيد (فيكون من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم. ويمكن أن تحمل الآية على زيادة من ويكون المراد من قوله من الظن متعلق باجتنبوا التملق اللغوي الذي هو الارتباط بين الشيئين كتعلق المفعول بالفعل. ولما كان الاجتناب عبارة عن الكف عن الفعل كان فيه معنى النفي والظن معرفاً بلام الجنس وهو في المعنى نكرة صح زيادة من فيكون معنى الآية واجتنبوا الظن اجتناباً كثيراً لأن بعض الظن إثم فلا يأمن من لم يجتنب الظن أن يكون ظنه من بعض الظن الذي هو إثم فينبغي تركه بالكلية. والمتبادر من الآية كما ذكره المفسرون أن كثيراً مفعول به لاجتنبوا ومن في قوله تعالى من الظن بيانية كما في قوله تعالى) واجتنبوا الرجس من الأوثان (وعلى ما ذكره شيخ الإسلام من أن كثيراً واقع موقع المفعول المطلق وأن من الظن متعلق باجتنبوا ينبغي أن يكون نظم الآية واجتنبوا من الظن كثيراً دفعاً لما يتوهم من الإشكال المذكور كما قدم من آل فرعون على متعلقه في قوله تعالى) وقال رجل من آل فرعون يكتم إيمانه (لئلا يتوهم تأخيره عنهم أنه ليس منهم. والأولى بقاء الآية على ما يتبادر منها ويقال في الجواب عن الأشكال أن الظن على نوعين حسن وسيئ والسيئ أكثر وقوعاً من الحسن لما جبلت النفوس عليه من سوء الظن والتنوين في كثير للتنويع والمعنى النوع الكثير الغالب الوقوع من الظن وهو الظن السيئ لأنه إثم. ويحتمل أن تكون من للتبعيض والآية من قبيل المجمل المبين بالسنة بالظن السيئ كما في قوله تعالى) فامسحوا برؤوسكم (فإنه مجمل مبين بالسنة بمسح الناصية وإلا فليس كل ظن منهياً عنه بل بعضه واجب كظن المجتهد وبعضه مستحب كالظن الحسن بالمسلمين والبعض مباح كالظن بوجود المطر عند وجود الغيم والمعنى اجتنبوا بعض الظن وهو السيئ اجتناباً كثيراً لأنه إثم وعبر بالظاهر لئلا يتوهم عود الضمير إلى مطلق الظن فيلزم أن يكون مطلق الظن إثماً وليس كذلك والله تعالى أعلم انتهى.
ونوقش في مواضع من كلامه) أما أولاً (فقوله وهو أي التباعد يتعدى بمن فقد منع إطلاقه لما في مجمع البحرين) ما نصه (وفي الحديث من فعل كذا تباعدت عنه النار مسيرة سنة حيث تضمن تعدي التباعد بعن) وأما ثانياً (فالاستشهاد على تعدي التباعد بمن بتعدي البعدية في الآية أعني قوله تعالى) وما هي من الظالمين ببعيد () وأما ثالثاً (فقوله بعد اعتبار تضمين الاجتناب معنى التباعد فيكون من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم فإنه كلام من لا يعرف التضمين كما لا يخفى على عارف. اللهم إلا أن يقال هذا الكلام توجيه لقول شيخ الإسلام متعلق اجتنبوا يعني أراد أنه متعلق بالتباعد باعتبار التضمين إلا أنه ذكر الاجتناب وأراد التباعد وهذا الذكر من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم وليس مراد الموجه أنه في الآية مع اعتبار التضمين كذلك. ثم أن ظاهر كلام بعض المفسرين يشعر بأن الاجتناب صار حقيقة عرفية في التباعد قال وأصل اجتنبه كان على جانب منه ثم شاع في التباعد اللازم له) نعم (إنه ليس نصاُ في ذلك وذكر الشيوع للرمز إلى أن استعماله في ذلك لا يحتاج إلى قرينة كذا قيل فتأمل.) وأما رابعاً (فدعواه أن ذكر الاجتناب وإرادة التباعد من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم فإن كلام بعض المفسرين المنقول آنفاً يدل على عكس هذه الدعوى. وقال بعض الحق أنه يصح أن يعتبر كل لازماً وأن يعتبر ملزوماً فبينهما لزوم متعاكس فافهم) وأما خامساً (فقوله الأعلى قول ضعيف لا ينبغي حمل التنزيل عليه. فإنه نوقش فيه بأن ذلك القول لم يبلغ من الضعف إلى غاية أنه لا ينبغي حمل التنزيل عليه نعم حمل التنزيل على الضعيف مطلقاً مع ظهور الحمل على القوي مما لا ينبغي فلا تغفل.) وأما سادساً (فقوله ولما كان الاجتناب عبارة عن الكف عن الفعل الخ فإنه ظاهر في أن الاجتناب حقيقة في الكف عن الفعل وفيه ما فيه.) وأما سابعاً (فتوجيه صحة زيادة من بما ذكره فإن فيه من التكلف ما فيه وكأن هذا إحدى الدواعي لقوله ويمكن أن يجاب.) وأما ثامناً (فقوله وعلى ما ذكره شيخ الإسلام ينبغي أن يكون نظم الآية الخ فقد نوقش فيه فإن ذلك التوهم لوجود ما يدفعه من أن استقامة التعليل لا تتم إلا بجعل كثيراً واقعاً موقع المفعول المطلق لاجتنبوا وجعل من الظن متعلقاً به لا يلتفت إليه ولا تلزم مراعاته فليس هو كالتوهم في الآية التي نظر بها فإنه ليس فيها ما يدفع التوهم الحاصل من تأخير من آل فرعون ولا يخلو هذا عن بحث فتأمل.) وأما تاسعاً (فقوله بعد احتمال كون من للتبعيض وجعل الآية من المجمل المبين بالسنة والمعنى اجتنبوا بعض الظن وهو السيئ اجتناباً كثيراً الخ. حيث أنه لا داعي على ذلك التقدير إلى العدول عن المبتادر من جعل كثيراً مفعولاً به لاجتنبوا وجعله واقعاً موقع المفعول المطلق له كما تضمنه بيان المعنى) وأما عاشراً (فدعواه الإجمال في قوله تعالى فامسحوا برؤوسكم حيث قال بعد التمثيل به فإنه مجمل مبين بالسنة بمسح الناصية فإنه نوقش فيها بأن ذلك غير متفق عليه ففي جمع الجوامع وشرحه وامسحوا برؤوسكم لا إجمال فيه. وخالف بعض الحنفية قال لتردده بين مسح الكل والبعض ومسح الشارع عليه الصلاة والسلام الناصية مبين لذلك. قلنا لا نسلم تردده بين ذلك وإنما هو لمطلق المسح الصادق بأقل ما ينطلق عليه الاسم وبغيره ومسح الشارع الناصية. من ذلك انتهى.
والأمر في مثل هذا سهل والرجل حنفي فلا ينبغي أن يناقش فيما ذهب إليه أجلة مذهبه. ووقفت على كلام في هذا المقام لأبي سعيد مولانا محمد الخادمي الشهير) ونصه (مع قليل حذف عرض على أن قوله تعالى) إن بعض الظن إثم (واقع في مقام التعليل لقوله تعالى) اجتنبوا كثيراً من الظن (وإثمية بعض الظن كيف تكون علة الاجتناب عن الكثير ولا استلزام بينهما. فقلت) أولاً (إن هذا مقام خطابي فيكفي فيه الظن يعني أنه وإن لم يوجد لزوم كلي لكن يمكن أن يوجد لزوم ضمني. وقد وقع في بعض حواشي شرح المواقف أن شرطية الكلية في الكبرى إنما هي في القطيعات وأما في الظنيات فتكفي الأكثرية والاستقراء الناقص ثم بعد برهة من الزمان سيق إلى الخاطر الفاتر أنه يمكن أن يكون لفظ كثير كناية عن الكلية وتكون إثمية بعض الظن على للاجتناب عن جميع الظنون مثلاً إذا عرف أن كل إثم يجب الاجتناب عنه ثم ظن أن هذا الظن إثم فيجتنب عن جميع الظن كما في شرح المواقف في تفصيل مثله) ثم أقول (لعل الحق فيه أن يقال المراد من البعض في قوله تعالى) إن بعض الظن إثم (ما يتحقق في ضمن الكثير فالمعنى أن الكثير من الظن إثم فاجتنبوه. وتصوير دليله من الاقتراني كثير الظن إثم وكل إثم مجتنب عنه فكثير الظن مجتنب عنه. ومن الاستثنائي إذا كان كثير الظن إثماً فهو مجتنب عنه لكن المقدم حق فالتالي كذلك اه.) وتعقب (ما سبق إلى خاطره بعد برهة بأنا لو سلمنا ورود استعمال كثير في معنى كل كورود استعمال كل في معنى كثير كما قيل به في قوله تعالى) وجاءهم الموج من كل مكان (وقولهم) في كل شجر نار. واستمجد المرخ والعفار (لكن كون كثير في الآية كناية عن الكلية مما لا يكاد يسلم ضرورة أن من الظن ما يباح اتباعه كالظن في الأمور المعاشية. ومنه ما يجب كالظن حيث لا قاطع فيه من العمليات كالواجبات الثابتة بغير دليل قطعي وحسن الظن بالله عز وجل وكأنه لهذا قال بعد) ثم أقول (لعل الحق الخ. وأورد على ما رجا حقيته بأنه لا يظهر عليه وجه العدول إلى الظاهر فإن الظاهر على ذلك أن يقال اجتنبوا كثيراً من الظن إنه إثم. وأيضاً يظهر بعد العدول إلى الظاهر العدول إلى بعض والتعبير به عن الكثير مع أنه في الشائع لا يستعمل فيما زاد على النصف كالستين بالنسبة إلى المائة مثلاً فلا يقال في الشائع عندي بعض المائة ويراد به الستون) وأجيب (بأنه عدل إلى الظاهر لئلا يتوهم ولو على بعد عود الضمير على الظن ولتخرج الجملة مخرج المثل الشائع فيه الاستقلال كما قالوا في نظير ذلك وعدل إلى البعض مراداً به الكثير للإشارة إلى أن ظن السوء المنهي عنه وإن كان كثيراً في نفسه كما يشعر به على ما قيل ما أخرجه الطبراني عن حارثة ابن النعمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث لازمات أمتي الطيرة والحسد وسوء الظن الحديث (لكنه قليل بالنسبة إلى غيره من أفراد الظن كالظنون المباحة المعاشية وغيرها والظنون الواجبة العملية وغيرها فتأمل) قيل في الجواب (عن أصل السؤال أن المراد بالظن في أن بعض الظن إثم الظن المأمور باجتنابه وهو الكثير فكأنه قيل اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض ذلك الظن الذي أمرتم اجتنابه إثم فلا يأمن من لا يجتنب الكثير أن يقع فيه ويكون المراد بهذا البعض الذي هو إثم أي ذنب يستحق العقوبة عليه ظن السوء بالمؤمن بشرطة وهو أن يكون المظنون به ممن شوهد منه التستر والصلاح وأونست منه الأمانة لا ومن يتعاطى الريب والمجاهرة بالخبائث كالدخول والخروج والتردد إلى حانات الخمر وصحبة الغواني والفاجرات وإمعان النظر إلى الأمرد الجميل فإن ذلك لا يحرم سوء الظن فيه وإن كان الظان لم يره يشرب الخمر ولا يزني ولا يعبث بالمرد ويكون المراد بالكثير ما يعم النوعين نعم الأولى الإعراض عن سوء الظن فيه أيضاً ويحمل الأمر في اجتنبوا على مطلق الطلب ليشمل الطلب الجازم المفيد للوجوب كطلب اجتناب ظن السوء بالمؤمن الذي يتعاطى الريب والمجاهرة بالخبائث ولا يراد بالكثير ما يعم الظن في الإلهيات والنبوات وحيث يختلفه في العمليات قاطع. فإن ذلك وإن كان حراماً يجب اجتنابه إلا أن الآية ولحافها كالمعين لذلك الحمل وكون الكثير من الظن فيما يتعلق بالمؤمنين بعضهم ببعض حيث كان السابق من الآي قوله تعالى) ولا تنابزوا بالألقاب (الآية. وكان اللاحق قوله تعالى) ولا
تجسسوا (وقوله سبحانه) ولا يغتب بعضكم بعضاً (الآية فتدبر فأنه لا يخلو عن شيء ولا أل من أن حمل الأمر على مطلق الطلب غير متعين فيجوز حمله على الوجوب بالنسبة إلى من علم أنه لو لم يجتنب البعض الذي هو إثم وقع في غيره مما كان ذلك البعض في ضمنه. وكذا بالنسبة إلى من اشتبه عليه الأمر فيكون نظير من اشتبهت عليه زوجته بأجنبيات في بلدة محصورة فإنه يحرم عليه وطء كل امرأة فيها لمكان الاشتباه على ما ذكره غير واحد من الفقهاء ويجوز حمله على الندب نظراً إلى إشغال الكثير على ما يندب اجتنابه. قال ذلك بعض الأجلة. فتأمل ذلك. والله تعالى يتولى هداك. ولعل الأولى في الجواب ما ذكره الخادمي أولاً فتذكر فما في العهد من قدم.
) ومنها (ما جرى في قوله تعالى) فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا (وذلك أن الفاضل محمد الأفكرماني. سقى ثراه صيب العفو الصمداني. ذكر فيه سؤالاً وجواباً أوردهما في حواشيه على تفسير جزء النبأ من تفسير البيضاوي. فقال فإن قيل هذه الزيادة إن كانت غير مستحقة كانت ظلماً. وإن كانت مستحقة كان تركها في أول الأمر إحساناً. والكريم لا يليق به الرجوع في إحسانه. والجواب أنها مستحقة وترك المستحق في بعض الأوقات لا يوجب الإبراء والإسقاط انتهى. فقال لي شيخ الإسلام ما تقول في هذا الجواب. فقلت هو سراب يحسبه الظمآن أنه شراب. فقال فما عندك في هذا المقام. فقلت يأبى الله تعالى أن أتكلم قبل أن أعرف ما عند شيخ الإسلام. فقال قد كتبت على الحاشية. ما عسى أن يرفع طرف الغاشية.) ونصه هذا (: إن السؤال والجواب دائران على ملاحظة كون العذاب هنا اثنين عذاب ناقص واقع أولاً وعذاب زايد واقع بعده. ويمكن الجواب بملاحظة كون العذاب واحداً بأن ما استحقوه عذاب مستمر متزايد أبدي فلا يتصور وقوع ذلك إلا بأن يكون الجزء الواقع منه ثانياً أزيد من الواقع أولاً. وهذا مما اقتضاه الطبع فلا تعدد حتى يرد السؤال على أن المقبس بالجزء بنية تحصيل الكل تلبس بذلك الكل وذلك شبيه بالكلي الطبيعي الذي لا تحقق له في الخارج إلا في ضمن جزئياته فمتى تحقق شيء منها تحقق هو في ضمنه قليلاً كان أو كثيراً. ثم قال وهذا الجواب مما منحني به المولى سبحانه من فيضه القدسي. وفضله الأنسي. فله الحمد على ذلك. وأسأله تعالى سلوك أحسن المسالك. فقلت يا ثالث الجرجان. والعلامة الثاني. قد أشرت إلى هذا الجواب في تفسير روح المعاني. وأشرت إلى سبب استحقاقهم العذاب متزايداً وهو أن الكفر والمعاصي متزايدة القبح بالاستمرار عليها ويرشد إلى ذلك أن الإصرار على الصغيرة كبيرة وأن ذم الناس من يتكرر منه القبيح أشد من ذمهم من يقع منه مرة واحدة واستقباحهم وقوع القبيح منه ثاني مرة أقوى من استقباحهم وقوعه أول مرة ونقلت جواباً آخر عن السؤال لكني أشرت إلى ما فيه وهو أن المراد بالعذاب ما يعذب به وزيادته إنما هي لحفظ الأصل الذي كان لأهل النار أول الأمر فإنه لولا الزيادة لألغوا ما أصابهم ولم يتألموا به الألم الذي يستحقونه. ثم أني أقول الآن. والله تعالى المستعان. يحتمل أن تكون زيادة العذاب بتكراره واستمراره لا بزيادة شدته فالكلام إشارة إلى الخلود على أبلغ وجه وعليه فلا سؤال. ولا قيل ولا قال. فليتدبر. وقال بعض الأجلة الآية لا تقتضي وقوع الزيادة لأن المراد إن زدناكم شيئاً فلن نزيدكم إلا عذاباً وأظن أن السوق لا يساعده فليتأمل.
) ومنها (ما جرى في قوله تعالى) إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (وذلك أنه نقل ما قاله العلامة التحرير. الفاسي الصغير. فيما له من التعليقات. على كتاب دلائل الخيرات.) ما نصه (:
فإن قيل نحن أمرنا بالصلوة على النبي صلى الله عليه وسلم فلم لا نصلي عليه بل نطلب من الله تعالى الصلوة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم. قلت قد أجاب بعض الحنفية عن هذا السؤال بأننا لما رأينا في أنفسنا نقصاناً طلبنا الصلوة من حضرة ذي الجلال. لتكون على وجه الكمال. انتهى. ثم قال قد اعترضت هذا المقال) بما نصه (. هذا السؤال ساقط عن أصل. ولا بحث في جوابه بفصل ووصل. لأن الصلوة أما بمعنى الدعاء أو طلب الرحمة والبركة على اختلاف الأقوال. فمن قال اللهم صلى عليه فقد أدى المأمور به بأبلغ ما كان لإفادة الصلوة من المولى سبحانه ومن العبد على أنه ليس في الأمر ما يدل على أن نقول نصلي مثلاً كما اتفقوا على أن من قال الحمد لله فقد حمد الله تعالى لأن الحمد هو الثناء وإثبات الثناء له تعالى أيضاً ثناء ولو أمرنا بشيء بعينه من عند الشارع لزم لنا الامتثال بنصه بلا مانع انتهى. فقلت يا مولانا الكلام في هذا المقام طويل. وعالم فاس لم يأت منه إلا بالقليل. ومع ذا فهو وإن جل. قد اختصر المقال وأخل. وقبل أن أتم المرام. جاء بعض الوزراء الفخام. فانقطع البحث. ولم يصدر مني سمين ولا غث. فإن أردت أن يكون لك نوع بصيرة في هذا المقام. فاسمع ما نتلوه عليك من الكلام. وهو بعض مما ذكرناه في تفسيرنا روح المعاني. في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني. فأقول آخذاً له. من كلام الأجلة ممن لا ينكر أحد فضله. ظاهر سوق الآية أعني قوله تعالى) يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (إنه لا يجاب اقتدائنا به تعالى فيناسب اتحاد المعنى مع اتحاد اللفظ وقراءة ابن مسعود صلوا عليه كما صلى عليه. وكذا قراءة الحس فصلوا عليه أظهر فيما ذكر فيبعد تفسير صلوا عليه يقولوا اللهم صلي على النبي أو نحوه ومن فسره بذلك أراد أن المراد بالتعظيم المأمور به ما يكون بهذا اللفظ ونحوه مما يدل على طلب التعظيم لشأنه عليه الصلوة والسلام من الله عز وجل لقصور وسع المؤمنين عن أداء حقه صلى الله تعالى عليه وسلم وما جاء في الأخبار إرشاد إلى كيفية ذلك وصفة لا أنه تفسير للفظ صلوا وجاء ذلك على عدة أوجه والجميع ظاهر أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والإمام أحمد وعبد بن حيد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن مردويه عن كعب بن عجعرة رضي الله تعالى عنه قال قال رجل يا رسول الله أما السلام عليك فقد علمنا فكيف الصلوة عليك قال قل اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وأخرج الإمامان مالك وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا يا رسول الله كيف تصلي عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم الحديث وأخرج الإمام أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن أبي سعيد الحذري قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك قد علمنا فكيف الصلوة عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم الحديث. وأخرج النسائي وغيره عن أبي هريرة أنهم سألوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد الحديث. وفي آخره والسلام كما قد علمتم إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة. والظاهر من السؤال أنه سؤال عن الصفة كما أشرنا إليه قبل وهو الذي رجحه الباجي وغيره وجزم به القرطبي. وقيل إنه سؤال عن معنى الصلاة وبأي لفظ تؤدى والحامل لهم على السؤال على هذا أن السلام لما ورد في التشهد بلفظ مخصوص فهموا أن الصلوة أيضاً تقع بلفظ مخصوص ولم يفروا إلى القياس ليتيسر الوقوف على النص سيما والإذكار يراعى فيها اللفظ ما أمكن فوقع الأمر كما فهموه فإنه عليه الصلوة والسلام لم يقل كالسلام بل علمهم صفة أخرى كذا قيل. ويقال على الأول أنهم لما سمعوا الأمر بالصلاة بعد سماع أن الله وملائكته يصلون عليه عليه الصلوة والسلام وفهموا أن الصلوة منه عز وجل. من ملائكته نوع من التعظيم. لائق بشأن ذلك النبي الكريم. عليه من الله تعالى أفضل الصلوة وأكمل التسليم. لم يدروا ما اللائق منهم من كيفيات تعظيم ذلك الجناب. وسيد ذوي الألباب. صلى الله تعالى عليه وسلم
صلاة وسلاماً يستغرقان الحساب. فسألوا عن كيفية ذلك التعظيم. فأرشدهم عليه الصلوة والسلام إلى ما علم أنه أولى أنواعه وهو بهم رؤوف رحيم. فقال لهم قولوا اللهم صل الخ. وفيه إيماء إلى إنكم عاجزون عن التعظيم اللائق بي فاطلبوه من الله عز وجل لي ومن هنا يعلم أن الآتي بما أمر به من طلب الصلوة له صلى الله تعالى عليه وسلم من الله عز وجل آتٍ بأعظم أنواع التعظيم لتضمنه الإقرار بالعجز عن التعظيم اللائق) والعجز عن درك الإدراك إدراك (ويقرب في الجملة. لما ذكرنا قول بعض الأجلة. ونقله أبو اليمن ابن عساكر وحسنه لما أمرنا الله تعالى بالصلاة على نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم لم نبلغ معرفة فضلها ولم ندرك حقيقة مراد الله تعالى فيه فأحلنا ذلك إلى الله عز وجل فقلنا اللهم صل أنت على رسولك لأنك أعلم بما يليق به وبما أردته له صلى الله تعالى وسلم انتهى.
ولعل ما ذكرناه ألطف منه ومقتضى ظاهر إرشاده صلى الله تعالى عليه وسلم إياهم إلى طلب الصلاة عليه من الله تعالى أنه لا يحصل امتثال الأمر إلا بما فيه طلب ذلك منه عز وجل ويكفي اللهم صل على محمد لأنه الذي اتفقت عليه الروايات في بيان الكيفية وكان خصوصية الإنشاء لفظاً ومعنى غير لازمة ولذا قال بعض من أوجبها في الصلاة أنه كما يكفي اللهم صل على محمد يكفي صلى الله على محمد على الأصح بخلاف الصلوة على رسول الله فإنه لا يجزي اتفاقاً لأنه ليس فيه إسناد الصلوة إلى الله تعالى فليس في معنى الوارد. وفي تحفة ابن حجر يكفي الصلوة على محمد أن نوى بها الدعاء فيما يظهر وقال النيسابوري لا يكفي صليت على محمد لأن مرتبة العبد تقصر عن ذلك بل يسأل ربه سبحانه أن يصلي عليه عليه الصلوة والسلام) وح (فالمصلي عليه حقيقة هو الله تعالى وتسمية العبد مصلياً مجاز عن سؤال الصلاة فتأمله. وذكروا أن الإتيان بصيغة الطلب أفضل من الإتيان بصيغة الخبر) وأجيب (عن إطباق المحدثين على الإتيان بها بأنه مما أمرنا به من تحديث الناس بما يعرفون إذ كتب الحديث يجتمع عند قراءتها كثير من العوام فخيف أن يفهموا من صيغة الطلب أن الصلوة منه تعالى لم توجد بعد وإلا لما طلبنا حصولها منه تعالى له عليه الصلوة والسلام فأتى بصيغة يتبادر إلى إفهامهم منها الحصول وهي مع إبعادها إياهم من هذه الورطة متضمنة للطلب الذي أمرنا به انتهى. ولا يخفى ضعفه فالأولى أن يقال أن ذلك لأن تصليتهم في الأغلب أثناء الكلام الخبري نحو قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كذا وفعل صلى الله تعالى عليه وسلم كذا فأحبوا أن لا يكثر الفصل وأن لا يكون الكلام على أسلوبين لما في ذلك من الخروج عن الجادة المعروفة إذ قلما تجد في الفصيح توسط جملة دعائية إلا وهي خبرية لفظاً مع احتمال تشوش ذهن السامع وبطء فهمه وحسن الإفهام مما تحسن مراعاته فتدبر. والظاهر أنه لا يحصل الامتثال باللهم عظم محمداً التعظيم اللائق به ونحوه مما ليس فيه مشتق من الصلوة كصل وصلى فإنا لم نسمع أحداً عد قائل ذلك مصلياً عليه صلى الله عليه وسلم وذلك في غاية الظهور إذا كان قولوا صل على محمد في الأخبار تفسير لقوله تعالى صلوا عليه انتهى. إذا علمت ذلك تمكنت من تقرير السؤال هكذا إنا أمرنا بالصلوة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم وهي أما بمعنى التعظيم والدعاء بخير أو العطف أو نحو ذلك مما لا يتعين معه طلبنا إياها من الله عز وجل فلم يعين فيها كما دلت الأخبار الصحيحة. والآثار الصحيحة. الطلب لفظاً أو معنى كما في الجملة الخبرية التي قصد بها الطلب والإنشاء ولم يكف التعظيم بفعل أو قول لم يتضمن ذلك وكذا لم يكف ما يدل على العطف بنوع من أنواع الدلالة ولا ما يدل على الدعاء بخيرٍ ما من الخيور وعلى هذا لا يصادف كلام شيخ الإسلام المحز بل يحتاج إلى الجواب الذي نقل عن بعض الحنفية أو نحوه مما تضمنه كلامنا السابق. كما لا يخفى على من ألف النظر في الحقائق والدقائق. بقي أن بعض المعاصرين ناقش بغير ما أشرنا إليه في كلام شيخ الإسلام. وقد تركنا ذكر ذلك مع جوابه لذوي الإفهام والأفهام. وبحر الكلام في هذا المقام مديد. ويكفي من القلادة ما أحاط بالجيد. فتأمل ذلك. والله تعالى الهادي إلى أقوم المسالك.
) ومنها (ما جرى في قوله تعالى) من يشفع شفاعةً حسنةً يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعةً سيئةً يكن له كفل منها (فإنه حكي لييوماً ما جرى له في ذلك. وناولني ورقة كتب فيها ما قرره هنالك.) ونصه (:
) سألني (بعض النجباء. من جحاجح الأولياء. عن نكتة تغيير التعبير. في قوله تعالى عن الشبيه والنظير) من يشفع شفاعةً حسنةً (الآية. فأجبته بما كتبته أن الحسنة حظ ثابت لصاحبها ينتفع بها فلا يزول عنه أبداً وإن أذنب وأما حبط الأعمال. والعياذ بالله المتعال. فلا عبرة به لأنه مبني على انهدام الأصل فناسب فيها التعبير بالنصيب لأنه كثيراً ما يستعمل في الحظوظ الواقعة الثابتة كما يقال هذا نصيب فلان من القدر وهذا نصيب فلان الفقير من الصدقة. والسيئة ليس لها قرار بل هي عرضة للزوال ومنتظر فيها لأنها تزول بالتوبة فناسب فيها التعبير بالكفل المشتق من الكفالة اشتقاقاً كبيراً إشارة إلى أن كسب السيئة كالكفل المأخوذ فكما أن المديون إذا أدى دينه زال كفيله كذلك المسيء إذا تاب محيت عنه سيئته. واعترض عليه. بعض من اجتمعت الفضائل لديه. بأن الحسنة أيضاً تزول كما ورد في الحديث) إن الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب (فدفعته بأن هذا مخصوص بالكلام الدنيوي بقرائن ما روي لنا في الآثار من وقوع الكلام في الأمور الأخروية في المساجد كالوعظ والنصح والتذكير. وقبول غير واحد من الأماجد بلا نكير. وكثيراً ما ينجر الاجتماع على الكلام الدنيوي إلى ترتب حقوق الناس في الذمة من الغيبة والاستهزاء وغير ذلك. فهذه الحقوق تأكل الحسنات بطريق إعطائها لأرباب الحقوق كما هو في كتب العقائد. وإعطاء مال المديون لدائنه قهراً لا يوجب عدم ثبوت ملكه فيه عند الأماجد. فيكون إسناد الأكل إلى الكلام. من قبيل إسناد الحكم إلى سببه حسب المقام. هذا ما خطر بالبال. بعون الملك المتعال. والعلم لديه. والمعول عليه. تعالى الله علواً كبيراً. وأحاط بكل شيء علماً ولم يزل عليماً خبيراً. اه.
فقلت يا مولاي هذا الفرق عجيب. ولم أقف على من فرق به بين الكفل والنصيب. وعليه كان الأوفق ببلاغة القرآن وعلو رتبته أن يعبر بنصيبين بدل كفلين في قوله تعالى) يؤتكم كفلين من رحمته (فطال الكلام. وكان نصيبي آخر الأمر إن كسوت فمي من السكوت أضفي لثام.) وأقول الآن (وعلى الله تعالى التكلان. إن إثبات الفرق المذكور. أصعب من خرط القتاد. ولم أجد فيه نقلاً عن أحد من علماء اللغة الأمجاد. وقوله هذا نصيب فلان من القدر لم أسمعه عن أحد ممن غبر. وأنه لا يثبت الفرق الذي أشار إليه ولو سمع ممن جميع البشر. ونوقش في دعواه اشتقاق الكفل من الكفالة الاشتقاق الكبير. بما لا يخفى على كبير ومتوسط وصغير) واعترض (ما ذكر في إعطاء الحسنات أرباب الحقوق أعني قوله وإعطاء مال المديون الخ بأنه يشعر بأن الحسنة بعد إعطاءها لأرباب الحقوق يوم القيمة باقية على ملك صاحبها وفيه ما فيه. وأيضاً في أن إعطاء مال المديون لدائنه قهراً لا يوجب عدم ثبوت ملكه فيه بحثاً بناء على أن من الفقهاء من نص على أن للدائن أن يسرق من مال مديونه المنكر ولا بينة عليه بقدر ماله عليه وجنسه ويحل تصرفه به كما شاء بل صرح بعض الشافعية بحل سرقة غير الجنس وأخذه خفية من غير رضاه) نعم (قالوا أنه إذا أخذ جارية المديون من غير رضىً لا يحل له وطؤها) وأجاب بعضهم (بأن مراد حضرة شيخ الإسلام أن ذلك لا يوجب عدم ثبوت ملك المديون في ذلك المعطى قبل الإعطاء وهو كما ترى هذا) وقد اختلف المفسرون (في توجيه نكتة تغييراً لتعبير فقيل غير للتفنن بناء على أن أكثر اللغويين لا يفرقون بين الكفل والنصيب. وهو طريق مهيع لفصحاء العرب كما يشهد به السمع. وكون التعليل به عكاز أعمى عند البصير في حيز المنع. وقيل أن النصيب يشمل الزيادة. والكفل هو المثل المساوي فاختيار النصيب أولاً لأن جزاء الحسنة يضاعف. والكفل ثانياً لأن من جاء بالسيئة لا يجزى إلا مثلها. ففي الآية إشارة إلى لطف الله تعالى بعباده) واعترض (بأنه يخدش ما ذكر من الفرق التعبير بالكفل في قوله تعالى) كفلين من رحمته (فأن الأوفق بالترغيب نظراً إلى ذلك نصيبين) وأجيب (بأن المساواة بين كل كفل وكفل لا بين ذلك وما كان هو جزاء له ومترتباً عليه بل ذلك باقٍ على احتمال الزيادة. أو يقال أن الثنية أغنت عما يشمل الزيادة لا سيما على القول بأنها كالثنية في لبيك وسعديك فارجع البصر كرتين فتأمل) وقيل (أن الكفل وإن كان بمعنى النصيب إلا أنه غلب في الشر وندر في غيره كقوله تعالى) يؤتكم كفلين من رحمته (فلذا خص بالسيئة وتضمن ذلك التطرية وترك التكرار أيضاً) وفي مفردات الراغب (الكفل الحظ الذي فيه الكفاية كأنه يكفل بأمره والكفل الكفيل قال تعالى) يؤتكم كفلين من رحمته (وأما قوله) ومن يشفع شفاعةً سيئةً (الآية فإن الكفل ههنا ليس بمعنى الأول بل هو مستعار من الكفل وهو الشيء الردئ واشتقاقه من الكفل وهو أن الكفل لما كان مركباً ينوء براكبه صار متعارفاً في كل شدة كالسيساء وهو العظم الناتئ في ظهر الحمار فيقال لأحملنك على الكفل وعلى السيساء ولأركبنك الحسري الردايا. وقيل الكفل الكفيل ومنه) إن من تحرى شراً فإن من له كفيلاً يسلمه (كما قيل) من ظلم فقد أقام كفيلاً بظلمه (تنبيهاً أنه لا يمكنه التخلص من عقوبته انتهى. فتمسك بما به. والله تعالى أعلم بأسرار كتابه.
) ومنها (ما جرى في خبر) ما خير صلى الله تعالى عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لك يكن إثماً (وهو أن ظاهره أنه عليه الصلوة والسلام قد يخيره الله تعالى بين أمرين أحدهما إثم وذلك مما لا يكاد يتصور منه عز وجل. وذكر حفظه الله تعالى أنه كتب في جواب ذلك ما كتب. بعد أن سأل عنه غير واحد فما أتى بشيءٍ من علماء الروم والعرب.
فقلت يا مولاي لا يتعين كون المخير له عليه الصلوة والسلام هو الله عز وجل بل يجوز أن يكون المخير من العباد. وحينئذٍ لا إشكال ولا فساد. وذلك المخير يجوز أن يكون مؤمناً غير مطلع على الإثمية ويجوز أن يكون كافراً غير مطلع عليها أو مطلقاً غير مؤمن بها. وقد يدفع الإشكال. على تقدير كون المخير هو الله الملك المتعال. بأن يجعل يكن بمعنى يصير. وجوز بعض أجلة المعاصرين إبقاء يكن على المعنى المشهور ما لم يكن فيما مضى إثماً أما في شريعة من الشرائع السالفة أو في شريعته عليه الصلوة والسلام ويلزم عليه أن لا يختار عليه الصلوة والسلام النسخ إلى أسهل أصلاً مع أن الأغلب النسخ إليه. بل اختلف في النسخ إلى أثقل. والجمهور على جوانبه بل قووعه كنسخ التخيير بين صوم رمضان والفدية بتعيين الصوم قال تعالى) وعلى الذين يطيقونه فدية (الآية وقال تعالى نسخاً لذلك) ومن شهد منكم الشهر (الخ وكنسخ وجوب الكف عن الكفار الثابت بقوله تعالى) واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلا (بإيجاب القتال الثابت بآيات كثيرة ولا شك في أنه أثقل. وقال بعض المعتزلة لا يجوز إذ لا مصلحة في الانتقال من سهل إلى عسر. ومنع بأنا لا نسلم ذلك بعد تسليم رعاية المصلحة. ولقائل أن يقول أنه لا يلزم من أغلبية النسخ إلى الأسهل أن يكون بعد التخيير والاختيار. لجواز أن يكون قد وقع ابتداءً من الفاعل المختار. فتدبر وقيل إن ما لم يكن إثماً قيد الجميع ما قبله فيكون مفهوم المخالفة أنه إذا كان إثماً لا يختار وهو كما ترى. وقيل غير ذلك فليتأمل.
) ومنها (ما جرى فيما نقله لي من اعتراض الجلال الدواني. على قول الإمام الرافعي وهو الشافعي الثاني) المتوضي إذا نوى رفع غير حدثه إن ناسياً صحت نيته وإن عامداً لم تصح (وحاصله إن هذه النية من التصور المحال بالوصف لا من تصور المجال بالإضافة فليسن هذا من الفرضيات التي يذكرها الفقهاء لأن كلاً منها أمر محكم وإن كان الواقع خلافه.
) فقلت (يا مولاي كأن الجلال على جلالته. وكونه شافعياً في ديانته. لم يصب في فهم كلام الإمام الرافعي. ولم يع مراده ولو تأمل لكان يعي. وكأنه توهم أن المراد بغير الحدث الذي نوى المتوضي رفعه بالطهارة ونية رفعها بالوضوء المشروع لرفع ضدها كالجمع بين الضدين. وهذا نهاية ما يخطر لي في توجيه جعله ذلك من التصور المحال. وأنت تعلم أن الظاهر عليه أن يقال) إذا نوى المتوضي رفع طهارته (فإنه أخصر وأظهر في ذلك المراد. فقال فما تقول أنت في مراده. فقلت إن حدث المتوضي قد يكون من خروج ريح وقد يكون من خروج بول. إلى غير ذلك مما يغني العلم به عن تكثير القول. فيمكن أن يكون مراده) إن من كان حدثه من خروج بول مثلاً إذا نوى رفع الحدث من غيره فإن كان ناسياً صحت نيته وإن كان عامداً لا تصح لظهور تلاعبه (ولا محالية في النية على الوجهين كما لا يخفى. وعليه فلا إشكال. ولا قيل ولا قال. وكان في ذلك المجلس العلي. وكيل الدرس مصطفى أفندي الودين لي. فأنصق ووافق وقرر ما قررته تركيا وطابق. فقال المولى وأنا أيضاً لم أرتض اعتراض الجلال. ودفعته على غير هذا المنوال) وحاصله (بأنه قد تكون تلك النية. من بعض جهلة القلندرية الوجودية. فينوي أحدهم لو توضى رفع حدث زيد أو عمرو. أو بشر أو بكر. حيث أنه لا يقول بوجود الأغيار. وليس في الدار على زعمه غير الوجود المطلق ديار. ومن هنا قال قائلهم.
وتلتذان مرت على جسدي يدي
…
إلا أني في التحقيق لست سواه
وهم الذين رفعوا الاعتبارات. ثم رفعوا لذلك التكليفات) وأنت تعلم (أن هذا الدفع يقتضي أنه حمل نية رفع غير حدثه على نية رفع حدث غيره) وحينئذ (يقال لو كان المراد ذلك لعبر به لأنه الأظهر. ثم أنه لا بد أن يراد بالغير عليه من هو غير في نفس الأمر أو في عين المحجوبين في زعم ذلك القلندري المتوضي. وإلا فلا غير عنده بل هو في رأيه عين زيد مثلاً الذي نوى رفع حدثه. بل هو وكذا لحيته عين عذرته وروثه. فتأمل. ولا تغفل.
) ومنها (أنه حضر يوماً في المجلس أمين الفتوى لا زال رفيق التوفيق والتقوى. في العلانية والسر والنجوى. وكان في البين شرح العلامة القهستاني. غمره الله تعالى بلطفه الصمداني. فقلت إن هذا الفاضل. قال في قول الماتن الكامل وسننه البداية بالتسمية وبغسل يديه إلى رسغها ثلاثاً للمستيقظ. إن المستيقظ هنا بفتح القاف لا بكسرها كما قيل لدلالة الحديث على ذلك ولأن التصريح بعد الكناية لا يخلو عن شيء انتهى (. فليتغرب ذلك. وقال هو ومن حضر أنه غير ظاهر المسالك. فروجع الكتاب. وتامل الأمين في العبارة فلم يظهر الجواب. وعلم في القاموس فلم يجد فيه تعدي الاستيقاظ. وقال المسألة لغوية لا يفتي فيها مفت برأيه ولا يقضي قاض. فقلت ومع هذا في بالي أن الكرماتي صرح بأنه لازم. وهو كما لا يخفى فاضل عالم. فعرض من مقتضيات المجلس وأمره. ما طوبنا له البحث على غره.) وأقول الآن (هذه العبارة ذائعة. وبين مستعملي ذلك الكتاب شائعة. وقد كتب عليها علماء أعلام. واشتغلوا فيها بنقض وإبرام. فكتب الشيخ الطرابلسي ما نصه) المراد من الحديث الموافق إذا استيقظ أحدكم من منامه الحديث. ووجه موافقة المستيقظ بفتح القاف أنه يكون حينئذٍ مصدراً ميمياً واللام فيه للوقت فيفيد أن سنة غسل اليدين في وقت الاستيقاظ من النوم كإفادة الحديث لذلك. وقوله ولأن الخ علة آنية لمخالفة المشهور ووجه التعليل أن التصريح أي الإتيان بالاسم الصريح الظاهر بعد الضمير المسمى بالكناية الواقع في يديه ورسغيه. لا يخلو عن شيء أي عن نكتة حاملة له على العدول عن الإضمار إلى الإظهار وتلك النكتة هي إفادة الموافقة وأنها لا تكون على زعمه إلا بفتح القاف المخالف للمشهور. وهذا ما وصل إليه الفهم الموصوف بالفتور. وفي كل من الوجهين نظر إذ الموافقة للحديث حاصلة مع الموافقة للمشهور أما بجعل اللام في المستيقظ للعهد والمعهود هو الأحد المذكور في الحديث وأما بأن المراد أول زمان الاتصاف بهذه الصفة. وما ذكره علة للعدول. يجري فيما ذكرناه من غير نكول. انتهى (وكتب معاف زادة ما نصه) قوله لدلالة الحديث (يعني قوله عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده والموافقة أما باعتبار تعليق الغسل فإن الاستيقاظ في الحديث لكونه مصدراً باذا الدالة على اختصاص الحكم بزمان مدخولها وكون المستيقظ بمعنى الزمان واللام للاختصاص والمعنى اختص سنية البداية بغل اليدين بزمان الاستيقاظ وأما باعتبار العلية في الحديث من حيث التعليق بالمشتق الدال على علية المأخذ وفي المتن لكون المستيقظ على معناه المصدري واللام أجلية والمعنى سن البداية بغسل اليدين لأجل الاستيقاظ. وقوله) ولأن هذا التصريح (تعليل ثانٍ للفتح ووجهه أن ضمير يديه راجع إلى الشخص المتوضئ والمستيقظ بالكسر عبارة عن الشخص المنتبه المتوضئ. ففيه نوع تكرار. بالإظهار بعد الإضمار وبالفتح يسلم منه انتهى. وهو غاية ما يقال. في توجيه ذلك المقال. وهو أولى مما تقدم. فتأمل وافهم. وكتب غيره من كتب. وبما ذكر يحصل إن شاء الله الإرب.
) ومنها (ما جرى في عبارة للعاملي في ديباجة رسالة الحساب. حيث ناولني ورقة كتب فيها ما نصه) لما رجعت من الحجة الرابعة. بعد اقتطافي من أثمار رباعها اليانعة. ووصلت إلى ثغر الإسكندرية. وبي زناد الأن ورية. اجتمعت بصاحبي الألمعي. وصديقي اليلمعي. زهر الروض الأنسي السيد محمد الصفاقسي. كان الله تعالى له. وبلغه غاية ما أمله. فأخبرني أن بعض الأذكياء. الحاكي مني ذكاءه سناء ذكاء. أورد عليه. مختبراً ما لديه. في أول رسالة خلاصة الحساب. عند قول المؤلف عمدة الإنجاب) نحمده يا من لا يحيط بجميع نعمه عدد (أنه قاصر عن إفادة المقصود مدى المدد. لكون الواحد غير عدد عند أهل الحساب حيث أنهم عرفوه بما ساوى نصف مجموع حاشيتيه فيكون أول الأعداد عندهم اثنين. فيبقى احتمال إحاطة الواحد بلامين. فعجز عن إزالته. وألجم بمقالته. فترجى مني كيف الجواب والتجمل في الخطاب. فقلت مسعفاً لمرامه. وكاشفاً لغمامه. أن الشروع في الديباجة أول دخولٍ قبل تعلم الاصطلاح. فيلزم أن تحمل ألفاظ الدبابيج على المعاني اللغوية الفصاح. لأنها هو المتعارف المشهور. كما قرروا في المحلات المناسبة وزينوا به السطور. والواحد عدد عند أهل اللغة. وفي هذا أغنية وبلغه. على أن الواحد عدد أيضاً عند بعض المحاسبين. وإن كان مرجوحاً فاقنع بذلك وكن من الشاكرين. انتهى.) فقلت (يا واحد الإسلام. وثاني الوسادة على منصة الأحكام. لعل الأظهر الأجلى. والأعذب الأحلى. أن يقال في الجواب يعلم عدم إحاطة الواحد من عدم إحاطة العدد من باب الأولى. على أنه قد قيل لا يعقل ولا يكاد. إحاطة واحد بجميع النعم وهي ذات آحاد. وإحاطة الله تعالى بالأياء حفظه لها من جميع جهاتها. واستيلاؤه عز وجل على جزئياتها وكلياتها. وأحاطت به خطيئته الإضافة فيه جنسية. فيجوز أن يدعي في الخطيئة التعدد دون الوحدة الشخصية. وجوز أن تكون الإحاطة فيه بمعنى المنع كما في قوله تعالى) إلا أن يحاط بكم (فأحاطت الشواغل. ومنعت الموانع عن سماع ما أنا قائل. فها كلا الكلامين لديك. فعليك بالإنصاف والله عز وجل رقيب عليك.
) ومنها (ما جرى في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم) لا تنقشوا في خواتيمكم عربياً (وذلك أن حضرة السلطان. رأى منقوشاً على مهر الإيالة لبعض الوزراء بعض آي القرآن. فلم ينشرح بذلك صدراً. وقال القرآن أجل من أن ينقش في الخواتم قدراً. وأمر حضرة شيخ الإسلام. أن ينظم بيتين يكتبان على كل مهر أيالة للحكام. فاتفق أن حكى لي هذه القصة حضرة ولي النعمة. وناولني بيتاً قد نظمه في ذلك وأمرني أن أشفعه بآخر وأتمه. وهذا قوله وقولي:
إن الوزارة نعمة من نالها
…
فليشكر المولى ببسط عدالته
وليتصف بأمانة وبعفة
…
وليخدمن سلطانه بصداقته
وكان هذا المضمون. مراد ذلك السلطان الأمين المأمون. فقلت على سبيل المفاكهة يا مولاي ما ضر لو كان النقش تركياً. فقد ورد عنه عليه الصلوة والسلام) لا تنقشوا في خواتيمكم عربياً (فاستغرب ما ذكرته. وقال هذا حديث حتى الآن ما سمعته. فقلت يوجد في الإسقاط. ما لا يوجد في الأسفاط. وهذا الهدهد قال لسليمان عليه السلام بين صحبه. كما قص ذلك في الكتاب) أحطت بما لم تحط به (. فقال أين رأيته يا خاتم فضلاء آلوس. فقلت رأيته يا ابن سيد العرب في عدة كتب منها القاموس. فجيء بذاك. وأوقفت القاعدين على ما هناك. فخاضوا في التأويل. وكثر القال والقيل. فقرأت في ذلك النادي. ما ذكره الفيروزآبادي.) ونصه (:
) لا تنقشوا في خواتيمكم عربياً (أي له تنقشوا محمد رسول الله كأنه قال عليه الصلوة والسلام نبياً عربياً. يعني نفسه صلى الله تعالى عليه وسلم انتهى. فرأيت حضرة شيخ الإسلام على أعراف الرد والقبول. وكذا رأيت من حضر من رجال العلم في إسلامبول. ولا بدع أن ترددوا في القبول والرد. فإنه توجيه لا يخلو عن شيء وإن كان توجيه المجد. وذلك لأن قوله كأنه قال نبياً عربياً يعني نفسه صلى الله تعالى عليه وسلم ظاهر في أن النهي عن نقش اسمه الشريف ولكون محمد أشهر أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم يكون هو المراد فيكون المعنى لا تنقشوا في خواتيمكم اسمي أو لا تنقشوا في خواتيمكم محمداً. وقوله أولاً كابن الأثير في النهاية أي لا تنقشوا) محمد رسول الله (ظاهر في أن النهي عن نقش مجموع هذا المركب أعني لفظ محمد ولفظ رسول الله. ويقتضيه تعليل ابن الأثير النهي بأنه كان نقش خاتمه عليه الصلوة والسلام فإن ما كان باتفاق الروايات محمد رسول الله محمد سطر ورسوله فوقه سطر والله فوقهما سطر. فإن اعتبرنا ما دل عليه كلامه أخيراً أشكل بأن عمل الأمة سلفاً وخلفاً على نقش ذلك الاسم الشريف في الخواتيم. وإن اعتبرنا ما دل عليه كلامه أولاً أشكل عليه تقدير الموصوف المحذوف نبياً وكان اللازم عليه تقديره مركباً أو كلاماً أو نحوهما. وإن اعتبرنا ما دل عليه كلامه أخيراً الظاهر في النهي عن نقش الاسم الشريف وحملنا ما دل عليه كلامه أولاً من اعتبار مجموع المركب على أنه إشارة إلى اعتبار ضم رسول الله إلى الاسم الشريف ليتحقق بذلك كونه اسماً له عليه الصلوة والسلام مقصوراً هو منه جاء عليه أن هذا في غاية البعد. ويرد على الكل أن اللائق بمن مخضت له الفصاحة زبدها. ومجت في ألفاظه نحلة البلاغة شهدها. أن يقول في إفادة ذلك المراد لا تنقشوا في خواتيمكم اسمي. أو لا تنقشوا في خواتيمكم محمد رسول الله وإن حذف ما اعتبر موصوفاً أعني نبياً مما ليس عليه قربنة ظاهرة ولا تتبادر إرادته للشيوع أو اختصاص الصفة به. وأنه يبعد ذلك التقدير حديث عمر رضي الله تعالى عنه لا تنقشوا في خواتيمكم العربية. ولمزيد المناقشة في توجيه المجد قيل في التوجيه أن المراد لا تنقشوا في خواتيمكم كلاماً عربياً ويراد به الفرد الكامل أعني القرآن فكأنه قيل لا تنقشوا في خواتيمكم قرآناً. ولك أن تقدر قرآناً من أول الأمر وهو الأولى أي لا تنقشوا في خواتيمكم قرآناً عربياً. وعلة النهي خشية الامتهان. قيل ومن هنا كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كما في النهاية يكره أن ينقشوا في الخاتم القرآن وفيه ما لا يخفى ومع هذا أظنه أقرب من الأول وقيل الخبر على ظاهره وهو النهي عن نقش الكلام العربي مطلقاً في الخواتيم وكراهة نقش القرآن التي رويت عن ابن عمر لدخول ذلك في العموم إلا أنه نسخ النهي عن نقش غير القرآن بالإجماع على إباحته. ورد بأن الجمهور على أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به. وقيل نسخ بالسنة وهي تقريره عليه الصلوة والسلام من نقش خاتمه عربياً بعد اعلم به أو فعله صلى الله تعالى عليه وسلم حيث نقش خاتمه) محمد رسول الله (واعترض الشق الأول بأنا لا نسلم أن أحداً في عصره عليه الصلوة والسلام غيره نقش خاتمه عربياً. ولئن سلمنا فلا نسلم علمه به عليه الصلاة والسلام. ولئن سلمنا فلا نسلم تقريره وسكوته صلى الله تعالى عليه وسلم عن النهي. ولئن سلمنا فلعل ترك الإنكار في الحال لعلمه بأنه علم منه ذلك وبأنه لا ينفع في الحال) واعترض الشق الثاني (بما يشعر به تعليل ابن الأثير السابق من أن النهي المذكور بعدما كان منه عليه الصلوة والسلام من اتخاذ الخاتم ونقشه فهو خاص بالمخاطبين فتأمل ولا تغفل. وأنا أختار التأويل. بعد القال والقيل. بأن يراد لا تنقشوا في خواتيمكم نبياً عربياً والمعنى على هذا لا تنقشوا اسم نبي عربي يعني اسم نفسه صلى الله تعالى عليه وسلم واختار عليه الصلوة والسلام هذا الأسلوب على لا تنقشوا اسمي تذكيراً لهم بما يحضهم على امتثال نهيه. ويلتزم القول بوجود قرينة تدل على تعيين المحذوف إذ ذاك وإن لم توجد الآن أو بأن يراد لا تنقشوا في خواتيمكم قرآناً عربياً ويلتزم في القرينة ما سمعت أو أن عربياً كان إذ ذاك شائعاً شيوع قرآناً بحيث إذا أطلق يتبادر منه ذلك. وعلى هذا لا يحتاج العدول عن قرآناً إلى عربياً
إلى نكتة. وعلى ما قبله يحتاج إلها ولعلها إشعار عربياً بما لا يشعر به قرآناً فإنه صفة مدح له كما يرمز إله قوله تعالى) إنا أنزلناه قرآناً عربياً غير ذي عوج (فتأمل فلمسلك الذهن اتساع. وفضل الله تعالى قد ملأ البقاع. بقي أن في الحديث كلاماً لا حاجة بنا إلى ذكره. فلنطوه الآن على غرة.
) ومنها (ما جرى في تناقض المجد في القاموس حيث قال فيه) المرهم دواء مركب نافع للجراحات وذكر الجوهري له في رهم وهم والميم أصلية لقولهم مرهمت الجرح ولو كانت زائدة لقالوا رهمت (وقال قبل ذلك بورقات معدودة) الرهمة بالكسر المطر الضعيف إلى أن قال والمرهم كمقعد طلاء لين يطلى به الجرح مشتق من الرهمة للينة انتهى (. فلم يظهر لي في دفعه شيء. ولم آت فيه بحي ولآلئ. سوى أني أنشدت لما تحيرت:
ومن ظن ممن يلاقي الحروب
…
أن لا يصاب فقد ظن عجزاً
وقلت قد رمى بسهم مصيب. من قال من عاب عيب.
) ومنها (ما جرى في قوله في العم) ويقال هما ابنا عم لا خال وابنا خالة لا عمة (فقال شيخ الإسلام ومولى العلماء. وجه ذلك أنه لم يسمع من العرب العرباء. وكان في المجلس من صيغ من كمال. ومن صدق جده كما صدق في مدحه العم والخال. العارف الذي على وكر فتاويه وقائع مجلس الأحكام تحوم. حضرة عارف أفندي قاضي عسكر الروم. فقال وجه دعواه أنه لا يقال ابنا عمة ولا ابنا خال وابنا عم. ثم تفاوض الحديث العارفان. فاستقر رأيهما على عدم تصور وقوع ذلك في العيان.) وأنا أقول (القول بالوقوع أمر معقول. فالأولى التوجيه بعدم السماع. ثم بيان المقتضي له والداع.) وقد سألت عن ذلك (غير واحد. من الفضلاء الأماجد.) فكتب (نور الذبالة الدرية. ونور شجرة السلالة الحيدرية. ذو الخلق العطر الرندي. صبغة الله أفندي زادة إبراهيم أفندي) ما نصه بعد نقل العبارة (:
وجهه انه لما كان كون أحد ابن عم لآخر مستلزماً لكون الآخر ابن عم له وكذا كان كون أحد ابن خالة لآخر مستلزماً لكون الآخر ابن خالة له صحت الإضافة المذكورة وأغنت عن تثنية المضاف إليه بخلاف ابني الخالة والعمة فإنه لما لم يكن أحدهما مستلزماً للآخر بل وقوعه في بعض المواد كما لا يخفى تصوره لم تصح الإضافة فيهما إلى المفرد بل احتيج إلى تثنية المضاف إليه بأن يقال ابنا عمتين وابنا خالين انتهى) وكتب (الذكي اللوذعي. والفطن الألمعي. خزانة علم آبائه. وتذكرة أقدام حيدر وآبائه. ذو الخلق العطر الندي. حيدري زاده محمد أمين أفندي.) ما نصه بعد نقل عبارة القاموس السابقة (قيل سبب حة إطلاق القولين الأولين دون الأخيرين مجرد الاستعمال وعدمه وهذا لا يسمن ولا يغني من جوع. وقيل تحققهما دونهما. وفيه أنه لا فرق بينهما في التحقق والوقوع بل لا بد عند التحقق من تحقق الأخيرين كليهما جميعاً في صورة واحدة ولا يمكن انفكاك كون الابنين ابني خال عن كونهما ابني عمة وبالعكس بلا مرية وصورة ذلك ما إذا تزوج عمرو بأخت زيد وزيد بأخت عمرو وولد لكل منهما ولد فإنه لا شبهة في أنه يصير عمرو خالاً لابن زيد وزيد خالاً لابن عمرو فيكون الولدان ابني خال وابني عمة جميعاً بغير فرية. فلعل السبب في ذلك هو أن المراد من قولهم هما ابنا عم كون كل منهما ابن عم الآخر فيكونان ابني عمين لا عم مع أنه قيل ابنا عم لكن لما كان للعمين جهة وحدة جامعة هي الأخوة مصححة لأن يجعلا عماً واحداً ويسند الولدان إليه فيقال هما ابنا عم. لم تكن للعمتين جهة وحدة وكذلك مصححة لأن تجعلا واحدة ويسندان إليها صح هناك ولم يصح هنا وكذلك لوجود تلك الجهة المصححة في الخالتين وعدم وجودهما في الخالين صح الجعل المذكور في الإسناد فيهما دونهما. ويمكن أن يكون السبب في صحة إطلاق الأولين دون الأخيرين استلزام كون أحد ابن عم أو ابن خالة لآخر كون الآخر ابن عم أو ابن خالة له وليس هذا الاستلزام موجوداً في الأخيرين لأن كون أحداً ابن خال أو ابن عمة لآخر لا يستلزم كون الآخر ابن خال أو ابن عمة له بالبداهة فلوجود الاستلزام وعدمه في الأخيرين صح إطلاقهما دونهما وهذا ما خطر لفكري الفاتر. وأرجو أن يكون مقبول كل خاطر. انتهى وما عبر عنه يتمكن هو توجيه ابن ابن ابن عم أبيه وكان قد سبقه إليه. وتوارد الخاطر. لا ينكر وقوعه بين الأذكياء الأكابر. ويمكن أن يقال في سبب ذلك أن غالب العرب في كل عصر حتى اليوم لا يميلون إلى الخال ومن هنا العامة يقولون الخال مخلي. وربما يستأنس فس ذلك بأنهم لا يستعملون مخول بمعنى كريم الأخوال إلا مع معم وكذا غالب الأخوال لا يميلون إلى أبناء أخواتهم ومن هنا تسمع العامة أيضاً يقولون اصنع لك ابن أخ تمن طين. واضرب رقبته وربما يقال اقطع منه الوتين. ولعدم الميل الطبيعي إلى الأخوال لا يعدون ابني الخالين ابني خال. أي ابني شخص واحد حكماً فلا يفردون. وهذا بخلاف العم فإنهم يميلون إليه حتى أنهم يطلقون عليه الأب ومنه قوله تعالى) وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر (بناء على ما ذهب إليه غير واحد من أن آزر كان عماً لإبراهيم عليه السلام وأن أباه الحقيقي تأرخ أخو آزر وجاء رجل معم من غير أن يضم إليه مخول ولذلك الميل يعدون ابني العمين ابني شخص واحد حكماً فيفردون ويقولون ابنا عم وهم في الميل إلى الخالة والعمة على العكس فيعدون الخالة كالأم وقد ورد في الحديث الخالة أم. وقيل في قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام ورفع أبويه على العرش (أن المراد بأبويه أبوه وخالته لأن أمه قد ماتت قبل القصة وإحياؤها غير مسلم والاستدلال عليه بهذه الآية استدلال بمحل النزاع وكذا ميل الخالة إلى ابن أختها أشد من ميل العمة إلى ابن أخيها ومن هنا قدمت الخالة على العمة في الحضانة فيقال في سبب توحيد الخالة في ابنا خالة وعدم توحيد العمة نحو ما قيل في سبب توحيد العم في ابنا عم وعدم توحيد الخال. مما سمعت آنفاً من المقال. ويمكن أن يجعل مجموع ما نقلناه وما قلناه سبباً لما ذكره صاحب القاموس. فتأمل فكم خبايا أودعها الله تعالى في زوايا النفوس.
) ومنها (ما جرى في قوله أيضاً) السرور توقيع جائز وأن التركيب فيه هل هو وصفي أو إضافي أو كلا الأمرين جائز (فإني سألت في المجلس عن ذلك. فقيل نرجع إلى أقيانوس في تحقيق ما هنالك. وقال المولى الصفي. يغلب على الظن أنه تركيب وصفي. فقلت نعم يا شيخ الإسلام. هو كذلك عند جمعٍ من العلماء الأعلام. وقد كتب على ذلك العلامة السري. شيخ مشايخنا السيد صبغة الله أفندي الحيدري) ونصه (بعد نقل العبارة التوقيع خط وعلامة للسلطان في الأحكام والمناشير يدل على أن الحكم من طرفه وهو أوقعه فقولهم) السرور توقيع جائز (كلام ذكر أولاً على ما في سمط النجوم بحضور قتيبة بن مسلم حين قال لوكيع بن الأسود ما السرور قال لواء منشور وجلوس على السرير والسلام عليك أيها الأمير. وقيل لحصين بن المنذر ما السرور قال امرأة حسناء. في دار قوراء. وفرس بالفناء. وقيل لعبد الله بن الأهتم ما السرور قال رفع الأولياء. وخط الأعداء. وقال بعضهم السرور توقيع نافذ وأمر جائز. وقيل لفتاة ما السرور قالت زوج يملأ قلبي جلالاً. وعيني جمالاً. وفنائي جمالاً. فما قيل من أن وزانه وزان قولهم كلامك سيف قاطع يعني إذا ظهر السرور في وجه من أنهى إليه الأمل أو في وجه الممدوح عند الشاد الشعر بحضوره فهو بمنزلة توقيع نافذ لحصول المقصود وإن كان من محتملات اللفظ ليس بمطابق مورده انتهى.
) وأقول (نوقش عليه الرحمة في دعوى أن ذلك المعنى غير مطابق المورد فقيل إنه إنما يتم لو كان قد أورد لبيان السرور على نحو ما أورد كلام وكيع ابن الأسود وذلك غير معلوم. وجميع ما ذكر من قول حصين بن المنذر وعبد الله بن الأهتم ومن معهما لا نسلم أنه كان بحضور الأمير قتيبة بن مسلم جواباً له والنقل السابق ليس بنص في ذلك وكذا لا نسلم أن ذلك مختصر من قول البعض) السرور توقيع نافذ وأمر جائز (نعم ذلك المعنى في نفسه بعيد والمتبادر من الكلام نحو المتبادر مما تقدم. ثم أن كلا المعنيين ظاهر في أن التركيب وصفي وجوز كونه إضافياً على معنى السرور توقيع. أمير أو ملك جائز أي معطى الجائزة أي العطية فكأن قائل ذلك شاعر أدعى لمزيد حبه الجائزة أن السرور توقيع ممدوحه من الأمراء والملوك ليعطيه أمنية الجائزة على شعره فيه. ويتصور أن يكون قائله ممن يحب الكرم وإعطاء الشعراء الجوائز.
تراه إذا ما جئته متهللاً
…
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
على أن يكون المعنى السرور هو الأمر بإعطاء الجوائز وإمضاء الأوراق في ذلك والتوقيع عليها فتأمل.
) ومنها (ما جرى في قوله أيضاً) النموذج بفتح النون مثال الشيء مقرب والأنموذج لحن انتهى (فإنه نقل أن العلامة ابن قاسم العبادي أشار في بعض تعليقاته إلى اعتراض عليه وجواب عنه) حيث قال (والفقهاء يعبرون بالأنموذج فيلزم أن يكون لحناً فتأمل انتهى. وقرر حاصل الاعتراض بأن الفقهاء يعبرون بما ادعى أنه لحن وهم أجل من أن يعبروا بما هو لحن وقرر حاصل الجواب المشار إليه بتأمل أنهم يراعون في كلامهم تفهيم العامة فلا بأس عليهم إذا استعملوا في تفهيمهم لفظاً هو لحن في نفس الأمر لكنه شائع الاستعمال فيما بينهم دون ما هو الصحيح بل يجوز أن يخفى عليهم كون اللفظ الفلاني لحناً وليس من شرط الفقيه الوقوف على الصحيح الثابت عند العرب في كل لفظ يستعملونه وجلالتهم تأبى الغلط في استخراج الأحكام لا استعمال لفظ هو لحن عند العرب لكنه شائع عند العوام وقد صح أنه عليه الصلوة والسلام عدل عن لغة قريش الفصحى التي نزل بها الكتاب. إلى لغة دونها رعاية لتفهيم من هي لغته من الأعراب. على أن كون الأنموذج لحناً مما لم يتفق عليه الأجلة فقد ذكره العلامة أحمد الفيومي في مصباحه المنير من غير تنبيه وجعل النموذج لغة فيه. فقلت يا سيدي لقد أبدعت في المقال. وهذا غاية ما يخطر بالبال.
) وكم في القاموس (ما هو من هذا القبيل. وأشياء أخر طال فيها ذيل القال والقيل. كدعواه أغلاطاً تسعة في قول الشاعر. الذي استشهد به الجوهري الماهر:
أجاعل أنت بيقوراً مسلعة
…
وسيلة لك بين الله والمطر
وقد بينها الشيخ عبد الرحمن العمادي ونقلها الفاضل المحبي. في تاريخه فقال بعد ذكر البيت وما قبله وهو:
لا در درأ ناس خاب سعيهم
…
يستمطرون لدى الأزمات بالعشر
قد لاح في هذه الألفاظ تسعة أغلاط خطرت بالبال. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.) الأول (إدخال الهمزة على غير محل الإنكار وهو جاعل والواجب إدخالها على المسلعة لأنها محل الإنكار نحو أغير الله أبغي حكما) الثاني (تقديم المسند أعني جاعل على المسند إليه أغني أنت الذي هو خلاف الأصل فلا يرتكب إلا لسبب فكان الواجب تقديم المسلعة وإدخال الهمزة عليها وترك التقديم بأن يقال أمسلعة تجعل ذريعة) الثالث (أن نرتب البيت على ما قبله يقتضي أنه فصد الالتفات من الغيبة إلى الخطاب قطعاً وأنه بعد أن حكى حالهم الشنيعة التفت إلى خطابهم ومواجهتهم بالتوبيخ حتى كأنهم حاضرون يستمعون وحينئذٍ يكون قد أخطأ في إيراد أحد اللفظين بالجميع والآخر بالإفراد ولا شك أن شرط الالتفات الاتحاد) الرابع (إن الجاعلين الذين حكي عنهم في البيت الأول هم العرب في الجاهلية فلا وجه لخصيص واحد منهم بالإنكار عليه دون البقية. لا يقال هذا الوجه داخل في الذين قبله. لأنا نقول هذا وارد مع قطع النظر عن كون الكلام أشتاتاً أو غير التفات من حيث أنه نسب أمراً إلى جماعة ثم خص واحداً منهم بالإنكار من غير التفات إلى الالتفات أصلاً.) الخامس (تنكير المسند إذ لا وجه له مع تقدم العهد حيث علم أن مراده بالجاعل هم الأناس المذكورون في البيت الأول فكان حق الكلام أن يقال أمسلعة أنتم الجاعلون.) السادس (البيقور اسم جمع كما في القاموس واسم الجمع وإن كان يذكر ويؤنث لكن قال الرضى في بحث العدد) ما محصله (أن اسم الجمع إن كان مختصاً بجمع المذكر كالرهط والنفر والقوم فإنها بمعنى الرجال فيعطى حكم المذكر في التذكير فيقال تسعة رهطٍ ولا يقال تسع رهط كما يقال تسعة رجال ولا يقال تسع رجال. وإن كان مختصاً بالمؤنث فيعطى حكم جمع الإناث نحو ثلاث مخاض لأنها بمعنى حوامل النوق وإن احتملهما كالخيل والإبل والغنم لأنها تقع على الذكور والإناث فإن نصصت على أحد المحتملين فإن الاعتبار بذلك النص انتهى (. فقد صرح بأنها إذا استعملت مراداً بها الذكور تعطى حكم الذكور. وقد نص صاحب القاموس وغيره على أنهم كانوا يعلقون السلع على الثيران فبهذا الاعتبار لا يسوغ وصف اليبقور بالمسلعة) السابع (إيراد المسلعة صفة جارية على موصوف مذكر والذي يظهر من عبارة صاحب الصحاح اسم للبقرة التي يعلق عليها السلع للاستمطار لا صفة محضة حيث قال) ومنه المسلعة الخ (ولم يقل ومنه البقرة المسلعة. وقال السيوطي في شرح شواهد المغني نقلاً عن أئمة اللغة أن المسلعة ثيران وحش علق عليها السلع وحينئذٍ فلا يجري على موصوف كما أن لفظ الركب اسم لركبان الإبل مشتق من الركوب ولم يستعمل جارياً على موصوف فلا يقال جاءني رجال ركب بل جاءني ركب) الثامن (إن المنصوص عليه في كتب اللغة أن الذرية بمعنى الوسيلة لا غير وأن الوسيلة مستعملة في التعدية بإلى فاستعمل الذريعة فيها بدون إلى مع لفظ بين مخالف لوضعها واستعمالها المنصوص عليه. وأما اللام في لك فإنها للاختصاص فلا دخل لها في التعدية كما يقال أرسل هذا الكتاب تحفة لك) التاسع (قوله بين الله والمطر لا معنى له والصواب بينك وبين الله لأجل المطر. وذلك لأنهم كانوا يشعلون النيران في السلع والعشر المعلقة على الثيران ليرحمهما الله تعالى وينزل المطر لإطفائها عنها كما تقدم في الكتاب والله تعالى أعلم انتهى) وتعقب ذلك (المحبي بقوله) أقول لا يخفى أن ما استخرجه لا يسمى أغاليط فأجل فكرك فيما هناك تصب المحز انتهى (ولعل الحمادي حمل الغلط على ما يشمل خلاف الأولى بناء على أنه في البليغ غلط فذكر ما ذكر ومع هذا لا يخلو عن بحث) وقد سئل (شيخنا علاء الدين علي أفندي الموصلي عن هذه الأغلاط فأجاب بما وافق بعضه بعض ما ذكر وبما خالف وقد ذكرنا ذلك في كتابنا الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية. فارجع إليه إن أردته. وهو أيضاً مبني على حمل الغلط على ما سمعت آنفاً. ولا يكاد يسلم وجود أغلاط تسعة في البيت والغلط بمعناه المتبادر فتأمل وانصف) ومن مشهور العيارات (التي يسأل عنها من عبارات القاموس أيضاً عبارته في الكلام على العسر والأمر فيها أسهل من الأمر في الأغلاط ولعل الرجوع إلى الأقيانوس يتكفل بحلها) وقد كتب (عليها شيخ مشايخنا العلامة السيد صبغة الله أفندي لكنه نوقش فيما كتب ولولا خوف الإطالة لذكرت
ذلك) ومما استشكل من ذلك أيضاً (قوله وكعب الحبر ويكسر ولا تقل الأحبار معروف انتهى. ووجه الإشكال ان كعب الأحبار. مما شاع وذاع وروده في الأخبار. ولا مانع من حيث الصناعة لذلك. كما لا يخفى على من سلك في هاتيك المسالك.) وأجيب (بأن ما ورد من باب التركيب الإضافي وما منعه المجد من باب التركيب الوصفي فإن الظاهر عدم جواز وصف كعب المفرد بالأحبار الجمع وإدخاله في باب نطفة أمشاج وثوب أسمال مما يأباه الذوق السليم. وتعقب بأنه ليس المقصود إلا النهي عن استعمال ما هو المشهور وليس ذلك إلا لتركيب الإضافي فيكون غلطاً وقد نبه على ذلك بعضهم أيضاً بقوله:
عوج بن عوق ثم كعب الحبر صح
…
فالغلط المشهور فيه ما نضح
ووجه كون ذاك غلطاً بأن كعب الحبر بهذا اللفظ صار كالعلم فتغييره إلى كعب الأحبار بالإضافة أو الوصف غلط إذ الأعلام لا تغير فتأمل.) ثم اعلم (أنا لو ذكرنا جميع ما هو من هذا القبيل من عبارات القاموس لطال ذكره. ولوقعنا في بحر عميق لا يدرك ولو أمعن في الغوص قعره. ويكفي ما ذكرناه في الاستطراد. فاحفظ ذلك واسأل الله تعالى من فضله الذي ليس له من نفاد.) ومنها (ما جرى من تذكر قصيدة أمن تذكر وهو أن البوصيري قال فيها مادحاً له عليه الصلوة والسلام:
لو ناسبت قدره آياته عظماً
…
أحيي اسمه حين يدعى دارس الرمم
وهو مشكل. وأمر معضل. فإن مقتضى لو وكون القرآن داخلاً في آياته صلى الله تعالى عليه وسلم أن لا يكون القرآن العظيم. مناسباً قدره عليه أفضل الصلوة وأكمل التسليم. وذلك مما لا يكاد يقال. لما أن القرآن كلام الملك المتعال. فقلت لعل المراد من الآيات غير القرآن. وتخصيص العام بالعقل مما يضيق عنه نطاق البيان. فقال هذا عكاز أعمى لا أرتضيه لك. فاسلك هديت غير هذا المسلك. فقلت لعل الإضافة في آياته للعهد والمراد ما جاء بنحو الرسل عليهم السلام. ولم يجيء أحد منهم بنحو القرآن كما جمع عليه العلماء الأعلام. وكون الجمع المضاف للعموم. ليس على إطلاقه كما هو معلوم. فقال لم تصنع شيئاً سوى أنك غيرت الكلام. إلى عبارات ذات انسجام.
فإن لم يكنها أو تكنه فإنه
…
أخوها عذته أمه بلبانها
فقلت لعل المراد نفي المناسبة عظماً باعتبار الظهور. وإعجاز القرآن خفي على بعض الناس بالنسبة إلى إحياء واحد من أهل القبور. فقال هل يخطر ببالك. غير ذلك. فقلت نعم. يا ولي النعم. لكنه يتوقف على تحقيق المراد بالقرآن. الذي لا يسوغ أن يفضل عليه النبي إنسان. أهو الكلام النفسي الذي هو من صفاته تعالى الذاتية. أم الكلام الأغلى الذي ذهب إلى أنه مخلوق كالمعتزلة لعظم الأشاعر. والماتريديه. فإن كان كالأول فالقول بأنه غير مناسب غير مناسب قطعاً. بل هو باطل بلا شبهة عقلاً وسمعاً. وإن كان الثاني فالقول بعدم مناسبة عدم المناسبة مما تتردد فيه الأذهان. لقول معظم أهل السنة أنه عليه الصلوة والسلام أفضل المخلوقات ما يكون وما كان. وحيث أن البوصيري عبر بالآيات أي المنجزات أراد بالقرآن المعنى الثاني من المعنيين. إذ الكلام النفسي ليس بمعجزة ولم يتحد به سيد الكونين. صلى الله تعالى عليه وسلم. وشرف وعظم وكرم. والظاهر أنه أشعري يقول بأن الكلام اللفظي مخلوق. ضرورة اشتماله على بداية ونهاية وسابق ومسبوق. وأنه ممن يفضل النبي عليه الصلوة والسلام على جميع المخلوقات. من مضى منهم ومن هو آت. فقد قال. وأحسن في المقال:
فمبلغ العلم فيه أنه بشر
…
وأنه خير خلق الله كلهم
فقال سلمه الله تعالى مداعباً لقد أبعدت مغزاك. وسأخبر علماء إسلامبول بذاك. فقمت إليه. ووقعت عليه. وقلت يا سيدي وحرمة القرآن. لو كان أحدهم حاضراً ما فهت بما فهت لديه. فضحك وقال مسألة القرآن طويلة الذيل. وظهر لي منه أن له إلى الجواب باعتبار الظهور غاية الميل. ثم قلت يا مولاي يحتمل أن يكون لذلك أجوبة أخر. وقبل الشروع بشيء منها حضر من حضر. فانقطع الكلام. وترك ذلك لذوي الإفهام) وأنا أقول الآن (مستعيناً بالملك المنان. قد ظفرت بنحو ما ذكرته في مختصر شرح المرزوقي للقصيدة المشار إليها) ونصه (بعد كلام في هذا البيت) قال الشارح (لم يزل الناس يعترضون هذا البيت لاقتضائه أن ليس فيما أعطيه صلى الله تعالى عليه وسلم من الآيات ما يناسب قدره لأن لو حرف امتناع لامتناع أي امتنعت الخاصة المذكورة لامتناع أن يناسب قدره العظيم شيء من آياته صلى الله تعالى عليه وسلم وهذا باطل فإن من آياته صلى الله تعالى عليه وسلم القرآن العظيم وهو كلام الله تعالى والكلام صفة وشرف الصفة بشرف الموصوف ثم قال وعنه أجوبة) وأقول (السؤال مغالطة فإن القرآن يراد به كلام الله الذي هو صفة الذات وهو المعنى القائم وهذا لم يعطه صلى الله تعالى عليه وسلم لأن الذي أعطيه معجزة والمعجزة فعل الله تعالى خارق للعادة وهو غير صفة الذات. ويراد به أيضاً الحروف الملفوظة والأصوات المسموعة وهذا هو الذي أعطيه صلى الله تعالى عليه وسلم وهو المعجزة وإطلاق القرآن على الحروف والأصوات شائع) وحينئذٍ (لا نسلم أن تكون الحروف والأصوات مناسبة لقدره عليه الصلوة والسلام انتهى بعض كلامه. ثم قال المختصر وما ذكره من كون الحروف والأصوات لا تناسب قدره صلى الله تعالى عليه وسلم قال مثله السبكي فيما قيده على القرآن قال: في قول تعالى) إن الله اصطفى آدم (إلى قوله سبحانه) العالمين () ما نصه (ألفاظ القرآن التي وقع بها الإعجاز من جملة العالم لحدوثها فنبينا عليه الصلوة والسلام أفضل منها يعني لأنه من آل إبراهيم عليه السلام قال وبهذا يتقرر قول صاحب البردة) لو ناسبت قدره آياته البيت (انتهى ما في المختصر. ووالله العظيم لم أره قبل أن أقرر في المجلس ما تحرر. والحمد لله عز وجل. على ما أنعم به علي وتفضل. ومن الأفاضل من أجاب بأن المراد من صدر البيت نفي مناسبة جميع آياته قدره عليه الصلوة والسلام. ولا يلزم من نفي مناسبة الجميع نفي مناسبة القرآن إذ مع مناسبة البعض وعدم مناسبة البعض الآخر يصدق نفي مناسبة الجميع كما يصدق من عدم مناسبة كل واحدة من الآيات.) وحاصله (أن المراد نفي العموم لا عموم النفي ولا يضر في ذلك مناسبة القرآن. ولا يرد عليه أنه مشعر بأنه لو تحققت تلك الخاصة يلزم أن تتحقق مناسبة الجميع لقدره عليه الصلوة والسلام. إذ ليس الكلام مساقاً إلا لدعوى أنه لو ناسب الجميع قدره لتحققت تلك الخاصية دون العكس. نعم في الملازمة التي ادعاها الناظم رحمه الله تعالى خفاء حيث لم يكن السؤال عن ذلك تركنا بيان ذلك للأذكيا. فتأمل وافهم. والله تعالى أعلم.
) ومنها (ما جرى في قول البوصيري أيضاً:
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي
…
فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
وذلك إن إلا مركبة من أن الشرطية ولا فيكون مآل المعنى بعد التقدير.) وإن كنت ف معادي آخذاً بيدي فقل يا زلة القدم (ولا يخفى ما فيه على خبير. وكون المآل هذا لأن لا النافية تدخل في التقدير على لم تكن فيدخل النفي على النفي فينفيه ونفي النفي إثبات. فقلت يا مولاي لا يتعين تقدير الشرط لم تكن داخلة عليه لا النافية بل يجوز تقديره تكن داخلة هي عليه فيكون هذا الشرط تكريراً للشط السابق والجواب لهما قوله فقل الخ. والمقام لا يأبى ذلك بل يقتضيه. فسكت سلمه الله تعالى ولم ينقر فيه. ثم رأيت في شرح مختصر الرزوقي) ما نصه (قال المحقق الجلال المحلي في شرح البيت إن لم تكن في معادي أي عودي يوم القيامة للجزاء آخذاً بيدي بأن تشفع في فضلاً ومنةً وإلا أي إن لم تكن كذلك. فهو بمعنى الشرط الأول تأكيد له وجوابه فقل. يخاطب من جرده من نفسه أي فقل لي يا زلة القدم وهذا يكنى به عن سوء الحال انتهى. فشكرت المولى. على ما أولى. ورأيت في مختصر ذلك الشرح توجيهاً آخر قال قوله وإلا شرط حذف فعله وجوابه لدلالة السياق والعقل عليه. أي وإن كان آخذاً فقل يا ثبوت قدمه أو يا سعادته أو يا فوزه أو ما أشبه ذلك. وبعد هذا الشرح لا يبقى لك في كلامه إشكال انتهى. وقال غير واحد إن إلاً هنا بالتنوين اسم معطوف على فضلاً مثلها في قوله تعالى) لا يرقبون فيكم إلاً ولا ذمة (ورجح بأنه أنسب بقوله:
فإن لي ذمة منه بتسميتي
…
محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
ولا أرى في ذلك من بأس. كما يراه فيه بعض الناس.) بالجملة (وقد ذكرنا لك ما ذكره علماء جلوا. فذق ذلك بفم فكرك واختر لنفسك ما يحلو.
) ومنها ما جرى (في قول الشاعر:
حلفت يميناً غير ذي مثنوية
…
يمين امرئ إلا بها غير آثم
فإني ذكرت أن جملة من الأقوام. زعموا تناقض هذا الكلام. فقال ما منشأ ما زعموه. وما الذي فهموه. فقلت يا مولاي قال بعض الناس اليمين المغايرة ليمين ذي المثنوية. هي اليمين الصادقة التي لا كذب فيها بالكلية. فإن ذا المثنوية فيما يقولون هو المنعطف عن الصواب. إلى الباطل والكذاب. فقد تضمن الشطر الأول أنه حلف يميناً لا كذب فيها. ولا مخالفة للواقع تعتريها. وقوله إلا بها غير آثم. يدل على أن تلك اليمين كاذبة. وإلى حضيض الافتراء ذاهبة. حيث إن بها متعلق بآثم. فكأنه قال يمين امرئ غير آثم إلا بها والاثم باليمين كناية عن الكذب بها. فيكون الشرط الثاني متضمناً نقيض ما تضمنه الأول. فقال هل ذكروا لذلك من جواب. فقلت نعم أجاب عن ذلك بعض الأصحاب. بأن إلا زائدة مثلها في قوله) حر أجيج لا تنفك إلا مناخة (فتوقف في قبول ذلك. ولم أسأله عن علة ما هنالك. واتفق أن أراني بعض الكتب الأدبية. فعندما فتحته وقع نظري على هذا البيت وفيه بدل إلا آلى فعلاً ماضياً. من الآلية فتعجبت من هذا الاتفاق. وانحل من الإشكال محكم النطاق.) ثم إني أقول (إن دلالة غير ذي مثنوية على الصدق إنما هو في العرف وإلا فقد قال الخفاجي في حواشي البيضاوي المثنوية كالمعنوية بمعنى الاستثناء صرح به أهل اللغة وورد في الحديث الشريف وفي كلام الفصحاء كقول النابغة) حلفت يميناً غير ذي مثنوية (ولا أعلم إلا حسن الظن بصاحبي وقال في النبراس أصل معناه الرجوع والانصراف كما في قول حمزة سيد الشهداء:
فلما التقينا لم تكن مثنوية
…
لنا غير طعن بالمثقفة السمر
المثنوية منسوبة إلى المثنى مصدر بمعنى الاستثناء وقيل بمعنى اثنين اثنين وهو كلام من لم يقف على ما ذكر انتهى. فاحفظ.
) ومنها ما جرى (في قول جرير من أبيات رائية منصوبة القافية يرثي بها عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه:
فالشمس طالعة ليست بكاسفة
…
تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
فإنه سألني عن توجيه نصب نجوم الليل بغير ما ذكره الجوهري واختاره غير واحد من علماء العربية وهو جعل نجوم مفعولاً به لكاسفة وجعل جملة تبكي عليك اعتراضية وهي في معنى التعليل لكون الشمس ليست بكاسفة. وعما على وجه ذلك الحكم من الخفاء كاشفة. فقال هل وقفت على توجيه غير هذا وجيه. فقلت بلى وأحس من هذا التطويل كله ما ذكر في لسان العرب في مادة كيف) ونصه (:
عن أبي زيد كسفت الشمس إذا اسودت بالنهار وكسفت الشمس النجوم إذا غلب ضوءها على النجوم فلم يبد منها شيء فالشمس حينئذ كاسفة النجوم يتعدى ولا يتعدى. قال جرير:
فالشمس طالعةً ليس بكاسفةٍ
…
تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
قال ومعناه أنها طالعة تبكي عليك ولم تكسف ضوء النجوم ولا القمر لأنها في طلوعها خاشعةً باكيةً لا نور لها. قال وكذلك كسف القمر إلا أن الأجود فيه أن يقال خسف القمر والعامة تقول انكسفت الشمس. قال وتقول خشعت الشمس وكسفت وخسفت بمعنى واحد. وروى الليث البيت:
الشمس كاسفة ليست بطالعةٍ
…
تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
فقال أراد ما طلع نجم وما طلع قمر ثم صرفه فصبه. وهذا كما تقول لا آتيك مطر السماء أي ما مطرت السماء وطلوع الشمس أي ما طلعت الشمس ثم صرفته فنصبته. وقال شمر سمعت ابن الأعرابي يقول) تبكي عليك نجوم الليل والقمرا (أي ما دامت النجوم والقمر. وحكي عن الكسائي مثله. وقال وقلت للفراء أنهم يقولون فيه أنه على معنى المغالبة باكيته فبكيته فالشمس تغلب النجوم بكاءً فقال إن هذا لوجه حسن. فقلت ما هذا بحسن ولا قريب منه. اه. يا شمس المعارف والعلى. وهو جعل نجوم مفعولاً به لتبكي وجعل تبكي من أفعال المغالبة نحو خصمت زيداً أي غلبته في الخصام. فالمعنى تغلب في البكاء عليك نجوم الليل والقمرا. ويتضمن ذلك الأخبار ببكاء النجوم والقمر عليه. وأظن أن صاحب الكشف اختار هذا فليتأمل. وزعم صاحب القاموس أن ما ذكر أولاً تكلف قال وقول جرير يرثي عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه:
فالشمس كاسفة ليست بطالعة
…
تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
أي كاسفة لموتك تبكي عليك أبداً. ووهم الجوهري فغير الرواية بقوله) فالشمس طالعة ليست بكاسفة (وتكلف لمعناه انتهى. ومن تتبع الكتب وقف على كثير من الرواة وافقوا الجوهري. ثم أن صاحب القاموس لم يبين وجه نصب النجوم وما عطف عليه على روايته والظاهر تعين ما ذكرناه أخيراً فيه. والله تعالى أعلم.
) ومنها (ما جرى في قول المتنبي:
أمن ازديارد في الدجا الرقباء
…
إذ حيث أنت من الظلام ضياء
قال لي ما توجيه بيت المتنبي وأنشد هذا البيت. فقلت ذكروا له عدة توجيهات أظهرها على ما قيل إن إذ ظرف لا من فيه معنى التعليل وحيث للتعليل بدل منه ومن فيه للبدل وجملة المبتدأ والخبر في موضع المضاف إليه لحيث والمعنى أمن رقباؤك أن تزوري ليلاً لأنك ضياء بدل من الضياء واستظهر بعضهم إن إذ ظرف لا من وأنت مبتدأ خبره محذوف أي موجودة والجملة في موضع الجر بإضافة حيث وهي ظرف لضياء وهو مبتدأ ومن الظلام خبره ومن للبدل أيضاً والمعنى أن من الرقباء أن تزوري ليلاً إذ ضياء كائن بدل الظلام حيث أنت موجودة أي مكان أنت موجودة فيه. أو قيل إذ ظرف لا من وضياء مبتدأ ومن الظلام صفة له قدمت عليه فأعربت حالاً منه وحيث ظرف لكائن أو ثابت أو نحوه خبر له وأنت مبتدأ خبره محذوف أي موجودة والجملة في محل الجر بإضافة حيث أي أمن الرقباء زيارتك ليلاً لما أنه ضياء كائن بدل من الظلام ثابت حيث أنت موجودة. ومما قيل عليه أن فيه جعل الحال من المبتدأ وفي صحته خلاف. وقيل حيث مبتدأ وضياء خبره ومن الظلام حال من ضياء ومن للبدل كما فيما تقدم وأنت مبتدأ خبره محذوف أي موجودة والجملة في موضع المضاف إليه لحيث أي أمن الرقباء ذلك إذ مكان أنت فيه ضياء بدل من الظلام. وفيه ما فيه مع إخراج حيث عن الظرفية وجعلها مبتدأ ولم يسمع. وقد ذهب ابن مالك إلى وقوعها اسماً لأن واستدل عليه بقوله:
إن حيث استقر من أنت راعي
…
هـ حمىً فيه عزة و
ولم يقبل ذلك منه وقالوا لا دليل له في البيت لجواز تقدير حيث خبراً وحمى اسماً. وجوز على هذا الوجه كون من الظلام بياناً لحيث المراد به نفس المكان والمراد بالظلام المكان المظلم وكونه في موضع الصفة لها أي المكان الموصوف بأنه بعض الظلام. أي بعض الأمكنة المظلمة. وهو كلام صادر عن قريحة مظلمة كما لا يخفى على ذي قريحة مضيئة. ومما يقتضي منه العجب ما قيل ضياء مبتدأ وحيث كانت خبره ومن الظلام صفة للمكان الذي يحضر فيه وحيث متعلق بضياء. وإذ متعلق بأمن هذا. ويروى إذ حيث كنت فقيل عليه ضياء مبتدأ خبره محذوف أي ضياء هناك والجملة خبر كان. وقيل كان تامة فلا تحتاج إلى خبر ومن الظلام في موضع الخبر لضياء ومن للبدل وحيث متعلق بضياء وهو أولى مما قبله) وخلاصة المعنى (أن الرقباء أمنوا زيارة هذه المحبوبة ليلاً لأن نورها ينم عليها لما أنها حيث كانت ضياء بدل الظلام أو لما أن ضاء بدل الظلام حيث كانت وحصلت. وهذا على ما قيل مأخوذ من قول علي بن جبلة:
بأبي من زارني مكتتماً
…
حذراً من كل واشٍ فزعاً
طارق ثم عليه نوره
…
كيف يخفي الليل بدراً طالعاً
ثم أن مجيء من للبدل مما ارتضاه جمهور علماء العربية نعم أنكره قوم وزعموا أن المفيد للبدلية في نحو قوله تعالى) أرضيتم بالحيوة الدنيا من الآخرة (وقوله سبحانه) جعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون (وقوله عز وجل لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً (متعلقها المحذوف وقالوا هي في جميع ذلك للابتداء. ولما ذكرت لحضرة المولى قول أنها للبدل في البيت أعجبه في إيضاح المعنى بيد أنه توقف في ورودها لذلك حتى ذكرت بعض الشواهد له. فزال عنه التوقف فيه وقبله. وبعد أن طوى بساط التوجيه. قلنا في شعر المتنبي ما قالوا فيه. ثم ذكرت أبياتاً لغيره. تحكي من وجهٍ دقيق شعره. كقول المعري:
ورائي الإمام والأمام وراء
…
إذا أنا لم يكبرني الكبراء
وقد اختلف في إيضاح معناه. ومنشأ خفائه الشطر الأول فقيل المعنى إذا أنا لم تكبرني وتجلني الكبراء ماج الناس من عظم ما يحل بهم فأنجدوا واتهموا. وأيمنوا واشأموا. واهتدوا واعرقوا. وغربوا وشرقوا. وغدوا في كل واد هياماً. وصار الأمام وراءً والوراء أماماً. وفيه رمز إلى أنه لا يبقى إذ ذاك في زوايا الخمول. بل يصول ويجول. ولا يخفى أن في إضافة وراء إلى الياء. فيها عن هذا النوع إباء. وقيل المعنى إذا لم يكبرني الكبراء. ويعظمني العظماء. اختلف الناس في الذهاب والمجيء إلي في كل حين. فصار أمامي وراء لقوم وورائي أماماً لآخرين. يسألوني السبب لذلك. أو يستفسرون رأيي في أولئك. أو كانوا عوضاً عنهم. ولم يهملوني تباً لهم. وفيه إشارة إلى أن فيه ما يكفيه. عن إجلال الكبراء ويغنيه. وإن ترك إجلالهم إياه. لا يحط عند العامة شيئاً من علاه. فليس ككثير ممن يزعم نفسه شيئاً. ويحسب أن لكماله الذاتي قد تبوأ مكاناً علياً. وإذا أجلته الكبراء رمقته بالإجلال العيون. وإذا لم تجله انحط إلى حضيض الهون. حيث أن رأس ماله الذي يتجر به بين العامة هو ذلك الإجلال. فمتى فقده صار أفلس من ابن أذل من اعتبارهم إياه بحال من الأحوال. وقيل المعنى إذا أنا لم تكبر في الكبراء استوت عندي الأضداد. ولم يتفاوت لدي ما ورائي وما أمامي من البلاد. فقوله) ورائي أمام والأمام وراء (كناية عن استواء الأضداد من الأشياء وفي ذلك رمز إلى أنه) لا يقيم على ضيم يراد به (وأنه إذا لم يجل في بلد لم يفرق بين شرق البلاد وغربه. وقيل المعنى إذا أنا لم تجلني الكبراء. ولم تعظمني العظماء. أوليهم ظهري. ولا أرى الإقبال إليهم مع إدبارهم عني لائقاً بقدري. ووجه دلالة ورائي إمام الخ على الإدبار عنهم وترك الإقبال إليهم ظاهر. وقيل أراد إذا أنا لم تجلني الكبراء فتكت فتكاً كبيراً. فجعلت الصغير من الناس كبيراً والكبير منهم صغيراً. فالمراد بالأمام والوراء من كان كبيراً مقدماً ومن كان صغيراً مؤخراً. وقيل أراد بأمامه ما يقال أو يفعل بحضوره عادة عند إرادة التعظيم. من المدح ونحوه مما يدل على التكريم. وبالوراء ما يقابل ذلك من الأشياء. يعني إذا أنا لم يجلني الكبراء كان مدحي وتعظيمي في غيبتي. وذمي سواء المعاملة في حضرتي. وفيه رمز إلى أن فيه ما لا يستطاع إنكاره أو كتمه بحال. غاية ما في البال. إنه عند عدم إجلاله يبدي في غيته ويقال. والقولان كما ترى) وكتب (الفاضل الشيخ عبد الله البيتوشي على البيت) ما نصه (علق كون وراءه أماماً وما له وراء بترك الكبراء وإجلاله وإعظامه. ولعله سمع الكبراء قول حاسديه فيه فعد ذلك ترك إكبارهم إياه فيقول إيثارهم حاسدي علي وإصاختهم إلى قولهم دين قولي جعل ورائي وهم الحساد أماماً أي أمام الكبراء وجعل أمامي أي الجهة التي يجب على الكبراء أن يتوجهوا إليها وراءً أي وراء الكبراء انتهى.
ولعمري أنه توجيه نازل مستغرب جداً من ذلك الفاضل. وقيل أراد بالوراء الموت. بالأمام الحيوة فالمنى إذا أنا لم تعرف الكبراء فضلي فموتي حياتي وحياتي موت لي. وفيه رمز إلى أنه لعظم نفسه. يختار عند ذلك الحلول في رمسه. أو إلى أنه عند ذاك. يفعل بهم ما يأخذ به إلى الهلاك. وقيل أراد بالوراء القبيح وبالأمام الحسن. والمعنى إذا أنا لم تكبرني الكبراء فيكون عندي القبيح حسناً. والحسن قبيحاً. وفيه رمز إلى أنه يتشبث بكل سبب في نكايتهم. ولا يمنعه ارتكاب القبيح عن مقابلتهم. وقيل وقيل وأكثر الأقوال أماماً ووراء.) كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء (وأقربها انسياقاً للبال. وأخلاها عن التكلف في المقال. ما تضمن إفادة الأدبار عمن لم يجله. ولم يعرف له فضله. وقد ذكرناه فيما سبق. فتأمل فيه تجده الأحق.
وكقول بعض الشعراء:
وأما عن هوى ليلى وتركي
…
زيارتها فإني لا أتوب
فإن فيه إشكالاً من حيث أن الظاهر عطف تركي زيارتها على هوى فيكون كلا الأمرين داخلاً في حيز لا أتوب فيفيد الكلام أنه لا يتوب عن هوى ليلى ولا يتوب أيضا عن ترك زيارتها. واللائق بحال العاشق أن لا يتوب عن زيارة محبوبه لا أن لا يتوب عن ترك زيارته بأن يصر على تركها فكان الظاهر ترك تركي بأن يقال وأما عن هوى ليلى وزيارتها فإني لا أتوب. واشتهر في الجواب أن الترك مراد به هنا الإبقاء أي لا أتوب عن هوى ليلى ومحبتها. ولا أتوب عن إبقاء زيارتها واستدامتها) وحاصل ذلك (أني مصر على هواها وعلى إبقائي زيارتها على ما هي عليه الآن. فلا أغير ما كان من الأمرين عما كان. وأنت تعلم أن هذا وإن لم يكن بالي. لا يخلو في ذيق الأديب عن شيء. وقال العلامة الذي ذكاه لذكاء مساوي. رئيس المدرسين عصرينا محمد أفندي الزهاوي. يجوز أن تكون الواو للقسم والقسم بترك الزيارة المر المذاق. كالقسم بالطلاق. إلا أن المراد بليت بترك الزيارة أن تبت عن هواها وذلك من قبيل:
أكلت دماً إن لم أرعك بضرة
…
بعيدة مهوى القرط طيبة النشر
وقال أيضاً يجوز أن تكون الواو للمعية على معنى لا أتوب عن هوى ليلى مع تركي زيارتها والمراد بقرينة الحال أني أترك زيارتها ولا أترك هواها. وقال أيضاً لولا الرواية لجاز أن يكون وزيارتها بالجر على البدلية من تركي والمراد بتركي هلاكي أي تركي نفسي ومفارقتها وإبدال الزيارة منه بجعلها كتسبها الهلاك. والوقوع في الإشراك. كأنها هو. ثم قال وهذا معنى بديع لا يرشد إليه إلا توفيق. وأنا أختار من أقواله وسطها وإنما نقلت لك كلامه بأسره. لتعلم منه قوة فكره وبعد غوره. وقيل يجوز أن يكون تركي معطوفاً على ليلى على معنى لا أتوب عن هوى ليلى فمرارته تحلو لدي. ولا أتركه ما دمت حياً وإن شق علي. ولا أتوب عن تركي زيارتها. حيث أن ذلك الترك يوافق إرادتها. وقد قيل:
أريد وصاله ويريد هجري
…
فأترك ما أريد لما يريد
انتهى وهو معنى في نفسه صحيح إلا أنه عن اللفظ بمعزل. وبعيد عنه بألف ألف منزل. وقيل يجوز أن يكون ذاك عطفاً بحسب المعنى فالمعطوف عليه متصيد من قوة الكلام كأنه قيل مهما يكن من شيء فتوبتي عن هوى ليلى وتركي زيارتها ما لا يكون أو نحو ذلك. وهو كما ترى. وقيل تركي مبتدأ وخبره محذوف دل عليه سياق الكلام أي متعذر ونحوه. وكثيراً ما يحذف الخبر لدلالة السياق عليه ومنه قوله:
وكل عذر من كل ذنب ولكن
…
أعوز العذر من بياض العذار
فإنه أراد وكل عذر من كل ذنب موجود أو نحوه فحذف ذلك لدلالة ولكن أعوز الخ عليه انتهى.
وهذا البيت مما كثر السؤال عنه قديماً وحديثاً وقد سئل عنه ابن بري النحوي فقال إنما يحصل الإشكال لو كانت الرواية وتركي وإنما الرواية وحبي فلا إشكال حينئذ وقال العلامة ابن الحاجب في أماليه قلت وقد قبل أن الرواية وقصدي فيزول الإشكال أيضاً. ثم قال المشهور وتركي ووجهه أن ذكر الترك لبيان ما يطلب منه فبعد أن ذكره قال فإني لا أتوب أي مما يطلب مني تركه ألا ترى أنه لو قال) وأما عن هوى ليلى وتوبتي عن زيارتها فإني لا أتوب (لكان مستقيماً على أن المعنى فإني لا أتوب مما يطلب التوبة منه لا على معنى فإني لا أتوب من توبتي فكذلك هذا إذ لا فرق بين أن يقول وتركي زيارتها وأن يقول وتوبتي من زيارتها انتهى. ما أريد نقله من كلام العلامة ابن الحاجب في أماليه. وكأني بك تختاره. وبقيت أقوال أوهن من بيت العنكبوت لا حاجة لنا بها فليأمل.
وكقول بعضهم أيضاً:
ما فيه مما يقول الناس واحدة
…
لولا الذي فيه أضحى سيد البشر
فإنه اختلف في كونه مدحاً او ذماً والأكثرون ذهبوا إلى أنه مدح وجعلوا لولا الذي فيه الخ بدلاً من واحدة أو عطف بيان أي ما فيه مما يقولون قول لولا الذي فيه أضحى سيد البشر) وحاصله (أنه ليس فيه ما يمتنع معه أن يضحي سيد البشر بل هو سيد البشر. وهو في قوة قولك ما فيه لو تنقصه فتدبر.
ثم أنه سلمه الله تعالى سأل عن قول المتنبي:
أي يومٍ سررتني بوصلٍ
…
لم ترعني ثلاثة بصدود
هل هو بنصب أي أو برفعها فقلت كلا الآمرين جائز فالنصب على أن أيا ظرف سررتني وجملة لم ترعني الخ صفة يوم والرابط محذوف أي في أي يوم سررتني بوصال لم ترعني بعده ثلاثة أيام بصدود ومراده لم تصلني يوماً إلا وأعرضت عني بعد ثلاثة أيام. والرفع على أن أياً مبتدأ وجملة سررتني صفة يوم وجملة لم ترعني الخ خبر المبتدأ والرابط في الجملتين محذوف أي أي يوم سررتني فيه بوصال لم ترعني بعده ثلاثة أيام بصدود والمراد نفي تحقيق ذلك اليوم وإثبات أن كل يوم يسره فيه بوصال يريعه بعده بصدود ثلاثة أيام وعلى هذا فمآل المعنى على الوجهين واحد. فقال يلزم التناقض على تقدير الرفع وقرر ذلك بما لم يقر في ذهني ثم قال أنا أختار النصب. فقلت على سبيل المفاكهة يا مولاي إذا اخترت أنت النصب فأنا أولى باختياره. ففطن لما عنيت وتبسم. ثم تكلم بما تكلم) ومنها (ما جرى في قوله:
من قصر الليل إذا زرتني
…
أشكو وتشكين من الطول
عدو عينيك وشانيهما
…
أصبح مشغولاً بمشغول
فإنه سأل عن معنى البيت الثاني. فقلت هو ظاهر على هذه الرواية وذكرت خلاصته وخفي على رواية) عدو شانيك وشانيهما (وذكرت غيظاً من فيض وأجلت تمام الكلام. على ما ألفه في ذلك من الرسائل العلماء الأعلام.) ومنهم (شيخنا ذو الفضل الجلي. علاء الدين علي أفندي الموصلي.) واتفق (أني قرأت البيت فرفعت مشغولاً فقال هو بالنصب دون الرفع فقلت قد روى الرفع أبو علي الفارسي واستشهد الأشموني في شرح الألفية بها على زيارة أصبح. ثم قال خطر لي على رواية عينيك معنى لطيف وهو أن المراد بعدو عينيك وشانيهما مرض الحفنين فهو مشغول بهما وهما مشغولان برشق السهام. ورمي حبات قلوب ذوي الغرام. فقلت لله تعالى دره من مرض تصح به المرضى. وتختار أن تتصف به الأصحاء وترضى. وقد وقفت على نحو عشرين رسالةً في شرح هذين البيتين. فما رأيت فيها احتمال كون المراد بالعدو مرض الجفنين. ولا بدع فكم ترك الأول للآخر. والشيء قد لا يرى وهو نصب الناظر.
) ومنها (ما بزغ من بدر التحقيق في ظلمة ليل الإشكال الداجي. وبيان المراد مما اعترض به على أبي السعود العمادي الشهاب الخفاجي. في كتابه خبايا الزوايا فيما للرجال من البقايا. حيث تعقب قوله في مطلع مرئية السلطان سليمان خان. عليه رحمة الملك المنان:
أصوت صاعقة أم نفخة الصور
…
فالأرض قد ملئت من نقر ناقور
فقال بعد نقله. إن الشطر الثاني مما لا ينبغي أن يصدر من مثله. ولم يبين سبب ذاك. وأخله إحالة على قوة الإدراك.) فأنني (سلمه الله تعالى عنه. وكان الحري بي طلب الجواب منه. لعل ذلك أنه انحط عن الشطر الأول كما يشهد به الذوق السليم. والذهن القويم. وقد أعابوا بمثل ذلك الشطر الثاني من قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
…
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فإنه دون جزلة الشطر الأول. وكذا عيب الشطر الثاني من قول الفاضل البيتوشي عليه الرحمة.
ناحت الورقاء في الدوح فناحا
…
من حشا أحشاءه الحب جراحا
إلى غير ذلك. فقال غير هذا أريد. فقلت لعله في رأي الشهاب أنه فزع أو علل جازماً. مع سبق التردد فيما فرع عليه أو علله ولا يفعل ذاك من كان حازماً. ولو جعلت أم منقطعة بمعنى بل بتقدير جعل ما بعدها جملة أو بدونه على رأي ابن مالك الزاعم أنها قد تعطف المفردات كبل لاختل من جهة اتحاد نفخة الصور. ونقر النافور. فقال غير هذا أريد. فقلت لعله إن امتلأ الأرض من نقر الناقور على تقدير أن يراد بالنقر المعنى المصاري يشعر بتعدده ووقوعه في مواضع كثيرة من الأرض وما عناه مما يكون يوم القيامة لا يتعدد كذلك بل لا يكون في الأرض وإنما يكون من إسرافيل عليه السلام في السماء. وأن أريد بالنقر الحاصل بالصدر أعني الصوت فهو مما لا يحسن أن يقال ملئت الأرض منه كما يحسن أن يقال ملئت الدنيا منه أو ملئ الجو منه ونحو ذلك مما فيه اشتمال وتخلل للصوت في أجزائه فكان عليه أن يبدل الأرض بالدنيا أو بالجو أو بما يشبه ذلك. فقال غير هذا أريد. فقلت لعله أن تنكير نافور. يشعر بأنه أراد به غير الصور. ولا يدل نقر ذلك ولا امتلاء الأرض من نقره. على عظم الأمر إذ قد يكون لحادث سرور. أو لأمر آخر من الأمور. فقال غير هذا أريد. فقلت ليس عندي على ما عرضته مزيد. وأن ذهني بأوحال الهموم مغمور. فلا يكاد يأتي بغير ذلك إلى أن ينقر في الناقور. أو يلد البغل العاقور الباقور. فقال لقد جاوز الشهاب في أبعاد المرمى الجوزاء. وأسر عفا الله تعالى عنه حسواً بارتقاء. وذلك أنه عنى يوم نقر الناقور. يوم عسير على الكافرين غير يسير. وأن أبا السعود أشار في البيت إلى هول يوم موت ذلك السلطان. ومزيد ما عرا الناس فيه من الحيرة والأحزان. ويتضمن ذلك نسبة الكفر إلى الخليقة. إذ لا يعسر ذلك اليوم إلا على الكافرين في الحقيقة. ولا أقل من أنه يتضمن نسبة ذلك إلى سكنة القسطنطينية. ولا يليق بشيخ الإسلام أن يلوث بالكفر من ارتدى بالشريعة الحنيفية المحمدية. وجعل مقصود الشهاب من هذا الكلام. التهكم بأهالي إسلامبول وشيخ الإسلام. فقلت يا مولانا هذا من أين يعلم. فقال من الوقوف على سوء معاملته مع أولئك الأهالي وشيخهم الأعظم. وإذا تصفحت كتبه ترى أنه قد أشم أنوفهم من ريحانته عطر منشم. وتركت ما يتعلق بالجواب. وتعلقت بأسباب نصرة الشهاب. فقلت يا مولاي إنه لم يشم أنوفهم ذلك العطر. إلا بعد أن أذاقوه من سوء معاملتهم كل مر. حتى أنهم أحطوا قدره. وكادوا يخمدون ذكره. وقد رأيت فيما ينسب إليه. رحمة الله تعالى عليه. هذين البيتين:
قالوا تراك سقطت من رتب
…
أترى الزمان بمثل ذا غلطا
قلت الشياطين اللئام علوا
…
ولذا الشهاب من العلى سقطا
فقال أو ما يكفيه أنه جاء إسلامبول وكر قاضياً إلى مصر القاهرة. فقلت لا وتلك لعمري بالنسبة إلى بضايع فضله كرة خاسرة. فجاء بعض الرجال. وانقطع ما نحن فيه من المقال. هذا) واعلم (أن ليس القصد فيما ذكرناه سوى بيان مراد الشهاب. ولا يلزمنا البحث في أنه مجاب عنه أو غير مجاب. بل ذلك مفوض إليك. فتأمل في ذاك والسلام عليك.
) ومنها (ما جرى في قول البوصيري عليه الرحمة:
فكأن الغمامة استودعته
…
من أظلت من ظله الدففاء
وذلك أنه سلمه الله تعالى ذكر أنه من الأبيات المشكلة. فقلت نعم ولم أزد على ذكر اختلاف النقلة.) وأنا الآن (أنقل لك بعض ما قاله العلماء الأعيان.) فأقول (قد شرح ذلك العلامة ابن حجر. بما لا يكاد يقله ذهن بشر. وشرحه أيضاً الشيخ حسن البوريني بما زعم أنه التحقيق. وادعى الشهاب الخفاجي أنه تلزيق. وشرحه أيضاً من شرحه. وما كل من عالج مقفلاً فتحه. وهاك فيه ثلاثة أقوال. لا أظن الحق يتعداها بحال من الأحوال.) الأول (قول شيخنا العلي. علاء الدين أفندي الموصلي. قال قوله فكأن الغمامة الخ. جواب سؤال نشأ من البيت الذي قبله وهو فإذا ما ضحى الخ. كأن قائلاً يقول أين يذهب ظله وهو عليه الصلوة والسلام جسم يستتبع ظلاً في العادة. فأجاب بما هو من المقدمات الشعرية التي يقصد بها التخييل ولا تصديق فيها وإنما تذكر للقبض أو البسط. فقال كأن الغمامة التي أظلته إرهاصاً أخذت ظله يومئذ واستودعته أي جعلته وديعة عند الجيوش التي أظلت العالمين بظله فالجيوش أظلت العالمين بظله المستودع عندها من الغمامة والدففاء خبر مبتدأ محذوف هو ضمير راجع إلى من أي هي. وعلى هذا فلا قلاقة في البيت. وفي هذا البيت توجيهات غير وجيهة وهذا الوجه مثل الصبح ظاهر انتهى. فاختار غاية الرحمة كون الرواية استودعته بأبناء للفاعل وكون الضمير المنصوب للظل وكون من بميم ونون عبارة عن الجيوش أي جيوش المجاهدين وكون أظلت بالظاء المشالة مبنياً للفاعل وكون الدففاء بفائين لا بقاف وعين والكل مختلف فيه) والثاني (قول العلامة ذي الفضل الجليل الجلي. مولانا صالح أفندي الموصلي. وروي البيت هكذا:
فكأن الغمامة استودعته
…
ما أضلت من ظله الدقعاء
) ونصه (قوله أضلت بالضاد المعجمة من الإضلال أي ضيعت والدقعاء بدال مهملة فقاف فاعل أضلت والمراد بها الأرض. ولما ذكر الناظم رحمه الله تعالى إظلال الغمامة له صلى الله عليه وسلم وأنه لا ظل له أراد بيان سبب ذلك فقال كأن الغمامة السوداء استودعته الخ. أي سألته أن يودعها ما ضيعته الأرض من ظله فظله الكريم قد جعل وديعة عند الغمام فلذا لم يقل على الأرض هذا حاصل ما أراده الناظم بهذا البيت على ما ظهر لي والله سبحانه أعلم انتهى. وهو ظاهر في أن الضمير المنصوب في استودعته للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم دون الظل بل ما الواقعة مفعولاً ثانياً عبارة عنه فلا تغفل.) والثالث (قول الخفاجي بعد أن ذكر أن حسن البوريني استنبط الشطر الثاني هكذا) ما أضلت من ظله الدففاء (وبعد أن نقل ما قاله في معناه) ونصه (لم يصب فيما ذكره فإن البيت تحرف عليهم كلهم. وإنما هو هكذا:
فكأن الغمامة استودعته
…
مذ أظلت من ظله الدقعاء
بمذ الجارة وبالظاء المشالة مجهول والدقعاء بدال مهملة وقاف وعين مهملة وهي الأرض. والمعنى أن الغمامة أعطيت ظلة الشريف أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أظل الأرض. من التراب حفظته صيانة له. وهذا معنى بديع وهو مرادة بلا شبهة لأن ما ذكره تلزيق لا يرضاه من له طبيعة شعرية. وقد قلت في هذا رباعية:
ما جر لظل أحمد أذيال
…
في الأرض كرامةً كما قد قالوا
هذا عجب وكم به من عجب
…
والناس بظله جميعاً قالوا
ثم ذكر أنه أنشد ذلك لشيخ الإسلام وأظنه ابن الكمال فأعجبه وأعجب من توارده معه في قوله بالتركية:
كرجه بي سايه درار سرو روان
…
خوش كجر سايه سنده لبكي جهان
) ثم قال (ومثل هذا التحريف في هذه القصيدة ما أورده في المواهب اللدنية في قصة الغار:
أخرجوه منها وآواه غار
…
وحمته حمامة ورقاء
وكفته بنسجها عنكبوت
…
ما كفته الحمامة الحصداء
فظن الحمامة واحدة الحمام وقال الحصداء شجرة كثيرة الورق استعارها للحمامة لكثرة ريشها وليس كما توهمه. وإنما هو الجنانة بالجيم ونون مشددة أي الحافظة والجنة المراد بها الدرع أيضاً كما ذكره أهل اللغة.
وهذا كقوله في البردة:
رقابة الله أغنت عن مضاعفة
…
من الدروع وعن عال من ألاطم
ثم قال معتذراً عن الإطالة في المقال. وإنما أطلنا في هذا لأنه وقع في هذه القصيدة تحريف كثير للشراح وسببه أن أكثرهم لم يعتن بالأدب وناظمها كان ساكن الريح في عصره لم يرو عنه شعره. ومن طالع ديوانه عرف علو كعبه في هذه الصناعة انتهى كلامه. وكونه رحمه الله تعالى أكثر اطلاعاً في فن الأدب وأوفر ممارسة له من الشيخين عليهما الرحمة يأخذ بقلبي إلى اعتقاد أن الأمر كما ذكره. وقد يقال متى لم تصح روايته فالكل محتمل وإن كان قد اطلع رحمه الله تعالى على ما يثبت بها ما رواه فعليه المعول. فافهم والله تعالى أعلم.
وكثيراً ما يسأل عن قوله:
لو أريدوا في حال سبت بخير
…
كان سبتاً لديهم الأربعاء
وقد كتب عليه من كتب. وذهب في توجيهه إلى ما ذهب.) ومنهم (علامة عصره. وعلامة الفضل في مصره. صالح أفندي محضر باشي زاده. أكرمه الله تعالى بالحسنى والزيادة. كما أكرمه بالشهادة.) وقد قال (الظاهر أن مراد الناظم رحمه الله تعالى أن اليهود لو أريدوا في مشروعية السبت بخير كان سبتهم الأربعاء أي كان اليوم الذي منعوا فيه من التصرف والبيع والشراء هو الأربعاء لما اشتهر على الألسنة وورد في بعض الأحاديث وإن كان ضعيفاً من نحوسته فترك التصرف فيه أوفق بالمصلحة. وأما يوم السبت فهو يوم مبارك على ما دلت عليه الأحاديث ويؤيد ما ذكرناه قول الناظم بعد هذا البيت:
هو يوم مبارك كان للقص
…
ريف فيه من اليهود اعتداء
والله سبحانه وتعالى أعلم انتهى. ولا أقول ليس هذا مراده بل أقول إن هذا المراد لا يخلو عن شيء لما أن الملازمة في الشرطية عليه مبنية على ما اشتهر ولم يصح. وإن اعتبر مجرد الشهرة والورود مبني فقد ورد أن الله تعالى خلق النور يوم الأربعاء واشتهر في الجملة أنه ما بدى فيه أمر إلا وتم. فتأمل ذاك وافهم. ولا تستعظم. الاعتراض على الناظم. فإن الجواد قد يكبو. والصارم قد ينبو. كل واحد يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
) ومنها (ما جرى في قول بعضهم:
أو ما تراني في مجال زلة العلى
…
ملقي المديح متيماً بالمتعب
كهلال أول ليلة في مشرق
…
وكشمس آخر ساعة في مغرب
فإنه سلمه الله تعالى سألني عن معناه. فذكرت له ما قبله وارتضاه. وأفادني أنه إلى نحوه ذاهب. وذكر له قصة جرت بين جملة من بني الأدب. قال كنت في البلد الأمين. سنة الألف والمائتين والثامنة والثلاثين. فاتفق في مجلسي جماعة من الأدباء. وجملة من أفراد فحول الشعراء. فنجم نجم السؤال عن معنى قول من قال. أو ما تراني الخ. فتحيرت سيارات سماء أفكارهم النيرة. وعرض لها نحو ما يعرض مما سوى الاستقالة للخمسة المتحيرة. فقلت أنا أوضح لكم المعنى بتشطير. وأغنيكم فيما يعنيكم بمنظومه عن منثور التقرير. فصدعت مشطراً وصدحت مفسراً وقلت:
أو ما تراني في محاولة العلى
…
أطأ الثريا فوق صهوة أشهب
أمسي وأصبح في العذيب وبارق
…
ملقي المريح متيماً بالمتعب
كهلال أول ليلة في مشرق
…
سئم الخفا فبدا بأفق تغرب
أو مثل صبح جاء يخترق الدجا
…
وكشمس آخر ساعة في مغرب
ففطنوا لمعنى كلامي. وكادوا يقبلون أقدامي. اه) وحاصل ذاك (أن الشاعر فيما قال. يشبه الهلال. من حيث أنه لم يسترح خفياً في المشرق. بل جهد بحسب ما يرى في السير نحو المغرب ليشرق. وكذا يشبه الشمس في المغرب آخر ساعة من النهار. من حيث أنها لم تبق كاسفة اللون حسبما تشاهدها الأبصار. بل جهدت في سراها. لتطلع فترتفع فيبهر ضياها. والذي يغلب على المشاعر. أن هذا هو ما أراد الشاعر. وهو زهرة ربيع لا تتحمل الفرك. وخصر أهيف لا يعاب إذا رك. وكثيراً ما يستشهد بالهلال. في أمر الحل والارتحال. وما ألطف ما قيل من أبيات. هي لعمري على كثير من الطباع أبيات:
وإذا الكريم رأى الخمول نزيله
…
في بلدة فالرأي أن يتحولا
كالبدر لما أن تضأل جسد في
…
طلب الكمال فحازه متنقلا
ومثله كثير. ولعلك بذاك خبير.
) ومنها (ما جرى في مسألة سأل عنها بقوله:
أيا كعبة الأفضال لا زال فضله
…
مطاف الورى في دفع أعظم شبهة
أتعلم أرض أربع من جهاتها
…
غدت قبلة العباد من دون كعبة
وما ثم عذر أو تحرٍ ولا ولا
…
وفيها صلوة الفرض والنفل صحت
وإن علق الزواج الطلاق بكونها
…
فما الحكم شرعاً بين زوج وزوجة
أفيدوا جزيتم خير من جل بره
…
وفي حلها حارت عقول البرية
وذكر لي أنه عام ذهب إلى الحجاز سأل عن ذلك بعض علمائه الأعلام. الذين اصطادوا شوارد العلوم في المسجد الحرام. فطافوا حول كعبة الجواب. فمنهم من فتح له ومنهم من لم يفتح له الباب. فأجبته بقولي:
) أيا كعبة الأفضال لا زال فضله (
…
يجر رداء الفخر فوق المجرة
ولا برح البيت الذي شدته على
…
) مطاف الورى في دفع أعظم أشبهة (
ويا شيخ كل المسلمين وركنهم
…
ومهرعهم في حل كل عويصة
ومن منه تحقيق الحقائق حيث لا
…
سواه بهذا العصر عارف حكمة
أتيتم ورب الراقصات إلى منى
…
بنظم دعا كل القلوب فلبت
وقال لأنواع البلاغة أقبلي
…
فحثت مطايا وجاءت بسرعة
سألتم به كي تشحذوا ذهن سامع
…
وذاك لعمري هدي خير الخليقة
فقلتم على وجه التلطف بالذي
…
تريدونه بالقول من ذي روية
) أتعلم أرض أربع من جهاتها (
…
) غدت قبلة العباد من دون كعبة (
) وما ثم عذر أو تحر ولا ولا (
…
) وفيها صلوة الفرض والنفل صحت (
) وإن علق الزوج الطلاق بكونها (
…
) فما الحكم شرعاً بين زوج وزوجة (
فيا سيدي قد جبت كل تنوفة
…
وحثحثت فيها مشمعلة فكرتي
وأوغلت كي ألقي جواباً محققاً
…
وأنى لمثلي أن يفوز ببغية
وغاية ما في البال أن تلك تربة
…
لكعبتنا أنعم بها خير تربة
من الجهة السفلى فكل جهاتها
…
غدت قبلة في كل فرض وسنة
وكل طباق هكذا ذاك صادق
…
عليه بلا أمر يديب وكلفة
) فإن علق الزوج الطلاق بكونها (
…
على ما ذكرناه حكمنا بفرقة
وإن رام كوناً آخراً فليفه به
…
لنعلم منه كيف حكم القضية
وهذا جواب العبد والفكر قاصر
…
فديتك يا مولاي من طول غربة
وتحقيق نفس الأمر من حضرة غدت
…
مطافاً لأهل العلم من كل بلدة
لها الله في كل الأمور ولم تزل
…
تفوق الثريا رفعة أي رفعة
) أفيدوا جزيتم خير من جل بره (
…
وحل على راجيه أعظم منة
فتحقيق هاتيك العويصة مشكل
…
) وفي حلها حارت عقول البرية (
وعرضت ذلك عليه بطوله. فجبر قلبي لمزيد طوله بقبوله) وملخص الجواب (أن تلك الأرض ما كانت مسامتة للداخل في الكعبة من الجهة السفلى وبينها وبين الكعبة من جميع الجهات تسعون درجة وتصدق على أرض سرداب مثلاً حفر تحت الكعبة وعلى أرض آخر حفر تحته وهكذا كما تصدق على السطح الظاهر للأرض المسامتة من تلك الجهة والقبلة في الحقيقة ليست هذا البناء المعروف والبقعة المعروفة زادها الله تعالى شرفاً فقط بل ما يشتمل ذلك وجميع ما فوقه إلى العرش. وما تحته إلى الأرض السفلى. والعرش المحيط الأعلى. فهي كعمود طرفاه محدد الجهات. فمن علق الطلاق بكونها بأن قال إن كانت هذه الأرض موجودة فامرأته طالقة طلقت امرأته. وربما يقال المراد بتعليق الطلاق بكونها الحلف بالطلاق على كونها ووجودها وحينئذ يكون الحكم عدم الوقوع فيقال بدل ما ذكرناه في النظم.
فإن علق الزوج الطلاق بكونها
…
على ما ذكرنا لم يؤاخذ بفرقة
وكنت قلته فعدلت عنه لخفاء مبناه. والأمر بعد ما سمعت أولاً من أمر تلك الأرض سهل. كما لا يخفى على من له ذرة من فضل. وقد راجعت الكرة الأرضية فلاح منها أن سطح الأرض المسامتة للبيت المكرم مغمور بالبحر فلو قيل:
أيعلم ماء أربع من جهاته
…
غدا قبلة العباد من دون كعبة
صار السؤال أغرب. والجواب أعجب. هذا) واتفق (أني اجتمعت بأعجوبة الزمان. ومن يدعي المشيخة لفضلاء الإنس والجان. القائل بلسان حاله من الجرجاني ومن السكاكي. السيد عمر أفندي فيضي البياسي ثم الأنطاكي. فنقلت له ما كان. فأتاني بعد أيام بنظم في ذلك الشأن. ومنه بعد حكاية السؤال. وتصديره بما يقصر عنه المقال:
أقول نعم ذي الأرض ما تحت كعبة
…
بخط إليها مستقيم مسامت
فإن شبيه البيت كان مسامت
…
له في العلى أركان أسفل صخرة
وتلك لفرض الصلوة ونفلها
…
وليست ترى للطائفين ككعبة
إلى أن قال:
) فإن علق الزوج الطلاق بكونها (
…
فذا واقع للكون من غير شبهة
وليس له دعوى الجهالة نافع
…
لإثبات تلك الأرض بين الخليقة
إلى آخر ما نظم. مما هو مذكور في كتابنا شهي النغم. وإنما لم أنقله هنا بأسره. اكتفاء بنقلي له هناك وذكره. ولم أنقل لك ما نقلته. إلا بعد أن هذبته وصححته. وإذا رأيت الأصل في شهي النغم. بان لصحيح نظرك ما فيه من السقم. وقد أجاب أيضاً نظماً ذو الفضل البادي. الشيخ أحمد بن سليمان الأروادي. وهو نظم يحاكي نظم شيخه البباسي الأنطاكي. وذكر لي شيخ الإسلام. أنه جمع كتاباً في أجوبة هذا السؤال وغيره من أسئلة للعلماء الأعلام.
وما كل زهر ينبت الأرض طيب
…
ولا كل كحل للنواظر أثمد
ومن الله تعالى التوفيق. وبيده سبحانه أزمة التحقيق.
) ومنها (ما جرى في مسألة سأل عنها أيضاً بقوله:
يا بدر مغربه بمشرق فضله
…
في الخافقين ذكاه مثل ذكاء
كروية للأرض من طرف الحجا
…
ثبتت ببرهان لدى الحكماء
فإذا سئلت فكيف رد جوابه
…
أي المواضع أرفع الأجزاء
بين أيا رأس الحجاحج في النهى
…
لا زلت ممتطياً ذرى العلياء
وذلك أنه أنشدني في هذه الأبيات. التي هي على كثير من علماء الروم أبيات. وذكر لي أن كثيراً من العلماء نظموا ما نظموا في الجوابات. ومنهم من تعذر عليه ذلك وبالجوى بات. فقلت على سبيل الاختصار. إذ كانت كرة ذهني دائرة على محور الأكسار.
مولاي إن كروية صحت فلا
…
جزء هنالك أرفع الأجزاء
بل كلها رفعاً وخفضاً مستو
…
في نفسه يا أرفع العلماء
هذا الذي حكمت به كروية ال
…
أجسام عند القادة الحكماء
ثم أنه أراني جواباً للمعني بالسؤال. الشيخ أحمد المالكي الشنقبيطي المغربي عليه رحمة الملك المتعال. وهو قوله:
يا من تداول في الصبا تحقيقه
…
كرة الفنون تداول الأبناء
وعلى الدوام تديرها أفكاره
…
بمضارب الإصغاء والإملاء
حتى تساوت في مراكز حفظه
…
أجزاؤها المبسوطة الأضواء
أضواء علم للزمان وأهله
…
أجدى وأهدى من نجوم سماء
من كانت مثلك حكمة ألقابه
…
يسم الورى بالعي والإعياء
أني وقد ألفيت ما ألقيته
…
مما ينوء بأكثر الفطناء
ما جال في كروية فكري ولا
…
دانت مجالاً من مدى إصغائي
لكن أقول مجارياً لهواكم
…
في رده خبطاً على عشواء
أم القرى من تحتها دحي الثرى
…
فلذاك كانت أرفع الأجزاء
وكذاك أنت محدث ممن قضى
…
أعلى القضاة وأعظم الأحياء
هذا ولا رد المسائل محكم
…
إلا ابن عصمة أعرف العرفاء
ذاك الذي إن ردها بمقاله
…
فمقاله من معجز البلغاء
أوردها بفعاله فهباته
…
عنها يقصر هاطل الأنواء
إلى آخر ما قال. ونسجه على هذا المنوال. فقلت يا سيدي إن الرجل عالم منقول. لا فارس ميدان معقول. فقال غالب علماء الحجاز. ليس لهم إلى حقيقة الفلسفة مجاز. وسكت عن التقتير في ذلك الكلام. لعلمي بأن قائله أحد شيوخه الفخام.) وإني أقول الآن (وعلى الله تعالى التكلان. أنهم اختلفوا في أمر الأرض اختلافاً كثيراً والذي ذهب إليه محققو المتقدمين استعارة السطح الظاهر أي المرئي من الأرض والماء عند الحس قالوا لو كانت الأرض مقعرة في طولها أي فيما بين المشرق والمغرب لكان من الطلوع إلى نصف النهار للمغربي أكثر منه للمشرق وبالعكس ولكان طلوع الكوكب على المغربي قبل طلوعه على المشرقي إذا اتفقا في عرض المسكن. ولو كانت مقعرة في العرض أي فيما بين الجنوب والشمال لكان التوغل في الشمال يوجب اختفاء القطب والكواكب القريبة منه ولو كانت مسطحة لكان الطلوع على الجميع معاً ولو كانت كثيرة الأضلاع لكان على ساكني كل سطح منها معاً. ولو كانت اسطوانة قاعدتاها نحو القطبين كما ظن قوم لم يكن لساكني الاستدارة كوكب أبدى الظهور بل أما الجميع طالعة غاربة أو كانت كواكب تكون من كل واحد من القطبين على بعد يستره القاعدتان أبدية الخفاء والباقية طالعة غاربة ولو كانت قاعدتاها نحو الخافقين لكان الطلوع والغروب على أهلهما معاً. ولو كانت كمخروطين رأساهما نحو الخافقين لكان الطلوع والغروب على من في نصف الطول أي على من في سطح أحد المخروطين معاً. ولو كان رأساهما نحو القطبين لما كان التوغل يوجب ظهور الكواكب وارتفاع القطر ولو كانت كمخروطين قاعدتاهما نحو القطبين أو الخافقين لزم منهما ما لزم من التقعير. والتوالي بأسرها كاذبة وذلك لتساوي ما بين الطلوع إلى نصف النهار ومنه إلى الغروب للمغربي والمشرقي المتفقين في عرض المسكنين ولتقدم طلوع الكواكب وغروبها للمشرقيين على طلوعها وغروبها للمغربيين وزيادة ذلك ونقصانه بحسب بعد المسافة وقربها في مساكن متفقة العرض وازدياد ارتفاع القطب الشمالي والكواكب الشمالية وانحطاط الجنوبي الكواكب الجنوبية للواغلين في الشمال وبالعكس للواغلين في الجنوب بحسب وغولهما وتركب الاختلافين للسائرين على ما سمت بين سمتين فأن السائر على خط بين المشرق والشمال مثلاً يتقدم له الطلوع ويزداد ارتفاع القطب على ما كان عنده في الموضع الذي فارقه بقدر ما يقتضيه تباعده عنه إلى المشرق والشمال وإذا بطل كون السطح الظاهر من الأرض مقعراً أو مسطحاً وغير ذلك مما ينافي الانحداب تعين كونه محدباً على شكل الكرة لأنا نجد التفاوت في أوقات الخسوفات وفي عروض البلدان على حسب تفاوت أجزاء الدائرة وذلك لأن نسبة ما بين الابتداء والانتهاء في المسير على خط نصف النهار إلى مسافة ما بين الابتداء والانتهاء في المسير على خط الاستواء وما يوازيه كنسبة ارتفاع أو انحطاط القلب أعني فضل ما بين الارتفاعين في المسكنين إلى تقدم أو تأخر الطلوع في المسكنين فإذاً السطح الظاهر من الأرض مستدير انتهى. وحيث كان المدعي استدارة السطح الظاهر لم يتوجه القدح في هذا الدليل المقام عليه بأنه إنما يدل على استدارة الربع المسكون لا على استدارة جميع الأرض كما لا يخفى. وإذا ثبت ذلك المدعى) فاعلم (أن التضاريس التي تلزم الأرض من جهة الجبال والأغوار لا تخرجها عن أصل الاستدارة إذ لا نسبة لها محسوسة بالنسبة إليها فإن نسبة أعظم جبل على الأرض وهو ما ارتفاعه فرسخان وثلث على ما ذكره بعض المهندسين إلى الأرض كنسبة سبع عرض شعيرة إلى كرة قطرها ذراع بالتقريب. ثم أن ستر سطح مياه البحار أسافل الجبال الطالعة منها دون أعاليها المرتفعة وظهورها قليلاً قليلا للتقارب إليها على ما دل عليه إيقاد نيران بعضها أرفع من بعض على الجبال المذكورة مضافاً إلى ما مر في الأرض يدل على استدارة السطح العالي من الماء وأنه مع الأرض ككرة واحدة وذلك لأن ما يدل على استدارة سطح كل واحد منهما وحده يدل على استدارة السطح المركب من الأرض والماء فإذاً يحيط بهما سطح واحد كل الخطوط الخارجة من مركزها أما إلى سطح الماء فمتساوية تحقيقاً وأما إلى سطح الأرض تقريباً لما فيها من التضاريس وأما غير السطح العالي من الماء فنابع لمكانه الحاوي له) وبالجملة (هم اعتبروا الأرض والماء كالكرة الواحدة واستدلوا على الاستدارة بما
سمعت. ومنهم من استدل على استدارة الأرض باستدارة ظلها لما يشاهد من دائرة الظل التي يدخل فيها القمر وكون المقاطرة الموجبة للخسوف تتفق في جميع أجزاء الفلك واستلزام ذلك كون الظل من جميع النواحي بل الأرض مستديرة. وأنت تعلم أن هذا مع ما فيه لا يدل على استدارة الأرض بل على استدارة مجموع الأرض والماء لأن الظل لذلك.) ومنهم (من استدل على ذلك بأن الأرض متباعدة من جميع جوانب الفلك إلى المركز وطباعها وطباع جملة أجزائها كذلك وذلك يوجب أن تكون كرة وإلا لكان بعض أجزائها أبعد عن المركز من البعض الآخر ولزم منه الاتحاد في الماهية مع الاختلاف في الأحكام وهو محال. وفيه أن الاتحاد في الماهية ممنوع وسنده ظاهر.) ومنهم (من استدل بالبساطة وفيه ما فيه. وقدح بعض الناس في كروية الأرض بأن مركز ثقلها إن كان مركز حجمها أو قريباً منه وجب أن يكون غوصها في الماء من جميع الجوانب على السواء وكان يجب أن لا يكون شيء منها بارزاً لأن البارز هو ربع فقط والبواقي في الماء. وإن لم يكن كذلك وجب أن يكون بعض جوانبها أثقل من بعض لكن الأرض جسم بسيط فيكون جانبه الأزيد ثقلاً أزيد مقداراً فالأرض لا بد أن يكون بعض جوانبها أزيد طولاً من بعض والجانب الآخر أزيد عرضاً من الأول حتى تعتدل الجوانب في الثقل وذلك يقدح في كونها كرة وهو خطأ. لأنا لا نسلم كون الأرباع الثلاثة مغمورة في الماء. وظهور أمريقا يرد على من حصر المعمور في الربع. سلمنا ذلك لكن لم لا يجوز أن يكون التفاوت في جوانب الأرض لا يسبب التفاوت في الشكل بل بسبب التفاوت في الخاصة من كون بعضها أكثر اكتنازاً وتحجراً فكان أثقل والجانب الآخر أكثر رخاوة فكان أخف. وقدح بعض المتشرعين في كرويتها بقوله تعالى) والأرض بعد ذلك دحاها (وبقوله سبحانه) ألم نجعل الأرض مهاداً (وبقوله عز وجل والأرض فرشناها (إلى غير ذلك مما تضمن الدحو أو المهد أو الفرش. فإن كل ذلك ينافي الكروية. وفيه منح ظاهر فإن كلاً مما ذكر يجامع كروية الجسم العظيم بلا شبهة أصلاً. وقد نص على ذلك الإمام الرازي وغيره من الأجلة الذين تدور كرة كلامهم على محور التحقيق. وليس في الأحاديث الصحيحة أيضاً ما يأبى ذلك. فالإنصاف عدم التحاشي من القول باستدارة السطح الظاهر منها في الحس والجزم بكون مجموع الأرض والماء مستديراً) إذا علمت ذلك (فاعلم أنه ليس شيء من أجزائها الظاهرة أرفع من بعض وإلا لم يكن السطح الظاهر مستديراً هذا خلف. وإن اعتبر مع الأرفعية عدم الإخلال بالاستدارة الحسية قيل إن أرفع الأجزاء ذروة أرفع الجبال وهو ما أشير إليه سابقاً أو غيره مما هو أرفع منه. فقد حكي والعهدة على الحاكي أن الجغرافيين اليوم وجدوا ذلك. ثم أن الجواب بما ذكر مبني على عرف الناس من عدد الجبال من الأرض فيكون جزءها جزءها. وإلا فالكتاب المجيد والسنة الجليلة ظاهران في أن الجبال ليست من الأرض قال تعالى) ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً (إلى آيات كثيرة قوبل فيها الأرض وقال عليه الصلوة والسلام) لما خلق الله الأرض جعلت تميد فوضع عليها الجبال فاستقرت (الحديث وحكمهم بالحنث على من حلف لا يقعد على الأرض فقعد على الجبل ليس إلا لأن الإيمان مبنية على العرف والأرض فيه تعم السهل والجبل. ولكون مبنى الإيمان ذلك لم يحكموا بحنث من حلف لا يأكل لحماً فأكل سمكاً مع أن الله سبحانه وتعالى سماه في كتابه الكريم لحماً. وعلى ما دل عليه الكتاب والسنة من كون الجبال ليست من الأرض. يقال في الجواب ليس شيء من أجزاء الأرض أرفع أجزائها على تقدير كرويتها وربما يتخيل أن الأرفع الجزء المسامت لنقطة تقاطع الدائرة المارة بالأقطاب الأربعة ودائرة المعدل وهو توهم محض من المتخيل. ويرشد إلى هذا أن ذلك التقاطع في جهتين مختلفتين سمت الرأس وسمت القدم فكيف يعقل كون الجزء المسامت لتلك النقطة أرفع الأجزاء في نفس الأمر) نعم (من عند تحت تلك النقطة يرى أن كل جزء دونه وأعظم الأجزاء في هذا الجزء المسامت لنقطة التقاطع من جهة سمت قدمه. ومثله في هذه الرؤية من عند كل نقطة وعلى كل جزء من الأرض فما تحت قدم كل شخص أرفع من غيره بالنسبة إليه مع أنه تحت قدم غيره حقيقةً أو حكماً. وكثيراً ما يتفق الواقعان على طرفي خطٍ واحدٍ كما لا يخفى على العارف بالأطوال والعروض) وإذا (اعتبر هذا الأمر
النسبي صح للمجيب أن يقول أرفع الأجزاء ما تحت قدمي كما لا يخفى. ثم أنه لا ينافي تساوي أجزاء الأرض في نفسها كون الدحو من تحت جزءٍ مخصوص منها أعني أم القرى كما قال الناظم الشنقيطي أو البيت كما جاء في بعض الآثار. إذ بعد تسليم كون التحتية حقيقة وفي نفس الأمر يجوز أن يكون مبدأ دحو الأرض ذلك. ثم سويت وعدلت بحيث لم يبق فيها اختلاف مضر في كرويتها. وحينئذ لا يخفى ما في قوله) فلذاك (كانت أرفع الأجزاء. ويمنع الذهن أن يطوف حول دعوى أنها أرفع الأجزاء حساً جارها الطائف ونحوه. وكذا انتفاء لوازم ذلك العادية المتحققة في المواضع المرتفعة حساً من البرد ونحوه. وزعم بعضهم أن أرفع الأجزاء صخرة بيت المقدس وهي قطعة من الجبل كانت يوضع عليها تابوت التوراة وهي متصلة به لا منفصلة عنه ساكنة في الهواء كما هو الشائع عند العامة وروى فيه البرقي خبراً هو كالبرق الخلب) واستدل (على ذلك بقوله تعالى) يوم يسمعون الصيحة من مكان قريب (بناءً على أنها المرادة بالمكان القريب كما نطقت به بعض الآثار وأن المراد بالقرب القرب من السماء قال ولذا كان العروج منها. وكلا المبنيين في حيز المنع ودون صحة النقل نقل الصخور من الأوحال. إلى قلل الجبال. والإنصاف أن الحس يأبى ذلك وأنه لا يكاد يصيح خبر فيه. وأنه لو صح ينبغي تأويله صيانة للشريعة عن طعن الطاعنين. وقدح القادحين. وقد قالوا أن الخبر الصحيح متى صادم دليلاً قطعياً يجب تأويله. ومثله قولهم يؤل الدليل النقلي الصحيح. للدليل العقلي الصريح. ولذا أول من أول الآيات والأحاديث المتشابهة. وذكر غير واحد من علماء الحديث أن من جملة ما يستدل به على وضع الحديث كونه مصادماً لبداهةٍ أو حسٍ صحيح ولا يمكن تأويله. ومثل ما قيل في الأرفع قيل في الأخفض وهو بزعم بعض الناس أرض الأبلة. واستدل بما ذكره ابن جرير الطبري في تفسيره من أن أبعد الأرض من السماء أرض الأبلة التي هي عند بعض القرية المذكورة في قوله تعالى) حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها (وفيه أن الخبر المأمول أو موضوع. والحق أن كثيراً مما يذكره القصاص في أمر الأرض وكذا أمر السماء لا يعول عليه. ومنه بعض ما ذكره الجلال السيوطي في كتابة الهيئة السنية وهو في جمعه ذلك على جلالته كالواقدي حاطب ليل. وخابط سيل. لم يشمر عن ذيل. فلا تكسل عن طلب الحق وسلوك سننه. وعليك باستماع القول واتباع أحسنه.
) ومنها (ما جرى في قولهم) ما وراء محدد الجهات وهو الفلك الأطلس وفلك الأفلاك بلسان الفلسفة والعرش بلسان الشرع على ما يزعمه بعض الخلفيين لا خلاء ولا ملاء (وذلك أنه أورد عليه أن لو فرض ثاقب للمحدد فأما أن لا يصادف مانعاً فيخرج. وأما أن يصادف ذلك فلا يخرج وعلى الأول يلزم الخلاء وعلى الثاني يلزم الملاء. فقال سلمه الله تعالى أنهم اختاروا في الجواب الشق الأول ومنعوا لزوم الملاء بجواز كون المانع في المحدب نفسه وهو السطح الأعلى المحدد. فقلت ونحو هذا ما قيل في الاعتراض أنه لو فرض شخص عند منتهى العالم فأراد أن يمد يده مثلاً فيلزم الخلاء وأما أن لا تمتد لمانع يصادمها فيلزم الملاء. وما قيل في الجواب من اختيار عدم الامتداد والتزام أن النقد الشرط لا لوجود المانع الصادم. وأن من الناس من اعترض على قولهم ذلك بأنه يلزم عليه عجزه سبحانه وتعالى عن توسيع هذا العالم أو خلق عالم مثله مع بقائه وهو باطل. فلا بد من القول بأن وراء هذا العالم بعداً غير متناهٍ يصلح لأن يوسع العالم فيه أو يخلق عز وجل فيه ما لا يتناهى من العوالم. لكن على نحو عدم تناهي مراتب الأعداد الذي لا يأباه برهان التطبيق وغيره من البراهين المقامة على امتناع وجود ما لا يتناهى بالفعل. وهذا الخلاء من حيث الصلاحية للخلق فيه نحو الخلاء والبعد الذي خلق فيه هذا العالم) وأجيب (بأنه قد قام الدليل على امتناع الخلاء وذلك على تقدير عدم الخلاء محال. وهو لا يصلح متعلقاً للقدرة ليلزم العجز. ومثل ذلك خلق عالم فيما شغله هذا العالم بل خلق بعوضة في هذا العالم مع بقاء جميع أجزائه على حالها. فإنه أيضاً محال للزوم تداخل الجواهر المبرهن على محاليته فلا تتعلق به قدرته عز وجل. ولا يلزم من ذلك عجزه تعالى عن ذلك علواً كبيراً) والحاصل (أن ما ذكره المعترض من لزوم عجزه تعالى ممنوع. ثم قلت يا مولاي أنا بعد هذا كله لا أرى محذوراً في القول بأن وراء العالم مثل ما العالم فيه. إلا أنه خالفه في سعته وعدم تناهيه. وأدلة استحالة الخلاء. مدخولة عند محققي العلماء. بل لا يبدو وقوعه في هذا العالم إذا وضع جسم ذو سطح صقيل مستوٍ استواءً حقيقياً على آخر مثله بحيث لا يتخللهما هواء ثم رفع الفوقاني دفعةً. فإن الوسط يبقى خالياً إلى أن يصل إليه الهواء من الجوانب تدريجياً حسب ما تقتضيه الحركة. وكلما كان الجسمان المذكوران متسعين كانت مدة بقاء الخلاء أطول لطول زمن الوصول إلى الوسط. وبلغني أن بعض الطبيعيين من الفلاسفة المحدثين يخرجون الهواء من بعض الظروف كقارورة كبيرة ببعض الآلات بحيث إذا ألقوا فيه رصاصة وريشة مثلاً معاً يصلان إلى المقر في آن واحد. وهو ظاهر في الخلاء دون بقاء هواء تلطف وانتشر حتى ملأ الظرف وإلا لعاق الريشة عوقاً ما فلم يتحد آن الوصول. وإن لم يسلم شيء من ذلك كفانا إن أدلة استحالة الخلاء. أوهن من بيت عنكبوت في خلاء. ويفهم من كلام بعض الأجلة السلفيين إن الله تعالى شأنه لم يخلق العالم يوم خلقه في ذاته بأن جعل ذاته محلاً له ولا أنه سبحانه كان فيه ككون الصورة في الهيولي ولا أنه خلقه عليه جل وعلا بأن جعل نسبته إليه نسبة خيمة الملك إلى الملك. وتعالى الله أن يكون كدودة القز تبني على نفسها ما يحيط بها من القز بل كأن عز شأنه لا في مكان وخلق العالم دونه وبقي هو على ما كان فما وراء العالم لا العالم) الرحمن على العرش استوى (.) أأمنتم من في السماء (.) إليه يصعد الكلم الطيب (.) ذو المعارج تعرج الملائكة والروح إليه (فهو جل شأنه. وعز سلطانه. في جهة العلو على الوجه اللائق به مع نفي اللوازم المستحيلة عليه سبحانه وتعالى. وأدلة كونه تعالى كذلك من الآيات والأحاديث والآثار أكثر من أن تحصى. وأوفر من أن تستقصى. وفيما يجده كل أحد في نفسه من الميل الطبيعي الضروري إلى جهة العلو في الاستمداد حالتي الرغبة والرهبة شاهد قوي لذلك. حتى قيل أن الفخر الرازي لما أورد عليه ذلك الهمداني بعد أن فرغ من تقرير الأدلة العقلية على نفي الجهة قام من مجلسه وهو يقول حيرني الهمداني حيرني الهمداني. ولم يزل يقولها حتى دخل بيته. فعلى هذا يصح أن يقال ما وراء العالم لا خلاء ولا ملاء. لكن بغير المعنى الذي أراده الحكماء. ويجامع ذلك القدرة على توسعة هذا العالم وعلى خلق عوالم مثله أما عظم منه
مع بقاءه. وسبحان من ليس كمثله شيء. فافهم وتأمل. سائلاً منه تعالى العصمة عن الخطأ والخطل.
) ومنها (ما جرى في أمر نور الفجر. فأنى ذكرت له لا زال شيخ العصر. إن الفخر الرازي ادعى في تفسيره عند الكلام على قوله تعالى) فالق الإصباح (أن نور الفجر ليس من ضياء الشمس وإنما هو نور يخلقه الله تعالى ابتداءً وأنه رد ما قاله أهل الهيئة من أنه من ضيائها حين تقرب من الأفق الشرقي نحو سبع عشرة أو ثماني عشرة درجة) بما حاصله (على ما يخطر لي أنه لو كان ذلك من ضياء الشمس لزم أن يظهر بعيد نصف الليل لكل الناس وليس فليس) وبيان ذلك (أن كرة الأرض في كل وقت مستضيئ من الشمس أكثر من نصفها على ما اقتضاه برهانهم فيما إذا استضاءت كرة صغيرة من كرة كبيرة. وإن دائرة أفق كل قوم يجوز أن تكون دائرة نصف النهار لآخرين فمتى زالت الشمس عن دائرة نصف نهار قوم من جهة سمت القدم ويكون ذلك بعيد نصف ليلهم لزم بمقتضى ما قالوا من لزوم استضاءة النصف وأكثر أن يظهر الضوء من جهة الشرق ولا أقل من أن يستضيء من الأرض في تلك الجهة ما يتم به مع ما تحت الأفق النصف منها وحيث لم يكن كذلك علمنا أن الأمر في الفجر ليس على ما زعموه. فاستغرب ذلك سلمه الله تعالى جداً حيث أن كون نور الفجر من ضياء الشمس أظهر من الشمس في رابعة النهار وإنكار ذلك كإنكارها. فأحضر التفسير الكبير. فأخرجت البحث وقرأته في مجلسه الخطير. وقبل أن يتجلى نور فجره. عرضت عمائم الغوائل فطوينا البحث على غره.) وأنا أقول الآن (ليرتاح من يرتاح. مستعيناً بالله عز وجل فالق الإصباح. أنه لا يلزم من وجوب استضاءة نصف الأرض وزوال الشمس عن دائرة نصف نهار قوم. من جهة سمت القدم رؤية أولئك القوم ضوء الشمس. لأنهم لا يرون نصف الأرض وكذا لا يرون نصف ما غشاهم وخيم عليهم من ظلمة ظل الأرض وطي المنتهى إلى فلك الزهرة وإنما يرونه لو كانوا عند نقطة مركز حجم الأرض. على أنه لو فرض رؤيتهم نصف الأرض وهم على سطحها لا يلزم رؤيتهم الضوء أيضاً بناءاً على ما قيل أن كثافة الهواء المظلم في البين مانعة عنها فالضوء الذي يظهر بمقتضى ما قرره بعيد نصف الليل إنما يرى في بلد يزيد طوله على طول بلد أولئك القوم بكثير. وهذا مما لا دليل على نفيه. بل لا يبعد أن يكون واقعاً لاختلاف أوقات الفجر في البلدان حسب اختلاف الأطوال والأوضاع. ففجر البلد الشرقي. قبل فجر البلد الغربي كما أن مغرب البلد الغربي بعد مغرب البلد الشرقي. ومثل اختلاف الفجر والمغرب اختلاف الزوال ونحوه. والكل ظاهر ظهور اختلاف عدد ساعات النهار الأطول وعدد ساعات الليل الأطول في البلدان. ولحلول الشمس في البروج الشمالية والبروج الجنوبية مدخل في بعض الاختلافات. وإنكار اختلاف المطالع أظهر مكابرة من إنكار اختلاف الأصابع. وفي الحديث أن الشمس لتغرب عن قوم وتطلع على آخرين) نعم (اختلف في اعتبار ذلك الاختلاف شرعاً في نحو الصوم فذهب كثير من الحنفية مع إقرارهم بوجوده إلى عدم اعتباره. فيلزم عندهم أهل المغرب الصوم برؤية أهل المشرق هلال شهر رمضان. والحق اعتباره) والحاصل (أنه إن أراد أنه يلزم حسب ما ذكره أهل الهيئة على تقدير كون الفجر من الشمس طلوع الفجر بعيد نصف الليل في كل بلد بحيث يراه أهله فهو ممنوع. وإنما يلزم ذلك لو كان كل بلد بحيث يرى فيه نصف كرة الأرض والحال ليس كذلك. وإن أراد أنه يلزم طلوع الفجر في كل بلدٍ بعيد نصف الليل في بلد آخر فسيكون وقت واحد فجراً لقوم ونصف ليل لآخرين فهو مسلم ولا محذور في هذا اللازم بل لا يبعد أن يكون واقعاً. وقد صح أن في بعض العروض ما قوس ليله في بعض الأوقات أقل من ثلاث أو ست وثلاثين درجة. فهنالك يطلع الفجر قبل أن يغيب الشفق ولا شك أن وقت طلوع الفجر هناك ليل في أكثر المعمورة وأغرب من هذا حال عرض تسعين حيث تتحد دائرة المعدل مع دائرة الأفق فتكون هي الأفق فإن السنة هناك نصفها ليل ونصفها نهار إذ لا طلوع ولا غروب للشمس في ذلك العرض إلا بحركتها الخاصة) ومن هنا (يقال للرازي كما لا يلزم من طلوع الشمس. وجود النهار في موضع طلوعها ووجوده في كل موضع كذلك لا يلزم من طلوع الفجر في موضع طلوعه في كل موضع فمتى كانت الشمس طالعة ومرئية في بعض المواضع وهي غير طالعة ومرئية في بعض آخر. فليكن أثرها وهو الفجر كذلك. ولكون هذا في عرض تسعين ظاهراً جداً بنينا الأمر عليه فلا تغفل. واعجب من إنكار الرازي كون نور الفجر من ضياء
الشمس إنكار الجلال السيوطي كون هذا الضياء المشاهد في النهار من طلوع الشمس إلى غروبها من الشمس. وكم له عفا الله تعالى عنه من هذه العجائب التي أطلقت ألسنة الملحدين. بالطعن والعياذ بالله في الدين. وفي تفسيرنا روح المعاني ما يتعلق بأمر الفجر والجواب عن الشبهة التي سمعتها عن الفخر بكنه جواب غير واضح وضوح ما ذكرناه الآن. فإنه فيما أرى أوضح من نور الفجر الصادق للعيان. وما هو إلا من شمس التوفيق. لا زالت مشرقة علينا بأنوار التحقيق والتدقيق. فافهم وتأمل. فلعل الله تعالى يوفق لك ما هو أجلى وأجل.
) ومنها (ما جرى من محكم الكلام في أمر المتشابه. فأحسست أن له ميلاً إلى مذهب السلف الذي تمذهب أكثر المحققين به. فشكرت ربي. وكاد يطير من مزيد الفرح قلبي. فقلت يا مولاي يشهد لحقية مذهب السلف في المتشابهات وهو إجراؤها على ظواهرها مع التنزيه) ليس كمثله شيء (إجماع القرون الثلاثة الذين شهد بخيرتهم خير البشر صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يدل على أن الشارع أراد بها ذلك. والجزم بصدقه دليل على عدم المعارض العقلي في نفس الأمر وأن توهمه العاقل في طور النظر والفكر وكذا خلوه عن القول في الله تعالى بحسب الظن اللازم بحسب الظاهر لمذهب المؤولين) وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً (ولجلالة شأن ذلك المذهب ذهب إليه غير واحد عن أجلة الخلف.) منهم (إمام الحرمين قال في الرسالة النظامية) اختلف مسالك العلماء في هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن. وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجلاء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الله عز وجل. والذي نرتضيه رأياً وندين الله تعالى به عقيدة اتباع سلف الأمة. للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة. فلو كان تأويل هذه الظواهر حتماً لأوشك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة. وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المنيع انتهى (. والاقتصار على الصحابة والتابعين بناءً على المشهور. وإلا فقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أن أهل العصر الثالث وهم فقهاء الأمصار كالثوري والأوزاعي ومالك والليث ومن عاصرهم وكذا من أخذ عنهم من الأئمة على ذلك أيضاً.) ومنهم (الإمام أبو الحسن الأشعري فإن آخر أمره الرجوع إلى ذلك المذهب الجليل بل الرجوع إلى ما عليه السلف في جميع المعتقدات. قال في كتابه الإبانة الذي هو آخر مؤلفاته بعد كلام طويل) الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون. وبما كان عليه أحمد بن حنبل نصر الله تعالى وجهه قائلون. ولمن خالف قوله مجانبون. انتهى (وهو ظاهر في أنه سلفي العقيدة. وكيف لا والإمام أحمد علم في ذلك ولهذا نغص لميه من بين أئمة الحديث. ويعلم من هذا أن ما عليه الأشاعرة غير ما رجع إليه أمامهم في آخر أمره من اتباع السلف الصالح فليتهم رجعوا كما رجع. واتبعوا ما اتبع. وإلى ذلك أيضاً ذهب السادة الصوفية. كما لا يخفى على من تتبع آثارهم. واستقرأ أخبارهم.) ومن ذلك (ما حكاه عن الشيخ الأكبر محيي الدين قدس سره تلميذه الشرف إسماعيل بن سودكين في شرح التجليات) ونصه (لا يجوز للعبد أن يتأول ما جاء من أخبار السمع لكونها لا تطابق دليله العقلي كأخبار النزول وغيره لأنه لو خرج الخطاب عما وضع له لكان بالخطاب فائدة. وقد علمنا أنه عليه الصلوة والسلام أرسل ليبين للناس ما أنزل إليهم. ثم رأينا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مع فصاحته وسعة علمه وكشفه لم يقل لنا أنه ينزل رحمته ومن قال ينزل رحمته فقد حمل الخطاب على الأدلة العقلية والحق تعالى ذاته مجهولة فلا يصح الحكم عليه بوصف مقيد معين والعرب تفهم نسبة النزول مطلقاً فلا تقيده بحكم دون حكم خصوصاً وقد تقرر عندها أنه) ليس كمثله شيء (فيحصل لها المعنى مطلقاً منزهاً. وربما يقال لك هذا يحيله العقل فقل الشأن هذا إذا صح أن يكون الحق من مدركات العقول حتى تمضي عليه سبحانه أحكامها انتهى.) وفي الغنية (للقطب الرباني. والهيكل الصمداني. سيد الشيخ عبد القادر الكيلاني. قدس سره. غنية في هذا المقام. عن سرد لصوص أولئك السادة الفخام.) ثم قلت (يا مولاي قد تلخص لي من تتبع كلام المحققين كالعلامة ابن حجر الهيتمي في كتابه التعرف. في الأصلين والتصوف. أن في المتشابهات ثلاثة مذاهب) الأول (التأويل أي الصرف عن الظاهر وتعيين المراد فيقال في الاستواء مثلاً ليس المراد به ظاهره بل المراد به الاستيلاء.) الثاني (ترك التأويل بمعنى ترك تعيين المراد وتفويضه إلى الله تعالى مع الجزم بأن الظاهر غير مراد. فيقال في ذاك مثلاً ليس المراد به معناه الظاهر والله تعالى أعلم بمراده منه. ومع هذا فالظاهر على ما قيل أنهم يجزمون بأن ذلك المعنى الذي فوضوا تعيينه إليه سبحانه
معنى مجازي أو كنائي لائق به جل شأنه.) وكان (شيخنا علاء الدين علي أفندي يقول أن في هذا تأويلاً لكنه دون التأويل في الأول. وفيه بحث لأنا لا نسلم أن التأويل إخراج الكلام عن ظاهره مطلقاً بل إخراجه إلى معنى معين معلوم كما يقال الاستواء مثلاً بمعنى الاستيلاء.) الثالث (الإبقاء على الظاهر مع نفي اللوازم وهو معنى قول بعضهم القول بالظاهر مع اعتقاد التنزيه وأن ليس كمثله عز وجل شيء فيقال في ذاك المراد ظاهره مع نفي لوازمه الدالة على الجسمية ويرجع ذلك إلى دعوى أنها لوازم لاستواء الخلق لا لاستواء الخالق أيضاً وهو نظير قول الأشاعرة والماتريدية في رؤية الله تعالى في الآخرة فأنها تكون مع نفي لوازمها من المقالة والجسمية ونحوهما مما هو من لوازم الرؤية في الشاهد. قيل هو مراد مالك وغيره من قولهم الاستواء معلوم والكيف مجهول. أي الاستواء معلوم المعنى ووجه نسبته إلى الحق تعالى المجامع للتنزيه مجهول لأن الصفات تنسب إلى كل ذات بما يليق بتلك الذات وذات الحق ليس كمثله شيء فنسبة الصفات المتشابهة إليه تعالى ليست كنسبتها إلى غيره عز وجل لأن كنه ذات الحق ليس من مدركات العقول لتكون صفته من مدركاتها. والصوفية على هذا المذهب كما يدل عليه كلام الكوراني في تنبيه العقول. على تنزيه الصوفية عن اعتقاد التجسيم والعينية والاتحاد والحلول. وجعلوا من ذلك ظهوره تعالى شأنه في المظاهر وقالوا إنه طور ما وراء طور العقل وغيرهم من القائلين بهذا المذهب يقولون كل ما سمع عن الصادق المعصوم فعلى العين والرأس. وليس المقام مقام الاجتهاد والقياس. ثم إن كلا المذهبين أحسن من مذهب الخلف النافين للظاهر المعينين للمراد لما فيه من اتباع الظن ظاهراً. ولا أقول كما قال ابن القيم) لام الأشعرية كنون اليهودية (فأولئك قيل لهم قولوا حطة فزادوا نوناً وقالوا حنطة وهؤلاء قيل لهم الرحمن على العرش استوى فزادوا لاماً. وقالوا استولى. نعم أقول ليتهم فوضوا وتركوا التأويل ولم يتعرضوا. وليتهم إذ أولوا ذكروا المراد على سبيل الاحتمال. ولم يجزموا بأن ما ذكروه هو مراد الملك المتعال. ثم أنه أبخر الكلام إلى ابن تيمية. فقال إنه قائل بالجسمية. فقلت حاشاه ومذهبه في المجسم. إنه مطلقاً غير مسلم. فقال إنه يقول العرش قديم نوعاً. فقلت لم نجد لنسبته إليه من غير الدواني نقلاً يليق أن يمنح سمعاً. فقال له مخالفة للأئمة الأربعة في بعض المسائل الفقهية. فقلت شبهته في تلك المخالفة بحسب الظاهر قوية. وله في بعض ذلك سلف. كما يعرفه من تتبع المذاهب ووقف. وقد مدحه غير واحد من العلماء الأعلام. وقد سمعت من شيخي أنه رأى كتاباً في ترجمة من لقبه بشيخ الإسلام. فقال قد ذمه العلامة السبكي. فقلت كم من جليل غدا من ذم عصريه يبكي. فآه من أكثر المعاصرين. فيهم بأيدي ظلعهم لحبات القلوب عاصرين. ثم استطردنا أبحاثاً أخر. إلى أن حضر من حضر.) ثم إني أقول الآن (مستعيناً بمن لا يدخل تحت حيطة الأذهان. إنهم يطلقون المتشابه على ألم وحم وكهيعص وحمعسق ونحوها من أوائل السور المعروفة كما يطلقونه على الاستواء والنزول والوجه والعين واليد ونحوها مما يسمونه بالصفات السمعية وفينا ما يشاركه في إطلاق اللفظ) وهذا الثاني (هو الذي افترق السلف فيه إلى فرقتين فرقة تفوض أصل معناه إلى علم الله عز وجل. وأخرى تقول بمعناه الظاهر مجرداً عن لوازمه التي لا تنفك عنه فيناً مجامعاً للتنزيه الصادع به قوله تعالى) ليس كمثله شيء (وأما الأول فلم أقف على افتراقهم فيه كذلك. بل هم فيه فرقة واحدة قائلة الله تعالى أعلم بمراده منه. ويقابلها فرقة الخلف التي تزعم العلم بمراده عز وجل منه مع اختلافها في تعيينه. إلى ما شاء تعالى من الأقوال. فمن أطاق القول بأن الناس في المتشابه ثلاث فرق كمن أطلق القول بأنهم فيه فرقتان لم يصب المحز. بل هم في بعضٍ ثلاث وفي بعضٍ آخر اثنتان بل من تتبع كتب السلفيين كالحنابلة وقف على أن منهم من يؤول على حد تأويل الخلف بعض المتشابهات من الصفات السمعية كالفراغ في قوله تعالى) سنفرغ لكم أيها الثقلان (إن فسر بمعنى التخلي عن الشاغل. أو فسر بالقصد إلى الشيء وقلنا إن القصد لا ينسب إليه تعالى. وبكلا المعنيين فسر في حديث أبي بكر افرغ إلى أضيافك. وكالحسرة في قوله تعالى) يا حسرتا على العباد (بناءً
على أن الألف منقلبة عن ياء المتكلم. وكاليمين في قوله عليه الصلوة والسلام) الحجر الأسود يمين الله في الأرض (وفي نهاية ابن الأثير هذا كلام تمثيل وتخييل وأصله أن الملك إذا صافح رجلاً قبل الرجل يده فكان الحجر الأسود لله تعالى بمنزلة اليمين للملك حيث يستلم ويلثم انتهى.
بل ووقف أيضاً على أن منهم من يؤول مع ذلك ما حف بالقرائن الدالة على المراد منه كالمعية في بعض الآيات المبتدأة بالعلم المختتمة به. والصوفية قدست أسرارهم لا يؤولون شيئاً من ذلك. وقالوا إن كل ذلك من باب التجلي في المظاهر مع بقاء التنزيه الذاتي والغناء المطلق. وبذلك يتم لهم القول بوحدة الوجود التي هي وراء طور العقل من طريق الفكر) وأنا أختار (فيما شاع بين العرب في معنى غير معناه اللغوي حمله عليه دون إبقاءه على معناه اللغوي مع نفي اللوازم أو تفويض العلم بالمراد على علام الغيوب جل جلاله. وهو عندي نظراً إلى ذلك المعنى الشائع في حكم المحكم. فإن القرآن نزل بلغة العرب وعلى استعمالهم وهم أول من خوطب به فلا يعدل في معناه عما تعارفوه فيه بينهم. ومثل ذلك المتشابه في الحديث. وكذا اختار التأويل كالخلف في نحو قوله عليه الصلوة والسلام) الحجر الأسود يمين الله تعالى في الأرض (وإن أعدل عنه قلت كإحدى فرقتي السلف ليس المراد معناه اللغوي بل معنى آخر يليق به سبحانه الله تعالى أعلم به. ولا أكاد أقول المعنى المراد اللغوي مجرداً عن لوازمه. ولا أظن الصوفي القائل بوحدة الوجود يقول ذلك أيضاً. وقد سمعت شيخي علاء الدين علي أفندي عليه الرحمة أن المتشابه عند السلف لا يراد منه معناه اللغوي جزماً لما يلزمه من المحال عليه تعالى) بل المراد معنى لائق به تعالى هو سبحانه يعلمه ولا جزم له بكون ذلك المعنى مجازياً أو كنائياً بل يحتمل عنده أن يكون أمراً آخر ليس بينه وبين المعنى الحقيقي مناسبة ما أصلاً. حتى أنه يجوز أن يكون المراد بالوجه في قوله تعالى) ويبقى وجه ربك (وقوله سبحانه) كل شيء هالك إلا وجهه (من لا يصعق عند النفخ المستثنى في قوله تعالى) فصعق من في السماوات ومن في الأرض (الآية وإن يكون المراد باليمين في الحديث المذكور آنفاً الدرة مثلاً والإضافة للتشريف كما في بيت الله وناقة الله. وهذا من الغرابة بمكان. ولم أر أحداً ذكره. وقد اعترضته يوم سمعته بأن المعنى معين في علم الله تعالى ولا بد ومتى كان ذلك المعنى ليس بينه وبين المعنى الظاهر مناسبة ما كان إرادته منه دون إرادة آخر مثله في عدم المناسبة ترجيحاً بلا مرجح. ويلزم ذلك أيضاً في إرادته من اللفظ المعين دون إرادته من آخر ليس بينه وبينه مناسبة أيضاً. فقال رحمه الله تعالى يلزم مثل ذلك في وضع لفظٍ لمعنى ليس مناسباً له. بناءً على الصحيح من أنه لا يشترط مناسبة اللفظ للمعنى في وضعه له. فوضع الحجر لمسماه ليس بأولى من وضع الذهب أو الشجر أو الفرس أو السرج لذلك المسمى) والجواب عن كل ذلك (بأنه كفي بالإرادة مرجحةً أو بأن هناك مرجحاً غيرها استأثر الله تعالى بعلمه. ويحتمل أن تكون المناسبة بوجه لا نعلمه ونفي المناسبة إنما هو بحسب علمنا. فقلت ماذا يقال للفظ بالنظر إلى ذلك المراد أحقيقة أم مجاز. فقال لا ولا. إن كان الاستعمال المأخوذ في تعريفي الحقيقة والمجاز بالنسبة إلينا وحقيقة إن كان أعم من ذلك مما هو بالنسبة إليه عز وجل. وكان استعماله تعالى اللفظ فيه ابتداء. ومجاز إن كان الاستعمال أعم وكان استعماله تعالى بوضع ثان لعلاقة لكن استأثر الله تعالى بعلمها ويجوز أن يقال له منقول إن كان الاستعمال كما ذكر إلا أنه لا علاقة في نفس الأمر) ثم قلت (على احتمال كون مراده تعالى معنىً مجازياً يلزم القرينة فحيث لا قرينة لا مكان لذلك الاحتمال. فقال اشتراط القرينة غير مجمع عليه فالأصوليون من الشافعية يقولون المجاز اللفظ المستعمل بوضع ثان. لعلاقةٍ ولا يزيدون مع قرينة. ومن هنا صح لهم القول بجواز أن يراد باللفظ الواحد حقيقته ومجازه معاً في وقت واحد. على أن من أزاد في تعريفه كالبيانين القرينة قيدها بالمانعة عن إرادة المعنى الموضوع له اللفظ أولاً. ولم يطلقها بحيث تعم القرينة المانعة عن إرادة ذلك والقرينة المعينة للمراد. والقرينة المانعة ليست منحصرة عندهم في اللفظية بل تعم العقلية وهي متحققة في المتشابه فقلت بناءً على ما ذكرت من مذهبهم فيه يحتمل أن يكون اللفظ مشتركاً بين معنى حقيقي. عندنا وآخر حقيقي عنده عز وجل. وقد قالوا باحتياج استعمال المشترك في أحد معنييه إلى قرينة تعينه. فقال لأبدية القرينة في ذلك ممنوعة فقد يذكر المشترك مراداً منه معنى معين في نفس الأمر خالياً عن
قرينة تعينه كما في المجمل فتركت السؤال. حين طال) وأنت تعلم (أن القول بالظواهر مع التنزيه خال عن ذلك إلا أن تفويض العلم بالمراد فيه إلى الله تعالى لا يخلو عن خفاءٍ لما أن فيه الجزم بأن المراد هو الظاهر. غاية ما في الباب أنه مجرد عن اللوازم كرؤيته تعالى مصدر المبني للفاعل ومصدر المبني للمفعول فإن لوازمها بالمعنيين في المشاهد منفية فيه سبحانه) وحيث أني من المفوضين أقول فيما عدا ما سمعت بالتفويض على حد ما عليه جمهور السلف إلا أني أعد الظاهر الذي جزموا كما أشار إليه الجلال المحلي وغيره بأنه غير مراد هو المعنى المستدعى للوازم. فأقول في الاستواء مثلاً ليس المراد به المعنى الحقيقي بلوازمه قطعاً لأباء قوله تعالى) ليس كمثله شيء (مع الدليل العقلي عنه. بل المراد معنى لائق به عز وجل لا أعلمه وهو سبحانه وتعالى يعلمه وأقطع بذلك من غير تعيين) نعم أقول (هو محتمل لأن يكون المعنى المجرد عن اللوازم ومحتمل لأن يكون غيره مما يليق به جل شأنه. وعز سلطانه. وربما أرجح الأول من الاحتمالين بأن عليه جملة من السلف الصالح. وطائفة عظيمة من الصوفية الذين لا يؤثر بعلو شأنهم قدح قادح. لكن لا أجزم بأنه مراد الله تعالى كما أجزم بأن الظاهر بلوازمه غير مراد له تعالى فأنا والحمد لله تعالى مؤمن بما ورد في الله تعالى على المعنى الذي أراده جل جلاله. ومن أين لعنكبوت العقل العروج بلعابه. إلى رفيع قدس العرش وما هواه أدنى من ذرةْ بالنسبة إلى جنابه. وأقول بالوقف على إلا الله فقد حكاه محيي السنة البغوي ف المعالم وغيره في غيره عن أكثر الصحابة والتابعين والنحويين. رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وقال الأستاذ أبو منصور أنه الأصح. وبالغ ابن السمعاني وغيره من الأجلة في نصرته. ولا يثنيني عن ذلك حكاية إمام الحرمين في البرهان الوقف على العلم عن أكثر القراء والنحاة ولا نقله ذلك فيه عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم أولاً مبالغة في تأييده في التخليص حتى قال إن مقابله قول باطل لما أنه خلاف مقتضى ما دان الله تعالى به في الرسالة النظامية كما قدمناه لك. وهي بعد البرهان تأليفاً وخلاف مقتضى ما نقله الألوف عن ابن عباس وغيره من الصحابة والتابعين. وقد أخرج عبد الرزاق في تفسيره والحاكم في المستدرك عن ابن عباس أنه كان يقرأ) وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم.. آمنا به (وحكى الفراء مثله عن أبي بن كعب. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق الأعمش عن ابن مسعود أنه كان يقرأ) وإن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به (وكذا لا يثنيني قول النووي عليه الرحمة في شرح مسلم أنه الأصح لأنه يبعد أن يخاطب الله تعالى عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته فإنه خلاف مقتضى ما ذهب إليه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه مما أخرجه ابن أبي حاتم في مناقبه عن يونس بن عبد الأعلى عنه ونقله العلامة الكوراني في تنبيه العقول. والبعد الذي ذكره ممنوع حيث كان الخطاب بذلك للابتلاء. وقد ابتلى سبحانه عباده بتكاليف كثيرة. وعبادات وفيرة. لم يعرف أحد السر فيها. والسر في هذا الابتلاء قص جناح العقل وكسر سورة الفكر وإذهاب عجب طاووس النفس. ليتوجه القلب بشراشره تجاه كعبة العبودية. ويخضع تحت سرادقات الربوبية. ويعترف بالقصور. ويقر بالعجز عن الوصول إلى الحور القصورات في هاتيك القصور. وفي ذلك غاية التربية. ونهاية المصلحة. وكذا لا ينبغي وجوه ذكرها الخلف في ترجيح الوقف على العلم. فقد رددتها والحمد لله تعالى في تفسيري روح المعاني. وذكرت مما يرجح الوقف على إلا الله. ما فيه مقنع لمن أوتي قلباً سليماً. وفهماً مستقيماً) بقي شيء (وهو أن ابن السبكي قال في جمع الجوامع) ما نصه (ولا يجوز ورود ما لا معنى له في الكتاب والسنة خلافاً للحشوية انتهى. وكتب عليه شيخ الإسلام) ما نصه (والمراد بما لا معنى له ما يتعذر التوصل إلى معناه ليصبح محلاً للنزاع إذا لم يقل أحد بظاهر ذلك انتهى. فيلزم من ذلك وكون السلف قائلين أن المتشابه ما يتعذر الوصول إلى معناه. كما أفصح به تعريف الحنفية إياه. بما ستأثر الله تعالى بعلمه. دون ما لم يتضح معناه كما عرفه به معظم الشافعية. مخالفين لمقتضى ما روي عنه من قوله إن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الروية والفكر
كون أولئك الأجلة. الذين هم سادات الملة. كالحشوية الذين قال الحسن البصري لما وجد قولهم ساقطاً. وكانوا يجلسون في حلقته أمامه) ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة (أي جانبها. أو الطعن في الحسن البصري الذي هو أفضل التابعين عند أهل البصرة حيث رأى سقوط قولٍ هو عين قول السلف. ولم يرض أن يقعد قائله تجاهه مع أنه هو نفسه قائلاً به. فقد صح أنه من السلف القائلين بقولهم. وقد أخرج كما قال الحافظ ابن حجر في شرح صحيح البخاري أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة من طريقه عن أمه. عن أم سلمة أنها قالت الاستواء غير مجهول. والكيف غير معقول. والإقرار به إيمان. والجحود به كفر.) وقد كنت (سألت الشيخ رحمه الله تعالى عن ذلك أثناء الدرس فقال الفرق بين مذهب السلف ومذهب الحشوية أن مذهب الحشوية ورود ما يتعذر التوصل إلى معناه مطلقاً سواءً كان مراد اً أو غير مراد. ومذهب السلف ورود ما يتعذر التوصل إلى معناه المراد. فالاستواء مثلاً عندهم له معنى يتوصل إليه بمجرد سماعه كل من يعرف المدلولات اللغوية إلا أنه غير مراد لأنه خلاف ما يقتضيه دليل العقل والنقل. ومعنى آخر يليق به تعالى لا يعلمه إلا هو عز وجل. وقد يقال الأولى في الجواب إبقاء كلام ابن السبكي على ظاهره وعدم الالتفات إلى كلام شيخ الإسلام. وقوله) إنه لم يقل به أحد (فالمثبت لا سيما إذا كان كابن السبكي الإمام بن الإمام. مقدم على النافي ولو كان كشيخ الإسلام. فتأمل جميع ما تلوناه عليك. وهو يغنيك عن مراجعة كثير من الكتب إن أخذت العناية بيديك. وبقيت في هذا المقام أبحاث كثيرة يضيق عنها نطاق الكلام. وفي كتب الحنابلة من ذاك ما يجلو غياهب الأوهام. ويروي الغلل ويبري العلل والأسقام. فمتى أشكل عليك أمر. فارجع إليها ينشرح بإذن الله تعالى منك الصدر.
) ومنها (ما جرى في اعتراض الحموي على قول الرضي الأسترابادي. الذي لم يزل علم الهدى للنحويين في كل نادي.) إن العلم قد يقصد تنكيره. وذلك إذا أضيف إليه كل نحو زيد عالم فإن كلاً لا تدخل إلا على نكرة (.) وحاصل الاعتراض (أنهم صرحوا بأن كلاً اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر نحو) كل نفسٍ ذائقة الموت (والمعروف أن المجموع نحو) كلهم آتية (وأجزاء المفرد المعرف نحو كل زيد حسن. وهو نص في أنها تضاف إلى المعرفة والنكرة. فكيف قال الرضى أن كلا لا تدخل إلا على نكرة.) ثم قال (وقد عرضت ذلك على شيخنا الخفاجي فنظر فيه كثيراً. ولم يتكلم بشيء جليلاً كان أو حقيراً.) فقلت (يا مولاي لعل مراده بكلٍ كل التي يراد بها استغراق الأفراد بقرينة المثال. وظهور الحال حتى على الأطفال. وكيف يتصور من الرضى. وهو العالم المرتضى أن يريد بها الأعم مع ظهور الأمر) ظهور نار القرى ليلاً على علم (. فقال قد أجاب بنحو ذلك شيخ الإسلام عطاء الله أفندي. وها تحريره في ذلك عندي. فأراني الجواب. مكتوباً بخطه في حاشية الكتاب.) ثم قال وأنا أقول (إن كلا مطلقاً داخله على نكرة. ومن أمعن نظراً لا يجد سبيلاً لأن ينكره. لأن نحو وكلهم آتية في تقدير وكل فرد آتية ونحو كل زيد حسن في تقدير كل جزء من أجزاء زيد حسن. فقلت يا مولاي هذا تقدير معنى لا تقدير إعراب. وفرق ظاهر بينهما عند ذوي الألباب. ومتى اعتبر ذلك كانت لاستغراق الأفراد. كما لا يخفى على المحققين الأمجاد. فإن اعتبر لزم الاعتراض على كل نحوي. وإذا لم يعتبر وقلنا بتعيينه في الجواب. بقي الاعتراض على الفاضل الرضي. وكدت يا مولاي أجيب بما ذكرتم من الجواب. لكن خطر لي هذا الاعتراض فوكأت فم الجراب. فقال هذا جواب لا تصل إليه أذهان علماء بغداد. فقلت) نعم (ولا علماء سائر البلاد. وكان في المجلس فاضل الروم اليوم يحيى أفندي. فوافقني في الجواب أولاً ثم عاد لا يعيد ولا يبدي. فلزمت الأدب. ورأيت السكوت أصوب.
) ومنها (ما جرى في جواب لخاتمة المتأخرين. الشيخ محمد أمين بن عابدين. عن إشكال للدماميني أورده في أول شرحه الكبير على المغني عند قول ابن هشام) وقد كنت في عام تسعة وأربعين وسبعمائة (وذلك أن الدماميني قال عند ذلك) ما نصه (كثيراً ما يقع هذا التركيب وهو مشكل وذلك أن المراد من قولك وقع كذا في عام أربعين مثلاً هو العام الواقع بعد تسعة وثلاثين. وتقدير الإضافة فيه باعتبار هذا المعنى غير ظاهر إذ ليست فيه إلا بمعنى اللام ضرورة أن المضاف إليه ليس جنساً للمضاف ولا ظرفاً له فيكون معنى نسبة العام إلى أربعين كونه جزءاً منها كما في يد زيد وهذا لا يؤدي المعنى المقصود إذ يصدق بعامٍ ما منها سواء كان الأخير أو غيره وهو خلاف الغرض. ويمكن أن يقال قرينة الحال معينة لأن المراد الجزء الأخير وذلك لأن فائدة التاريخ ضبط الحادثة المؤرخة بتعيين زمانها ولو كان المراد ما يعطيه ظاهر اللفظ من كون العام المؤرخ واحداً من أربعين بحيث يصدق على أي عام فرض لم يكن لتخصيص الأربعين مثلاً معنى يحصل به كمال التمييز للمقصود ولكن قرينة إرادة الضبط بتعيين الوقت تقتضي أن يكون هذا العام هو مكمل عدة الأربعين. أو يقال حذف مضاف لهذه القرينة والتقدير في عام آخر أربعين والإضافة بيانية أي في عام هو آخر أربعين فتأمله انتهى. ثم تعقبه ذلك الفاضل فقال) وأقول يظهر لي أنه لا حاجة إلى تقدير المضاف بعد جعل الإضافة بيانية فإن الأربعين كما تطلق على مجموعها. تطلق على الجزء الأخير منها. وهكذا غيرها من الأعداد بدليل أنك تقول هذا واحد هذا اثنان الخ. فتطلق الاثنين على الثاني والثلاثة على الثالث وعلى مجموع الاثنين ومجموع الثلاثة فتأمل انتهى (. فذكر لي حضرة المولى أنه اعترض هذا الجواب بما أرسله إلى المجيب. وأنه أجاب بما تحقق عنده أنه فيه غير مصيب. فقلت الإنصاف أنه لا يخلو عن شيءٍ. ويخطر لي أن ظاهر قوله) فإن الأربعين كما تطلق على مجموعها تطلق على الجزء الأخير منها الخ (. إن كلا الإطلاقين حقيقة. وفيه منع ظاهر. على أن في نفس تحقق هذين الإطلاقين عن العرب كلاماً. وورود ما ذكره في الدليل من هذا واحد هذا اثنان الخ عنهم. متعيناً فيه كون المشار إليه الثاني والثالث والرابع الخ. دون المعدود المشاهد مما لا يكاد يسلم. وإثباته أصعب من خرط القتاد. وورود الاثنين اسماً لثاني أيام الأسبوع بناءً على ما اختاره غير واحدٍ من أن أولها الأحد. لا ينفع في هذا الباب. كما لا يخفى على ذوي الألباب. وإن أراد فإن الأربعين كما تطلق على مجموعها حقيقةً تطلق على الجزء الأخير منها مجازاً فهو وجه أشار إليه البدر الدماميني بقوله ويمكن أن يقال الخ. وزاد عليه وجهاً آخر في قوله أو يقال الخ.) وحاصل ما ذكره (أن هناك مجازاً أما في الذكر وهو المجاز المشهور أو في الحذف. وعلى هذا لا يظهر حسن التعقيب بقوله أقول يظهر الخ. وكأنه أشار إلى ما في كلامه من النظر بالأمر بالتأمل. وربما يقال أن الأولى في توجيه ذلك ونحوه أن يدعي أن الأربعين في نحو قولك كتبته عام أربعين مراد بها متم وهو في معنى الجزء الأخير منها وكذا الاثنان والثلاثة والأربعة الخ. في قولك هذا واحد هذا اثنان هذا ثلاثة الخ. يراد به المتم وهو الجزء الأخير مجازاً. وإرادة الجزء من الكل طريق مهيع فلا ينبغي التوقف في قبولها لا سيما إذا كان ذلك الجزء مما يتم به الكل ويكون به موجوداً بالفعل. وقرائن إرادة ذلك متفاوتة وكثيراً ما تكون حاليةً والقرائن الحالية للمجاز أكثر من أن تحصى. وربما يدعي فيما نحن فيه البلوغ في الشهرة فيما أريد به مبلغ الحقيقة حتى كاد يستغني عن القرينة التي يحتاج إليها المجاز فافهم. والله تعالى أعلم.
) ومنها (ما جرى في الكلام على قوله تعالى) ذواتا أفنان (حيث يتوهم أن ذواتا فيه تثنية ذوات جمعاً وقد ذكرت ذلك لحضرة المولى فأحضر أبقاه الله تعالى إعراب القرآن لأبي البقاء. وإعراب القرآن لمكي وغيره. فاقتطفنا من أفنان هاتيك الكتب ثمار الصواب. ولم يبق لنا في تحقيق الحق ارتياب) وفي تفسيرنا روح المعاني (ذواتا أفنان صفة لجنان وما بينهما اعتراض وسط بينهما تنبيهاً على أن تكذيب كل من الموصوف والصفة موجب للإنكار والتوبيخ. وجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هما ذواتا. وأياً ما كان فهو تثنية ذات بمعنى صاحبة فإنه إذا أثنى فيه لغتان ذاتاً على لفظه وهو الأقيس كما يثنى مذكره ذو. والأخرى ذواتا برده إلى أصله فإن التثنية ترد الأشياء إلى أصولها وقد قالوا أصل ذات ذوات لكن حذفت الواو تخفيفاً وفرقاً بين الواحد والجمع ودلت التثنية ورجوع الواو فيها على أصل الواحد وليس هو تثنية الجمع كما يتوهم. وتفصيله في باب التثنية من شرح التسهيل انتهى.) وأقول (ربما يقال ما السر في العدول عن الأقيس. فيقال في الجواب لعله الرمز إلى أن الموصوف خارج عن دائرة القياس. وغراس تينك الجنتين ليس على سياق ما تعورف من الغراس. ومع ذا إيهام الجمع لا يخلو عن مدح فتأمل ما به. والله تعالى أعلم بأسرار كتابه.
) ومنها (ما جرى في قول الناس) رب يسر ولا تعسر (حيث قال حضرة المولى أن التيسير. يوجب ترك التعسير. كعكسه فكان على القائل أن يكتفي بطلب أحدهما فقلت يا مولاي ومولى العلماء. لا بأس بالجمع بين المتلازمات في مقام الدعاء. وفي الأدعية المأثورة من ذاك ما لا يحصى. ولا يكاد يستقصى. على أن صيغة أفعل لا تقتضي التكرار بخلاف صيغة لا تفعل على ما حقق في كتب الأصول. ويمكن أن يقال على بعدٍ لعل القائل يعتبر مفعول الأول المحذوف غير مفعول الثاني بحيث لا يتوهم تلازم مع ذلك أصلاً فليتأمل.
) ومنها (ما جرى في أمر الابتداء بالساكن هل هو التعذر أم التعسر وذكر ما في المواقف وشرحه في ذلك.) فقلت (يا مولاي الذي يتحرك إليه ذهني الساكن اختيار التفصيل في هذا المقام. وهو أنه إن أريد بالساكن العاري عن الحركات الثلاث المعروفة في اللغة العربية. فالابتداء به متعسر لا متعذر. وإن أريد به العاري عن تلك الحركات وعن الحركات التي في غير العربية المشابهة لما عند الفرس من حرف بين حرفين فالابتداء متعذر. ولعل الوجدان شاهد بذلك. فقال لم يزل طائر فكري على وكر هذا التفصيل يحوم. والله تعالى أعلم.
) ومنها (ما جرى في مسألة الجبر والتفويض. وما في ذلك من الكلام الطويل العريض. وذلك أني حضرت يوماً من الأيام. حلقة بعض المدرسين في علم الكلام. فرأيته يقرر هاتيك المسئلة المشكلة. ويحاول أن يحل ببنان بيانه تلك العويصة المعضلة. فتوجهت إليه بشراشري. وأقبلت نحوه بباطني وظاهري. رجاء أن ينفلق لي صدف تقريره عن دره. وينهل سحاب بيانه بوابل سره. فانفلق الصدف. عن سرف. وانهل السحاب. بكذاب. واستقر كلامه في الآخر. على أن من قال أن إرادة العبد مخلوقة لله تعالى فهو كافر. فإنها مخلوقة للعباد. وللعبد أن يصرفها حيث أراد. وبذلك ختم الكلام. فقمت أجر ذيل التعجب مع من قام. فأسررت في أثناء عدوي لبعض طلبته. أن الشيخ قد أعظم الفرية في آخر كلمته. فإن الإرادة إذا كانت مما الخارج ظرف لوجوده فلا ينتطح كبشان. في أنها مخلوقة لله تعالى كسائر الأعيان. وإن كانت مما الخارج ظرف له فأي ضرر إذا قيل أنها مخلوقة لله عز وجل بمعنى أنه سبحانه أخرجها من العدم إلى أن كان الخارج ظرفاً لها. وقد نص العلامة الكوراني على مخلوقية ما الخارج ظرف له ولم يفرق بينه وبين ما الخارج ظرف لوجوده في رسالته الرادة على المقدمات الأربع في توضيح الأصول وأطال الكلام في ذلك المقام. وأيضاً كيف يتسنى للعبد إخراجها من العدم المحض ولا يتسنى للمعبود ذلك وقد قال سبحانه) وما تشاؤون إلا أن يشاء الله (قال غير واحد من المفسرين أي إلا أن يشاء الله مشيئتكم فمشيئة العبد وهي الإرادة خلافاً لبعض غلاة الشيعة الموسومين في زماننا بالكشفية مشاءةً لله عز وجل. وقد ذهب إلى ما أنكره شيخكم أجلة أخيار. فكيف يسوغ له ما سمعت من الأكفار. فقال يا مولانا أنا من ضعفاء الطلاب. وأين أنا من أن أقابلك بالجواب. وكأنه بعد أن ذهبت إلى رحلي. عرض على شيخه قولي. فلم أشعر في اليوم الثاني. إلا وحجرتي قد امتلأت إلى حنجرتها بعلماء وطلبة تلك المغاني. فتقدم إلي كبيرهم فقال أأنت القائل بالأمس كيت وكيت. فأبت نفسي الإنكار مع أنه ليس من يدفع عني لو أرادوا بي سوءاً في البيت. فقلت نعم قلت ذاك نقلاً عن الشيخ إبراهيم الكوراني. فقالوا نحن لا نقبل إلا كلام إسماعيل أفندي الكلبنوي في هذه المطالب والمعاني. وهو الذي قال ما سمعته بالأمس. فقلت هو أجل من أن يقول ما بطلانه أظهر من الشمس. فلما رأيت كثرة القال والقيل. قلت دعوا بحث إبراهيم وإسماعيل. وتعالوا نترافع إلى كتاب الله تعالى الجليل. فقالوا من يجاريك في التفسير في هذه الديار. وأنت الذي فسر القرآن العظيم بعدة أسفار. فقلت نترافع إذاً إلى السنة. فقالوا بحث التركي مع العربي في ذاك محنة. ثم كثر اللغط. وتصالحنا على أن الشيخ في الإكفار غلط. ثم خرجوا من الدار. واستولت علي من خوف مكرهم جنود الأفكار. فهرولت إلى حضرة شيخ الإسلام. وعرضت له ما كان من البدء إلى الختام. فقال لا تتعرض القوم بعد باعتراض. وعليك بالإغماض في كلامهم والإعراض. فهم قوم يتعصبون على الغريب. وينسبون إليه الخطأ ولو كان هو المصيب. وربما يفترون عليه ما يحل دمه. ويعظم ندمه. فقلت يا مولاي تبت على يديك. ولا عدت أذهب إلى أحدٍ من العلماء إلا إليك. ثم أخذنا بأهداب هاتيك المسألة. وقرر هو خلاصة ما ذكره لتحقيقها الكوراني في رسائله المختصرة والمطولة. فقلت يا مولاي أظن أن الرجل قد عرف. ورمى عن قسي التوفيق فأصاب الهدف. فأنشد سلمه الله تعالى:
وكل يدعي وصلاً بليلى
…
وليلى لا تقر لهم بذاكا
ثم قال ما تسلك أنت في أفعال العباد. فقلت أسلك والحمد لله تعالى فيها مسلك السداد. وأختار واضعاً له على الرأس والعين. ما قاله في رسالته النظامية العلامة إمام الحرمين. فقد لصق من الصغر بقلبي. وغاص إذ كبرت في أعماق لبي. ومع ذا فأنا أسأل الله تعالى التوفيق لما يعلم سبحانه أنه أحرى. وأقوي سبباً للنجاة في الأخرى. هذا ولعلك تحب الاطلاع على مذهب ذلك الإمام. فاستمع لما نتلوه عليك من جليل الكلام.) فأقول (الناس في إثبات القدرة في العبد وتأثيرها ونفي ذلك مختلفون. فالجبرية. على نفي القدرة بالكلية. فلا فرق عندهم بين حركة الساقط من علو وحركة الماشي لقضاء أمر مهم مثلاً. وفي ذلك إنكار للوجدان. والأشاعرة على إثباتها مقارنةً للفعل ونفي تأثيرها ومدخليتها في إيجاد الفعل. وسمى معظمهم تلك المقارنة كسباً وهو في معنى نفيها إذ هي عندهم كاليد الشلاء فلا فرق بين مذهبهم ومذهب الجبرية معنى. ولذا سماهم بعض الخصوم مجبرة. والمعتزلة على إثبات القدرة في العبد مؤثرة بالاستقلال. فالعبد يفعل بها ما يشاء. وإن لم يشأ رب الأرض والسماء. والمحققون من أهل السنة كما قال الكوراني على إثبات قدرةٍ فيه خلافاً للجبرية مؤثرة خلافاً للأشاعرة بإذن الله تعالى لا استقلالاً ولا حول ولا قوة إلا بالله. وإمام الحرمين في مبدأ أمره كان يرى رأي الأشاعرة الذي سمعت آنفاً. قال في الإرشاد واتفق أئمة السلف قبل ظهور البدع والأهواء على أن الخالق هو الله تعالى ولا خالق سواه. وأن الحوادث كلها حدثت بقدرة الله تعالى من غير فرقٍ بين ما يتعلق قدرة العباد وبين ما لا يتعلق. فإن تعلق الصفة بشيءٍ لا يستلزم تأثيرها فيه كالعلم بالمعلوم والإرادة بفعل الغير. فالقدرة الحادثة لا تؤثر في مقدورها أصلاً انتهى. ثم أنه رجع في النظامية إلى ما عليه المحققون وقد نقل ابن القيم كلامه في شفاء العليل. وقال إنه أقرب إلى الحق مما قاله الأشعري وابن الباقلاني ومن تابعهما إلى أن قال. ونحن نذكر كلامه بلفظه.) قال (قد تقرر عند كل حاظٍ بمقله مترقٍ عن مراتب التقليد. في قواعد التوحيد. إن الرب سبحانه وتعالى مطالب عباده بأعمالهم في حياتهم. وداعيهم إليها ومثيبهم ومعاقبهم عليها في مآلهم. وتبين بالنصوص التي لا تتعرض للتأويلات أنه أقدرهم على الوفاء بما طلبهم به ومكنهم من التوصل إلى امتثال الأمر. والانكفاف عن مواقع الزجر. ولو ذهبت أتلو الآي المتضمنة لهذه المعاني لطال المرام. ولا حاجة إلى ذلك مع قطع اللبيب المنصف به. ومن نظر في كليات الشرائع وما فيها من الاستمحاث والزواجر عن الفواحش الموبقات. وما نيط ببعضها من الحدود والعقوبات. ثم تلفت على الوعد والوعيد وما يجب عقده من تصديق المرسلين في الأنباء عما يتوجه على المردة العتاة. من الحساب والعقاب. وسوء المنقلب والمآب. وقول الله تعالى لهم لم تعديتم. وعصيتم وأبيتم. وقد أرخيت لكم الطول. وفسحت لكم المهل. وأرسلت الرسل. وأوضحت الحجة. لئلا يكون للناس على الله حجة. وأحاط بذلك كله. ثم استراب في أن أفعال العباد واقعة على حسب إيثارهم. واختيارهم واقتدارهم. فهو مصاب في عقله. أو مستقر على تقليده مصمم على جهله. ففي المصير إلى أنه لا أثر لقدرة العبد في فعله قطع طلبات الشرائع والتكذيب بما جاء به المرسلون. فإن زعم من لم يوفق لمنهج الرشاد أنه لا أثر لقدرة العبد في مقدره أصلاً. وإذا طولب بمتعلق طلب الله تعالى بفعل العبد تحريماً وفرضاً. ذهب في الجواب طولاً وعرضاً. وقال الله تعالى أن يفعل ما يشاء ولا يتعرض للاعتراض عليه المعترضون.) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (. قيل له ليس لما جئت به حاصل. كلمة حق أريد بها باطل. نعم يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد ولكن يتقدس عن الخلف ونقيض الصدق. وقد فهمنا بضرورات المعقول. من الشرع المنقول. أنه عزت قدرته طالب عباده بما أخبر أنهم متمكنون من الوفاء به فلم يكلفهم إلا على مبلغ الطاقة والوسع. في موارد الشرع. ومن زعم أنه لا أثر للقدرة الحادثة في مقدورها كما لا أثر للعلم في معلومه فوجه مطالبة العبد بأفعاله عنده كوجه مطالبته بأن يثبت في نفسه ألواناً وإدراكات وهذا خروج عن حد الاعتدال. إلى التزام الباطل والمحال. وفيه إبطال الشرائع ورد ما جاء به النبيون عليهم الصلوة والسلام. فإذا لزم الصبر إلى القول بأن
القدرة الحادثة تؤثر في مقدورها واستحال إطلاق القول بأن العبد خالق أعماله فإن فيه الخروج عما درج عليه سلف الأمة واقتحام ورطات الضلال. ولا سبيل إلى وقوع فعل العبد بقدرته الحادثة والقدرة القديمة. فإن الفعل الواحد يستحيل حدوثه بقادرين إذ الواحد لا ينقسم. فإن وقع بقدرة الله تعالى استقل بها وسقط أثر القدرة الحادثة ويستحيل أن يقع بعضه بقدرة الله تعالى فإن الفعل الواحد لا بعض له. وهذه مهواة لا يسلم من غوائلها إلا مرشد موفق. إذ المرء بين أن يدعي الاستبداد وبين أن يخرج نفسه عن كونه مطالباً بالشرائع. وفيه إبطال دعوة المرسلين. وبين أن يثبت نقسه شريكاً لله تعالى في إيجاد الفعل الواحد. وهذه الأقسام بجملتها باطلة ولا ينجى من هذا الملتطم ذكر اسمٍ محضٍ ولقبٍ مجردٍ من غير تحصيل معنى. وذلك أن قائلاً لو قال العبد مكتسب وأثر قدرته الاكتساب والرب تعالى مخترع خالق لما العبد مكتسب له. قيل ما الكسب وما معناه. وأديرت الأقسام المتقدمة على هذا القائل فلا يجد عنه مهرباً. ثم قال فتقول قدرة العبد مخلوقة لله تعالى باتفاق القائلين بالصانع والفعل المقدور بالقدرة الحادثة واقع بها قطعاً ولكنه يضاف إلى الله تعالى تقديراً وخلقاً فإنه وقع بفعل الله تعالى وهو القدرة وليست القدرة فعلاً للعبد وإنما هي صفته وهي ملك لله تعالى وخلق له. فإذا كان يوقع الفعل خلقاً لله تعالى فالواقع به مضاف خلقاً إلى الله تعالى وتقديراً. وقد ملك الله تعالى العبد اختياراً يصرف به القدرة. فإذا أوقع بالقدرة شيئاً آل الواقع إلى حكم الله تعالى من حيث أنه وقع بفعل الله تعالى ولو اهتدت إلى هذا الفرقة الضالة لم يكن بيننا وبينهم خلاف ولكنهم ادعوا استبداداً بالاختراع. وانفراداً بالخلق والابتداع. فضلوا وأضلوا. وتبين تميزنا عنهم بتفريغ المذهبين. فإنا لما أضفنا فعل العبد إلى تقدير الله تعالى قلنا أحدث الله تعالى القدرة في العبد على أقدار أحاط بها علمه وهيأ أسباب الفعل وسلب العبد العلم بالتفاصيل وأراد من العبد أن يفعل فأحدث فيه دواع مستحثةً وخيرةً وإرادةً. وعلم أن الأفعال ستقع على قدرٍ معلوم فوقعت القدرة التي اخترعها للعبد على ما علم وأراد فاختيارهم واتصافهم بالاقتدار والقدرة خلق الله تعالى ابتداءً ومقدورها مضاف إليه مشيئةً وعلماً وقضاءاً وخلفاً وفعلاً من حيث أنه نتيجة ما انفرد بخلقه وهو القدرة ولو لم يرد وقوع مقدورها لما أقدره عليه ولما هيأ أسباب وقوعه ومن هدي لهذا استمد له الحق المبين فالعبد فاعل مختار مطالب مأمور منهي وفعله تقدير لله تعالى مراد له خلق مقضي) ونحن (نضرب في ذلك مثلاً شرعياً يستروح إليه الناظر في ذلك) فنقول (العبد لا يملك أن يتصرف في مال سيده ولو استبد بالتصرف فيه لم ينفذ تصرفه فإذا أذن له في بيع ما له فباعه نفذ والبيع في التحقيق معزو إلى السيد من حيث أن سببه أذنه ولولا أذنه لم ينفذ التصرف ولكن العبد يؤمر بالتصرف وينهى ويوبخ على المخالفة ويعاقب. فهذا والله الحق الذي لا غطاء دونه ولا مراء فيه لمن وعاه حق وعيه. وأما الفرقة الضالة فإنهم اعتقدوا انفراد العبد بالخلق ثم صاروا إلى أنه إذا عصى فقد انفرد بخلق فعله ولرب كاره له فكان العبد على هذا الرأي الفاسد مزاحماً لربه عز وجل في التدبير موقعاً ما أراد إيقاعه شاء الرب أو كره. ثم قال بعد ورقةٍ أو أكثر قد أطلت أنفاسي ولكن لو وجدت في اقتباس هذا العلم من يسرد لي هذا الفصل لكان وحق القائم على كل نفسٍ بما كسبت أحب إلى من ملك الدنيا بحذافيرها طول أمدها قال ابن القيم انتهى كلامه بلفظه. وهذا توسط حسن بين الفريقين وقد أنكره عليه عامة أصحابه. منهم الأنصاري شارح الإرشاد وغيره وقالوا هو قريب من مذهب المعتزلة ولا يرجع الخلاف بينه وبينهم إلا إلى الاسم انتهى.) وقال (الشيخ السنوسي وما نقل عن إمام الحرمين من أن القدرة الحادثة تؤثر في الأفعال. لكن لا على سبيل الاستقلال. بل على أقدارٍ قدرها الله تعالى. فهو قول مرغوب عنه لا يصلح القول به ولا تقليده في ذلك لفساده قطعاً. وعدم جريه على السنة عقلاً ونقلاً. لأن القدرة الحادثة على مقتضى هذا القول أما أن يكون من صفة نفسها إيجاد الفعل الذي تتعلق به أولاً. فإن كان الأول لزم عند تعلقها بالفعل. أما سلب صفتها النفسية إن لم تؤثر في الفعل
وكان الموجد هو الله تعالى أو غلبتها لقدرته تعالى إن كانت هي التي أثرت في الفعل وفرضت أن الله تعالى أراد أن يوجد ذلك الفعل بقدرته وكلا الأمرين محال. ولا يدفع محذور ما لزم من العجز والغلبة في الثاني. قوله إن تأثيرها إنما هو على وفق إرادته تعالى لأن التأثير إذا قدرنا أنه صفة نفسية للقدرة الحادثة لم يمكن أن يتوقف ثبوته لها على شيء أصلاً. وإن كان الثاني وهو أن التأثير ليس صفة نفسية للقدرة الحادثة لزم أن تفتقر إلى معنىً يقوم بها ويوجب لها التأثير. وحينئذ ننقل الكلام إلى ذلك المعنى الذي أوجب لها التأثير هل ذلك أيضاً من صفة نفسية أو لمعنىً قام به ويلزم التسلسل أو قيام المعنى بالمعنى انتهى.) وأقول (كلام شارح الإرشاد. خارج عن مسلك السداد. فكلام الإمام في التصريح بأن القدرة الحادثة تؤثر في مقدورها وأن فعل العبد تقدير لله تعالى مراد له) وحاصله (إن قدرة العبد تؤثر فيما تعلقت به مشيئته إذا شاء الله تعالى لا على الاستقلال. وفيه أيضاً التصريح بأن المعتزلة قائلون بانفراد العبد بخلق فعله وأن فعله ليس بتقدير الله تعالى. وإن العبد إذا عصا بترك مأمور أو فعل منهي فقد انفرد بخلق فعله والله تعالى لا يريد ذلك. فعندهم يشاء الله تعالى ما لا يكون من المأمور ويكون ما لا يشاء من المنهي. وهذا فرق واضح مظهر لكون قول الإمام جارياً على السنة بخلاف قول المعتزلة فإنه مصادم لنص) لا قوة إلا بالله (ونص) وما تشاءون إلا أن يشاء الله () وأما ما أورده السنوسي (فجوابه أن تقول إن أردتم بأن القدرة الحادثة من صفة إيجاد الفعل أنها تؤثر على غير وفق إرادة العبد التابعة لإرادة الله تعالى فنختار أنها ليست من صفة نفسها إيجاد الفعل كذلك.) قولكم (فيلزم أن تفتقر إلى معنى يقوم بها ويوجب لها التأثير الخ قلنا لا يلزم ذلك لأنها عندنا صفة تؤثر وفق الإرادة فلا تحتاج لا إلى تعلق إرادة العبد التابعة لإرادة الله تعالى بالفعل وتعلق الإرادة بالفعل نسبة بين الإرادة والفعل المقدور لا معنى قائم بالقدرة فلا تسلسل ولا قيام المعنى بالمعنى. وإن أردتم أنها من صفة نفسها أن تؤثر في إيجاد الفعل الذي تعلقت به مشيئته التابعة لمشيئة الله تعالى فنختار أنها كذلك.) قولكم (يلزم سلب صفتها النفسية إن لم تؤثر وكان الموجد هو الله تعالى أو غلبتها لقدرته تعالى إن أثرت وأراد الله تعالى أن يوجده بقدرته وكلا الأمرين محال. قلنا لا يلزم شيء من المحالين لأن الفعل الذي تعلقت به مشيئة العبد إن تعلقت به مشيئة الحق تعالى أيضاً فلا يمكن أن لا تؤثر لأن القدرة صفة تؤثر على وفق مشيئة العبد التابعة لمشيئة الله تعالى فلا يتخلف تأثيرها عن تعلق المشيئة الإلهية فلا يلزم سلب الصفة النفسية ولا غلبتها لقدرة الله تعالى لأن الله تعالى قد شاء ذلك أي أن يقع ذلك الفعل بواسطة قدرة العبد فلا بد من وقوعه بقدرته بمشيئة الله تعالى فلم يقع إلا ما شاء الله تعالى أن يقع لكن بواسطة قدرة العبد التي هي من آثار قدرته عز وجل لحكمة مع الغنى عن ذلك. فما شاء تعالى كان بواسطة أو بلا واسطة. وما لم يشأ لم يكن. فلا غلبة ولا سلب للصفة النفسية. وإن كان الفعل الذي تعلقت به مشيئة العبد لم تتعلق به مشيئة الله تعالى فلا يمكن أن تؤثر قدرة العبد فيه أصلاً إذ لا تؤثر على وفق مشيئته إلا إذا كانت تابعة لمشيئة الله تعالى فإذا انفردت فلا تأثير إذ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فلا يتصور الغلبة إلا على فرض أن تتعلق مشيئة الحق تعالى بغير ما تعلقت به مشيئة العبد. والإمام لا يقول بتأثير قدرة العبد فيما لم تتعلق به مشيئة الحق تعالى لتصريحه بأن فعل العبد مقدور مراد الله تعالى فعند اختلاف الإرادتين لا إيجاد لقدرة العبد فلا غلبة لها) والحاصل (أن ما أورده السنوسي من المحذورين لا يلزم شيء منه إلا على تقدير الاستقلال واختلاف تعلق الإرادتين كما هو مذهب المعتزلة القائلين بأن الله تعالى يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء. وأما على تقدير عدم الاستقلال واتفاق المشيئتين. فلا لزوم أصلاً لشيء من المحذرين. وهو ظاهر لمن يرى. والحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى. ولله تعالى در من قال:
تنكب من طريق الجبر واحذر
…
وقوعك في مهاوي الاعتزال
وسر وسطاً طريقاً مستقيماً
…
كما سار الإمام أبو المعالي
واعترض بأنه يفهم مما ذكر صريحاً إن قدرة العبد واسطة في وقوع ما أراده الله تعالى من فعل العبد. والمشهور عن الأشعري نسبة جميع الكائنات إليه تعالى ابتداءاً حتى قال بعض الأشاعرة من قال أن الأسباب تؤثر بقوة أودعها الله تعالى فيها فهو فاسق مبتدع. وفي كفره قولان. وأجيب بأنه كيف يتأتى إنكار الواسطة بعد نحو قوله تعالى) قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم (وقوله تعالى) ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض (وقوله عليه الصلوة والسلام) أنا الماحي يمحو الله بي الكفر (وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم) ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي (إلى غير ذلك) وفي شفاء العليل لابن القيم (إن الله تعالى ربط الأسباب بمسبباتها شرعاً وقدراً وجعل الأسباب محل حكمته في أمره الديني الشرعي وأمره الكوني القدري ومحل ملكه وتصرفه فإنكار الأسباب والقوى جحد للضروريات وقدح في المعقول والفطر ومكابرة للحس وجحد للشرع والجزاء فقد جعل الله تعالى مصالح العباد في معاشهم ومعادهم والثواب والعقاب والحدود والكفارات والأوامر والنواهي والحل والحرمة كل ذلك مرتبطاً بالأسباب قائماً بها بل العبد نفسه وصفاته وأفعاله سبب لما يصدر عنه والقرآن مملوء من إثبات الأسباب. وساق الكلام في ذلك. إلى أن قال ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنة لزاد على عشرة آلاف موضع ولم نقل ذلك مبالغةً بل حقيقةً. ثم قال ويا لله تعالى العجب إذا كان الله تعالى خالق السبب والمسبب. وهو الذي جعل هذا سبباً لهذا والأسباب والمسببات طوع مشيئته وقدرته منقادة لحكمه فأي قدح يوجب ذلك في التوحيد وأي شرك يترتب على ذلك بوجهٍ من الوجوه إلى آخر ما قال. وذكر العلامة البيضاوي عند الكلام على قوله تعالى) وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات (إنه تعالى قادر أن يوجد الأشياء كلها بلا أسباب ومواد كما أبدع نفوس الأسباب والمواد ولكن له تعالى في إنشاءها مدرجاً من حال إلى حال صنائع وحكماً يجدد فيها لأولي الأبصار عبراً وسكوناً إلى عظيم قدرته ليس في إيجادها دفعة انتهى. وفيه إشارة إلى دفع شبهة الاستكمال بالغير ولزوم التسلسل فتأمل. ومن أقوى ما يستدل به على أن الله تعالى أودع في بعض الأشياء ما أودع كالنار أودع فيها قوة الإحراق لكنها لا تحرق إلا بإذنه قوله تعالى) يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم (فإن النار إذا لم يكن بينها وبين الماء فرق كما زعمت الأشاعرة سوى أنه جرت عادة الله تعالى بالإحراق عندها لأنها ولم تجر عادته سبحانه بالإحراق عند الماء بل جرت بالري أو الإغراق عنده لا به فهما سيان في الخلو عن قوة مودعة فيهما. لكان لها أن تقول يا رب أي شيء أودعت في حتى تقول لي كوني برداً وسلاماً ويدل على التأثير بالأذن قوله تعالى) وما هم بضارين به من أحدٍ إلا بإذن الله (بناءاً على أحد المذهبين في الاستثناء. وكذا يدل عليه غير ذلك مما يطول ذكره. وتأويل جميع ما ظاهره إثبات الواسطة خروج عن دائرة الإنصاف) ثم اعلم (أنه كثيراً ما يسأل في هذا المقام ويقال إن تأثير قدرة العبد إذا كان تابعاً لإذن الله تعالى ومشيئته الفعل تابعة لمشيئة الله تعالى فلم يشاء الله تعالى من العبد الكفر مثلاً ليشاءه العبد فتتعلق بها قدرته وتؤثر على وفق إرادته التابعة ثم يعذبه عليه يوم القيامة وهو سبحانه الذي سبقت رحمته غضبه أن لا تكون بذلك للعبد حجة على ربه عز وجل بأن يقول له سبحانه يا رب أنت الذي شئت كفري مثلاً وما لي بعد مشيئتك متأخر ومتقدم) فيقال (لا بد في الجواب من مقدمة وهو أن للأشياء المعدومة الممكنة ثبوتاً في نفس الأمر ومعنى كونها ثابتة في نفس الأمر أنها ثابتة في نفسها أي أن ثبوتها لا يتوقف على فرض فارض بل ثبوتها في نفسها متحقق من غير فرض وثبوتها في نفسها بهذا المعنى هو ثبوتها في علم الله تعالى باعتبار عدم مغايرته للذات وهذا أحد اعتباري العلم.) وثانيهما (أنه اعتبار ليس عين الذات وبهذا الاعتبار يقال العلم نابع للمعلوم دون الاعتبار الأول لأن التبعية نسبة تقتضي طرفين متمايزين ولو بالاعتبار ولا تمايز عند فرض عدم المغايرة اعتباراً بخلافه على الاعتبار الآخر لتحقق التمايز النسبي عليه المصحح للتبعية والمعلوم الذي يتبعه العلم هو ذات الحق تعالى بجميع شؤونه ونسبه واعتباراته. ومن هنا يقول المحققون علمه
تعالى بالأشياء أزلاً عين علمه بنفسه. ثم أن ماهيتها غير مجعولة أي أنها بذواتها ليست أثر الفاعل لأن ذواتها هي المعدومات الثابتة في نفس الأمر والثبوت في نفس الأمر لها أزلي لتوقف تعلق العلم الأزلي بها على تمايزها المتوقف على ثبوتها وما توقف عليه التعلق الأزلي فهو أزلي بالضرورة ولا شيء من الأزلي بمجعول. لأن الجعل تابع للإرادة التابعة للعلم التابع للمعلوم الثابت. فالثبوت متقدم على الجعل بمراتب فلا تكون الماهيات من حيث الثبوت أثراً للجعل والإكثار وإنما تكون مجعولة في وجودها لأن وجود العالم حادث وكل حادث مجعول. والحاصل لا مجعول إلا الصور الوجودية للأشياء وأما حقائقها فلا صور لها في الأزل وجودية ولا خارجية ولا مثالية مرتسمة في ذات الحق تعالى حادثة بالحدوث الذاتي كما ثيل بل هي نسب واعتبارات أزلية أعني أنها أعيان النسب والاعتبارات الأزلية التي هي أمور عدمية ثبوتية لا صور وجودية مثالية. ثم أن ثبوتها النفس الأمري كافٍ لتعلق العلم الأزلي بها وانكشافها للحق تعالى فهي بذواتها منكشفة له تعالى من غير حاجة إلى صور مثالية مرتسمة فيه أو في العقل الأول على ما يزعمه بعض جهلة الفلاسفة. ثم أن الصور الوجودية الخارجية للأشياء إنما تجعل لها على وفق ما هي عليه في نفس الأمر فهي في الأزل طالبة لها بلسان استعدادها فيما لا يزال وحيث أنه سبحانه كريم. وجواد حكيم. يفيض عليها ما طلبته ويعطيها ما هي عليه في نفس الأمر كما يشعر بذلك قوله تعالى) أعطى كل شيء خلقه (حيث أضاف سبحانه الخلق إلى ضمير الشيء ولم يقل سبحانه خلقاً والحكمة تأبى أن يعطى الشيء ويفيض عليه خلاف ما هو عليه في نفس الأمر) إذا علمت ذلك (فمشيئة الله تعالى كفر الكافر مثلاً لأن استعداده الأزلي طلبه والحكمة اقتضته فما كان الله تعالى ليمنعه إياه وإن أضر به ولذا قال سبحانه) وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (وقال عليه الصلوة والسلام) فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه (ويظهر حقيقة ذلك للعصاة يوم القيامة. ومن هنا يقول الكفار) غلبت علينا شقوتنا (ويقول إبليس لأهل النار) لا تلوموني ولوموا أنفسكم (فالكافر مثلاً لا بد أن يعصي ويكفر وإلا لزم انقلاب العلم جهلاً وهو محال ولذا قال سبحانه في حق الكفرة المعذبين) ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه (لكنهم لا يعصون إلا باختيارهم وهم مجبورون في عين الاختيار) لا يقال (إذاً يلزم التكليف بالمحال ضرورة إن كل فعل للعبد اقتضى استعداده الأزلي أنه لا يقع ممتنع الوقوع تحقيقاً لكون العلم تابعاً للمعلوم كاشفاً له كشفاً إحاطياً دفعاً للانقلاب) لأنا نقول (مدار التكليف على الإمكان العقلي والإيمان من الممكنات العقلية وإنما كلف الله سبحانه الكفار وأرسل إليهم الرسل وهو عز وجل يعلم سوء اختيارهم الذي اقتضاه سوء استعدادهم الأزلي الغير المجعول وكذا سائر المكلفين لاستخراج سر ما سبق به العلم التابع للمعلوم من الطوع والآباء في المكلفين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فإن الله تعالى لو أدخل كلاً داره التي سبق العلم بأنها داره لربما كتموا ما ينكشف من حقيقة الحال أو غفلوا عنه أو تشبثوا بالاعتراض قبل الانكشاف فكان شأنهم ما وصفه الله تعالى بقوله) ولو إنا أهلكناهم بعذابٍ من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى (فأرسل عز وجل رسله مبشرين ومنذرين ليستخرج ما في استعدادهم من الطوع والإباء.) ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة. وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (وتقوم به الحجة على الآخرين إذ بعد الذكرى وتبليغ الرسل تتحرك الدواعي للطوع والأباء بحسب الاستعداد الأزلي فيترتب عليه الفعل أو الترك بالمشيئة التابعة للعلم التابع للمعلوم الثابت الأزلي. فيترتب عليه الضر والنفع من الثواب والعقاب. فمتى قال الكافر مثلاً يا رب لم شئت كفري حتى شئته أنا وفعلته فعذبتني قال الله تعالى له لم أشأ ذلك إلا لسبق علمي بك كافراً في حد ذاتك فما أنت والكفر إلا كالأربعة مثلاً والزوجية من وجهٍ فأبرزتك حسبما علمتك وعلمنك حسبما أنت عليه ومع ذا لم أمنعك فضلي فأرسلن إليك رسلي مبشرين ومنذرين. مرغبين ومرهبين. فأبيت إلا الكفر فأي قصور مني في رعايتك. وأي بخل يروى عني بأسباب هدايتك. ومتى قال
يا رب كان عليك أن لا تخلقني وتدعني جليساً في زوايا العدم وتتركني. يقول الرب يا عبدي شأني الجود. وإفاضة الوجود. لا سيما وقد طلبته مني بجميع شراشرك. واقترحته علي بباطنك وظاهرك. وأنا الملك الحكيم. والرب الكريم. والإيجاد في نفسه رحمة. ولا يضر في ذلك أنه قد يترتب عليه نقمة. لا سيما إن كان ذلك مما تقتضيه الحكمة) قال الشيخ محيي الدين قدس سره (هذا يعني طلب الاستعداد الأزلي الغير المجعول لما يكون عليه العبد في الخارج هو حجة الله تعالى البالغة المذكورة في قوله تعالى) ولله الحجة البالغة (وإلى ذلك الطلب يشير ما حكي من أن علياً كرم الله تعالى وجهه دخل يوماً على عمر رضي الله تعالى عنه فرآه مغموماً فقال له ما عراك يا أمير المؤمنين فقال خوف سوء الخاتمة. فقال أما أنا فخوفي من سوء الفاتحة. فافهم ذاك. والله تعالى يتولى هداك.) لا يقال (يترائى من خلال الكلام أن للعلم التابع للمعلوم مدخلاً في وجود الفعل وامتناعه وسلب القدرة والاختيار ويلزم ذلك أن لا يكون الله عز وجل فاعلاً مختاراً لكونه سبحانه عالماً بأفعاله وجوداً وعدماً وهو خلاف مذهب المسلمين) لأنا نقول (ذاك غير لازم لأن الله تعالى غني بالذات عن العالمين ومقتضى غناه عنهم أن لا يكون صدور شيء من أجزاء العالم لازماً لذاته وكلما كان كذلك جاز أن يرجح ما شاء منها لداع أو غير داع لأن الله تعالى غني حميد وكلما. كان له سبحانه الترجيح لما شاء من طرفي الممكن بالنظر إلى ذاته الغني عن العالمين كان فاعلاً مختاراً في الترجيح لا يتعين عليه ترجيح أحد الطرفين بخصوصه. وهذا هو الاستقلال في الاختيار لكن الله تبارك وتعالى مع استقلاله في الاختيار لا يرجح إلا ما اقتضته الحكمة. لما يقتضيه الجود والرحمة. من مراعاة مقتضى الحكمة. فهو تعالى بالنظر إلى غناه الذاتي مستقل في الاختيار يرجح أي طرف شاء وبالنظر إلى ما سبق به العلم من ترجيح ما اقتضته الحكمة بمقتضى الجود والرحمة لا للوجوب عليه سبحانه لا يرجح إلا أحد الطرفين على التعيين. ولا مناقاة بين الاعتبارين لأن الاستقلال في الاختيار بالنظر إلى الغنى الذاتي والتعيين بالنظر إلى مراعاة الحكمة فلا يلزم من تعيين أحد الطرفين بالترجيح نظراً إلى سبق العلم لمراعاة الحكمة أن لا يكون مستقلاً بالاختيار في الترجيح من غير تعيين نظراً إلى غناه الذاتي وأما العبد فليس له جهة الغنى الذاتي حتى يصح له الاستقلال بالاختيار بوجهٍ ما فإنه فقير بالذات إلى الله تعالى الغني بالذات في أصل وجوده وكمالاته النابعة لوجوده التي منها قدرته وإرادته إذ لا فعل إلا بقوة بالضرورة ولا قوة إلا بالله بالنص المتواتر. ثم أنه لا يفعل إلا ما يشاء بالضرورة ولا يشاء إلا ما يشاء الله فلا يفعل إلا ما يشاء الله تعالى ولا يشاء الله سبحانه إلا ما سبق به العلم لأن الإرادة نابعة للعلم ولا سبق العلم إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه لمكان التبعية فلا يفعل العبد إلا ما يقتضيه استعداده الأزلي وليس في استطاعته ترجيح غير ذلك فإنه لا ترجيح له بالنظر إلى ذاته إذ لا ترجيح له إلا بالله وإلا جاز الانقلاب وكلما كان كذلك بطل استقلال العبد بوجهٍ ما في الاختيار في الطوع والإباء. واتضح الفرق بين الحق عز وجل والخلق وانكشف الغطاء. والحمد لله تعالى الذي نور الأرض والسماء. قاله العلامة الكوراني) وبالجملة (ما أبرز سبحانه ولا يبرز شيئاً من خزائن علمه إلا موافقاً لما هو عليه في نفسه وذلك عين الحكمة فهو عز وجل لا يسأل عما يفعل لأنه لا يفعل ما يسأل عنه لحكمته جل شأنه. وعز سلطانه. وليس نفي سؤاله تعالى عما يفعله لمجرد عظمته وجبروته أي أنه لا يجبر أحد أن يسأله الرهبة منه إذ ذاك شأن كثير من الملوك الظلمة فأي تمدح فيه ولو شاء سبحانه لهدى الناس جميعاً لكنه جل وعلا لم يشأ ذلك لأنه خلاف ما سبق به العلم التابع للمعلوم فقول الذين أشركوا) لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء (كلمة حق أرادوا بها باطلاً ولا يصح أن يكون حجة لهم على الله تعالى لما أشرنا إليه من أن مشيئته تعالى تابعة لعلمه التابع للمعلوم على ما هو عليه فانتقاء مشيئة عدم إشراكهم وتحريمهم ليس إلا من قبلهم وذلك سوء استعدادهم الأزلي الغير المجعول. وقد أشار سبحانه إلى ذلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع
وهو شهيد بقوله عز من قائل) كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين (أي دون الهداية والإيصال إلى الحق فإن ذلك مربوط بالاستعداد الأزلي الغير المجعول. وبعلم من إمعان النظر في جميع ما ذكرنا السر في قوله تعالى) ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس (وقوله تعالى) وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون (وقوله سبحانه) وجعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً (إلى غير ذلك. بل تنحل بذلك وتندفع اعتراضات إبليس عليه اللعنة المذكورة في كتاب الملل والنحل للشهرستاني وغيره على الله تعالى حين أبى واستكبر وطرده من حضرته. ويتضح كون قوله تعالى عقبها) يا إبليس ما عرفتني ولو عرفتني ما اعترضت علي (جواباً شافياً. ورداً وافياً. ثم أن هذه المسألة أعني مسألة خلق الأفعال من أعظم المسائل. وكم للعلماء فيها من كتب ورسائل. وأكثر من ألف فيها تذكرة العلامة الثاني. شيخ مشايخنا الشيخ إبراهيم الكوراني. وقد رأيت له فيها سبع رسائل. وقد رد في معظمها سهام المناضل. وأظن أن النزاع فيها الوالخصام قائم بين العلماء إلى يوم القيام. وما ذكرته قل من جل. وغيض من فيض. وفيه مناقشات كثيرة للخصوم. ومما يناقش فيه منه شيئية المعدوم. وقد كفانا أمرها الكوراني في كتابه جلاء الفهوم. هذا وأسأل الله تعالى التوفيق. إلى أقوم طريق.
) ومنها (ما جرى في قوله تعالى) عاليهم ثياب سندسٍ خضر (حيث سأل عن نصب عاليهم بقوله:
أيا علامة بين الن
…
حات حوى معاليهم
ابن لا زلت مرفوعاً
…
على ما نصب عاليهم
فأجبت في الحال. إنه كثير على الحال. وفي ذلك اختلاف كثير. ذكرته في التفسير.) ثم أني (سألت سيبويه أقرانه. وكسائي زمانه. المعول عليه في المسائل الفقهية والنحوية. السيد محمد أفندي واعظ الحضرة القادرية. فأجاب بقوله:
سألت إمام أهل الفض
…
ل دانيهم وقاصيهم
وشيخ الكل في كل العلو
…
م على ما نصب عاليهم
على حالية نصبوه من
…
هم في عليهم نلت نائلهم
ومن رفعوا لذاك أرى
…
عني الأخبار تاليهم
وفي تفسيرنا روح المعاني) قيل (عاليهم ظرف بمعنى فوقهم. وهو خبر مقدم لثياب. والجملة حال من الضمير المجرور في عليهم. فهي شرح لحال الأبرار المطوف عليهم. وقال أبو حيان أن عالي نفسه حال من ذلك الضمير وهو اسم فاعل وثياب مرفوع على الفاعلية به ومثله في ذلك عالية ويحتاج في إثبات كونه ظرفاً إلى أن يكون منقولاً من كلام العرب عاليك ثوب مثلاً وقيل حال من ضمير لقاهم أو من ضمير جزاهم وقيل حال من الضمير المستكن في متكئين والكل بعيد. وجوز كون الحال من مضاف مقدر قبل نعيماً وقبل ملكاً أي رأيت أهل نعيم وأهل ملك عاليهم الخ. وهو تكلف غير محتاج إليه. وقيل صاحب الحال الضمير المنصوب في حسبتهم فهي شرح لحال الطائفين. ولا يخفى بعده لما فيه من لزوم التفكيك ضرورة أم ضمير سقاهم فيما بعد كالمتعين عوده على الأبرار. وكونه من التفكيك مع القرينة المعينة وهو مما لا بأس به ممنوع) واعترض (أيضاً بأن مضمون الجملة يصير داخلاً تحت الحسبان وكيف يكون ذلك وهم لابسون الثياب حقيقة بخلاف كونهم لؤلؤاً فإنه على طريق التشبيه المقتضي لقرب شبههم باللؤلؤ أن يحسبوا لؤلؤاً) وأجيب (بأن الحسبان في حال من الأحوال لا يقتضي دخول الحال تحت الحسبان.) إلى أن قلت (وعلى كل حال هذه الثياب لباس لهم وربما تشعر الآية بأن تحتها ثياباً أخرى. وقيل على وجه الحالية من متكئين. إن المراد فوق حجالهم المضروبة عليهم ثياب سندس. وحاصله أن حجالهم مكللة بالسندس والاستبرق. وقرأ ابن عباس بخلافٍ عنه. والأعرج وأبو جعفر وشبيبة وابن محيصن ونافع وحمزة عاليهم بسكون الياء وكسر الهاء وهي رواية إبان عن عاصم فهو مرفوع بضمة مقدرة على الياء على أنه مبتدأ وثياب خبره وعند الأخفش فاعل سد مسد الخبر. وقيل على أنه خبر مقدم وثياب مبتدأ مؤخر وأخبر به عن النكرة لأنه نكرة وإضافته لفظية وهو في معنى الجماعة كما في) سامراً تهجرون (على ما صرح به مكي ولا حاجة إلى التزامه على رأي الأخفش. وقيل هو باقٍ على النصب والفتحة مقدرة على الياء. وأنت تعلم أن مثله شاذ أو ضرورة. فلا ينبغي أن يخر عليه القراءة المتواترة. وقرأ ابن مسعود والأعمش وطلحة وزيد بن علي. عاليتهم بالياء وبالتاء المضمومة وعن الأعمش أيضاً وأبان عن عاصم فتح التاء الفوقية وتخريجهما كتخريج عاليهم بالسكون والنصب. وقرأ ابن سيرين ومجاهد في رواية وقتادة وأبو حيوة وابن أبي عبلة والزعفراني وأبان. عليهم جاراً ومجروراً فهو خبر مقدم وثياب مبتدأ مؤخر. وقرأت عائشة علتهم بتاء التأنيث فعلاً ماضياً فثياب فاعل. انتهى مكا تعلق الغرض بنقله في هذا المقام.) وأنا الآن (أميل إلى أن عالي بالنصب ظرف بمعنى فوق. وهو خبر مقدم لثياب. وأن الجملة صفة ثالثة لولدان أو حال من ضمير هم في حسبتهم. ومتى ظهر المعنى. لا بأس بالتفكيك. ومع ذلك مكابرةً فهو أكثر من أن يحصى ولزوم دخول الحال في حيز الحسبان قد سمعت جوابه. وإذا جعل على هذا ضمير وخلوا أساور من فضة وفسر مخلدون بمقر طون بخلدة. تكون الآية متضمنة لوصف الخدم على أتم وجه. ويعلم منه بالأولى حسن حال المخدومين وأنه مما لا تفي عبارة بتفصيله. وما أورد على القول بالظرفية من أنه يحتاج في إثبات ذلك إلى أن يكون منقولاً من كلام العرب عليك ثوب ممنوع بل يكفي في ذلك ورود عالٍ بمعنى فوق. وقد ورد ذلك. قال في القاموس) أتيته من عل بكسر اللام وضمها ومن علا ومن أعالٍ أي من فوق انتهى (. على أنه لا يبعد أن يكون القائل بذلك القول قد وقف على ورود عاليك ثوب عن العرب فتجاسر على حمل ما في الآية على حمل ما عليه. فليتأمل.
) ومنها (ما جرى في سؤاله سأله بقوله:
أيا من سار برق الفكر منه
…
مسير الشمس في شرق وغرب
لنا رجل له رجل تقوى
…
بها في مشيه بطريق غصب
أيفرض غسلها عند التوضي
…
أفيدونا جزيتم خير ربي
فقلت ارتجالاً وإن لم يكن على وزن كلامه:
أمولاي تلك الرجل يفرض غسلها
…
عداك الردي عند الوضوء أو الغسل
) فقال (ما صورة الغصب) فقلت (صورته فيما إذا استحقت القطع شرعاً ولم يمكن صاحبها منه. وسألت بعد الواعظ السابق ذكره فأجاب بقوله:
أيا شمس المعارف ما اعتراها
…
كسوف قط في شرقٍ وغرب
سألت أسيدي عن رجل شخص
…
غدا ماشٍ بها بطريق غصب
أيفرض غسلها عند التوضي
…
نعم فرض بلا شك وريب
بإجماع وإن الخلف فيمن
…
له خف تخففها بنهب
فعند أبي حنيفة جاز مسح
…
عليها كالتي ملكت بكسب
وأحمد لا يجيز المسح فيها
…
كذا عن كتبه نقلوه صحبي
وصورة غصب رجل إن شخصاً
…
تعمد ضرب إنسانٍ بغضب
فقد الرجل منه فاستحقت
…
لقطع رجله في حكم ربي
ففر ولم يمكنه قصاصاً
…
وباء بخيبة وعظيم ذنب
وفي إطلاق مغصوبٍ عليها
…
مساهلة يراها كل ندب
ودم مولاي أعلى من ذويك ال
…
كرام الغر كعباً أي كعب
فتسعى نحو كعبتك المعالي
…
كما يسعى إلى الحرم الملبي
تنادي لا على قدمي أسعى
…
إليها بل على رأسي ولبي
ومن الغريب ما رأيته في بعض كتب الحنابلة من الخلاف في صحة صلوة من وجب عليه قطع اليد للسرقة أو نحوها ولم يمكن منه.) نعم (الصحيح عندهم الصحة واتفقوا على عدم صحة الصلوة في الثوب المغصوب أو الأرض المغصوبة. والمسألة مفصلة في كتب الأصول والفروع والله تعالى أعلم.
) ومنها (ما جرى في سؤال سأله بقوله:
يا أيها المفتي الذي
…
علم الفروع له انتسب
أي احتلام يعتري
…
والغسل منه ما وجب
فقلت:
مولاي ذا الفضل الذي
…
منه الورى نالوا الأدب
ذاك احتلام أول
…
به البلوغ قد وجب
وذاك في قولٍ لهم
…
ما سامه ذوو الرتب
وفيه إشارة إلى أن القول بعدم وجوب الغسل بأول مني خارج تحقق به البلوغ لا يعول عليه. والأصح) كما في إمداد الفتاح وغيره (وجوب الغسل منه. ومن الناس من أجاب بأن ذاك احتلام انتبه صاحبه فمسك ذكره حتى هدأت شهوته ثم أطلقه فسأل المنى بلا شهوة. وأنت تعلم أن في عدم وجوب الغسل في هذه الصورة خلافاً أيضاً فلا تغفل.
) ومنها (ما جرى في سؤال سأله بقوله:
يا أيها المفتي الذي
…
بعلمه له العمل
للمرء هل شكر إذا
…
طعام ظالم أكل
فأجبت على غير ذلك البحر:
أمولاي إن الشكر للمرء قد أتى
…
على الرزق نصاً وهو للسحت قد شمل
وخالف في ذاك الشمول جماعة
…
وقولهم قد رده السادة الول
فلا بأس في شكر امرئٍ ربه على
…
طعام لذي ظلم دعاه إذا أكل
وسألت الواعظ أيضاً فأطال في الجواب ومنه قوله:
يا أيها المولى الذي
…
بفضله فاق الأول
سألت عن شكر امرئٍ
…
طعام ظالم أكل
نعم يجوز شكره
…
وإن يكن ذا غير حل
ذكره في قنيةٍ
…
ورد محتار نقل
ذلك عنها وهي لا
…
تخفى على من قد سأل
انتهى المراد منه. ثم أنه قد خاض في أمر التسمية على الحرام وذكر أنه كفر ثم أبدى الفرق بين التسمية على الحرام والشكر عليه بأن التسمية قد شرعت في أول الأمر ذي البال والمحرم ليس منه مع أنه قد حظرها الشارع فيه والشكر قد شرع على الرزق والحرام منه عند أهل السنة خلافاً للمعتزلة. وأنا أقول في أمر التسمية على الحرام أنه قد شاع الإكفار بالتسمية غليه والذي اطلعت عليه من تتبع كتب الحنفية والشافعية أن المسألة خلافية فيها عدة أقوال) أحدها (ما سمعت) وثانيها (أن الحرمة إن كانت أصلية كحرمة لحم الخنزير وحرمة الخمر فالتسمية على الذي فيه الحرمة كذلك كفر وإن كانت غير أصلية كحرمة الخبز واللحم المغصوب فالتسمية على المحرم بها ليست بكفر وإنما هي مكروهة) نعم (يكفر بالتسمية إذا قصد الاستخفاف لكن هذا أمر آخر) وثالثها (إن التسمية على الحرام مطلقاً وعلى المكروه مكروهة ولا يلزم من كون المحرم غير ذي بال كون التسمية عليه كفراً. فحمل تبنة مثلاً من الأرض كذلك. مع أن التسمية عليه ليست بكفرٍ إجماعاً. ويخطر لي أني رأيت في بعض الكتب أن هذا هو القول المصحح عند الشافعية وإلى هذا القول أميل. وإياه أختار. ولا شيء عندي أخطر من الإكفار. وساداتنا الحنفية قد تساهلوا في أمره حتى أن منهم من أكفر القائل لمن في الباب أو لمن حظر طعاماً مثلاً باسم الله كما اعتاده كثير من الناس والحق أن ذلك ليس من الكفر في شيءٍ ومثل ذلك عندهم كثير. مع تصريحهم بأن أمر الإكفار خطير. والله تعالى أعلم.
) ومنها (ما جرى في سؤال سأله بقوله:
يا بحر جود ما له ساحل
…
يقذف بالدر علينا الثمين
ما القول فيما يأخذ حكامنا
…
لدى القضا من حجيج المسلمين
وصار محصول القضا عندهم
…
أطيب من كسب بكد اليمين
منوا بما يدفع إشكالنا
…
لا زلتم خادمي شرعٍ مبين
) فأجبت (:
مولاي ما يؤخذ في عصرنا
…
محرم في شرعة المسلمين
فليس للقاضي سوى أجرة آل
…
مثل ولكن من سوى القاصرين
ومعظم الحكام يشكوهم
…
من خبثهم دين النبي الأمين
غاروا على مال اليتامى ضحىً
…
فانتهبوا كل نفيس ثمين
إلى أمورٍ عارها ظاهر
…
أقلها تحريف شرع مبين
قد أوجبت والله أفعالهم
…
في ديننا طعناً من الملحدين
فما يريح الدين منهم سوى
…
صاعقة تصعقهم أجمعين
وسألت الواعظ أيضاً فأجاب. وأطال في الجواب. ولعلنا نذكر ذلك في ترجمة شيخ الإسلام والله تعالى الموفق.
) ومنها (ما جرى في حل العويصة الشهيرة بالجذر الأصم ولها تقريرات أربع) أحدها (أنه إذا قال أحد) كل كلامي في هذه الساعة كاذب (ولم يتكلم في تلك الساعة بغير هذا الكلام أو تكلم بغيره ولم يتكلم إلا بالكاذب لزم من ذلك الكلام اجتماع الصدق والكذب أو اجتماع الكذب مع ارتفاعه أو ارتفاعهما معاً مع ثبوت الكذب له. لأنه لا يخلو أما أن يكون صادقاً أو كاذباً أو لا صادقاً ولا كاذباً. ولا خفاء في أن صدقه مستلزم لكذبه وكذبه مستلزم لسلب الكذب عنه أو ثبوت الصدق له وعدم صدقه مع عدم كذبه مستلزم لكذبه) وثانيها (أنه إذا قال أحد يوماً أن الكلام الذي أتكلم به غداً كاذب ولم يتكلم في ذلك اليوم بغير هذا الكلام أو تكلم بكلام صادق ثم اقتصر في الغد على قوله أن ذلك الكلام الذي تكلمت به أمس صادق أو تكلم بكلام كاذب معه لزم من صدق كلٍ من هذين الكلامين أي الأمسي والغدي كذب الآخر وبالعكس فيلزم اجتماع الصدق والكذب في كل منهما) وثالثها (أنه إذا قال أحد) بعض كلامي كاذب (ولم يصدر منه كذب أصلاً لزم من صدق هذا القول كذبه ومن كذبه صدقه فلزم اجتماع الصدق والكذب فيه) ورابعها (أنه إذا قال أحد) أنا كاذب (ولم يصدر عنه كذب أصلاً لزم من صدق هذا القول كذبه ومن كذبه صدقه فلزم اجتماع الصدق والكذب فيه) فإنه قال لي يوماً (ما تقول في المعظلة الشهيرة بالجذر الأصم. فقلت لم أسمع فيها جواباً واضحاً والمولى أعلم. وذكرت بعض ما كنت اعتمدته في الأجوبة العراقية. مع أنه لاح لي فيه بعد مناقشات قوية. فقال لا إشكال في البين. فقد يتصف الشيء بالضدين باعتبارين مختلفين. فقلت قد حير هذا الجذر الأصم الفحول. وكم أخرس كل منطيق قؤول. وقد قال العلامة التفتازاني هذه معضلة تحير في حلها عقول العقلاء. وفحول الأذكياء. ولقد تصفحت الأقاويل. فلم أظفر بما يروي الغليل. وتأملت كثيراً فلم يظهر لي إلا أقل قليل. ثم قال. بعد أن ذكر ما ظهر له من المقال. لكن الصواب. عندي في هذه القضية ترك الجواب. والاعتراف بالعجز عن حل هذا الإشكال) وأقول الآن (قد أجاب صاحب القسطاس بجوابين. فقال حل الشبهة بوجهين.) أحدهما (إنا نختار كذب القضية ولا يلزم من كذبها إلا صدق بعض الكلام المعدوم) وثانيهما (أن المخبر عنه في القضية إنما يتعين بإرادة المخبر فإن أراد بقوله كل كلامي غير هذا فلا يلزم اجتماع الصدق والكذب فيه. وإن أراد هذا الكلام فكأنه تكلم بهذا الكلام أولاً وقال ثانياً أنه كاذب. فقد جمع في هذا الكلام خبرين أحدهما صادق. والآخر كاذب.) واعترض الأول (بأنه إنما يصح لو أن كانت القضية حقيقية وأما إذا حملت على الخارجية كما هو مراد المشكك فلا حاجة إلى بيان هذا الجواب.) واعترض الثاني (وهو حاصل جواب العلامة التفتازاني على ما قال الخفري بأن المتكلم إنما تكلم بكلام واحد فيلزم فيه اجتماع الصدق والكذب. ونقل أن ابن كمونة كتب في جواب الكاتبي حين استفسره عن هذا الإشكال) أقول (لا نسلم أنه إما أن يكون كلامه في هذه الساعة كاذباً أو صادقاً فإن الحصر ممنوع. فإن قيل هذا خبر وكل خبر لا يخلو منهما إذ بذلك يمتاز التركيب الخبري عن سائر المركبات) أقول (لا نسلم أن امتيازه عن غيره بذلك بل بأن يكون محتملاً للصدق والكذب. واحتمال الصدق والكذب لا ينافي أن لا يكون في نفسه أحدهما. هذا ما سنح لي. وأسأل أن ينظر فيه مولانا حرسه الله تعالى انتهى.) وأورد عليه (أنه لما سلم أنه خبر لزمه تسليم حصره في الصادق والكاذب وذلك لأن هذا الخبر فرد لموضوعه فلا يخلو أما أن يتحد بالكاذب أولاً. وعلى الأول لزم الصدق وعلى الثاني لزم الكذب. وعلى التقديرين لزم ما لزم في تقرير الإشكال) وأجاب الكاتبي نفسه (بأن صدق تلك القضية باجتماع الصدق والكذب فيكون كذبها بانتفاء هذا المجموع ولا من انتفاء هذا المجموع صدقها لجواز أن يكون انتفاؤه بثبوت الكذب وانتفاء الصدق. وأورد عليه إن صدق القضية إنما هو بمثبوت المحمول الذي هو الكذب لفرد موضوعها الذي هو نفسها فيكون مستلزماً لصدقها لا محالة. ونقل عن العلامة الجرجاني أنه قال في حلها لا شبهة في أن الإشارة إلى الشيء لا يمكن أن يدخل فيها نفسها فلا يكون هذا الكلام من أفراد موضوعه المحكوم عليها بالكذب وبذلك تنحل الشبهة. وأورد عليه أنه لا خفاء في أنه يمكن أن تكون الإشارة إلى إفراد موضوع
قضية بحيث يدخل فيها نفس تلك القضية نحو كل كلامي في هذه الساعة كلام فإنه لا شبهة في اندراج هذه القضية في إفراد موضوعها ولا في صدقها وذلك لأن الحاكم بالخبر لا يشير إلى خصوص فرد الموضوع بل إفراده المتصفة بالعنوان فكل ما له صفة العنوان اندرج فيها سواء كان نفس القضية أو غيرها. وأيضاً الحكم في القضايا إنما يكون على المعلوم بالذات بحيث يسري إلى إفراد الموضوع الموجود في نفس الأمر إن كان لها وجود في نفس الأمر فجار أن يندرج فيها نفس القضية كما في المثال المذكور ونحوه) وقال بعض المحققين في حلها (إن قول القائل كل كلامي في هذه الساعة كاذب إنما يكون صادقاً أو كاذباً إن لو كان خبراً وليس كذلك إذ حقيقة الخبر هو الحكاية عن النسبة الخارجية أما على الوجه المطابقي وحينئذ يكون صادقاً. وأما على الوجه المخالف وحينئذ يكون كاذباً فحيث تنتفي الحكاية عن النسبة الخارجية لا يتحقق الخبر. وقول القائل كل كلامي في هذه الساعة كاذب إذا جعل إشارةً إلى نفس الكلام لا تكون تلك النسبة الذهنية التي هي مدلول حكايةً عن نسبة خارجية أصلاً. وإذا لم يشر بها إلى خارج فلا يكون خبراً حقيقة.) وتعقبه الخفري (بأنه لا خفاء في أن اللفظ كلامي معنىً محصلاً وكذا للكاذب وبين كل معنيين من المعاني نسبة في الخارج فالكلام المشتمل على النسبة الخبرية المعتبر بين ذينك المعنيين سواء كانت إيجابية أو سلبية لم يخل عن الصدق والكذب لأنه إن اعتبر فيه مثلاً النسبة الإيجابية فبينهما أما إيجاب فلزم الصدق أو سلب فلزم الكذب. فيكون لكل كلامي في هذه الساعة واقع. فمدلوله الحقيقي حكاية عن ذلك الواقع لكونه مشتملاً على النسبة الإيجابية التي من شأنها تلك الحكاية فيكون خبراً لا محالة وكيف وقد حكم فيه بالاتحاد بين معنيي كل كلامي وكاذب. وليس معنى الخبر إلا ذاك. وليس من شرط الخبر أن مطابقته تحصل بدون اعتباره في نفسه كما إذا قال أحد كل ما يكون كلامي اليوم فهو مشعر بنطقي ولا يقول في اليوم إلا هذا فإنه لا شك في صدقه. وصدقه لا يكون إلا بمطابقته للواقع الذي هو حاصل اعتباره. فخلاصة دفع هذا الجواب أنه لا شبهة في أن هذا الكلام مشتمل على نسبة ولا في أن هذه النسبة إيجابية لكونها مدلولة للتركيب الخبري المستعمل في الحقيقة ولا في أن لتلك النسبة الخارجية التي هي واقعها الحاصل باعتبار نفسها على نحو حكاية التركيبات الخبرية فيكون هذا الكلام خبراً ومخبراً عن حال نفسه على نحو الإخبار في قولنا كلامي في هذه الساعة مؤلف. أو غير مؤلف ولا يخرج عن الصدق والكذب على ما عرفت. فاندفع ما قاله المجيب مما حاصله أن مراد من قال أنه إنشاء أنه لا يحتمل الصدق الكذب باعتبار خصوص محموله الذي هو الكذب. ولا يخفى عليك أن هذا الجواب إذا جعل جواباً عن هذا الإشكال على ثاني احتمالي التقرير الأول مثلاً. لزم أن يلتزم قائله أن هذا الكلام خبر بالنسبة إلى الأقوال الكاذبة غيره. فيلزم أن يكون هذا الكلام الذي هو أمر واحد بالشخص إنشاءً على تقدير أول احتمالي التقرير الأول وخبراً على تقدير ثاني احتماليه ولا يخفى فساده انتهى. وللبحث فيه مجال) وأجاب المحقق (صدر الدين الشيرازي بما طول ذكره. وتعقبه الخفري أيضاً بما تعقبه) وبالجملة (إن هذا الفاضل نقل في حل تلك المغلطة تسعة أوجه وأرجعها إلى خمسة وردها كلها ثم ذكر أوجهاً ارتضاها. وكف كف الفساد عن أن ينال جناها. منها أنه يختار كذب القضية فيكون هناك أمران متغابران بالاعتبار) أحدهما (معروض الكذب وهو قضية أحد طرفيها كاذب والآخر أمر محكوم عليه بالكذب وهو في الخارج عين تلك القضية) وثانيهما (ما هو مسلوب عنه الكذب المحمول في تلك القضية من حيث هو داخل فيها وهو وإن كان نفس تلك القضية لكن لا من حيث هي مشتملة على نفسها وعلى الكذب بل من حيث هي مشمولة لنفسها فلا يلزم اجتماع الكذب وسلب الكذب في شيء واحد بحيث يتنافيان فتأمل) ومنها (إن لهذه القضية حيثيتان) إحداهما (أنها قضية قد حكم بالكذب فيها على فرد موضوعها الذي هو نفسها بالسراية فهي بهذه الحيثية نازلة منزلة مجموع زيد قائم) وثانيهما (أنها هي محكوم عليه بالعرض فهي بهذه الحيثية نازلة منزلة زيد في زيد قائم ولا يصح أن تتصف بهذه الحيثية بشيءٍ من الصدق والكذب. إذا تقرر هذا فنقول نختار كذبها وكذبها إنما
يكون ثابتاً لها من حيث هي محيثة بالحيثية الأولى. وقولك كذبها مستلزم لسلب الكذب عنها من حيث هي متحيثة بالحيثية الثانية. على أن من حيث متأخر عن السلب على نحو ما قال الحكماء من أن العوارض مسلوبة عن الماهية من حيث هي فلا يلزم محذور. ثم ذكر ما ذكر وأردفه بعباراتٍ ثلاثٍ لإزالة الريب) ثالثتها (التي زعم أن المدار في حل الشبهة عليها أن الحكم في هذه القضية على فرد موضوعها الذي هو نفسها في نفس الأمر أي بدون اعتبار الحكم عليها بخصوص الكذب. ولا خفاء في أن هذه القضية بدون اعتبار الحكم عليها بخصوص الكذب لا يصح اتصافها بالكذب فهذه القضية باعتبار الحكم عليها بخصوص الكذب يثبت لها الكذب وبدون ذلك الاعتبار لم يثبت لها الكذب وقد حكم في تلك القضية بأن لها بدون اعتبار الحكم عليها بالكذب الكذب أي حكم منشأ كذبها ليس الحكم عليها بالكذب. والحال أن منشأ كذبها ليس إلا الحكم عليها بالكذب. فكذب هذه القضية باعتبار الحكم عليها بخصوص الكذب لا ينافي عدم اتصافها بدون اعتبار الحكم عليها بخصوص الكذب.) ثم قال (وتلخيص هذا الجواب أن يقال الحكم بكذب قضيةٍ ما إنما هو عبارة عن الحكم بأن لها بدون اعتبار الحكم عليها بالكذب كذباً أي لها واقع لم تطابقه ومن شأنها أن تطابقه فالحكم في المغلطة المذكورة بالكذب على فرد موضوعها الذي هو نفسها أن لها واقعاً بدون اعتبار الحكم فيها عليها بالكذب ومن شأنها أن تطابقه مع أنها لا تطابقه فكذبها باعتبار خصوص الحكم المذكور بأن لم يكن لها واقع بحيث لم تطابقه ومن شأنها أن تطابقه بدون اعتبار الحكم المذكور إنما يستلزم أن لا يكون الكذب ثابتاً بدون اعتبار خصوص الحكم المذكور أي لا يستلزم أن يكون الكذب مسلوباً عنها فتكون كاذبةً باعتبار الحكم عليها بالكذب أي ثبوت الكذب نشأ من الحكم عليها بالكذب وبكذب أن ثبوت الكذب لم يكن ناشئاً من الحكم عليها بالكذب. فلم يلزم من كذبها اجتماع النقيضين. ولا اجتماع المتنافيين. بل تعين اتصافها بالكذب أي نسبتها غير مطابقة للواقع. ومن شأنها أن تكون مطابقة باعتبار حقيقة القضية كما هو شأن جميع القضايا الكاذبة.) وقد تلخص (من تقرير هذا الجواب عبارتان) إحداهما (أن يقال أن الحكم في هذه المغلطة بالسراية بالكذب بدون اعتبار الحكم فيها عليها بخصوص الكذب فكذبها باعتبار الحكم فيها عليها بالكذب لا ينافي أن لا تكون كاذبة بدون اعتبار الحكم فيها عليها بالكذب. فلا يلزم من كذبها سلب الكذب ولا الاتصاف بالصدق.) وثانيتهما (أن يقال أن الحكم في هذه القضية على نفسها بالكذب لا باعتبار الحكم عليها بالكذب أي الكذب ثابت لها لا باعتبار الحكم عليها بالكذب. فثبوت الكذب لها باعتبار الحكم عليها بالكذب لا ينافي أن لا يكون كذب لها لا باعتبار الحكم.) وخلاصة هذه العبارة (أنه قد حكم في هذه القضية أن منشأ عروض الكذب لها ليس اعتبار الحكم عليها بالكذب فكذب هذا بأن يكون المنشأ لعروضه ذلك الاعتبار لا ينافي سلب أن لا يكون منشأ عروض الكذب ذلك الاعتبار. واللازم لكذبها ليس إلا هذا السلب. فاللازم غير منافٍ. والمنافي غير لازم. فلم يلزم اجتماع النقيضين. ولا اجتماع الصدق والكذب. ويجري هذا في جميع التقريرات. فإذا أريد إجراؤه على التقرير الرابع. قيل أن قول المتكلم أنا كاذب كاذب لأن معنى هذا القول أن المتكلم بدون اعتبار الحكم على نفسه بأنه كاذب كاذب. وليس كذلك فإن كذبه ليس إلا باعتبار هذا الحكم فلم يلزم من كذبه التنافي كما لا يخفى. وإذا أريد إجراؤه على التقرير الثاني. قيل إن كلاً من الكلامين الأمسي والغدي كاذب باعتبار كلا الحكمين اللذين فيهما. ومن ذلك لا يلزم اجتماع الكذب وعدمه. ولا اجتماع الصدق والكذب في شيء منهما لأنه قد حكم في كل منهما بأن للآخر أحداً من الصدق والكذب إلا باعتبار الحكم عليهما معاً بأحدهما لدوران كل منهما على الآخر في الاتصاف بشيء من الصدق والكذب. فثبوت الكذب لهما باعتبار الحكمين لا ينافي أن يكون لهما أحد من الصدق والكذب دون اعتبار أحدهما فلا يلزم اجتماع النقيضين. ولا اجتماع الصدق والكذب فيهما. ولا يخفى عليك الإجراء في باقي التقريرات انتهى. وللمدقق الخيالي في شرحه لنونية خضر بك كلام أيضاً في حل هذه المعضلة وكذا لغيره من المتقدمين والمتأخرين. حتى أنه نقل أن علي الرضا
رضي الله تعالى عنه سأل عنها وأجاب. وقد رأيت الجواب. فوجدته في غاية الغموض على ذوي الألباب. والأجوبة التي رأيتها للمتقدمين والمتأخرين. تزيد على خمسة وعشرين. والقلب يميل إلى حديث الإنشاء. إلا أنه يحتاج ما قيل عليه إلى إمعان نظر وذكاء. وكان ما ذكره الخفري أخيراً كثيراً ما يلوح لي من وراء حجاب الأجمال. وكم أردت ولم أستطع إبرازه إلى ساحة التفصيل بالمقال. فتأمل فيما ذكرته كله. فإن لم يقنعك شيء منه فأسأل الله تعالى من فضله.
) ومنها (ما جرى في عبارة العلامة البيضاوي في تفسير قوله تعالى) يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً (وعبارته يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها كالمحتضر إذا صار الأمر عياناً والإيمان برهاني. وقرئ تنفع بالتاء لإضافة الإيمان إلى ضمير المؤنث لم تكن آمنت من قبل صفة نفساً أو كسبت في إيمانها خيراً عطف على آمنت والمعنى أنه حينئذ لا ينفع الإيمان نفساً غير مقدمة إيمانها أو مقدمة إيمانها غير كاسبة في إيمانها خيراً وهو دليل لمن يعتبر الإيمان نفساً غير مقدمة إيمانها أو مقدمة إيمانها غير كاسبة في إيمانها خيراً وهو دليل لمن يعتبر الإيمان المجرد عن العمل وللمعتبر تخصيص هذا الحكم بذلك اليوم وحمل الترديد على اشتراك النفع بأحد الأمرين على معنى لا ينفع نفساً خلت عنهما إيمانها والعطف على لم تكن بمعنى لا ينفع نفساً إيمانها الذي أحدثته حينئذ وإن كسبت فيه خيراً انتهت. وذلك أنه سلمه الله تعالى قال يوماً أن مما يسأل عنه عبارة البيضاوي في الكلام على قوله تعالى) يوم يأتي بعض آيات ربك (الآية فقلت) نعم (يا ولي النعم. وهي من مزالق الأقدام. ومداحض ذوي الأفهام. وقد كتب عليها الفاضل. أحمد القزويني والكامل مير باد شاه البخاري. والعلامة الولي صدر الدين زاده. والفهامة حسن أفندي الكساري. والحبر يحيى جلبي المدرس. والمولى محمد السمرقندي. والعلامة الملا خسرو. والفاضل قره جلبي قاضي أدرنه. والفاضل طاشكبري زاده. والفاضل سعيد زاده. وسنان أفندي. وغيره من محثي البيضاوي. وقد أثبت جميع ما كتب هؤلاء الأجلة في مجموعة لي سميتها دقائق التفسير. ومن أفضل من كتب. وجاء بأعجب العجب. أستاذ الأستاذين. وعلم العلماء المحققين. المشهور فضله في كل نادي. صبغة الله أفندي الحيدري الحسين آبادي. وقد أثبت ما كتبه أيضاً في هاتيك المجموعة الفريدة. وأتممت به محاسن تلك الغادة الخريدة. فلما سمع مني هذا المقال. طوى بساط السؤال. وأنت إذا أجبت الوقوف على شيء من ذاك. فاستمع لما نتلوه عليك والله تعالى يتولى هداك. قوله كالمحتضر قيل فيه إشارة إلى حمل بعض الآيات على ما يلوح للمتحضر من مشاهدة مقامه ونحوه. ويوم كلام الكشاف حمله على أشراط الساعة. ولعل الحق أن أشراط الساعة هناك تفسير للآيات لا للبعض لأن الإيمان نافع بلا خلاف بعد إتيان البعض كنزول عيسى عليه السلام كيف لا وهو إنما ينزل لدعوة الخلق إلى الحق. وأقول الموافق لبعض الأحاديث حمل البعض على طلوع الشمس من مغربها وعليه فيحتمل أن يكون مراد المصنف التنظير لا التمثيل. قوله وقرئ الخ القارئ أبو العالية وابن سيرين قوله لإضافة الخ علة مصححة لتأنيث الفعل مأخوذة من كلام ابن جني واعترض بأنهم صرحوا بأن شرط اكتساب المضاف من المضاف إليه التأنيث وكذا التذكير صحة قيام المضاف إليه مقام المضاف كما في قوله) كما شرقت صدر القناة من الدم (وقوله:
إنارة العقل مكسوف بطوع هوى
…
وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا
فإنه لو قيل فيهما كما شرقت القناة والعقل مكسوف لصح ولا يصح هنا أن يقال لا تنفع نفساً هي لم تكن آمنت من قبل. وأجيب بأنه يصح ذلك على معنى لا تنتفع نفساً هي بإيمانها. وحاصله لا تنفع نفس نفسها بالإيمان الخ) نعم (ما ذكره لتوجيه التأنيث غير متعين فقد قال أبو حيان أن التأنيث لتأويل الإيمان بالمعرفة أو العقيدة مثل التأنيث في جائته كتابي فاحتقرها فإنه على معنى الصحيفة أو الألوكة انتهى. قوله صفة نفساً جاز ذلك مع الفصل بالفاعل لعدم كون الفاعل أجنبياً عن الموصوف الذي هو المفعول لاشتراكهما في العامل وعليه فيصح أن يقال ضرب هنداً غلامها القريشية فليحفظ. قوله وهو دليل الخ إذ الآية على هذا المعنى الذي ذكره مصرحة بعدم الفرق بين ما إذا لم تقدم النفس إيمانها على ذلك اليوم وقدمته عليه. لكن لم تكسب فيه خيراً في عدم نفع الإيمان إياها. وهذا صريح في أن الإيمان المجرد عن العمل لا يعتبر ولا ينفع صاحبه كما هو رأي المعتزلة. هذا توجيه كلامه. لكن قيل أن المعتزلة يقولون بدخول جميع الأعمال المفروضة في الإيمان فمتى أخل المكلف ببعضها بأن ترك إحدى الصلوات الخمس مثلاً لم يكن مؤمناً وكان في منزلة بين المنزلتين الإيمان والكفر وخيراً في الآية نكرة في سياق النفي. وهي تعم فتفيد الآية التسوية بين عدم تقديم الإيمان على ذلك اليوم وتقديمه عليه لكن مع عدم كسب جميع الخيور فيه. ويتضمن ذلك التسوية بين عدم الإيمان والإيمان المجرد عن بعض الخيور. بل لعل المفهوم يشعر بأن هذا الإيمان نافع كما يظهر بأدنى تأمل. مع أن المعتزلة لا يقولون بنفعه إذ ترك بعض الفرائض عندهم مخل بالإيمان كترك الجميع فالآية لا تصلح دليلاً لتمام مدعاهم. ولا تضر القائلين من أهل السنة بأنه لا بد من النطق بكلمة التوحيد مع التصديق لأن ذلك النطق خير فالإيمان المجرد عن جميع الخيور التي منها هذا النطق عندهم أيضاً في حكم عدم الإيمان.) نعم (تضر المرجئة القائلين بأن انتفاء الأعمال طرأ لا يضر بالإيمان فتدبر. ثم أن الظاهر أن ضمير هو راجع لمجموع ما ذكر معناه من الآية. ومن زعم أن المرجع هو قوله تعالى) أو كسبت في إيمانها خيراً (وأن طريق الاستدلال أن يقال الإيمان المجرد عن العمل لو كان من قبل ذلك اليوم لكان نافعاً فيه أيضاً فقد بعد عن الحق بمراحل. كما لا يخفى على فاضل. قوله وللمعتبر الخ. إشارة إلى ثلاثة أجوبة عن الاستدلال) الأول (التخصيص أي ولمن اعتبر الإيمان المجرد عن العمل وقال إنه ينفع صاحبه حيث يخلصه عن الخلود في النار كما هو رأي أهل الحق تخصيص هذا الحكم بذلك اليوم. ومعنى هذا التخصيص هو أن عدم نفع الإيمان المجرد صاحبه مخصوص بذلك اليوم بمعنى أنه لا ينفعه فيه ولا يدرأ عنه القتل ونحوه. لا أن معناه أن المحكوم عليه بعدم النفع هو ما حدث في ذلك اليوم من الإيمان والعمال الصالح. ولا يلزم من عدم نفع ما حدث فيه عدم نفع الإيمان السابق عليه وإن كان مجرداً عن العمل كما قاله بعض الناظرين. لأن هذا ليس من تخصيص الحكم في شيء بل هو تخصيص للمحكوم عليه. يرجع حاصله إلى الجواب باشتمال الآية على اللف كما يأتي منا إن شاء الله تعالى الإشارة إليه. ومستند هذا التخصيص قبل تقديم الظرف وقيل السياق) واعترض (هذا الجواب بأنه متى اعتبر التخصيص لزم منه تخصيص الحكم بعدم نفع الإيمان الحادث في ذلك اليوم به أيضاً. ولا قائل بذلك إذ هو لا ينفع صاحبه في شيء من الأوقات بالاتفاق. قيل ويمكن دفعه بأن التخصيص في حكم عدم النفع إنما يلاحظ بالنظر إلى الإيمان المجرد فقط على أن يكون معنى الآية يوم يأتي بعض الآيات لا ينفع الإيمان الغير السابق عليه صاحبه فيه ولا الإيمان الغير المكتسب فيه الخير. وإن نفع هو في الآخرة. وفيه أن فيه تخصيص الحكم وتخصيص المحكوم عليه. كما في كلام ذلك البعض من الناظرين) ولعل (الذي شجع على هذا التخصيص الثاني العلم بأن الفريقين متفقان على عدم نفع الإيمان الحادث في شيء من الأوقات فليس هو محل النزاع فما بقي إلا مجرد الإيمان المجرد. مع أن جل المقصود إبطال حجة الخصم. ولاحتمال يبطل الاستدلال. فليتأمل.) والثاني (ما أشار إليه بقوله. وحمل الترديد الخ. وليس هو مع ما تقدم جواباً واحداً. كما توهمه من توهمه. بل ذاك جواب مستقل فيه تسليم عطف مسبت على آمنت بعد النفي. وهذا
جواب مستقل مبني على اعتبار كون كسبت معطوفاً على آمنت. ثم اعتبار دخول النفي حتى يكون النفي داخلاً على المردد فيفيد عموماً له نحو قوله تعالى) ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً (نعم قيل عليه أن فيه بناءً على ما لا يصح إذ لو عطف كسبت على آمنت واعتبر عموم النفي لما ذكر اشتراط عدم النفع بالخلو عن كسب الخير في الإيمان ضرورة أنه إذا انتفى الإيمان قبل ذلك اليوم انتفى كسب الخير فيه قطعاً. وفي المثل) أثبت العرش. ثم النقش (فلا بد أن يقال الكلام في تقدير أو لم تكن كسبت في إيمانها خيراً. فالترديد بين النفيين والكلام محمول على نفي العموم لا على عموم النفي فيفيد أن الإيمان مع انتفاء كل من الوصفين لا ينفع. وذلك قول من يعتبر. فالآية معه وهو كلام متين إلا أن فيه غفلة عن كلام المصنف. فإنه إنما يتجه إذا حمل الكلام على أن المقصود به هو ما يستفاد من ظاهر لفظه من بيان اشتراط عدم النفع بالخلو عنهما. وأما إذا حمل على ما أشار إليه المصنف من أن المقصود بيان اشتراط النفع بأحد الأمرين فلا. إذ يكون الكلام حينئذ كما لو قيل الإيمان ينفع صاحبه إذا كان على أحد الوصفين كونه مكسوباً فيه الخير. وكونه مقدماً على ذلك اليوم وإن كان مجرداً.) واعترض (هذا بأنه يلزم عليه أن يكون ذكر كون الإيمان المكسوب فيه الخير نافعاً لغواً لأنه بعد ما ذكر أن الإيمان المجرد نافع يعلم نفع الإيمان المكسوب فيه الخير بالطريق الأولى) وأجيب (بأن جهات النفع مختلفة. وقد دلت الأخبار على أن نفع الإيمان المجرد في عدم الخلود في النار والخروج منها ولو بعد أحقاب ونفع الإيمان المكسوب فيه الخير في رفع الدرجات. ونيل الأماني العاليات. فلا يعلم هذا النفع من ذلك النفع بالطريق الأولى. ثم وجه دلالة الآية على المقصود الذي أشار إليه المصنف أنه لما حملت على عموم النفي أفادت أن انتفاء الأمرين جميعاً مانع عن نفع الإيمان. ومعلوم أن ارتفاع المانع يشترط لوجود المعلول فلزم أن يكون وجود أحد الأمرين شرطاً لنفع الإيمان ضرورة أن ارتفاع المانع المذكور يحصل بوجود واحد منهما) ومن الناس (من أجاب عن حديث اللغوية السابق وإن حمل الكلام على ظاهره. بان في ذكر كسب الخير إشارة إلى تفويت نفعين لمن لم يؤمن نفع نفس الإيمان ونفع كسب الخير فيه.) وتعقب (بأنه لا يدفع تفويته بالنظر إلى اشتراط عدم النفع بالخلو عنه وهل نحن إلا بصدده.) ومنهم (من أجاب أنه يجوز أن لا يكون عند الحكم بعدم النفع استلزام أحد الانتفائين الآخر ملحوظاً حتى يكون مغنياً عنه فيلغو ذكره معه وهو كما ترى.) والثالث (ما أشار إليه بقوله والعطف على ما لم تكن أي وللمعتبر صرف قوله تعالى كسبت. عن أن يكون معطوفاً على آمنت مطلقاً إلى عطفه على لم تكن فيكون صفة نفساً مثله لكن بعد جعل أو بمعنى الواو وحمل الإيمان في قوله سبحانه) لا ينفع نفساً إيمانها (على الإيمان الحادث ذلك اليوم وكذا في قوله تعالى) في إيمانها خيراً (وكأنه إنما لم يقل أو كسبت فيه خيراً أي في إيمانها الحادث. بل جيء بالظاهر بدل الضمير لئلا يتوهم ولو على بعدٍ عود الضمير على الإيمان المفهوم من آمنت على حد) اعدلوا هو أقرب للتقوى (. وتفهم الآية على هذا للوجه أنه لا ينفع يوم إتيان بعض الآيات الإيمان الحادث فيه نفساً صفتها لم تكن آمنت قبل ذلك وصفتها أنها كسبت في إيمانها الحادث ذلك اليوم خيراً. وحاصل ذلك أنه لا ينفع ذلك نفساً إيمانها الذي أحدثته ولا يفيد كسب الخير فيه. فقوله بمعنى لا ينفع نفساً إيمانها الذي أحدثته حينئذ وإن كسبت فيه خيراً. بيان لحاصل المعنى ومآله. فإن في ةإن كسبت فيه خيراً بكسر الهمزة وصلية. وفي بعض النسخ المصححة. وإن بفتح الهمزة أي لا ينفع نفساً إيمانها الذي أحدثته حينئذ وكسبها فيه خيراً وهو أوضح إشارة إلى أن أو بمعنى الواو) ومحصل (هذا الجواب أنه لا تعرض في الآية إذا كان العطف على لم تكن لحكم الإيمان السابق على ذلك اليوم مجرداً كان أو مكسوباً فيه الخير. بل ربما يدعي أنها تشعر بأن حكمه مطلقاً النفع. فالآية إن لم تكن لنا فلا أقل من أنها ليست علينا. وقد تفطن بعض المحققين لوجهٍ آخر في الآية لطيف. فقال إنها مشتملة على ما سمي في علم البلاغة باللف التقديري. كأنه قيل لا ينفع نفساً إيمانها ولا كسبها في إيمانها خيراً لم تكن آمنت من قبل
أو لم تكن كسبت خيراً قبل فاختصر للعلم به واقتضاء النصوص له. وفي كلام ابن الحاجب إيماء إلى هذا أيضاً) وتفطن بعض آخر لآخر (وهو أن معنى الآية أنه لا ينفع الإيمان باعتبار ذاته إذا لم يحصل قبل. ولا باعتبار العمل إذا يعمل قبل. ونفع الإيمان باعتبار العمل أن يصير سبباً لقبول العمل فيتم الكلام من غير لفٍ ولا اعتبار اقتصار. وهو لعمري نعم الوجه لو احتملت له العبارة. وفهم منها من غير اعتبار تقدير في نظم الكلام.) وقال المولى الفاضل معيد زاده (. لاح ببالي جواب لو كنت ممن رخص له في الاندفاع في أمثال هذه المواضع لأجبت به. وهو أن تكون كلمة أو في أو كسبت بمعنى إلا أن داخلةً على الماضي كما في قول الحريري في أوائل المقامة التاسعة عشرة) فو الله ما تمضمضت مقلتي بنومها. ولا تمخضت ليلتي عن يومها. أو ألفيت أبا زيد السروجي (أو داخلة على المضارع تقديراً على أن يكون الأصل لم تكن آمنت من قبل أو تكون كسبت. أي إلا أن تكون. والمراد من الاستثناء الدالة عليه كلمة أو المبالغة في نفي النفع بتعليقه بالمحال كما في قوله تعالى) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف (وقوله سبحانه) وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف (وقول الشاعر:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
…
بهن فلول من قراع الكتائب
وقول الآخر:
وبلدة ليس بها أنيس
…
إلا اليعافير وإلا العيس
فيكون المعنى فيما نحن فيه إذا جاء ذلك اليوم لا ينفع الإيمان نفساً لم تكن آمنت من قبل ذلك اليوم إلا أن تكون تلك النفس التي لم تكن آمنت من قبل ذلك اليوم كسبت في الإيمان خيراً قبل ذلك اليوم وكسب الخير في الإيمان قبل ذلك اليوم للنفس التي لم تكن آمنت قبل ذلك اليوم ممتنع فالنفع المطلوب أولى بأن يكون ممتنعاً انتهى. وفيه من البعد ما فيه هذا) وبقيت (من رؤوس المسائل أذناب. الأولى بنا عدم التعرض لها في هذا الكتاب. ثم أن ما مر لم يقع أكثره على الوجه الذي ذكرناه. وإنما وقع على وجه الإجمال ونحن فيما بعد فصلناه) وبالجملة (كان مجلسنا مع حضرة المشار إليه. روض علم طواويس اللطائف عاكفة عليه. وكثيراً ما كان يبقيني عنده نحو خمس ساعات. يبرز على فيها من حمس أفكاره ما يهرب منه خميس الجهالات. وقد رأيت له اطلاعاً تاماً على اللطائف الشعرية. والنكات الأدبية. لم أجد في هاتيك الممالك. نظيراً له في ذلك. وقد تطأطأت له المسائل رؤوسها. وأقبلت إليه تسعى فقبلت أياديه شفاها شفاهاً كؤوسها. وما ذلك إلا لكثرة مجالسته لأبناء العرب. ومزيد ما عنده من كتب الأدب. فقد ذكر لي أن عنده من الشعر الجاهلي والإسلامي نحو سبعمائة ديوان. ولا أظن أن هذا المقدار قد اجتمع عند أحد في زمان. وإن من الكتب سواها ما يزيد على عشرة آلاف. ومعظمها خزنوي حاز من الحسن أحسن الأوصاف. ولو أني ملكت عشر ذلك لرأيتني أنفجر علماً. وأنهال نثراً ونظماً. ويأبى الملك اللطيف الخبير. أن أكون مع ذلك كالدجاجة لها ريش ولكن لا تطير. وسبحان من قسم عطاياه بين العباد. وخص كلاً بما خص حسبما أراد.