المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌بسم الله الرحمن الرحيم

) ومنهم بدر العوارف الذي هو بأودية الكمال كل آونة مرتدي. حضرة ناظر مكاتب المعارف العمومية أخي وحبيبي كمال أفندي (. وهو كهل فاق الكهول. حيث جمع ما راق من ظرائف المنقول والمعقول. وقد غدا في هاتيك المغاني. من حيث معرفة اللغات آدم الثاني. وذهب كغيره إلى أوربا ثم عاد. ولم تكن قد فصمت أيدي الشبه منه عقود الاعتقاد. وأرسل مرة إلى العجم سفيراً. حيث كان بأمور الدولة ورسومها خبيراً. فظهر من معجز عقله ما شق من عقلهم إيوانه. ودر من وابل فضله ما أحمد من فضلهم نيرانه. ولما أراد العود توجه إلى بغداد. فدخلها أيام وزارة واليها النجيب أبي الأمجاد. فقبل أن أذهب لزيارته جاء لزيارتي راجلاً. ففاوضته الحديث فرأيته رجلاً غدا به الكمال كاملاً. وأخبرني أن سبب مجيئه إلي سعياً على القدم. سماعه الإغراق في الثناء علي من علماء العجم. وأنه لما سمع ذلك الثناء. في هاتيك الأطراف. نفث في روعه ملك الإنصاف. إن الفضل ما شهدت به الأعداء. وذكر لي أنهم قالوا له لو لم يكن ناطور السنة في العراق الشهاب. لطال بعلمائه من أسنة السنة أبحاثنا وحرمة الكتاب الأكتاب. ومن هنا ذباب الافتراء. وصفع رقاب المدلسين بنعال الهوان. وألقم كلاب المدسسين فأغصهم بحجر الامتهان.) ولعمري (لقد رأيت من نجابته معي في إسلامبول. ما هو فوق الحد وطور ما وراء طور العقول. ولا يستبعد من الكمال. كمال النجابة والأفضال. فجزاه الله تعالى عني من رائق فضله ورحيقه. أفضل ما جزي به صاحباً عن صاحبه وصديقاً عن صديقه. ولقد رأيته يتبع لجمع الكتب المدارس والجوامع. وقد جاوزوا شغفه بها الحد إلا أنه كحد جامع غير مانع. فتراه يعير منها ما لا يعار. وربما يخبل به الفلك الدوار. وقد أطلعني في جوف داره على مكتبة له. اشحنها التوفيق كتبا جمعت الحسن كله. فلو رأتها كتب الصاحب ابن عباد لذابت في جلودها. أو للطمت بأكف الغيرة منها على صفحات خدودها. فكأنها كتب شيخ الإسلام. التي أوقفتها وسيرها إلى مدينة النبي عليه الصلوة والسلام. وقيل لي كيف كتبك بالنسبة إلى هذه الكتب النفيسة. فأنشدت وحاشاني ولله تعالى الحمد من نفس حسودة خسيسة.

هي كتبي فليس تصلح من بع

دي لغير العطار والإسكاف

هي أما مزاود للعقاقي

ر وأما بطائن للخفاف

والتمس مني يوماً على ما بي من الكآبة. أن أكتب له عدة أسطر تتضمن مدح صنعه الكتابة. وغرضه أن يمتحن أطفال المكاتب. بما هو لحالي حالهم مناسب. ويكون فيه ترغيب لهم بتلك الصنعة وأحكامها. والاستغناء عن بيض السيوف وزرق الأسنة بسمر أقلامها. فأجبته إلى ما أمله. وأمليت له رسالتين مختصرة ومطولة. أما المختصرة فهذه:

‌بسم الله الرحمن الرحيم

حمداً لمن أمر القلم. فرقم في اللوح المحفوظ ما رقم. وصلوةً وسلاماً على نبيه الذي لا تتسع قراطيس الأدوار لتحرير كمالاته. وتجف محابر البحار دون تسطير ما انطوى في كلماته. وعلى آله وأصحابه الذين مجت أقلام ألسنتهم. ما أنسى عداهم رشح نصال أسنتهم من العُلقم. فغدوا يعدون هرباً من أفاعي الحمام. ويعدون كل فم من هاتيك الأفمام دار الأرقم.) وبعد (فلا يخفى أن الإنسان مدني طبعاً. محتاج إلى بيان مقاصده وضعاً ورفعاً. وقد جعل الله تعالى اللسان. آلة تتكفل بالإيصال إلى ذلك البيان. فمتى أراد ذلك أخرج بدلاء أنفاسه من قليب القلب. وأجرى في حياض السامع من صافيه وكدره ما حب. إلا أنه لما كان قد لا يتسنى له سقي رياض أسماع النائين. ولا يتيسر له سوق مياه الإفادة إلى حياض إفهام الآتين بعد حين. جعل سبحانه له الكتابة عوناً. وجلا جل جلاله بها عن عين الإفادة غنياً. فيفيد بها المرء المرام. القريب والبعيد ومن يأتي من بعده بأعوام. ولذا امتن الله تعالى بها. وقال تبارك اسمه منها) اقرا وربك الأكرم الذي علم بالقلم (. والكتابة والبيان. في النفع فرسا رهان. وقد شاع في البين. أن القلم أحد اللسانين. فليملأ الكاتب صحيفته من شكر مولاه. وليغرد قلم لسانه وكذ اللسان قلمه بحمد باريه على جزيل ما أولاه. وليجهد من حرم لسوء الحظ. في طلب حسن الخط. وليسأل الله تعالى التوفيق فما خاب وحرمة اللوح والقلم موفق قط. وأما المطولة فهذه: بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 73

الحمد لله الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم. والصلوة والسلام على سيدنا محمد أول كلمة خطت في صحيفة العيان. وأفضل نعمة جرى بها قلم الإرادة بمداد التفضل على سكنة عالم الإمكان. وعلى آله وصحبه الكابتين بأسنة بنانهم وألسنة بيانهم من جيوش الجهل كل كمى.

والكاتبين بسمر الخط ما تركت

أقلامهم حرف جسم غير منعجم

صلوةً وسلاماً تتزين بهما السطور. وتصقل ببركتهما ألواح الصدور. ما نقلت عن صحف البحار غواديها. وكتبت أقلام النور على مهارق الرياض حكمة باديها.) وبعد (فإن من منن الرب. أن جعل في مدينة الجسد ملكاً يسمى بالقلب منه يصدر النهي والأمر. وبرأيه يظهر الخير والشر. ولما كان ملكاً محجباً. وعذيقاً في تلك المدينة مرجباً. جعل الله سبحانه له من أشراف مملكته ترجماناً. ونصب له منها سفيراً يسمى لساناً. فغدا يترجم عما فيه. ويبدي من مقاصده ما يبديه. فذاك الأول في تلك المغاني. وهذا منه وعينيك في المحل الثاني.

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما

جعل اللسان على الفؤاد دليلا

فلولا شأن اللسان. لشان العي أمر التمدن الطبيعي للإنسان. ثم أنه لما كانت فائدته كالمقصورة على إفادة الحاضر. قلما تسري للغائب أبنائي أو من يأتي من الأواخر. علم عز وجل الإنسان الكتابة. وأزال بها عن فؤاد الإفادة الكآبة. فهي جناح اللسان. ورسوله إلى من نأى في البلدان. وأمينة لمن لم تلده بعد أرحام الزمان. فترى أشجار فوائدها نامية. وبحار فرائدها بالنفع طامية. ولذا شرف الباري سبحانه القلم. وسوده جل شأنه بمداد القسم. فقال تبارك اسمه) ن والقلم وما يسطرون (.

كفى معشر الكتاب فخراً وسؤدداً

على الناس أن الله أقسم بالقلم

وقد روي عن أبي الحسنين. أنه قال القلم أحد اللسانين. ويا له من لسان تبقى في صحائف الدهور آثاره. ولا تحجب عن صفائح الآفاق أنواره. ويكفي في التنبيه على شرف الكتابة. وأصابه النبه المتصف بها فؤاد هدف الإصابة. إن الله تعالى لم يخل منها ملائكته الكرام. عليهم أفضل الصلوة وأكمل السلام. فقال سبحانه) كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون (وقال تعالى) أيحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون (بل ظواهر بعض آي الكتاب. تشعر بنسبة الكتابة إلى رب الأرباب. وجاء في خبر لا شك في صحة سنده. أن الله تعالى كتب التوراة بيده. وفي بعض الآيات. الأمر بالكتابة في بعض الأوقات. ولولا أن عدم الكتابة هو الأوفق للإعجاز في شأن الحبيب الأعظم. والرسول الأكرم. صلى الله عليه وسلم. لجعل الله تعالى له من حسن الخط الحظ الأوفر. ومن نفاسة شكل الرسم الحد الأكبر. على أنه قد قيل. وفيه بحث طويل. أنه عليه الصلوة والسلام. قد علمه ربه سبحانه وتعالى في آخر الأمر الخط بالأقلام. وبالجملة الكتابة كمال أي كمال. وزينة زينة للرجال. كم نالوا بهاؤهم قاعدون على الإعجاز الصدور. وكم صعد لهم الزمان من أنبيق قصبها وهم غافلون قطر السرور. ولله تعالى در من قال. وهو من در المقال.

خط حسن جمال مرء

إن كان لعالم فأحسن

فالدر مع النبات أحلى

والدر على البنات أزين

فلا بدع أن ابيضت اللمم في تسويد القراطيس لتحصيلها. أو انتقصت اللذائذ في صرف نقد العمر النفيس نحو تكميلها. فنفعها كثير. وفضلها كبير. ولو اتسع لي قرطاس الزمن. ومدني الدهر بمداد الراحة في محبرة الوطن. لحررت من ذلك ما يسر الكتاب. ولا يكاد يوجد مسطوراً في كتاب. وفيما ذكر كفاية. لمن كان عنده حرف من الدراية. وهذه لعمرك دعوى محققة. فلنسد ثغر الدواة ونعقد لسان القلم ونطو كشح الورقة. انتهى.

وأنت تعلم أن كلتا الرسالتين نقطة من بحر ما تمدح به هذه الصنعة. وأنى يستوعب لسان القلم مدح ما قد غدا للكمال بصره وسمعه. نعم قد قيل:

من فاته العز بالأقلام أدركه

بالبيض تقدح من أعطافها الشررا

لكنه لا ينافي ما ادعيناه من الفضيلة. كما لا يخفى على ذي فكرة ليست بالقليلة. ثم إنا لا ندعي التلازم بين الكتابة. والعروج بمعارجها عن حضيض الكآبة. فكم من كاتب كئيب نبذ بالعرى. يبكي ابن مقلته فيكل آونة من أبي ضوطري. حظه كمداده. وسواد ثوبه من الدرن أشد من سواده. ومجرى رزقه. أضيق من ثقب قلمه وخرقه. وقد قال من ألم به من سوء حالة الألم:

ص: 74

ومن ذا الذي في الناس يبصر حالتي

ولا يلعن القرطاس واللوح والقلم

ومن الكتاب. من كتابته في الردائة العجب العجاب. آثار مواطئ دجاجة مجنونة على القرطاس. أحسن شكلاً من أشكالها بين الناس. ومعاني هذيان المحموم. بالنسبة إلى معاني ما تضمنته تسامت النجوم. ومع هذا قد فاق في السمو عطارد. حيث أن الجد مساعف له ومساعد. وفي مثلهم قول ابن بسام:

تعس الزمان لقد أتى بعجاب

ومحا رسوم الفضل والآداب

وأتى بكتاب لو انبسطت يدي

فيهم رددتهم إلى الكتاب

فإذاً لا ينبغي للمرء أن يوسط لفاضل عيشه فضله. بل الحري به أن يتكل على ربه وينتظر ما كتب في الأزل له.

فاعتبر نحن قسمنا بينهم

تلقه حقاً وبالحق نزل

) ثم (أن هؤلاء الأجلة. البدور منهم والأهلة. بعض من اجتمعت بهم من ذوي المناصب. ولم أستقصهم وأنى يستقصون وهم كالأجرام العلوية لا يستقصيها حساب الحاسب.) وقد اجتمعت (أيضاً بكثير ممن انفصل عن منصبه. وقعد في بيته صفر الكف ينتظر الراحة في العود إلى نصبه.

) منهم العضب الذي يقد حده النصل الأزرق. حضرة صارم باشا الصدر الأعظم الأسبق (وهو ذو هيبة ووقار. وهيئة تدل بالمطابقة على تضمنه دقائق أفكار. صار صدراً أربعين يوماً أو أقل. فأبت غانية الصدارة إلا بعلها الأول: وهو حضرة) رشيد باشا (الذي مر وحلا ذكره. لا زال عالياً على السماكين قدره. وقد صح عندي أنه ذو إقدام وجسارة. غير أن الحظ قعد به عن أن ينوء بعبء الصدارة. وعشق تلك الغانية ببعلها الأول. طلب منه خلعها فخلعها كرهاً ولم يتحمل. واتفق أن هنأه حضرة) حمدي باشا (والي سيواس. من الله تعالى عليه بغاية الاستئناس. فكتب بعد عرض الأثنية مجملها ومفصلها. قوله تعالى) إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها (. فوقعت الألوكة بعد انفصاله بيد حضرة) الرشيد (فاغبر ظاهره عليه لما أن في ذلك خلاف ما يعهده من إخلاصه الشديد. وثنى عنه عطفه. ولم يثن عليه عطفه. واتفق أن ذكر لي ذلك) عالي باشا (بطريق العتب على المشار إليه. فقلت هذا يدل على أن الباشا ولي قد سلمت الولاية عليه. فقال كيف ذاك. وأين السمك من السماك. فقلت أنه أشار له بالآية إلى قرب عزله. بل صرح له بما يشعر بأن الله تعالى مريد فصله. حيث خاطبه بذلك الخطاب. ثم ما كان له سوى أداء الأمانة إلى الرشيد جواب. فكأنه كتب إليه أيها الصارم الجديد. إن الله تعالى يأمرك أن تؤدي أمانة الصدارة إلى الرشيد. فهو أهلها. ومنه فصلها وإليه وصلها. فتسارع إلى الامتثال. وأجاب داعي الأمر بالانفصال. فضحك المشير المشار إليه. وأعجبه ما تلوته من التأويل عليه. ثم أنه قال لي. من أول هذا التأويل هو الولي. وشاع ذلك وبلغ حضرة) الرشيد (. فقال في لقد ذب فلان عن حبيبه بما ليس عليه مزيد. وبالجملة أن هذا الصدر وإن أعظم المعظم فضله. قد نبا في الصدارة العظمى صارمه من قبل أن يستله. ولا تكاد تتم لامرئ صدارة وآصف موجود. وأنى يضيء مع الشمس رابعة النهار نجم نحس أو سعود.

) ومنهم ذو الفكر الذي لا تدركه الجياد السوابق حضرة رضا باشا (رأس رؤساء العساكر الإسلامية ومشيرها السابق. قد كان من الدولة العلية بعين الرضا. وقد غمض عنه طرفه مدة مديدة سوء القضاء فكان بمنزلة العينين. من إنسان العين من حضرتي السلطانين. وصعد له الدهر من أنظارهما الإكسيرية ما لا تسعه بوادق العقول. وصوب في حقه الجد التقدم في كل كلية وجزئية على جميع رجال إسلامبول. وغدت الدولة العلية أشفق من الوالدة عليه. والخلوة السلطانية أشوق من الخاصة إليه. وهو مع ذلك صادق الخدمة. لا تأخذه في مصلحة دولته وملته لومة. ذو أوصاف هي للدعوات الخيرية شباك. ورب ألطاف هي للأثنية المرضية ملاك. مكرم العلماء والشيوخ. وإن لم يكونوا من أهل التحقيق والرسوخ. مجبور طبعاً على جبر القلوب. مجبول وضعاً ورفعاً على كل محبوب. وكم رمى في أيام إقباله بسهام حسد. فكان له من عيون السعادة أحفظ رصد.

وإذا السعادة لاحظتك عيونها

ثم فالمخاوف كلهن أمان

واصطد بها العنقاء فهي حبالة

واقتد بها الجوزاء فهي عنان

ص: 75

حتى إذا هدأت هاتيك العيون. وانتهت الأيام المقدرة في العلم المكنون. رماه الحاسد فأصماه. ولطمه القدر فأعماه. وأسلمته الأيادي المتساعدة. وسلمته بيد البلاء القابلة والوالدة. فانفصل عما كان. واتصل بأسباب الهموم والأحزان. وقعد في بيته ينتظر تقلب الزمان. ويقلب وجهه في سماء حوادث عالم الإمكان. وقد اجتمعت به غير مرة. قد ضربت عليه قباب النجابة. وربضت لديه آساد للهابة. ذا وجه صبيح. ولسان فصيح. وقلب سليم. وعقل مستقيم. ينزل الناس منازلهم. ويجل على حسب المراتب أفاضلهم. يسر الله تعالى له مأموله. وأعطاه في الدارين مسؤوله.

) ومنهم ذو الرشد والسداد. حضرة خليل باشا الساماد (. وهو من موالي طلحة الطلحات. خسرو باشا الشهير في سائر الجهات. قد اجتمعت به فرأيته قد علق بجناحه عامل الخفض. وكاد يستحيل من تواضعه ماء فيستحيل في الأرض. لا يرى ذا عمامة إلا أقبل عليه. وكاد بعد تقبيل يديه يقبل رجليه. قد وسع الناس بخلقه. دون دنانيره وورقه. وكف بطيب أقواله. أكفهم عن نيل أمواله. وفكههم بفكاهته. بدل فاكهته. ومن عليهم بلطافته. عرض كنافته. وسقاهم طلاقة بشرته. بدل شربته. فهو محبوب عند كثير من الناس. مع زعمهم أنهم من غير حسن المعاملة في أياس. ورأيته ذا شوق إلى وزارة بغداد. ولا شوق صاحب سعاد إلى سعاد. وقد استنكحها ولكن بسوء تعبير. فأبت أن يكون بعلها على سمو قدره الخطير. وأنكحها وليها غيره على رغم أنفها. فلتهنأ ببعل ما رأت نظيره وهيهات أن ترى ذلك بطرفها. ولتتسل به عمن كانت مشغوفة بحبه. وسبحان المصرف للهور والمتصرف كما شاء في الجليل والحقير من الأمور.

) ومنهم كليم حب الصوفية الفخام. حضرة موسى صفوتي باشا (الوالي الأسبق في دمشق الشام. وهو رجل معلوم بحسن السيرة. معلم بآثار صفاء السريرة. وله حسن عقيدة بالسادة النقشبندية. لا سيما الطائفة الخالدية. وقد بنى لهم خانقاه قرب الباب العالي. وأجرى عليها ما أجرى من وابل بره المتوالي. وأول من أرشد منهم هناك. رجل يدعى يوسف أفندي وهو شعراني الأتراك. وبعد أن طوى القدر من عمره أيامه. فرش سجادته في دار البقاء بعد الفناء ولم يقم فيها أحد مقامه. نعم هي اليوم مفتحة لبعض الشيوخ. ممن مقلهم حب الدنيا في مرحاض شهواتها إلى اليافوخ. وقد اجتمعت بهذا المشير قليلاً. فتفرست به مع أني راجل الفكر خيراً جزيلاً. وله أخ يدعى مصطفى أفندي. هو من صفوة الناس عندي. له صدقات مشهورة. وأياد في كل ناد مذكورة. مع لين جانب. وحسن معاملة مع الجائي والذاهب. كان الله تعالى له في أولاه وأخراه. وحفظه سبحانه من كل سوء وحفظ أخاه.

) ومنهم المشير الذي اتخذ عدة المحاسن لداريه عدة. حضرة حسيب باشا الوالي السابق في جدة (. هو مشير جليل. له في المكرمات باع طويل. وكم من مصلحة ولي أمرها. فسر بحسن سيرته سرها. وفرض إليه النظر في الأوقاف. فنظر إليها بعين الإنصاف. ثم وجهت إليه أيالة جدة. فأعلى جده في خدمة البيت المكرم جده. ثم صرخ صارخ العزل في مسامعه. وصرح له بالعود إلى مراتع مرابعه. فعاد إلى إسلامبول. يسحب أذيال عز وقبول. وقد اجتمعت به المرة بعد المرة. فأحست من نجابته بما يمنح العين قرة والقلب مسرة. فأنعم به من حسيب. وحبيب للمكارم نسيب.

ص: 76

) ومنهم حضرة ذي الطلعة الغراء. علي أشقر باشا الوالي الأسبق في الموصل الخضراء (. وهو من موالي بيت السلطنة. وممن احتسى من ثدي الإسلام قبل البلوغ لبنه. جاء صحبة المرحوم علي رضا باشا. كان له الرضى غطاءً وفراشاً. يوم جاء إلى بغداد. وهو في العسكر أحد القواد. وكان إذ ذاك من البيكات. ثم ذهب وعاد وهو من أهل الرتب العاليات. حيث جعل والياً على شهرزور. مع مكثه في بغداد معيناً لحضرة المرحوم المشار إليه في بعض الأمور. فكان أحد يديه في الحضر. وقائم مقامه إذا خرج للسفر. وأظهر من الصلاح والعدل في الزوراء. ما لم يعهد مثله منذ قديم من الوزراء. وكان ما يسعى إلى صلوة جماعة أو جمعة. إلا وصدقاته للإمام وغيره تسعى معه. وكان يألف من ينتسب إلى المشايخ كيف كان. وقد كان لبعضهم بستان فرأيته بنفسه يخرج الماء من البئر ويسقي البستان. وقرأ على دلائل الخيرات. وقررت له ما فيها على اختلاف الروايات. وأصلح عني ما فسد من جامع مرجان. ولم شعثه وشيد ما وهي فيه من الجدران. وجدد له من البسط الخرسانية أحسن فراش. فكان الناس يتهافتون على الاجتماع فيه تهافت الفراش. ثم خرج من حدود بغداد وله فيها مزيد شغف. يكاد عافانا الله تعالى وإياكم يصل إلى رسوم التلف. فاستوزر في عدة بلدان. وماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان.

وما كل روض ينبت الزهر طيب

ولا كل كحل للنواظر أثمد

وقد سمعت من أهالي تلك البلدان. ومن طرقها من الأنام. أنه تغير حاله فيها عما كان عليه من الحسن في مدينة السلام. فاستغربوا ما قالوا. وحسبت أنهم في ظلال الضلال قالوا. حتى اجتمعت به في فروق. فإذا الأمر كما سمعت وبين الحالين فروق. ولا بدع في مثله إذا تغير. ومن ذا الذي يأبى لا يتغير. ومن هنا قيل أن ما كان منه ليس إلا ليتسور به وزارة بغداد. فلما يئس منها رجع إلى طبعه الذي ولد عليه وعاد. وأنا لا أظن ذلك. والله تعالى أعلم بما هنالك. نعم التغير ظاهر. ومن غير الله خبير بالسرائر.

) ومنهم من عشقه الكمال فقال رب اشدد به أزري. كامل باشا صهر المرحوم محمد علي باشا المصري (وقد رأيته كاملاً. ورجلاً عاقلاً نال بصهريته من المشار إليه غاية المسؤول. واختار لكمال التوطن بعد مصر في إسلامبول. وهو أحد أعضاء مجلس الأحكام. وله في الأمور كسائر المصريين اهتمام وإقدام. وقد اجتمعت به غير مرة. فرأيته صحيح العقل سليم الفكرة. عارفاً بزمانه. لا يميل إلى الإسراف كسائر أقرانه. له نظر إلى العواقب. ورأي في المشكلات صائب. فلا بدع أن اتخذه ذلك الملك صهراً. وجعل له فوق فلك العزة وكراً.

) ومنهم ذو الطبع الموزون. حضرة سامي باشا (الوالي السابق في طربزون. وهو ممن له نسبة قوية للدولة المصرية. وقد أقام مدة فيها. ووقف على سرها وخافيها. وعرف اللغة العربية. وعلم المحاضرات عليه. وقد اجتمعت مراراً به. فأعجبني حسن علمه ومحاضرته وأدبه. له ولد يدعى عبد اللطيف بك ما أكمله. يصلح أن يكون والداً له. ومتى رأيتهما يتنادمان. تحسب أنهما أخوان شقيقان طاب لهما الزمان فجعلا يتنادمان. ولهذا الولد اطلاع على الأدب ووقوف عجيب على أيام العرب. وهو أحد أنجم مجلس ابجمن. الذين غمسوا أيديهم في كل فن. وقد رأيته يترجم بالتركية. سائر أسفار تاريخ ابن خلدون في الدولة البربرية. وبالجملة إن هذا الولد أعظم سمو أبيه. فبارك الله تعالى لأبيه فيه.

) ومنهم الصادق في خدمة الدولة العثمانية. إسماعيل باشا (القائمقام سابقاً في السليمانية. وهو ممن صحبناه في بغداد زمن المرحوم علي باشا. فزادنا في كؤوس صحبته من مدام طبيعته انتعاشاً. وقد خدم أحسن خدمة في حادثة السليمانية. وجلب للدولة العلية بحسن معاملته الدعوات الخيرية. وقد أنست بهذا الرجل في إسلامبول. ورأيت من حسن معاملته ما هو فوق المأمول. جزاه الله تعالى عني خيراً. ورقاه في الدارين ضيماً وضيراً.

) ومنهم غير ذلك من الفخام ممن يضيق عن حضرهم نطاق الأرقام.) وقد اجتمعت (أيضاً بكثير ممن انتظموا في سلك العلماء الأجلة. واطلعوا في سماء الفضل بدوراً وأقماراً وأهلة.

ص: 77

) منهم حضرة ذي الفضل الجليل الجلي. مولانا عارف أفندي (قاضي عسكر روم أيلي. ويا له من عارف ما أذكاه. ومن ذكي ما أزكاه. ومن زكي ما أفضله. ومن فاضل ما أكمله. ومن كامل ما أرفعه. ومن رفيع ما أوسعه. ومن واسع ما أصغر نفسه. ومن صغير نفس ما أكبر قدسه. ومن كبير قدس ما أكثر أنسه. ومن كثير أنس ما أدق حدسه. ومن دقيق حدس ما أعلمه. ومن عالم ما أحلمه. ومن حليم ما أكرمه. ومن كريم ما أنصفه. ومن منصف ما أعرفه. لم تر عيني شبهه في الصدور. وأظن أنه هو أيضاً مثله في سالف الدهور. لا يتأله على العلماء. ولا يطوي كشحه عن الفقراء. يراعي لذوي الفضل فضلهم. ويجهد في السعي بالخير لهم. ولا يقول لسان الحال أنا ربكم الأعلى. ولا يخطر بباله التفضل عليهم حاشا وكلا. وقد ولي القضاء العسكري غرة شهر رمضان السنة الثامنة والستين. فكانت كل أيامه أعياداً عظاماً للإسلام والمسلمين. وهو مع ذلك مفتي مجلس الأحكام. وللناس تزاحم على منهله والمنهل العذب كثير الزحام. وغانية المشيخة الكبرى تغازله. وإن شاء الله تعالى بعد العمر الطويل تواصله. فهو بعد حضرة ولي النعم. حفظه الله تعالى من كل ألم. أحق عشاقها. بأخذ ساقها. وأولى خطابها. برشف رضابها. وأليق أحبتها. بالقعود على منصتها. وما شاء الله عز وجل كان. وما لم يشأ لم يكن وإن شاء الثقلان. وللمشار إليه ولد هو كولدي عندي. يدعى سلمه الله تعالى صديق بك أفندي. قرأ علي بعض النسخ الحديثية. وحررت له عدة إجازات عليه. وكان لي صديقاً. وعلي شفيعاً. يسعى في احترامي وإكرامي. ولا سعي أخوالي وأعمامي. ويجهد في إعظامي. ولا جهد أسرتي وأقوامي. لم أر مثله في أبناء الرجال. جامعاً لأنواع الفضل والأفضال. وأنه ليشب في الفضل كل يوم من الأيام. ما لا يشبه غيره ممن يشبه به بألف عام. فكأني إن شاء الله تعالى به وهو بدر كامل. قد تبوأ من منازل السعد أشرف المنازل. وله صهر. ذو خلق أعطر من عطر. وهو فاضل أوحدي. يدعى أمين أفندي. تبوأ معه الدار. واقتدى منه بكثير من الآثار. وهو الآن من كبار الموالي. ويلوح في جبينه نور سعد عالي.

) ومنهم مولانا الذي له على حمى الأسرار إشراف. حضرة تحسين بك أفندي نقيب الأشراف (. وهو في الرتبة قبرسي. وفي الطينة ذهبي لا قبرسي. وأبوه الحاج محمد أغا من أغنى التجار. ويظن أنه جمع من الذهب الأحمر ألف قنطار. وإليه انتقلت دولة والده. وحظي بطارفه وتالده. فهو اليوم في عيشةٍ أرغد من عيشة السلطان. وراحة ما نالتها يد إنسان من أبناء الزمان. منازله تشبه منازل جنان الخلود. وجنانه لم يغرس مثلها المترفون في ساحة الوجود. وهو مع هذا يصعد النظر ويصوبه في العمل بعلم الكاف. وكان الحري به أن يستضيء من آي الكتاب بشمس أليس الله بكاف. ولكن العقل من نار الحرض فرار. ومحال أن يكون له معها في بودقة القلب قرار. وحب المرء وبغضه يقلبان لديه الحقائق. ويفسدان عليه بيض النظر في الدقائق.

فرصاص من أحببته ذهب كما

ذهب الذي لم ترض عنه رصاص

فطوبى لعبد استغنى بإكسير القناعة. ورضي بما قسم له ولم يكشف لأحد قناعه. والمشار إليه في دار الخلافة. أحد رجال الصوفية. وله خلافة في الإرشاد بالطريقة العلية النقشبندية. وخلافته من روح جسد العرفان.) حضرة مولانا الشيخ محمد جان (. أحد خلفاء ذي المدد العلوي. شيخ مشايخنا الشيخ عبد الله الدهاوي. وكان للمرحومة والدة السلطان. اعتقاد به محكم الرابطة قوي الأركان. فكانت تتردد إليه كثيراً. وتستفيض مما أفاض الله تعالى عليه. وبذلك نال اعتباراً عظيماً وفخراً. حتى ظن أكثر الناس أنه سيصافح المشيخة الكبرى. وهو أحد أعضاء مجلس الأحكام. وله مع ذلك النظر في أموال الأيتام. فلله تعالى در همته. مع اختلال نصف بنيته. وقد جالسته كثيراً فرأيته من الأخيار. وصح عندي أنه يكرم الغرباء من سائر الأمصار. وله أبناء في غاية الكمال. كأنهم من حيث الحياء مخدرات الحجال. وهو اليوم في زمرة أرباب القلم. وفضلهم فيما بينهم كنار على علم. وله سلمه الله تعالى طبيعة شعرية. وقريحة في النظم مرضية. وقد أرسل لي أبياتاً فاخرة. فلم أدر أهي تقريظ للتفسير أم تقريظ لرسالة ألفتها في العترة الطاهرة. وهي هذه:

مفتي سابق بغداد بهشت آبادك

شهرت شايعة سي أوج غلاية جيقدي

ص: 78

حصرا يدوب وقتني قرآنه مفسرا ولدي

صيتي آداب ومعارفدة سهاية جيقدي

لطف شاهانه يي تعدادا يدوب أزسرنو

أثر كلك ترى شكر وثناية جيقدي

من مبارك شجرة اولدي بو نأليف جديد

أصلي ثابت أول رق فرعي سماية جيقدي

فال تحسين آجوب نظمله تقريظ كتاب

قرعة حب كركا آل عباية جيقدي

والفقير. لم أعرض عليه التفسير. وإنما عرضت عليه شجرة العترة الزكية. وبعد يومين أرسل لي بهذه الأبيات التركية. واستحيت أن أحقق الأمر من حضرته المنورة. ولعل الظاهر أنها تقريظ تلك الشجرة. وأياً ما كان. فأنا شاكر ذلك الإحسان.

ص: 79

) ومنهم حضرة قرة العين ونزهة الفؤاد. مولانا أحمد شكري أفندي (القاضي الأسبق ببغداد. وقد اشتهر بيوسفجق زاده. لا زال طائر صيته مغرداً على أفنان السعادة. وهو فتى كمل لطفاً. وذاب ظرفاً. ما حاز قاض فضله. ولا رأى في سجل محكمة مثله. جاء إلى بغداد زمن المرحوم علي باشا. فزادت به سروراً وانتعاشاً. ونادت لله تعالى شكري. وله حمدي في سري وجهري. وقد أحق الحق. وأبطل الباطل ومزق. وأبكى الطغام. وأضحك الكرام. وأوحش الأحياء الظالمين. وآنس الأيتام المظلومين. وأرضى الفقير. وأسخط الأمير. ومكث سنتين ثم خرج. وحظي لسمو حظه بمرتبة مخرج. ثم لم تزل له المقاصد ميسرة. حتى تنور قلبه بنيل قضاء المدينة المنورة. وقد اجتمعت به مراراً. فلم أحس منه بمقدار ذرة استكباراً. بل رأيته في كل ناد. أشد تواضعاً منه يوم كان في بغداد.) واتفق (أن دعاني في دار له قوراء. ودعا معي جملة من أجلة العلماء. فسألوني عن وجه الثواب في ذبح القرابين بحكم العقل. مع أن الذبح إيلام محض وليس لسابق جناية ولا للاحق ثواب جل أو قل. ومن أولئك الأجلة. من أحب بسط الكلام في الجملة.) فقلت نعم (الذبح إيلام محض. ولا عبرة بما يخالف هذا مما ذهب إليه البعض. وذلك أن البكرية ذهبوا إلى أن البهائم والأنعام. لا يصيبها أصلاً وقطعاً شيء من الآلام. وقد كابروا في ذلك المحسوس والمعقول. كما لا يخفى على أدنى العقول. والتناسخية زعموا أن أرواح البهائم. كانت في أبدان أشرف قبل انتقالها إلى أبدان البهائم. فانتقلت منها إليها لتعذب على ما اقترفت هناك من المآثم والجرائم. فالذبح عندهم لجريمة اقترفتها. وأثيمة في سابق وطنها ألفتها. والتزموا على هذا أن البهائم. مكلفة عالمة بأن تلك الآلام جزاء الجرائم. وذلك لتتصور الأنز جار عما فعلت. إذا انتقلت أرواحها إلى أشرف من أبدانها وتحولت. والتكليف في زعم بعض منهم كان ابتداءً أول زمن الخلق والتقدير. وفي زعم آخرين كان في ذلك الوقت ولكن بعد التفويض والتخيير. ومنهم من زعم أنه ما من جنس من أجناس إخوانهم البهائم. إلا وفيهم نبي مبعوث من ذلك الجنس يعرفهم الطاعات والمآثم. ولا يختص الزاعم بالتناسخية. فقد نسبه بعض المشايخ إلى بعض الصوفية. محتجين) يوماً من دابةٍ في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم (مع) وإن من أمةٍ إلا خلا فيها نذير (وذهب السادة الحنفية وغيرهم في حق من يقول بهذا القول المستهجن إلى التكفير. مع أنه أمر خطير. وللتناسخية مذاهب. تشيب في نقلها للقلم ذوائب. وورد كل ذلك بين العلماء مشهور. وفي كتب الكلام المبسوطة مسطور. وذهب العلاف والجبائي وكثير من متقدمي المعتزلة إلى أن في مقابلة ذلك الإيلام. عوضاً دائماً غير منقطع يناله الحيوان غداً في الجنة دار السلام. ومن المعتزلة من قال بالعوض في الآخرة على تلك المحنة. لكنه إنما يكون ولا بد في غير الجنة. ولهم كلام طويل في هذا الباب. نخشى أن يضيق بنقله خناق هذا الكتاب. ومثار نقع الخلاف في البين. القول المشهور بالحسن والقبح العقليين.) فنقول (مما نحن فيه. مخرجين له مخرج التنبيه. إن الأشياء إن خلت عن ذينك الأمرين. وعرت عن الحسن والقبح الذاتيين. فله سبحانه أن يخص فعل شيء بثواب. وفعل آخر مثله بعقاب. لا لمعنى يقتضيه. ولا لأمر يستدعيه. وله عز وجل أن يثيب على جزيل قليلاً. وعلى قليل جزيلاً. بل له سبحانه وإن لم يفعل. أن يعاقب المطيع وينعم على العاصي ويتفضل. ويقال أن أفعاله لا تعلل بالأغراض. وليس للمملوك على مالكه الحقيقي حق الاعتراض. وعلى هذا لا وجه لقول القائل ما وجه الثواب إلى آخر ما قال. ولا حاجة في الجواب إلى تكلف قيل وقال. وإن لم تخل عن ذلك فنقول أن الأمر والنهي كاشفان عما هنالك. على معنى أن ذلك الشيء لو لم يكن حسناً لما أمر به. وأن ذلك الشيء لو لم يكن قبيحاً لما نهى عنه. وأما أن وجه حسنه كذا أو أن وجه قبحه كذا فأمر قد يعلم وقد لا يعلم. ومتى لم يعلم قيل في جواب السؤال عنه الله أعلم. وعلى هذا فيقال أن ذبح القرابين حسن. وإن كان بحسب الظاهر من قبيل المحن. وأنه ليس لسابق جريمة. ولا ليكون سبباً للاحق نعمة عظيمة أو غير عظيمة. والله تعالى بوجه حسنه أعلم. ومن فضل من لا يعلم أن يقول لا أعلم. والثواب الزائد يحتمل أن يكون كله جزاء منه عز وجل. ويحتمل أن يكون بعضه جزاء

ص: 80

وبعضه منه تعالى محض فضل. وتخصيص فضيلة إراقة الدم في أزمنة مخصوصة. وأمكنة معروفة منصوصة. نعتقد اشتماله على أسرار وحكم. ولكنا نقول الله سبحانه وتعالى هو الأعلم. وربما يقال في جواب السؤال أن وجه حسن الذبح لما لم يكن بظاهر. وكاد أن لا يعرفه إلا الآمر. وكان فعله مشقة على النفوس البشرية. لمشاركة الذبيح لها في الجنسية. ولذا ترى بعض الناس لا يقدر أن يشاهد رجلاً يذبح عصفوراً. فضلاً عن أن يذبحه بيده إلا أن يكون مجبوراً. ومع ذا قدم المأمون بذلك الذبح وفعله امتثالاً للأمر. وإن جر له بسبب المشاركة الجنسية المقتضية للرقة القلبية ما جر. اقتضى فضل الله تعالى مزيد الثواب. لذلك الذابح الممتثل يوم الحساب. وهذا نظير ما قيل أن الثواب على الأمور التعبدية. أكثر منه على غيرها من سائر الأمور الشرعية. إذ لا داعي هناك على الفعل إلا الامتثال. هذا والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.) فقال (بعض أولئك الأحباب. جزيت خيراً زدنا في الجواب. فعدت) وقلت (هل من يسأل. معتقد حسن ذبح الحيوان ليؤكل. فقالوا نعم. فقلت إذاً وجه كثرة الثواب الإيثار باللحم. فإن قلتم دل بعض ما صح. على أن الثواب على نفس الذبح. فلو تصدق بالشاة مثلاً حية على مستحقها. لم يثب على ذلك مثل ثوابه على نفس ذبحها. قلت أعود حينئذ فأقول لعل وجه ذلك كونه أمراً شاقاً من البشرية. وقد فعله المأمور ابتغاءً لرضاء الله تعالى وامتثالاً لأوامره العلية. فقال بعضهم هذا مقبول. وأمر معقول. لكن نسألك لو قلنا بأن للقرابين على هذا الإيلام. جزاءً يكون لها غداً يوم القيام. هل نكون مصادمين لنص من النصوص المشهورة. أو منكرين لأمر علم كونه من الدين الحق بالضرورة. فقلت لا نكون كذلك. ولعل في كلام بعض أهل السنة ما يشعر بما هنالك. فقد قال الشيخ الأكبر. قدس سره الأنور. في الباب الثلاثمائة والواحد والسبعين من فتوحاته المكية أن الله تعالى إنما يحشر الوحوش إنعاماً منه عليها وكذلك سائر الدواب ثم أنها تكون تراباً ما عدا الغزلان وما استعمل من الحيوان في سبيل الله تعالى فإنهم يدخلون الجنة على صور يقتضيها ذلك الموطن وكل حيوان تغدى به أهل الجنة خاصة في الدنيا اه.

ص: 81

ونقله عنه الشيخ عبد الوهاب الشعراني في الجواهر وجعل القرابين من قسم ما استعمل في سبيل الله تعالى ولم يضطرب في ذلك كما اضطرب في أمر فرعون. وربما يستأنس في أمر القرابين خاصةً لما اقتضاه كلام هذا الأجل. ولا أقول) وهيهات هيهات أن أقول (يستدل بقوله عليه الصلوة والسلام عظموا ضحاياكم. فإنها على الصراط مطاياكم. فإنه يبعد من كرم الله تعالى أن لا يدخل مطايا أحبته. دار كرامته ورحمته. بل يأمرها فتوصلهم إلى الباب. ثم يجعلها تراباً كما يجعل الخنازير والكلاب. مع أن إدخالها الجنة مع الأحباء. أغيظ لمن يسحب على وجهه إلى النار من الأعداء. ولما سمع البعض ذلك رضى غاية الرضى. بيد أنه استكتبني عبارة الفتوحات فأخذها ومضى. وقال بعض منهم ما الجواب إن كان السائل لا يستحسن ذبح الحيوان للقربان أو لطعام. فقلت ذلك من الطعام. ولا أظن مسلماً لا يستحسنه بعد ورود الأمر به في سائر الشرائع كشريعته عليه الصلوة والسلام. على أن الرد على من لم يستحسن قد طوى بساطه. وانقطع هياطه ومياطه. ومن أراد استيفاء المرام. فليرجع إلى كتب الكلام. فقنع الكل بما ذكرت. ولم يناقش أحد منهم فيما قررت. بل قبلوه بترابه. وأقبلوا عليه بما به. وبعد ساعة. تفرقت الجماعة. وذهبت أنا إلى داري. وخلوت فيها غواني أفكاري. وبعد خمسة أو ستة أيام. ذهبت حسب عادتي إلى حضرة شيخ الإسلام. فناولني ورقتين. مشتملتين على عبارتين. إحداهما ما ذكرناه عن الفتوحات المكية. وثانيتهما عبارة معزية لمولانا الجامي متضمنة أن إبليس عبارة عن القوة الوهمية. فقال ما تقول في هاتين العبارتين. فقلت أحدهما على أعراف الرد والقبول والأخرى في نار الرد بلامين. فقال فلم تحررهما. وفي المحافل على رؤوس الأشهاد تقررهما. فقلت يا سيدي إنما قررت ما في الفتوحات المكية. وليس فيها ما يصادم قطعياً من الآيات السماوية. والواردات المدنية. وأما مسألة إبليس فلا والله ما ذكرتها. ولا عمري في ورقة لأحد حررتها. بل لم أذكر إبليس. منذ دخلت فروق عند جليس. فتبسم ضاحكاً وقال لي مفاكهاً جاءني بالأمس رجل من المدرسين بهاتين الورقتين. وقال إن الآلوسي حررهما وقبل ما ذكر فيهما على الرأس والعين. فقلت يا سيدي حضرتكم تعرف خطي. وأنا لم أزل مبتلى بمثل هذا التزوير في رفعي وحطي. وعند شكري أفندي حقيقة الخبر من مبتدأه. فأمر أحداً يسأله عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله. فقال اذكر لي أنت الخبر من المبتدأ. ولا أسأل عنه سواك أحداً. فذكرت له الأمر بلاً بلا. وعرضت عليه ما كان فصلاً فصلا. فقال هذه شنشنة قديمة من الحساد. ومصيبة عظيمة أصيب بها كثير من العلماء الأمجاد. فقلت حسبي ربي من تزوير ملأ الملأ. وأعوذ سبحانه من جليس إن قلت قال وإن سكت تقولا. ثم قلت لنفسي. ولم يشعر بي غير حسي:

لمن جاهد الحساد أجر المجاهد

وأعجز ما حاولت إرضاء حاسد

ولم أر مثلي اليوم أكثر حاسداً

كأن قلوب الناس لي قلب واحد

ألم ير هذا الناس قبلي فاضلاً

ولم يظفر الحساد قبلي بماجد

أرى الغل من تحت النفاق وأجتني

من العسل ألماً ذي سم الأساود

وأصبر على ما لم يجلب الصبر ذلة

وألبس للمذموم حلة حامد

وأعلم إن فارقت خلاً عرفته

وحاولت خلاً أنني غير واجد

إلى غير ذلك من أبيات غنيتها بها. حتى طبقت جفنيها على قذى. ونامت إذا عدمت فراش راحة على فراش أذى. وقد صح عندي أن هذه الطبيعة الشيطانية. شعار ودثار لبعض مدرسي القسطنطينية. وأنهم لم يزالوا يجمعون حجر الباطل ويرمون به برياً. ويبغضون لا در درهم كل من يرد على بلدهم من الأفاضل ولو كان نبياً. وأن رؤية العالم العربي في أعينهم الموت الأحمر. وأن صحبته ولو مقدار ذرة في اعتقادهم الذنب الأكبر. والشرك الذي لا يغفر. فإذا دخلت فروق فلا تقرب مأواهم. وابعد عنهم ما استطعت وإياك وإياهم. وعليك إن أردت مصاحبة بمصاحبة العوام. فإنك تقوم وتقعد معهم في أمان الله عز وجل والسلام. وفي هذه الحكاية. لذوي الفطن كفاية.

ص: 82

) ومنهم نزهة الألباب وقرة العيون. حضرة طاهر أفندي الذي كان قاضياً في بغداد سنة الطاعون (. وقد قاسى إذ ذاك فيها. ما يقص في أجنحة العمر قداماها وخوافيها. وقد هرب من السراي إلى الكرخ أيام ألفته. فكنت له في دفع الطعام أقوى سنان وأرقة جنة. حيث جاء إلى بيت خالي المرحوم الحاج عبد الفتاح. ولم يكن فيه إلا أرامل قد قص منهم الطاعون لا عاد منهم الجناح. فطرت إليه بجناح غيرتي. ولم أزل أحوم عليه أنا وأسرتي. حتى منعت أن تختطفه عقبان الفساد. ثم أوصلته إلى مستقر داود باشا والي بغداد. لكن عد ذلك أعظم هناتي. فجعل يغبر به وجوه غواني صفاتي. فضاق أمري. في بيان عذري.

إذا محاسني اللاتي أدل بها

عادت ذنوباً فقل كيف أعتذر

وقد رقاه القضاء والقدر. فهو اليوم مستشار قاضي عسكر. وكان لي جاراً. وكنت أسبل علي لئلا يراني إذا مر أستاراً. حيث بانني عنه ما أكره. فكنت أخاف فتكه بي ومكره. فلما اجتمعت به آنسني. وأزاح عني بيد لطفه جميع ما أوحشني. ورأيته من أعظم الناس خلقاً. وأكثرهم بالمنكرين رفقاً. فكنت أتردد إليه ويتردد إلي. ويقول لي كل مصلحة لك عسرت عليك حولها علي. فلله تعالى دره ما أكرمه وأحلمه. وما أصفى قلبه من الغش وأسلمه. وقد استحالت أخلاقه إلى خير مما كانت عليه في الزوراء. فهو في هذا العصر أطهر من ماء المعصرات حين نزولها من السماء. وفقه الله تعالى لمراضيه. وجعل مستقبل حاله متميزاً على ماضيه.

) ومنهم ذو الأخلاق الكريمة والأعراق المعظمة. حضرة مولانا توحيد أفندي القاضي السابق في مكة المكرمة (. من بيت شرف وولاية. وعلم وإرشاد وهداية. لا يجارى بمنقول ومعقول. ولا يبارى بفروع وأصول. وله في علم الفلك مرتبة متسعة العرض. فهو بطرق السماء أعرف منه بطرق الأرض. وقد نال من علم الزيج. ما يغدو منه ابن الشاطر في أمر مريج. ومن علم الأحكام. ما يلحق أيا معشر بالأنعام. هذا مع كرائم مفاخر ما نقش عطارد التصوير. في صفحة استعداد سري. ومن هنا ناداه كل منصف خبير.

وإذ ابتاع كريمة أو تشتري

فسواك بايعها وأنت المشتري

وقد كان له حضرة سعيد باشا الداماد. في أيام إقباله أقوى سند وعماد. يجد في تهيئة أسباب عروجه. ويجهد في تحري الأشرف من رفيع منازل العز وبروجه. ولما عثر جواد الجد بحضرة الداماد المشار إليه دخل في عينيه من عثير ذلك العشير. ما أقذى عينيه. وبقى في ذلك العثار مهموماً. وهكذا فليكن الصديق من عثار صديقه مهموماً مغموماً. نعم إن ألسنة العباد تناديه. لما ذاقت من حلاوة أخلاقه وأياديه.

أرق بمرقى زحل صاعداً

إلى المعالي أشرف المصعد.

وفض كفيض المشتري بالندى

إذا اعتلى في بعده الأبعد

وزد على المريخ سطواً بمن

عاداك من ذي نخوة أصيد

واطلع كما تطلع شمس الضحى

كاشفة للحندس الأسود

وخذ من الزهرة أفعالها

في عيشك المقتبل الأوغد

وضاه بالأقلام في جريها

عطارد الكاتب ذا السؤدد

وباه بالمنظر بدر الدجى

وأفضله في بهجته وازدد

فقريباً إن شاء الله تعالى يعود السعد كما كان. ويكون بينه وبين جميع آماله أسعد قران. وقد كان سلمه الله تعالى جاري. فكنت أحلي بحلي مجالسته آناء ليلي وأطراف نهاري. وأنا منه ممنون غاية الممنونية. من الله تعالى على كل منا ببلوغ كل أمنية.

ص: 83

) ومنهم حضرة زكي الأصل والنفس. الفاضل الشهير بشهرلي سبل حافظ أفندي وكيل الدرس (. عالم قلما يوجد مثل تواضعه في ذوي الشرف. يقول رائيه تالله ما هذا من الخلف إن هذا إلا بقية من السادة السلف. قد ضم إلى العلم زهداً. وزاد على الزبد شهداً. فلم يمزج هزلاً وجداً. له مؤلفات مختصرة. لكنها عند الأتراك مطبوعة معتبرة. وشهرة أمرها هناك. تخيل للذهن أنها أعلى قدراً من السماك. ومن مضمرات حواشيه على شرح الوضعية للملا علي. إشارات إلى أن الفضل موضوع بالوضع الخاص عند هذا العلم الشهرلي. وأني لأقسم بقدره العال. أن من وقف على تلك الحواشي فقد أشرف على وسط العلم بحقيقة الحال.) واتفق (أن ضمنا وإياه مجلس مأنوس. فسأل هو بعض الحاضرين عن معنى عبارة في القاموس. فقال البعض لا أعلم. وأن عبارات القاموس عيلم. فقلت يا مولاي أرنيها. وكانت مكتوبة في ورقة فناولنيها. فنظرت فإذا الناسخ حرف وغير. وعبر بما شوه به وجه المعنى وغبر. فقلت يا مولاي الصواب ذيت وذيت. والقصة على ما ذكره غير واحد كيت وكيت. فقال إن صح هذا فلا إشكال. فقلت الرجوع إلى نسخة صحيحة يكشف الحال. فرجع فرأى كما سمع فأضحى ممنوناً ودعا لي. وسأل الله سبحانه أن يكثر أمثالي. وهذا يدل على نقاء نقيبته. وانتفاء اللؤم على طبيعته. وعبارة القاموس هي هذه: والخطبة الشقشقية العلوية لقوله لابن عباس لما قال له وأطردت مقالتك من حيث أفضيت) يا ابن عباس هيهات تلك شقشقة هدرت ثم قرت انتهى (. والتحريف لقوله لو أطردت حرف بلو حررت. وفي قوله أفضيت حرف بقضيت. وفي هدرت حرف بهدت. والمعنى بعد التصحيح. أظهر من محاسن الوجه الصبيح. هذا) واعلم (أن وكيل الدرس عبارة عن شخص من العلماء الأعلام. يكون وكيلاً بوظيفة معينة من قبل شيخ الإسلام. على النظر في أمر المدرسين. ومصالح الطلبة أجمعين. فلا يمكن طالب من الإقامة في حجره. إلا بعد أن يذهب إليه ويحصل أمره. وإذا جنى جناية. فإليه ترفع الشكاية. وإذا نصب ميدان امتحان. كان هو فارس ذلك الميدان.) والحاصل (أنه محور أمورهم. ومدار شرورهم وسرورهم. والطلبة هناك على ما يقولون. اثنا عشر ألف أو يزيدون. ويقرءون عند الشيخ محلقين. وإذا طفت بهم رأيت أكثرهم مقصرين. وربما يختم الدرس والكثير منهم نائم. أو يقتضي الأمر وهو في بيداء التخيلات هائم. والشيخ بينهم على منصة ارتفاعها نحو ركبة. وبين يديه تختة منقوشة بالصدف يضع عليها كتبه. وربما يصفعها إذا حمى الوطيس. ويلطمها إذا اشتدت حرارة التدريس. ومعظم المدرسين في غاية الاستكبار والأنانية. ولولا خوف قطع وظائفهم لأعلنوا بدعوى الربوبية. وقد شمعت من غير واحد منهم في حق على كرم الله وجهه نتن الانتقاص. وهم على عكس الكتبة الذين لهم في حضرة الأمير غاية الاختصاص. ويقابل المدرسين في الاستكبار الواعظون. ومعظم المستمعين ما عدا النساء منهم يضحكون. وقلما ترى واعظاً في حلقته. إلا وهو أهون من قعيس على عمته. ولذا انحطت رتبة الوعظ هناك بالمرة. فكانت بين العلماء أهون من عفطة غنر بالحرة. وأكثر الوعاظ من قلة الأدب والوقيعة في الناس بمكان. وقد استمعت كثيراً منهم فرأيت سداً وعظهم ولحمته هذيان. وعلى ذلك تجمع لهم الدراهم. من المطلعين على الحال.

لقد طفت في تلك الجوامع كلها

وسرحت طرفي بين تلك المدارس

فلم أر إلا واعظاً بين نسوة

يشابه ثوراً بين عفرٍ أو أنس

ومثله قوله:

لقد طفت في تلك المدارس كلها

وسرحت طرفي بين تلك المدارس

فلم أر إلا خرداً حول واعظ

لهن ينادي شرح جمع الجوى معي

وقوله:

لقد طفت في تلك المدارس كلها

وسرحت طرفي في حمى كل تكية

فلم أر إلا واضعاً حب دينه

على فخه أو صافعاً صدر رحلة

ص: 84

ولا تخلو هذه الأبيات عن مجازفة واعتساف. وخروج بين عن دائرة الإنصاف. فالحق أن في مدرسيهم علماء محققين. بيد أن أكثرهم اليوم غير منصفين. وكذا في مرشديهم فحول. نعم يوجد في التكايا عور عن الإرشاد أولاً فحول. وعلى هذا القياس. وعاظ الناس. وهكذا الشأن. في معظم البلدان. فأي بلدة كل تكياتها مقاعد صدق وإجلال. ومعاقد ألوية أقطاب وأبدال. وأي مملكة كل مدرسيها أجلة. وهل تبدو الأقمار قبل أن تبدو أهلة. وأي الأمصار. كل من وعاظه ابن الجوزي أو ابن عمار. وقد نسجت هذه الأبيات على منوال بيتين للإمام. هما الحقيقتان بالقول عند ذوي الاستدلال من العلماء الأعلام. وهما:

لقد طفت في تلك المعاهد كلها

وسرحت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعاً كف حائر

على ذقن أو قارعاً سن نادم

ثم أن هذا الوكيل الأصيل. والجليل النبيل. لما رأى حضرة السلطان فضله. نصبه من بين الأقران معلماً له. فخلع نفسه من هاتيك الوكالة. وزهد فيها زهد الحجاج في تبالة. ودعى إليها رجل فضله مسلم الثبوت. يدعى يحيى أفندي فكاد من غمه يموت. وقد سمعته يقول لشيخ الإسلام. أيليق هذا بذا ويضع يده على شيب كالثغام. فقلت له يا مولاي إن كان هذا مما يرضي رب الأرباب. فهو كما لا يخفك لذا الشيب الطاهر نعم الخضاب. وإن كان من الكبار أو اللمم. فكيف يدعوك إليه شيخ الإسلام ومرشد الأمم. فقال هو طلعة. لو أقيم عرياً عن بشاعة. ولعمرك أن هذه الإقامة. متعذرة إلى أن يقوم مؤذن القيامة. فدعى إليها رجل فضله على ما يزعمون جلي. يدعى بين الناس بمصطفى أفندي الودين لي. فجاء يتعثر بأذيال السرور. ويود لو طار بأجنحة النسور. فقبل يد شيخ الإسلام وقبل منه الوكالة. وحل في الحال بأنامل الشكر من جراب أدعيته الوكالة. وسيأتي إن شاء الله تعالى ترجمة هذين الرجلين. وأسأل الله تعالى أن لا يذيق لسان قلمي صاب افتراء ومين. والله سبحانه الموفق للصواب. ومنه المبدأ وإليه المآب.

) ومنهم الفاضل الأوحدي. ذو الجناحين حضرة يحيى أفندي (. وهذا أحد الرجلين اللذين وعدناك آنفاً بترجمتيهما. وذكر ما وقفنا عليه سماعاً ومشاهدةً من صفتيهما. واشتهر هذا الفاضل بمعلم أولاد نجيب باشا. وكان قد ربط له بسبب التعليم مسكنا وكسوة ومعاشاً. وهو رجل قد ناهز القبضة. وسطا عليه الدهر بكلكلة ورضة. له انتساب إلى الطريقة النقشبندية. وانسلاك في سلك الطائفة الخالدية. واطلاع على مغزى السادة الصوفية. وعروج إلى حظائر مقاصدهم القدسية. وتضلع من علمي المنقول والمعقول. وانهماك في علمي الفروع والأصول. وهو من التواضع على جانب عظيم. ومن الشفقة على أهل العلم ما يظن معها أنه أب حميم. وفيمن أجازهم كثرة. حيث انه أجاز على القانون المقرر هناك غير مرة. والمشهور أنه اليوم أعلم المدرسين. وأنا أقول أنه اجتمع فيه من المحاسن ما لم يجتمع فيهم أجمعين. وقد اجتمعت به مراراً. فرأيت سحائب محاوراته بوابل العلم غزاراً. وكان إذا سألنا في مجلس لا يسبقني بجواب. ويسبل على عوراء جوابي بكرمه أضفى نقاب. وكان ذا ديانة وعفة نفس. ويشهد لذلك طي كشحه عن قبوله وكالة الدرس. وبالجملة كان بالفضل مشهوراً. وعن لذائذ الدنيا الدنية حصوراً. كثر الله تعالى في العلماء أمثاله. وأدام على طلبة العلم أفضاله.

) ومنهم ذو الفضل الجليل الجلي. حضرة إسماعيل أفندي الأقسقه لي (نسبة تركية إلى أقسقه بفتح الهمزة وكسر القاف الأولى وسكون السين المهملة وفتح القاف الثانية وهاء آخره. ممالك كرجستان التي فاقت نساؤها في جهاد الأرس رجال أكثر البلدان. ومن هنا يقال له كرج إسماعيل أفندي على معنى أنه من ذلك الإقليم وليس المراد أنه كرجي بالمعنى المعروف عندنا. وقد استولى الأرس على أقسقه زمن المرحوم السلطان محمود خان. ولم ينفع جهاد أهلها الذي لم يسبق مثله فهي اليوم تحت تصرفهم. وهي قريبة من أرزن الروم مثل كركوك من بغداد. وأظن هذا الرجل هاجر منها بعد استيلاء الكفرة عليها إلى إسلامبول. وهو شيخ فاضل. وعالم عامل. ذو عفة مع فقر حال. وغناء نفس مع كثرة عيال. لا يداهن أهل الدنيا. ولا يخطر بباله بالذل طلب الرتب العليا. يقول لسان حاله. مخالفاً لقال أمثاله:

لا أبتغي الرتبة القعسا وسلمها

نقصي ولو خدمتني السبعة أشهب

ص: 85

وأبتغي عز نفسي في مذلتها

وأيمن الله هذا المطمع العجب

وإذا أرشد إلى تكثير المال. بالخضوع للرجال. أنشد لسان حاله أيضاً وقال:

وقالوا توصل بالخضوع إلى الغنى

وما علموا أن الخضوع هو الفقر

وبيني وبين المال شيئان حرما

على الغني نفس الأبية والدهر

وإن قيل هذا المال أبصرت دونه

مواقف خير من وقوفي بها العفر

وهو اليوم يصدح بالحق ويصدع. ويأمر بالمعروف نفع أم لم ينفع. مشغول طول نهاره بنشر العلوم. وقائم على ساق العبادة إذا تغورت النجوم. وإذا قام إلى صلوة ارتدى بأردية ضافية من خضوع وخشوع. وائتزر بميازر طويلة الذيل من سجود وركوع. وهي بمجموعها تكاد لطولها تزاحم الكواكب بالمناكب. ولولا الغلو لقلت أن بين أحرامها وركوعها كما بين المشارق والمغارب. وأني لأقسم ب) والليل إذا عسعس. والصبح إذا تنفس (أني ما رأيت أتم من صلاته فيمن طلب العلم في فروق ودرس. فأنهم وإن كانوا نسور علم ينقرون في صلاتهم نقر الديك. فكل من أركانها وحرمة ورق بيت الحرام كبيت العنكبوت واهن ركيك. وبين أحرامها وسلامها. كما بين الكف وسلامها. فإذا صلى أحدهم لا يكاد يعلم. أأحرم بالصلوة أم سلم. وبالجملة لا يكاد يحنث من حلف. أن نظيره أعز من الإكسير فيمن خلف. ويكاد أن تكون النسبة بينه وبين معظم المدرسين المباينة. وتفصيل هذا الإجمال طويل وليس الخبر كالمعاينة. وقد دعاني ليلة إلى عشه. فرأيته كما يحكى عن السلف في عيشه وفرشه. كان الله تعالى لنا وله. وأسبغ سبحانه على كل منا فضله.

ص: 86

) ومنهم تذكرة العلامة الثاني. حضرة حسين أفندي الداغستاني (وهو شيخ قد حدب. وأكل الدهر عليه وشرب. وكاد يقطع عنه طله. ويمح بلعاب أصباحه ظله. جاء زمن السلطان الغازي محمود خان. مهاجراً إلى إسلامبول. فأكرم عليه الرحمة هجرته ووصله بغاية المأمول. حيث رآه قد استحال فضلاً. وعلا بالمحاسن محلاً. وقد رأيته أنا ذا اطلاع تام على دقائق المعقول. ومشاركة كاملة في حقائق المنقول. تكرمه الرجال وتحترمه. وتواصل إعظامه ولا نحترمه. يستحي من ظله. ويغض طرفه حياءً حتى عن أهله. يتقاطر وجهه نوراً. ويزيدك النظر إليه سروراً. واتفق أن جاءني زائراً. ولقلبي الكسير جابراً. فقلت له يا سيدي أنا أولى بأن أجيء أولاً لزيارتك. وأتشرف بتقبيل عتبة مدرستك. فلم يا مولاي سبقتني. وبمزيد لطفك أخجلتني. فقال أشكل علي أمر الاستثناء في قوله تعالى) فأما الذين شقوا ففي النار (الآيتين. فراجعت تفسير البيضاوي عليه الرحمة فلم أر فيه ما تقر به العين. فراجعت تفسيرك روح المعاني. فوجدت فيه ما أراحني مما عناني. فكان حقاً علي أن أزورك ولو سعياً على رأسي. وأزيل بزلال رؤيتك أوام نفسي. فرأيت منه إنصافاً. لا يوجد مثله عند مدرس هناك وإن صافا. وكان الذي ذكرته كلام بعض العلماء الأعاظم. وقد سبقه إليه محيي السنة البغوي في المعالم. ونص ذلك بعد ذكر الآيتين) اختلفت (أقوال العلماء. في توجيه هذا الاستثناء. على وجه يندفع به احتجاج أهل الأهواء. والذي يلوح لذهني الكليل. والله سبحانه أعلم بمعاني التنزيل. أن الاستثناء في الموضعين مبني على الفرض والتقدير. والمعنى إلا ما شاء الله أي إن شاء أي لو فرض أن الله تعالى شاء إخراجهم من النار أو الجنة في زمان لكان مستثنى من مدة خلودهم. وإن كان ذلك لا يقع البتة لدلالة القواطع على نفي وقوعه.) ثم النكتة (في هذا الاستثناء والله تعالى أعلم إرشاد العباد إلى تفويض الأمور إليه تعالى وإعلامهم بأنها منوطة بمشيئته عز وجل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. لا حق لأحد عليه ولا يجب عليه شيء كما قال سبحانه) فعال لما يريد (. وعلى هذا يكون المراد بالذين شقوا الكفار فقط فإنهم الأحقاء بهذا الاسم على الحقيقة. وبالذين سعدوا المؤمنين كافة مطيعهم وعاصيهم فيكون التقسيم في قوله تعالى فمنهم شقي وسعيد للانفصال الحقيقي ولا ينافيه قوله تعالى ففي الجنة لأنه يصدق بالدخول في الجملة. ولعل هذا التأويل هو الحق الذي لا معدل عنه إن شاء الله تعالى اه) وأنا أقول الآن (. ينبغي أن يحمل على هذا ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسير آية الأنعام) ويوم نحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك عليم حكيم (. ففي تفسير علي بن طلحة عنه أنه قال في تفسيرها لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله تعالى في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا ناراً. وقال الطبراني وروي عن ابن عباس. أنه كان يتأول في هذا الاستثناء. أن الله عز وجل جعل أمر هؤلاء في مبلغ عذابه إياهم إلى مشيئته. لا على معنى تحقق مشيئة الخروج فإن ذلك خارج عن مقتضى ما جاء به الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم. وأجمع عليه أهل السنة. ولعل ما أخرجه عبد بن حميد في تفسيره من رواية الحسن عن عمر رضي الله تعالى عنه لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه. فخبر منقطع لا يصلح أن يعول عليه. ولو ثبت يلزم أن يحمل أهل النار فيه على الموحدين. وكذا في حديث ابن مسعود الذي رواه عنه عبيد بن معاذ ليأتين عليها زمان ليس فيها أحد أو يراد بالنار في ذلك جهنم وهي الدرار الأعلى الذي فيه العصاة من المؤمنين فقد ورد أن جهنم لا يبقى فيها أحد وأنها ينبت في قعرها الجرجير. وما شاع عن الشيخ الأكبر قدس سره من القول بعدم خلود الكفار وانقطاع العذاب عنهم بالكلية فقد أنكره بعض الصحابة وقال أنه إنما ذهب إلى انقطاع العذاب على الوجه المخصوص أعني ما أشار له قوله تعالى) ففي النار لهم فيها زفير وشهيق (. وجعل الاستثناء من الخلود على هذا الوجه فالمعنى إلا ما شاء ربك فلا يكونون خالدين فيها على الوجه الذي هو أن يكون لهم فيها زفير وشهيق. بل خالدين فيها أما على وجه آخر من العذاب كتوقع العذاب مع

ص: 87

ارتفاعه حساً أو على وجه يحجبون عن خوف التوقع. قال وكل من الاحتمالين واقع في بعض الأوقات مع عود العذاب بعد ذلك. ونقله عن كتابه قدس سره إبداء النعمة. بتحقيق سبق الرحمة. ونقل عنه أيضاً أن قوله تعالى لا يقضي عليهم فيموتوا. ولا يخفف عنهم من عذابهم. وما في معناه إخبار عن حالهم في مدة الانتقال فلا ينافي التخفيف بعد انقضاء أمده بمقتضى الرحمة السابقة اه) وأقول (قد نقل الكوراني في مشرع الورود. إلى مطلع الجود. عن البيهقي أنه قال يجوز أن يخفف عن الكفار من العذاب الذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم بما عملوه من الخيرات اه وعليه فمتى جاز التخفيف بالعمل جاز التخفيف بالرحمة السابقة) ثم (أن ظاهر كلام العلامة ابن القيم في كتابه شفاء العليل إبقاء كلام الحبر على ظاهره حيث قال بعد نقله. وهذا التفسير عن ابن عباس يبطل قول من تأول الآية على أن معناها سوى ما شاء الله من نوع العذاب أو قال المعنى إلا مدة مقامه قبل الدخول. من حيث بعثوا إلى أن دخلوا أو أنها في أهل القبلة وهذه كلها تأويلات باردة ركيكة لا تليق بالآية انتهى فتأمل ولا تغفل. ثم اعلم أن الشيخ إسماعيل حقي ذكر في كتابه الفيض عن شيخه الشيخ عثمان أن الله تعالى إنما يعذب الكفار في النار بما يطيقون وأنه استدل على ذلك بقوله تعالى لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ولم أر ذلك لغيره فتأمله وتأمل استدلاله. وإنما ذكرت ما ذكرت لشدة مناسبته لما ذكرته في تفسير الآية مع ما فيه من الغرابة وتوهين أمر الاعتراض على الشيخ الأكبر قدس سره حيث تضمن الإشارة إلى عدم الجزع بما شاع عنه من القول بعدم خلود الكفار لكن رأيت أنا في بعض كتبه أن السور الذي يضرب بين الجنة والنار يهدم حيث شاء الله تعالى فتتحد الداران ويبقى أهل النار في أماكنهم منعمين ولا يقصر نعيمهم عن نعيم أهل الجنة أو ما هذا معناه. وقد أجاب النابلسي عن ذلك بما أجاب. والله تعالى أعلم وهو الموفق للصواب.) ومما اتفق (لهذا الفاضل المترجم. صانه الله تعالى من كل مكروه وسلم. أنه حضر درس الحضور في العشر الأول من رمضان. زمن السلطان الغازي المرحوم محمد خان. فأمر أن يكون هو المقرر. وأمر الشهرلي السيد حافظ أفندي أن يكون المعترض والمنقر. وكانت الآية التي فيها يبحثون. قوله تعالى) وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون (فلما شرع في التفسير. وخاض في ساحل التقرير. قال له يا بحر العلم وعبابه. ما الفرق بين التوبة والإنابة. فاختطفت هيبة المجلس من يده الجواب. وأخذت الدهشة بفيه فلم ينطق بخطأ ولا صواب. فاعتراه من الخجل. ما لا يعلمه إلا الله عز وجل. فقام بدمع سائل. وقلب منكسر على ذلك السائل. وكم قد سئل في ذلك المجلس عالم فعجز عن الجواب. وقام وعليه من الاكتئاب أضفى جلباب. والإنصاف أن مثل هذا العجز لا يضر بصدور العلماء. فعلم كل شيء مخصوص برب الأرض والسماء. وقد اختلفوا في جواب هذا السؤال. فمن قائل لا فرق بين التوبة والإنابة بحال من الأحوال. ومثلهما الأوبة. فهي أخت الإنابة والتوبة. ومن قائل أن الإنابة أعلى رتبة من التوبة. لما فيها ما فيها. مع اتخاذ العبد مولاه وكيلاً في جميع أمره. فكأنه أنابه عنه في ذلك فلا يحتاج إلى ما يختاره في جهره وسره. والأوبة أعم منهما وشاملة لهما. ومن قائل أن في التوبة رجوعاً إليه تعالى رغبة في ثواب ورهبة. وفي الإنابة رجوعاً إليه تعالى تشرفاً بعبادته أو قبولاً لتكاليفه أو لغرض من الأغراض غير الرغبة والرهبة. وفي الأوبة رجوعاً إليه سبحانه بمجرد الحب والاستحقاق الذاتي كأوبة المسافر إلى وطنه حباً له وإن لم يكن له فيه أهل أو ولد فالتوبة للعوام. والإنابة للمتوسطين وإن شئت فقل للخواص. والأوبة للخواص. وإن شئت قلت لخواص الخواص. ونظير ذلك ما قيل في العبادة والعبودية والعبودة. ومنهم من عكس في التفرقة بين الإنابة والأوبة ومن قائل غير ذلك. وإثبات الفرق لغة أصعب من خرط القتاد ولا مشاحة في الاصطلاح. والتفنن في التعبير من سنن القرآن العظيم. وأظن أن في إحياء العلوم وعوارف المعارف ما يتعلق بذلك. فارجع إليهما والله تعالى الموفق. ثم أن هذا الفاضل المومى إليه. لا زالت طلبة العلوم عاكفة عليه. معلم اليوم في بعض المكاتب الجديدة. وعيشه بين أمثاله في الجماعة حميدة. وقد أجازني بجميع

ص: 88

مروياته. وكتب لي في ذلك أبياتاً من منشآته. وقد ضاعت مني جزاء الله تعالى خير الجزاء عني.

) ومنهم ذو الحظ الجلي. مصطفى أفندي الودين لي (نسبة تركية إلى ودين بكسر الواو والدال المهملة بعدها ياء مثناة تحتية مكسورة بعدها نون بلدة محكمة رصينة واقعة على ساحل نهر طونة تشتمل اليوم على نحو عشرين ألف نفس. وهذا ثاني الرجلين اللذين وعدنا بترجمتيهما. وبيان صفتيهما. وهو وكيل الدرس اليوم. وله شهرة تامة بين القوم. وقد أجمعوا على أنه في المجالس بأقل. وفي المدارس سحبان وائل. وقد اجتمعت به مراراً فلم أشم منه رائحة العلوم. مع أني بفضل الله تعالى لست بالمزكوم. ولم أجتمع به في مدرسة. ولا سمعت تقريره ودرسه. نعم اجتمعت به عند حضرة شيخ الإسلام. فجرى بحث ما قاله في دلالة القرآن العلماء الأعلام. فقلت أنه قال غير واحد القرآن قطعي الورود ظني الدلالة. فقال لي قد غلطت في نقلك. وصدر منك ما لا ينبغي أن يصدر من مثلك. فقلت ما الذي صدر. ومعاذ الله تعالى أن أجيء بالصقر والبقر. فقال أنهم يقولون القرآن قطعي الثبوت. وأنت قلت قطعي الورود. فكان يلزمك أن تقول كما قالوا ولا تعدل إلى لفظ غير معهود. فتبسمت من قوله. وعجبت من ذلك على ما يزعمون من فضله. فقلت لا حظر علي في تغيير التعبير. ورواية الحديث بالمعنى جائزة للعالم البصير. على أنه إن أردت بضمير الجمع. في أنهم يقولون جميع العلماء فهو في حيز المنع. والاستقراء التام. ما لا يكاد يتحقق في مثل هذا المقام. وإن أردت بعض العلماء. فذاك مما ليس لك فيه غناء. على أن اللائق بمثلك. والأهم لمن فضله كفضلك. أن يتكلم في تحقيق هذا المطلب. وتمييز الأصوب فيه عن غير الأصوب. فإن كون القرآن ظني الدلالة يقتضي تقديم الدليل العقلي على السمعي. والحال قد قال الشيخ الأكبر قدس سره:

على السمع عوننا فكنا أولي النهى

ولا علم فيما لا يكون عن السمع

وقال أيضاً:

فقل لعقلي اقصر فنقلي

يهدي إلى العلم والرشاد

وقال أيضاً:

كيف للعقل دليل والذي

قد بناه العقل بالكشف انهدم

فنجاة النفس في الشرع فلا

تك إنساناً رأى ثم حرم

واعتصم بالشرع في الكشف فقد

فاز بالخير عبيد قد عصم

أهمل الفكر ولا تحفل به

واتركنه مثل لحم في وضم

إن للفكر مقاماً فاعتضد

به فيه تك شخصاً قد رحم

كل علم يشهد الشرع له

هو علم فيه فلتعتصم

وإذا خالفه العقل فقل

طورك الزم ما لكم فيه قدم

ص: 89

فما نطق الرجل بشيء ولا فاه. وكسا بلثام من السكوت فاه. بيد أني استشعرت منه أنه لا يقول بإطلاق الظنية. وهو مشعر بأن به خبرة ما في مثل هذه المطالب العلية. وإن أردت ما قيل في هذا المقام. فاستمع لما نتلوه عليك من كلام العلماء الأعلام. قال) في المواقف وشرحه (الدلائل النقلية هل تفيد اليقين بما يستدل بها عليه من المطالب أولاً قيل لا تفيده وهو مذهب المعتزلة وجمهور الأشاعرة لتوقفه على العلم بالوضع أي وضع الألفاظ المنقولة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بازاء معانٍ مخصوصة وعلى العلم بالإرادة أي بأن تلك المعاني مرادة له وكل منهما يتوقف على أمور كلها ظنية. ثم بعد هذين الأمرين لا بد من العلم بعدم المعارض العقلي الدال على نقيض ما دل عليه الدليل النقلي إذ لو وجد ذلك المعارض لتقدم على الدليل النقلي قطعاً بأن يؤول النقلي عن معناه إلى معنى آخر. مثاله قوله تعالى:) الرحمن على العرش استوى (فإنه يدل على الجلوس وقد عارضه الدليل العقلي الدال على استحالة الجلوس في حقه تعالى فيؤول الاستواء على العرش بالاستيلاء إذ لا يمكن العمل بهما ولا بنقيضيهما وتقديم النقل على العقل إبطال للأصل بالفرع وفيه إبطال الفرع وإذا أدى إثبات الشيء إلى إبطاله كان مناقضاً لنفسه وكان باطلاً لكن عدم المعارض العقلي غير يقيني إذاً لغاية عدم الوجدان وهو لا يفيد القطع بعدم الوجود. فقد تحقق أن دلالتها تتوقف على أمور ظنية فيكون دلالتها أيضاً ظنية. لأن الفرع لا يزيد على الأصل في القوة. قال والحق أنها قد تفيد اليقين في الشرعيات بقرائن مشاهدة أو متواترة تدل على انتفاء الاحتمالات المذكورة فإنا نعلم استعمال لفظ الأرض والسماء ونحوهما من الألفاظ المشهورة المتداولة فيما بين جميع أهل اللغة في زمن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم في معانيها التي تراد منها الآن والتشكيك فيه سفسطة لا لشبهة في بطلانها. وكذا الحال في صيغة الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل وغيرها فإنها معلومة الاستعمال في ذلك الزمان فيما يراد منها في زماننا. وكذا رفع الفاعل ونصب المفعول وجر المضاف إليه مما علم معانيها قطعاً فإذا انضم إلى مثل هذه الألفاظ قرائن مشاهدة أو منقولة تواتراً تحقق العلم بالوضع والإرادة وانتفت تلك الاحتمالات. وأما عدم العارض العقلي فيعلم من صدق القائل فإنه إذا تعين المعنى وكان مراداً له فلو كان هناك معارض عقلي لزم كذبه) نعم (في إفادتها اليقين في العقليات نظر لأن كونها مفيدة لليقين مبني على أنه هل يحصل بمجردها أي بمجرد الدلائل العقلية والنظر فيها وكون قائلها صادقاً الجزم بعدم المعارض العقلي وأنه أهل للقرينة التي تشاهد أو تنقل تواتراً مدخل في ذلك أي الجزم بعدم المعارض العقلي وهما أي حصول ذلك الجزم بمجردها ومدخلية القرينة فيه مما لا يمكن الجزم بأحد طرفيه أي النفي والإثبات فلا جرم كانت إفادتها اليقين في العقليات محل نظر وتأمل) فإن قلت (إذا كان صدق القائل مجزوماً به لزم منه الجزم بعدم المعارض في العقليات كما لزم منه في الشرعيات وإلا احتمل كلامه الكذب فيهما فلا فرق بينهما) قلت (المراد بالشرعيات أمور يجزم العقل بإمكانها ثبوتاً وانتفاءً ولا طريق له إليها وبالعقليات ما ليس كذلك وحينئذ جاز أن يكون من الممتنعات فلأجل هذا الاحتمال ربما لم يحصل الجزم بعدم المعارض العقلي للدليل النقلي في العقليات وإن حصل الجزم به في الشرعيات وذلك بخلاف الأدلة العقلية في العقليات فإنها بمجردها تفيد الجزم بعدم المعارض لأنها مركبة من مقدمات علم بالبداهة صحتها أو علم بالبداهة لزومها مما علم صحته بالبداهة وحينئذ يستحيل أن يوجد ما يعارضها لأن الأحكام البديهية لا تعارض بحسب نفس أمر أصلاً انتهى.) قال الفاضل حسن جلبي الرومي (في حاشية المواقف عند قوله قدس سره وحينئذ جاز أن يكون من الممتنعات هاهنا بحث مشهور: وهو أن المعنى بعدم المعارض العقلي في الشرعيات صدق القائل وهو قائم في العقليات أيضاً وما يحكم العقل بإمكانه ثبوتاً أو انتفاءً لا يلزم أن يكون من الممتنعات لجواز إمكانه الحافي من العقل فينبغي أن يحمل كل ما علم أن الشرع نطق به على هذا القسم لئلا يلزم كذبه وإبطال ما قطع النقل بصدقه فالحق أن النقلي يفيد القطع في العقليات أيضاً ولا مخلص إلا بأن يقال مراد

ص: 90

الشارح النظر في الأدلة نفسها والقرائن في الشرعيات تفيد الجزم بعدم المعارض لأجل إفادة الإرادة من القائل الصادق جزماً. وفي العقليات إفادته الجزم بعدمه محل نظر. بناءً على أنه ليس على هذا للذكي مزيد.) واجتمعت به مرة أخرى (عند المشار إليه لا زالت أنهار العلم جارية لديه. فألقى بحثاً في البين على ما هو العادة. فترجم هذا المترجم كلامي فيه بالتركية وأعاده. فلسرعة فهمه وانتقاله. علمت أن له فضة تزيد على فضة أمثاله. لا سيما والمسألة من فقه الشافعية. وفهم مقاصده بمراحل عن أذهان علماء القسطنطينية. وسيأتي ذلك آخر الكتاب. إن شاء الله تعالى الملك الوهاب.) وبالجملة (لا يخلو الرجل عن معرفة ببعض العلوم. غير أن له عجباً بنفسه يزاحم مناكب النجوم. وأنه دون العلماء المشهورين هناك في الأخلاق. بل لم أر مثله في كبر النفس بين من رأيت من علماء الآفاق. وخير ما فيه أن له انكباباً على التدريس. فيكاد يضيق وقته لسعة اشتغاله به عن المنادمة مع الجليس. وهو اليوم مع كونه وكيل الدرس مدرس مدرسة السلطان عبد الحميد. وكان ذا معيشة ضنكا فأضحى في عيش حميد. ولا أقول جن له الدهر. فالكثير في حق العلماء كيفما كانوا نزر. أسأل الله تعالى أن يحسن خلقه. ويكثر لكل منا رزقه.) ولقد اجتمعت (بآخرين من العلماء. ولكنهم في العلم دون هؤلاء. ولو ذكرتهم لمل من الطول مقالي. على أن أسماء كثير منهم قد أفلت من سماء خيالي. وقد استأنست ببعضهم جداً. ورأيت فيه من مكارم الأخلاق ما لم أستطع له عداً.) واجتمعت (أيضاً بمشائخ صادقين وكاذبين. وآخرين بين ذلك مذبذبين. ومن أصدق من اجتمعت به. ووددت لو انتظمت في سلك صحبه. روض أنوار سروري.) حضرة مطلع الأنوار الإلهية الشيخ نوري (. وأعني به سيدي وسندي. المرشد بالتكية الشهيرة بتكية يحيى أفندي. وهي كنار على علم عليها من الجلالة غواش. واقعة في الساحل قرب سراي السلطان في سمت بشك طاش. وهو رجل على ما أخبرني من أفراخ حضرة الباز. وقد حلق على ما أحسست في جو كل حقيقة ومجاز. وأخلاقه تشهد بصحة نسبه. ولا تبقى غبار شبهة لمشتبه. تقبل الرجال يديه ورجليه. وهو لا يعد ذلك إلا نحو قذى في عينيه. ورأيته يسلك المريدين في الطريقة النقشبندية. مع أنه من السلالة القادرية. وما ذاك إلا لاتحاد منتهى المسعى. وإن إلى ربك الرجعى.) نعم (اختلف ذوو العرفان. فمن قائل ماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان. وأنا عبد على الحقيقة. لصادقي في كل طريقة. وأني لأعد ذلك مجداً. وأكاد أطأ بأخمصي الثريا إذا قلت عبداً.

ص: 91

) وممن اجتمعت به ليث غابة الصلاح المزري بليث الوغا. حضرة الشيخ الشهير بحاج عارف أغا (كان في سالف الزمان. عربه جي باشي عند المرحوم السلطان الغازي محمود خان. فدعاه للعمل بمقتضى ما وضعه من القوانين بعد حادثة بني الأصفر. فقال لا أفعل ذلك أبداً ولو ارتديت أردية الموت الأحمر. فترك خدمة عربته. واشتغل بمحو خطيئته بمياه عبرته. واعتاض عن درهم سلطانه. بدينار ربه وإحسانه. وقام نشطاً لخدمة مولاه. شاكراً على توفيقه سبحانه إياه.

وإذا حلت الهداية قلباً

نشطت للعبادة الأعضاء

فهو منقطع للعبادة الآن. في زاوية تجاه باب جامع السلطان أحمد خان. قرب العمود المصور. الذي ذكرناه فيما مر. وقد غدا للمجاذيب مغناطيساً. ولهم بعد الله عز وجل أنيساً. فما من مجذوب في إسلامبول كائناً من كان. إلا وهو آتٍ لزيارته كما يأتي السمك لزيارة صخرة حقلان. بيد أن هاتيك الصخرة. يزورها السمك في السنة مرة. وهو مزور كل مجذوب. في كل يوم عند الطلوع والغروب. فكان رسوله إليهم الشمس في طلوعها وغروبها. أو الريح في سكونها وهبوبها. وكذا فقراء الغرباء إليه يهرعون. وفي رياض إكرامه يرتعون. ومن حياض أنعامه يترعون. وهو في كثرة السيب. كأنما ينفق من جيب الغيب. وقد رأيته فيما سلكه. لم ينصب دينه لدنياه شبكة. ولو كانت الدنيا له عشيقة. ما طلقها ونكح بدلها الطريقة. وقد رأيت معظم مشائخ إسلامبول. يبيعون المنصب للمعزول. يأتون إليه فيقولون هل لك أن تعطينا كذا مقداراً من ذهبك. فنعيدك بالهمة القلبية إلى ما كنت فيه من ذاهب منصبك. وإن لم يتيسر ذلك. أعطيناك منصباً غيره أعلى من السماك. ومجانين المناصب. ملء المشارق والمغارب. فيساندونهم على ما وقع بينهم ودار. فإن صادف القدر ضاعفوا لهم عن طيب نفس ذلك المقدار. وإلا أعطوهم بعض ما وقع عليه الكلام. وعادوا يرجون الهمة منهم في أن يعيدوهم ولو بعد أعوام. وقد يفعلون مثل هذا الفعل الرذل. مع من يروم منصباً لم يكن هو فيه من قبل. واتفق أن كتب بعض الأشهاد. على بيع بعض المشايخ لبعض الناس وزارة بغداد. فاجتهد البائع في أعمال الهمة وجد فما وقع في يد المشتري بعد الجهد الجهيد غير السند. ولم أر عند هذا الشيخ مثل هذه الحيل. نعم عنده مبشرات لمن لاذ به من أهل الدنيا واتصل. ولقد رأيته ذا نفس غنية. قلما يقبل من أحد هدية. وأظنه ضعيف الحال. قد كفي بكف القناعة ذل السؤال. ومع ذا قد شارك الفقراء فيما عنده. ولم يمنع من أتاه مسترفداً رفده. وما أجل القائل. من الأوائل الأفاضل:

وأني لأخفي باطني وهو موجع

فينظر مني ظاهري وهو ضاحك

وأسأل عن حالي وبي كل فاقة

فأوهم أني للعراقين مالك

وأظن الأجل من هذا القائل من كان في حاله مثله. لكنه كتم أمره فلم يقل في إظهاره قوله. وبالجملة إن هذا الشيخ بالنسبة إلي أكثر من رأيت هناك من الشيوخ. يعد ذا صلاح أخذ بمنطقه الجوزاء مع مزيد استقامة ورسوخ. وقد استجازني ببعض الأحزاب. فأجزته بالشرط المعتبر عند الأصحاب. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من العلماء العاملين. ويمن علينا بالكون في معية الصادقين.

) وممن اجتمعت به أيضاً من المشايخ ذو الخلق الوردي. الشيخ المولوي قدرة الله أفندي (وهو شيخ مولوي قد أضعف الكبر في الجملة سمعه. وله تكية في غلتا ترتع فيها ظباء أو أنس كل أسبوع بعد صلوة الجمعة. ولقد حضرنا حلقة ذكره وفيها ولدان بدور. فلولا أن تولى حضرة مولانا تعالى شأنه قلوبنا لكانت الدوائر عليها تدور. ولا غلب الرجال ميل إلى هذا الشيخ كثير. وهو مع المشيخة يكتسب ببيع الأسير. وربما يحضر فيما بين. للاستشفاء بقراءته من نحو وجع رأس أو عين. ويقال أن سبب تسميته بقدرة الله. أنه بعد موت أمه نظر بعين الولادة دنياه. ومن هنا مالت إليه النفوس. ولم يعلموا أن مثله في ذلك أغستوس. وبالجملة قد رأيته ذا أخلاق سنية. كأغلب مشايخ الطريقة المولوية. وليس عنده من المحاسن سوى حسن الأخلاق. ولولا ذلك لكان بينه وبين سائر النخاسين أتم وفاق.

ص: 92

) وممن اجتمعت به أيضاً من المشايخ في ذلك النادي. الشيخ عبد الله أفندي القرغولي البغدادي (. وهو ابن محمد أغا المطاوخي عند) داود باشا (والي بغداد. وعشيرته مشهورة خرج فيها رجال أمجاد. واشتهر بين المطلعين على الأنساب. أنهم جاءوا في معية السلطان مراد إلى تلك الرحاب. فسكنوا في بغداد بأمر السلطان. وأنهم ليسوا من عدنان ولا قحطان. وقد خرج هذا الشيخ شاباً إلى القسطنطينية. فأوصله القدر زمن السلطان الغازي محمود خان إلى الأمنية. فبنى له خانقاه. وأولاه من بره ما أولاه. وهو غلام أنقى من مرآة الغريبة. وله دعوى فيه بين الأتراك أعجب كل عجيبة. نعم هو كريم الأخلاق. كسائر أهل العراق. يجود بالقوت. ولو علم أنه يموت. ولا يمنع عن سائل كسوته. كما لا يمنع عنه كسرته. فيعطيه سترته. ولو رأى الناس عورته. ويذهب مع المستشفعين. ولوالي بلاد الصين. إلا أنه يبيع المناصب لكن بالإشارة. ويمنعه الحياء البغدادي أن يبيع بصريح العبارة. ومجمل ما أقول. أنه خير من كثير مشايخ إسلامبول. إلا أنه بلغني أنه يدعي النسبة إلى حضرة) الباز الأشهب (. وأني لأقسم بحرمة هاتيك الخضرة ما تعبق منه عرق من عبير عنبر ذلك النسب. نعم له انتساب إلى حضرته. من حيث دخوله في طريقته. وذلك أقرب نسب. عند من أحب.

نسب أقرب من شرع الهوى

بيننا من نسب من أبوي

وفي إسلامبول ونواحيها. غير واحد من الكذابين يدعيها. ولقد رأيت هناك منهم من لا يشك بغدادي في كذبه. فلم يسعني إلا السكوت عن بيان ما هو الحق في نسبه.

فالناس لا يستطيع مثلي بينهم

من نوكهم شرحاً لما قد أبهما

ص: 93

) وقد اجتمعت (بآخرين. معتبرين وغير معتبرين. ولم أر كالمولوية في الأخلاق. فعليهم من دراريها أبهى وشاح ونطاق. وهم في أداء ما يدور على محور الشريعة المحمدية. بكثير دون السادة القادرية والنقشبندية. ولكل متشيخ هناك اعتبار. ولو أنه خمار أو حمار. وقد رأيت شيخ المتشيخين الخمر لا يحط من مقدارهم. ومن الجهلة من يعتقد أن شربهم الحشيشة يظهر درر أسرارهم. وبالجملة لا سلعة أنفق من المشيخة في إسلامبول. وأنها فخ عظيم يصطاد به كل مأمول. لكنها متفاوتة باعتبار الأشخاص. وكم من فرق بين قناص وقناص. وما أظن ذلك الاعتبار إلا من حسن اعتقاد أهل تلك الدار. مع أن معظمهم غريق بحر أمانيه. والغريق يتشبث بالحشيش وما يحاكيه. وحيل المتشيخين على اختلاف طبقاتهم مما تخفى حتى على إبليس. وهي رأس مالهم الذي أثروا به حتى أوثروا على أرباب التدريس. وتلك علة قديمة. ومصيبة والعياذ بالله تعالى عظيمة. وقد ساعد على بقائها في العالم عدم سماع كلام العالم فيهم. حيث توهم جهلة العوام أن ذلك ليس إلا حسداً لهم فيما يأتيهم. ومن أولئك. من يحمله على غرض نفساني غير ذلك. ومنهم من يزعم أن إنكار العلماء الأكابر. لكون أولئك من أهل الباطن وكونهم أنفسهم من أهل الظاهر. وما دروا أن كل باطن يخالف الظاهر. فهو كما قال غير واحد من العارفين باطل ومرتكبه خاسر. وقال الإمام الرباني قدس سره الطريقة لا تخالف الشريعة بمقدار شريعة. ونحو ذلك للعارفين أكثر من أن يحصى. بل قد أنكر العارف الشيخ عبد الوهاب الشعراني. قدس سره النوراني. في كتابه الدرر المنثورة. في بيان زبد العلوم المشهورة. كون علم الصوفية باطناً. قال وما أعلم زبدة التصوف الذي وضع القوم فيه رسائلهم فهو نتيجة العمل بالكتاب والسنة فمن عمل بما علم تكلم بما تكلموا. وصار جميع ما قالوه بعض ما عنده لأنه كلما ترقى العبد في باب الأدب مع الله تعالى دق كلامه على الإفهام. إلى أن قال وهذا هو الذي دعا الفقهاء ونحوهم من أهل الحجاب إلى تسمية علم الصوفية بعلم الباطن وليس ذلك بباطن إذ لباطن إنما هو علم الله تعالى. وأما جميع ما علمه الخلق على اختلاف طبقاتهم فهو من علم الظاهر لأنه ظهر للخلق فاعلم ذلك اه. والحق أن الظهور والبطون أمران نسبيان فيمكن اجتماعهما في شيء واحد بأن يكون ظاهراً عند شخص باطناً عند آخر فقد يعد علم النحو وعلم المنطق وغيرهما من العلوم من العلم الباطن كما لا يخفى. فافهم ذاك. والله تعالى يتولى هداك.) وبالجملة (أن سوء ظن العوام بخواص العلماء. أوجب اتقاد نار فتنة المتشيخين الجهلاء. وأنا أسأل الله تعالى أن يصلح الخواص والعوام. وأن يطفئ بنور شريعته نار فتنة اضطرمت بين الأنام.

) وقد اجتمعت (بكثير من الكتبة وصطفيت لي منهم أحباباً ذوي أخلاق مهذبة. أجلهم بل هو كلهم ذو الخلق العطر الندي.) حضرة عاكف بك أفندي (. وهو ابن أخي حفظي باشا العارنوود وداماداه. ومن هو اليوم سقف بيته الرفيع وعماده. وأصل أهل هذا البيت من العارنوود. جلاهم عن ديارهم وأسكنهم القسطنطينية المرحوم السلطان محمود. وقد نالوا من طويل التغريب. عريض البلا العجيب. ولم يثلب ذلك من سور مجدهم قيد شعرة. ولم يعب من وجوه محاسنهم ومحاسن وجوههم بمقدار ذرة.

سراه يقر الحاسدون بفضلهم

كرام السجايا والعلى والمناسب

إذا جلسوا كانوا صدور مجالس

وإن ركبوا كانوا صدور مواكب

أسود تقنت بالقنا عن عرينها

وبالبيض عن أنيابها والمخالب

يجودون للراجي بكل نفيسة

لديهم سوى أعراضهم والمناقب

إذا نزلوا بطن الوهاد لغامض

من القصد أذكوا نارهم بالمناكب

وإن ذكروا غب الطعان رماحهم

رأيت رؤوس الأسد فوق الثعالب

ص: 94

وأنا لم أر حفظي باشا حيث أنه توفي قبل الدخول. إلا أنه تواترت بأنه واحد الآحاد صحيحات النقول. وأما عاكف بك فرأيته ممن لم تسمح بمثله الأدوار. ولا رأى الزمان نظيره بطرفي النهار في هذه الأقطار. المحاسن عليه عاكفة. وسحب المكارم على حماه) حماه الله تعالى (واكفة. وهو اليوم على ما سمعت كاتب ديوان الإنشاء عند ذي الأقدام الجلي. حضرة عمر باشا مشير عساكر روم أيلي. ولي فيه أقوى إمارة. على أنه سينال مرتبة الوزارة. وقد أنست في داره. ببني أعمامه وضيوفه المقيمين فيها وزواره. فمن بني أعمامه. الحاكين للبدر ليلة تمامه. الكامل الأوحدي. إسماعيل بك أفندي. والغلام اليافع. ومن نور الكمال من خلال أسرة جبينه ساطع. ذو الخلق الوردي محمود بك أفندي. ومن صنوف ضيوفه المقيمين في هاتيك المغاني. الفاضل الكامل عبد الله أفندي الداغستاني. وهو ممن قرأ علي وأجزته. بعد أن وقفت على عجزه وبجره وخبرته. والمسلم الذي تسلم الأنس به مني أكداري. الشيخ المدعو بميرزا بابا البخاري. ولعمري أنه صحيح الوداد. ليس فيه علة عند المنقرين النقاد. ومن زواره. الذين يسمرون كل ليلة في داره. رجل هو في الشفقة علي كوالدي عندي. يدعى في المجلس أثناء المحاورة بحسن أفندي. وقد أنسيت نسبته. وجهلت بعد أن علمت رتبته. نعم سمعت من نحو مائة نفس. أنه كثيراً ما صار وكيلاً عن وكيل الدرس. وما أحرى أن يكون هذا الأصيل هو الوكيل. لأنه مع حسن أخلاقه عالم فضيل. لا يداهن في الجرح والتعديل.

) ومنهم (آخرون معتبرون. عداهم وصاحب البيت ريب المنون. واتفق أن سئلت يوماً عن دفع ما يتوهم من التعارض بإبداء معنى يتكفل بذلك حقيقي أو مجازي. وذلك في صدر وعجز بيت حضرة مولانا لسان الغيب حافظ الشيرازي. وهو قوله:

بيرما كفت خطا بر قلم صنع نرفت

آفرين نظر باك خطا بوشش باد

فقلت أين أنا من الفارسية الدرية. وأن مناط الثريا معنى معرفة معاني كلمات القوم الدرية. وأني إذا جسرت. وذكرت ما ذكرت. يقول لي مؤبني:

راح تمشرقة ورحت مغرباً

شتان بين مشرق ومغرب

ص: 95

فقالوا لا نعذرك بهذا الكلام. فاذكر لنا ولا أقل مما ذكره في ذلك العلماء الأعلام. فقلت أنهم ذكروا في ذلك عدة وجوه. وأني ذاكرها لمن يريد فلعل فيها ما يرجوه.) الأول (أن المراد بالستر المفهوم من قوله خطأ بوشش باد النفي مجازاً) الثاني (أن المراد بالخطأ في الشطر الثاني غيره في الأول. وذلك كخطأ المريدين وارتكابهم ما لا يليق بهم شريعة أو طريقة) الثالث (أن المراد به الأول لكن باعتبار أنه خطأ في نظر القاصرين المحجوبين. وأظن هذا يحتاج في دفع الدغدغة إلى حمل الستر على النفي مجازاً أيضاً) الرابع (أن المراد به النقص الذاتي في المصنوعات الذي لا دخل لقلم الصنع في انتقاش حروفه فيها كالإمكان الذاتي لها ضرورة أن الإمكان الذاتي غير مجعول. والألزم الانقلاب المحال وهو ظاهر ككون الإمكان نقصاً فالشيخ نفي جريان الخطأ على قلم الصنع. وستر هذا بأن لم يتعرض له. أو أنه أخفاه بأن قال به رمزاً حيث قال أن الخطأ لا يجري على قلم الصنع ولم يقل لا خطأ في المصنوعات ولا نقص فيها فترك التصريح به ستراً له. ويرد على هذا أن تسمية النقص الذاتي خطأ بعيد جداً كما لا يخفى ولعل اعتبار المشاكلة يهون الأمر فتدبر.) الخامس (أن يراد به النقص الذي هو من ضروريات الصنع ومستتبعاته كالحدوث والتأثر وكالتحير فكل ذلك نقص ولذا استحال عليه تعالى مع أنه من ضروريات الصنع على معنى أنه لولا الصنع ما ظهر. فالشيخ أيضاً ستره ولم يتعرض له. أو أنه أخفاه وقال به رمزاً فتدبر ولا تغفل.) السادس (أن المراد به أحد هذين النقصين أو كلاهما وأن معنى كون نظر الشيخ ساتراً لذلك كونه إكسيراً محيلاً لرصاص المريدين ذهباً خالصاً وماحياً عن جليدية أبصار بصائرهم مثل الأغيار. فيكون مشهودهم المؤثر لا الآثار. وما ألطف وصف النظر بالباك علي هذا وهو معنى بعيد المغزى لولا ما فيه من حمل الخطأ على النقص.) السابع (أن يراد به ذلك أيضاً ويراد بالنظر الباك نظر قلم الصنع. وإثبات النظر للقلم تخبيل كإثبات القلم للصنع والأظفار للمنية. والتخيل طريق مهيع. ومعنى كونه باك أنه سالم من العلة الموجبة للإحساس بالشيء على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر كعلة الحول الموجبة للإحساس بالواحد اثنين. ويراد بستره ذلك النقص أنه يصنع المصنوعات حسبما يقتضيه استعدادها لنفس الأمري الغير المجعول على ما نص عليه غير واحد من السادة الصوفية قدست أسرارهم. ويرمز إليه قوله تعالى) أعطى كل شيء خلقه (دون أعطى كل شيء خلقنا مشتملة على الحكم والمصالح بحيث يضمحل فيما بينها ذلك النقص ولا يلتفت إليه شغلاً عنه برؤية الحكم والمصالح التي يكل عن حصرها القلم. وعلى هذا جوز أن تكون جملة آفرين الخ من تتمة مقولة الشيخ ولا تجعل مقول التلميذ ولو كان هناك خطاب لكنت أرجح عدم كونه مقولة لما فيه من سوء الأدب كما يدل عليه القصة المشهورة في سؤال محمد أبا حنيفة عن حكم قول الرجل لزوجته إن كلمتك فأنت طالق إن كلمتك فأنت طالق إن كلمتك فأنت طالق. وعدم تكليمه إياها بعد فافهم. والله تعالى أعلم. وذكرت أنا وجهاً خطر لي إذ ذاك. ولم أتذكره الآن فكأني تركته هناك. ومن الناس من لم يقبل لهذا البيت توجيهاً. والتزم أنه كلام لم يكن وجيهاً. وللجلال الدواني في الكلام فيه رسالة فارسية. ذكر فيها بعض الاحتمالات التي ذكرناها. ولعل الاحتمالات الأخر عنده غير مرضية. وكم جرت أبحاث علمية في مجلس المومى إليه. لا زالت العلماء عاكفة عليه. ولقد رأيته ذا راحة من البحر أندري. فما كعب بن مامة بالنسبة إليه وما ابن سعدي. قد استحال نجابه. ولم تعرف سهام أفكاره إلا الإصابة. وقد صانه مولاه. من كل قبيح وحماه. وطهره سبحانه من المآثم فلا تحوم حول حماه. وآتاه جل شأنه من الكمال. ما تنقطع دونه أماني الرجال. وميزه تبارك وتعالى على أبناء صنفه في صنعة الإنشاء. فصار بحيث ينظم في سلك إنشائه زهر الكواكب إن شاء.

مولى أراع يراعه

قلب الطروس مع السطور

ببديع وشيءٍ مخجلٍ

وشيء البديع والحريري

عجباً له فاق الأوا

ئل وهو في الزمن الأخير

وأنا ما اجتمعت بذي رق إلا وهو مقرباً لرقية له. قائلاً ما رأيت وحرمة اللوح والقلم في فن الكتابة مثله.

إن هز أقلامه يوماً ليعملها

أنساك كل كمي هز عامله

ص: 96

وإن أقر على رق أنامله

أقر بالرق كتاب الأنام له

وقد اكتسى. بحب أهل الكساء. وسرى فيه حب الأمير الفرد. سريان ماء الورد في الورد. ولهج بالثناء على أهل البيت. وولع بتعظيم الحي منهم والميت. ولم يستجن بجنة التقية. من أسنة السنة بعض علماء القسطنطينية. وقد رأيت منهم من يعذله ولو استطاع لأوقع به أذى وهو يقول:

لا انتهى لا انثنى لا أرعوي

ما دمت في قيد الحيوة ولا إذا

وحيث أني من أهل البيت لديه. جعلني بحيث أحكم في بيته عليه. وصار ولده في الحب كولدي عنده. وفتاه أسرع في امتثال أمري من أبر ولدي. وخصني في داره المعمورة. بغرفة من المحاسن مغمورة. تشرق على روض أريض. تذهب عقاقير النظر إليه مرض كل مريض. وكنت إذا بت هناك. بت على رفيعات أرائك. ونمت على فرش تنزل بوسعهن اللين أوجاتها. فيغنيني عن تجشم اللحف حافاتها. ويعد قبولي ذلك من تفضلي عليه ومنني. وهكذا كنت ولله تعالى الحمد في أهلي وفي وطني. وكان يقترح علي أن آمر طباخه بطبخ ما أشتهيه. مع أن طعامه العادي كل أحد لنفاسته يشتهيه. فأدعوه وأنص له على ما أريد تنصيصاً. ولست ولله الحمد ممن يقول اطبخوا لي جبة وقميصاً. وسبب فوز طعامه من قداح اللذة بالمعلى والرقيب. أنه ومحي العظام لم يذق فيما أعلم طعم الصليب. وطعام الأكثرين قد تشرب لحمه ودمه بذلك الودك. وإن تسل عن طعام المسافر خانة فذاك الذي رض بثقل رائحته مني القوي ودك. وسبب اضطراري إلى تناول طعامه هنالك. فقدي الطعام الخالي منه بسبب نجاسة طبع المأمور إلا عند مالك. وأظنه أنه لو كان أمسى عنده وهو مسافر. لأفتى بعد الاطلاع على حقيقة الحال بنجاسته. وتحاشى عن أن يقول هو طاهر. وكنت أستحي أن أفيد حالي. المأمورين من أهل الباب العالي. فكنت لذلك أتجرع أنا ومن معي غسيلنا. وأدعو على ذلك المأمور والجماعة تقول بالسنة ضعفت من الجوع آمينا. لكن لم آكل هناك ذلك الطعام. إلا أقل قليل من الأيام. حيث كانت الأحباب تدعوني. وأنهم لم يتركوني هناك في أكثر الليالي ولم يدعوني. لاسم هذا المترجم. ومن درت لديه موائد الكرم. وبلا مداهنة أن المومى إليه. لا زال السعد عاكفاً عليه. ذو نقيبة نقية وخلق حر. وكل ذوي العلم وإن جلوا ليسوا منه ولا قلامة ظفر. وبالجملة أخذت جبلته بعناني. إلى القول بأن العارنوود من قوم جبلة بن الأيهم الغساني. وأنه لما ذهب مع من تبعه من قومه إلى الروم. تنصر هناك زمن الفاروق بسبب الأمر المعلوم. ثم أنه ندم فقيل له مالك لا تعود. فقال لما فيه من بقية الجاهلية عار أن نعود. وما كان لهذا اللفظ يبقى بين الروم على ما هو المعهود. فشنوا عليه الغارة فأضحى وهو عرنوود. ومن الناس من يزعم أن الجراكسة أيضاً كما في تاريخ مصر لابن أياس من قومه. ويزعم أن الأصل قوم من جركساه فغيره من غيره لعدم فهمه. وإنما أخذت جبلة جبلته بعناني لذاك. لأن كرمه كرم عرب لا روم وأتراك. إلى أخلاق حسان. لا توجد إلا فيمن كان من عدنان أو قحطان. ويهديك إلى الروض عطره. ويدلك على المسك نشره.

أصل الفتى يخفى ولكنه

من فعله يظهر خافيه

وقد شق عليه فراقي. وتشابه احتراقه واحتراقي.

لو كنت ساعة بيننا ما بيننا

وشهدت حين نكرر التوديعا

لعلمت أن من الدموع محدثاً

وعلمت أن من الحديث دموعاً

أسأل الله بحرمة الطائفين والعاكفين والركع السجود. أن يمن علينا بالاجتماع في أحب البقاع بحال عاكفة عليه طيور السعود.

ص: 97

) ومنهم (قرة عيني ووردة روضة أحبابي. حضرة الأمين المأمون راشد أفندي العينتابي. وهو فتى جاء إلى بغداد في معية المرحوم علي باشا وهو مكتوبجي. فخرج قبل أن يتم السنة إلى دار الخلافة فترقى فيها حتى صار خليفة في قلم الآمدجي. وكان للصدر الأعظم الأسبق صارم باشا شغفاً به. ولو بقى صدراً لجعله والله تعالى أعلم رأساً بين سراة صحبه. كان) سره الله تعالى (من أعظم أسباب سروري. ومرشداً إلي في دياجي مصالحي ودجنات أموري. وله من الكمال ما هو حري أن يأخذ بالساعد. فلا يزال يرقى الفتى حتى يقعده على أوج فلك عطارد. وهو في معرفة الألسن آدم الأول بالنسبة إلى أبي نصر الفارابي. وفي جودة الإنشاء البدر الأكمل بالنظر إلى ابن هلال العتابي. مع رصانة اعتقاد. له إلى قويم الحق استناد. ومكارم أخلاق. زادت على ما عهدته في العراق. فليشهد الثقلان. أني ممنون من أياديه الحسان. أسأل الله تعالى أن يديم عليه ديم الآلاء. ويعطيه من عالي الرتب ما شاء.

) ومن الكتبة آخرون (ليس لهم منة تقوم بمئونة أتعاب البنان. ولا شهرة توجب أن يشرئب إلى الوقوف على حالهم إنسان. ومجمل القول فيهم أنهم طيبوا اللسان. قليلو التفضل والإحسان. ومعظم كتاب المالية والأوقاف. ليس في دوي قلوبهم قطرة من مداد الإنصاف. كم طوى أحدهم قرطاس كشحه عن ذي الحاجة وأهمله. وخيرهم من إذا عد له الملهوف دراهماً نظر في شأنه وعدله. وصحائف أعمالهم والله تعالى أعلم أشد من قلوبهم سواد. وكأنك بسواد وجوههم يوم نشر الصحف غداً لسواد وجوه الظلمة مداد. وبالله تعالى مما ذقت من كاتب منهم في الأوقاف. رماه الله تعالى من مصائب الدهر بأبي قبيس أو قاف.

وقد اجتمعت أيضاً بأجلة لكن ليسوا من أهل إسلامبول. بل منهم من جاءها بنية الارتحال ومنهم من جاءها بالتصميم على الحلول.) منهم مدينة النقي والبيت المعمور بالمحاسن المعظمة. حضرة سيدنا محمد بن عون شريف مكة المكرمة (. فهو لعمري حسنة وجه السعد. والحجر الأسود في ركن بيت الشرف والمجد. جواد تحصنت منه خوفاً نفاقها في الأفلاك الكواكب. وشجاع تذكرنا شجاعته شجاعة جده الأمير علي بن أبي طالب. لا التفات له إلى أمور دنياه. ولا شغل له بغير الصلوة وذكر مولاه. ولي أمر مكة المكرمة أيام سطوة محمد علي باشا صاحب القاهرة. ثم أخذ بخدعة حتى جيء به إلى حمى الخلافة ودار السلطنة الباهرة. وذلك سنة ألف ومائتين وثماني وسبعين من الهجرة النبوية. على مهاجرها أفضل الصلوة وأكمل التحية. وقد كان نال إمارة الحجاز بجده وجده. واستمر على كرسيها تلك المدة المديدة بقوة سعده. وإلا فالإمارة كانت منحصرة في سلسلة بني عمه. ولم ينلها منذ مئات السنين أحد من أجداده وقومه. ولعمري لقد زانها. وشيد بمحاسنه أركانها. لكن مصلحة الدولة العلية اقتضت فصله. والإتيان به إلى عرش الخلافة عارفة له فضله. فقد أكرمه لما ورد حضرة أمير المؤمنين غاية الإكرام. واحترمه على رؤوس الأشهاد نهاية الاحترام. وعين له من بيت المال ما يكفيه. وكذا عين دامت أياديه لبنيه. وقد اجتمعت به غير مرة. فرأيته أهاب تقي وغيره. لا يفارق قيد شعرة سنن السنة. ولا يكاد يشك رائيه في أنه من أهل الجنة. وله ولدان. اسمهما عبد الله باشا لوذعي الزمان. وله إلى حقيقة الشرف بمحاسن الأخلاق مجاز. لكن يزعم بعض الطائفين في البلاد أنه قد تحمل منه ما هو أثقل من حرا أهل الحجاز. وأنا أستبعد ذلك لما شاهدت من سجاياه. وتحققت من وفور عقله ومزاياه. وإمارة الحجاز أمر خطير. وإرضاء جميع الناس لا يتسنى لأمير.

إن نصف الناس أعداء لمن

ولي الأحكام هذا إن عدل

وقد رأيت هذا الولد لسان أبيه. وحققت أن أباه لا يتحرك بحركة خلاف مراضيه.) وبالجملة (إن هذا الشريف ابن عون قليل مثله في الشرفاء. وقد صح عندي أن من الشرفاء من تقذي أفعاله عين الزهراء. فإن لم يختم له بأحسن ختام. استحى من نسبته إليه يوم القيامة جده عليه الصلوة والسلام. فنسأل الله تعالى أن لا يدنس أنسابنا بذنوبنا. وأن لا يثقل عيابنا بعيوبنا.

ص: 98

) ومنهم ذو الحظ الذي هو لفسطاط دنياه عماد. حضرة عبد القادر باشا الذي كان كمركجي بغداد (. وزيادة شهرته. تغني عن ترجمته. وقد جذبني بسلاسل حب شيخ الإسلام إياه وأزمة أوهامي إليه. فكنت لإشارة المشار إليه لا زال اللطف منهلاً عليه في معظم الأيام والليالي ثاوياً بين يديه. وكان يؤنسني بطيب كلامه ومزيد تواضعه. وقد نلت بتوسطه عند شيخ الإسلام معظم ما حصل لي من منافعه. ورأيت له قبولاً عظيماً عند الرجال. وكانوا يحلونه أعلى محل ويجلونه غاية الإجلال. وكان بصدد أن يتسور وزارة بغداد. وقد أرادها له معظم الوكلاء إلا أن الله تعالى ما أراد. وكان في معيته حضرة ذي الخلق العطر الندي. أبو المحاسن معتمده البغدادي أحمد أفندي. وقد شاهدت من غيرته على البغاددة العجب العجاب. وكان لي هناك من أحب الأحباب وأصدق الأخلاء والأصحاب. وقد جعلني من حسن أخلاقه ممنوناً. وسرني بحسن معاملته وكنت محزوناً. جزاه الله تعالى عني خيراً. ووقاه في الدارين ضيراً. وكان معه أيضاً ذو الجد العلي. أحمد جلبي كاكه الموصلي. لكنه فارقه إذ صار كتخدا. للشريف عبد المطلب لما أخذ بيده الحظ إلى إمارة الحجاز وحدا. وحال كلا الرجلين مشهور في العراق. فلا حاجة إلى ترجمتيهما في هذه الأوراق. وإن كانت حلوة المذاق.

) ومنهم مرشدي إلى طريق السوي في مذاهبي. حضرة من لا يساوي معظم التجار شسع نعله الحاج بكر أغا القباقبي (. أصله من أهل دمشق الشام. وفي أجداده الميامين علماء أعلام. وأبوه الحاج أمين أغا كان تاجراً ميسوراً. وبفعل الخير في دمشق الشام ونواحيها مشهوراً. وللشيخ عمر البربير. أو الشيخ أمين الجندي الحمصي قصيدة في رثائه. تدل على سمو قدره وعلائه. أولها:

ألا أن عيني لا يشح معينها

فهل في البكا والنوح خل معينها

إذا لم أبح سحب الدموع تأسفاً

على فقد أحبابي لمن ذا أصونها

ومنها:

وفي الشام هل ترجى الإقامة بعدما

ترحل عن وادي دمشق أمينها

ومنها وقد أجاد فيه:

إذا جاد لم تعلم يسار يساره

بما أنفقته أو حبته يمينها

وفي البيت الأول ما لا يخفى. وقد جاء هذا المترجم مع أخيه إلى دار الخلافة. فتوفي ذلك الأخ وأقام هو خلافه. واتخذ هناك عشاً فرخ فيه وبيض. واكتفى عن الوطن بما جعل له من الأحباب وتعوض. وقد رأيته محبوباً عند الوكلاء العظام. وله في قلب شيخ الإسلام أعلى مقام. ولهم معه مزاح ممزوج بتعظيم. وفكاهة ألطف من التسنيم. وهو للخل أحلى من الشهد. ويجهد في مصلحته غاية الجهد. وقد اتحدت معه غاية الاتحاد. واتخذت فكاهته فاكهة الفؤاد. وكان يمشي معي في الأسواق. لشراء ما يلزمني في العود إلى العراق. وحسن فعله. يشهد بطيب أصله. وهو اليوم شاهبندر تجار الدولة العلية الباهرة. وقد ربط خيول إقامته هناك في رتبة إسطبل عامرة. ويتخيل المشيرية. وربما يدعيها أناء المزح مع وطلاء الدولة العلية. وكنت أقول له أنت المشير الخيالي. فينشرح حضرة الصدر العالي. مما يخيل من وراء حجاب مقالي. والذي شجعه على تخيل هذه الرتبة القعساء. أنه قد امتطاها كثير ممن النسبة بينهم وبينه كالنسبة بين الأرض والسماء. بل فاز بها في هذه الأثناء. من لو عد شيئاً خاصمت العاد يوم الحساب سائر الأشياء. وبالجملة أن الرجل نجيب. وقد أوتي من قداح الوفاء المعلى والرقيب. لا يصر على غضب. ولا يضر نفسه إذا خلا بخواص أحبابه بتحمل ثقيل أدب. وعينه ليست بضيقة في الطعام. على خلاف بعض من شاهدناهم ممن له نسبة ما إلى بلاد الشام. ولقد رأيت عينه على سعة ذات يده بين قومه. أضيق بكثير من أسته ولكن يوم سقط من فرج أمه. وهذا أعني المترجم على ضيق ذات يده في هاتيك المعالم. أوسع إذا مدت الموائد من جفنة جده هاشم. أسأل الله تعالى أن يزيد ثروته. ويحفظ من الأكدار عيشته.

ص: 99

) ومنهم ذو المقام الأنسي. حضرة الشيخ طاهر أفندي القدسي (. كان منذ سنوات مفتي القدس. فجاء لمصلحة إلى إسلامبول فأنس به شيخ الإسلام قبل المشيخة غاية الأنس. فاتخذه خليلاً. وجعله في بيته نزيلاً. وقد رأيته كل ليلة بعد صلوة العشاء يدارسه شيئاً من القرآن العظيم وكتاب الشفا. وسمعت انه مضى لهما على هذه الحال أحوال. لا زالا كذلك بل أمير حالاً إن شاء الله تعالى في الاستقبال. ولشيخ الإسلام اعتقاد به حسن للغاية. وربما يعتقد فيه ولا بدع في أن يعتقد المرء في ظاهر رتبة الولاية. وقد رأيته شيخاً في الفقه والحديث. وله سائق إلى تقوى ربه سبحانه حثيث. وقد فوض الإفتاء إلى شبله. وكفاه شيخ الإسلام مؤونة أمره كله. ورأيت حجرته كحجرة الصخرة يتبرك بزيارتها قبيل أثر قبيل. ويده كالحجر الأسعد طوقتها الزوار بأطواق تقبيل. بل من رأى في حجرته تراكم الأمم. خيل له وحرمة باب حطة أنها بيت لحم. ويا لله تعالى عيشه ما أهنأه. ووقته في فرمق ما أصفاه. وهو ممن أجاز شيخ الإسلام ببعض الأوراد. مع أنه قد أخذ ما أخذ من حضرة المار إليه واستفاد. أسأل الله تعالى أن يكثر في المسلمين مثله. ويديم سبحانه علينا وعليه فضله.

) ومنهم القاضي الأسبق في مدينة السلام. محمد أفندي الشهير بالجابي من أهل دمشق الشام (. حاله في العراق معلوم. وإن جهلته فسل عنه قاضي جبل أو سدوم. رأيته أسامة شيخ الإسلام. مع أنه ثعالة أهل الشام. قد لازم حجرة في بيت المشار إليه ملازمة ما لازمها أحد قبله. فكلما دخلتها عليه وجدته مطرقاً رأسه على سجادة له مستقبل القبلة. لا يخرج منها إلا لحاجة ضرورية في ليل أو نهار. وهو فيها جحيش وحده لا يزور ولا يزار. حتى إذا أعطاه شيخ الإسلام رتبة مخرج. ونصبه مفتي المجلس في بغداد انتصب قائماً وخرج. ثم أنه توجه إلى دمشق الشام. فعزل عن الإفتاء قبل أن يتوجه إلى مدينة السلام. وبقيت رتبة المخرج عليه. وهي أحب شيء لديه. وقد تحقق عندي بلا مرية. أنه رماني وعبد الباقي أفندي العمري بكل فرية. فصدقه على ما سمعت حضرة شيخ الإسلام. حيث أنه عنده) مع أنه أكذب من السالئة (قائم مقام حذام. وهو سلمه الله تعالى معذور في تصديق هذا الكذوب. فإن حاله مما لا يخفى على علام الغيوب. وأنا أسأل الله تعالى أن لا يجعل في قلبي لمؤمن غلاً. وأن يغفر لي إن كنت افتريت عليه شيئاً جل أو قلا. وأن يصلح حالي وحاله. وأن لا يجعل أفعاله أفعى له. ولعمري لو اطلع شيخ الإسلام من حاله نحو ما اطلع عليه أهل مدينة السلام. ما قلده القضاء بين اثنين إلى أن يقضي الله سبحانه بين الأنام. ولله تعالى في تقدم هذا الرجل عند حضرة المشار إليه. سر خفي لا يطلع قبل ظهوره عليه نسأل الله تعالى أن يحفظنا مما نكره. وأن يدفع عنا بحوله وقوته كيد الشيطان ومكره.

) ومنهم من أخذ بضرع الشرف فارتضع منه ما شاء وحلب. حضرة الحاج يوسف بك بن شريف بصيغة التصغير نخبة أهل حلب (. وهو من قوم أمجاد. ولم أجتمع به يوم جاء مع علي باشا إلى بغداد. ولا بعد أن صار متسلم البصرة وعاد منها. وذلك لأمور طويلة الذيل لا ينبغي أن ينكشف الغطاء عنها. ولما اجتمعت به في القسطنطينية. رأيته ذا خبرة بالعلوم الأدبية. ورأيت له من مكارم الأخلاق. ما وددت أن يكون مثلها في بعض وجوه العراق. فيا لله تعالى دره من فتى عالي الجناب. وإذا قلت قد أوتي وسف شطر الحسن فلا عجاب. وحدثني المرحوم والدي تغمده الله تعالى برحمته. وأسكنه الغرف العلية من جنته. أنه نزل في بعض أسفاره ضيفاً عند جده. فرأى من إكرامه إياه ما يشهد بعلو مجده. وهذا الكعك من ذاك العجين. وهذا الليث من ذاك العرين. وقد رجع إلى وطنه قبلي بأيام. وبقدومه إليه استبشر على ما سمعت الخاص والعام. وظني أنه سيكون له في الرياسة شأن. ولا بدع فقلما رأيت مثله في رؤساء هذا الزمان.

ص: 100

) ومنهم طاهر النسب. تقي الدين أفندي مفتي حلب (وهو محبوك الطرفين. مشهور الجدين. فجده من جهة أبيه عبد الرحمن أفندي الأوحدي. الفاضل المشهور حسن أفندي. وجده من جهة أمه المنكر على حضرة مولانا الشيخ النقشبندي. شيخ صفعة المرعشي محمود أفندي. وهذا لولا الإنكار. لعد ممن لم تسمح بمثله الإعصار. فوا أسفاً على فضله. كيف أنكر على من لم ينكر منصف على مثله.) وقد اجتمعت (غير مرة بهذا المفتي السامي بنسبه إلى المجرة فلم أجد فيه ما يحمد إلا أنه ذو نسب. وكان الحري في رأيي أن يكون الحاج يوسف بك بدله مفتي حلب.

) ومنهم الشيخ عبد الفتاح أفندي. أحد خلفاء حضرة مولانا الشيخ خالد المجددي (. وهو من مشاهير مشايخ العصر. ومنشؤه من قرية في نواحي كردستان تسمى بالعقر. وكان في مبدأ أمره خادماً لحضرة ملحق الأصاغر بالأكابر الشيخ يحيى العمادي. وكان صادقاً جداً في خدمته لا يفارقه أصلاً في كل نادي. وقرأ عليه طرفاً من فقه الشافعية. مما يتعلق بالعبادة البدنية والوظائف المالية. ثم قرت بالانتساب إلى الطريقة النقشبندية منه العين. وطار إلى عرش الخلافة بين مريديها بهمة حضرة مولانا ذي الجناحين. ولم اختلى في خلوات القبور معظم الخلفاء العظام. انتهت إليه رياسة الطريقة وصار المشار إليه بين الخاص والعام. وإذا اختفى النيران. ظهرت صغار النجوم للعيان. فأتته الدنيا منقادة. بسلاسل ما أظهر من العبادة. فامتلأ صندوق من ذهبه. لكن سلط الله تعالى عليه من ذهب به. ولما رأى صندوقه فارغاً كفؤاد أم موسى. دخل القسطنطينية فعاد يهدي لصندوقه ما يهدي إليه كيساً فكيساً. حتى عاد لأولى حالتيه. وحلاه بأولى حليتيه. وليس ذلك معاذ الله تعالى عن شغف بالدنيا الدنية. كما يزعمه بعض إخوانه في الطريقة العلية النقشبندية. وإنما علم بالكشف أو نحوه قرب قيام القائم. وأنه ربما يحتاج لذلك أول أمره قبل أن تكثر الغنائم. فألح عليه قوي ديانته. أن يدخر ذلك لإعانته. فادخره إلى تلك الأوقات. وكف عنه أكف الأقوات. وإنما الأعمال كما صح بالنيات. وهو مع ذلك حسبما أظن يزكيه. كما يزكي نفوس مريديه. فلا تظن أيها السامع. أنه كالحد التام جامع مانع..) وبالجملة (هو رجل حمول. عنده من الصبر على القدح فيه حمول. وأنه شيخ عاقل. وعن مصالحه غير غافل. يحب دار السلطنة. ولأمرٍ ما يقيم فيها السنة بعد السنة. وكم جاءها وهو ماشي. وعليه من مزيد التعب غواشي. وهي وإن لم يكن فيها تكيته. لكنها فيها زبيته. وقد تبوأ اليوم إذ جاءها لبعض مصالحه الدنيوية. تكية صفوتي باشا التي بناها للشيخ يوسف أفندي أحد الخلفاء النقشبندية. وهو بصدد أن تقصر عليه. حيث توفي الشيخ المشار إليه. ولم يترك إلا ولداً يعد ابن لبون بين الناس. فما يصنع مع شيخنا وهو والحمد لله تعالى بأزل قنعاس:

وابن اللبون إذا ما لز في قرن

لم يستطع صولة البزل القناعيس

وقد رأيته ذا اعتبار. عند كثير من الكبار. وهو يداري الصغير والكبير. ويعامل حسبما ينبغي الوزير والمشير. وأكثر اعتنائه بالكتبة. إذ بدهم أقلامهم يدرك إربه. ولله تعالى دره من لقف. يعرف من أين تؤكل الكتف. وكثيراً ما ترددت إليه وتررد إلي. وذلك لحقوق إخاء لي عليه وحقوق كذلك له علي. وقد بدأني بمكرمة أعظمت في قلبي هممه. قبل أن أشاهد جسمه أو أعرف اسمه. فأنا مقر بأياديه. ولولا أني اعتدت قول الحق لسكت عما فيه. على أنه ما هتكت بذاك ستره. إذ يعرف منه ما ذكرته من جالسه ولو مرة.

وتعذلني إفتاء سعد عليهم

وما قلت إلا بالذي علمت سعد

ص: 101

وإنما ذكرت ما ذكرت. وحررت ما حررت. ليعرف من لم يعرف إلام انتهت في هذه الأرجاء الطريقة النقشبندية. وكيف اعتاض اليوم السالكون فيها بالسهي عن الشمس المضيئة. فيعلم أن الزمان قد وهنت قواه. وأنه قد انحنى إلى أن كاد يلتقي طرفاه. وقد رأيت أكثر العاكفين عليه هناك أكراداً. ينتظرون موت أرباب الوظائف ممن كانوا في بغداد. لينتهبوا وظائفهم بأيدي همته. ورجائه من الوزراء والكتبة المترددين إلى تكيته. وعلى العلات. هو أحسن من أكثر أهل التكيات. فإنه مستقيم على أداء رسوم العبادة آناء الليل وأطراف النهار. ولعمري لولا فناؤه بح الدرهم لأضحى وهو ابن دينار. ولقد دفع بصدره هذا الفناء وصده عن الانتظام في سلك أرباب البقاء. كان الله تعالى لنا وله. وأصلح لكل منا عمله.

) ومنهم النازل من قلبي منزلة ولدي. ولي أفندي بن عمر أفندي بن ولي أفندي (. وهو شاب في طاعة الله نشأ. وعلى ما يرضيه عز وجل درج ومشى. وهو من بيت بيننا وبينهم حقوق قديمة. ومودة أكيدة عظيمة وإذا استخبرت عنها الأنباء. علمت أن قد ورثتها الآباء والأبناء. وقد قرأت على والده وأنا في سن عشر علم الاشتقاق. وكان إذ ذاك أحد الطلبة المشهورين في العراق. وقد رأيت هذا الولد في إسلامبول. يدعي كثيراً رؤية الرسول. صلى الله تعالى عليه وسلم. وشرف وعظم وكرم. ويروى عنه عليه الصلوة والسلام أخباراً بحوادث كونية. وذلك مع نسكه من أقوى الأسباب لاحترامه بين أكثر أهل القسطنطينية. وله دعاوٍ أخر في الرؤيا. أظن أنها ستبلغه هناك الرتبة العليا. وكان جده كاتب الديوان عند سليمان باشا الصغير. وكان ذا عقل على ما سمعت من المرحوم والدي كبير. وقد أدى هذا الولد المومى إليه. جزاه الله تعالى خيراً حق مشيختي عليه. فأنه قرأ علي في بغداد المحمية. طرفاً من شرح الجلال السيوطي للألفية. وهو طاهر الذيل. مجاهد لكافر الليل. لم يكسب أهل العراق عاراً. ولم يجلب عليهم كبعض الناس شناراً. فليفخر به أهل بلدته وناديه. وليفدوا شسع نعله بلحية شاليه.

) ومنهم (آخرون من هذا القبيل. أخشى من ذكرهم زيادة التطويل.) واجتمعت بآخرين (. ولا أقول من هم. مخافة أن يتمعر وجه القرطاس أو تصيبه معرة منهم. مساويهم كواو عمرو ترى واللفظ عنها قصير. ومعاليهم كنون زيد تقال في اللفظ لكن لا يراها بصير. فلنطو كشحاً عن ذكرهم إلى أن تذهب القدرة الإلهية بالحرج. وتأتي سحائب الرحمة اللدنية بوابل الفرج. وإن ممن اجتمعت به من لو غير اسمه إلى اسم غير شريف. وسمي باسم لائق بلحيته التي هي أنجس من ممسحة الأستاه في كنيف. للامني على ذكره الناس. ولنجس ذكره القلم والمداد والقرطاس. على أن كل ما أذكر من قبح فعله وخيمه. فهو عشر العشر مما يعرفه فيه أهل إقليمه. أسأل الله تعالى أن يستر جيفته بطبقات التراب. وأن لا يجعل حفرته حول روضة مؤمن بيوم الحساب.

) وقد آن (أن أذكر ما وقع لي من المراسلات ونحوها في هاتيك البطاح. وقد ذهب مني أكثرها لمزيد عواصف الأكدار المذهلة أدراج الرياح.) فأقول (أني بعد أن قر بي القرار. بلغني عن بغداد ما يوجب الأكدار. من أمور أرضية وسماوية. وداخلية وخارجية. جعلت لفرط البلبال. تقول بلسان الحال:

ولو أني استزدتك فوق ما بي

من البلوى لأعوزك المزيد

فتسرد من حبائل أهدابي واقع السهاد. وطار من قفص صدري طائر الفؤاد. فكتبت لصبيتي. مما فيه شرح صبوتي. أبياتاً أكثرها من شعر جدي. وقليل منها من عندي. وذلك لقلة تدربي بالنظم. وأنه لا يعد سارقاً من يأكل من طعام الأب والجد والعم. هي وهذه:

أبيت ولي وجد حرارته تعلو

ودمع له في عارضي عارض هطل

وأطوي على جمرٍ وأغضي على قذى

وأشغل أعضائي وقلبي له شغل

إذا الليل وافي ضقت ذرعاً إلى الحمى

وفاضت شؤون ليس يعقلها عقل

حداني إلى الزوراء شوق مبرح

فليس الذي حدثت عن حالها سهل

إذا ما نبت دار السلام بأهلها

فلا جبل يأوي الكرام ولا سهل

وإن قلص الظل الذي في جنابها

فأين من الرمضاء في غيرها ظل

وإن نضب الماء النمير بأرضها

فأي شرابٍ في سواها لنا يحلو

ديار بها نيطت على تمائمي

قديماً ولي فيها نما الفرع والأصل

ص: 102

بها سكني في ربعها الخصب ناقتي

بها جملي يرغو بها قيمتي تغلو

ألا ليت شعري هل أراني بربعها

مقيماً وبالأحباب يجتمع الشمل

وهل روضها يخضر بعد ذبوله

ويهمي على أوراقه الوبل والطل

وهل أنا في يوم العروبة قاصد

لحضرة باز شأنه الفصل والوصل

وهل كل يوم ماسك كف والدي

أبو المصطفى ذو همة أبداً تعلو

وهل أدباء الجانبين يضمهم

وإياي طاق نقله الأدب الجزل

وذلك طاق التهم لا أزال باقياً

له العقد في أرجائه وله الحل

وهل تريني ذاهباً بعد مغرب

لتكية شيخ العصر من جوره عدل

ففيها صدور لازموه لعجزهم

وما ظعنوا بالسير عنه وقد كلوا

سلام على تلك الديار وأهلها

فهم في فؤادي دائماً أينما حلوا

فوالله لا أسلو هواها وماءها

إذا كان قلبي عندها فمتى أسلو

أحبتنا هل من وصول إليكم

فقد تعبت بيني وبينكم الرسل

الأهمة تزجي ركائب عزمتي

إليكم إذا شئتم بها اتصل الحبل

وأني بناديكم على سوء فعلكم

أرى أبداً عندي مرارته تحلو

وأسأل ربي بالنبي وآله

يسهل عودي نحوكم وله الفضل

فورداً لي. وأنهل من سحائب الرحمة علي. أبيات من حضرة عين العراق. ومن وقع على غيرته وشهامته من كل راء له الاتفاق. وليس ذاك بمستنكر فهو المشهور بكامل الأوصاف. في جميع البسيطة من القاف إلى القاف. سيدي الذي جعل الله فعل الجميل غذاءه وزاده. أبو محمد والدي عبد الغني أفندي جميل زاده. ذكر فيها ما زاد همي. واعتصر من ألفي ما شربته من حليب أمي. وهي هذه:

لهفي على بغداد من بلدة

قد عشعش العز بها ثم طار

كانت عروساً مثل شمس الضحى

لمستعير حليها لا يعار

كان بها للنفس ما تشتهي

كجنة الخلد ودار القرار

كانت لآساد الوغى منزلاً

والخائف الجاني بها يستجار

كان يميطون الأذى أهلها

عن كل آتٍ حيها مستطار

واليوم لا مأوى لذي فاقة

فيها ولا في أهلها مستجار

واليوم قد حل بها من ترى

فانفر وإلا بيديك الخيار

لم يرقبوا إلاً ولا ذمة

فينا ولا عذراً لذي اعتذار

حل بها قوم وهم في عمىً

ما ميزوا أشرارها والخيار

وأصبح القرد بها مقتدى

يلعب بالألباب لعب القمار

والليث قد غاب وفي غابة

قطباً إذا الثور عليه المدار

وللخنا لما غدت مريضاً

قد سجد الليث بها للحمار

بارت بها أسنى تجاراتها

وهكذا عادة دار البوار

وأهلها لا عيب فيهم سوى

أنهم يرعون حق الذمار

قد نعق البوم على جدرها

يصيح بالناس البدار البدار

والكرخ قد أقفر من أهله

من بعد ما كانوا كورد البهار

ما سمت زوراء إلا لما

فيها عن الرشد من الازورار

قد حط فيها كل طود علا

وما علا إلا خفيف العيار

وكل من كان بها واثباً

إلى العلى عادت خطاه قصار

قد خلع الناس عذار الحيا

فخار فيها الوغد والحرحار

والكل فيها قادح زنده

وأول الإحراق يبدو الشرار

لا يشتفي غيظ أخي نخوة

إلا إذا جرد بيض الشفار

قد طال هجوي وعتابي لها

والآن قد ملت إلى الاختصار

أيا شهاب الدين يا سيدي

قد هجم النذل علينا وغار

بغدادكم أحني عليها الذي

من أسره لا يستطاع الفرار

قد بليت بالغمرات التي

قد علمت مثلك خوض الغمار

يا نازحاً عنا وما قد درى

من بعده ما قد جرى في الديار

برمة من مسدٍ رثةٍ

بالذل قد قاد الصغار الكبار

لو أن لي ماسكة من قوى

أتيتكم حبواً إلى أسكدار

وفزت في لثم أيادٍ لنا

في لثمها السؤدد والافتخار

ونلت من راحتها نهلة

أطفي بها ما سامني من أوار

علامة الدنيا وفهامة ال

فتوى ومن به الدين القويم استجار

مشيخة الإسلام كانت له

نعم الدثار يا له من دثار

وقد غدا الدين الحنيفي في

أنظاره عالي الذرى والمنار

ص: 103

ومنتقى الدر ومختاره

من لفظه له علينا نثار

وملتقى الأبحر في كفه

يغني عن السحب النقال الغزار

بحر علوم رائق صفوه

صدراً تراه مجمعاً للبحار

في حلبة الفضل إذا ما عدا

هيهات أن ينشق منه الغبار

وإن جرى في طرسه أجرد

علم أهل الفضل كيف المغار

إن جال طرف الطرف في مبحث

تمتلئ الآفاق نقعاً مثار

وفي سوى منزله ما ترى

لذي كمال أبداً من قرار

ذو شيم شم إذا جسمت

كانت لوجه الدهر أبهى عذار

لا يعرف الفضل سوى أهله

وهل سواه من يقيل العثار

دام على مخلصه مسبلاً

من عفوه الشامل ذيل الإزار

ما صدحت ورق على بانة

وغرد القمري وغنى الهزار

وجاءني. من حضرة مبتكر المعاني. من أيام منادمته ربيع عمري. عبد الباقي أفندي الموصلي العمري. ولله تعالى منه سمسار ابتكار ملأ بيواقيت المعاني مصانع حوانيت الألفاظ. فروج قس براعته على أورق ورق دقائقه مجامع سوق عكاظ. شقة أذهبت عني المشقة. وملكت رقبة فؤادي وره. وهي) أعرض لحضرة المولى الشهاب. المستغني عن فقراتي وبقراءتي في سرحها بهذه الرحاب. جمع الله تعالى به شمل الكل. وأعاد بعوده روح النبل. آمين (أنه مع ما نحن فيه من التلهف. ومزيد الأسى والتأسف. قد زادنا ولوعاً. ومنعنا هجوعاً. عدم اطلاعنا على ما أنتم فيه من الحال. وعدم ذوق القوة الشامة ثمرة ما عناكم من الحل والارتحال. نعم نسمع من الأفواه ما نقر به عينا تارة. وتلوح عليه من بلوغ الأمل إمارة. نرجوه تعالى لكم تحقيق ذلك. وبلوغكم من الأمنية فوق ما هنالك. ولو اطلعت على ما تأسس لك بهذه المدة في قلوب الخاصة والعامة. من المحبة المتزايدة والمودة الكاملة التامة. لتحققت من أهل العراق. وقاطبة ذوي الخلاف والوفاق. ببلوغ الأمل. ولقنعت من الغنيمة بعد الكد بالقفل. والأسى من الجميع. العالي والوضيع. كل ساعة عليك في زيادة. واعترف الكل بفضلك ولمزيد الثناء عليك يا أبا الثنا ثني الوسادة. لا زلت مركزاً للسيادة. وقطباً للسعادة. إلى آخر ما قال. حفظه الملك المتعال. وكتب في صدر هذا الكتاب بيتين. يلوحان في سماء الفصاحة كفرقدين:

أبو الثناء شهاب الدين مدحته

فرض ومدح سواه غير مندوب

فيا له من شهاب ثاقب وأنا

أنظم الدر فيه غير مثقوب

وأرسل مع ذلك تخاميس لأبياتي السابقة. والعجب من الإقدام على تخميسها مع أنها ليست بفائقة. وقد كتب في صدرها. لشرح مبهم أمرها. لعمر العمري لقد أبدع الأديب السيد عبد الغفار. نابغة الإعصار في جميع الديار. في هذا التخميس. الواقع على هذا الأصل النفيس. ولقد أنشدته يوم طلوع البوستة في منزلي المعمور بالوحشة. المغمور بالدهشة. المقفر من الأنس. الخالي من الإنس. والمجلس غاص. بمن تعلم من بقية الخواص. وهم حضرة عبد الغني أفندي. ونقيب أفندي. وشعبان بك أفندي. وواعظ أفندي. وعبد اللطيف أغا فأجهش الكل بالبكاء. وتنفس الصعداء. وسالت بالأعين الدموع. ولم يكن يكفكفها إلا مناديل الولوع. والتخميس هو هذا:

عليكم دموع العين لا زال تنهل

ووجدي بكم وجد المفارق لا يسلو

وهاأنا من فقدانكم ما دجى الليل

) أبيت ولي وجد حرارته تعلو (

) ودمع له في عارضي عارض هطل (

شغلت بهذا الوجد قلباً مجذذاً

ولم أر لي من شاغل الدمع منقذا

إلام أعاني ما أعانيه من أذى

) وأطوي على جمر وأغضي عن قذى (

) وأشغل أعضائي وقلبي له شغل (

أقضي نهاري في عسى ولربما

وأبكي عليكم كل آونة دما

وأني وعيشٍ فيكم قد تصرما

) إذا الليل وافى ضقت ذرعاً إلى الحمى (

) وفاضت شؤون ليس يعقلها العقل (

شجاني حديث بالبوار مصرح

وأوضح لي حال الرصافة موضح

فمن ثم أن يفصح وللشوق مفصح

) حداني إلى الزوراء شوق مبرح (

) فليس الذي حدثت عن حالها سهل (

وقالوا نبت لكن بأرباب فضلها

وجادت على أشرافها بعد عدلها

وقلت فلا مأوى إلى غير ظلها

) إذا ما نبت دار السلام بأهلها (

) فلا جبل يأوي الكرام ولا سهل (

على ما أصيبت من عظيم مصابها

وما أذنت أحداثها بخرابها

ص: 104

فلا ظل إلا في فسيح رحابها

) وإن قلص الظل الذي في جنابها (

) فأين من الرمضاء في غيرها ظل (

أيعرف خفض العيش إلا بخفضها

وفيض النمير العذب إلا بفيضها

لئن أجدبت يوماً فهل مثل روضها

) وإن نضب الماء النمير بأرضها (

) فأي شراب في سواها لنا يحلو (

رعى الله ماضي عهدي المتقادم

ببغداد في رغد من العيش ناعم

وفي الكرخ جاد الكرخ صوب الغمائم

) ديار بها نيطت على تمائمي (

) قديماً ولي فيها نما الفرع والأصل (

يكلفني عنها النوى فوق طاقتي

فسكري بتذكاري لها وإفاقتي

منازل أحبابي ومنشأ علاقتي

) بها سكني في ربعها الخصب ناقتي (

) بها جملي يرغو بها قيمتي تغلو (

تذكرت أحباباً لأيام جمعها

ولم يصدح البين المشت بصدعها

فآهاً على وصلي لها بعد قطعها

) ألا ليت شعري هل أراني بربعها (

) مقيماً وبالأحباب يجتمع الشمل (

عفا ربعها من رسمه وطلوله

وأضحى هشيماً روضها بمحو له

فيأهل يرويها الحيا بهموله

) وهل روضها يخضر بعد ذبوله (

) ويهمي على أوراقه الويل والطل (

لقد شاقني منها كرام أماجد

مشاهدهم للعالمين مقاصد

فهل أنا في تلك المقاعد قاعد

) وهل أنا في يوم العروبة قاصد (

) لحضرة باز شأنه الفصل والوصل (

وهل أنا يوماً ظافر بمقاصدي

فمكرم أحبابي ومكبت حاسدي

وأجري مع الأخوان مجرى عوائدي

) وهل كل يوم ماسك كف والدي (

) أبو المصطفى ذو همة أبداً تعلو (

وهل علماء طبق الأرض علمهم

وحير أفهام البرية فهمهم

تقر بهم عيني وينجاب غمهم

) وهل أدباء الجانبين يضمهم (

) وإياي طاق نقله الأدب الجزل (

فأغدو ولا كان التفرق لاقياً

وجوهاً عليها قد بللت المآقيا

بطاق رقي فيمن حواه المراقيا

) وذلك طاق الشهم لا زال باقيا (

) له العقد في أرجائه وله الحبل (

وهل تريني مصبحاً كل منجب

وخواض أغمار الخطوب مجرب

وكل فتى عذب الكلام مهدب

) وهل تريني ذاهباً بعد مغرب (

) لتكية شيخ العصر من جوره عدل (

بناها لا شياخ قرارة عزهم

وصدرهم فيها ولاذ بحرزهم

وإن كان لم يفهم إشارة رمزهم

) ففيها صدور لازموه لعجزهم (

) وما ظعنوا بالسير عنه وقد كلوا (

بلونا سواها بعد إصرام حبلها

فكان من البلوى تعذر مثلها

ديار عرفنا بعدها كنه فضلها

) سلام على تلك الديار وأهلها (

) فهم في فؤادي دائماً أينما حلوا (

يروق لعيني أن تكون جلاءها

وتشتاق نفسي أرضها وسماءها

ومن أين أسلو ماءها وهواءها

) فوالله لا أسلو هواها وماءها (

) إذا كان قلبي عندها فمتى أسلو (

أحبتنا مني السلام عليكم

إذا نشرت صحف الغرام لديكم

أحبتنا والدهر نسيء عنكم

) أحبتنا هل من وصول إليكم (

) فقد تعبت بيني وبينكم الرسل (

تنائيت عنكم والهوى فيكم معي

كأن لم أكن منكم بمرأىً ومسمع

وقد طال بعدي عن دياري وأربعي

) الأهمة تزجي ووصل مرجعي (

) لديكم إذا شئتم بها اتصل الحبل (

أحبتنا أصبو إلى حسن قولكم

وإن ذقت فيه المر من حلو عذلكم

أحن لمغناكم وسامي محلكم

) وأني بناديكم على سوء فعلكم (

) أرى أبداً عندي مرارته تحلو (

سألت إلهاً لم أخب بسؤاله

بلوغ المنى من فضله ونواله

وأدعو دعاء العبد عند ابتهاله

) وأسأل ربي بالنبي وآله (

) يسهل عودي نحوكم وله الفضل (

ص: 105

) وكتب إلي أيضاً الشهم الأوحدي. حضرة مولانا عبد الغني أفندي (. كتاباً يطلب به أن أستفتي شيخ الإسلام. عن مسألة وقعت في مدينة السلام. ويستفسر به عن حالي. وما جنيته أو جناه على حلي وارتحالي. وأشار لي فيه إلى أن شيع الأكراد. يشيعون في أخباراً ترن منها حصاة الفؤاد. وهي أخبار توحيها إليهم مردة الشيخ عبد الفتاح. فترمى بها من غير خبرة عن قسي التزوير إلى الزوراء وسائر البطاح. ومعه قصيدة يشكو بها حاله. ويصف عافاه الله تعالى بلباله. وأرسلها مع تخاميس لها جاد بها السيد عبد الغفار. الذي أخرس ببلاغته شعراء جميع الأمصار. والمكتوب لا أدري أين ذهب. وأما القصيدة بتخميسها فهي هذه وحري أن تكتب بماء الذهب:

أقلب طرفي لا أرى غير منظر

متى تختبره كان الأم مخبر

فلم أدر والأيام ذات تغير

) أيذهب عمري هكذا بين معشر (

) مجالسهم عاف الكريم حلولها (

أسفت على من ليس يرجى لعودة

وكان يرى عوناً على كل شدة

قضى الله أن يقضي بأقرب مدة

) وأبقى وحيداً لا أرى ذا مودة (

) من الناس لا حاش الزمان ملولها (

إذا الحر في بغداد أصبح مبتلى

وعاش عزيز القوم فيها مذللاً

فلا عجب أن رمت عنها تحولاً

) وكيف أرى بغداد للحر منزلاً (

) إذا كان مفرى الأديم نزيلها (

لقد كنت لم أحفل بأيام عرسها

ولم يتبدل شهمها بأخسها

فكيف بها إن سادها غير جنسها

) ويسطو على آسادها ابن عرسها (

) ويرقى على هام السماك ضئيلها (

عجبت لندب ثابت الجأش مفضل

يرى بدلاً من أرضه بمبدل

ولم يك عن دار الهوان بمعزل

) فما منزل فيه الهوان بمنزل (

) وفي الأرض للندب الحليم بديلها (

سأركبها يا سعد كل معدة

أجوب عليها شدة بعد شدة

وإن مت ألف البيد موتة واحدة

) فللموت خير أن أقيم ببلدة (

) يفوق بها الصيد الكرام ذليلها (

فكم هابط بالخزي بالمال شاخص

لقيت وبلقاني بطلعة قارص

فلاقيت صعب الملتقى غير ناكص

) وأصعب ما ألقى رياسة ناقص

) مساوية إن عدت كثير قليلها (

أنبه طرف الحظ والحظ راقد

وأنهض للعلياء والجد قاعد

وأني أسود اليوم والدهر فاسد

) وما ساد في أرض العراقين ماجد (

) من الناس إلا فدمها ورذيلها (

وكم مهمة قفر طويت مشافها

بها كل هول لم يزل متشابهاً

وواجهني من لم يكن لي مواجهاً

) عفى الله عني كم أجوب مهامها (

) من الأرض يستف التراب ذليلها (

طويت فيافيها ذهاباً وجيئة

أكان ابتلاء طيها أم بلية

كمن يبتغيها منية أو منية

) لعلي ألاقي عصبة عبشمية (

) فروع مناجيب كرام أصولها (

إذا نطقوا بالقول فالقول مغلق

وإن حاولوا مجداً فعزم محلق

لهم أرج لم يكتتم وهو معبق

) يئم بهم رفيع ومنطق (

) وينبي عن الخيل العتاق صهيلها (

لقد طال ما قد بت أطوي وانطوى

على مضض أمست على الضيم تحتوي

فيا سعد قل لي إن أصخت فارعوي

) متى يلئم اللبان رمحي وترتوي (

) سيوف بأعناق اللئام صليلها (

أحن إلى يوم عبوس عصبصب

يبل غليلي منجب وابن منجب

فيا ليت شعري هل أراني بموكب

) وحولي رجال من معد ويعرب (

) مصاليت للحرب العوان قبولها (

شفا النفس مني يا أميمة حشرجت

أو الساعة الخشنا إلى الأمر أحوجت

فهم مثل آساد الشرى حين هيجت

) إذا أوقدوا للحرب ناراً تأججت (

) مجامرها والبيض تدمي نصولها (

كهول وشبان كماة بأيهم

ظفرنا وجدنا كهلهم كفتيهم

حماة بماضيهم وفي سمهريهم

) وبالسمر تحمي البيض شبان حيهم (

) وبالبيض تحمي السمر قسراً كهولهم (

من القوم ما زالت تطبق سحبهم

وفي عدم الجدوى تفارط صوبهم

كرام بيوم الجدب يعرف خصبهم

) يهشون للعافي إذا ضاق رحبهم (

) وجوه كأسياف يضيء صقيلها (

نماهم أب عالي الجناب سميدع

وعن أصل زاكي البصرين فزعوا

فإن يدعوا العلياء كانوا كما ادعوا

) إلى خندف ينمي علاهم إذا دعوا (

ص: 106

) ومن خير أقيال إذا عد قيلها (

فمن لي بأبيات يروقك وصفها

يهان معاديها ويكرم ضيفها

بحيث العلى والعز بما يحفها

) والعز إلا في بيوت تلفها (

) عذارى وأبكار المطي حمولها (

وعصبة غي لم أجدها تطأطأت

لرشد وإن تدعى إلى الرشد أبطأت

لها الويل قد أخطت ضلالاً وأخطلت

) إلى الله أشكو عصبة قد واطأت (

) على دخن بغياً فضلت عقولها (

إلام المعالي يملك الرذل رقها

ويمنعها في ظله مستحقها

ألا عودة للمجد يعرف صدقها

) ألا غيرة تقضي المنازل حقها (

) ويوقظ وسنان التراب خيولها (

لها السبق في ميدان كل مخاطر

بكل نزاري على الموت صابر

عوادي إلى أقصى علي ومفاخر

) عليها رجال من نزار وعامر (

) مطاعين في الهيجا كريم قتيلها (

إذا نحن لم نحمد بحالٍ ذهابنا

إلى شرحبيل شرهم قد أنابنا

فلم لا نعاني حزننا واكتئابنا

) كفى حزناً إنا نعاني ركابنا (

) إلى معشر من جيل يافث جيلها (

لقد خاب مسعاهم إليها وبئس ما

تقحمت الأمر الخطير تقحما

تروح رواء ترتمي أي مرتمى

) فترجع ضلعاً شفها الظمى (

) فيا ليتها ضلت وساء سبيلها (

لئن كان أصحبي كا أروع يجتري

على كل ليث في الحروب غضنفر

رجعت عن رذل الصفات مصغر

) فلا أنوي للأنذال جيدي ومعشري (

) بها ليل مستن المنايا نزولها (

يؤرقني في ذكرهم حين يعرض

نسيم الصبا يسري أو البرق يومض

أحبة قلبي حيث صدوا أو أعرضوا

) ويوحش من بالرصافة قوضوا (

) ولي عبرات في الديار أجيلها (

أرى جاهلاً قد نال في جهله المنى

كذا عالماً عانى على علمه العنا

وذلك من جور الزمان وما جنى

) ومن نكد الأيام أن يحرم الغنا (

) كريم ويحظى بالثراء بخيلها (

أراني وأسياقي لألف وصاحب

إلى جانبٍ أصبو وتصبو لجانب

فما بالنا لم نتفق في المذاهب

) تحن إلى أرض العراق ركائبي (

) وصحبي بأرض الشام طال مقيلها (

فهل تسمح الأيام لي برجوعها

فأحظى بأحباب كرام جميعها

لقد عاقني عنها نوىً بنزوعها

) وأخرني عن جلقٍ وربوعها (

) علائق قد أعيى البخاتي حمولها (

لقد عادت الأيام تزهو بوصلها

وإشراق محياها وأبيض فعلها

تذكرتها والعين غرقى بوبلها

) وعاودني ذكرى دمشق وأهلها (

) بكاء حماماتٍ شجاني هديلها (

شجتني وما قلب الشجي كقلبها

ولم تحك من عيني منهل صوبها

فما برحت من شجوها أو لحبها

) تردد ألحاناً كأن الذي بها (

) من الوجد ما بي والدموع إذ يلها (

منازل أشواقي ومنشأ علاقتي

وسكر صباباتي بها وإفاقتي

حلفت يميناً صادقاً جهد طاقتي

) لئن باعتني رمل يبرن ناقتي (

) عليّ حرام ظهرها ومشيلها (

ولم أنس لا أنسيت في كل ضامر

وقوفي على ربع لظمياء دائر

بحسرة ملهوف وصفقة خاسر

) وكم لي على جيرون وقفة حائر (

) له عبرات أغرقته سيولها (

ألم تنظر الأرزاء كيف تعددت

وساعدت النحس الشقي وأسعدت

قعدنا وقامت أرذلونا فسودت

) وكم باسقات في الرصافة أقعدت (

) على عجزها حيث استطال فسيلها (

بلاد سعت جهالها في خرابها

فليس شراب يرتجى من سرابها

ولا لكريم منزل في قرابها

) فيمر عبر بلاد صوحت لا ترى بها (

) مقيل كريم للعثار مقيلها (

وليس عليها لو نظرت معول

ولا عندها للآملين مؤمل

فيا لك دار قد نبت بي ومنزل

) بها الجود مذموم بها الحر مهمل (

) بها الشح محمود فهل لي بديلها (

ورب أخ للمجد وهو موالف

له في ربوع اللائمين مواقف

أقول له والقول كالسم ذاعف

) ألا يا شقيق النفس عندي صحائف (

) لقوم لئام هل لديك قبولها (

صحائف ذي غيظ على الدهر واجد

عليها طوى قسراً جوانح حاقد

وأني بما يبدي لساني وساعدي

) سأنشرها والهند وأني شاهدي (

) وأذكرها والسمهري وكيلها (

ص: 107

فمن مبلغ عني كلاماً ملخصاً

أهان به عرض اللئام وأرخصا

لئاماً يعيش الحر فيهم منغصاً

) وكم كلمات فيهم تصدع الحصى (

) إذا حكم العضب اليماني أقولها (

يرى المجد مجداً من أغار وأنجدا

ولم يبق في جوب الفدافد فدفدا

إلي شكته البيد راح أو اغتدا

) ومن رام مجداً دونه جرع الردا (

) شكته الفيافي وعرها وسهولها (

رجال المعالي بالعوالي منالها

مناها إذا ما حان يوماً نزالها

هي المجد أو ما يعجب المجد حالها

) وما المجد إلا دولة ورجالها (

) أسود الوغى والسمهرية غيلها (

لقد نالها دنياً دنى تجبرا

فتاه على أشرافها وتكبرا

وكان أذل العالمين وأحقرا

) لما الله دنياً بالها أحقر الورى (

) وتاه على القوم الكرام سفيلها (

إذا لم يكن ظل خلي من الأذى

تلذذت في لفح الهجير تلذذا

وبدلت هذا بعد أن عفته بذا

) رعى الله نفسي لم ترد مورد القذى (

) وتصدى وفي ظل الهجير ظليلها (

لعل خطوباً قد أساءت تسرني

عواقبها حتى أراها بأعيني

وأني على وهني لما قد أمضني

) سأحمل أعباء الخطوب وأنني (

) لأنتظر العقبى وربي كفيلها (

وفي جانب من الكتاب. أبيات من مبتكرات فخر بني الآداب. الفاضل السري. عبد الباقي أفندي العمري. من ذلك قوله. وقد عز مثله:

قلم القضا بمداد محبرة الدجا

كم خط من أمر بصحف نهار

وجرى فأجرى ما تعذر حكمه

في أمر باريه من الأقدار

فكتبت لحضرته الجواب. مع أني إذ ذاك في غاية الاكتئاب) ونصه (: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل شهاب العلم ساطعاً في كل مدار. وصير بالثناء عليه سبحانه محمود الحال في كل برجٍ جله ودار. والصلوة والسلام على حبيبه الذي عمت أنوار هجرته ما بين الخافقين. وتوفرت سهام عطيته ذا سفر من كنانة إقامته إلى سفر قاب قوسين. وعلى آله وأصحابه الذين هجروا الأوطان لوصال الأوطار. وطار صيت فضلهم حتى خفقت لطيب نسائم أجنحته الخفاقة رؤوس سكنة الأقطار.) وبعد (فقد أخرجتني من مشيمة الغم. قوابل سطور كتاب حضرة مولى لطفه فوق ما يتصوره الحال والعم.

لا يدرك الواصف المطري خصائصه

وإن يك سابقاً في كل ما وصفا

الصارم الهندي. عبد الغني أفندي. أدامه الله تعالى للعراق عيناً. وأزال سبحانه بنسائم همته عن قلوب أحبته غيناً. وقد ذكر لي في خلاله المصون عن الخلل. والمبرأ عن وصمة الخطأ والخطل. طلب فتوى من حضرة مولاي شيخ الإسلام. في مسألة وقعت في مدينة السلام. فيا مولاي وحق من أفتانا في الكلالة. ووقانا عن مهاوي الضلالة. أني يوم تشرفت بكتابكم ذهبت إلى دار الفتوى من غير كلال. وعرضت المادة بطولها لدى محل العرض من غير إخلال. فاستقر الكلام بعد أن صار على أن أرعوي الوقف بالخصوص في مثل ذلك تسمع. وأن سكوت الجدة بل قولها لا حق لي في ذلك العقار لا يضر في دعوى ابن بنتها المشركة في الوقف ولا ينفع. وذلك مثل قول أحد الأبناء الموقوف عليهم لا حق لي في الوقف. فإنه لا يمنع صحة دعوى الآخرين فيه وكذا لو بلغ عدد القائل إلى الألف. ولا فرق في ذلك بين آخر الطبقات وأولها. لاشتراك العلة الصحيحة بين الطبقات كلها. فلم يسعني إلا السكوت والتسليم. لا سيما ودفع هذا المدعي ممكن بغير ما ذكر مما لا يخفى على فكركم السليم. فالمرجو من حضرتكم العذر في عدم إرسال الفتوى. فإني ما قصرت في سلوك طرق تحصيلها وعالم السر والنجوى. وكيف يتصور مني مع فضلك الطويل العريض تقصير. وما كلفتني سوى أمر هو على كل ذي لسان وأياديك الثقال يسير.

وأهون ما يعطي الصديق صديقه

من الهين الموجود أن يتكلما

ص: 108

ثم أنكم ذكرتم تهوشكم مما يزوره على الأكراد. ويزودون من يذيعه بين أهل بغداد. وطلبتم شرح الحال. ليسكن ما عرض لكم من مزيد الزلزال. يا مولاي قسماً. برافع السماء. وباسط الأرض على الماء. أني منذ أصبحت طالعاً من بروج الزوراء. ومميطاً علائقي منها وممتطياً غارب الوجناء. لم أر ممن رآني سوى أنواع الاحترام. ولم يسؤني من وجوه البلاد ورؤوس العباد. إلا كثرة تقبيل الأكف والأقدام. وما جئت بلداً إلا اشتد عدو علمائها إلي. فأحاطوا بي ولا عدو يعد الحسنة سيئة علي. فكم مرتوٍ مني. وكم وكم راوٍ عني. ولا أكاد أسمع في المدارس والمغاني. سوى قال الآلوسي صاحب روح المعاني. حتى كان يخيل أن لست الذي كان ببغداد. إذ الفرق بين الحالين كالفرق بين ريش الطواويس وشوك القتاد. بل صرت أقول كما يقول الشيخ الأكبر قدس سره بتجدد الجواهر. مع أني في الزمان الماضي لم أكن قائلاً بتجدد الأعراض وإن قال به كثير من الأكابر. ومال ذهني السيال من غير اضطراب. إلى صحة الاستدلال على ذلك بقوله تعالى) وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب (. وزال عنه الالتباس إذ نظر ببصر جديد. فرأى قوة الاستناد هنالك إلى قوله سبحانه وتعالى بل هم في لبسٍ من خلق جديد (. وكاد يدعني اختلاف الحال ذا الودعات. لولا أن من الله تعالى علي ببركة القرآن المجيد بالثبات. وتمنيت أن لو كنت خرجت في شرخ الشباب. لأنال إذ ذاك شرح الصدر الذي يعجز المتن عن رسم بعضه في حواشي كتاب. إلا أن الأمور مرهونة بأوقاتها. وحبلى الليالي لا تلد إلا بعد استكمال ساعاتها. ولما حللت أزرار ثياب السفر في إسلامبول. وزررت أردية الإقامة فيها إلى أن يتفضل الله تعالى بحصول المأمول. رأيت من بديع التفات حضرات الوكلاء الفخام. ما لم يكن لأحدٍ قبلي من أهل مدينة السلام. لا سيما حضرة الصدر الأعظم. الذي أذعنت بأنه رئيس العقلاء قلوب الأمم. وحضرة مولاي شيخ الإسلام العارف دقائق الحكم. بما نفث في روعه ملك الإلهام. فوالذي على العرش استوى. وعلم السر والنجوى. أني رأيت منهما ما شرح صدري. بل فرق الفرق مما يقتضيه قدري.

) نعم (كان ما كان من شيخ الإسلام أول الأمر. مما هو كغمام صيف لاح في أطراف الأفق ومر. وبيان سبب ذلك يطول. والقلم لا مللت من حبيب ملول. وأما بقية الكبار من رجال الدولة. وصدور قضاة الدين والملة. والعلماء المدرسون. والكرام الكاتبون. فكنت بينهم المذيق المرجب. والغرنيق المحبب. فلا تكاد تمر ليلة إلا وهي حالية بدعوة. زاهرة بجمعية مع أفرادٍ هم وعيشك صفوة الصفوة. مع منادمات أرق من النسيم. ومداعبات ألذ من التسنيم. ولولا حبكم ما ذكرت العراق. ولا التفت بقلبي إليه أو تلتف الساق بالساق. إذ طالما تجرعت فيه كؤوس الغصص. ورجعت النوح ولكن كحمامة في قفص. وهيهات أن يستطيع ذهني السيال أن يجري من أنابيب الأقلام ما جرى. على أنك يا مولاي عارف بتفصيل ما كساني الدهر هناك حتى نبذني من كان يونس قلبي بالعراء. فليبتلع أدهم القلم ريقه الأسود. وليسترح من العدو في تعداد تلك الحوادث السود وليبق أبيض القرطاس على نقائه الذي تعهد. وليسلم خدم من مسيس لهب التأوه مما فعل بي أصحاب الأخدود. ولأرجع إلى إتمام الجواب. عما سلف من الخطاب.

ص: 109

) فأقول (يا مولاي أنت تعلم أني لم أتعب الرواحل إلا لاقتياد الراحة. ولم أطو المنازل إلا لازدياد بسطة راحة. وقد أخرج الله تعالى من جب نفسي الإمارة أو حال حب المناصب. وأترع جل شأنه قليب قلبي بزلال اعتقاد أن الاشتغال بالعلم أعلى المراتب وأغلى المواهب. فليس لي اليوم ميل إلا لتحصيل ما يقومني في الاشتغال بالتأليف والتدريس. والاستغناء بمجالسة المستفيدين على موائد قرى القراءة عن كل جليس. لكني كلما هممت بالتماس لك الأمر. نهاني عنه ذوو النهي وأمروني بمر العبر. قائلين أن العجلة تزري بمثلك. وكلامك في ذلك مع قرب عهدك بالقدوم محض الفضول بالنسبة إلى فضلك. وحاشا أن تغفل الدولة عما يليق بك من الإكرام. وليس التأخير إلا لكثرة المصالح والمهام. وطور إسلامبول. ما وراء طور العقول. فلذلك يا سيدي لم أظهر إلى الآن ما في الضمير. ولم أكلف أحداً في خير أو حقير. وقد أعانني على ترك الإظهار. أنسي بحسن معاملة الكبار والصغار. وقريباً إن شاء الله تعالى الجواد المطلق. يسود بما أنال من العيش الأخضر والذهب الأصفر وجه العدو الأزرق. فليقل الأكراد ما شاءوا. وسيظهر إن شاء الله تعالى قريباً كذب ما أشاعوا. وليكن ذلك عند حضرتكم كطنين ذباب. أو كأطيط سرير أو كصرير باب. ثم أني أعجب منهم. وأستغرب ما يروى عنهم. فطالما أكرمت فقيرهم. وجبرت بمومياء سعيي كسيرهم. وعلمت جاهلهم. وعظمت فاضلهم. ومسحت بأردان الشفقة دموع باكيهم. وأزلت بأكمام الهمة غبار الأذى عن وجه شاكيهم. وأنسيت غريبهم داره. وسترت لذي شنار منهم شناره. وأشركت من قرأ علي من طلبتهم في الأقوات. وبالغت في إكرام نزيلهم عندي في سائر الأوقات. إلى محاسن أعوزها الحد. ومكارم لا تكاد تعد. وأظن ومعاذ الله تعالى أن أفتري عليهم. إن الذي أوجب إساءتهم إلي إحساني إليهم.

فمن يفعل الإحسان مع غير أهله

يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر

والكلام كثير. ويغني عنه أنك بحال القوم خبير. وكم لي فيهم عنك رواية. وفي ذلك يا منتهى الإرب كفاية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.) وخمست (ما بقي من بيتي الفاروقي. ولكن بعد أن عظم فرقي. وأرسلت ذلك لخدمته وقلبي يخفق كقرطي مارية لمزيد فرقي. فقلت:

قلم القضا بمداد محبرة الدجا

في أصبعي يد قدرة القهار

بمكاتب ملئت لعمري حكمة

كم خط من أمر بصحف نهار

وجرى فأجرى ما تقدر حكمه

من حادث ما مر بالأفكار

فاصخ لما يبدي إليك صريره

في أمر باريه من الأقدار

) وكتبت (للسيد عبد الغفار. ما فيه شكر أياديه الغزار. وذلك ما تقدم من تخميس نظمي وتسميطه. وأين وشل نثري من مديد نظمه وبسيطه.) وهذا ما كتبته (مولاي فؤاد الفضل ولسان الأدب. والمفترع بثاقب فكره أبكاراً عرباً من غواني أشعار العرب. السيد الذي جعل أحرار المعاني البيض عبيداً لسمر أقلامه. وكسى نصال الأسنة الزرق حمرة الخجل تارة وصفرة الوجل أخرى بسود أرقامه. ذو الخلق الذي هو أعطر من شرابه الندي. كدرار راوق الفصاحة ومغفر الرجاحة عبد الغفار أفندي. أقر الله تعالى برؤية عينه العين. وفرق سبحانه بوصاله البين من البين. وصل إلى تخميسك الذي غنت به السبع الطباق. وتوحدت بالترفع فيه على قنة الإبداع في جميع الآفاق. ولعمري لقد أريتني بمرايا مزاياه نقطة العلم بحقيقة القول بوحدة الوجود. حيث لم أفرق حقيقة بين فرعه وأصله مع أن ذهني في الفرق لدى الجمع محمود. بهاتيك الدار. بيد أنك تركتني في بيداء الأفكار. بل في بحار دموع أذيلها على ما صنع الملك الدوار. فأنشدت قول القائل في سالف العصر.) رق الزجاج ورقت الخمر (.

ص: 110

وقد كانت عندي ولطيف محاضرتك حظيرة قدس. أو روضة غناء خطرت بها خود في ثوبي غنج وأنس. فلما سمعت ما قال فيها الوالد الشهم الغيور. ومن كان يخشى أن يذكرها لديه بسوء الليث الهصور. صارت في عيني أقل من تبنة. في لبنة. وأذل من قلامة. في قمامة. فلو استطعت لبعدت عنها إلى جابلقا أو جابرصا. وإلى ما هو أبعد من ذلك وأقصى ثم أقصى. وقد عزمت على الإقامة في دار الخلافة. وقطع علائق القلب عن أرجاء الكرخ والرصافة. إلا أنه حال بيني وبين ذلك حلول مولانا الشهم وأمثالكم فيها. والأمل بلطف الله تعالى أنها عن قريبٍ تراها النفس طبق أمانيها. فكم لله تعالى شأنه من نفحات. وكم جعل سبحانه للدهر القاطع للأنفاس تنفسات. ومع ذا هي اليوم على علاتها أحسن من كثير من الديار وألطف. ومن طاف البلاد وقف على صحة ما أقول وقال به ولم يتوقف. ولذا أذب عن شجرها الطير وإن بلوت المر من ثمره. ولا أودان يمس ساكنها ضير وإن تجرعت منه ما عندك حقيقة خبره.

وما أنا بالداعي لعزة بالردى

ولا شامت إن قيل عزة ذلت

ويا مولانا وصلت أيضاً تشاطير كم بيتي في الصدر الأعظم. ومن أقعد الصدور على الإعجاز بقوة رأيه السديد الأقوم. فرأيتها قد ارتضعت شطر البلاغة. وهكذا كل شعر لكم لا يستطيع مفلق وأن إنفاق أن يبلغ بلاغة. لا زالت آثاركم طراز الزمان. ولا برحت أشعاركم سلوة الغريب عن سلوى فكاهة الإخوان في الأوطان. أفندم.

) وكتبت أيضاً كتاباً (لذي الأدب العبقري. حضرة عبد الباقي أفندي العمري. إلا أنه اغتالته مني بأيدي غفلتي الغوائل. واختطفته من يد حافظتي عقبان البلابل.

) نعم (ظفرت بما كتبت له في ذيل كتاب السيد عبد الغفار. وهو بالنسبة إلى ما ذهب دندنة نخلة بالنسبة إلى نغمة هزار.) ونصه (: وأشكو ألم فراقي. لحضرة الأفندي الفاروقي عبد الباقي. وأعرض لديه أنه قد واصل دره النظيم. الحديث منه والقديم. والكل قد قدم يوم قدم. لدى شيخ الإسلام وولي النعم. فاستحسن جميع ذلك. وشاع الكل في هاتيك الممالك. لا سيما قوله قلم القضاء بمداد محبرة الدجا البيتين. فإنه ما من قلم إلا وسما بالفخر بكتابتهما على الفرقدين. لكن يا سيدي معرفة مزايا كلام العرب على الوجه التام. لم نجدها وحرمة العارفين إلا عند عارف الحكم شيخ الإسلام. فهو اليوم عارف الديار الرومية. وعالمها في جميع العلوم العقلية والنقلية. وله حظ وافر من علم الأدب. فكأنه سلمه الله تعالى أجل علماء العرب. فلله تعالى دره من عالم همام. وحبر قمقام. وهكذا فليكن شيخ الإسلام. وبلغوا دعاءنا لحبيبي الواعظ الواعي. ومن هو لحقوق الإخاء الحافظ المراعي. ولكافة الأحباب. لا سيما بني الآداب.) وكتب لي (حضرة الفاروق جواب كتاب. أظنه الذي ضاع مني في هاتيك الرحاب.) ونصه (:

قال العراق وقد رحلت مودعاً

فاسمع بحقك ما العراق يقول

بغداد لي خد ودجلة دمعةٌ

أسفاً عليك إلى المعاد تسيل

قد كنت حلياً فاسترد معاره

وكذاك أحوال الزمان تحول

للشمس من أوج السماء إذا هوت

بدل ومالكٍ لأعدمت بديل

ص: 111

أعرض لحضرة عارض همع فاستوشلت البحور. ووامضٍ لمع فكسفت الشموس وخسفت البدور. من الثناء والدعاء. ما لا يسعهما وعاء. وأنهى لجناب ذلك الشهاب الثاقب. والبدر الحاضر الغائب. أنه وصل منه شريف كتابه. ومنيف خطابه. والداعي إذ ذاك في عقائل شكوى سدكتني منذ أيام سدك الغريم. وعركتني بأكف آلامها وأيدي أسقامها عرك الأديم. حتى لقد فغرت على فاها المنون. واستوت في اليأس من الحياة مني الظنون. إلا أنه تعالى بلطفه من علي بالشفاء. ونقلني على جهة اليأس إلى جانب الرخاء. فله الحمد متواتراً. والشكر أولاً وآخراً. وهو المسؤول أن يبلغك أطول الأعمار. ويروي عنك مكروه الأقدار. وكان كتابكم قد وافى في عنفوانها. وأبان نزواتها. فخفف من أوصابها. وخلع بعض أثوابها. وكأنما ورد عائداً ملطفاً. أو وفد زائراً متحفاً. ولما نضوت برد الاعتلال. وشمت برق الإبلال. وجب إنهاء العرض المعترض. وتعين قضاء الحق المفترض. فنبهت عين النون. وأطلقت لسان القلم لتحرير هذه الأحرف المشحونة بالزخرف ولولا ترتيب الحق كما ذكرتم ما كنت أنطق ببنت شفة. وما زاد على هذا فمعدود من السفه. وأما الشرك الذي نصبته لصيد غرانق العقول. فهو منقول غير معقول. فتدبر) وقد بلغنا سلامكم (لكل من خصصته بسلام. من الخاص والعام. والجميع سالمون ويسلمون. وكما أمرتم نحن لسنا بغافلين عن تحريض مخدومكم المحروس بعين عناية الله تعالى المعيد المبدي. النجيب عبد الله أفندي. على مثابرته على القراءة وغيرها. وما شاء الله كان وحركاته وسكناته جميعها طبق ما تؤملون ليكن معلومكم أفندم.

) وأتاني (من هزار قفص المعاني، ذي الفضل الجليل الجلي، أحمد عزت أفندي العمري الموصلي، عدة قصائد، هي في عنق الدهر قلائد. منها قوله. دام فضله. في جواب كتاب أرسلته إليه. لا زالت مرسلات اللطف تهب عليه:

ما بين قلبي وبرق المنحنى نسب

هذا وذياك خفاق ومضطرب

شتان ما بين خفاق بلا سبب

ليلاً وما بين خفاق له سبب

ما لاح ومضك يا برق الحمى سحراً

إلا وجن إلى مغناه مغترب

ما كان يشجي فؤادي ومض بارقه

لولا الهوى وظباء بالهوى عرب

كلا ولا كدت أرضى أن أموت جوى

في أهل وجرة لولا ماؤها العذب

يا صاحبي عجا نحو الغوير فلي

ما بين مربعه والمنحنى إرب

فإن سكانه يوماً إذا عدلوا

جاروا زماناً وإن أرضيتهم غضبوا

قولاً لأهليه هذا قلب صاحبكم

كالبرق بين أثافي ربعكم يجب

لله قلبي له في كل آونة

تقلب في ربي حزوي ومنقلب

يصبو إليها وقد جر النسيم بها

ذيلاً وشقت عليها جيبها السحب

كأن هطالها في كل مرتبع

مد من البحر يعلو ثم ينسكب

من لي بعين تزال الدهر هامية

بمدمعيها وقلب حشوه لهب

دارت لآلئ دمعي فوق مقلتها

فالعين كأس ودمعي فوقها حبب

سقياً ورعياً لأيام الشباب وإن

لم يبق لي بعد ذا فيهن مطلب

يا ليت عصر شبابي مذ قضى وطراً

قضيت من حقه بعض الذي يجب

فالعيش في ظل أيام الصبا فإذا

مضى الشباب فلا لهو ولا لعب

إلى متى أنا والدهر المشتد لي

لا زال يبعدني عنهم واقترب

ومن تفكر في الدنيا وحققها

رأى أموراً غطا ما كلها عجب

ما خلت ألقي عصا التسيار في بلدٍ

ودأب راحلتي في سيرها خبب

ما نالت البيد مني يوم مطلبي

ما نال مني ومن أكتارها القتب

أكنت مثل) شهاب الدين (حين سرى

جرت يدي مجده نحو العلى الرتب

سعى فأجمل بالتطلاب عن سعة

يوماً فما خانه رزق ولا طلب

وما درى من أراد العز في جدة

أن التقدم مقرون به التعب

أبقى بقلبي ناراً من تباعده

والنار آونة تخبو وتلتهب

كاتبت عبدك يا مولي الورى فغدا

في جيده من لآلئ مدحكم سخب

ما مر ذكرك في أفكاره أبداً

وإن تباعدت إلا هزه الطرب

يهوى التشرف في لثم الأنامل من

راحات كف امرئ آباؤه نجب

إن أوعدوا أرهبوا أو واعدوا أوهبوا

أو أهزموا طلبوا أو سوجلوا غلبوا

لله أقلامك اللاتي سحرن فتى

أقلامه أخجلت ما ضمت من الكتب

ص: 112

كادت تمزق ذهني من بلاغة ما

أبدت وقد مزقت مع أنها قصب

وهبت من لفظك الدري لي مدحاً

وأحس الناس من يعطي ومن يهب

أخجلت بدر الدجى فانصاع من خجل

في فضل ذيل غمام الأفق ينتقب

وافت إلي بشهر رحت أحسبه

عيداً وإن مضت الأزمان والحقب

فبت تنشدني نفسي وأنشدها

) يا ليت عدة حولي كله رجب (

قرطت في لؤلؤ ما ضمه صدف

منا المسامع إلا أنه رطب

فقل لمن رام أن يحكي محاسنها

) لقد حكيت ولكن فاتك الشنب (

يا من يراه كبار الناس فوقهم

كما تراءت على أبراجه الشهب

إن قلت لا زلت مرفوعاً ومنتصباً

فإنما أنت مرفوع ومنتصب

قد كنت قطب الرحى فينا يدور به

منا على محور يك العلم والأدب

واليوم منا الرحى دارت بلا قطب

وهل تدور رحات ما لها قطب

أم العلى إن نسبناها إلى أحد

فأنت يا سيدي جد لها وأب

وكل من يدعي في الفضل رتبتكم

فمدعي نفسه حاشا كم كذب

إني بنيت على علياك من فكري

بيتاً من الشعر لم يمدد له طلب

فاعذر فتىً قد توالت بعد فرقتكم

على قريحته الأشجان والنوب

قد أذهبتني ببلواها ومن قدم

في النار أصلي لا من هونه الذهب

ولا غبار على مدحي فعندك لي

تعليق نظم على الأحداق مكتتب

فالما دحوك على ما حزت من شيم

أثنوا عليك بشيء منك مكتسب

) وكتب في ذيلها شاكراً (سعيي له في أمرٍ أتعبت فيه لساني وأقدامي. لكن لم ينتج لأمرٍ ما طبق مرامي:

بأبي يا أبا الثنا وبعمي

أنت تفدى وبالغطاريف قومي

قد بذلت المجهود في سعيك الم

حمود فيما به يفرّج همي

) وقوله (:

كم ولوع لي بهاتيك المغاني

ونزوع لأحاديث الغواني

ودموع من عقيق قد كست

جبلي نعمان ثوب الأرجواني

لم تقل عيني حسبي ما جرى

من شؤون وكفاني وكفاني

يا رعى الله ليالينا التي

في دجاها أشرقت زهر الأماني

بي أويقات مضت من طيبها

رب ساعات بها عدت ثواني

واعنا قلبي هل من راحة

لمعنى لاعج الشوق يعاني

كم أبان الوجد ما أضمرته

بفؤادي من هوى أم أبان

كلما مالت ببانات النقي

شمائل زادت إليهم ميلاني

بان عني من إمالته الصبا

والصبا كم أمالت غصن بان

ودعاني كخيال طارق

يا خليلي بعينيه دعاني

وسقاني من طلي راحته

أحمراً عربدة السكر وقاني

في اللوى يا سعد كم لي من لوى

ساعد البين لواه ولواني

لا أضل الله عن طرق الهدى

من إلى النضال وأهليه هداني

كم رماني أسهماً من لحظه

لا رمت سهم لحاظ من رماني

سقم فيه ابتلى الله الصبا

وابتلى لحظ الغواني وابتلاني

أعين أعدي بجسمي سقمها

لا تعداني الذي منها عداني

وخيال مع خيال لم ينم

عمرك الله متى يلتقياني

أنا كالظل إذا ما أشرقت

شمس حسن نورها حالاً محاني

يا خليلي وهل من مسعدٍ

لشجٍ أولع بالبيض الحسان

ثمل ما صافحت راحته

راحة كلا ولا طاف بحان

ذي انتهاض لهوى سلمى وما

عن نزوع لحماها متوان

إن بالجزع سقي الجزع الحيا

منزلاً نقب كالجزع حباني

لعبت فيه الليالي مثل ما

لعبت في لمتي أيدي الزمان

لمة قد فتك الشيب بها

فتكة اللحظ بنجلاء الطمان

أشعلت ذكرى شبابي هامتي

بمشيب واد كار العنفوان

ذا هوى كنت فلما أن بدا

وضح الشيب بفردي ثناني

في فروق بات قلبي وأنا

لست أدري من ضني أين مكاني

عائدي إن زارني ليس يرى

في مكاني غير آثار جراني

شام برقاً فيه رعد وحياً

كل من شام يراعي ببناني

هان قدري وأنا ذو عزةٍ

عند من شبه مثلي بابن هاني

وأرى جنية وسوس لي

أن شعري فاق شعر الأرجاني

راجت الأرواح ما قد روقت

راحتي يا صاح من خمر الدنان

كم أوانٍ من بيان أترعت

بثنا من جاد في روح المعاني

ص: 113

خير الآحاد عنه في العلى

راح يروينا عن السبع المثاني

مفرد بالفضل كم مثنٍ له

ما له مثلي بعرض المدح ثاني

من أناس لم يشن قدرهم

ومعالي شأنهم ذو شنآن

طبخوا نياتهم حتى استوت

بقدورٍ راسياتٍ وجفان

ذو يراع إن تبدي خافقاً

علم البرق ضروب الخفقان

هل رأيتم من شجاع قبله

ينبري أخفق من قلب جبان

عيلم بل علم في لجة

يقذف الدر وفي رفعة شان

لا ترى الأشراف إلا دونه

فهي كالأنبوب منه والسنان

فليقل لله دري مغتذٍ

من أفاويق المعالي بلبان

يا ترى هل من مدان مجده

وهو النخبة من عبد المدان

شرفتني من علاه قطعة

نظمت أسطرها نظم الجمان

ما وعته أذني من لفظها

أزبوراً كان أم آي قرآن

حملتني فوق وسعي يده

آه لو قبلتها حمل امتنان

شرفي المحض لدى تعريضه

أن يسميني في لفظ فلان

حملت أبكار فكري مدحه

كقيان فوق راحات قيان

أنا في حملي إليه مدحي

مثل من يحمل دراً لعمان

يا نجيباً حاز فضلاً وعلا

في نجيب قلما يجتمعان

كنت قد أقرضتني مدحك لي

فهو قرض داخل تحت ضماني

قيدتني منك قدماً مدحة

أطلقت في شكرك اليوم لساني

سوف أزجي من نجيبات الثنا

لعلاكم كل بكر وعوان

كم عجاف لعجاف سقتها

من معان وسمان لسمان

لا يصون الدر من يعرضه

لمهانٍ عرضه غير مصان

أتراني ساعة من زمني

منه أحظى بلقاء أتراني

فعلي أني نجيب شاهد

ما إليه من صباباتي عداني

بأني من لم يزل منذ نشأ

خضل الراحة منهل البنان

حزت أجر الصوم والعيد إذا

يتلقاك ببشر وتهاني

لا خلاك الله من دنياً بها

كل شيء ما خلا مجدك فاني

هذه راحة فكر روق ال

عقل معاناها براحات البيان

سطعت كالشمس من دون النهى

فمحت ظل العنا باللمعان

خمرة بين الندامى بكرة

دار أرخ) كأسها في رمضان (

) وكتب (في ذيلها مخبراً عن عمه. الذي هو أشفق عليه من أبيه وأمه. المولى المكتسبي أدباً هو من كل نقص عري. حضرة واحد الآحاد عبد الباقي أفندي العمري. ما نصه: وبعد أن تشرف نظر العم. بإمعانه فيما تفضل به المولى على عبده وأنعم. واطلع بنائرة نار حدسه الموصدة. كما تطلع نار الله الموقدة على الأفئدة. على ما نظمته بهذه الدفعة. بمدح تلك الحضرة الرفيعة المنعة المنيعة الرفعة. فأنشدني مرتجلاً على ذلك الروي والقافية. في نعت هذه الطلول العافية.) قوله (:

كم نزا عير على الزورا وما

حيل فيما بينه والنزوان

) فكتبت (له في جواب إحدى القصيدتين. ما هو أقل في حقه إذا أنصفت من نصف الاثنين. ونصه:

ص: 114

أما وحرمة الأدب. أن الدهر لأبو العجب. وأني سأتلو عليكم من ذلك ذكراً. ليحيط من لم يحط به خبراً. بينا هذا الغريب يعاني من كرب الغربة. ما بلغ عقد الكرب واسأل عرق القربة. وقد قاء سمعه ما تجرعه في سفره من صديد متعفن النظم. وجاء ذهنه بصقره ونقره. لما بلي من سوء الفهم. وجعل يظن العربي رومياً. ويحسب الوحشي أنسياً. وجرب من غواني حواسه الأديم من مصاحبة الجرباء. وعاد يتلون حدسه المستقيم تلون الحرباء. وعمش عقله وكان وعينيك ينظر بعين عقاب. وتعرى من الملابس فضله وكان وجديك يجر على المجرة فاضل الإعجاب. إلى أمور ينشق رأس القلم صداعاً. إذا انشق أنفه مفتن ذكرها. ويتشقق القرطاس غيظاً إذا أحس خده الصقيل بخشن سطرها. إذ برزت عليه من سجاف الغيب. حوراء قصيدة لا عيب فيها سوى أنها لم تدنس بعيب. فجعلت تغذوه بلبانها مع أنها بكر لم تطمث. وتتثنى سكراً في حانها مع أنها العدوية التي لم تشرب المثلث. وأخذت تداوي خموش عجائز قصائد تركية. شانت أسيل سمعه. وتكسو فضله ملابس سندسية. طالما جر ذيولها في رفيع ربعه. وغدت تدلك ما جرب من أديم حواسه بما جرب من معسول رضابها. وتكحل عيني عقله بما أثارته من غبار الفصاحة ذيول إعجابها. وأدخلت على قلبه الخفاق من السرور الوفير. ما لو تجسد لملأ ما بين الخافقين فاستخفه الفرح حتى أوشك ولا جناح أن يطير. مع أنه وكتاب الله تعالى الواحد الأحد من ثاني الثقلين. إلى أمور ضم القلم عليها لحلاوتها شفتيه. وبخل بالشفاه بها على القرطاس لنفاستها ولم يحكم خوف انكساره عليه. فلما رآها أجدى من تفاريق العصا. ونال ما نال م ننفعها الذي امتنع من أن يحصى أو يحصي الحصى. جعل يدعو لمنشيها. ومحكم قوى قوافيها. حضرة المولى الذي هاجر من مكة الفصاحة إلى مدينة البلاغة. ثم عرج به إلى قاب قوسي الإعجاز فأنى يبلغ سهم أديب بلاغة. العدوي الذي عدا فاستنزل بهمته عصم الحقائق. من صاصيها. وبدا فاستذل بعزته أعز الدقائق. فسفع بنواصيها. العمري الذي فطره مولاه على أحسن فطرة وجبله. فأخاف ولله تعالى در بدرة فطنته وذكاه سهل الأدب وجبله.) فلعمري (لقد سامت جبل فضله النجوم السواري. فغدا يقول يا سارية الجبل وجرت في نيل منشآته المنشآت الجواري. ولكنها أنعمت بدراري نيل الأمل. الشاب الذي أقعد على الإعجاز صدور الشيوخ. واستفز برزانة كلامه وصرير أقلامه أرباب التمكين والرسوخ. من هو في خلدي. وحق عمه وأبيه بمنزلة عبد الله ولدي. حضرة الأجل الأشيم أحمد عزت أفندي. كان الله تعالى له فيما يسر ويبدي. ومع استغراق أوقاتي بالدعاء لك أيها المولى وجعلي بدل أقواتي الثناء عليك أيها البدر السامي الأعلى. كيف أستطيع شكرك. وأني أكافي مزيد فضلك بمجرد الدعاء لك. وأنت الذي آنستني في وحدتي. وأنسيتني جميع أسرتي في غربتي. وأضأت علي يومي. وكان ظلمات بعضها فوق بعض. وأعدت في جسدي دمي. وكان قد ذهب به قمل الخشب بتوالي المص والعض. فأسأل الله تعالى أن يوفقني لمكافأتك. ويتم سبحانه نعمته علي بعوائد العود إلى ملاقاتك. فأنا لا أكتفي ممن أحبه. بمجرد أن يأتيني في البعد كتبه.

وإن اكتفى غيري بطيف خيالي

فأنا الذي بوصاله لا أكتفي

ثم أني أرجو من جميل ظرفك. أن تسبل على عوراء نثري ذيل حوراء إغضاء طرفك. فإنه قد تناثر عني لباس النثر منذ أخرجتني من دار السلام يد المحنة. ولم يمهلني سائق سابق القضاء كي أخصف علي من ورق هاتيك الجنة. فبقيت أعرى من أبرة. وكنت أكسى من بصلة بألف مرة. وكذا أرجو نحو ذلك من حضرة عمك. وباقي ذوي قرابتك وقومك. ولولا خوفي أنه يبقى خاطرك ما فهت وأبيك ببنت شفة. ولكنت أعد مقابلة نظمك بهذا النثر محض سفه. فأين خبث الحديد من حجر المغناطيس. وشتان ما بين القتاد وريش الطواويس. وفرق بين منثور الدر. ومنظوم فرائد الدرر. وكم ما بين دندنة الزنبور. ونغمة داود بالزبور. وأين السهى. عن شمس الضحى. وهل تقاس قبة السماء. بفقاقع الماء. ومع علمي بهذا كله قدمت رعاية لخاطرك الخطير. على هذا الأمر الخطير. وخشية فتح حلقك بالاعتراض أختار قلمي على شعور منه هذا التقصير. وعند الضرورات. تباح المحضورات. ونهاية ما في ذهن الجاني مع الكرام. الفوز منهم بالعفو الكامل والسلام.

ص: 115

) وكتبت (في ذيله معتذراً عن تقريظ قصيدة نظمها عمه في أهل الكسا. خالية وحرمتهم من نقص ليت ولعل وعسى. ما نصه: مولاي قبل التاريخ وصلت إلى قصيدة عمك. لا زال باقياً ترمي عن قسيه بسهمك. فعزمت على تقريظها. بعد أن صحا ذهني من خندريس تصريحها وتعريضها. فناداني العي أربع على ضلعك. هل فضل بعدما يصلح لفضلها من فضل. ولا يكاد يقدم على تقريظها إلا من يقري السلام على الإيمان. فيقول هل القرآن تجلى في صورة النظم. فعز علي إيماني. وحرمة السبع المثاني. ولم يخطر لها بخاطري مما لا يحظر فيه من القنوت. سوى أنها بين القصائد كبيت النبوة من البيوت. وأن لكل بيت منها شبهاً بالعبا لأهل العبا. ويبري صبا أنفاسها القدسية وصباً ممن صبا. وهذا مما تشهد بصحته العقول. وقل لي يا أفندي غير هذا أيش أقول. بقي يا مولانا اعذرني. وإلا فعلمني. والسلام ختام اه.) وهذه القصيدة (جعلها مقدمة مجموع مفرد في شأنه. فجمع فيه ما له من مديح أهل البيت النبوي وأركانه. قد سماه بالباقيات الصالحات. ولا يبعد أن يكون عنوانها المبشر بطي العنا يوم نشر السجلات. وقد قرطته ولكن بما خف بالنسبة إلى قدره الرزين. وكذا قرظه ولدي أبو السعود السيد عبد الله أفندي بهاء الدين. أنار الله تعالى له كواكب السعود. ولا زال تابعاً سيرتي في كل أمر محمود.

) أما تقريظي فقولي (لما ارتدى سمعي بردة سماع ما حوته هذه المجموعة المفردة الشأن. ونهض فكري الجاثي على ركبتيه يجر ذيل التعجب على هام ممسك العنان. حاك في صدر القلم أن يصف فضلها على عجزه. وأن يبتز من نسائج الفكر بردة مدح لها على ضعف بزه. فقلت له ويحك الزم حفرة دواتك فما يتسنى لك وجلالة باريك وإن بلغت السماك في سمو الهمة. أداء حق شعر لو شعرت لعلمت. أنه قد علا كعبه فغدا للعبا المحمدية سدىً ولحمة. ولعمري أن در بحوره.) علي (الشأن العظيم. ودر شطوره.) فاطم (للأذهان على ارتضاع شطور التسنيم.) وحسن (معناه أحق بالقبول مما تحكي للحس المشترك العين. ورائق مبناه أرق من دمعة شيعية تبكى وحق لها) الحسين (. وأنه لجرى أن يزين بتلاوته) السجاد (في أسود الليل صحيفته البيضاء. ويستغني بدلالته المرتاد عن النهار) الباقر (بطن غول الظلام بقرن بقرته الصفراء.) فيا لجعفر (فضله كيف أعجز) موسى (اللب أن يشقه بعصا فكره فجعل يسحل ذيل التسليم بساحليه. وقذف عن) رضى (باللآلئ حتى غدا نهر المجرة لمزيد حسده) كاظماً (غيظه عليه. فما مولى جاد به إلا) جواد (. أطلق جواد منه البهي في ميادين المنن. ونجم) هاد (بنور ذهنه) النقي (إلى) معسكر (كل أمر) حسن (. ويوشك أن يكون) مهدي (أفكاره) القائم (على كل نفس من القرايح بما كسبت من المعاني المبتكرة.) والمنتظر (للأخذ بيد أفهام ذوي الإفهام عن إلجاء دجال الوهم إياها إلى المهاوي الخطرة. ولكم أملي أبقاه الله تعالى للكرام الكاتبين من صنوف الطاعات تفاصيل وجملاً.) والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً (. أسأل الله تعالى أن يسبغ عليه في الدارين فضلاً. ويرفقه بأهل الكسا يوم يخرج الناس حفاةً عراةً غرلاً. انتهى.

) وأما تقريظه فقوله. عظم شرفه وفضله (. لازمت بيتي أياماً أتأمل في محاسن هذه القصائد. ملازمتي ولاء أهل البيت. فوقفت منها على بحر مفعم بأغلى الفرائد. لا تجري فيه سفن نقص لو أن وعسى وليت. ثم أمعنت فيها النظر. وأسمعت في نواحيها سرح الفكر. فتحققت أنها قد نصبت شباك البلاغة والفصاحة. فاصطادت عنقاء الإعجاز. وجرت ذيول الفخر في مسارح البراعة والرجاحة. فلم ترض إلا أن يكون لها على الحقيقة مجاز إلى حمى الامتياز. وبدت في ترفع لا تهوى لغير سماء الشرف آل بيت النبوة عروجاً. ولم تقبل وحق لها سوى الأئمة الاثني عشر منهم بروجاً. فيا لله تعالى حضرة مستخرج هذه الفرائد من عمان فكره المسكي المتوج بالذهب. المطرز بها بردة تعجز عن نقش حواشيها صناع الفصاحة ويعيي عنه ما في الأدب. فقد أتى بما لا يؤتى بمثله. وحاك عباً للآل لا يمكن لأحد بعده أن يحوك على نوله. وتفرد بجميع هذه الدرر. وجمع في هذه الفريدة ما لا يخطر على قلب بشر. حتى أحجم كل ذي لب عن مدحها بما تستحقه. وأذعن له بذلك كما هو حقه. فلا زال فاروقاً بين ذوي الأدب. وآتياً بما لا تستطيع تشبهاً به جميع فصحاء العرب. انتهى.

ص: 116

وأرسلت إليه رسالة أخرى جواباً عن قصيدته الثانية. لكنها لعطفها عما تضمنته السابقة من الفصاحة والبلاغة ثانية.) ونصها (: أحمد الله حمداً على وصول ما تفضلت به من رقيق خز النثر والنظم. وصفيق نسج وحده من مبتكرات الخال والعم. فلله تعالى أبوك كيف اصطدت عنقاء جو الغرائب بحبائل فضلك. واقتدت جوزاء سماء العجائب بحبال قمر عقلك. وكيف نقشت من الزوراء في عقد حواسي المستقيمة. فسحرتني يا بن الفاروق. وأنا في فروق. وروقت لي في كاسات الحروف ريثما خرجت من الحدباء خندريس المعاني القويمة. فأسكرتني يا رب الراووق. قبل أن أذوق.) ولقد هممت (بمجاراتك فكبا أدهم يراعي. فضاق ذرعاً عن طويل باعك ذراعي. فقلت لنفسي لا بد أن أفعل. وأنازل هذا الشاكي السلاح وإن كنت أعزل. فناداني عقلي ويحك ما الذي اعتراك. أتراك ترضى أن تقول أطفال المكاتب خرف الشيخ العربي لما عاشر الأتراك. بل كأني بالناس حتى النساء يقولون إن أقدمت على ما تروم. سبحان الله تعالى عاد فيل ذهنه وهو ابن سيد قريش عنكبوتاً في حجر الروم. فأربع فديتك على نفسك. ودعني من تسويد قراطيس شهرتك بنفسك. فعند ذلك جعلت يدي لثام فمي وحبست في غار دواتي جان قلمي. إلا أني بعد برهة استأذنت في إفادة الحال. فحررت هذه الأحرف ومعاذ الله أن يمر بفكري قصد النزال. فأحمد الله سبحانه إليك ثم أحمد. وأرجوك أن تدعو لي بالسلامة والعود أحمد. فقد عظمت مني الأشواق. إلى ربوع العراق. وضعفت طاقتي عن تحمل الفراق. وقويت صبوتي لسماع شيطان شعرك يا ملك الطاق. ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لما قلقت ركائبي. ولا ارتحلت عن أرضٍ حلت بها عني التمائم أيدي شبابي. ولا أرقت لذكر أحبابٍ ذوي أدب. ينسل ياجوج الذكاء وماجوج الدهاء إلى حدائبهم من كل حدب. ولكن حدود الإرادة الربانية. لا يتسنى لرسوم العبودية أن تتعداها وأنى لهاتيك الأمنية.) ومن كتبت عليه خطا خطاها (. فأسأل الله عز وجل أن يحلي بلطفه اللطيف صحيفة رحلتي عن دياري. ويجعل مسك فضله المنيف ختام العود بالخير إلى أحبابي وسماري. هذا وسلام الله ورحمته وبركاته عليكم. وعلى من ينتمي من ذوي النهي في الغدو والرواح إليكم. انتهى.

) وأرسل لي (ذو الفضل الجليل الجلي. مدامي وراووقي. حضرة عبد الباقي أفندي الفاروقي. عدة أبيات. على شعراء العصر أبيات. تتضمن مدح هذا الفقير. الذي هو بالقدح جدير.

) منها قوله (:

مهما هممت بأن أحرر ما جرى

من بعد بعدكم بصدر كتاب

من مقلتي على المهارق دحرجت

أكر الدموع صوالج الأهداب

فلذا تراني والصبابة مشربي

ذا صبوة لملاعب الأحباب

أهفو لمن سكنوا فروق وحركوا

بالكسر قلب أخي هوى وتصابي

يرعى النجوم بأعين أهدابها

بانت معلقة بذيل شهاب

) ومنها قوله (:

سبقت شهاب الدين والشهب تسبق

فأرسلت ما يندي علي ويعبق

كتاب كما يتلى الكتاب خلاً له

حديث كما يروى الحديث المصدق

أضاء الفضا في صفح ما قد خططته

كما ضاء في وجه الحقيقة نورق

أعدت إلى الدنيا فتاة وربما

غلاماً كلا الوجهين في الحسن ريق

وآنستني من وحشة فكأنما

مددت على الظل والشمس تحرق

أخذت بأطراف الكمال فحزته

فخط الورى منه الذي تتصدق

جمعت معاني الحسن في طي مهرق

ولم أحتسب أن يجمع الحسن مهرق

وهبنا شدونا كالبلابل أنه

جميع المعاني في مديحك تنطق

ولا فضل لي إلا القصائد إنها

آماؤك يجلوها بياني فتشرق

وماذا عسى نهدي إليك وأننا

جداول في تيار بحرك نغرق

وما زلت تهدي كل حين جواهراً

فتخزن منها ما نشاء وتنفق

أيرى فضلاء العصر دونك قصرت

إلى عفوك الأدنى تحب وتعنق

وجدتك شمس العلم أشرق نورها

فلست أراعي كوكباً يتألق

) ومنها قوله (:

مذ غبت عنا شهاب الدين في أفقٍ

طلعت فيه رفيع القدر والجاه

قد استدارت على أقطاب ألسنة

تبدي عليك الثنا أفلاك أفواه

فأطلعت من مساعيك الحسان لنا

للاهتداء كل نجم زاهرٍ زاه

أنت ابن شمس هدىً عزت نظائره

ما أنت بابن نجيم رب أشباه

ص: 117

فالحمد لله رب العالمين على

ما نلت من حكمة والشكر لله

) ومنها قوله (:

حسن اطراد جياد خيل تخيلي

في غور إطراء عديم تناهي

لأبي الثنا المولى شهاب الدين مح

مود أبي الباقي ابن عبد الله

) وقد خمسها السيد عبد الغفار فقال (:

أتخيل المعنى البديع وأجتلي

ما راق من كلم ومن معنى جلي

فلذاك إذ سبق الوجيه تأملي

) حسن اطراد جياد خيل تخيلي (

) في غور إطراء عديم تناهي (

أبدعت في مدحي وأعلي من مدح

دوني وكنت كالزناد إذا قدح

وأتيت من فكري بهاتيك الملح

) لأبي الثنا المولى شهاب الدين مح (

) مود أبي الباقي ابن عبد الله (

وخمسهما الملا عبد الحميد الأطرقجي الصباغ فقال:

حاولت مدح أبي الثناء فلذلي

بجمال طلعته جميل تغزلي

حتى إذا ما طاب فيه تعللي

) حسن اطراد جياد خيل تخيلي (

) في غور إطراءٍ عديم تناهي (

فإذا الزمان عليك في جلل ألح

يممه ممتدحاً تنل أهنى المنهج

إذ صح بالإجماع ماروت المدح

) لأبي الثنا المولى شهاب الدين مح (

) مود أبي الباقي ابن عبد الله (

ثم قال من عنده وكان قد حضر درسي:

بحر علم من غير جزر

ولكل البحار جزر ومد

عالم للرياضي عين وللتحر

ير زند وللنهاية حد

ومنها قوله:

لا تعجبوا المولى الشهاب أبو الثنا

رتب المعالي كلها إن نالها

هو لفظة من منطق الدنيا بها

تاه الزمان على بنيه فقالها

ومنها قوله:

منك حسام في مضاربه

بذب غلٍ يفوق الدهر بالهمم

تقلدته الليالي وهي مدبرة

كأنه صارم في كف منهزم

ومنها قوله:

يا أيها الحبر الذي

صحف المعالي حبرا

عن طول باع يراعك

الصمصام لما قصرا

سموه أبتر فاختفى

بقرابه وتسترا

وخمس ذلك أيضاً الملا عبد الحميد فقال:

يا فرحتي وتلذذي

ومن المهالك منقذي

يا جلوة الطرف القذي

) يا أيها الحبر الذي (

) صحف المعالي حبرا (

جرعت شانيك الغصص

وحبست خصمك في قفص

يا بحر علم ما نقص

) عن طول باع يراعك الص (

) صمصام لما قصرا (

وشكا الظما وتلهفا

حتى براعم الصفا

بتر الرقاب وأسرفا

) سموه أبتر فاختفى (

) بقرابه وتسترا (

ومنها قوله:

أقلام مولانا الشهاب تراقصت

ببنانه في ساحة الإنشاء

وتلاعبت أفكاره ببنانه

كتلاعب الأفعال بالأسماء

ومنها قوله:

أبي الثنا شعري على

غيرك يا أبا الثنا

ولست أدري أينا

لشجوه أبثنا

ومنها قصيدة مطلعها إلى بيت التخلص:

بالكر والفر هاماة العدات لها

وقع الدخيل على أقدام إقدامي

والعضب في قبضتي يحكيه منصلتاً

ناب تكشر عنه شدق ضرغام

وما ارتجاج قناتي بالسنان سوى

إيماض بارقة من ثغر بسام

أو لمعة من) شهاب الدين (قد لمعت

فأحرقت بشواظ جن أوهامي

وقد كنت نظمت بيتين وأرسلتهما إليه فشطرهما وأرسلهما إلي وذلك قولي وقوله:

قد غدا ملحي أداماً

لمن اغتر بحلمي

فهما صبغ ودهن

لشقٍ يأكل لحمي

وعلى خبزي تمني

وضع سكباجة ذمي

وبها إن غص يهوى

أنه يشرب دمي

ومنها قوله في صدر جواب كتاب أرسلته له:

كتاب مولاي الشهاب الذي

قد حار في تحبيره لي

فاق على الكتب كما فاق من

شيه على الأعلى من الشهب

ما خدمت عيناً فتى قلبه

ما خدمت عيني به قلبي

إلى غير ذلك. مما اغتلته الغوائل مني هنالك. ولله تعالى دره من شعر لا مزية الإيجاز أخطأته. ولا فضيلة الإعجاز تخطئه. تتألف القلوب على درره ائتلافاً. وقصير الآذان له أصدافاً. قد أخذ بحبل الجودة من طرفيه. وجمع رداء الحسن من حاشيتيه.

قوافٍ إذا رواها المشوق

هزت له الغانيات القدودا

كسون عبيداً ثياب العبيد

وأضحى لبيد لديها بليدا

وقد أكثرت بزناد التفكر فيها قدحي. فلم أر مما يقدح فيها سوى أنها في مدحي.

ص: 118

) وكتبت له (في جواب الكتاب الذي حواها. وأصبح من بين الكتب مغناها. ما أظن أنه لم يصل إلى حضرته. ولم يتشرف بنظرته. وهو:

شكراً فكم من فقرةٍ لك كالغنى

وأني الكريم بعيد فقر مدقع

وإذا تفتق نور شعرك ناضراً

فالحسن بين مرصع ومصرع

أرجلت فرسان الكلام ورضت أفر

اس البديع وأنت أمجد مبدع

ونقشت في فص الزمان بدائعاً

تزري بآثار الربيع الممرع

أيها المولى الأكرم. والمولي جلائل النعم. وصل إلي كتابك الذي وصلت جناحه بفنون صلاتك وتفقدك. وضرور برك الوفير وتعهدك. فارتحت لكل ما أوليت. وابتهجت بجميع ما أهديت. وأضفت إحسانك اللاحق. إلى إحسانك السابق. وأياديك الآن. إلى أياديك التي أثقلت بها عاتقي في سالف الزمان. وأنها لأيادٍ وكلت بها ذكري. ووقفت عليها شكري. وتأملت النظم فملكني العجب به. وبهرني التعجب منه. وقد رمت أن أجري. ممتطياً جواد فكري. على العادة في تشبيهه بمستحسن من زهرٍ جني. وحلل وحلي. وشذور الفرائد في نحور الخرائد. ونجوم الجوزاء. في وسط السماء. وحديقة تفتحت أوراق وردها. وغانية توددت أسرار خدرها. والسحر الحلال. والماء الزلال. والشباب الناظر. والنعيم الحاضر. فلم أره لشيء عدلاً. ولم أرض بما أعددته له مثلاً. غير أنك كسوت به عاطلاً. وشهرت به خاملاً. وجعلته أعذب من الرضاب. بما ضمنته وحاشاك من الكذاب. فإني عما قلت بمعزل. وبعيد عنه بألف ألف منزل. بلى جميع ما قلته حقيقة في مثلك. فلا يصدق إلا إذا كنت مرآةً لفضلك. وعلى العلات أسأل الله تعالى أن يزيدك من فضله. ولا يخليك من إحسانه وطوله.

وأرسل لي حبيبي البدر العلوي. الملا حبيب ابن قاسم أغا الكروي. بيتين يمدحنى بهما) وهما قوله (:

إن كان محمود جار الله قد جمعت

له المعاني بتفسير وتبيان

فإن محمودنا الحبر الشهاب له

روح المعاني وكان الفخر الثاني

فلم يتيسر لي الجواب. لما بي من الاكتئاب.) وجاءني (ممن كلامه جلاء همي وغمي. الموصلي العمري محمد أفندي فهمي. ضمن رسالة) ما نصه (: هذا التخميس النفيس. المزري بأجنحة الطواويس. قد سمط به هذه الأبيات الأربع. المنيفة المطلع. اللطيفة المقطع. جناب عندليب روح الأدب المحض. وشحرور روضة الفيض. مولاي العم المحترم. وذلك في غرة هذا الشهر المحرم. فطار صيته بقوادم مبانيه. وخوافي معانيه. بعد أن وكر في أوكار الأفكار. وشاع حسن توشيعه بين شيعة هذه الأقطار. وسجعت بمشجيات أسجاعه بلابل السنة سحرة بابل. وتناحلت به في مجالس العزاء وأندية الرثاء عنادل. وملأت بصفيرها أقفاص المحافل. وهتفت به هتوف الضحى والعشي. بأكناف الطفوف وأطراف الغرى. فأشجى الخافقين ترديدها. واستخف الثقلين تغريدها. وأبكى الفريقين تعديدها. وصدح به كل ببغاء. يوم عاشوراء. في عرصة كربلاء وساحة الزوراء. بمقام لو سمعه ديك الجن لباض. أو وعاه الوطواط لحاض. وهاهو قد حررته. ولحضرتكم عرضته:

هل المحرم فاستهل بعبرة

طرفي على فقدان أشرف عترة

فتنغصت مني لواعج حسرة

) وتنبهت ذات الجناح بسحرة (

) في الواديين فنبهت أشواقي (

وغدت تردد بالغناء على فنن

وأخذت أنشدها رثاء ذوي المحن

فبكت معي فقد الحسين أخي الحسن

) ورقاء قد أخذت فنون الحزن عن (

) يعقوب والألحان عن إسحق (

هي لم تكن ببني النبي مصابة

مثلي لتندب بالطفوف عصابة

إني اتخذت رثا الحسين مثابة

) إني تباريني جوى وصبابة (

) وكآبة وأسىً وفيض مآقي (

وعلى شهيد الطف حشو ضما يرى

كمد أحاط بباطني وبظاهري

لو تدرك الورقاء كنه سرائري

) وأنا الذي أملي الهوى من خاطري (

) وهي التي تملي من الأوراق (

فأعجبني جداً من نثرة فقرتا ديك الجن والوطواط. ولعمري لو رآهما عنترة الفصاحة والبلاغة لعاد كالوطواط.) فكتبت ما نصه (:

ص: 119

مولاي فهمي. خيرت بما حبرت به فهمي. وبالله تعالى عليك يا ابن عمر من أين جئتني بديك الجن حتى التقط فؤادي. وكيف أرسلت لي الوطواط وأنا الشهاب حتى إذا الليل عسعس عشعش في ناظري فمنعني سهادي. فكأن ابن جني يوم ثوى في الموصل خبا لك سره. أو سليمان عندما قضى دعا أن تقلد من بعده أمره. هذا وأما ما حررته من التشطير والتخميس. فهو والمؤمن العائذات الطير مزرٍ بريش الطواويس. وما عندي وحقك عبارة توفي حقه. وهيهات فقد بعدت على هذا الغريب في مثل ذلك الشقه. إلا أن ذلك ليس بالبعيد ولا البديع. من موالي أولئك السادات العظام ذوي القدر الرفيع. وقد عرضته بطوله على حضرة مولاي شيخ الإسلام. ومربي أطفال العلماء بطوله في حجور الأنعام. فارتضاه رضي الله تعالى عنه جداً. وجاوز في رسم المدح والثناء عليه حداً. ولا بدع فهو سلمه السلام عارف. وكل من سواه من أهل العصر من بحر فضائله كارع وغارف. وأرجو أن لا تزالوا متفضلين علي. بإرسال مثل ذلك إلي. إذ أجدني عند تلاوته كأني في دار السلام. وأتخيلني كأني في طاق شيخ الأدب لا زال باقياً بين أولئك السادة الأعلام. نسأل الله تعالى أن يجمعنا بأعيانهم. كما فرق همنا بآثارهم. وأن يجلي أبصارنا بأخيارهم. كما حلى أسماعنا بأخبارهم. أنه سبحانه على ما يشاء قدير. وبإجابة دعاء الداعي جدير. انتهى. وليته لم ينته.

) وكتب لي (بعد أن) كتبت له (ما جارت به على سائر الضياع يد الغفلة. ثالث الرافعي والنواوي. رئيس مدرسي بغداد محمد أفندي الزهاوي. ما نصه:

الشوق أعظم أن يحيط بحده

قلم وأن يطوى عليه كتاب

إلى حضرة الشهاب الثاقب. الساطع نوره في المشارق والمغارب. ذي المقام المحمود. واللواء الذي هو بأيدي الفضائل معقود. علامة علماء الآفاق. ومن وقع على فضله وكماله الاتفاق. النسيب الذي لو انتسب لقيل في نسبه:

نسب كأن عليه من شمس الضحى

نوراً ومن فلق الصباح عموداً

والحسبي الذي لو احتسب لأنشد عند حسبه:

نفس عصام سودت عصاماً

وعلمته الكر والإقداما

معدن الشرف والفتوة. ومصباح مشكاة آل بيت النبوة. مولاي الأفضل الأعلم. السيد السند الأفندي المفخم. لا زال في حضر وفي سفر. ذاك الشهاب يضيء كالقمر.) أما بعد (فقد ورد إلى المخلص الداعي من المقام المحمود ذلك الكتاب. الذي أعجز بفصاحته وبلاغته بلغاء الكتاب. فرد علي بوروده شرخ الشباب. فأخذته لوحشتني خير أنيس. ولوحدتي نعم جليس. وأني وحرمة العلم وذويه. وحق الفضل وبنيه. منذ امتطيتم غارب الغربة. وأورثتم في الفؤاد كربة وأي كربة. وركبتم راحلة الارتحال. قاصدين دار الخلافة العلية التي هي محط رحال الرجال. قد أصبحت لدى دار السلام جحيماً. وقاسيت من ألم الفراق عذاباً أليماً.

يا سادتي كان الفراق مقد

راً فمتى اللقا

ما ذقت طعم العي

ش بعدكم ولا اخترت البقا

يكفيكم أن النعي

م لبعدكم عندي شقا

وكيف أعبر عن حالةٍ ضميرك مني أعرف بها. أسأل الله تعالى شأنه. وعظم سلطانه. أن يطوي بلطفه شقة البعاد والبين. وينشر علينا رحمته ويعيدكم لطرفنا بصفاء الخاطر قرير العين. لنصرف ما نجده من العناء. بمطالعة طلعة الشهاب أبي الثناء والدعاء.

) وكتب لي (بعد أن كتبت له أيضاً. الفاضل الذي لو رأى نثره البديع لازداد على نفسه غيظاً. وهو الذي يجد عنده مرتجى أنواع الفواضل والفضائل كل ما يرتجى. مدرس بروسا) الشيخ طه أفندي بن الشيخ أحمد أفندي (السنندجي.) ما نصه (.

أعذب سلام يهديه عليل غليل الشوق إلى أصفى مناهل الأفضال. وأغرب تحية يتحفها متوطن كور الوجد إلى وارث مدينة العلم والكمال. سلام يرسل إلى البحر الطامي. وتحية ترفع إلى سماء الفضل السامي. شهاب أشرقت بأنواره الأرجاء. وسما سماء المجد فالكواكب الزهر بإضافته إن هي إلا مجرورات الأسماء.

تود الثريا لو تنال نعاله

وأين الثريا من يد المتناول

ص: 120

مولاي الذي يفوق أرج ثناءه على النشر الرندي. مولانا وشيخنا وسيدنا وسندنا حضرة السيد محمود أفندي. لا زالت كواكب سعده مشرقة على الأمصار. وشهب أفضاله محرقة أحشاء الأشرار.) أما بعد (فقد نلت بوصول رقيمتكم غاية الفخر. ووصلت نهاية العز والقدر. حتى باهى يومي على أمس. وسئلت من أين طلعت الشمس. فقلت من مطلع الجود. من سماء سنا أبي الثناء محمود. ثم وأني قصر باعي عن تقبيل تلك الأيادي. ويراعى عن ترقيم التسليم إلى ذلك النادي. فما قصر لساني عن ثنائكم المحمود أداؤه. وجناني عن موجب وفائكم الواجب إيفاؤه. على أن شين إهداء النثر وإن كان في سلك اللآلئ إلى محفلكم المنظوم مما هو غني عن البيان. وعرض النظم لدي مديد فضلكم الطويل العريض وإن كان على وزان عقود الجمان. مما يعده كل كامل عقل من وافر النقصان. فالصواب هو الحصر على ما لا يحصر من الثناء. والاكتفاء بما نرجو قبوله من خير الدعاء. ونحن وفضائلكم الوسيعة. وسماء فواضلكم المنيعة. لا نزال نسأل خالق المكوكب والأطلس. وبارئ الثوابت والجواري الخنس. أن يمن علينا بوشك رجوعكم بعد الإقامة. واستقامتكم في أوج العز والسلامة. وأن لا تزال خالداً خلود الجبال. ومحسوداً لكل قرم من أفاضل الرجال. هذا والوالد يسلم عليكم. والأخوان يتمنيان تقبيل يديكم. والسلام.

) وسألني (بعض فقهاء القسطنطينية. عن عدة مسائل من مذهب ساداتنا الحنفية. فأجبت بما خطر. فسألني لك جواب نصاً من كلامهم فما حضر. وكان مني الجواب. أنه يعييني عندكم وجدان كتاب. فألح في السؤال. زاعماً أنه تطلب النصوص فلم يجدها عدة أحوال. فاستمهلته فأمهل. علماً منه أن لست ممن قال وأهمل) فكتبت (في ذلك لحبيبي فخر الحنفية. السيد محمد أمين أفندي واعظ الحضرة القادرية. فأرسل لي النصوص. مع هذه الفقرات التي تحكي الفصوص. وهي: بعد لثم الداعي. أنامل حضرةٍ دعا يراعها داعي الفضل هلم لي قبل ضياعي. هو أنه صيرني نأي بدرك عني. هلال شك لا يراني من يلتمسني وإن قرب مني. فولطف عباراتك. المومية برضى إشاراتك. أني بعد ذلك الشمر. المزري برنات المثاني ونغامة الوتر. صرت للهم سميراً. وللحزن مولى وعشيراً. تارةً يحتوشني بجيشه. وآونةً يشد علي بقوة سلطانه وبطشه. فهذا دأبه معي. وتلك شنشنة له يعرفها كل المعي. فبينا أنا أعاني منه هذا العنا. وأناجي داعي الفنا. إذ شرفني من لدن المولى كتاب. جمع كتائب فضل أخذت بمحاسن الألباب. فترجل له الرأس والعين. وصافحه القلب لا أصابع الكفين. فكان وأبيك لدي ألذ من رضاب لعساء واصلت بعد قطع. ولم تلق لواشي الهجر) ويا فض فوه (السمع. تذكر فيه ما تذكر. وتأمر الداعي فيه بما تأمر. فسمعاً لك سمعاً. لا كرهاً بل طوعاً.

إن تكن في هواك لم تعتبرني

عبرة للسوي فبالقتل مرني

عمرك الله من وجودي أجرني

) وبما شئت في هواك اختبرني (

) فاختياري ما كان فيه رضاكا (

وقد حررنا من النصوص. ما يدل على جوابكم بالعموم وما يدل بالخصوص. أفإن رأيتم السائل يستضيء بمصباحها. ويفرع هذه الفروع على أصول بدائع إيضاحها. وإلا فذروا عليها من إكسير أنظاركم ذره. وأفرغوها في بودقة التقرير بعد أن تصفوها في كورة الفكرة. فعند ذلك تظهر للعقل بالفعل كالشمس. فيستضيء بها إضاءة الليل إذا عسعس. وتنكشف له انكشاف الصبح إذا تنفس. ولما أني خالٍ من الكتب. اعتماداً على ما حرر وكتب. أخذت ما تيسر. وتركت ما تعسر. هذا ومن أهديت إليهم السلام. محمولاً بأكف الغرام. يهدون لحضرتك وافر الدعاء. مشمولاً بمزيد الثناء. وأسأل الله تعالى مجيب من سأله. ومعطي من رجاه وأمله. أن يمن علينا بلقياك. وأن يكحل أبصارنا بأثمد رؤياك. في أحسن حال. وأرغد عيش وأهنى بال. إنه على ذلك قدير. وبالإجابة جدير. وعليك ورحمة الله السلام. ما هب نسيم الصبا. وابتسم البرق وضحك زهر الربى. وذكرت مجالسنا بمدينة السلام.) ثم كتب في الحاشية (وأهدي مزيد الشوق التام. والثناء المستدام. إلى حضرة الصارم الهندي. ذي العرف الرندي. واسع الرحاب. بهي الألقاب. سعادة إقبال الدولة النواب. جمعنا الله تعالى معه بخير آمين.

) وكتب (ظهر الكتاب بيتين. هما لخد الفصاحة كسالفين. وهما قوله:

تحظى عريضة الثناء والدعا

بلثم أيدٍ نحوها الفضل سعى

ص: 121

مولى الموالي شيخنا الحبر شها

ب الدين محمود الفتي أبو الثنا

) فكتبت له (أمروة المروة. وصفا أهل الصفا والفتوة. الواعظ الذي يصدع بزواجر وعظه. ويقرط الأسماع بجواهر لفظه. اليةً لك برب البيت. المنزه حرم جلاله عن أن يطوف به نقص لعل ولو أن وليت. لقد نثر عني كتائب الترح كتابك. وخطابي إلى معالم الفرح خطابك. وروى ظمآن سري درك. وحلي جيد فكري درك. وأثبت دعاوى بنصوصك. وزينت خواتم عباراتي بفصوصك. بيد أنك حركت أشواقاً سكنتها أيدي التغافل. وسكنت أذواقاً حركتها محاريث التجاهل. فآهاً ثم آهاً على ربع أربع بأزهار الأدب. وأعرب عن محاسن عرب أشعار العرب. وتفجر بأنواع العلوم. وافتخر بمن حل فيه على أبراج النجوم. ولولا أن من الله تعالى علي بأصحاب سمرهم مما يضرب إليه آباط الإبل كل داوية. وسميرهم لا يزال واضعاً يديه على أذنيه خوفاً على ما شنف من دررهم المزرية بقرطي مارية. لشق دمعي ريقه إلى الأذيال. وللطم قلبي على وجهه بكفي الرية والطحال. والحمد لله تعالى أن قوى قواي على تحمل الفراق. ومن على لديغ ثعبان الغربة بأحباب يغني درياق غرائبهم عن ألف راق. وأرجوك أن تتحفني مع كل بريد بكتاب. وأن تبلغ سلامي إلى جميع الأحباب. وإن قبلت يافوخ الرحبى. تكن قد مننت على شيبي. أو شفتي عبد الغفار. تكن قد شفيت العبد على بعد الدار. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

) وسألني (حضرة شيخ الإسلام. وكعبة الأنام. عن مسألة غريبة نظماً. يقوم لنا مقام الزلال إذا نظما. فأجبت عما سأل. سالكاً سبيل النظم كما فعل. وسترى ذلك الجواب. إن شاء الله تعالى آخر الكتاب. وأرسلت ذلك إلى الواعظ ذي القريحة الصافية. فأرسل لي هذه الأبيات على الوزن والقافية:

أجدت شهاب الدين كل إجادة

بثاقب فكر سلب سيب المجرة

أروح معان جسمت ما أبنته

بلفظ نظيم أم دراري سحيرة

وهل مشكلات سلمت لك مقوداً

وآتتك ما تبغيه كل عويصة

لعمرك قد أوتيت سؤلك بعدما

أجبت شؤالاً عن معان أبية

أتاك شفاهاً من لدن كعبة سعى

لنحو صفاها الفضل من كل وجهة

وطاف بها جذلان من بعدما رأى

حوادث دهر آذنته بضيعة

وقام مقاماً من على رتاجها

فكم نال وبلا من شآبيب رحمة

بفضل وأفضال وعلم عنت له

وجوه بها عين المعارف قرت

من القرم بحر العلم من كل عارف

يؤم حماه عاد عارف حكمة

فلله ما أبدى بديع نظامه

وما أظهرته فكرة أي فكرة

فأعجزت إذا وجزت كل عرمرم

عليه دلاص من فضائل جمة

بما شئت شيخ المسلمين تحد من

تشاء فقد أوتيتها بالعصوبة

ألست الذي ضمت علاك عباءة

مصاقع فرسان البلاغة أعيت

سفينة نوح أنتم من نجا نحا

إليها ومن عنها تخلف يكبت

وما نقموا منا سوى أن مدحنا

على الدوام يتلي سورة بعد سورة

ويا ما أحيلي ما أجبت أبا الثنا

بصورة نظم لاح في حسن صورة

فكان على صادي فؤادي وروده

كما كاعب دارت على حين غفلة

تهادى بليلٍ من معاجر فاحمٍ

تهادى بدرٍ في غشاء دجنا

فوسدتها جيدي فأبدى وشاحها

لرقة خصر شكية بعد شكية

ويلثم مني كل جزء لثامها

بكل فم من لثمة كل قبلة

وعندي مقال في نظامك فاستمع

فعنك أخذنا القول في كل شذرة

فلو لم تكن في نظامك فاستمع

فعنك أخذنا القول في كل شرة

فلو لم تكن مازجت ما قد أجبته

بصرف سلاف كللت بأشعة

لما ضاء للمستقبلين لركنه ال

عراقي ما يهديهم نحو قبلة

ولاحتاج كل للتحري كمن غدا

يروم صلوة في دياجر ظلمة

ولكنه مذ قام وألحظ ناهض

بجوهر فرد فضله جمع كثرة

أضاء على أرجائه من خلال

سناء يراه من بطحاء مكة

فدم مستضيئاً من أشعة نوره

ببدر منير ليله مثل ضحوة

ص: 122

انتهى ثم الظاهر أن مراد الناظم. عليه رحمة غفار الجرائم. بقوله وعندي مقال في نظامك المدح. لا الاعتراض والقدح. وحينئذٍ فيكون المقال. هو قوله فلو لم تكن مازجت ما قد أجبته إلى آخر ما قال. فإنه يلبي بالمدح لمولاه بكل لسان. ويرمي بجمار الشنار شيطان القدح بالجوارح والجنان. وقد أجاد فيه غير أنه أمرني آخراً بالاستماع حيث قال وعندي مقال في نظامك فاستمع. فأصخت فلم أسمع ما أفهم. ولست أعلم ما أراد والله أعلم.

) وكتب لي (مسكن احتراقي. حضرة الأفندي عبد الباقي. كأنه يعرض علي الحال. ولله تعالى دره فيما قال) ونصه (: استوهب الله عقلاً يعقل عن تكلف ما لا أعلمه. وعن تسور ما لا أحسنه ولا أفهمه. وأستعينه على عمل يرضيه مني. وقول يرضي به عني. وأدينه بقولي:

على عرشي الرحمن سبحانه استوى

كما أخبر القرآن والمصطفى روى

وذاك استواء لائق بجنابه

وأبرأ من قولي له العرش قد حوى

فمن قال مثل ذلك كان استواؤه

على الجبل الجودي من شاهق هوى

ومن يتبع ما قد تشابه ينبغي

به فتنة أو يبغي تأويله غوى

فلم أقل استولى ولست مكلفاً

بتأويله كلا ولم أقل احتوى

ومن قال لي كيف استوى لا أجيبه

بشيء سوى أني أقول له استوى

وما نظمت أبكار هذه الفرائد بهذا السلك. إلا وأنا بموافقة أول ثاقب لها لا أشك. إذ لست وأيم الله ممن يبرم له خيطاً. أو ينظم من ثناء درره سمطاً. وبعد تعليق ما نظمته في هذه السطور. على لبة الطروس والصدور. أحدقت به أحداق أولي البصائر. وأقررت بأنه عديم الأشباه والنظائر. فأحببت مراجعة روح المعاني. ليظهر حقي باتحادها مع روح بياني. ليقال كما قيل:

روحه روحي وروحي روحه

من رأى روحين حلا في بدن

فلما ظهر الميل عما عليه السلف من عدم التأويل. والجنوح إلى ما عليه الخلف من اختلاف الأقاويل. قلنا ذلك العلامة بما أراده سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون منا أعلم. وذلك الفهامة من كل ذي فهم بمقاصده تعالى أفهم. وقد تجاسرنا على تحشية هذه المنسوخة وتطريز طرازها. بما قاله حضرة المولى في روح معانيه التي أقعدت الصدور على إعجازها. فالمرجو بعد إمعان النظر العالي. بما عرضته لعمان إمعانكم من اللآلئ. إسبال ذيل العفو والصفح. لا زال مستولياً من العراق ومستوياً على الملك والصرح انتهى.) وحرر (للواعظ في ذيله وكتب. ما أسبلت عليه ذيل الستر إذ لاح من لسان قلمه نوع ما من سوء الأدب) ما نصه (:) والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى (وما قلت ما قلت إلا توسطاً في المسألة. متخيراً للحق جهدي في هذه المعضلة. ومقلني الله تعالى في بحار التلف. إن دنته عز وجل يوماً بغير مذهب السلف. والتأويل عندي في الصفات قول على الله تعالى بالظن. ومن يرضى أن يقول عليه سبحانه ما لم يقل به ومن. ويرشدك إلى ذلك ذكر المؤل عدة احتمالات. وليس ذاك من باب اختلاف العبارات. وما ملت إليه قد مال إليه غير واحد من السلف. ومن تتبع كتب القوم في ذلك عرف. وعهدي بك يا واعظ وأنت واعي. فما الذي عراك حتى عدت غير مراعي. وبلغ سلامي وقيت من موجبات الأسف. على جماعتك المحبين السلف والخلف.

) وكتب لي ولدي (مدرس القادرية عبد السلام أفندي شواف زاده. أكرمه الله تعالى بالعلم والسعادة.) ما نصه (:

ص: 123

بسم الله الرحمن الرحيم أحمد مولاي المحمود بكل فعاله. وأشكره على مزيد أفضاله. وأهدي الصلاة والسلام إلى من ترقى في السفر إلى أعلى مقام. حتى جاوز الأين. وشاهد العين بالعين. وعلى آله وصحبه. ومن حظي بقربه وبحبه.) أما بعد (فمعروض العبد. الداعي في القرب والبعد. لحضرة سيده وسعد الزمان. وقطب السادة وفخر الموالي وعضد الأعيان. معرضاً عن تعاطي المدح وذكر الألقاب. مشتغلاً بالشكر والدعاء لذلك الجناب. لما رأيت أني إذا تعاطيت ذلك. أكون كالمخبر عن ضوء النهار الباهر. وأني حيث انتهيت من القول فيما هنالك. أنسب إلي العجز والتقصير الظاهر. لا بل فارس مضمار البلاغة إذا أطلق عنان قلمه في ذلك الميدان. فأتى بما لم يبلغ بليغ بلاغة وأنسى محامد عبد الحميد ومحاسن حسان. لم يصل هناك إلى غاية. بل لم يأت في ذلك المقام بآية. وكيف وأني بإحصاء الثناء. على مولى هو أخو المجد وأبو الثناء. المحيي لما عم مما لا يدركه الخال ولا يضبطه الحد. من دائر مآثر الأب والجد.) لكني أقول (هو أول ثاني ركبتيه في معالم هذا العصر لكشف أسرار التأويل. وآخر كشاف بإيقانه عن روح المعاني المحتجبة بأنوار التنزيل. بحر العلم المحيط بكنز الدقائق. ورموز الحقائق. ولكن ليس له ساحل. وطود الفضل العظيم الذي يهتدي به كل فاضل. كريم في طرق الفضائل والفواضل. بدر هالة الكمال المضيء بأنواره المستفادة من نور شمس النبوة المشرقة من مطالع بروج الفتوة جميع الآفاق. وقطب تداوير أفلاك الجلال المثمن بحاوي تحريراته ومحوي جاراته السبع الطباق.) وخلاصة القول فيه (لمن أراد كشف القناع. أنه لو صور نفسه الكريمة لم يزدها على ما فيه من كرم الطباع. فلهذا غدا بحر كمال لا عيب فيه سوى أن عباب علومه قد عذب وصفا.

لا يدرك الواصف المطري خصائصه

وإن يك سابقاً في كل ما وصفا

أعني بذلك حضرة سيد وأستاذي. ومن هو بعد إلهي سبحانه سندي وملاذي. من اسمه وفعله ومقامه محمود. وعلمه وفضله وكماله غير محدود. وأسأل الملك العزيز السلطان. أن يحفظه من شر الشيطان. ومن كيد إخوانه أبناء الزمان. وأن يمنحه من كل ما يريد الأولى والأخرى. حتى يحوز خيري الأولى والأخرى. إن الحقير وأياديكم. التي أقرت بها أعاديكم. منذ حسدنا الدهر على التشرف برؤيا محياكم. وأستكثر علينا التعطر باستنشاق طيب رياكم. فأخذ بزمام عزمكم للتوجه نحو ديار الروم. وأقعدنا على العجز عن الوصول إلى ما نروم. تراكمت علينا غيوم الغموم. وتكاثرت أمطار الهموم. وتناوبت النوائب وأصابت منا المحز المصائب. وغزتنا جيوش الأشجان. وأحاطت بنا كتائب الأحزان. ولم نزل بعد بعدكم على هذه الحال. إلى أن نزل بنا ما نزل ومحا من وجه الأرض الخال. فضاق علينا إذ ذاك القفص. واتسعت دائرة الغصص. وصرنا في ظلمات الأكدار. لا نعرف الليل من النهار. وكيف حال من فارق قريبه الذي والاه. فأيس من إيابه. ونأى عنه ملاذه ومولاه. فرجا أن يراه ليزول ما به. ولا زلنا في هذا الزمان اللئيم. نذوق من العذاب الأليم. لا سيما في هذه الأيام. فقد فقد العبد من مولاه الميل التام. عبد السلام له كافي. وإن كان لا يحصل به تلافي. وأني بوجودكم لأجول في بغداد نظراً وفكراً. فلا أرى فيها من يكون كما كنتم لباز هواي أو أكون كغراب التفاته وكراً. فلذا تركنا الدار لأهله والدرس. وطوينا العرس على الفر والفرس. وأعرضنا عن الأسفار. ماثلين إلى الأسفار. ومشتغلين في الأسفار. عن خفيات الإظهار. وأني في بغداد وإن لم أقل كأنني مصحف في بيت زنديق. لكنني كالغريب ليس لي فيها قريب ولا صديق. لما أن بغداد. وأنت الخبير بها لا تقاس بالبلاد. فإنها وإن كان في أهلها فضل كمال. ليس فيما بينهم فضل كمال. فالسؤال من حضرة الشيخ الكاشف برأيه عويصات الزمن. بطريق الاستشارة والمستشار كما قال مشير دولتي النبوة والرسالة مؤتمن. إن السفر لمثل الحقير إلى دار الخلافة استنبول. هل فيه فائدة بوجهٍ ما وهل يحصل فيه مأمول. ولو مع طول المدة وقطع النظر عن الرجوع إلى الأوطان. والقطون مع من قطن في تلك البلاد من الأخوان.

فيم الإقامة في الزوراء لا سكني

فيها ولا ناقتي فيها ولا جملي

ص: 124

وكما عدمت فيها مسكني. عدمت صديقاً إليه مشتكى حزني. ومن المأمول زيادة وظيفتي المقابلة للتدريس في الأستانة الكيلانية. وذاك شيء ليس بخارج من كيس صدقات الدولة العثمانية. وإني سيدي وإن كنت لكم من أحقر الخدم. أظنني وليس من البعض عندكم من أهل البيت والحرم. وقد خلفتموني لدهرٍ شديد. وعيشٍ غير سديد. فها أنا أطلب الفرار. ولا أجد القرار. فتعطفوا بجوابي. لتزيلوا ما اختص من الجوى بي. ومع منعكم من استسحاب الحقير. في هذا السفر الخطير. أنتم منه في هذه المرة سالمون. وللدعاء منا والتفضل علينا غانمون. وما أردت فيما مضى تكليفكم بشيء لا يوافق طبعكم السليم. لا ومن) لا يكلف نفساً إلا وسعها (وهو سبحانه بذاك عليم. والآن إذا سافرت فبلغت المنى برؤيتكم. لي في شيء من الأشياء الكلية والجزئية. بل لو أردتم عدم الانتساب إلى حضرتكم أنتسب إلى المشايخ القادرية. هذا وأني لا أعتقد بل أعلم أن تحويل الأحوال. وتصريف الأفعال بيد الملك المتعال. وهذا كما هو ظاهر لديكم وعلمكم به اشتمل منا وأكمل. كالتوكل لا ينافي تعاطي الأسباب وإن كان الترك أعلى وأفضل وأحلى وأسلم. على من به كتاب الرسالة قد ختم. ثم كتب في الحاشية.

وأهدي التحيات الوافيات لنجلكم

مدى الدهر في الأنعام لا زال باقيا

ثنائي له أبدية في كل محفل

وأدعو له يرقى العلوم مراقيا

ومن بعد للأحباب أهدي تحية

كذا العبد والخدام نلت الأمانيا

) وهذا ما كتبته (في جوابه. ولا أظنه يطفئ مزيد جوىً به: ما كنت أظن أن من الكلام ما يبري الكرم. ومن السلام ما يباري نسمات الأسحار في مدينة السلام. حتى ورد علي كتاب الإعجاز أول صفاته. والمجاز إلى معالم الحقيقة أحد طرقاته. فهو ولا أطيل آية الله الكبرى الدالة على شرف الإنسان. وأنه المشار إليه بالبنان من بين من أوتي البيان. أتحفني ولدي القلبي. وحبي المقصور لسلامة خيمه في خيمة حبي. الأجل الأشيم.) عبد السلام أفندي (الأفخم. ملأ الله تعالى بالسلامة أهابه. ولا زال السرور يملي علي حسب أملي كتابه. فيا لله تعالى دره من ولد. قد بربي وربي عندما كاد يذهب بكبدي الكبد. إلا أني شكوت من شكواه. نحو ما كنت أشكوه إذ كنت ثاوياً مثواه. مع أمور أدرجها في كتابه. واتخذها درجاً إلى شرح ما به. فمذ وكر على ذهني عقاب ملخصها. طارت قطاة قلبي عوفيت من مفحصها. وصرت كلما طالعت من طلائع أحواله جملة. حملت على جيوش الهم حملة أي حمله. إذ أنت يا ولدي. بمنزلة عبد الله عندي. يؤذيني كثيراً أقل ما يؤذيك. ويورثني هماً عظيماً أحقر ما يؤثر فيك. إلا أنك على ما يشعر به كتابك لا شعور لك بذلك. ولذا ظننت أني ضننت عليك بما ينفعك في صحبتي فيما سلكت من المسالك. لا والله ما كان آبائي عن صحبتك بخلاً. ولا مر ببالي أن لست يا حلو الشمائل لصحابتي أهلاً. لكني كنت أعرف أن المسلك وعر. وهو ثلج الله صدرك وغر. وأنا حديث سفر. وغر نفع وضر. وجاهل بما ينال العالم. فيما أردت التوجه إليه من المعالم. فخشيت أن يلم بك ما ألام به. ولا ينالك من ركوب مطايا السفر غير كربه. على أني لما ألقيت عصا التسيار. وألفيت الرحلة بأسفار نهار الاستقرار. فتحت غيني على جنة جميلة الذكر. لكن قطوفها اليوم نائية. وحوراء دقيقة الخصر. إلا أنها لعطف عطفها في كل ساعاتها ثانية. قوس أنعام. بيد أنه لا تحوم صوب الغرض منها السهام. وإذا حققت حالي. تحققت صدق مقالي. ولولا أن القلم لو شرحت يغص بريقه. والقرطاس لو فصلت يفزع لشق زيقه. لأسمعتك ما يصم سمعك. ويصم كل ربع خلا ربعك. فالآن إن كنت مصراً على فراق مصرك. وجازعاً من تجرع حنظل سوء المعاملة من أبناء عصرك. فاستعر لك طبعاً أو اشتره بالثمن. ولكن لا أقدر أن أجيبك إن قلت مثل من. وبعد ذلك الصبر سنين. ونصب فخ للدنيا حبه ما عندك من الدين. ومع هذا لا أجزم بحصول مرادك. وظفرك بما لم تظفر به في بلادك. إذ من رأيناهم من الوافدين أشبه الناس بغواص البحر. تارة يظفر وأخرى ينال ما يناله من الشر. وأقول لك بعد كل حساب. سلك الله تعالى بك وإيانا مسلك الصواب.

لا تيأسن من العوا

قب فالأمور لها انفراج

بينا شجاك رتاجها

إذ قيل قد فتح الرتاج

إن الليالي شربها

فيه العذوبة والأجاج

ص: 125

لم يشف من أوصابها

كالصبر والتقوى علاج

واعلم يا ولدي. أن أعظم سهم أصبت به كبدي. حديث حادثة وفاة الخال. التي تندك من سماعها شوامخ الجبال.

فما كان قيس هلكه هلك واحد

ولكنه بنيان قوم تهدما

ومنذ تجرع مرارة ذلك الخبر المسمع. نزل بي ما نزل فعدت لا أحط ولا أرفع.

نعم كبدي لا وجنتي قد لطمتها

عليه وعيني لا ثيابي شققتها

ثم نظرت فهون علي ذلك الأمر الأمر. والضرر الأضر. والشر الأشر. إن حكم المنية في البرية جار. وإن هذه الدنيا الدنية ليست بدار قرار. وإن تلك الطامة. إحدى الثمانية العامة.

ثمانية عمت بأسبابها الورى

فكل امرئ لا بد يلقى الثمانية

سرور وحزن واجتماع وفرقة

وعسر ويسر ثم سقم وعافية

فيا ولدي عليك بالصبر. وإن عظم الأمر.

إذا حل بك الخطب

فكن بالصبر لو إذا

وإلا فاتك الأجر

فلا هذا ولا هذا

وبلغ لي السلام. يا عبد السلام. جميع من تعرفه حتى أحجار مدينة السلام. وخص لي حضرة النقيب. بإبلاغ الشوق العجيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته) وكتبت (إلى المشد النقشبندي. ملاذ الفقراء الشيخ أبي بكر أفندي. وهو ممن فاق بمكارم الأخرق. جميع من أعرف اليوم من مشايخ العراق. أزيه في ولديه. وأذكره بما هو معلوم لدى العارفين ولديه. وهو هذا: لا كدر الله تعالى ولا أحزن. ولا أصاب بشيء من سهام الحوادث والمحن. حضرة من صبر على جهاد النفس. حتى ظفر بعينه في خامس الحضرات الخمس. الساحب رداء الولاية الكبرى في مقام البقاء بعد الفناء. والراكب ذروة سنام المهمة العلياء. في إرشاد السالكين والناسكين إلى الطريقة السوية والشريعة الغراء. شيخي وسيدي.) الشيخ الحاج أبو بكر أفندي (. لا زالت فيوضاته وابل القلوب. وتوجهاته كاشفة غمائم الغموم والكروب.) وبعد (فقد المنى إذا ألم بي فقد شبلك. وغروب نجم سماء أولادك وأهلك. وهم بإتلافي الهم. وغم على القمر ليلة البدر لفرط الغم. وماذا أقول لدنيا طبعت على الخطوب. وجبلت لا در درها على العيوب. ولعل هذا آخر سهم في كنانتها. وأنكى ما في خزانتها. فأعظم الله تعالى لكم الأجر. ووقاكم كل سوء وشر. ثم أني قد أخبرت بعلي همتكم المتضوعة تضوع المسك الأذفر. والمشرقة إشراق الفجر الأنور. فشكرت مولى ثابتاً ركن إخائه. صافياً شرب وفائه. لم يزل فضله عدة لإخوانه. ينصرهم ويقويهم. ونور يسعى بين أيديهم. لا زلت قلب الطريقة ولسان الشريعة وحصن الأمة وقرة الزمان وجمال الأيام. فلقد تفضلت علي بما لا أنساه. ولا يبلغ لساني من الشكر مداه. فإني للسان القلم يستطيع ذلك وهو أقصر من أنمله. واستمداده من دودة حبر هي أضعف من نملة. بيد أني أرجو من الله تعالى التوفيق. لأداء ما يليق والسلام دثاركم ورداؤكم.

) وكتب (لي في الجواب ما يرحب. صدور الأحباب وهو هذا: بسم الله الرحمن الرحيم أسنى محمود دعوات زاكيات طاهرات. وأكمل ممدوح تحيات ناميات متواترات. صادرة عن لسان معبر عن إخلاص قديم. وود مقيم وثناء عميم. يحملها نسيم لطائف اثني عشرية. ويعطرها أنفاس تجليات حقائق سبعية. تحف بها روحانيات الرضوان. وتزفها روح المعاني إلى حظائر الإحسان. يهدي ذلك إلى نادي من أشرقت محافل السادات العظام بوميض بيانه. وزينت مجالس العلماء الأعلام بدراري تبيانه. وانجلت وتجلت غياهب مجهولات المسائل بأنوار عرفانه. وانحلت وتحلت عقد مشكلات الأوائل ببنان بيانه. منبع الفواضل. ومجمع الفضائل. العارف بحقائق الفنون القلبية. والكاشف للقناع عن وجوه أبكار دقائق العلوم العقلية. المشيد بالأدلة الخمس قواعد الشرع المتين. والمؤيد بأفكاره الحمس أحكام الدين المبين. الحبر الفريد. والبحر المديد. المستغني بشموس أوصافه عن الإطناب في الألقاب. المستحق لأن ينشد فيه:

تجاوز قدر المدح حتى كأنه

بأحسن ما يثنى عليه يعاب

ص: 126

العالم الكامل. والفاضل الفاصل بين الحق والباطل. ملاذ الفقراء والمساكين. الواصل إلى الحضرة القدسية بمعارج اليقين. نعني به محمود الطائفتين. ومفتي الفرقتين. أعلى الله تعالى سرادقات الأدب بعلو قدرك. وجعل أهلة المتسللين من كل حدب تحت ألوية نهيك وأمرك. وأينع أزهار الحقائق في حدائق بيانك. وحلى أبراد الدقائق بطراز رقوم بنانك. ولا زال أهل الدوائر تتطفل على موائدك. وتستخرج فرائد المعاني من بحار فوائدك. ولا برح لسان المجد ينطق ببراعتك. وكرة الفضل تدور إلى محور عبارتك. ولا فتئت أشجار عدوك وآصالك وإرقة الأفنان. مثمرة كما تهوي ثمار اللطف والإحسان. آمين يا رب العالمين.) وبعد (فقد وصلت رسالتكم الكريمة. التي هي عن كل عيب سليمة. فجنيت بأنامل الفكر ثمراتها. واجتليب بإنسان العين مخدراتها. فإذا هي روضة غدقة. وريحانة غبقة. ويتيمة عقد. وتميمة مجد. ومطالع بدور كمال. ومشارق شموس إقبال. ذات نثر متفق الفقر. لم أدر أقطع جمان أم وشي حبر. أم قلائد غوان أم حدائق زهر. كلا بل هو سحر يؤثر. ثم تأملت ما اشتمل عليه من جنات ألفاظ زخرفت. وبروق معان تألقت. وسحائب سطور تألفت فحنوت على فرائد جواهرها لكونها يتامى. وترشفت من كؤوس حروفها مداماً يظنه الناس كلاماً. وخلب لبي سحرها الحلال وكنت أظن السحر حراماً. ومذ ملأت حقاق مسامعي دراً. قلت سبحان الله إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحراً. وقد تضمنت التعزية بأفول شمس فلك العرفان واليقين. على القدر ولدي علاء الدولة والدين. وبغروب قمر سماء قلبي أخيه الأصغر. محمد أسعد المشرق إشراق الفجر الأنور. ولعمري لقد كانا يروي ثغرهما عن الضحاك مع أنهما ابنا جلا. وريقهما عن المبرد مع أنهما طلا. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وهذا ما ينبغي أن يقوله عند المصائب المؤمنون. والصبر عند الصدمة الأولى. هو الأحرى بالمؤمن والأولى. نعم العدل وحبذا العلاوة. ولمر القضاء عند أهل الفناء حلاوة.

أيا شمساً لها سرى سماء

بحقك لا تغيبي عن سمائي

ويا نوراً ويا بدراً تجلى

لقلبي بالغداة وبالمساء

رويدك لا تغب عني فإني

إذا ما غبت أهلك في بلائي

وحب صادق في جمع جمع

وموت النفس في بحر الفناء

وتلوين وتمكين وسكر

بخمر راق في كأس الصفاء

فهذا في الحقيقة سر كنزي

وهذا نور معنى في البقاء

وهذا جوهر من بحر فكري

وكل الدر يوجد في خبائي

وكل لمحة من كل معنى

أراها قد تجلت في قبائي

فخذ مني مليحات المعاني

تجد كل العرائس في فنائي

وتأتي لي شموس في المعالي

وأولاد الحقيقة في صفائي

ومن قد حل في أوج التجلي

فكيف يطوف في حجب العماء

أنا المتجلي والتحقيق شغلي

ووجد الحق قصدي وابتغائي

وأرجو من ألطاف المولى العميمة. وأوصافه الكريمة. أن يغض عن شرب سبيكة هذا الجواب طرف الانتقاد. وأن يلمحه بمقلة المحبة والوداد. فإنا أجبنا لكن بالذر عن الدر. وبالصفر عن التبر. وبالذبالة عن السراج الوهاج. وبالوشل عن البحر العجاج. لكن المودات. تجعل السيئات حسنات.

وعين الرضى عن كل عيب كليلة

كما أن عين السخط تبدي المساويا

) وقلت شعراً (:

دع الأنوار فهي حجاب عين

ورأس مقام عباد الخيال

ولكن الذي يفني ويبقى

ينال خصوص أحوال الرجال

العلم علمان علم الروبية. وعلم العبودية. وقد ذكرنا ما ذكرنا ليعلم ذوق الذائقين. وعشق العاشقين. ونار العارفين. ونور المحبين. وأنس المشتاقين. ووجد الواجدين. وثمرة المكاشفين. وكشف المجاهدين. وأسرار المتناهين.

لقد طفت في تلك المعاهد كلها

وسيرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعاً كف حائر

على ذقن أو قارعاً سن نادم

ص: 127

حقيقة العرفان ذاك. فخذ فقد قلنا لك هاك. وكتب في إمضائه أفقر الورى. أبو بكر النقشبندي المتجلي المجددي. انتهى بتغيير تيسير. ارتكبه القلم إذ رأى أن فهم الأصل عسير. وقد بقي لك ما تجيل فيه قداح فكرك. وتقدح منه ما توقد به ذبالة مصباح مشكوة سرك. وإذا لم تفهم مثلي منه شيئاً فاتهم نفسك. وعب حسك وحدسك. فكلام العارفين خالٍ عن العيب. وماذا يقال في كلا. من لا يرضى إلا الحديث عن غيب الغيب. فاعلم ذاك والله تعالى يتولى هداك.) وكتبت (في الجواب. عن ذلك الكتاب ما نصه: حضرة دليل السالكين في الحضرات الخمس. ومبري عليل الناسكين. بإذن الله تعالى من أمراض النفس. واحد عصره في مصره. والثاني ركبة الإرشاد على سجادة ذكره وذكره. سيدي وسندي. الحاج الشيخ أبو بكر أفندي. لا زلت كارعاً من زلال توجهاته. رابطاً قلبي برابطة الإخلاص في موالاته) وبعد (فقد شرفني كتابك. وسما بي إلى أسمى شرافات الفخر خطابك. فأردت أن أجاري ما حررت. فرجفت فرائص قلمي فما قدرت على أداء ما قدرت. خشية من قوم استغنوا بوشل الظاهر عن مثعنجر الباطل. وتعوضوا ويا حسرتا عليهم عن العذب الزلال بالإجماع الآجن. واحولت أعينهم فحسبوا الواحد اثنين. وحجبهم تراكم الغين عن مشاهدة العين. ومرت أفواههم من مرة محبة البيضاء والصفراء. فظنوا الحلو مراً. وانتكست عقولهم من عواصف الشهوات والأهواء. فأدركوا الخير المحض شراً. وصمت أسماعهم بأنامل الحسيات. فأنى يسمعون رنات رباب التجليات وهيهات هيهات. على أني وإن لم أكن والحمد لله تعالى من أولئك. لكني لم أسلك فيما سلكت من قويمات المسالك. فأنت اليوم. من أكابر القوم. قد عرفت الحقيقة. وغرفت من بحار الشريعة والطريقة. فكيف يصل إلى حقيقة ما وطنت به عقلي. وهو مما لا يكاد يفهمه سقيم الحواس مثلي. ومع هذا كله قد كدر قليب قلبي دلاء كرب الغربة. وشغل ذهني بلاء ما عزمت عليه بتوفيق الله تعالى من الأوبة. فأمدني) أمد الله تعالى عمرك (بهمة قلبية. وروحني بأنفاس زكية من نفس قدسية. وأشكر نيابة عن داعيك. والفاني حباً فيك. حضرة نامق باشا الوالي المشير. كان الله تعالى له في الإقامة والمسير. فقد نلت ببركة جدي حبيب الله تعالى الأعظم. صلى الله تعالى عليه وسلم. ثم بمدخليةٍ ما من المشير المشار إليه. أكمل الله تعالى نعمته عليه. بعضاً مما خدت إليه بعملات آمالي. من حصول ما أتعيش به مع أدام القناعة أنا وعيالي. وأنا داع له في فروق كما كنت داعياً في العراق. وإن كان قد داف لي شهدة هاتيك المدخلية بالمر الذعاق. وهو أعرف بما كان منه عفا الله عز وجل عنه. وأرجوك ألا تشير له بشيء مما أشرت به لك. أدام الله تعالى على مخلصك فضلك. هذا وجميع تلامذتك يقبلون قدميك. وسلام الله تعالى ورحمته وبركاته عليك.

) وجاءني (من نخبة علماء الزمان. ومن خلقه ألذ من الماء البارد على قلب الظمآن. صاحب الرسوخ والتمكين. علم الهدى الشيخ عصام الدين. كتاب أرسله إلي من صاوغ بلاغ وأبلغني فيه مرامه أي إبلاغ. وقد عرضته على رجال ذلك المغني. فضاع وما ضاع حساً ومعنى. فكتبت له: بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 128

من العبد الفقير إلى اللطف القدوسي. أبي الثناء شهاب الدين محمود الشهير بابن الآلوسي. أخذ الله تعالى بيده وجعل سبحانه يومه حاسداً لغده. إلى حضرة واحد عصره. وثاني وسادة الإفادة في مصره. ذي النفس العصامية. والغيرة الفاروقية. رحلة المستفيدين. علم الهدى الشيخ عصام الدين. نفس الله تعالى كربته وطهر من رجس الرفض بلدته. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.) وبعد (فإني أحمد المولى. جميل ما أولى. وأشكره عز وجل على أن وصل إلي كتابك. فحصل لي به من السرور ما حصل. بيد أنه أفادني مزيد اكتئابك. وضيق صدرك مما حل في هذا الزمن في فسيح رحابك. وطلبك الهجرة. لعلك تحظى بما يكون لعينيك قرة. وقد كتبت تستشير في ذاك. تستعين على ما فيه دفع إذ ذاك. فيا مولاي لا يخفاك أن الدنيا قد هيأت رحال مطايا الارتحال لتذهب. بل قد وضعت إحدى رجليها في الركاب ورفعت الأخرى لتركب. وقد غصت الأرض بالمظالم. وعضت الحوادث كل من في هذا العالم من عالم. فلا تكاد ترى عالماً سلمت له ديانته سالماً منها. ولا أرضاً وحق من دحاها خالية عنها. وإلى الله تعالى المشتكى. وهو حسب من توكل عليه وكفى. وقد عرضت كتابك على جملة من رجال الدولة. فلم أجد فيهم من له في قضاء مصلحتك صوله. حيث أنهم يدعون أن الروابط بين الدول اليوم تأبى مرامكم. وتحظر أن تتركوا ولو بلغ السيل الزبى مرامكم. فلست أرى لك يا سيدي سوى الصبر. والتضرع إلى الله تعالى أن يمن على أهل السنة بالتأييد والنصر. وأن أبيت إلا الهجرة. فلتكن إلى ما قرب إليكم من البلاد الإسلامية. ومتى حللتم فيها فتوسطوا بواليها في العرض لكم إلى الدولة العلية. وأما الهجرة إلى داء السلطنة إسلامبول. فأراه شاقاً عليكم ومع شق الأنفس قد لا يبلغ المأمول. والأمر إليكم. وسلام الله تعالى عليكم ومع شق الأنفس قد لا يبلغ المأمول. والأمر إليكم. وسلام الله تعالى ورحمته وبركاته عليكم. هذا والتفصيل طويل. وحسبنا الله ونعم الوكيل. انتهى.

وكتب لي سنان الشريعة وسيف الدين. القاضي الخربوتي قاضي بغداد سنة ألف ومائتين وثمان وستين.) غب التفحص (عن تلك الذات. التي هي منبع الفضل ومظهر الكمالات. هو أن الداعي منذ عزم على التوجه إلى بغداد. لم يزل منشرح الخاطر مسرور الفؤاد. طمعاً بمسامرة ذلك العلم المفرد. والمولى الذي على فضله كل الخناصر تعقد. فلما تعذر حسب الإرادة تلاقينا. عند قرب تدانينا. واعترض عائق الزمان دون ذلك الأمل وقد عارضنا من أمم. وصار أدنى من يد لفم. دامت نفوسنا بحمد الله تعالى في المقاصد والأغراض. متلاقية على موارد الإخلاص والأمحاض. حتى وردت إلى بغداد فرأيته بلداً عاطلاً بغيبته. محتاجاً للتحلي بأوبته. عامراً به وأن خلا عنه وعن سواه. خراب منه وإن جمع العالم إلا إياه. ولم أر فيه من أتقلد من ألفاظه الدر النظيم. كما عهدته من حضرة ذلك المولى الكريم. فلا زلت أترقب من ذاته العلية موارد الأخبار. وهو سلمه الله تعالى لا زال يهدي إلى رقائق تسليمات هي ألطف من الطل في وجنات الأزهار. والآن حيث أعيتني الأشواق. وأضرت بي لواعج الأتواق. بادرت إلى تحرير ليكون لي في الجملة من جوابه تسلية لي عن ذلك الجناب الخطير. العديم النظير. وها أنا قد أرسلته. وإلى جنابه السامي قدمته. لدي شرف الوصول. المرجو والمأمول. أن يمن علينا بمكتوب. جالب لأفراح القلوب. وأن لا يخرجنا من الخاطر العاطر. والفكر المنير الزاهر. على الدوام سلمه الله تعالى وأبقاه. ومن علينا برؤياه. آمين انتهى.

) وكتب لي (العالم السديد. والعليم المديد. ذو الخلق الرندي. أقا ملا الشيرواني الدربندي. متشكراً لي على ما كان مني في حق الكريم الماجد. السيد صالح الكربلائي الشهير بالداماد إذ كان مغرباً في آمد. ومستنهضاً لي على الشفاعة في استرداده. إلى وطنه وأهله وأولاده. ولم أكتب له في جوابه كتاباً. حيث لم أجد لما رامه مني باباً: بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 129

فخر الإسلام. وحجة الأفاضل الأعلام. وحلال العويصات التي هي أمنع من عقاب الجو في الظلام. ومنها عويصة أن القائم بالحق. إذا نطق صدق. والقائم بالسيف. ولو عدل فهو صاحب حيف. لأن الأصل معلوم وصاحبه مخذول. لا يقوم بالسيف المسلول. إلا الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بارك الله تعالى لك في حضرك وسفرك. وفرج الكروب والأحزان على أعزة القوم بنظرك. ثم لعمرك أنه قد قرع الأسماع. وملأ المآدب والبقاع. قضية إحسانك. للسيد فخر الأجلة. جناب ميرزا صالح الداماد ومواساتك له. وحيوة رأسك أدامها الله تعالى أن جموعاً من الفاطميين المتضرعين وجماعات من الفاطميات الباكيات. داعون وداعيات لجنابك تحت القباب المنورات. فوالله إن قضية هذا الرجل المكرام. لدى ذوي الأفهام. حيث نسب إليه أبناء بلدته قرية. وذاته عما عزى إليه بريئة بغير مرية. وكيف لا وإذا أسفر صبح المشيب فقد هوت أنجم الهوى. ووهت حبال الصبى. مع أنه من أجلة العلماء الفضلاء. ومن البيت الذي يلوذ به الناس إذا شملهم البلاء. هيهات ذاك دم ضيعه أهله. ثم أن الوزير الأعظم الذي هو ابن عمه في النسب. ويليق أن يقال فيه بحسب الحسب:

متوج بالمعالي فوق هامته

وفي الردى ضيغم في صورة القمر

قد غفل عن أحوال السعادة الأوغاد. وما جبلوا عليه في الجوالق من الفساد. آه آه) فرب جذوة نار أحرقت بلداً (. سبحان الله إن بعض الناس كالغذاء النافع. وبعضهم كالسم الناقع. ثم أن هذا السيد الأجل الأعلى. وإن كان ممن يرى أن الصبر عند الصدمة الأولى. إلا أنه لا بد أن تكون السادة العظام. والقروم الفخام من ذراري الآل الكرام. والسلام عليكم ورحمته وبركاته انتهى.

) وكتبت لولدي النجيب محمود بك أفندي بن المرحوم داود بك (وقد جاءني منه كتاب تركي العبارة من طرابلس الغرب. يرحب بي فيه ترحيب من حب بمن حب. ما نصه: بينا أناجي الهم. وقد غم هلال السرور لتكاثف غيم الغم. إذ ورد علي ما سرني. وسرى ما أنا فيه من العنا عني. وجعلني أسرح وأمرح. وأجر ذيل الرضى في رياض المسرة وأفرح. وذلك كتابك يا من هو لدي. كروحي التي بين جنبي. ويا لله تعالى دره من كتاب مغرب. لقد اطلع شمس البلاغة بعد الأفول من المغرب. وهذا لعمري هو الإعجاز. الذي يقعد صدور المنشئين على الإعجاز. وقد لثمته وعينك ألفاً. وتمثلت بمحياه بعد أن تأملته حرفاً حرفاً. حيث بشرني بعافيتك. وحسن حالك في محل إقامتك. ثم أني رفعت أكف الابتهال. وحططت رحال الرجاء في رحاب التسآل. ودعوت الله تعالى أن يرجعني وإياك إلى مدينة السلام بسلام. ويمن سبحانه علينا برؤية أحبة هي في أعين المنى ألذ من طيب المنام. فالغربة على العلات تشق على أبناء الشرق. وهي عليهم ونور الأنوار في الغرب أشق. والفرق بين الجهتين. كما بين المشرقين والمغربين. ولكثرة ما للشرق من المفاخر. لا ترحل عنه مواكب الكواكب إلا بقاسر. أسأل الله تعالى لي ولكم العود إليه بالخير. مدفوعاً عنا وعنكم كل ضيم وضير. وأرجو من أياديك. ونجابة جمعت فيك. أن تبلغ دعائي حضرة أفندينا ولي النعم. أحمد الأفعال وفي الذمم. حفظه الله تعالى من كل ألم ألم. بحرمة الحبيب الأعظم. صلى الله تعالى عليه وسلم. هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إلى غير ذلك من مراسلات تزري بدراري الأفلاك. وتهزأ وحق لها بدرر الأسلاك. حسدني عليها الزمان فسرقها. وعدا ظلماً وعدواناً على جملة منها خبأتها في حافظتي ففرقها. ولعل فيما غفل عنه للكتاب مقنعاً. ولصرح تنزه ذوب الألباب مربعاً.) وقد أجزت هناك (جملة من الإمجاد. فازوا بالحظ الأوفر من سهام الاستعداد. وحررت لهم عدة إجازات. إلا أن الزمان فعل بها نحو ما فعل بالمراسلات. فلم يبق منها إلا ما هو أقل من إنصافه. مع ساداته الأجلة وأشرافه.

فمن ذلك إجازتي في تفسير البيضاوي لحمامة مدرسة اللآلئ. أخي السيد عبد الرحمن أفندي الأجه لي. وهي: بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 130

الحمد لله الذي أجاز أهل التفسير بما هو أهله. وجزاهم بما صبروا على مر النصب حلو فضله العزيز وهكذا فضله. والصلوة والسلام على حبيبه مطلع أنوار التنزيل. ومعدن أسرار التأويل. كشاف غطاء الإبهام عن معالم الحقائق. وشافي دواء الأوهام بزلال بحر تبيانه الرائق. وعلى آله وأصحابه الواقفين على روح المعاني. والموفقين لإرشاد العقل السليم إلى طيب المغاني. فآثارهم جلاء عيون المدارك. وضياء درهم المنثور. يهدي السبيل إن احلولكت أرجاء المسالك.) وبعد (فقد من ربي جل شأنه علي. بما هو أحلى من المن لدي. وهو الاجتماع بذي الفضل الجليل الجلي. السيد عبد الرحمن أفندي بن السيد أحمد الأجه لي. كان الله تعالى لي وله. ولا زال له في طلب العلم وله. فرأيته قد امتلأ من العلم والأدب أهابه. وسح بوابل أسرار الشريعة والطريقة سحابه. وعلمت منه حفظه الله تعالى من أنواع المساوئ. وصانه عز وجل عن الوقوع في المهاوي. إن له رغبة في درس تفسير مولانا ناصر الدين البيضاوي. بيض الله تعالى بأنوار القبول صحائف حسناته. ومن عليه جل شأنه بتكفير سيئاته. ولزيادة رغبة فيه على صحبه. استجازني مع غاية الالتماس به. فأجزته كما أجازني الشيخ يحيى المزوري العمادي. عن الشمس محمد الكزبري. عن والده الشيخ عبد الرحمن الكزبري. عن العارف عبد الغني النابلسي. عن النجم محمد الغزي. عن والده البدر محمد الغزي. عن القاضي زكريا. عن الحافظ ابن حجر العسقلاني. عن عبد الرحمن الذهبي. عن عمر بن إلياس المراغي. عن مؤلفه ناصر الدين أبي الخير عبد الله بن عمر البيضاوي رحمه الله تعالى) ح (وكما أجازني الشيخ عبد اللطيف البيروتي. عن والده الشيخ علي. عن الشمس محمد الحفناوي الأزهري. عن الشمس محمد البديري الدمياطي. عن الشبراملسي. عن البرهان. عن سالم بن محمد. عن النجم محمد بن أحمد. عن الزين زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري. عن الفضل المرجاني. عن أبي هريرة عبد الرحمن الذهبي إلى آخر السند السابق وذلك أعلى. ولي فيه والحمد لله تعالى أسانيد أخر يطول ذكرها.) وكذا أجزته (بسائر مؤلفات العلامة المذكور. ضوعفت لنا وله الأجور. بالسندين المذكورين وغيرهما وذلك بالشرط المعتبر. عند أهل الأثر. ثم أني أوصي المجاز بالتقوى. فإنها الوزر الأوقى والسبب الأقوى. وعليه بإكثار المطالعة والاعتناء بالتفهيم لدى التدريس. وصرف نفائس الأوقات في طلب العلم الشرعي النفيس. وقبول الحق مما كان. وخفض الجناح للإخوان. وأرجو منه أن لا ينساني وأولادي من صالح دعواته. لا سيما بعد درسه وصلواته. وأحمد الله تعالى حمداً غضاً. وأصلي وأسلم على سيدنا وسندنا حبيبه محمد حتى يرضى. وعلى آله وأصحابه. والمجدين والمجتهدين في تفهم معاني كتابه.

) ومن ذلك (إجازتي لولدي الألمعي. السيد محمد أفندي الرافعي. وهي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي روت أحاديث وجوده القديم إثبات. وارتوت قلوب أوليائه من بحار جوده العميم حتى رشح منها زلال الإيقان في نفي وإثبات. والصلوة والسلام على حبيبه الواسطة العظمى. والوسيلة الكبرى. سيد الخلائق على الإطلاق. وسندهم يوم يكشف عن ساق. وعلى آله وأصحابه نجوم الهداية. وفي طرق الرواية والدراية.) وبعد فإني (على قصر باعي. وطول همي من تغربي عن رباعي. قد أجزت طالب الإجازة مني. والراغب في الرواية عني. الأخ في الله. والفاضل الأداة. نخبة أحبتي وأخواني. السيد محمد أفندي الرافعي الحجمزي الداغستاني. كان الله تعالى له ولي. بحرمة كل مؤمن صالح ولي. بجميع ما حوته هذه الكراسة من الإثبات. المنسوبة للمشايخ الأجلة الإثبات. حسبما أجازني. الإمام الهمام. مولانا محدث دمشق الشام. العلامة السري. الشيخ عبد الرحمن أفندي الكزبري. تغمده الله برحمته. وأسكنه الغرف العالية من جنته. بأسانيده المسطورة فيها. العلومة لمن اطلع على ظاهرها وخافيها. وأوصيه وإياي. بما أوصى به الأنبياء عليهم الصلوة والسلام. من تقوى الله تعالى الملك العلام. وأرجو منه لي ولأولادي صالح الدعاء. لا سيما في أوقات الأنس بالطاعة والصفاء. انتهى.) ومن ذلك (إجازتي له أيضاً. وهي: بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 131

إن واسطة عقد الجوهر الثمين. حمد الله تعالى بما ينبغي له على قديم وحديث فضله على العالمين. والصلوة والسلام على أول ذرة انفلق عنها صدف الإمكان. ونبعث من بحر الإحسان حتى كان ما كان. سيدنا وسندنا محمد أفصح من نطق بالضاد. وأمنح من روى بزلال جوامع كلمة الصاد. وعلى آله وأصحابه الذين بلغوا عنه ما سمعوا. وبلغوا الغاية في الإرشاد فانتفعوا أو نفعوا.) وبعد (فقد سمع مني الأخ النبيه النبيل. والفاضل الوجيه الجليل. العالم العابد. وعليم المفاخر والمحامد. السيد محمد أفندي الداغستاني. أعلى الله تعالى شأنه وشأني. وحفظه سبحانه وإياي من كيد كل ماكر وشاني. جميع هذه الرسالة الفريدة. المشتملة على أربعين حديثاً من كتب عديدة. جمع المحلق في جو علم الحديث ولا جناح. شيخ مشايخنا الشيخ إسماعيل العجلوني ابن محمد الجراح. وطلب من هذا العبد الفقير. أسير الآثام والتقصير. الإجازة بكل كتاب ذكر حديث منه فيها. مع أن الغربة قد قصت ما قصت من قوادم المسرة وخوافيها. فأجبته على ما بي. رجاء دعاء صالح منه يفرج الله تعالى به كربي واكتئابي. فأجزته أن يروي عني جميع الكتب المسطورة أسماؤها في هذه الرسالة الشريفة. حسبما أجازني ذو الكمالات المنيفة. محدث دمشق الشام. والإمام ابن الإمام. الفاضل السري. الشيخ عبد الرحمن الكزبري. عن علامة الأقطار. الشيخ شهاب الدين أحمد العطار. عن جامعها. وناظم عقدها. الشيخ إسماعيل ابن محمد المذكور. ضوعفت لنا وله الأجور. بأسانيده المشهورة. المذكور جلها في ثبته ذي الفوائد الموفورة. المسمى بحلية أهل الفضل والكمال. باتصال الأسانيد إلى كمل الرجال. وأوصى المجاز بالتقوى. فإنها الحرز الأوقى والسبب الأقوى. وأرجوه أن لا ينساني وأولادي من صالح دعواته. في خلواته وجلواته. وعقب درسه وصلواته. وجل المرام. الدعاء بصلاح الحال وحسن الختام. اه.

) ومن ذلك (إجازة طويلة. أجزتها جماعة من ذوي الطول في هاتيك المغاني منهم هذا الفاضل الذي ذكرناه آنفاً السيد محمد الداغستاني. وهي: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي أبدع بقدرته فطرة الخليقة. وأولى كلاً بحسب قابليته ما يليق به من صبغة الحقيقة. فعلم آدم الأسماء كلها. وفهمه الخواص دقها وجلها. واصطفى من أكابر ذريته. خالص أهل صفوته. للبحث عن حقائق الأشياء. والاطلاع على ما في بطون الأنباء. وألهمهم حقائق لا تحلق في جوها بازات الأفكار. وأوقفهم إذ وقفهم على دقائق ليس لها إلا عروش قلوبهم السليمة أوكار. فغدوا مواضع ودائع أسراره. ومطالع طوالع أنواره. فاستنبطوا وأفادوا. وصنفوا وأجادوا. وأضحى شريف بيانهم كشافاً عن معضلات الحقائق. ولطيف تبيانهم مفتاحاً لمشكلات الدقائق. وابتهجت بما نفثوه من روح المعاني الأرواح. فغدت تغرد بأطيب النغم وهي في أقفاص الأشباح.

على نفسه فليبك من ضاع عمره

وليس له منها نصيب ولا سهم

واستضاءت من أشعة لمعان قرائحهم الآفاق. وأشرقت الأرض بنور ربها كل الإشراق. وصادفت بحار العلم والهدى تتلاطم أمواجاً. ورأيت الناس يدخلون في أبواب المعارف أفواجاً. إن سلف واحد منهم تخلف أو حدى بعد أوحدى. أو غاب كوكب طلع بدر له بالإشراق سيربدى. فصار سندهم سلسلة موصلة إلى ما هو خير بالذات وأبقى. فمن تمسك بحبلهم المتين فقد استمسك بالعروة الوثقى. لا سيما منهم أهل الفقه والحديث والتفسير. فصغير أولئك لعمري عند الله جل شأنه كبير. فماء ولا كصداء. ومرعىً ولا كالسعدان.

وفي السماء نجوم لا عداد لها

وليس فيها كمثل الشمس والقمر

والصلاة والسلام على من كان سهمه من العلم في مقام قاب قوسين. مكمل علوم الأولين والآخرين من الثقلين. إلى علوم حماها مولاه. عن أن يلج ورب البيت حماها سواه.

النبي الأمي أعلم ممن

أسند عنه الرواة والحكمة

وعلى آله وأصحابه الذين لم يألوا جهداً في نثر جواهر العلوم بأيد الرواية والدراية. ونظم أفراد الأمة الخصوص والعموم في أسلاك الهداية والعناية.

ما لموسى ولا لعيسى

حواريون في فضلهم ولا نقباء

ص: 132

) وبعد (فإن فضل الإسناد أظهر من أن يقام عليه دليل. ولذا ترى العلماء قد ضربوا له آباط الإبل وأكباد الجياد جيلاً بعد جيل. وأني لما أخرجتني نكباء الحوادث من مسقط رأسي. ورباع أحبتي ومجامع سروري وأنسي. مدينة السلام بغداد. لا زالت برجاً لشموس الأولياء الأمجاد. لم تزل ترفل بي سفن البر والبحر. وتهرول بي في شعاب برد وحر.

لا أستقر بأرض أو أسير إلى

أخرى بشخص قريب عزمه ناء

يوماً بحزوي ويوماً بالعقيق ويو

ماً بالعذيب ويوماً بالخليصاء

وتارة أنتحي نجداً وآونةً

شعب الحزون وحيناً قصر تيماء

حتى حللت حرم الخلافة العظمى. ودار السلطان الكبرى. خلدها الملك المولى. فاجتمعت هناك بمصنفين منصفين. ومشتغلين بنار الوجد مشتعلين. دأبهم اقتناص الشوارد. وديدنهم افتضاض أبكار الفوائد. ولهم أخلاق أرق من دمعة الصب. وألطف من وابل غب الجدب. يميطون عن الغريب همه. وينسونه أباه الشفيق وأمه. لا ينكرون فضل فاضل. ولا يكرون بأسنة السنة التجهيل على أعزل جاهل. وإن من أولئك الكرام. والفضلاء الفخام. أناساً استمعوا لحسن ظنهم درسي. وتجرعوا بخندريس اللطافة كاسات أنسي. وقرءوا على بعض منقول ومعقول. وقبلوني شيخاً وكنت أظن أن لست بمقبول.) منهم (حضرة النازل مني منزلة ولدي. أبو المكارم جمال الدين صديق بك أفندي. ابن مولانا المسامت فضله هامات النجوم. حضرة عارف أفندي قاضي عسكر الروم.) ومنهم (ذو الذهن الذي يشق الشعر. والكاسي غواني المعاني أبهى الحبر. ذو الفضل الذي أقربه القاصي والداني. أبو اليمن علم الهدى السيد محمد رشدي أفندي الشترواني) ومنهم (الفاضل الزكي. والكامل الذكي. أعز أحبتي وأخواني. أبو البركات نجم الدين عبد الله أفندي الداغستاني.) ومنهم (جامع أفراد الكمال. والمتحلي بأشرف الخصال. زكي الأوائل والثواني. أبو الفوز جلال الدين السيد محمد الداغستاني) ومنهم (أخي الحميم. ذو الطبع السليم. والذهن المستقيم. المثابر على ارتشاف العلوم. واستكشاف سرها المكتوم. الصارم الهندي أبو الضياء نور الدين السيد إبراهيم أفندي. كان الله تعالى لي ولهم. وأعظم بين الأقران فضلهم. وبعد أن قرأوا علي ما قرأوا. وسمعوا مني ما سمعوا. طلبوا مني لعلمهم بفضل الإسناد الإجازة بما تجوز لي روايته. وصحت لدي والحمد لله عز وجل درايته. فأنشدتهم لعرفاني بنفسي. وحالي بين أبناء جنسي.

ولست بأهل إن جاز فكيف أن

أجيز ولكن الحقائق قد تخفى

وأضواء فكري قد عرتها حوادث

فآونة تخفى وآونة تطفى

ولولا رجائي منكم صالح الدعا

لما رسمت يمناي في مثل ذا حرفا

ص: 133

ثم أجزتهم بذلك على سبيلي الإجمال. وكتبت لهم إجازة بنيف وسبعين ثبتاً لمشايخنا الإثبات ذوي الكمال. وأخرى بما تضمنه من الكتب عقد الجوهر الثمين. لشيخ مشايخنا الأجلة الدمشقيين. الشيخ إسمعيل بن محمد جراح. عليه رحمة الله الفتاح. ثم أنهم استزادوني على ذلك فقلت مستعيناً بالله تعالى المالك.) أجزت (هؤلاء الأفاضل. والسادات الأماثل. بمصنفات الإمام علم الهدى. أبي منصور محمد بن محمد بن الحسين الماتريدي الاعتقادية وغيرها حسبما أجازني جماعة) منهم (الشيخ عبد اللطيف البيروتي. عن الشيخ خليل الكاملي. عن أبيه النور علي الكاملي. عن الشمس محمد الميداني. عن الشهاب أحمد بن حجر الهيتمي المكي. والشمس محمد الرملي. عن شيخ الإسلام القاضي زكريا. عن الحافظ ابن حجر العسقلاني. عن الشمس القرشي. عن عبد الله الكاشغري. عن الحسام حسين. عن حافظ الدين محمد بن نصر النسفي الكبير. عن النجم عمر النسفي. عن القاضي صدر الدين محمد بن محمد النسفي. عن أبيه. عن جده الحسين بن عبد الكريم. عن الإمام المذكور. آنسه الله تعالى بالولدان والحور.) وكذا أجزتهم (بمصنفات الإمام أبي الحسن علي بن إسمعيل بن عبد الله ابن موسى بن بلال بن أبي بردة بن عامر بن أبي موسى الأشعري الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه. حسبما أجازني جماعة أيضاً) منهم (الشيخ السالف ذكره. وفر له يوم القيامة أجره. عن والده الشيخ علي. عن الشيخ محمد الحفناوي الأزهري. عن الشمس محمد البديري الدمياطي عن الشيخ حسن بن علي العجيمي. عن الشمس البابلي. عن الشهاب أحمد بن الشلبي. عن الجمال يوسف بن القاضي زكريا. عن أبيه. عن التقي بن فهد. عن المجد الفيروز آبادي. عن السراج القزويني. عن أبي بكر الهروي. عن الفخر محمد بن عمر الرازي. عن والده. عن أبي القاسم سليمان بن ناصر الأنصاري. عن إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني. عن الإمام المتقدم ذكراً. أعظم الله تعالى له يوم الجزاء أجراً. وكذا) أجزتهم (بكتب العقائد المشهورة المتداولة بين المعلمين والمتعلمين. لساداتنا الماتريدية والأشاعرة رحمة الله تعالى عليهم أجمعين. ككتاب التوحيد والمقالات وكتاب رد أوائل الأدلة للكعبي وكتاب وهم المعتزلة من تآليف أبي المنصور الماتريدي. وككتاب الإبانة في أصول الديانة تأليف أبي الحسن الأشعري. وكشرح المواقف للسيد الجرجاني. وكشرح الماقصد وشرح النسفية للعلامة التفتازاني. وكشرحي الجوهرة للشيخ إبراهيم اللقاني. وكشرح العضدية للجلال الدواني. إلى غير ذلك بأسانيدها إلى مؤلفيها المذكورة في معظم الإثبات. التي أجزتهم بما تضمنته فيما مضى من الأوقات. فليرجعوا إليها. وليعولوا في مرامهم عليها.) وكذا أجزتهم (بفقه الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه حسبما أجازني به أساتذة كرام.) منهم (شيخي علاء الدين علي أفندي الموصلي. عن العلامة محمد نجيب أفندي ابن أحمد القلعي الحنفي. عن الشيخ مصطفى الرحمتي الأيوبي الحنفي. عن العلامة الشهاب أحمد بن علي المنيني الحنفي. عن سيدي العارف بالله تعالى الشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي. عن والده الشيخ إسمعيل النابلسي الحنفي. عن الشيخين الشهاب أحمد الشوبري الحنفي. والنور حسن الشربنلالي صاحب حاشية شرح الدرر. برواية الأول عن السراج عمر بن بخبم صاحب النهر الفائق. والثاني عن الشيخ عبد الله التحريري كلاهما عن الشيخ أحمد بن يونس الشلبي صاحب الفتاوى المشهورة. عن السري عبد البر بن الشحنة شارح الوهبانية. عن الكمال بن الهمام صاحب فتح القدير. عن السراج قارئ الهداية. عن الشيخ علاء الدين السيرامي. عن السيد جلال الدين الكبير. عن الإمام أبي عبد الستار محمد الكردري. عن البرهان علي المرغيناني صاحب الهداية. عن فخر الإسلام البزدوي. عن شمس الأئمة الحلواني. عن القاضي أبي علي النسفي. عن الإمام أبي بكر محمد ابن الفضل البخاري. عن الإمام أبي عبد الله السيذموني. عن الأمير عبد الله ابن أبي حفص البخاري. عن أبيه. عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني. عن الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي ابن ماه صاحب المذهب رضي الله تعالى عنه. وهو أخذ عن حماد بن زيد. عن إبراهيم النخعي. عن علقمة ابن أبي وقاص عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود صاحب الهدى النبوي رضي الله تعالى عنه. عن أعلم

ص: 134

الخلق. وحبيب الحق. رسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم. عن الأمين جبريل عليه السلام. عن الرب الكريم. الرؤوف الرحيم. رب العالمين جل جلاله. وعز نواله. وعظم أفضاله.) وكذا أجزتهم (بفقه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه حسبما أجازني به علماء أعلام) منهم (الشيخ عبد الرحمن الكزبري. والشيخ عبد اللطيف البيروتي. عن الشيخ خليل الكاملي. عن الشيخ إسمعيل العجلوني. عن الشيخ محمد الكاملي. عن العلامة الشيخ محمد البطيني. عن المحقق الشمس الميداني. عن الشيخ أحمد الطيبي الكبير. عن السيد كمال الدين الحسيني. عن جمال الدين ابن جماعة. عن البرهان الشامي. عن ابن العطار. عن محرر المذهب شرف الدين يحيى النووي. عن جماعة أولهم أبو إبراهيم إسحاق بن أحمد المغربي ثم المقدسي. عن أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهير بابن الصلاح. عن والده. عن أبي سعد عبد الله بن محمد الشهير بابن أبي عصرون. عن أبي علي الفاروقي. عن أبي إسحق الشيرازي. عن القاضي أبي الطيب طاهر الطبري. عن أبي الحسن محمد الماسرجسي. عن أبي إسحاق إبراهيم المروزي. عن أبي أحمد ابن سريج. عن أبي القاسم غثمان الأنماطي. عن أبي إبراهيم إسماعيل المزني. عن أبي عبد الله محمد بن إدريس الإمام الشافعي. عن الإمام مالك. عن ربيعة. عن أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.) وتفقه مالك أيضاً (على نافع. عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما. وكلا الصحابيين. عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. وأخذ الإمام الشافعي أيضاً. عن سفيان ابن عيينة. عن عمرو بن دينار. عن ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم. وأخذ أيضاً عن مسلم ابن خالد الزنجي مفتي مكة. عن عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج بالجيم أوله وآخره مع التصغير. عن عطاء بن أسلم. عن ابن عباس. وأخذ ابن عباس. عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. وعن عمر بن الخطاب. وعلي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه. وزيد ابن ثابت وجماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. والكل من أعلم الخلق على الإطلاق. رسول الله الملك الخلاق. وهو عليه الصلاة والسلام من رب العالمين. بواسطة جبريل الأمين. عليه السلام.) ولي سند أعلى من ذلك (وهو شيخ الإسلام. ومفتي الأنام. السيد أحمد عارف بك أفندي. عن العلامة ذي المآثر. وملحق الأصاغر بالأكابر. أبي محمد محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر الأمير المالكي المغربي ثم المصري. عن شيخه الإمام نور الدين أبي الحسن علي بن محمد الصعيدي العدوي المالكي. عن شيخه عقيلة. عن الشيخ حسن العجيمي. عن العارف القشاشي. عن الشمس محمد الرملي. عن شيخ الإسلام زكريا. عن الحافظ ابن حجر. عن الصلاح ابن أبي عمر. عن الفخر ابن البخاري. عن القاضي أبي المكارم أحمد بن محمد اللبان وأبي حفص محمد بن أحمد الصيدلاني عن أبي الحسن بن أحمد الحداد. عن الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني. عن أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم. عن الربيع ابن سليمان المراري. عن الإمام الشافعي. عمن سمعت آنفاً. وبهذا السند إلى الإمام أروى مسنده رضي الله تعالى عنه.) وكذا أجزتهم (بفقهي الإمام مالك. والإمام أحمد بأسانيدي المشتملة عليها الإثبات التي أجزتهم بها) وكذا أجزتهم (بالمشهور المتداول من كت فقهي الإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي. كالبحر الرائق والأشباه والنظائر للعلامة زين الدين بن بخيم وكالنهر لأخيه الشيخ عمر ابن بخيم. وكالتنوير وشرحه منح الغفار للشيخ محمد بن عبد الله التمرتاشي الغزي. وشرحه الدر المختار وشرح الملتقى للشيخ غلاء الدين الحصكفي وكالدرر والغرر للعلامة محمد ابن فرموز الشهير بملا خسرو وكالهداية لبرهان الدين علي ابن أبي بكر المرغيناني وكشرحها فتح القدير لكمال الدين محمد بن عبد الواحد الشهير بابن الهمام وكشرح الجامع الصغير. والفتاوى الشهيرة للإمام فخر الدين الحسن بن منصور بن محمد بن عبد العزيز الفرغاني الأوزجندي المعروف بقاضي خان. وكمختصر الإمام أبي الحسين أحمد بن محمد القدوري إلى غير ذلك من كتب فقه الحنفية وكتحفة المحتاج شرح المنهاج وشرح الحضرمية وسائر الكتب الفقهية للشهاب أحمد ابن حجر الهيتمي يالمثناة الفوقية قبل الميم نسبة إلى الهياتم من قرى مصر على ما ذكره العلامة محمد الأمير في ثبته وقال نسبة إلى محلة أبي الهيتم من محال مصر.

ص: 135

وكنهاية المحتاج. لشرح المنهاج. للشمس الشيخ محمد بن أحمد بن حمزة الرملي. وكشرح غاية الاختصار لشمس الدين محمد بن محمد الخطيب الشربيني. وكشرح المنهج للقاضي زكريا. إلى غير ذلك من كتب فقه الشافعية بأسانيدي إلى مؤلفي ذلك المشتملة عليها الإثبات التي أجزتهم بها أيضاً.) وكذا أجزتهم (بكتب الحديث المشهورة حسبما تضمنته تلك الإثبات أيضاً. واذكر لهم هنا سنداً لجامع المسند الصحيح لأمير المؤمنين في الحديث محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة) بموحدة مفتوحة فراء مهملة ساكنة فدال مهملة مكسورة فزاي ساكنة فموحدة مفتوحة فهاء تأنيث على ما هو المشهور في ضبطه وهي لفظة بخارية معناها الزراع (. مقتصراً عليه لأنه مع غاية شهرته أصح الكتب الحديثية على الأصح وإن كان دون صحيح أبي الحسين مسلم بن الحجاج) بفتح الحاء المهملة وتشديد الجيم الأولى بينهم ألف (بن مسلم القشيري) بالقاف والشين المعجمة مصغراً نسبة إلى قشير قبيلة من العرب (الخراساني في حسن الترتيب ولذا قال من قال:

تنازع قوم في البخاري ومسلم

لدي وقالوا أي ذين تقدم

فقلت لئن فاق البخاري صحة

فقد فاق في حسن الصناعة مسلم

فأقول لي فيه أسانيد كثيرة. والحمد لله تعالى على نعمه المتواترة الوفيرة. منها وهو أول سند حظيت به) 1 (شيخنا علاء الدين علي أفندي الموصلي) 2 (عن محمد نجيب أفندي القلقي) 3 (عن الشيخ مصطفى الرحمتي والشيخ أحمد الحنبلي والشيخ علي السليمي) 4 (عن الشيخ عبد الغني النابلسي) 5 (عن الشيخ تقي الدين عبد الباقي الحنبلي) 6 (عن حجازي الواعظ سماعاً) 7 (عن محمد الحنفي ابن أركماس البرسي) 8 (عن الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني) 9 (عن أبي إسحق إبراهيم بن عبد المؤمن وأبي علي الجيزي وأم محمد عائشة بنت عبد الهادي) 10 (عن أحمد ابن أبي طالب ابن أبي النعم الصالحي الحجار وست الوزراء بنت عمر بن المنجي التنوخية) 11 (عن أبي عبد الله الحسين بن المبارك الزبيدي ثم البغدادي سماعاً) 12 (عن أبي الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي الهروي سماعاً) 13 (عن أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الدراوردي سماعاً) 14 (عن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه الحموي السرخسي سماعاً) 15 (عن أبي عبد الله محمد بن يوسف الفربري سماعاً) 16 (عن سلطان أهل الحديث الإمام البخاري سماعاً منه. رضي الله تعالى عنه.

ص: 136

وأعلى سند لي فيه) 1 (الشيخ عبد اللطيف البيروتي) 2 (عن والده الشيخ علي فتح الله) 3 (عن الشمس محمد الحفناوي الأزهري) 4 (عن الشمس محمد البديري الدمياطي) 5 (عن الشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني) 6 (عن العبد الصالح المعمر الصوفي عبد الله بن ملا سعد الدين اللاهوري نزيل المدينة المنورة زيدت شرفاً) 7 (عن الشيخ قطب الدين محمد بن أحمد النهرواني) 8 (عن والده علاء الدين أحمد بن محمد النهرواني) 9 (عن الحافظ نور الدين أبي الفتوح أحمد بن عبد الله بن أبي الفتوح الطاوسي) 10 (عن الشيخ المعمر ثلاث مائة سنة بابا يوسف الهروي الشهير بسيصد ساله) 11 (عن الشيخ المعمر محمد بن شادبخت الفرغاني) 12 (عن الشيخ المعمر مائة وثلاثاً وأربعين سنة أبي لقمان يحيى بن عمارة بن مقبل بن شاهان الخنلاني) ! 3 (عن محمد بن يوسف الفربري سماعاً) 14 (عن الإمام حجة الإسلام البخاري. عليه رحمة الباري. وما أقرب هذا السند في ثلاثياته. إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فليحمد الله على ذلك المجيز والمجاز.) وفي سند أقرب منه (.

لكنه من طريق الكشف عن الشيخ عبد اللطيف المذكور والشيخ عبد الرحمن الكزبري عن والده. الثاني الشيخ محمد الكزبري. عن الشهاب أحمد المينيتي. عن أحمد النخلي بالسند إلى الشيخ عبد المعطي التونسي أنه استجاز بصحيح البخاري من سند الأنبياء والمرسلين سيدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأذن عليه الصلوة والسلام أن يرويه عنه وكذا) أجزتهم (بكتب التفسير الشهيرة حسبما تضمنته تلك الإثبات أيضاً. ولنذكر لهم أحد أسانيدنا في تفسير البيضاوي لعظم شهرته في الأقطار. وأحد أسانيدنا في تفسير المحقق شيخ الإسلام أبي السعود لعظم شهرته في هاتيك الديار. فأقول) أجازني (بتفسير العلامة البيضاوي. الشيخ يحيى المزوري العمادي. ثم البغدادي وفاةً والشيخان المار ذكرهما آنفاً. عن الشيخ محمد الكزبري. عن والده الشيخ عبد الرحمن الكزبري الكبير. عن عبد الغني النابلسي عن النجم محمد الغزي. عن القاضي زكريا. عن الحافظ ابن حجر. عن عبد الرحمن الذهبي. عن عمر بن الياس المراغي. عن مؤلفه ناصر الدين أبي الخير عبد الله بن عمر البيضاوي عليه الرحمة. وأجازني بتفسير المحقق أبي السعود المشايخ الثلاثة المذكورون آنفاً. عن الشيخ محمد الكزبري. عن ثالث السيد الجرجاني. والسعد التفتازاني. الإمام المحقق المدقق علي أفندي الداغستاني. عن الشيخ محمود الأنطاكي. عن الشيخ محمد الكاملي. عن الشيخ عبد القادر المضوري الفرضي عن القاضي عبد الرحيم الشعراوي. عن مؤلفه أبي السعود العمادي الرومي عليه الرحمة.

ص: 137

وكذا) أجزتهم (بعلم النحو كما أجازني المشايخ الثلاثة أيضاً. عن الشيخ محمد الكزبري بسنده إلى الفخر ابن البخاري. عن أبي حفص عمر بن طبرزد. عن أبي بكر الأنصاري. عن أبي محمد الجوهري. عن أبي بكر علي الفارسي. عن أبي بكر محمد بن السري السراج عن أبي العباس المبرد) بصيغة اسم الفاعل مراداً به المثبت للمسألة بالدليل لا بصيغة المفعول كما اشتهر فقد روي عنه أنه كان يقول برد الله تعالى من بردني (عن إمام النحويين البصريين أبي بشر عمرو بن عثمان الحارثي وهو سندي أيضاً في كتابه قرآن النحو المشهور بالكتاب) وكذا أجزتهم (بالكتب النحوية المشهورة كالأجرومية للإمام أبي عبد الله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي المعروف بآجرومي) كلمة بربرية معناها الفقيه الصوفي (وكعوامل الجرجاني وكألفية ابن مالك وشرحها للجلال السيوطي وشرحها لبهاء الدين عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل الهاشمي العقيلي الشافعي وسائر مصنفات ابن مالك النخوية وكالقطر وشرحه للفاكهي وشرحه للمصنف عبد الله بن يوسف بن هشام وسائر مصنفاته وكالكافية وشرحها لنور الدين عبد الرحمن بن نظام الدين أحمد بن محمد الدشتي ثم الجامي وشرحها للمدقق الرضي وكشرح الأجرومية وشرح الأزهرية وشرح قواعد الإعراب وشرح التوضيح للشيخ خالد الأزهري. وسائر مؤلفاته النحوية وكشرحي المغني للدماميني والشمني وكمؤلفات عصام الدين بن عربشاه الافرائيني النحوية إلى غير ذلك. من الكتب المشهورة بين أهل الفن. حسبما أجازني بذلك مشايخي بأسانيدهم التي تضمنتها هاتيك الإثبات) وكذا أجزتهم (بغنية سلطان الأقطاب. حضرة الباز الأشهب السيد عبد القادر الكيلاني قدس سره. وبالفتوحات المكية وسائر مؤلفات الشيخ الأكبر محيي الدين الحاتمي الخاتمي قدس سره التي هي أكثر من أن تحصى. وبرسالة أبي القاسم القشيري. وبعوارف المعارف لمفتي الصوفية أبي حفص شهاب الدين عمر الصديقي السهروردي ثم البغدادي مسكناً ووفاةً. وبإحياء العلوم لحجة الإسلام زين الدين أبي حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الشيخ علي السويدي. والمشايخ الثلاثة المذكورون آنفاً بأسانيدهم إلى البديري بأسانيده إلى مؤلفي تلك الكتب المذكورة في ثبته المشهور.) وكذا أجزتهم (بالأوراد الشهيرة. والأحزاب المعروفة بين الأصحاب وبالصلوة البشيشية. وبدلائل الخيرات المباركة المرضية. حسبما أجازني بذلك مشائخي بأسانيدهم ولا ذكر لهم سند الأخيرين اعتناءً بأمر الصلوة على سيد الكونين صلى الله تعالى عليه وسلم. وشرف وعظم وكرم. فأقول:

ص: 138

أجازني بدلائل الخيرات الشيخ عبد اللطيف البيروتي. عن الفاضل المعمر السيد منصور بن مصطفى السرميني الحلبي القادري النقشبندي الخلوتي الحسني الحنفي. عن العارف محمد الحنفي. عن ولي الله تعالى محمد المغربي التلمساني. قال أخذتها بطريق الباطن عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. وبطريق الظاهر عن الشيخ أحمد النخلي. عن السيد عبد الرحمن المحجوب. عن والده السيد أحمد. عن والده السيد محمد. عن والده السيد أحمد المكناسي. عن مؤلفها محمد بن سليمان الجزولي. وأجازني بالصلوة البشيشية جماعة منهم. بل أولهم شيخي علاء الدين علي أفندي الموصلي. عن والده بن جوزي زمانه صلاح الدين يوسف أفندي الرمضاني الموصلي الشهير بالخياط. عن ولي الله تعالى بلا نزاع السيد علي البندينجي الكبير. عن الخضر عليه السلام.) وأجازني (من طريق الظاهر جماعة أولهم: أيضاً شيخي المذكور. ضوعفت لنا وله الأجور. بأسانيده) وثانيهم (الشيخ عبد اللطيف البيروتي. عن والده الشيخ علي. عن الشمس محمد الحفناوي. عن الشمس محمد البديري. عن الشيخ حسن العجيمي. عن الشيخ محمد البابلي. عن ابن الفرات. عن التاج السبكي. عن والده تقي الدين. عن ابن عطاء الله. عن المرسي. عن أبي الحسن الشاذلي. عن سيدي عبد السلام ابن بشيش) بالباء الموحدة أوله ويقال بالميم بدلها () وكذا أجزتهم (بكتب مخصوصة في علوم شتى. كشرح العضدية في علم الوضع لعصام وشرح السمرقندية في الاستعارات له أيضاً وكشرحي الشمسية في المنطق للقطب الرازي. والسعد التفتازاني. وكشرح جمع الجوامع في الأصول للجلال المحلى وكشرح مختصر المنتهى. الحاجبي للعضد في الأصول أيضاً. وكمنهاج البيضاوي فيها أيضاً. وكصحاح الجوهري. وقاموس المجد الفيروز آبادي. ومزهر الجلال السيوطي في اللغة إلى كتب كثيرة. وزبر شهيرة. بأسانيدها إلى مؤلفيها المشتملة عليها أبيات مشائخنا التي أجزتهم بها.) وكذا أجزتهم (برقي وتمائم. مذكورة كأسانيدها في إثبات مشائخنا الأكارم. رحمهم الله تعالى أجمعين. وأوصيهم بالتقوى. في العلانية والسر والنجوى. وأن يحمل كل منهم كلام السادة الصوفية. أعاد الله تعالى علينا وعليهم من بركات أنفاسهم الذكية الزكية. على أحسن محمل وأقوم. وأن يتهم نفسه دونهم إذا لم يفهم. فأولئك الذين ولدوا مرتين. وولجوا في عالم الملكوت فكرعوا بأفواه القلوب من رأس العين. فأنى يقاس بهم من هو جنين في رحم الطبيعة إلى الآن. وقد غذى هناك بفاسد دم النفس الإمارة والهوى والشيطان. هيهات هيهات. أن الأرض السابعة من سابعة السماوات. والأولى عندي بمن لا يفهم. أن يترك النظر في كتب القوم فهو أسلم. وليس من ضروريات العالم. الولوج في مضائق هاتيك المعالم. وفي كتب الفقه والعقائد. غني عن تلك الكتب للزاهد العابد. وإن كان ولا بد لامرئ أن يطلع على ما في معالمها مما يتعاصى على الفكر. فليمتط للسير إليها قلب التوفيق على مطايا الجوع والسهر. وأرجو أيضاً من هؤلاء المجازين. أن يدعو إلي ولأولادي ولسائر المسلمين. لا سيما في الأوقات الشريفة. والأماكن المقدسة المنيفة. وجل المقصد والمرام. الدعاء بالعافية وحسن الختام.

والحمد لله على ما أنعمنا

حمداً به يجلو عن القلب العمي

ثم الصلوة مع سلام دائم

على نبي جاء خير خاتم

وآله وصحبه القروم

ما حررت إجازة العلوم

) واستجازني (هنالك. غير واحد من سالك وناسك. بطريقة القطب الرباني. والغوث الصمداني. علم الشرق والغرب سيدي عبد القادر الكيلاني. قدس سره. وغمنا بره. منهم الفائز من التقوى بالحمل والعلاوة. العبد الصالح محمد غوث الوزير الأعظم عند ابن عمه سلطان جاوة. وقد كان قادماً قبلي إلى دار الخلافة. وساكناً مع خدمه وأتباعه في دار الضيافة. وسبب قدومه طلب التبعة للدولة العلية العثمانية. وهذه صورة الإجازة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل الطرق إليه سبحانه بعدد الأنفاس. وروق لأوليائه خندريس لمحبته براووق عنايته وأترع لهم بيد هدايته الكأس. فسكروا فيه تعالى وهاموا. وغاصوا في تيار الفكر في أياديه وعاموا. وتجردوا عن السوى. وعطلوا أفراس الهوى. وغدوا ينادون بلسان الحال. في كل محفل ومجال.

إليك وإلا لا تشد النجائب

ومنك وإلا فالمؤمل خائب

ص: 139

وفيك وإلا فالغرام مضيع

وعنك وإلا فالمحدث كاذب

والصلوة والسلام على خليفته الأعظم في الخليقة. وصفيه الذي غدا أتباعه مجازاً إلى أسرار الشريعة والطريقة والحقيقة. وعلى آله وأصحابه الذين ساروا إلى خامس الحضرات بهمم عليه. وغاروا على خميس الشهوات فكسروه بنفوس قدسية. لا سيما خلفائه الراشدين المرشدين. وأئمة أهل بيته الطيبين الطاهرين.) وبعد (فلما كانت طرائق سادتنا الصوفية. أحيى الله تعالى قلوبنا بأنفاس هممهم الذكية الزكية. من أرجى أسباب الوصول إلى حضرة المولى جل جلاله. والحصول في فناء نواله الأعلى عم نواله. كم أشرقت من بروجها شموس العرفان. وحصل بالسلوك فيها الفناء والبقاء الاتمان. وقد اتضحت منها المسالك. فلا يضل فيها بتوفيق الله تعالى السالك. إلا أن طريقة السادة القادرية. المنسوبة لحضرة الباز الأشهب المحلق في جو الأسرار الربانية. القائل:

أنا بلبل الأفراح أملأ دوحها

طرباً وفي العلياء باز أشهب

غربت شموس الأولين وشمسنا

أبداً على فعلك العلي لا تغرب

والمفصح بلسان الفناء في الحقيقة المحمدية عن قدره العلي. حيث قال وصدقته رؤوس الأولياء) قدمي هذه على رقبة كل ولي (. العالم الرباني. والغوث الصمداني. سيدي وسندي. عبد القادر الكيلاني. قدس الله تعالى سره. وأدام إلى يوم القيامة في الخافقين ذكره. من أجل الطرائق. وأوصلها إلى حرم الحقائق. وأعذبها مورداً. وأغزرها مدداً. وأقواها سنداً وأزكاها محتداً.

فما كل مخضوب البنان بثينة

ولا كل مصقول الحديد يماني

ص: 140

وكانت كلمة التوحيد توريد وجنة الإذكار. وتجعيد ذوائب حوراء أوراد الليل والنهار. بل هي محور كرة الإيمان. ومركز دائرة الإيقان. وفي حديث السجلات ما يغني عن الإطراء فيها. ويقضي بالنجاة في يوم القضاء لتاليها. جعلها الله تعالى آخر كلامنا من الدنيا. ورقانا بها يوم توضع الموازين الرتبة العليا. وقد تلقفتها الأخلاف عن الأسلاف. وصح حديث التلقين عند السادة الصوفية وأئمة المحدثين الأشراف. رغب الرجل التقي. والناسك النقي. من هو على المعادي ليث. وللموالي غيث. الأمير الجليل محمد غوث. وفقه الله تعالى للعمل في يومه لغده. وأوصله إلى حظائر الأنس به سبحانه قبل أن يخرج الأمر من يده. في الانتساب إليها. وتلقن تلك الكلمة الطيبة توفانا الله تعالى عليها. على يد هذا العبد الفقير. الأسير في قيود التقصير. غفر الله تعالى ذنوبه. وأترع بزلال الرحمة ذنوبه. فأجبته إلى ما طلب. ومنحته إلى ما فيه رغب. فلقنته طبق ما تلقيته. وعاهدته. حسبما عهدته. وأجزته بالتلقين. وأخذ العهد على المريدين. كما أجازني بذلك. سالكاً بي ما أشرت إليه من المسالك. شيخ السجادة وواحد السادة. ثاني الوسادة. نقيب الأشراف. ومن له من شرافات التقي على أسرار الملكوت إشراف. ذو الخلق العطر الندي. أبو المحاسن السيد علي أفندي. ابن نقيب الأشراف. وفخر آل عبد مناف. الكامل الأوحدي. السيد سليمان أفندي. بسنده المشهور. المشتمل على آبائه البدور. إلى جده الأعلى. ذي القدر الأغلى. باز الأسرار والمعاني. سيد وسندي السيد عبد القادر الكيلاني. بسنده الآت. إلى سيد الكائنات. صلى الله تعالى عليه وسلم) ح (وكما أجازني سلفه المرحوم الشيخ محمود أفندي ابن السيد زكريا بسند آبائه الكرام. إلى جده الضرغام.) ح (وكما أجازني الشيخ يحيى المزوري العمادي. والشيخ عبد الرحمن الكزبري الدمشقي والشيخ عبد اللطيف البيروتي. عن الشمس الشيخ محمد الكزبري عن السيد سعد الله الهندي. عن السيد عبد الشكور. عن شاه مسعود الاسفزائيني. عن الشيخ علي الحسيني. عن الشيخ جعفر ابن أحمد الحسيني. عن الشيخ إبراهيم الحسيني. عن الشيخ عبد الله الحسيني. عن الشيخ عبد الرزاق. عن والده سيدي الشيخ عبد القادر الكيلاني الحسني الحسيني. عن أبي سعيد المبارك المخزومي. عن الشيخ عبد العزيز التميمي. عن الشيخ أبي القاسم أحمد ابن أبي بكر. عن عبد الله الشبلي. عن أبي القاسم سعيد بن عبيد. المشهور في الخافقين بالجنيد. عن خاله السري السقطي. عن أبي محفوظ الشيخ معروف الكرخي. عن سيدنا علي بن موسى الرضا. عن والده سيدنا موسى الكاظم. عن والده سيدنا جعفر الصادق. عن والده سيدنا محمد الباقر. عن والده أفضل التابعين سيدنا علي الأصغر زين العابدين. عن والده أحد الريحانتين وثاني سيدي شباب أهل الجنة الحسين. عن والده مظهر العجائب سيدنا وصي النبي علي بن أبي طالب. عن ابن عمه. وجلاء غمه. حبيب الحق. ورسوله عز وجل إلى جميع الخلق. سيد العالم. محمد صلى الله تعالى عليه وسلم.) وأقرب (من هذا السند عدداً. وإن لم يكن مثله مدداً. ما كان إلي عن الشيخ معروف. عن أبي سليم داود الطائي. عن حبيب العجمي. عن الحسن البصري. عن أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه. عن الرسول الأعظم. صلى الله تعالى عليه وسلم. والأول عندي سلسلة الجواهر. لاشتماله على أولئك الأئمة الأكابر. وأوصي المجاز المذكور. أترع الله تعالى حياض لطائفة الخمس من ساطع النور. بتقوى الله عز وجل في السر والعلن. فإنها مجلبة للمنح مدرأة للمحن. وأن لا يخل بأداء آداب الشريعة والطريقة. وأن يجعلهما جناحين للطيران إلى سماء الحقيقة. وأن يتحمل أذى الإخوان. ويقابل إساءتهم معه بالإحسان. وأن يأخذ بالعزائم فيما يسلكه من المسالك فإن حقيقة التصوف عند المحققين ذلك. وأن لا يتواضع لأرباب الدنيا لدنياهم. وأن لا يمد عينيه إلى ما متعوا به من غناهم. وأن يكثر الاستغفار. آناء الليل وأطراف النهار. وأن يكون أمله برحمة مولاه. أقوى من أمله بتقواه. وأن يداوي بعقاقير الذكر علل الجوف. وأن يمزج شراب الرجا بزنجبيل الخوف. وأن يوقر الكبير. ويوفر الشفقة على الصغير. وأرجو منه أن لا ينساني. وأولادي وأخواني. من صالح دعواته. في خلواته وجلواته. وعقب أوراده وصلواته. لا سيما بالسلامة من الآثام. والعافية وحسن الختام.

ص: 141

والصوة والسلام على سيد الخلائق. المرشد إلى أقوم الطرائق. وعلى آله وأصحابه الواصلين. وسائر متبعيه ومبتغيه الكاملين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. انتهى.

) واستجزت (أنا هناك جماعة. حازوا ويا لله تعالى درهم من الفضل جماعة. منهم حضرة شيخ الإسلام. ومفتي الخاص والعام. السيد أحمد عارف حكمت بك أفندي. كان الله تعالى له فيما يسر ويبدي. وقد أجازني بجميع ما جازت له روايته. وصحت لديه درايته. وقد أخذ عن علماء أعلام. وفضلاء كل منهم في حلبة الفضل إمام.

منهم مولانا فاضل الدنيا. والمتوج بتاج الولاية الكبرى. شامة مكة المكرمة. ومورد وجنة كل مكرمة. حسنة الفلك الدوار. الشيخ عمر بن عبد الكريم بن عبد الرسول العطار. عطر الله تعالى بشذى رحمته. زكي روحه وذكي تربته. وقد كتب لحضرة المشار إليه إجازة بخصوص شمائل الترمذي. عن شيخه الشيخ علي بن عبد البر الونائي الأزهري الحسني. عن العلامة الصالح أحمد بن أحمد البجيرمي. عن الشهاب أحمد بن حسن الخالدي الجوهري. عن الشمس محمد الأطفحي. عن الشمس البابلي. عن الشيخ سالم السهوري. عن النجم الفيطي. عن القاضي زكريا. عن الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني. عن أبي محمد عبد الله بن محمد القدسي. عن الفخر علي بن أحمد بن النجار. عن أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي. عن أبي شجاع عمر بن عمر بن محمد البسطامي. عن أبي القاسم أحمد بن محمد البلخي. عن أبي القاسم علي بن أحمد الخزاعي. عن الهيتم بن كليب الشاشي. عن مؤلفها الحافظ أبي عيسى بن سورة الترمذي. برد الله مضجعه. وكذا بخصوص ما حواه ثبت شيخه الثبت الشيخ صالح الفلاني عن مؤلفخ. وكتب في آخرها أنه أجازه بجميع ما صح له روايةً مؤرخاً سنة 1229 في 3م.

) ومنهم (الفهامة البصير. والشيخ الكبير. حسنة الزمن. والجامع الأزهر لما تفرق في مصر الحسن من كل معنى حسن. الرامي المصيب بسهام أفكاره كل غرض سني. علامة عصره وعزيز مصره الشيخ حسن القويسني. رحمة الله تعالى المولى الغني. ولا زالت مترعة له كاسات اللطف الإلهي الهني. وقد أملي للمشار إليه إجازة صدرها بخصوص صحيح مسلم وسنن أبن ماجة وبقية تسعة وعشرين صحيحاً جمع الإمام عبد الله بن سالم البصري. أوائلها في رسالة وختمها بالإجازة العامة. وأمر بإثبات ذلك على ظهر ثبت الشيخ عبد الله الشبراوي وهو أيضاً من المجاز به وكان ذلك في سادس ذي القعدة الحرام سنة 1238.

) ومنهم (شيخ الشيوخ. ومن تم له على قنة فلك الحسن الرسوخ. الفاضل الذي غطر أرجاء الآفاق بعبير عنبر تأليفاته. وأقر عيون ذوي الأذواق بما جلاه على منصة الإفادة من عرائ تقريراته. والكامل الذي تعقد عند ذكره الخناصر. وتحل ببنان فكره البديع معاني مشكلات الخواطر. الغيث المدرار. الشيخ حسن بن محمد العطار. سقي صيب الرضوان ثرى قبره المعطار. وقد أجازه بخصوص نهاية الشمس الرملي الشافعي وبخصوص شرحه المسمى براحة الأبدان. في شرح نزهة الأذهان. لداود الأنطاكي في الطب. وبخصوص حاشيته على لامية الأفعال في التصريف لابن مالك. وبخصوص شرحه لولدية ساجقلي زادة في آداب المناظرة. وبخصوص حاشيته على شرح أم البراهين للعلامة محمد عرفة الدسوقي. وبخصوص تأليف شيخه العلامة عبد الله بن حجازي المشهور بالشرقاوي المسمى بفتح المبدي. على مختصر الزبيدي. وبخصوص حاشية شيخه المذكور على شرح الشيخ محمد بن منصور الهدهدي لأم البراهين المسماة بالصغرى لأبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي المالكي المغرب التلمساني. وبخصوص شرح تحرير تنقيح اللباب وكلاهما للقاضي زكريا على مذهب الإمام الشافعي. وبخصوص حاشيته على موصل الطلاب. إلى قواعد الإعراب. للشيخ خالد الأزهري. وبخصوص أصول الحديث لابن الصلاح. وبخصوص حاشيته على شرح ابساغوجي لشيخ الإسلام القاضي زكريا. وبخصوص مؤلفات له أخر وقد كتب إجازة كل مما ذكر على ظهره وذكر في معظمها إجازته العامة له.

ص: 142

) ومنهم (الحبر الإمام. والبحر القمقام يتيمة الدهر. ومن آثاره سلافة أهل العصر. وأشعاره دمية القصر. ذو الفضل الجليل الجلي. الشيخ محمد أمين الزيلة لي. وكتب له إجازة بخصوص مشكوة المصابيح وكتب في آخرها الإجازة العامة وذكر أن سنده في ثبت شيخه الشيخ صالح الفلاني وكان ذلك في مصر القاهرة خامس شوال سنة 1227.

) ومنهم (ذو الذهن النقاد. والذهب الذي شهد بسلامته من الغش النقاد. محك ذوي الأنظار. والغني بفضله عن الدرهم والدينار. الفاضل الصفي. الشيخ علي الصيرفي. مفتي الشافعية في رشيد. غمره الله تعالى بلطفه الوافر المديد. أجاز المشار إليه أولاً بصحيح البخاري. وأتبع ذلك بالإجازة العامة وكلاهما عن شيخه أحمد الخضري. عن شيخ الإسلام الحفناوي. بسنده المسطور في ثبته وكان ذلك في أواخر شعبان سنة 1234.

) ومنهم (نادرة الزمان. والمشار إليه بين الأفاضل بالبنان. مفترع أبكار المعاني. الشيخ مصطفى البناني. تغمده الله تعالى برحمته. وجعل روحه سارحة في روضات الأنس من جنته. وأجازه أولاً بخصوص شرحه المسمى بروضة الطالبين. لأسماء الصحابة البدريين. وكان ذلك ثامن شوال سنة 1237 وبخصوص حاشية شرح التلخيص المشتهر بالمختصر للسعد التفتازاني التي جردها من هوامش نسخة شيخه العلامة الشيخ محمد الصبان وكان ذلك في تاسع شوال سنة 1237.

) ومنهم (الفاضل الكامل. والراقي بعلي همته إلى قنة الفضائل. حسنة الدهر الشرس العاتي. الناثر الناظم الشيخ علي الساداتي. وقد أجازه إجازة عامة عن شيخه الشنويهي عن العلامة الشرقاوي. والفاضل الصبان والعمادي. وداود القلعاوي. عن أحمد البرماوي. والحبر المهدي عن الحفناوي. بسنده وأجازه أيضاً بخصوص صحيح مسلم عن السمنودي. وكان ذلك سنة 1237.

ومنهم الفاضل. الذي غدت فضائله غرر الفضائل. ودرر عقود مآثر الأفاضل. الألمعي الأوحدي. الشيخ أحمد السردي. عليه رحمة المعيد المبدي. وقد أجازه إجازةً عامة بكتب الحديث والتفسير ونص بعد على صحيحي البخاري ومسلم وعلى تفسير البيضاوي. وإذكار الإمام النواوي. وذلك عن الفاضل عبد الرحمن المقري الحفني. والكامل البديري. وشيخ الأزهر سليمان البحيرمي. وكان ذلك في ذي القعدة سنة 1231.

) ومنهم (الفاضل الذي أقر بواسع فضله ذوو الألباب. وطار صيته في البلاد والجبال والشعاب. جبل الفضل الراسخ محمد بن محمد صالح الشعاب. عليه رحمة الملك العفو التواب. وقد صدر ما كتب بإجازته بدلائل الخيرات عن السيد علي بن عبد الله الونائي الحسيني الشافعي. عن العلامة السيد محمد مرتضى الزبيدي الحنفي. عن السيد نور الحق. عن السيد سعد الله الهندي. عن الشيخ المعمر عبد الشكور. عن مؤلفها السيد محمد بن سليمان الجزولي) ح (. وعن عبد الرحمن المحجوب المغربي ثم المكي. عن قاسم ابن علي التونسي نزيل المدينة المنورة. عن عبد الله السوسي. عن الشيخ عبد بن سالم البصري المكي بسنده المذكور في ثبته وعجزه بالإجازة العامة.

) ومنهم الفاضل الآخذ من بسيطة الفضائل بقرنيها. والمسخر له ريح الإدراكات. تجري بسليمان ذهنه السليم بين لابتيها. الكوكب الدري. الشيخ محمد بن سليمان السكندري. أترع الله تعالى له كاسات لطفه الهني المري. وقد أجازه بالأربعين النووية. وصحيح مسلم وشفا القاضب عياض. ثم عمم الإجازة. وذلك عن العلامة الشيخ محمد الأمير بسنده المذكور في ثبته. وعن العلامة الدسوقي. وعن والده سليمان. وعن آخرين كثيرين.

) ومنهم (الفاضل الشيخ أحمد المالكي المغربي الشنقيطي أجازه إجازةً عامة بأرجوزة طويلة. هي في قطر فن الأدب. كالطاووس أحسن ما فيها الذنب. وهو قوله:

وها أنا الشنقيطي الحقير

وفي العلوم باعه قصير

أجزت عارفاً كما أجزت

مؤرخاً وموعدي أنجزت

ومنشأ الحسن شطر التاريخ أعني أجزت الخ بيد أن وقوعه شطراً أولاً غير متعارف عند المشارقة والأمر هين.

ص: 143

ومنهم البحر الرائق. وكنز الدقائق. من كلامه تنوير الأبصار. والدر المختار. ذو التأليفات الشريفة. وقرة عين إمام أبي حنيفة. العالم الزاهد. الشيخ محمد عابد. غمره الله تعالى بمزيد العوايد. وقد أجازه بصحيحي البخاري ومسلم بشرحيه على مسند أبي حنيفة وبسنن ابن ماجة والدراس والبيهقي والدارقطني وبسائر السنن وبمصنف ابن أبي شيبة ومستدرك الحاكم وبجميع ما اشتمل عليه ثبت الشيخ صالح الفلاني. وثبت ابن سالم البصري المسمى بالإمداد. في معرفة الإسناد. ويرويه عن عمه الشيخ محمد حسين بن محمد مراد الواعظ الأنصاري. عن شيخه محمد بن محمد بن عبد الله المغربي. عن مؤلفه. وبجميع ثبت الشيخ إبراهيم الكوراني المسمى بالأمم في إيقاظ الهمم. ويرويه عن الشيخ يوسف بن علاء الدين المزجاجي. والزبيدي. عن شيخه الشيخ عبد الخالق بن أبي بكر المزجاجي. عن مؤلفه. وبجميع ما في سلسلات ابن عقيلة. ويرويه عن السيد عبد الرحمن بن سليمان. عن والده السيد سليمان بن مقبول الأهدل. عن مؤلفه. وذلك في شهر ربيع الآخر سنة 1235 وأجازه أيضاً بالوصايا الشريفة النبوية جمع شيخه التحرير السيد عبد الرحمن وذلك في المسجد الشريف النبوي في جمادى الأولى للسنة الخامسة والثلاثين بعد المائتين والألف.

) ومنهم (الفاضل. ذو المحامد والفضائل. التي لا يرى لها جاحد. حليف الوفا. وأليف الصفا. الشيخ إسماعيل الحامدي الحنفي. لا زال لطف مولاه به خير حفي. وقد أجازه بكل ما له روايته. وصحت لديه درايته.

) ومنهم (ذو المآثر والمفاخر. وملحق الأصاغر بالأكابر. علامة الآفاق. وفهامة العلماء على الإطلاق. البدر المنير. الشيخ محمد الشهير بالأبهر. وقد أجازه بمصر إجازة عامة.

) ومنهم (البحر العجاج. الحبر الذي تضيق عن واسع فضله الفجاج. المنيب الأواه. والمجتهد في طاعة مولاه. المولى الذي أضاءت أرجاء العلم بنور ذهنه الوهاج. الشيخ الجليل عبد الله بن عبد الرحمن سراج. لا زال منوراً بمصباح الرحمة رمسه. ولا برح آمناً من الخسوف بدره آثاره حتى تكور من الفلك شمسه.

) ومنهم (تاج الشريعة وصدرها. وشمس الأئمة وفخرها. صاحب حاشية الدر المختار. التي طار صيتها بأجنحة لقبول في الأقطار. المولى الصفي. الشيخ أحمد الطحطاوي الحنفي. تغمده الله تعالى برحمته. ونفعنا عز وجل والمسلمين ببركته.

) ومنهم (غزير المآثر والمفاخر. عزيز الأشباه والنظائر. ثبت العلماء الأعلام. سند الحفاظ وحجة الإسلام. ذو التأليفات الفائقة. والتحقيقات الرائقة. الغيث الهامر الهامي. مولانا قاضي العراق هبة الله الشامي. أحله الله تعالى في ربوة قدسه. وسعد رحمته وغوطة أنسه.

) ومنهم (معدن الفضل والنبل. ومن إليه تضرب آباط الإبل. آية الله تعالى في الحديث. وغوثه لكل طالب علم مستغيث. ثالث النواوي والرافعي. وقرة عين الإمام الشافعي. شمس نهار الفضل الملازمة لنقطة الاعتدال بلا ميل. الشيخ السجاد زين العابدين جمل الليل. جعل الله تعالى قبره الشريف عطن رحمته. وأباح لروحه القدسية مسارح جنته.

) ومنهم (ذو الذهن الوهاج. والسالك في كسب الفضائل منهاجاً ليس له من هاج. الفاضل الذي درياق علمه من سم الجهل شافي. الحبر الجليل الشيخ نصر الكافي. غمره الله تعالى بلطفه الوافر الوافي.) وقد أجازه (بالأربعين النووية وبصحيحي الشيخين. عن الشيخ صالح بن حسين الكوشي. عن العلامة محمد الطرابلسي أصلاً التونسي مسكناً. عن الشيخ العارف الشيخ موسى الجميني المقبور بجزيرة جزيه. عن الشيخ محمد الخراشي. عن الشيخ سالم السنهودي. عن الحافظ ابن حجر بسنده المذكور في أول شرحه المسمى فتح الباري وكان ذلك في غرة محرم الحرام سنة 1234. إلى غير ذلك من العلماء الأعلام. والفضلاء الفخام. ولا أكاد أستطيع لجميعهم ذكراً. ومعظمهم قد أجاز المشار إليه نظماً ونثراً. وفي كتابنا شهي النغم. في ترجمة شيخ الإسلام وولي النعم. طرف من ذلك إن أردته فارجع إليه.) وبعد (إن أجازني استجازني فكلت له كما كال. وقلت في آخر الأمر له كما قال. غير أني لعلمي وقدري وعرفاني. تلعثم عند خطابي إياه لساني.) ثم أني (كتبت له امتثالاً لأمره عدة من مشايخي الكرام. وأساتذتي الفخام عليهم رحمة الملك العلام.

ص: 144

) وممن أجازني (في تلك المغاني. الشيخ المعمر حسين أفندي الداغستاني. وحرر لي أبياتاً في ذلك. ضاعت مني والأمر لله عز وجل هنالك. ولم يبق في حافظتي أحد من مشايخه الأجلة. غير أني أعلم إجمالاً أنهم جمع قلة.) وممن أجازني أيضاً (العالم العربي. الشيخ محمد التميمي المغربي. وهو ممن جاء مصر شاباً فسكن فيها. واشتغل بالعلم حتى صار المشار إليه فيه بين أهاليها. وشاع بينهم على ما تواترت به النقول. إن له امتيازاً على غالب علماء مصر في المعقول. وقد ورد القسطنطينية منفياً. نفاه والي القاهرة عباس باشا مع أنه لم يأت شيئاً فرياً. وكان في أيام محمد علي باشا. جد الوالي المشار إليه معلماً لحفدته أبناء إبراهيم باشا. وبذلك حظي لديه. وعندما اجتمعت به خدثني بحديث الأولية الشهير. عن ملحق الأصاغر بالأكابر الشيخ محمد الأمير. ثم أني كما حدثني حدثته. وعلى نحو ما أجازني أجزته. وأعني بذلك الحديث ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال) الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء (وفي رواية) ارحموا أهل الأرض (والتنزيه وهو تبارك وتعالى زاده كثيرون. منهم صاحب المنتخب وهو المسموع من بعض الشيوخ والموجود في إثبات بعضهم. وممن ذكره العارف الكوراني في كل من كتابيه المسالك والإتحاف. ومحمد بن سليمان المغربي في ثبته. وابن عقيلة في مسلسلاته. وأسقطه آخرون.

) منهم (ابن الجوزي في عقود اللآلئ. والجلال السيوطي في جياد المسلسلات. وسقط من نبت الشيخ عبد الباقي الحنبلي. ومن ثبت الشيخ إسماعيل العجلوني. وكذلك من ثبت الشيخ أحمد العطار. لكن قال وفي أخرى زيادة تبارك وتعالى بين قوله) الرحمن وارحموا (واختلف في الرواية في) يرحمكم (هل هي) بالرفع أو بالجزم (. فقال في الإسعاف الرواية) بالرفع (كما قاله البرهان العمادي. فالجملة) دعائية مستأنفة (ونقل مثله عن النجم الغزي. وفي ثبت العجلوني أنه لا يمتنع الجزم في جواب الأمر. والظاهر أنه أزاد عدم الامتناع في الصناعة. وقال العلامة أبو الفتوح علي بن مصطفى الميقاتي الدباغ في رسالة متعلقة بهذا الحديث أن يرحمكم مجزوم على أنه جاوب الأمر. ثم قال هكذا ضبطه البدر الزركشي في تذكرته عن جزء ابن الصلاح. ثم نقل كلام النجم الغزي. وأن الرواية بالرفع ثم قال شواهد الحديث تقتضي الجزم. وقال الحافظ الشيخ محمد الكزبري الدمشقي) جزم بعض المسندين المتقنين (بأن الجزم أي في جواب الأمر هي الرواية. ومن أجاز الرفع على أن الجملة دعائية مستأنفة فإنما يتم له لو ثبت رواية. وهو لم يثبت كما تلقينا عن المشايخ العظام اه.

وقال المسند أحمد العطار أخبرني صاحبنا الشيخ محمد الجوهري المصري. أن والده الشهاب أحمد ألف رسالة في هذا الحديث ونقل فيها أن الرواية جاءت بالوجهين اه. ثم قال العطار وعلى كلٍ فرواية الرفع أبلغ كما يظهر بالتأمل اه.

ص: 145

ووجه الأبلغية بأن رحمته تعالى على الرفع تكون مطلقة غير مرتبة على شيء بخلافها على الجزم فإن الكلام عليه في معنى الشرط. أي) أن ترحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء (ولا يعكر على أبلغية الرفع إفادة الجزم الترغيب في رحمة من في الأرض لأن هذه الإفادة إنما تفيد بلاغة الجزم لا أبلغيته اه. ولعل لقائلٍ أن يقول أن المنساق إلى الذهن الجزم في جواب الأمر لأنه الأكثر في الأفعال المضارعة الواقعة بعد فعل الأمر وأن الرفع وجعل الجملة دعائية مما قل بعد لأمر. ثم أن الدعاء معنىً على ما يقتضيه السوق معلق على رحمة من في الأرض فلا تكون رحمة من في السماء لمن يرحم من في الأرض مجزوماً بها على الرفع كالجزم بها على الجزم فيضعف أمر الترغيب على ذلك. وجعل الجملة على الرفع مقطوعة عما قبلها لفظاً ومعنىً) على معنى يرحمكم من في السماء مطلقاً. أي إن رحمتم وإن لم ترحموا (يأباه الذوق السليم. والذهن المستقيم. ولا يرضى الفكر النفاد. أن يحمل عليه كلام أفصح من نطق بالضاد. ويزيد ما ذكر وضوحاً إن في صدر الحديث تعليق الحكم بالمشتق وهو كما قالوا يفيد علية مبدأ الاشتقاق فيكون الجملة التي في آخره على رواية الجزم كالمتفرعة على الجملة الأولى. إلا أنه لم يؤت بالفاء لظهور ذلك لا كما قيل أنها كالتأكيد للجملة الأولى ولذا فصلت عنها ولم توصل بها. وقولهم التأسيس خير من التأكيد لا يستدعي حمل كل كلام عليه بل متى اقتضى المقام التأكيد كان هو الخير. فتأمل فإنه دقيق. وبالاعتناء حقيق. ثم أن هذا الحديث على ما نقله الشيخ محمد الزبري حديث حسن عال أخرجه البخاري في تصنيفيه الكنى والأدب المفرد. وأحمد والحميدي في مسنديهما. والبيهقي في الشعب. وأبو داود في سننه. والترمذي. وقال حسن صحيح. وأورده الحاكم في مستدركه وصححه. وذكر الشيخ أيوب في ثبته أن له شواهد عن ثمانية عشر صحابياً وعد أسماءهم. ثم قال العراقي هذا حديث حسن رجاله يحتج بهم في الصحيح انتهى. وقد جمع طرق هذا الحديث جماعة من المتقدمين المتأخربن.

) منهم (ابن الصلاح. والتقي السبكي. والحافظ الذهبي وغيرهم. فبلغت ما بلغت فلا يكاد يشك أحد في صحته.) نعم (ذكره بعضهم مسلسلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وهو غير صحيح بل الصحيح المشهور أن تسلسله إلى ابن عيينة دون باقي الإسناد ومن سلسله إلى آخره فهو أما مخطئ أو كاذب كما أوضحه السخاوي. ثم أن المسلسل بالأولية غير منحصر فيه. فقد ذكر الصوفي العارف المولى الياس الكوراني في إجازته للشمس الشيخ محمد الكزبري. أن المسلسل بالأولية ثلاثة أحاديث. أحدها حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص يعني هذا. وثانيها حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) من أحب أن يكثر خير بيته فليتوضأ إذا حضر غداه وإذا رفع (رواه ابن ماجة. وثالثها حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) يجمع الله تعالى العلماء يوم القيامة فيقول إني لم أجعل حكمتي في قلوبكم إلا وأنا أريد بكم الخير اذهبوا إلى الجنة فقد غفرت لكم على ما كان منكم (رواه الإمام أبو حنيفة في مسنده انتهى. لكن الشائع الذي ولع الناس به هو أول الثلاثة وما أنسب تسلسل حديث الرحمة بالأولية وذلك لسبق الرحمة. فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما رواه الديلمي) أول شيء خطه الله في الكتاب الأول أنني أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتي غضبي فمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فله الجنة (ومن ولع الناس به أن ضمنه في النظم جماعة من المحدثين والشعراء. فمن ذلك قول الحافظ ابن حجر العسقلاني:

إن من يرحم أهل الأرض قد

جاءنا يرحمه من في السما

فارحم الخلق جميعاً إنما

يرحم الرحمن منا الرحما

وقول حافظ الوقت الزين العراقي:

إن كنت لا ترحم المسكين إن عدما

ولا الفقير إذا يشكو لك العدما

فكيف ترجو من الرحمن رحمته

وإنما يرحم الرحمن من رحما

وقول شيخ الإسلام القاضي زكريا:

من يرحم أهل السفل يرحمه العلي

فارحم جميع الخلق يرحمك الولي

وقول الإمام العقبي:

الحب فيك مسلسل بالأول

فامنن ولا تسمع كلام العذل

ص: 146

وارحم عباد الله يا من قد علا

من يرحم السفلي يرحمه العلي

وقول الكمال محمد بن محمد البارزي كاتب السر:

عليك بتقوى الله سراً وجهرةً

لأنك مسؤول وربك عالم

ولا تخش إلا الله وارحم عباده

فرحمته ذخر لمن هو راحم

وقول خاتمة الفقهاء العلامة محمد أمين بن عابدين:

عليك بإسعاف الضعيف ونصره

فما عمل إلا به الله يعلم

وكن راحماً أهل البسيطة كلهم

فمن يرحم المخلوق لا شك يرحم

وقوله أيضاً:

أيها الناس أطيعوا ربكم

وصلوا القربى جميعاً والرحم

وارحموا من في الأراضي إنما

يرحم الرحمن منكم من رحم

وقول أبي الحسن علي بن هبة الله بن عساكر:

بادر إلى الخير يا ذا اللب مغتنماً

ولا تكن من قليل الخير محتشما

واشكر لمولاك ما أولاك من نعم

فالشكر يستوجب الأفضال والنعما

وارحم بقلبك خلق الله وارعهم

فإنما يرحم الرحمن من رحما

وفي هذا لطيفة ذكرها الشيخ عبد الباقي في ثبته. قال واتصل سندنا مسلسلاً كل راوٍ يقول عن شيخه. وهو أول شعر سمعته منه إلى قائله أبي الحسن عليه الرحمة انتهى.

ثم أنه لم يتفق لي أن أخذ هذا الحديث بالسماع له بأولية حقيقية إلا من هذا الشيخ التميمي نعم أخذته بطريق الإجازة العامة عن كثيرين. وبأولية إضافية عمن دونهم بالكثرة. وحين حظيت بأخذه سماعاً بأولية حقيقية عن ذلك الشيخ فلأذكر سنده) فأقول (سمعت ذلك عن الشيخ محمد التميمي المغربي ثم المصري وهو أول حديث سمعه منه. عن العلامة الكبير الشيخ محمد الأمير. قال وهو أول حديث سمعته منه. عن الشيخ شهاب الدين أحمد الجوهري قال وهو أول حديث سمعته منه. عن عبد الله ابن سالم البصري قال حدثنا محمد بن سليمان المغربي وهو أول حديث حدثنا به ثنا أبو عثمان سعيد بن إبراهيم الجزايري. وهو أول حديث حدثنا به. ثنا مفتي تلمسان أبو عثمان سعيد بن أحمد المقري. وهو أول حديث حدثنا به ثنا إبراهيم النازي. أول ما حدثنا قال ثنا أبو الفتح محمد بن إبراهيم المراغي المدني أول حديث. ثنا عبد الرحيم العراقي الأثري أول حديثه ثنا أبو الفتح محمد بن محمد الميدوحي أول حديث. ثنا أبو الفرج عبد اللطيف ابن عبد المنعم الحراني. وهو أول حديث حدثنا به. ثنا أبو الفتوح عبد الرحمن ابن علي أول حديثه قال ثنا أبو سعيد النيسابوري أول حديث. ثنا محمد ابن محمد الزيادي وهو أول حديث حدثنا به. ثنا أبو حامد بن بلال البزار وهو أول حديث حدثنا به. ثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم العبدي النيسابوري وهو أول حديث حدثنا به. قال حدثنا سفيان بن عيينة وإليه ينتهي التسلسل بالأولية على الصحيح كما سمعت عن عمرو بن دينار. عن أبي قابوس مولى عبد الله بن عمرو بن العاص. عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء (ووقع في بعض طرق هذا الحديث أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي فجعله صاحب المنح) الواعظ المشهور (كما نقله الأمير في ثبته. ثم قال ونقل شيخنا الجوهري عن البصري عن شيخ الإسلام زكريا أن هذا) بضم الجيم (وليس هو الواعظ انتهى.

ص: 147

) ولم أستجز أحداً (من علماء هاتيك المغاني. غير شيخ الإسلام والداغستاني. والتميمي من علماء الديار المصرية. وساقه القضاء والقدر إلى القسطنطينية. وإنما لم أستجز سوى من ذكر من أولئك العلماء الأمجاد. لما أن ليس لهم حسبما اطلعت سوى إجازة عامة واهية الإسناد. بل أقول في حقيقة أمرهم على سبيل الإيجاز. أنه ليس فيهم بعد شيخ الإسلام يستجاز. وأن شيخ الإسلام إنما نال ما نال. وحصل له ما حصل من الكمال. بواسطة علماء العرب الأمجاد. الذين اجتمع بهم فيما طافه من البلاد. فلقد طاف مصر والقدس والحجاز. فرأى علماءها الأجلة بين مجيز ومجاز. فحرك ذلك غيرته. فملأ من الإجازات الشريفة عيبته. ومن سواه منهم أما قد عدم الغيرة. أو غشي على عينيه العجب فلم ير في العالم عالماً غيره. نسأل الله تعالى العفو والعافية. والقلوب السليمة الصافية.) ومما يحسن التنبيه عليه (ضبط بعض ألفاظ شائعة في الأسانيد يغلط فيها كثير من الناس ولا يحققون أمرها) منها ابن ماجة (في نسب صاحب السنن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة الربعي بالراء المهملة والباء الموحدة نسبة إلى ربيعة بالولاء فالكثير يقول ابن ماجة بفتح هاء التأنيث وهو غلط. والصحيح ابن ماجة بسكون الهاء على ما نص عليه غير واحد من الإثبات وقالو ماجة لقب أعجمي ليزيد والد الحافظ أبي عبد الله محمد المذكور. وقد نص على ذلك في القاموس حيث قال وماجة لقب والد محمد بن يزيد القزويني صاحب السنن لا جده انتهى.

فابن ماجة بدل من ابن يزيد أو عطف بيان عليه وذلك النسب في قوة قولك محمد بن ماجة بإسقاط يزيد من البين. وقال الشيخ عيسى المغربي المكي في كتابه مقاليد الأسانيد قال ابن أبي الفتوح الصحيح أن ماجة اسم أمه انتهى.

وعليه فالظاهر أن ماجة) بفتح هاء التأنيث (كفاطمة لكن رأيت في ثبت الشيخ شاكر العقاد الذي جمعه تلميذه الشيخ ابن عابدين إطلاق القول بالسكون مع نقل كلام أبي الفتوح فلعل ذلك مبني على أن اللفظ أعجمي نطق به أولاً قي تلك اللغة) بسكون الهاء (وبقي على ذلك. وأياً ما كان فتلك العبارة في نسب ذلك الحافظ نحو قولهم محمد بن علي بن الحنفية. قال غير واحد وعلى كل من القولين القول بأن ماجة لقب يزيد والقول بأنه اسم أم ابنه محمد لا بد من كتابة الألف في ابن أما على القول الأول فلأنه لم يتصل بموصوفه أعني لفظ محمد. وأما على الثاني فلذلك ولأنه لم يضف إلى الأب وشرط إسقاطها منه كتابةً إضافته إليه دون الأم انتهى.

وأقول تعليل الكتابة بالألف على الأول بالمفصل هو الذي يقتضيه ظاهر إطلاق كلامهم في بيان مواضع الكتابة والإسقاط حيث لم يفرقوا بين ما يكون الفاصل بنية الإسقاط كالمبدل منه فيما اشتهر وإن لم يسلم اطراده وبين ما لا يكون كذلك وكذا تعليلها به على الثاني وأما تعليلها عليه بالإضافة إلى الأم دون الأب ففيه بحث فقد قال بعض الأجلة أنه إذا اشتهر الرجل بالأم كان حكم ابن الواقع صفة له مضافاً إليها حكم ابن الواقع صفة له مضافاً إلى أبيه فتحذف الهمزة منه كما تحذف من ذلك إذا وقع صفة له بلا فصل نحو عيسى بن مريم ويونس بن متي علي المشهور من أن متي أمه عليه السلام ومحمد بن الحنفية والقياس يقتضيه لأن علة الحذف في الحقيقة إذا أضيف الابن إلى الأب كثرة الاستعمال كما في حذف همزة اسم في البسملة على ما اشتهر بينهم. وتمام الكلام في هذا المقام في شرحنا لمختصر درة الغواص. في أوهام الخواص. لنا أيضاً. فارجع يا إبني إليه إن أردته والله تعالى أعلم.

) ومنها الترمذي (في وصف الحافظ صاحب السنن محمد بن عيسى بن سورة) بفتح السين المهملة وسكون الواو (ابن موسى البوغي) بضم الموحدة وسكون الواو بعدها غين معجمة نسبة إلى بوغ قرية من قرى ترمذ (فقد اختلف الناس في ضبطه فبعضهم يقول الترمذي) بفتح التاء والميم (وبعضهم يقول) بكسرهما (وبعضهم يقول) بضمهما (والمتداول على لسان أهل تلك المدينة) فتح التاء وكسر الميم (وقال السمعاني الذي كنا نعرفه قديماً) كسر التاء والميم جميعاً (انتهى. وأنا أقول متى صح أن المتداول على لسان أهل تلك المدينة فتح التاء وكسر الميم. كان ذلك أولى بالاتباع فأهل المدينة كأهل مكة وهم أدرى بشعابها فتأمل.

ص: 148