الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
34 - صندوق التكافل والتقاعد
يقول السائل: إنه يعمل في إحدى الهيئات الدولية وعندهم صندوق تقاعد ويقوم نظامه على أن يحسم من راتب الموظف 7% شهرياً وتدفع الهيئة 14%، ويتم تشغيل المال بالفائدة، ثم ذكر السائل طريقتين لاستفادة الموظف من هذا الصندوق، كما وسألني شخص آخر عن صندوقين يتبعان إحدى النقابات، أحدهما يسمى صندوق إنهاء خدمة ويقوم نظامه على أن يدفع المشترك رسم اشتراك لمرة واحدة بالإضافة لقسط سنوي وعندما يبلغ المشترك سن الخامسة والستين يعطى حسب معادلة ذكرها السائل في رسالته، وأما الصندوق الآخر فيسمى صندوق التكافل الاجتماعي وهو خاص لحالة وفاة المشترك حيث يدفع كل عضو مبلغاً محدداً عند وفاة أحد المشتركين. وقد طلب السائلان بيان حكم هذه الصناديق؟ الجواب: إن الإسلام قد حث على التعاون والتكافل وإن فكرة إنشاء صناديق للتكافل الاجتماعي فكرة طيبة وقد قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} سورة المائدة الآية 2. ولكن يجب أن تكون صناديق التكافل الاجتماعي وما شابهها منضبطة بالضوابط الشرعية لكي يصح الاشتراك فيها وسأذكر مجموعة من هذه الضوابط:
أولاً: يجب أن تقوم هذه الصناديق على فكرة التكافل والتعاون وينبغي النص على ذلك في اللوائح المنظمة لعمل الصندوق.
ثانياً: يحرم الاشتراك في أي صندوق إذا كانت أمواله تشغل بطرق محرمة شراً مثل تشغيل الأموال في البنوك الربوية بالفائدة، ومثل المتاجرة بأسهم الشركات التي يحرم التعامل بأسهمها، ومثل تشغيل الأموال في البورصات العالمية لأن أكثر تعاملاتها محرمة شرعاً،
وهذا في حالة كون الاشتراك في هذه الصناديق اختيارياً، وأما إذا كان الاشتراك إجبارياً، فيجوز الاشتراك في الصندوق بشرط أن يتخلص المشترك من الفوائد الربوية كما سيأتي. وحسب ما أعلم فإن معظم صناديق التكافل وصناديق التوفير والتقاعد التابعة لكثير من المؤسسات تشغل أموالها في البنوك الربوية بالفائدة، ومن المعلوم أن تحريم الربا قطعي في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
ولا يقولن قائلٌ إن الموظف ليس مسئولاً عما قام به الصندوق من تشغيل أمواله بالربا أو أن الإثم يقع على المسؤول عن الصندوق أو نحو ذلك من الاعتذارات التي تردها قواعد الشريعة الإسلامية فإنه ينبغي أن يعلم أنه لا يجوز للمسلم أن يكون طرفاً في أي عملية ربوية بطريق مباشر أو غير مباشر، لأن الربا محرم بنصوص صريحة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك قوله تعالى:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275-279. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات – المهلكات – قلنا: وما هي يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه مسلم. وجاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم، وفي رواية النسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم:(آكل الربا ومؤكله وشاهداه وكاتبه إذا علموا ذلك ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة) وهو حديث صحيح، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الربا ثلاثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وصححه، وقال العلامة الألباني صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/633. وغير ذلك من النصوص.
ثالثاً: إن الاتفاق على أن يدفع الصندوق مبلغاً معيناً عند بلوغ المشترك سن الستين أو الخامسة والستين أو عند وفاته قبل بلوغه تلك السن المتفق عليها، مع كون هذا المبلغ لا علاقة له بالاشتراكات التي دفعها المشترك، يعتبر من باب الربا، لأنه دفع مبلغاً محدداً وأخذ أكثر منه، وفي المعادلة التي ذكرها السائل الثاني أنه إذا ساهم مشترك في الصندوق مدة عشرين سنة وتوفي وعمره 65 سنة فيحسب له كما يلي: عدد سنوات الاشتراك - 4 × عدد المشتركين×10 ويقسم الناتج على 30، ثم ذكر السائل نتيجة المعادلة بأن ورثته يحصلون على مبلغ قدره 26666 ديناراً مع العلم أن مجموع اشتراكاته كان 2050 دينار، وأما إذا توفي المشترك قبل بلوغه 65 سنة فإن الصندوق يعيد له ما دفعه من أقساط فقط، والذي يتضح مما ذكر أن هذه المعاملة ربوية لأن المشترك سيحصل على مبلغ أكبر بكثير من الأقساط التي دفعها، وهذه المعاملة ليست مبنية على فكرة التكافل أو التعاون.
رابعاً: من القواعد المقررة شرعاً لصحة أي معاملة أن لا يكون فيها غرر وهو ما كان مجهول العاقبة لا يدرى هل يحصل أم لا؟ وقد صح في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر) رواه مسلم، ومعاملة الصندوق حسب ما أفاد السائل الثاني فيها غرر واضح حيث إنه قد يشترك شخص في هذا الصندوق وعمره ثلاثون سنة مثلاً ولا يدري هل يصل إلى سن 65 سنة أم لا؟
خامساً: إذا كانت فكرة الصندوق قائمة على التعاون والتكافل ودفعت الأموال على سبيل التبرع فلا حرج في ذلك، بل هذا أمر حضت عليه الشريعة كما قال الله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} ، وصح في الحديث عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه؛ من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته؛ ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (من فرج عن مسلم كربةً فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) رواه البخاري، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه
…
) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم (من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم:(الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إنما يرحم الله من عباده الرحماء) رواه البخاري.
إذا تقرر هذا فإن ما ذكره السائل الثاني عن صندوق التكافل الخاص بحالة وفاة المشترك حيث يدفع كل عضو مبلغاً محدداً عند وفاة أحد المشتركين، فهذا أمر جائز ومرغب فيه شرعاً.
وأخيراً أنبه على ما ورد في رسالة السائل الأول من صرف الفوائد في تسديد الضرائب المترتبة على المشترك أو في استخراج رخصة بناء ونحو ذلك فأقول: لا يجوز الانتفاع بتلك الأموال انتفاعاً شخصياً كأن ينفقها الشخص على نفسه أو على أهله فهذه الأموال لا تحل للشخص أبداً، ولا يحل له إنفاقها في مصالحه الشخصية كتسديد الضرائب المترتبة على المشترك أو في استخراج رخصة بناء. وعليه إنفاق تلك الأموال على الفقراء والمحتاجين والغارمين والمؤسسات الخيرية ومصالح المسلمين العامة كبناء مدرسة أو مستشفى أو تجهيز شارع ونحو ذلك. وقد أفتى بذلك طائفة من علماء العصر منهم فضيلة الشيخ العلامة مصطفى الزرقا رحمة الله عليه حيث قال:[إن التدبير الصحيح الشرعي في هذه الفوائد أن يأخذها المودع من المصرف دون أن ينتفع بها في أي وجه من وجوه الانتفاع فعليه أن يأخذ تلك الفوائد التي يحتسبها له المصرف الربوي عن ودائعه ويوزعها على الفقراء حصراً أو قصراً لأنهم مصرفها الوحيد] . وهذا رأي سديد إن شاء الله ولكن لا أوافقه على قصر تلك الأموال على الفقراء فقط بل يجوز صرفها في مصالح المسلمين العامة كما ذكرت.
وخلاصة الأمر أن الإسلام قد أقر مبدأ التكافل والتعاون على الخير وأن إنشاء صندوق للتكافل والتعاون داخل في ذلك ما دام نظام الصندوق مضبوطاً بالضوابط الشرعية.