المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب صفة الحج والعمرة) - فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ - جـ ٦

[محمد بن إبراهيم آل الشيخ]

الفصل: ‌(باب صفة الحج والعمرة)

(باب صفة الحج والعمرة)

(1296 ـ قوله: والأفضل من تحت الميزان)

هذا الأفضل في كلام الأصحاب، وهذا على حسب شيء رووه عن أ؛ مد، ورأوا أنه من المذهب. ولكن يحتاج إلى برهان أن ذلك أفضل ولا أذكر برهاناً على ذلك، الأحاديث المشار إليها كافية واضحة ما أحرموا إلا من البطحاء.

وحديث ابن عباس " حتى أهل مكة من مكة"(1) والنبي حج قارناً والآخرون وهم أكثر الصحابة ذكروا أنهم ما أهلوا إلا من البطحاء. (تقرير)

(1297 ـ احرام من رجع إلى مسكنه في جده منها لا من مكة)

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم سعود بن عبد العزيز أيده الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: ـ

ثم حفظكم الله من خصوص إحرامكم بالحج لابد أن يكون من جدة، وكذلك أيدكم الله تفهمون من ينبه على كافة خدامكم واخوياكم بذلك حتى لا يقع منهم ما وقع من بعضهم في العام الماضي من الإحرام بالحج من مكة، فإن من أحرم بالحج من مكة منهم يلزمه دم، لأنه فوّت واجباً وهو إحرامه من مكانه وهو منزله الذي

(1) متفق عليه

ص: 5

سار منه، وأصل قصده من هذا السير الذهاب إلى الحج. والله يتولى جلالتكم بتوفيقه.

(ص ـ م في 6/12/1375هـ) .

(1298 ـ تفريق الجماعات في منى وعرفة ومزدلفة لا ينبغي)

قوله: ويصلي مع الإمام استحباباً.

أولاً لأنه جمع أكبر، لما في الأحاديث " صلاة الرجل.."(1) ثم أيضاً لا يخلو من زيادة فائدة، فإن المأموم لا يعدم خيراً من الإمام، فإما أن يستفيد من الإمام أو نائبه.

ثم هذا التفريق الذي كل خبرة (2) وحدها هذا ما ينبغي، إنما ينبغي أن يصلي أكبر عدد ممكن إذا وجد مكان متسع، وإن لم يحصل فالتفرق جائز. (تقرير)

(1299 ـ قوله: ويخطب الامام، أو نائبه)

يخطب الذي استنابه في الحج، أو نائبه في الصلاة هنا، أو نائب الحج يستنيب نائباً عنه على حسب الحاجة، وإ ذا استناب الإمام أو نائبه فليكن عالماً. (تقرير)

(1300 ـ الجمع بعرفة من حين تزول، القريبون من عرفة يترخصون)

الجمع بعرفة من حين تزول الشمس، سواء كان في الصيف أو الشتاء، شديد الحر، أولا، ولا يشرع الإبراد في هذا، لأن فيه

(1) تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة. وتقدم في صلاة الجماعة.

(2)

وتقدم المراد بالخبرة في باب التيمم.

ص: 6

السنة المشهورة، ولأن الناس جاءوا متصدين لأعمال الحج، والوقوف يجمع أهل مكة وأهل نواحي مكة والبعيدين منها.

لكن القريبين من عرفة لا يترخصون عند الأصحاب. والقول الثاني أن لهم الجمع والقصر، وهو الصحيح، وهذا جار على أحد أصلين: إما أن يقال: إن حكم سفر المناسك غير حكم الأسفار الأخر، أو على أصل آخر وهو اختيار الشيخ أن مسافة القصر لم يثبت فيها تحديد. (تقرير)

(1301 ـ الأفضل في حالة الوقوف)

قوله: أن يقف راكباً.

كونه راكباً أسهل له من الأرض، الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حجة الوداع وقفوا راكبين على رواحلهم، فهذا أصل وحدة كاف.

وقد قرر شيخ الإسلام وابن القيم كذلك أن الأفضل الحال التي هي مناسبة للحاج.

الآن إن كان على سيارة أرفق به وأتم في حقه فهو الأفضل، وإن كان نزوله في الخيمة أرفق به فنزوله في الخيمة أفضل، فالحالة التي توفر عليه ما يحتاج له من حضور القلب ومن كمال الدعاء والذكر هي المراد.

أما من حيث المكان فشيء آخر.

ثم ما تقدم أنه يفعل ماهو الأرفق به لا مانع من أن ينتقل من حال إلى حال، ليس في ذلك منع من شيء من هذه الأمور ولا مرجوحية فيها.

ص: 7

نعم محل النبي صلى الله عليه وسلم يقف فيه، إلا أن الاستقرار أولى إذا لم يدع داع لمصلحة الموقف.

ثم ينبغي له الانفراد لحديث جابر، وأن يكون دعاؤه سراً، لأن الأصل في الدعاء الاسرار وهو أفضل، ولا جاء فيه الرفع.

(تقرير)

(1302 ـ صعود جبل الرحمة وتسهيل الصعود إليه)

قوله: ولا يشرع صعود جبل الرحمة.

الجهال يعظمونه ويصعدونه، وهذا أكثر مايروج على الخرافيين أهل تعظيم الأحجار والأشجار ونحوها، أهل التوحيد لا يروج عليهم. (تقرير)

(1303 ـ فتوى في الموضوع)

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: ـ

فقد جرى اطلاعنا على خطابكم رقم 740 ـ 2 ـ ل وتاريخ 9/2/1386هـ بخصوص ذكركم أن لجنة الحج العليا أوصت باستفتائنا عن مشروعية عمل عدة منافذ من الدرج في جبل الرحمة تخفيفاً للزحام الشديد الحاصل فيه يوم عرفة. إلى آخر ما ذكرتم.

ونفيد سموكم أن الصعود إلى الجبل نتيجة اعتقاد خصوصية شرعية بدعة، إذ لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة ولا عن أحد من سلف الأمة الصالح أنه صعد الجبل يوم عرفة تقرباً، وقد كان موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفل

ص: 8

الجبل عند الصخرات، وقال صلى الله عليه وسلم:" وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف"(1) .

ولا يخفى سموكم أن العمل لتسهيل الصعود إليه معناه إقرار هذه البدعة، وتسهيل أمرها، والمساعدة على أدائها، وهذا منكر أيضاً، إذ الدال على الخير كفاعله، وعكسه ظا هر. وبالله التوفيق والسلام عليكم. (ص ف 2038/1 في 24/7/1386هـ) .

(1304 ـ الوقوف بعرفة ركن)

من محمد بن إبراهيم إلى المكرم علي بن عسكر

سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: ـ

فقد جرى اطلاعنا على استفتائك بخصوص ما ذكرته عن أن جماعة من الحجاج وقفوا يوم عرفة أمام مسجد نمرة إلى جهة مزدلفة إلى انتهاء يوم عرفة، وتذكر أن فيهم من يؤدي فريضة الحج، وفيهم من يحج بالنيابة عن غيره، وتسأل عما يلزمهم.

والجواب لا يخفى أن الوقوف بعرفة أحد أركان الحج، وأن من فاته الوقوف بعرفة فاته الحج، لقوله صلى الله عليه وسلم:" الحج عرفة"(2) ولا شك أنما ذكرته من الموقف التي وقف فيه من سألت عن صحة حجهم ليس من عرفة، فمن لم يتيسر له منهم أن دخل عرفة بقية يوم عرفة أو ليلة النحر ف يلزمه إعادة حجه إن كان يؤدي فريضة الحج، أو كان نائباً عن غيره في الحج. أما من تيسر

(1) أخرجه مسلم.

(2)

أخرجه الخمسة.

ص: 9

له دخول عرفة بأن ذهب إلى السوق داخلها أو إلى الجبل أو غيره من أراضي عرفة ثم رجع إلى مكانه الذي ذكرت فهذا حجه صحيح، ويلزمه دم لانصرافه منها قبل الغروب. وبالله التوفيق. والسلام.

مفتي الديار السعودية (ص ـ ف 1532 ـ 1 في 4/6/1386هـ)

(1305 ـ لا يسقط بالجهل)

كثير من الحجاج يقفون دون عرفة فلا يصح حجهم، جاهلين، أو لا. ولكن الناس ينزلون حيث وجدوا حد منازل الناس ويشتبه على بعضهم الحدود التي على عرفة أو حدود مزدلفة (1) . (تقرير)

(1306 ـ الدفع قبل الغروب)

قد كان بعض الإخوان سهلوا في هذا، ولكن رجعوا لما اتضحت لهم السنة وقول جماهير أهل العلم، والبيان.

وقد نزع بحديث عروة من يرى جواز الدفع قبل الغروب، ولكن هذا غلط واضح، فإنه ليس نصاً في المسألة، إنما فيه إطلاق مقيد، أو عموم مخصوص بالأحاديث الأخر. (تقرير)

(1307 ـ وعليه دم)

تقدم عبد العزيز بن عبد المحسن أبا نمي بسؤال هذا نصه:

نرجو منكم أن ترشدونا عن نفرٍ حجّ هذا الزمان، وأجبروه

(1) ويأتي في رسالة تحذير المناسك. وقد نقلت بكاملها في رمي الجمرات.

ويأتي أيضاً في آخر هذا الباب حكم التأخر عن الوقوف بعرفة نهاراً عمداً في واجبات الحج.

ص: 10

رفقاؤه أن يرتحل معهم من عرفة من شأن أن يتقدموا في الطريق قبل الزحام، وقد خرجوا من حدود عرفة قبل غروب الشمس بخمس دقائق. فماذا يكون عليه في حجه، وهل بين الجاهل والعارف فرق، وماذا يكون في حقه وقد وصل إلى نجد. أفتونا مأجورين.

والجواب: الحمد لله. الذين خرجوا من عرفة قبل غروب الشمس يلزم الغني منهم ذبح شاة في مكة تفرق على المساكين هناك. أما الفقير فيلزمه صيام عشرة أيام. ولا فرق بين الجاهل والعارف. وإذا كان قد وصل إلى نجد فيوكل من يثق به في مكة يذبح الشاة ويفرقها على المساكين. والله الموفق. أملاه الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم آل الشيخ. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(الختم)(ص ـ ف 149 ـ 42 ـ 1 في 25/12/1377هـ)

(1308 ـ الانصراف من عرفة للجنود، وكذلك الدفع من مزدلفة وتركهم المبيت بمنى)

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فجواباً على سؤال سموكم عن حج الجنود الذين يقومون بتنظيم السير في الحج وحفظ الأمن. أُفيد سموكم أنه لا يلزم المذكورين أن يحجوا، إذ ليس كل من ذهب إلى المشاعر يلزمه الحج. ولو خيروا بعد البيان لهم بأنه لا يلزمهم الحج كانا حسناً. ومن حج منهم حينئذ وانصرف من عرفة قبل الغروب بمقتضى وظيفته فلا إثم

ص: 11

عليه في ذلك، وإنما يلزمه دم فقط، ومن لم يجد دماً صام عشرة أيام بعد فراغه من الحج، ومن عاد منهم إلى عرفة في تلك الليلة فلا دم عليه. وإذا اقتضيت المصلحة دفعهم من مزدلفة قبل نصف الليل فلا إثم عليهم في ذلك، وكذلك إذا دعت المصلحة أيضاً إلى تركهم المبيت بمنى فلا يأثمون كذلك. والله يحفظكم. (ص ـ م 4336) .

(1309 ـ س: إذا قهرهم راعي السيارة وانصرف بهم) .

ج ـ عليهم دم، ويغرمه لهم. (تقرير)

(1310 ـ الدفع من مزدلفة)

بسكينة وركود واطمئنان في سيره وفي هيئته من حيث عدم الانزعاج واضطراب لا حاجة إليه، وعند الحاجة كشيء يخشى فواته فشيء آخر. (تقرير)

(1311 ـ تقسيم مزدلفة)

من محمد بن إبراهيم إلى سعادة أمين العاصمة الأستاذ عبد الله عريف

المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

بشأن ما ارتآه الشيخ صالح قطان من تقسيم مزدلفة بالنسبة إلى الحجاج الذين يبيتون بها إلى الفجر والذين ينصرفون بعد نصف الليل.

وقد تأملنا ما ذكره، فلم نجده وجيهاً من الناحية الشرعية وغيرها، لأن الناس عند انصرافهم من عرفة يصعب ضبطهم وإيقافهم لسؤالهم عن من يريد أن يبيت بمزدلفة إلى الفجر أو سينصرف منها بعد منتصف الليل.

ص: 12

وأيضاً فقد يطرى للذين سيبيتون إلى الفجر أن ينصرفوا بعد نصف الليل، وبالعكس. وأيضاً فهذه المناسك لمن سبق إليها، ولا يحل منع من سبق إلى محل من مزدلفة أن يمنع منه لانتظار أحد لم يأت بعد. لهذا وغيره لا ينبغي أن يعول على رأيه المذكور. والسلام عليكم.

مفتي الديار السعودية (ص ـ ف 674 ـ 1 في 4/3/1386هـ)

(1312 ـ س: إذا وصل مزدلفة بعد ربع ساعة)

جـ: إن أخر إلى وصول العشاء فهذا حسن. وإن جمع قبل ذلك فله وجه، فإنه مشروع أن يجمع إذا وصل، ولكن الأول هو الأقرب لمراعاة السنة.

(تقرير)

(1313 ـ قوله: وله الدفع من مزدلفة بعد نصف الليل، لكن بعض أهل العلم يأبى ذلك، ويقول إنه ما جاء إلا في حق الضعيف فلا يكون مسوغاً لبقية الناس أن يدفعوا مثلهم، وهذا هو الأحوط، لأن الرخصة ما جاءت إلا في حقهم، والأصل الاستمرار كما فعل النبي وغير الضعفة. ولا يُزال عن الأصل إلا بمجوز متحقق، وهذا الذي في الضعفة غير متحقق في غيرهم. وإلى هذا ميل الشيخ وابن القيم. والضعف هو كبر السن، أو المرض، والثقل، ونضو الخلقة. وجاء " أن سودة كانت ثبطة فاستأذنت فأذن لها ".

فمن جوز مسألة في الدفع قبل الرسول فعليه إقامة الدليل، وإلا فلا. في مثل وقتنا هذا يمكن أن يكون دفع الناس لو يدفعون بعد نصف الليل لا يحصلون الرفق، وذلك أن الكثير وأهل النشاط يدفعون

ص: 13

من آخر الليل في السيارات وتصير الزحمة من آخر الليل كما تصير في النهار وقريب من ذلك، فهذا يؤكد أن لزوم السنة، ويحتاط لنسكه. وأيضاً لا ينال أرفقية. (تقرير)

س: النصف يعتبر بالفجر.

ج: الليل الشرعي من غيبوبة الشمس إلى طلوع الفجر. فالبيتوتة من المغرب إلى الفجر. وجاء في حق الضعفة أنه حين يبقى ثلث الليل، وجاء أنه بعدما غاب القمر، وهو غير بعيد من تحديده بثلث الليل. (تقرير) .

(1314 ـ صلاة الصبح بغلس فيها)

أحاديث التغليس أكثر ما تفيد أنه بالغ في التبكير، فيفيد أن السنة أن يبكر بالنسبة إلى أول وقتها.

وليس هو هذا التسرع الذي يفعله كثير من الناس، بل هو جهل كبير وعدم معرفة للطاعة، ربما حجه نفل ويترك الفريضة. والفجر هو البياض المعترض، فإذا اعترض فيندب أن يعجل، وهذا لأجل إطالة الدعاء في المشعر.

(تقرير)

(1315 ـ صعود المشعر)

صعود المشعر إن قام عليه دليل، وإلا فلا) (1)(تقرير)(2)

(1) أم المشعر (الجبل) فقد سهل وأقيم عليه المسجد الجديد.

(2)

قلت: أما ما يتعلق بحدود منى والبناء فيها وتوسعة الطرق إلى المشاعر فقد تقدم في أول (كتاب المناسك) وكذلك توسيع ما حوله جمرة العقبة، فليرجع إليه من أراده هناك.

ص: 14

(1316 ـ س: ما حد الحصى الذي لا يجزى الرمي به)

ج ـ ما أعرف. لعل لو حدد ذلك بما يرمي به الرجل والصيد.

ـ مقدار البيضة أو ما يقاربها ـ فيقال رمى به، وهو يعد كبيراً. (تقرير)

س: الذي كبر دمن الحاشي؟

ج ـ لعله يجزي، لأنه ليس في العادة أنه يرمي به أحد، ويوجد لها شيء من المسمى (تقرير)

س: أو دمنة البعير.

جـ: لعل أقرب ما يحدد به الحذف الناكي كالبيضة.

(تقرير)

(1317 ـ خصائص جمرة العقبة)

هذه الجمرة التي ترمى هنا: لها أربع خصائص اختصت بها على سائر الجمرات بالنسبة إلى ماذكره الأصحاب فقط. أما بالنسبة إلى ما هو القول الصحيح فتصير خمساً (الأول) : أنها ترمى يوم النحر. (الثاني) : صباحاً (الثالث) من أسفلها (الرابع) لا يوقف عندها (الخامس) أنها تستقبل حال الرمي وتكون القبلة عن يسار الرامي، بخلاف بقية الجمرات فإنها تستقبل.

وشيء آخر اختصت به يصير " سادساً" ـ وهو لم يُعدّ وهو منها حقيقة ـ: أنها إحدى الحل، فإنه إذا رماها حل. وإن قيل: إن من خصائصها قطع التلبية، فيمكن أن يُعَدّ.

ص: 15

ولو رميت من فوقها أجزأ عند الأصحاب مثل رمي الناس اليوم (1)(تقرير)

(1318 ـ قوله: ولا يرمي بها ثانياً)

تصير مستعملة عند الأصحاب.

وهذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل عليه، لكن بكل حال إذا علم أنهاحصاته أو حصاة غيره رمى بها الأولى أن لا يرمي بها: أولا خروجاً من الخلاف، وأحوط، واهتماماً بالعبادة. (تقرير)

(1319 ـ قوله: ويندب أن يستقبل القبلة عند جمرة العقبة. هذا معنى كونه من أسفلها. لكن الصحيح أن الذي يندب أن تستقبل هي في جميع رميها، وكما في حديث ابن مسعود " جعل البيت عن يساره " (2)

(تقرير)

(1320 ـ قوله: ويرمى بعد طلوع الشمس ندباً)

ويجزئ بعد نصف الليل، إلا أن المسألة هذه فيها خلاف. أما الضعفة فهو ندب في حقهم إن لا يرموا إلا بعد طلوع الشمس، وإن رموا قبل ذلك جاز، ولهذا في الحديث "أمرهم أن لا يرموا إلا بعد طلوع الشمس"(3) ولو صح لكان الضعفة كغيرهم.

الحاصل إن وقتها المستقر بعد طلوع الشمس، والضعفة ظاهر، وغيرهم بالقياس عليهم على قول، والقول الآخر لا يجزي غيرهم إلا بعد طلوع الشمس (4)

(1) وتقدمت فتوى مبسوطة في ذلك في حكم دائرة المرمى.. برقم 1260/1 في 2/7/1383هـ.

(2)

متفق عليه.

(3)

أخرجه الخمسة إلا النسائي وفيه انقطاع.

(4)

وتقدم

ص: 16

(1321 ـ تقديم ذبح هدي التمتع على يوم النحر لا يجوز ولا يجزي)

سؤالان

الأول: ما وقولكم في تقديم ذبح هدي المتعة قبل يوم النحر: هل في ذلك برهان من السنة صحيح صريح، أم لا؟ .

الثاني: ما قولكم في هذه الأفدية التي تفرقها الحكومة على بعض الحجاج، وما يحصل فيها من التلاعب والكذب وتجرثم الحرام: هل الذي ينبغي استمرارها والحال ما ذكرنا، أم لا؟ .

الجواب: عن السؤال الأول: ـ الحمد لله. ليس مع من يجوز تقديم ذبح دم المتعة على يوم النحر حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل السنة المعلومة المتفيضة دلت على أن زمن ذبح هدي التمتع والقران هو يوم النحر فما بعده من الأيام التابعة له.

نعم جاء في صحيح مسلم من رواية أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحدث عن حج النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فأمرنا إذا حللنا أننُهدي ويجتمع النفرُ منا في الهدية وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم في هذا الحديث"(1) فزعم بعض الناس أن فيه دلالة على جواز تقديم ذبح دم التمتع على يوم النحر. ولا دلالة صريحة في هذا الحديث على ذلك، وأكثر ما في الحديث احتماله ذلك، ولا يعدل عما دلت عليه الأحاديث الصريحة لأمر يحتمل.

(1) انظر صحيح مسلم جـ 4ص88.

ص: 17

ولم يجئ في أحاديث إحلال الصحابة رضي الله عنهم من عمرتهم بمكة زمن حجة الوداع أمره صلى الله عليه وسلم إياهم أن يذبحوا في هذا الحين هدياً، بل ولا فعله منهم أحد، كما في حديث جابر الطويل في سياق حج النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه قوله:" فحل الناس وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هديٌ"(1) اهـ.

ومعناه في حديث ابن عمر، ومثله في حديث عائشة، ونظيره في حديث حفصة رضي الله عنهم. فهذه الأحاديث كلها وأمثالها لم يذكر فيها شيء من ذلك، ولو كان شيء لما أهمل، إذ هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله.

ودليل آخر على عدم فعل شيء من ذلك، وهو ذبح النبي صلى الله عليه وسلم عن أزواجه يوم النحر وكن متمتعات، فإنه من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر بذبح الهدي حين الإحلال من العمرة بمكة ويخالف ذلك في هدايا أزواجه رضي الله عنهن بذبحها يوم النحر، بل يظهر من هذا موافقة حديث جابر الذي نحن بصدد الكلام في دلالته لسائر الأحاديث في أن ذبح الهدايا ليس إلا يوم النحر. فتكون الفتوى حينئذ بجواز تقديم ذبح دم المتعة على يوم النحر قد اجتمع فيها محذوران.

" أحدهما ": مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

" الثاني " تسبيب الثقاق والنزاع. ولا يخفى أن الشريعة المطهرة ترمي إلى اجتماع القلوب واتحاد القول والعمل في مواطن لا تحصى

(1) أخرجه مسلم بطوله ـ جـ4ص41.

ص: 18

فيؤخذ من ذلك وغيره أنه ينبغي اتحاد عمل الحجاج في أفعال حجهم. وإذا كان الأمر كذلك فليس أولى القولين بأن يؤخذ به ويجتمع عليه إلا القول الذي دلالة السنة عليه أظهر من الشمس في رابعة النهار.

أما " الجواب " عن السؤال الثاني: فحيث كان الحال في الأفدية التي تدفعها الحكومة لبعض الحجاج قد بلغت إلى ما ذكر في السؤال، بل وإلى ما هو أفظع منه وأبشع بكثير، ولا سيما ووقوع ذلك في الحرام والإحرام، فان ترك الحكومة ذلك خير وأولى من الاستمرار عليه، بل الذي يظهر والحالة ما ذكر تعين العدول عن ذلك.

فنسأل الله أن يوفق الملك للفت النظر لهذه المسألة برفض تفريق تلك الذبائح، نصحاً منه للرعية، وقياماً بالواجبات الشرعية، وإبعاداً عن أسباب المعاصي والمظاهر الردية. والله الموفق، وهو سبحانه أعلم بالصواب.

أملاه الفقير إلى مولاه محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وصلى الله على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. 30/11/373 (هذه من الفتاوى التي طبعت ووزعت)

(1322 ـ فتوى مطولة ـ في: أنه لا يجوز ولا يجزي تقديم دم المتعة قبل يوم النحر، والجواب عما احتج به من جوزه)

ما قولكم وفقكم الله في تقديم ذبح هدي المتعة على يوم النحر: هل يجزئ، أم لا؟ وإذا قال بإجزائه أحد من أهل العلم فما وجه قوله؟

ص: 19

(الجواب) : الحمد لله. لا يجوز، ولا يجزئ تقديم ذبح دم المتعة قبل يوم النحر. وإن قال به بعض أهل العلم فالحجج الساطعة والبراهين القاطعة مع جماهير أهل العلم، ولا دليل مع من خالفهم لا من كتاب ولا سنة ولا قول صاحب ولا قياس صحيح. وما ذكروه من الأحاديث، ونسبتهم ذلك إلى بعض الصحابة، والقياس الذي زعموه، وإيهامهم قوة الخلاف في ذلك: كل ذلك سيتبين لك فيما يأتي ـ إن شاء الله ـ أنه أشبه شيء بسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.

وأبدأ بإيراد ما تيسر من الأحاديث الصحيحة المشتملة على أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة المهلين بالقران والمهلين بإفراد الحج ممن لم يسوقوا الهدي بأن يفسخوا الحج إلى العمرة، فيكونوا بذلك متمتعين بالعمرة إلى الحج:

فروى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي، ومنهم من لم يهد. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: " من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقتضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت والصفا والمروة وليقصر، وليحل، ثم ليهل بالحج، وليهد، فمن لم يجد هدياً فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " الحديث.

ص: 20

وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصرخ بالحج صراخاً، فلما قدمنا مكة " أمرنا أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي فلما كان يوم التروية ورحنا إلى منى أهللنا بالحج".

وروى البخاري عن ابن عباس أنه سئل عن متعة الحج فقال: " أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلّد الهدي فطفنا بالبيت، وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: " من قلد الهدي فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله. ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، وإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقد تم حجنا وعلينا الهدي، كما قال تعالى:{فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} إلآ أمصاركم.

وروى البخاري ومسلم عن جابر قال: " أهللنا بالحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة، فكبر ذلك علينا، وضاقت به صدورنا، فقال: يا أيها الناس أحلوا فلولا الهديُ معي فعلتُ كما فعلتم. قال: فأحللناحتى وطئنا النساء وفعلنا كما يفعل الحلال حتى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج ".

ولهما عن أبي موسى رضي الله عنه، قال:" قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء فقال: " بما أهللت، قال:

ص: 21

قلت: أهللت بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: سُقت من هدي. قلت: لا. قال: " فطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل. فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي".

ولهما عن عائشة، قالت:" فلما دخلنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها عمرةً إلا من كان معه الهدي قالت: وذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر يوم النحر ".

وروى مسلم عن ابن عباس، قال: أهل النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة وأهل أصحابه بالحج فلم يحل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من ساق الهدي من أصحابه وحل بقيتهم.

وله عن أسماء بنت أبي بكر قالت: " خرجنا محرمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدي فليقم على إحرامه، ومن لم يكن معه هدي فليحلل، ولم يكن معي هدي فحللت، وكان مع الزبير هدي فلم يحل ".

وروى الإمام أحمد عن أنس، قال:" خرجنا نصرخ بالحج، فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها عمرة، وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة، ولكن سُقت الهدي وقرنت بين الحج والعمرة ". وله عن ابن عمر قال: " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وأصحابه مهلين بالحج فقال: من شاء أن يجعلها عمرةً إلا من كا ن معه الهدي. قالوا

ص: 22

يارسول الله: أيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منياً. قال: نعم. وسطعت المجامر ".

وروى أبو داود عن الربيع بن سبرة، عن أبيه، قال:" خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعسفان قال له سراقة بن مالك المدلجي: يارسول الله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم فقال: " إن الله عز وجل قد أدخل عليكم في حجكم عمرة، فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل، غلا من كان معه هدي ".

وروى أحمد وابن ماجه عن البراء بن عازب، قال:" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال. فأحرمنا بالحج، فلما قدمنا مكة قال. اجعلوا حجكم عمرة. قال. فقال الناس: يارسول الله قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة. قال. انظروا ما آركم به فافعلوا، فردوا عليه القول، فغضب، ثم انطلق حتى دخل على عائشة وهو غضبان، فرأت الغضب في وجهه، فقالت: من أغضبك أغضبه الله، فقال. ومالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا أتبع ".

وروى البزار في مسنده بإسناده صحيح عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل هو وأصحابه بالحج والعمرة، فلما قدموا مكة طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة، وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلوا، فهابوا ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحلوا فلولا أن معي الهدي لأحللت، فحلوا حتى حلوا إلى النساء".

وروى أبو داود عن أنس، قال "بات رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني بذي الحليفة ـ حتى أصبح ثم ركب، حتى إذا

ص: 23

استوت به راحلته على البيداء حمد الله وسبح وكبر، ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما، فلما قدم أمر الناس فحلوا، حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج نحر سبع بدنات بيده قياماً ".

وروى أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن قرط، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن أعظم الأيام عند الله عز وجل يوم النحر، ثم يوم القرّ، قال ثور. وهو اليوم الثاني. قال. وقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدنات خمس أو ست فطفقن يزد قن إليه بأيتهن يبدأ، قال: فلما وجبت جنوبها قال: فتكلم بكلمة خفية لم أسمعها، فقلت. ما اقال: قال: من شاء اقتطع ".

وروى مسلم من طريق الليث عن أبي الزبير، عن جابر، أنه قال:" أقبلنا مهلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج مفرد، وأقبلت عائشة بعمرة، حتى إذا كنا بسرف عركت، حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة والصفا والمروة، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحل منا من لم يكن معه هدي، قال. فقلنا. حل ماذا؟ قال: الحل كله، فواقعنا النساء، وتطيبنا بالطيب، ولبسنا ثيابنا، وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال، ثم أهللنا يوم التروية " الحديث وروى مسلم أيضاً من طريق أبي خيثمة، عن أبي الزبير، عن جابر قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج معنا النساء والولدان، فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يكن معه هدي فليحلل. قال: قلنا. أي الحل؟ قال. الحل كله، قال. فأتينا

ص: 24

النساء، ولبسنا الثياب، ومسنا الطيب، فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج " الحديث.

فهذه بضعة عشر حديثاً مفادها جميعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه عام حجة الوداع القارن منهم والمفرد ممن لم يسق الهدي أن يفسخ الحج إلى العمرة، ففعلوا. ولم يرد في واحد منها الأمر بأن يهدوا في هذا الحين حين فسخ الحج.

وعلى هذه الأحاديث الثابتة والسنن الشهيرة عول المسلمون منذ عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، لم يثبت أن واحداً من الصحابة ذبح هديه قبل يوم النحر. وما روي عن ابن عباس سيأتي الجواب عنه إن شاء الله. فهؤلاء أحد عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين رووا حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وماأمر به من فسخ الحج إلى العمرة، وموافقة الصحابة على ذلك، ورجوعهم إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم ري الله عنهم وأرضاهم إلى أن ساقوا بقية حجة النبي صلى الله عليه وسلم أو معظمها لم يرو واحد منهم تلك الزيادة التي توهم منها من توهم جواز تقديم ذبح الهدي وهي قوله في الحديث " وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم في هذا الحديث ".

فصل

وأما المجوزون لتقديم ذبح الهدي قبل يوم النحر، فقالوا محتجين على ماذهبوا إليه: روى مسلم في صحيحه ورواه أحمد والطيالسي، ولفظ مسلم قال: حدثني محمد بن حاتم، حدثنا محمد بن بكر، أخبرنا ابن جريج أخبرنا أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله

ص: 25

يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي، ويجتمع النفر منا في الهدي، وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم " في هذا الحديث.

" الثاني ": ما رواه الحاكم في مستدركه بسند على شرط مسلم عن مجاهد وعطاء، عن جابر بن عبد الله، قال:" كثرت القالة من الناس فخرجنا حجاجاً حتى لم يكن بيننا وبين أن نحل إلا أيام قلائل، أمرنا بالإحلال. قلنا: أيروح أحدنا إلى عرفة وفرجه يقطر منياً، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام خطيباً فقال: أبالله تعلمون أيها الناس، فأنا والله أعلمكم بالله وأتقاكم له، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت هدياً ولحللت كما أحلوا، فمن لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع إلى أهله، ومن وجد هدياً فلينحر فكنا ننحر الجزور عن سبعة " قال عطاء، قال ابن عباس:" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم يومئذ في أصحابه غنماً، فأصاب سعد بن أبي وقاص تيساً فذبحه عن نفسه، فلما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة أمر ربيعة بن أبي خلف فقام تحت يدي ناقته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إصرخ: أيها الناس هل تدرون أي شهر هذا " الحديث.

قال من نقل الحديثين السابقين: ولعل ثالثهما ما أخرجاه في الصحيحين واللفظ للبخاري، عن أنس، قال: " صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، فبات بها، فلما أصبح ركب راحلته فجعل يهلل ويسبح، فلما علا على البيداء لبى بهما جميعاً، فلما دخل مكة أمرهم أن يحلوا، ونحر

ص: 26

رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده سبع بدن قياماً " وفي السنن الكبرى للبيهقي عن ابن وهب، قال: أخبرني مالك بن أنس، عن عمرو بن دينار، أنه قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: من اعتمر في أشهر الحج في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة فقد استمتع، ووجب عليه الهدي، والصيام إن لم يجد هدياً.

والجواب عن الحديث الأول الذي رواه أحمد ومسلم والطيالسي فيما زعمه من أورده أن يقال: لا حجة في هذا الحديث على ما ذهبوا إليه من وجوه:

" أحدهما " أن يقال: لا منافاة بين مدلوله وبين مدلول سائر الأحاديث التي ذكرناها وغيرها في هذا الباب، فإن فيهن جميعاً نطقاً أو تضمناً أمر النبي صلى الله عليه وسلم للقارن والمفرد الذين لم يسوقا الهدي بالتحلل، والأمر بالهدي، والأمر باشتراك السبعة في البدنة.

نعم في هذا الحديث تنسيق أمرهم بالهدي وأمرهم بأن يشترك السبعة في البدنة على أمرهم إياهم بالفسخ بلا فصل، متبعاً ذلك بهذه الزيادة وهي قوله:" وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم" ولم تنسق هذه الأمور في بقية الأحاديث هذا التنسيق الذي في هذا الحديث، ولم تذكر فيهن تلك الزيادة، بل جاءت الأوامر في تلك الأحاديث مفصولاً بعضها عن بعض بجمل، فنشأ عن اختلافها هذا الاختلاف سوء فهم من استدل بهذا الحديث على جواز تقديم الذبح على يوم النحر، ولم يفرق بين زمن الأمر بالشيء وزمن فعل المأمور به فظن أن الإشارة في قوله " وذلك حين أمرهم " إلخ إشارة إلى زمن الذبح، وإنما هو الإشارة إلى زمن الأمر، والمراد أن زمن الأمر بالفسخ. وزمن الأمر بالهدي زمن واحد، أو أنها تأكيد للجملة الأولى.

ص: 27

ثم الأمر لا يفيد الفورية إلا حيث تجرد عن قرينة متصلة أو منفصلة، وهو هنا لم يتجرد عن القرينة المنفصلة، بل جاءت السنة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث أن زمن ذبح الهدايا هو يوم النحر، وذلك: من فعله صلى الله عليه وسلم، وقوله، وتقريره. من ذلك ما في المتفق عليه من حديث عائشة، قالت:" وذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر يوم النحر " وهن ما عدا عائشة ممن فسخ الحج إلى العمرة، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم يوم النحر لما نحر ما نحر من هديه " ونحرت هاهنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم ".

والذي لا ريب فيه أنه لم يثبت عن واحد من الصحابة أنه أهدى قبل يوم النحر، وعلى من زعم خلاف ذلك إقامة الدليل، وهيهات أن يقيم دليلاً صحيحاً على ذلك.

قال ابن القيم رحمه الله في " زاد المعاد ": وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ذبح هدي العمرة عند المروة، وهدي القران بمنى، وكذلك كان ابن عمر يفعل، ولم ينحر صلى الله عليه وسلم هديه قط إلا بعد أن حل، ولم ينحره قبل يوم النحر، ولا أحد من الصحابة البتة، ولم ينحره أياً إلا بعد طلوع الشمس، وبعد الرمي. فهي أربعة أمور مرتبة يوم النحر: أولها الرمي، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الطواف. وهكذا رتبها صلى الله عليه وسلم، ولم يرخص في النحر قبل طلوع الشمس البتة، ولا ريب أن ذلك مخالف لهديه فحكمه حكم الأضحية إذا ذبحت قبل طلوع الشمس. اهـ.

ص: 28

" وأيضاً ": إطلاق هذا الإسم وهو " يوم النحر " على اليوم العاشر من أيام ذي الحجة يفيد اختصاصه بذلك اسماً وفعلاً، وأن لا يشركه في ذلك سواه، إلا ما قام البرهان عليه كأيام التشريق فإنهن تبع له توسعة لزمن النحر. وإذا قلنا: اليوم العاشر من ذي الحجة يوم النحر.

فهي جملة اسمية معرفة الطرفين، وهي مفيدة الحصر عند أهل هذا الشأن، إلا أنه من باب الحصر إلا دعائي، ولهذا تشركه في ذلك أيام التشريق. ونظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" الحج عرفة " أي معظمه لا كله، لأن البرهان الشرعي أدخل فيه أشياء أخرى من الطواف والسعي ورمي الجمار وغير ذلك.

وحينئذ يتضح أن لا دلالة في الحديث الذي استدلوا به على جواز تقديم الذبح على يوم النحر.

وليُعْلم أن أبا داود الطيالسي لم يشرك مسلماً وأحمد في رواية هذا الحديث، وأنا أذكر لك ما في " سنن أبي داود الطيالسي" قال رحمه الله: حدثنا أبو داود، قال حدثنا وهيب بن خالد وساق بسنده إلى جابر بن عبد الله، قال: " أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تسعاً لم يحج، ثم أذن للناس في الحج فتهيأ أُناس كثيرون يريدون الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج حتى إذا أتى ذا الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر الصديق، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله، فقال: إغتسلي واستثقري، ثم أهلي، ففعلت. قال: فلما اطمأن صدر ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظاهر البيداء أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهللنا لا ننوي إلا الحج، قال جابر: فنظرت من بصري ومن

ص: 29

ورائي وعن يميني وعن شمالي من الناس مشاة وركباناً، فخرجنا لا نعرف إلا الحج، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، فانطلقنا لا نعرف إلا الحج له خرجنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معنا، والقرآن ينزل عليه، وهو يعلم تأويله، وإنما يعمل بما أمر به، حتى قدمنا مكة، فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر فاستمله، ثم طاف سبعاً، ورمل في ذلك ثلاثاً، ومشى أربعاً، ثم تلا هذه الآية {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} (1) فصلى ركعتين " قال أُبي: وكان يستحب أن يقرأ فيهما بالتوحيد: {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} ولم يذكر ذلك في حديث جابر.

ثم رجع إلى حديث جابر، قال: " ثم أتى الركن فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا، وقال: نبدأ بما بدأ الله به وقال {إن الصفا والمروة من شعائر الله} قال: فرقى على الصفا حتى بدا له البيت، فكبر ثلاثاً، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، ثم يدعو بين ذلك. قال: ثم نزل فمشى حتى أتى بطن المسيل سعا حتى أصعد قدميه في المسيل، ثم مشى حتى أتى المروة، فصعد حتى بدا له البيت، فكبر ثلاثاً، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هكذا كما فعل ـ يعني على الصفا ـ ثم نزل، فقال: من لم يكن معه الهدي فليحل وليجعلها عمرة فلو أني استقبلت من أمري

(1) سورة البقرة ـ آية 125.

ص: 30

ما استدبرت لجعلتها عمرة فأحلوا. وقدم علي بن أبي طالب من اليمن فرأى الناس قد حلوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بأي شيء أهللت، قال: قلت: اللهم أُهل بما أهل به رسولك. قال: فإن معي الهدي فلا تحل. قال: فدخل علي على فاطمة وقد اكتحلت ولبست ثياباً صبيغاً، فأنكر ذلك، فقال: من أمرك بهذا. قالت: أمرني أبي. فقال محمد بن علي: فكان علي يحدث بالعراق، قال: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرقاً على فاطمة في الذي ذكرت، فقال: صدقت. أنا أمرتها، قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، فلما كان يوم النحر نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وسبعين بدنة، ونحر علي ما غبر، وكانت مائة بدنة، فأخذ من كل بدنة قطعة فطبخ فأكل هو وعلي وشربا من المرقة، وقال سراقة بن مالك بن جعشم: يارسول الله ألعامنا هذا أم للأبد، فقال: لا بل للأبد، دخلت العمرة في الحج وشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه " انتهى الحديث. وهو كما ترى عار عن تلك الزيادة.

" الوجه الثاني " الحكم على هذه الزيادة بالفردية والشذوذ، وهي قوله:" وذلك حين أمرهم أنيحلوا من حجهم " في هذا الحديث فنقول:

روى أحاديث فسخ الحج إلى العمرة في حق القارن والمفرد الذين لم يسوقا الهدي جماعة من الصحابة ينيفون عن العشرة، وقد تقدمت أسماؤهم وأحاديثهم الدالة على عدم شرعية التقديم لتظاهرها مع كثرتها وصحتها على عدم صحة تلك الزيادة، ومن جملتهم جابر

ص: 31

بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين، وقد جاءت من طرق متعددة، ولم يذكر من طريق من طرق واحد من هذه الأحاديث ذكر تلك الزيادة نعم جاءت في طريق واحد من طرق راو واحد من رواة حديث جابر وهو أبو الزبير المكي، وهي ما رواه أحمد ومسلم من حديث محمد بن بكر البرساني، حدثني محمد بن حاتم، حدثنا محمد بن بكر، أخبرناابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال:" فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية، وذلك حين أمرهم أنيحلوا من حجهم ـ في هذا الحديث ".

فمدار هذه الزيادة على محمد بن بكر البرساني، أفترانا ندع أحاديث أكثر من عشرة من الصحابة رووا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون تلك الزيادة، وندع أيضاً رواية العدول والمشاهير عن جابر ـ مجاهد وعطاء ومحمد بن علي بن الحسين ـ الذين هم أشهر من أبي الزبير المكي وأقوى وأوثق منه لرواية أبي الزبير.

هذا لولم يرو عن أبي الزبير إلا من هذا الطريق المشتمل على تلك الزيادة، فكيف وقد رواه عن أبي الزبير المكي جماعة أئمة وهم مالك بن أنس والليث بن سعد ومطرف وأبو خيثمة وسفيان بن عيينة في آخرين عارياً من تلك الزيادة ووارداً رواية مجاهد وعطاء ومحمد بن علي بن الحسين، متفقاً ذلك كله مع أحاديث من أسلفنا أسماءهم وأحاديثهم.

أفنترك هذا كله ونأخذ بماانفرد به محمد بن بكر الذي أحسن أحواله أنه صالح الحديث ومخرج له في الصحيحين، وهذا وأمثاله

ص: 32

لا يبلغ به إلى مرتبة أدنى واحد من الثقات الأثبات في هذا الشأن من رواة هذا الحديث عن أبي الزبير، فضلاً عما فوقه من الثقات ممن هم أكبر وأشهر من هؤلاء عن جابر، فضلاً عن أحاديث جماعة الصحابة التي أسلفنا ذكرها.

فثبت بذلك فردية هذه الزيادة فردية تمنع الاحتجاج بها، لا سيما وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج إلى العمرة قضية واحدة لا تعدد فيها حتى يرام الجمع بينها وبين تلك الأحاديث بغير ما ذكرناه.

وهذا يشبه حديث أبي هريرة المرفوع في ذكر الغر المحجلين بالنسبة إلى قوله في الحديث: " فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " فإنها ليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي مدرجة من قول أبي هريرة رضي الله عنه نفسه، واستدل علماء الحديث على ذلك بأن أصل حديث الغرة والتحجيل رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي هريرة تسعة نفر من الصحابة رضي الله عنهم لم تذكر هذه الزيادة في رواية واحد منهم، ورواه عن أبي هريرة غير نعيم المجمر تسعة أنفس لم يذكر واحد منهم هذه الزيادة في حديثه عن أبي هريرة، وإنما انفرد بها عنهم نعيم المجمر.

" الوجه الثالث ": أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أمر أولئك الصحابة بأن يذبحوا حين حلوا من عمرتهم وقبل يوم النحر لسارعوا إلى الذبح كما سارعوا إلى لبس الثياب والطيب ومجامعة النساء، ولو فعلوا لنقل إلينا، فإنه مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلما لم ينقل علم بذلك بطلانه.

ص: 33

وأما" الحديث الثاني ": وهو ما أخرجه الحاكم، فليس فيه حجة على جواز التقديم من وجهين:

" أحدهما " أن هذا الحديث لا يخالف ما دلت عليه أحاديث الباب، فنه اشتمل على أمر النبي صلى الله عليه وسلم أولئك الصحابة رضي الله عنهم بعدة أوامر (أحدها) : فسخ الحج إلى العمرة.

(الثاني) : أمره من وجد الهدي منهم أن يهدي. (الثالث) : أمره من لم يجد هدياً بأن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله. ولا يلزم من كونه أمرهم بذلك أن يكون الذبح قبل يوم النحر، كما لا يلزم من قول جابر في هذا الحديث:" كنا ننحر الجزور عن سبعة " أن يكون ذلك قبل يوم النحر، كما أنه ليس في قوله: قال عطاء قال ابن عباس: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم يومئذ في أصحابه غنماً " إلى آخره ما يدل على أن ذبح سعد للتيس عن نفسه قبل يوم النحر، وذلك لعدم التصريح فيه ببيان الوقت والمكان، وقد جاء فيما رواه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح ما يبين زمن ذبح سعد لذلك التيس ومكانه، فقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني عكرمة مولى ابن عباس، زعم أن ابن عباس أخبره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنماً يوم النحر في أصحابه، وقال:" اذبحوها لعمرتكم فإنها تجزي " فأصاب سعد بن أبي وقاص تيساً.

وبهذا انكشفت الشبهة، واتضح أن لا حجة فيما استدل به على ما زعمه.

" الوجه الثاني " أن الحاكم رحمه الله وإن صححه وعلم عليه بعلامة شرط مسلم فإن عنده من التساهل في التصحيح ما هو معلوم

ص: 34

عن أرباب هذا الشأن، وقد صحح في " مستدركه" أحاديث ساقطة ولكن قيل في الاعتذار عنه إن تصنيفه للمستدرك كان في آخر عمره، والذهبي رحمه الله لم يصحح هذا الحديث في " التلخيص".

وأما " الحديث الثالث": وهو ما أخرجاه في الصحيحين، عن أنس، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، فبات بها، فلما أصبح ركب راحلته فجعل يهلل ويسبح، فلما علا على البيداء لبى بهما جميعاً، فلما دخل مكة أمرهم أن يحلوا، ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده سبع بدن قياماً ".

(والجواب) : أنه لا يخفى على من له أدنى إلمام بالسنة وأحكام المناسك أن هذه السبع المذكورة هن من المائة التي لم تنحر إلا يوم النحر، والمشهور والصحيح المعروف ما في الصحيح من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم لما رمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس يوم النحر انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده، ونحر علي بقيتها. وجاء في أحاديث تفاصيل غير هذا وأُجيب عنها بأجوبة.

قال ابن القيم رحمه الله: والجواب: أنه لا تعارض بين الحديثين، قال أبو محمد بن حزم: مخرج حديث أنس على أحد وجوه ثلاثة (أحدها) أنه صلى الله عليه وسلم لم ينحر بيده أكثر من سبع بدن كما قال أنس، وأنه أمر من ينحر ما بعد ذلك إلى تمام ثلاث وستين، ثم زال عن ذلك المكان وأمر علياً فنحر ما بقي.

(الثاني) أن يكون أنس لم يشاهد إلا نحره صلى الله عليه وسلم

ص: 35

سبعاً فقط بيده، وشاهد جابر تمام نحره صلى الله عليه وسلم للباقي، فأخبر كل منهما بما رأى وشاهد. (الثالث) : أنه صلى الله عليه وسلم نحر بيده منفرداً سبع بدن، كما قال أنس، ثم أخذ هو وعلي الحربة معاً فنحرا كذلك تمام ثلاث وستين، كما غرفة بن الحارث الكندي: أنه شاهد النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ قد أخذ بأعلى الحربة وأمر علياً فأخذ بأسفلها ونحرا بها البدن، ثم انفرد علي بنحر الباقي من المائة كما قال جابر ـ والله أعلم. اهـ.

من" الهدي النبوي"

فظهر بما تقدم أن كل ما ورد من الأحاديث والروايات في تفصيل ما نحر النبي صلى الله عليه وسلم وما نحر علي منها أنه في يوم النحر.

وأما ما رواه البيهقي في " السنن" عن ابن عمر أنه قال: من اعتمر في أشهر الحج في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة فقد استمتع ووجب عليه الهدي، والصيام إن لم يجد هدياً. فإن هذا من قول ابن عمر نفسه لكن له حكم الرفع، لأن الصحابي إذا قال شيئاً ليس للرأي فيه مسرح ولم يكن ذلك الصحابي يروي عن بني اسرائيل فإنه يكون لما قاله حكم الرفع، وابن عمر لا يروي أحاديث بني إسرائيل، وهذا مما لا مسرح للرأي فيه.

وحاصل هذا الخبر ومدلوله: أن من أحرم بالعمرة في أشهر الحج بأن قال: لبيك عمرة، سواء قال: متمتعاً بها إلى الحج أو لم يقل، وسواء نوى ذلك أو لم ينوه، فإنه متمتع بالعمرة إلى الحج، كما لو نطق بذلك بلسانه ولا فرق، فإذا حج تلك السنة التي اعتمر في أشهر حجها فعليه دم المتعة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة

ص: 36

إذا رجع إلى أهله، فإنه داخل في معنى قوله تعالى:{فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة} (1) وهو أيضاً مدلول أحاديث كثيرة. وفي الحقيقة هذا الخبر أجنبي من الدلالة على جواز تقديم ذبح دم المتعة قبل يوم النحر.

وبما ذكرناه في هذا الفصل يظهر بطلان ما ذهب إليه من جوز تقديم ذبح الهدي قبل يوم النحر، وأنه غلط محض ـ من حيث الرواية، والدراية.

فصل

وقد استدل بعض من كتب في ذلك بعبارات نقلوها عن جماعة من أهل العلم، مستند أولئك الجماعة في ذلك أمران:

" أحدهما " ما جاء في بعض الروايات التي ظنوا صلاحيتها للاحتجاج وليست كذلك كما قدمنا.

و" الثاني " شيء من القياس ضمنت بعض تلك النقول.

والجواب عن ذلك من طريقين: مجمل، ومفصل.

أما" المجمل" فقد أجمع العلماء على أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تفسر القرآن وتدل عليه وتعبر عنه وتبين مجمله، كما قال تعالى:{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (2) وأنه يجب الرد عند التنازع إلى الله ورسوله كما قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه على الله والرسول إن

(1) سورة البقرة ـ آية 196.

(2)

سورة النحل ـ آية 44.

ص: 37

كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} (1) والرد إلى الله سبحانه هو الرد إلى كتابه العزيز، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} (2) وقال تعالى:{ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً} (3) والتحاكم إلى الطاغوت يشمل أنواع التحاكم والرد إلى غير الكتاب والسنة.

وقال تعالى: {إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم} (4) الآية. وعن عدي بن حاتم، قال:" سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: {إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} فقلت: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم. قال: " أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه.

قلت: بلى. قال: فتلك عبادتهم ".

كما أجمعوا على أن الايجاب والتحريم والتشريع ليس إلى أهل العلم ولا إلى الملوك منه شيء، وإنما هو إلى الله ورسوله فقط، فلا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولا حرام إلا ما حرم الله ورسوله، ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله، قال تعالى:{أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} (5) وقال تعالى {ثم جعلناك على

(1) سورة النساء ـ آية 59.

(2)

سورة النساء ـ آية 65.

(3)

سورة النساء ـ آية 60.

(4)

سورة التوبة ـ آية31.

(5)

سورة الشورى ـ آية 21.

ص: 38

شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} (1) وقال تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا عليّ الكذب} (2) وإن كل رأي أو اجتهاد أو قياس فهو ساقط لاغ عندما يقوم الدليل الشرعي على خلافه.

ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال له: " بم تحكم. قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد. قال: فبسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد، قال: أجتهد رأيي، فقال: الحمد لله الذي وفق رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسول الله " وقال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر. وقال الإمام أحمد: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (3) أتدري ماالفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، وقال الإمام مالك رحمه الله: كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الإمام الشافعي رحمه الله: إذا خالف قولي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي الحائط، وقال أيضاً: إذا خالفت قول النبي صلى الله عليه وسلم فاعلموا أني مجنون، أو كما قال رحمه الله، وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: ما جاء عن الله تعالى فعلى الرأس والعين، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة فعلى الرأس والعين، وما جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال

(1) سورة الجاثية ـ آية 18.

(2)

سورة النحل ـ آية 63.

(3)

سورة النور ـ آية 63.

ص: 39

وقال أبو عمر بن عبد البر: أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس كائناً من كان. وقد طفحت عبارات أئمة الإسلام بهذا المعنى.

والتقليد ليس بعلم إجماعاً، قال أبو عمر بن عبد البر: أجمع العلماء على أن المقلد لا يعد من أهل العلم. اهـ. وإنما قال ذلك رحمه الله لأن العلم هو ما قاله الله ورسوله، أو قاله الصحابة. وما أحسن قوله من قال:

العلم قال الله قال رسوله

قال الصحابة ليس خلف فيه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة

بين النصوص وبين رأي فقيه

وما أصوب قول من قال:

وليس كل خلاف جاء معتبراً

إلا خلافاً له حط من النظر

وأما " الجواب المفصل " فإن دعوى من ادعى: أن وقت ذبح دم المتعة والقران ليس على حده لا من أوله ولا من آخره دليل لا من الكتاب ولا من الإجماع. فإن هذه دعوى مردودة، والطرق بينها وبين الوصول إلى الصواب مسدودة. ونص عبارته) مع أن هذا القول المشهور بتحديد وقت الذبح بيوم النحر وأيام التشريق بعده لم يستند على نص صريح ثابت لا من كتاب الله تعالى ولا من سنة رسول الله) اهـ.

وقد اغتر بقول ابن حزم وقلده التقليد الأعمى، مع أن ابن حزم لم يدع عدم التحديد للوقت من أوله. ألم يعلم المستدل ـ بـ قال: ابن حزم، وقال: فلان، وقال: فلان ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم: " يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام"

ص: 40

وهي " أيام أكلٍ وشرب"، ألم يعلم أن يوم النحر لا يصام بحال، وأن أيام التشريق لا يصمن إلا عن دم متعة وقران. أفيظن أن الأعمال التي هي أعمال الأعياد وأنس الأعياد وسرور الأعياد وشعائر الأعياد يستوي فعلها في الأعياد وفعلها في غير الأعياد، ألا يكفي تواطؤ أوجه السنة الثلاثة: قول النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله، وتقريره ـ على ما يقتضي تحديد وقت الذبح المذكور من أوله بطلوع الشمس يوم النحر، ومن آخره بآخر أيام التشريق، ولعمري إن الواحد منها كاف فكيف يتظافرها جميعاً.

أفيقول من زعم أنه لا تحديد لذبح دم المتعة لا من أوله ولا من آخره باستواء من ذبح الهدي في هذه الأيام التي نحر فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بالنحر فيها وقرر الذابحين فيها على ذبحهم ومن ذبح قبلها أو بعدها، وأن كل الفريقين عملوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم " فإن قال ذلك لزمه التسوية بين ما فرق الله بينه شاء أم أبى، فإن الله سبحانه فرق بين يوم النحر وما يتبعه من أيام التشريق وبين سائر الأيام. فيوم النحر وأيام التشريق خصصن بخصائص وميزن بمميزات من كونهن أعياد أهل الإسلام، ومن كونهن أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى، ونحو ذلك والأيام التي يوقع المجوز الذبح فيهن مؤخرات عليهن أو مقدمات مفقودة تلك المزايا وتلك الصفات.

وليعلم أن دم التمتع والقران ليس من الجبران في شيء، وإنما هو دم نسك مستقل، وشعيرة من شعائر الحج، معتبر من حيث الزمان والمكان، ومن حيث ترتيب أعمال الحج بعضها مع بعض. فالمكان هو منى الذي هو مكان الرمي والحلق والنحر، والزمان هو من طلوع

ص: 41

الشمس يوم النحر إلى آخر أيام التشريق، وترتيب أعمال الحج من فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث بدأ يوم النحر برمي الجمرة، ثم بالنحر، ثم بالحلق، ثم بطواف الإفاضة، مع قوله:" خذوا عني مناسككم"، وندماء الجبران معلومة في مواضعها، ومعروف وجه تسميتها جبراناً بما لا يوجد مثله في الإنساك، فإنه سمي دم جبران لجبره ما وقع من النقص في العبادة. والتمتع بالعمرة إلى الحج لا نقصان فيه بحال، بل هو أفضل الأنساك، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم المحرم بالحج مفرداً والقارن بينهما الذين لم يسوقا الهدي بفسخ الحج إلى العمرة، وتأسف صلى الله عليه وسلم على سوقه الهدي بقوله " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت هدياً ولحللت معكم " فأي نقص حينئذ في المتعة حتى يكون دمها دم جبران.

ومما يوضح ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكلوا من لحوم هداياهم، عملاً بقوله تعالى:{فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} (1) ولو كان دم جبران لاختص بالفقراء أو المساكين.

وأما ما نقله من عبارات من جوز تقديم ذبح دم المتعة على يوم النحر من النقول ممن نقل عنهم من العلماء.

فالجواب أن يقال: إن تلك النقول مع طولها متعلقة بوجوب الدم والخلاف فيه. ووقت الوجوب شيء، ووقت الذبح شيء آخر.

والذي يتعلق منه بجواز الذبح قبل يوم النحر قليل جداً. وبيان

(1) سورة الحج ـ آية 28.

ص: 42

ذلك أنه نقل عن الموفق رحمه الله ثلاثاً نقول: نقلين من " المغني" والثالث من " الكافي " وليس في واحد منها ما يدل على ذهاب الموفق إلى جواز تقديم ذبح دم المتعة على يوم النحر بحال، وأكثر ما فيه أنه ذكر ذلك مذهب الشافعي، واشار إلى وجه ذلك عند الشافعية.

والنقل الثالث عن الموفق من " كتاب الكافي" وليس فيه أيضاً ما يدل على جواز التقديم. ونقل عن ابن مفلح في " الفروع" ثلاثة نقول، وعن " الإنصاف" نقلاً واحداً، وأكثر ذلك أو كله يدور حول وقت وجوب الدم.

ولم ينقل التصريح بجواز التقديم إلا عن أبي الخطاب في " الانتصار" والآجري. وحينئذ نقابل قول هذين الحنبليين المجوزين لذلك بشخصين مثلهما من الأصحاب، ويبقى معنا الإمام أحمد وبقية الأصحاب. وأما كون ذلك رواية عن الإمام أحمد، فإن أحمد رحمه الله يكون له في المسألة الواحدة روايتان وثلاث روايات وأربع روايات وخمس روايات، ولا يدل ذلك على صحة كل رواية.

وكذلك ما نقل عن الشافعية والمالكية فهو نظير ما نقله عن الحنابلة من أن أكثره بل إلا النزر القليل حول وقت وجوب الدم، فالشافعية والمالكية المنقول عنهم ذلك يقابلون بأقوال أمثالهم من أصحابهم ومن الحنابلة. والشافعي وأبو حنيفة يقابلان بأحمد ومالك. وتبقى لنا الأحاديث الكثيرة الصحيحة الثابتة والصحابة والتابعون وكافة العلماء إلا النزر القليل جداً، كما يبقى لنا القرآن الكريم المفيد عدم جواز تقديم الذبح، وذلك في قوله تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (1) ووجه دلالة الآية على ذلك

(1) سورة الحشر ـ آية 7.

ص: 43

ما أخرجه الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال:" لعن الله الواشمات والمتوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله عز وجل" قال: فبلغ امرأة من بني أسد في البيت يقال لها أم يعقوب فجاءت إليه فقالت بلغني أنك قلت كيت وكيت قال: مالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كتاب الله تعالى فقالت: إني لأقرا ما بين لوحيه فما وجدته، فقال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه أما قرأت {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} قالت: بلى، قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، قالت: إني لأظن أهلك يفعلونه، قال: اذهبي فانظري، فذهبت فلم تر من حاجتها شيئاً، فجاءت فقالت: ما رأيت شيئاً، قال: لو كان كذا لم تجامعنا".

وليعلم أنه حيث ذكر بعض الشافعيين فيما نقل عنه ما يقتضي أن تقديم الذبح قيام تقديم أشياء ذكرها.

فيقال: إن " القياس" مردود إذا خالف النص باتفاق الأئمة، ويمتنع أيضاً القيام فيما انعقد سبب فعله زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يفعله، ومن المعلوم مصادمة هذا القول للنصوص، وأنه انعقد سببه زمن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ولم يثبت عنه ذلك فعلاً منه ولا قولاً ولا تقريراً، بل الذي ثبت عنه وعن خلفائه الراشدين وأصحابه المرضيين خلاف ذلك، ومتى صح النقل وكان صريح الدلالة فإن القياس الذي بخلافه من أبطل القياس، وبطلانه من أساسه، ولا يمكن أن يختلف قياس صحيح مع نقل ثابت صريح، وحينئذ ليست المسألة من باب تعارض أصلين بحال،

ص: 44

وتقديم صيام ثلاثة الأيام على يوم النحر الذي هو وقت الذبح وجهه ـ والله أعلم ـ حاجة الصيام إلى طول الوقت بخلاف الذبح فإن زمنه بضع دقائق، فحكمة الشرع اقتضت تقديم الصيام دون الذبح، وقد أعطي زمن الذبح من التطويل زمناً كافياً وهو بقية يوم النحر مضموماً إليه أيام التشريق الثلاثة، ولا يقال: ألا يكتفى في سعة الوقت للصيام أن يصمن في أيام التشريق. قيل: لا، لأنهن أعياد وأيام أكل وشرب، كما ثبتت بذلك السنة، نعم يصمن للضرورة إذا لم يبق للصوم زمن إلا ذلك، كما في الحديث:" لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي".

وأما ما نقله عن ابن القيم رحمة الله عليه في كتابه " إعلام الموقعين عن رب العالمين": من أن الفتوى تختلف باختلاف الأزمة والأمكنة والأحوال والعوائد، فإنه حق، لكنه يحتاج في تطبيقه إلى رجال لهم ملكة وقدم راسخ في العلم بمدارك الأحكام، وناقل كلامه نقل عدة أمثلة لهذا الأصل: منها قوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تقطع الأيدي في الغزو، ومنها أن عمر بن الخطاب أسقط القطع عن السارق في عام المجاعة، ومنها أن طلاق الثلاث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر واحدة فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم.

ص: 45

فالجواب أن هذه من باب العقوبات الشرعية، فخفتها وغلظها وإقامتها وترك إقامتها أحياناً هو على حسب المصلحة، وبعضها أيضاً من (باب درء الحدود بالشبهات) والشريعة الكاملة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت أعلاهما، وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أكملهما.

وهذا لون، والعبادات الشرعية المحدودة بأوقاتها وأمكنتها لون آخر، لا يجري فيها ذلك جريانه في العقوبات وما يلحق بها، فمثلاً الصلوات الخمس منها اثنتان لا يقدمان عن أوقاتهما بحال، وهما الظهر والمغرب، ومنها اثنتان لا تؤخران عن أوقاتهما بحال، وهما العصر والعشاء، وواحدة لا تقدم عن وقتها ولا تؤخر عنه بحال، وهي الفجر والإثنتان الأوليان اللتان لا تقدمان على أوقاتهما بحال يجوز تأخيرهما عن أوقاتهما في بعض الأحوال، والإثنتان اللتان لا تؤخران عن وقتهما بحال يجوز تقديمهما على أوقاتهما في بعض الأ؛ وال، ولو تحقق أول وقت العصر مهاجمة العدو الكفار المسلمين غروب الشمس المهاجمة التي يطول معها قتال المسلمين إياهم ويتمادى إلى غيبوبة الشفق أفيجوز أن تجمع المغرب إلى العصر جمع تقديم لهذا الفادح تعليلاً لوجود القتال، وكذلك إذا وقع مثل هذا بالنسبة إلى تقديم الفجر مع العشاء أو تأخير العشاء إليها، ومثل الظهر مع الفجر تقديماً أو تأخيراً، والفرق بين ما يصح فيه الجمع وبين مالا يصح سواء جمع تقديم أو جمع تأخير مجيء الشريعة المطهرة بالجمع فيما فيه الجمع وعدم مجيئها به في الجانب الآخر، وتسقط ههنا الآراء وما استند إليها من التعليلات التي الشريعة المحمدية بريئة من اعتبارها كل

ص: 46

البراءة. فتقديم العبادة علىوقتها مبطل لها، وتأخيرها عن أوقاتها لا يكون كذلك في الجملة، وإنما يكون فاعل ذلك عاصياً.

وابن القيم رحمه الله لم يطلق، بل قيد اختلاف الفتوى بالنسبة إلى اختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والعوائد. ولم يجمل، بل فصل في ذلك بما يزيل اللبس والاشتباه، فترك إقامة الحد في الغزو، وترك قطع يد السارق في المجاعة، وترك إنكار المنكر إذا أفضى إلى ما هو أنكر منه مقيد بهذه الأحوال مخصوص بها وبما يشبهها لا يسري إلى ما عداها بحال.

فمسألتنا وهي " مسألة تقديم الهدي، وأمثالها " ليست من العقوبات ونحوها في شيء، بل هي من العبادات المحضة، والعبادات توقيفية من حيث ذاتها، ومن حيث مواضعها وأوقاتها، ولو قيد من كتب في ذلك فتواه بحالة الذبح في هذه السنوات التي لا يوصل فيها إلى كمال عين الغرض المقصود لكان ذلك من باب حلول المشاكل التي منها ما يقبل ومنها مايرد، وحلول المشاكل شيء، وإطلاق الجواز من غير قيد شيء آخر، فإن هذه عبادة مؤقتة بتوقيتها الشرعي زماناً ومكاناً، كما جاء في الأحاديث التي أسلفنا.

تتمة

لقد انطلقت ألسنة كثير من المتعلمين، وجرت أقلام الأغبياء والعابثين، وطارت كل ماطار في الآفاق كلمات المتسرعين، واتخذت الكتابة في أحكام المناسك وغيرها تجربة لأقلام بعض، وجنوح الآخرين إلى ابراز مقتضى ما في ضمائرهم وأفهامهم، ومحبة آخرين لبيان الحق وهداية الخلق، لكنهم مع الأسف ليسوا من أهل هذا

ص: 47

الشأن، ولا ممن يجري جواده في هذا الميدان، فنتج عن ذلك من القول على الله وعلى رسوله بغير علم وخرق سياج الشريعة مالا يسع أولي الأمر من الولاة والعلماء أن يتركوا لهم الحبل على الغارب، ولعمري لإن لم يضرب على أيدي هؤلاء بيد من حديد، وتوقف أقلامهم عن جريانها بالتهديد والتغليظ الأكيد، لتكونن العقبى التي لا تحمد، ولتأخذن في تماديها إلى أن تكون المناسك أُلعوبة للاعبين، ومعبثة للعابثين، ولتكونن بشائر بين المنافقين، ومطمعاً لأرباب الشهوات وسلماً لمن في قلوبهم زيغ من أرباب الشبهات، وفساداً فاشياً في تلك العبادات، ومصيبة لا يشبهها مصيبة، ومثار شرور شديدة عصيبة، وليقومن سوق غث الرخص، وليبلغن سيل الاختلاف في الدين والتفرق فيه الزبا.

ولربما يقول قائل: أليس كتاب الله العزيز فينا موجوداً، وحسام سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بيننا محدوداً.

قيل: نعم. ولكن ماذا تغني السيوف المغمدة، ولم ينل الكتاب العزيز مغزاه ومقصده.

لقد اسمعت لو ناديت حياً

ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو ناراً نفخت بها أضاءت

ولكن أنت تنفخ في رماد

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

أملاه الفقير إلى ربه محمد بن إبراهيم آل الشيخ.

حرر في 20/4/1386هـ (م. ويذكر مدير مكتبه الخاص أنها قد نشرت)

ص: 48

(1323 ـ مجازر لذبح الهدي خارج منى)

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية

وفقه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فقد اطلعنا على الأوراق المرفقة بخطابكم رقم 2553 وتاريخ 12/11/1386هـ المتعلقة بإنشاء وحدات ذبح لتنظيم النحر بمنى أيام الحج على الطريقة التي اقترحتها لجنة الحج العليا، وما عرضتم عنه عن مساحة منى، وسؤالكم عن جواز إنشاء وحدات الذبح في مداخل منى خارج حدودها إلى آخره.

لقد اطلعنا على ماذكرتم، كما اطلعنا على قرار اللجنة العليا وعلى قرار مجلس الوزراء رقم 317 في 11/2/1386هـ وبتأمل الجميع ظهر ما يلي:

(أولاً) : من ناحية الذبح خارج حدود منى، فهذا لا شك في جوازه، وقد صرح العلماء بذلك.

أما الأفضلية، فالأفضل أن يكون ذبح الدماء المتعلقة بالحج بمنى أما ما يتعلق بالعمرة، فالأفضل ذبحه بمكة. وكلما كان الذبح بمكان أسهل وأنفع للفقراء للانتفاع باللحم وقلة الاضرار الناتجة عنه والإيذاء بفضلاته فهو أولى.

غير أن هناك نقطة لا يستهان بها، وهي أن إقامة هذه المباني خارج منى أمر لا ينبغي، ولا يسوغ شرعاً، لما يفضي إليه من استبدال الذبح الحقيقي بموضع آخر يتخذ مشعراً بدلاً منه، وهذا من الأحداث

ص: 49

بالمناسك والمشاعر بغير مسوغ شرعي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " نحرتها هنا ومنى كلها منحر" فمنى هي المشعر الشرعي الذي ينزله الحجاج، ويقيمون فيها أيام منى، ويبيتون فيها تلك الليالي، ويذبحون فيه هديهم ونسكهم، فلا ينبغي أن يجعل لهم موضع يذبحون فيه هديهم غير المشعر ويلزمون بذلك إلزاماً.

فإن استدل مستدل بجواز الذبح بغير منى.

فالجواب: أن مسألة الجواز شيء، ومسألة إلزام الناس بالذبح خارج منى شيء آخر. وأخشى أن يكون هذا من التشريع الذي لم يأذن به الله. وأن يتطاول العهد فيظن الناس أنه لا يجوز الذبح إلا بهذا المكا ن. ومن المعلوم أن مقصد اللجنة تفادي الأضرار الناتجة عن الذبح بمنى، ولا ينكر وجود شيء مما أشارت إليه اللجنة، غير أن إتقان التنظيم، ورفع الفضلات أولاً بأول، والاهتمام بذلك مما يخفف ذلك أو يزيلها بالكلية.

(ثانياً) :

لوحظ في تشكيل اللجنة العليا أنه لا يوجد معهم طالب علم ملم بأحكام المناسك يمثل الجهة الشرعية. ونظراً لأن هذه أمور شرعية وتتعلق بالمناسك، ويطلع عليها الأجانب من طلبة العلم وغيرهم، فلا ينبغي أن تخلو مثل هذه اللجنة من عضو شرعي يبين للجنة النواحي الشرعية التي يتطرقها المشروع، لتكون قراراتهم مدعمة بالأدلة الشرعية سليمة من الأشياء التي تتعارض مع الشرع الحنيف.

والله الموفق. والسلام

مفتي الديار السعودية (ص ـ ف ـ 50 ـ 1 في 5/1/1387هـ)

ص: 50

(1324 ـ الحكمة في شرعية الهدي، بعض الحجاج يريد أن تكون المشاعر كمصيف أو منتزه، ومنهم من يرى ابدال الهدي بنقود للفقراء والمشاريع، ومنهم

هذه الذبائح يمكن تحصيل المقصود منها والسلامة من أضرارها بطرق)

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم رئيس تحرير جريدة حراء

الأستاذ / صالح جمال

وفقه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فقد وصلني كتابكم الذي تسألون فيه عن أسئلة تتعلق بذبائح منى. وقد أملينا عليها الجواب المرفق. والسلام عليكم.

حرر في 30/11/1377هـ. (ص ـ ف 1297 وتاريخ 30/11/1377هـ)

(جواب صاحب السماحة المفتي الأكبر حول أسئلة حراء. وقد جاء جواب الأسئلة مدمجاً، وبقراءته يتضح جواب الأسئلة جميعاً)

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم وبعد:

فإن الهدايا شرعت في الحج اقتداء بخليل الله إبراهيم، حين أمره الله بذبح ولده إسماعيل، فامتثل، ثم فداه الله بذبح عظيم فذبحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه من بعده، ودرج على ذلك المسلمون جميعاً جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرن، وقد كان ذبح القرابين قديماً في الأمم على اختلاف مذاهبها، وقد قص الله علينا في القرآن العظيم أن قابيل وأخاه هابيل قرباناً فتقبل من أحدهما

ص: 51

ولم يتقبل من الآخر (1) وكان في الأمم السابقة من لا يقتصر على تقريب الحيوان، بل كانوا يقربون ذبائحهم من البشر كالكنعانيين والفينيقيين وغيرهم، وكانوا يقربون ذبائحهم لله ويشركون به غيره، ويذبحونها على غير اسمه، وكان فيهم من يحرق هذه القرابين بالنار، فجاء الإسلام بذبح القرابين من الهدايا والضحايا لله وحده، وعلى اسمه وحده، وأمر الله بالأكل منها، وإطعام الفقراء والمساكين ـ قال الله تعالى:{والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف، فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون، لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين} (2) .

إن بعض الناس يريد من المشاعر أن تكون كمصيف أو منتزه منظم، ويريد أن يحصل عليه في الحج أدنى مشقة أو تعب، ولا أن يشم رائحة كريهة في المشاعر، ولا أن ترى عينه شيئاً مما يتنافى مع ترفه وحياته التي يعيشها في بلده. والوصول بالمشاعر إلى هذا الحد متعذر، وذلك لأن أوقات العبادة في هذه المشاعر محدودة، وكل من الحجاج مطلوب منه عبادة هي مطلوبة من الآخر في وقت واحد، فإذا اجتمعوا على أداء هذه العبادة فلا بد وأن يحصل بسبب ذلك زحام وروائح كريهة وغير ذلك رغم ما يبذل من عناية وتنظيم.

(1) واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق ـ سورة المائدة ـ آية 26.

(2)

سورة الحج ـ آية 36، 37.

ص: 52

فمن الحجاج من يصبر ويحتسب ويتحمل ما يجده من المتاعب والآلام والمضايقات، وقد يتلذذ به ويطمئن له، لكون ذلك إنما ناله في سبيل الوصول إلى طاعة ربه الذي أمره بالحج إلى بيته، لينال رضا الله ومغفرته وجنته، فيهون عليه ما يعترض له في طريقه من أشواك، وما يلقاه من نصب ومشقة.

ومن الحجاج من يتأثر ويتضايق مما يصيبه من الآلام والمتاعب والمشقة، ويظهر عليه الجزع وقلة الصبر، وذلك ناشئ من ضعف الإيمان، فإنه لو قوي إيمانه بالله وبما أعده الله للحجاج الصابرين المحتسبين من الأجر والثواب لهان عليه كل ما يجده في هذا السبيل.

ومن الحجاج من ليس منهم على الحقيقة، ولا إرب له في الحج إلا الانتقاد على تشريع الله وعلى الطرق الحكيمة التي أمر الله أن تؤدى عليها هذه العبادات، ويحاول تغييرها والاجتهاد فيها بحسب ما يملي عليه هواه وشيطانه، ويريد أن يجعل من الدين نفسه وسيلة إلى تنفيذ مقاصده وأهدافه وغاياته واجتهاداته الخاطئة، فيتكلم مثلاً في مشروعية الذبح ويقلل من أهميتها، ويريد أن يبذل الحجاج بدل هذه الذبائح التي شرع الله ذبحها عبادة له وتعظيماً، وأن يطعم منها القانع والمعتر، يريد بمجرد رأيه وهواه أن يدفع الحجاج بدلها نقوداً تبذل للفقراء وفي المشاريع الاصلاحية على حد تعبيره، وهذا شأنه في كثير من التشريع الإسلامي، يحاول تشريعاً جديداً، وعملاً لم يأذن به الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد سمعنا شيئاً من ذلك عن كثير من الناس.

والدين الإسلامي جاء بالخير والصلاح الدنيوي والأخروي، وهو صالح لكل زمان ومكان، ومتى تمسك الناس به واهتدوا بهديه وحكموه

ص: 53

في جميع أمورهم، ولم يجدوا في أنفسهم حرجاً من أحكامه، وسلموا وانقادوا لذلك، فقد آمنوا حقاً، وسلكوا طريق النجاة والفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، وإذا أعرضوا عنه واستبدلوا به تشريعات جديدة وقوانين وضعية وضعها أعداء الشريعة وخصوم الإسلام، ودخلت على المسلمين باسم الحضارة والمدنية وجعلوها المرجع لهم عند النزاع والدستور المقدس في جميع شئونهم واعتقدوها أحكم وأكفل لمصالحهم مما شرعه الله ورسوله فليس لهم حينئذ في الإسلام من نصيب وإن سموا أنفسهم مسلمين، والعبرة بالحقائق لا بالأسماء وقد قال الله تعالى:{فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكمُوك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما} (1) وقال تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا. أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً} (2) .

والذبائح في الحج يمكن تنظيمها وتحصيل مقصود الشارع منها من الأكل وإطعام فقراء الحرم والتوسعة عليهم والسلامة مما قد يحدث بسبب إلقاء لحومها ونتنها من أضرار صحية ومن ذهابها وعدم الانتفاع بها إذا اتبعت الطرق السليمة التي تتمشى مع حكمة الدين ولا تتنافى ومقاصده الشريفة وتشريعه الحكيم، فمن ذلك: نقل ما يفضل عن هذه اللحوم إلى فقراء الحرم في مكة وضواحيها وتوزيعها عليهم، فإن في مكة فقراء كثيرين لا يصل إليهم شيء من

(1) سورة النساء ـ آية 60.

(2)

سورة النساء ـ آية 51.

ص: 54

هذه اللحوم ولا ينتفعون بشيء منها، ومن ذلك ذبح بعض الحجاج هديه في مكة يوم النحر وأيام التشريق وعدم تخصيص منى بالذبح، فإن ذلك سائغ، كما يدل له حديث " كل منى منحر، وكل فجاج مكة طريق ومنحر" رواه أبو داود. والسنة هي ذبح هدي الحج في منى باتفاق العلماء.

وبعمل ما ذكرناه من نقل هذه اللحوم وتوزيعها على فقراء الحرم وذبح بعض الهدايا في أيام النحر في مكة يحصل بعض مقصود الشارع من ذبح هذه الهدايا وهو إطعام فقراء الحرم من لحمها والتوسعة عليهم في ذلك، ويسلم من إضاعة هذه اللحوم وعدم الانتفاع بها، ووجود النتن الحاصل بسبب إلقائها كما هو موجود في هذه الأزمان.

أما إذا فضل شيء من لحوم الهدايا والأضاحي في الحج بحيث لم تؤكل ولم تدخر ولم يمكن إطعامها وتوزيعها على الفقراء وحفظت في ثلاجات ونحوها ووزعت على فقراء الحرم فلا بأس بذلك.

وأما بيع الهدايا والضحايا فيجوز بيعها في حق من ملك تلك اللحوم بصدقة عليه بها أو إهداء إليه منها.

أما صاحب الهدي الذي ذبحه قربة إلى الله عز وجل فلا يجوز له بيع شيء من ذلك.

وفي حفظ هذه اللحوم مصلحة ظاهرة، والشريعة المطهرة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها.

ص: 55

وترك هذه اللحوم مطروحة على الأرض بدون انتفاع بها فيه إضاعة لهذه اللحوم، وضرر من الناحية الصحية مما يتنافى مع حكمة الدين.

ولكن يجب أن يكون للحجاج الحرية المطلقة في لحوم هداياهم أكلا وصدقة وادخاراً، ويذبح في أي موضع أراد الذبح، وتقوم البلدية بدرس الطريقة الكفيلة بدفع الضرر بسبب ما يلقى من الفرث والدماء والسواقط، وذلك: إما بدفنه، أو نقله بسرعة إلى مكان بعيد عن منى.

ولا يؤخذ للحفظ إلا ما فضل عن حاجة الناس..

أما قيام " شركة وطنية" أو غير وطنية في هذا العمل فلا يجوز شرعاً، وأعمال الشركات معظمها مبني على أمور مخالفة للشرع، وستحرص الشركة التي ستقوم بهذا العمل على نجاح شركتها، وعلى تحقيق أرباحها، مما يدعوها إلى عدم الاقتصار على مايلقى، بل ربما حداها حرصها إلى أخذ اللحوم من أيدي الناس بحجة أنها قامت بهذا العمل لحفظ الصحة وللمصلحة العامة، فلا يجوز السماح لشركة أياً كان نوعها بالدخول في هذه الشئون، لأنها عبادات محضة، مع ما يترتب على ذلك من الضرر وسوء العاقبة. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

محمد بن إبراهيم (ص ـ ف 1279 في 30/11/1377هـ)

ص: 56

(1325 ـ قيام الشركات بجمع لحوم الهدايا والضحايا وبيعها)

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة

رئيس مجلس الوزراء

حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد جرى الاطلاع على الاقتراح الموجه إلى جلالتكم من خادمكم تركي العطيشان، المرفق بخطاب مقام رئاسة مجلس الوزراء رقم 385 وتاريخ 8/1/1381هـ حول ملاحظاته على لحوم الفدي والأضاحي في منى وقت الحج، ورغبتكم الإفادة عما نراه تجاه ما ذكر.

ونفيد جلالتكم أن ماأبداه في معروضه المذكور غير وجيه، إذا المسألة مسألة نسك ومشاعر، وليست مسألة تجارة، والأصل في الهدايا والضحايا أن يأكل منها المهدي ويتصدق ببعضها ويهدي البعض الآخر. ولو جعل على شكل شركة لأضرت بالمساكين الفقراء الذين هم من أهم المقاصد التي لأجلها شرع الهدي، فالشركة تريد أن تجمع لنفسها وتربح، وتبذل ما في وسعها لتجمع أكبر عدد ممكن من الهدايا والأضاحي لتكسب منه الربح الكثير، وهذا ينافي الحكمة التي لأجلها شرع هذا النسك، وقد ينجم عن شركة كهذه أضرار عظيمة: من منع الفقراء ما يستحقون، وتهاون الناس بهذه الشعيرة العظيمة، وضعفها في نفوسهم. أما الاعتناء في أمر هذه الذبائح، وعمل ما من شأنه حفظها من الضياع، ومنع الأضرار التي تنجم عنها من روائح وأوساخ، وما يحدث نتيجة لذلك من الأمراض، وحفظ ما يتبقى من اللحوم وتوزيعه على فقراء الحرم مما لا يتنافى مع الحكمة

ص: 57

الشرعية: فهذا حسن لا يترتب عليه ضرر. وفق الله جلالتكم وأرشدكم إلى ما يحقق المصلحة الدينية والدنيوية. والله يحفظكم (1) .

(ص ـ ف 641 وتاريخ 1/6/1381هـ)

(1326 ـ وإذا نحر الهدي فيفرقه على محاويج الحرم، سواء من أهل الحرم الساكنين فيه، أو غيرهم من الحجاج، أو غيرهم. وتفريقه هو الأولى، فيكون قد أوصله إلى مستحقه مع كمال اليقين، فإن لم يفرقه فبعد ما يذبحه يُمَكِنُ ساكن الحرم منه. (تقرير)

(1327 ـ الحلق عبادة وهو أفضل. ووجه كون حلقه عبادة أن شعره محبوب إليه متخذه للجمال، فإذا جاد بشعره فهذه قربة. (تقرير)

(1328 ـ بعض الذين يتولون القص يدور دوارة على الرأس. هذا ليس شيئاً، إنما هو على بعض المذاهب أنه ثلاث، بل على المذهب الراجح عند الشافعية أنه يكفي شعرة واحدة، ذكره ابن كثير في التفسير. والصواب أنه لابد من الإتيان على جميعه وإن لم يكن على كل شعرة شعرة. (تقرير)

(1329 ـ وفعل ابن عمر أنه إذا حج أو اعتمر قبض لحيته فما فضل أخذه لا يحتج به، لأنه روى النهي عن قصها ـ انظر الفتوى الصادرة برقم (1119 في 14/5/1388هـ) .

(1) قلت: وتقدم هذا المعنى في الفتوى السابقة. والفتوى بمنع امتياز مجزرة بمنى ـ تقدم.

ص: 58

(1330 ـ ترك الحلق والتقصير ناسياً أو جاهلاً وسافر إلى بدله)

من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الرحمن بن إبراهيم بن رميح

سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

فقد وصل إلينا كتابك المتضمن السؤال عن المسألتين الآتيتين. وقد جرى تأملهما، والجواب عليهما بما يلي: ـ

أما" المسألة الأولى" وهي ترك الحاج الحلق أو التقصير ناسياً أو جاهلاً وسفره إلى بلده بعد تمام المناسك غير الحلق أو التقصير.

والجواب: أن الحلق أو التقصير نسك لا يتعين أن يفعله في مكة وما حولها، ولا أن يوالي بينه وبين بقية أعمال الحج، ولا أن يوقعه في أيام منى. فعلى هذا يحلق أو يقصر متى ذكر إن كان ناسياً، أو متى علم إن كان جاهلاً في أي محل كان، ولا شيء عليه إن لم يكن فعل شيئاً من محظورات الإحرام (1) .

(ص ـ ف 14278 في 22/11/1381هـ)

(1331 ـ طاف بعد نصف الليل قبل الرمي)

من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي محكمة العمار

سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فقد جرى اطلاعنا على الاستفتاء الموجه إلينا منكم عن أربع مسائل:

(1) وتأتي " المسألة الثانية " والجواب عنها في (باب الهدي والأضحية)

ص: 59

الأولى: إذا كان الحاج بمزدلفة ليلة جمع فأفاض من أراد الإفاضة بعد نصف الليل فطاف قبل الرمي هل في ذلك بأس؟

والجواب: لا يظهر لنا في ذلك بأس " فما سئل صلى الله عليه وسلم يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال: افعل ولا حرج "(1) .

(ص ـ ف 4264 في 16/11/1387هـ)

(1332 ـ الخطب في الحج)

بعهم يذكر خطبة في اليوم الثامن يبين فيها أحكام الحج، لكن لم يقم على هذه الخطبة الرابعة دليل. (تقرير)

(1333 ـ اذا كان مريضاً ومسكنه في جدة فكيف يطاف به؟)

وأما مسكنه في جدة من الحجاج وكان مريضاً. فهذا يطاف به محمولاً، ويسعى به في سيارة ونحوها أو محمولاً إذا كان لا يستطيع الطواف والسعي ماشياً (2) .

(ص ـ م في 12/12/1376هـ)

(1334 ـ حجت وحاضت قبل طواف الافاضة هل توكل؟)

" المسألة الثانية ": عن امرأة حجت وحاضت قبل طواف الإفاضة ولما أراد رفقتها السفر إلى بلادهم وكلت وليها يطوف عنها طواف الإفاضة ويسعى عنها ففعل، وسافروا إلى بلدهم: فهل تصح الوكالة في مثل هذا؟ مع العلم أن هذه الحجة نفل.

(1) متفق عليه والمسألة الثانية في " النشوز" والثالثة اذا غلب الزوج في "النفقات" والرابعة في " كفارة القتل".

(2)

أولها من محمد بن ابراهيم إلا الأخ المكرم محمدبن سعود.

ص: 60

والجواب: ظاهر كلام الفقهاء جواز مثل هذا إذا كان الحج نفلاً، والذي وكلته قد حج تلك السنة وفرغ من أعمال الحج، ولا سيما عند الحاجة. والله أعلم والسلام عليكم.

مفتي الديار السعودية (ص ـ ف 3795 ـ 1 في 19/12/1388هـ)

(1335 ـ يكفي طواف الافاضة عن طواف القدوم)

قوله

الإمام واختار الأكثر أن القارن والمفرد إن لم يكونا دخلاها قبل ـ يطوفان للقدوم ثم للزيارة، وأن المتمتع يطوف للقدوم ثم للزيارة.

لكن نعرف أن نص أحمد هذا قال الموفق في " الم غني " لا نعلم أحداً وافق أبا عبد الله ـ يعني من الأئمة والسلف ـ على هذا القول. فعرفنا ضعف هذا القول، وإن كا ن اختاره الأكثر. والصحيح ما اختاره الشيخ والموفق وابن رجب للعلة السابقة، ولأنه لم يقم عليه برهان شرعي، بل الذي في الأحاديث إنما هو طواف الإفاضة، فيكون القول الأول مرجوح بمرة، لا يلتفت إليه. (تقرير)

(1336 ـ اذا حاضت قبله في مكة ومسكنها جدة بقيت في مكة)

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وآله وصحبه.

" السؤال الأول ": وهو إذا جاء النساء المانع (1) في الحج ومساكنهم في جدة فهل لهم ينصون جدة (2) حتى يخلصون وينزلون منها

(1) المانع في تعبيرهم: الحيض.

(2)

يذهبون إلى جدة.

ص: 61

ويقون حجهم، أو يلزمهم يقعدون في مكة حتى يخلصون؟

جوابه: الحمد لله. لا يخرجن إلى جدة حتى يطهرن ويطفن طواف الإفاضة، وعليهن أيضاً طواف الوداع. لكن يكفيهن طواف الإفاضة إذا نوينه عن الإفاضة والوداع ولم يقمن بعده بل بادرن بالخروج من حين يفرغن من سعي الإفاضة. (ص ـ م صورة)

(1337 ـ الا إذا كان في بقائها مشقة)

وقد ذكرت لكم في جوابي السابق عن المرأة التي أتاها المانع وقد بقي عليها طواف الإفاضة وطواف الوداع أنها تبقى بمكة حتى تطهر.

وأوضح لكم زيادة تفصيل ـ أنه إذا كان عليها مشقة في بقائها بمكة من جهة المسكن أو غيرها فإنها تخرج إلى جدة، ويسقط عنها الوداع. ولكن تكون في حكم الإحرام فلا يقربها زوجها إذا طهرت، ومن حين تطهر ترجع إلى مكة لتأتي بطواف الإفاضة. وينبغي أن تحرم من جدة في دخولها بعمرة، فإذا طافت وسعت لعمرتها وقصرت من شعرها حلت من العمرة، وحينئذ تطوف طواف الإفاضة (1) قاله ممليه الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

(الختم)(11/12/1376هـ)

(1338 ـ رجع إلى أهله قبل طواف الافاضة)

الحمد لله: الرجل الذي حج ورجع إلى أهله قبل أن يطوف طواف الإفاضة ـ وهو الطواف الذي بعد الدخول من عرفة ـ يلزمه أن

(1) قلت: هذا أيضاً بناءاً على أنها مسافة قصر اذ ذاك.

ص: 62

يرجع لمكة، فإذا وصل إلى الميقات أحرم بعمرة، فإذا وصل إلى مكة طاف بالبيت لعمرته التي أحرم بها من الميقات، ثم سعى بين الصفا والمروة، ثم حلق رأسه لعمرته المذكورة، وبعد ما يفرغ منها يطوف طواف حجه السابق، ثم يسعى بين الصفا والمروة ولا شيء عليه غير ذلك، بل يكون بذلك قد أدى ما عليه من الحجة السابقة. ثم يعرف أنه في هذه المدة لا يقرب امرأته. قاله الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم.

(بخط مدير مكتبه الخاص في 22/1/1374هـ)

(الختم)

(1339 ـ حاضت واضطرت أن تسافر مع قافلتها قبل طواف الافاضة)

من محمد بن إبراهيم إلى المكرم محمد علي محمد سليمان عزيز خان

سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فقد جرى الاطلاع على الاستفتاء الموجه إلينا منك بخصوص ذكرك أن امرأة قدمت مع محرمها للحج، وأنها أتمت مناسك حجها ما عدا طواف الإفاضة فقد حاضت، واضطرت إلى أن تسافر مع قافلتها دون أن تقضي طواف الإفاضة. وتسأل ماذا يترتب عليها؟ .

والجواب: الحمد لله. يحرم عليها ما يحرم على من تحلل التحلل الأول وبقى عليه التحلل الثاني، فيحرم عليها النكاح ودواعيه وعقده طالما بقي الطواف عليها، كما أنه يلزمها المجيء إلى مكة فوراً متى قدرت على ذلك في أي وقت يتيسر لها القدوم فيه، فإذا وصلت

ص: 63

قرب ميقات تمر به فتحرم بعمرة، ثم تدخل مكة وتقضي مناسك العمرة، ثم تطوف طواف الإفاضة وبتمامه يتم حجها، ولا شيء عليها في مقابلة سفرها دون أدائه ثم رجوعها بعد ذلك لتأديته. وبالله التوفيق. والسلام عليكم.

(ص ـ ف 995 ـ 1 في 17/4/1385هـ)

(1340 ـ سافرت إلى جدة قبل الطواف ووطأها)

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم محمد اسماعيل الصومالي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فقد وصلنا كتابكم المؤرخ 15/2/1377هـ المتضمن الاستفتاء عن المرأة التي أحرمت مع زوجها من جدة، وأدت مناسك الحج، إلا أنها عندما نزلت إلى مكة حاضت، فسافرت إلى جدة قبل طواف الإفاضة والوداع. وبعد أن طهرت واقعها زوجها قبل طواف الإفاضة والوداع. الخ..

فالجواب: الحمد لله. سفر المرأة المذكورة إلى جدة قبل إتمامها المناسك لا ينبغي، بل تقيم بمكة حتى تطهر، ثم تكمل مناسكها، لحديث:" أحابستنا هي"(1) لكن لا شيء عليها في سفرها إلى وطنها قبل ذلك، ووطؤها حينئذ لا يحل لبقاء الإفاضة عليها. وتخير بين ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين. وعليها أن ترجع إلى مكة بعمرة، فتحرم من جدة ثم تدخل إلى مكة فتطوف وتسعى وتقصر من شعرها. وبعد ذلك تطوف طواف الإفاضة وطواف

(1) عن عائشة أن صفية حاضت فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: احابستنا هي " قالوا انها أفاضت " قال: فلا اذا " أخرجه الستة.

ص: 64

الوداع. وإن خرجت من مكة عقب فراغها من طواف الإفاضة فوراً فإنه يكفي عن طواف الوداع والسلام.

(ص ـ ف 206 في 29/2/1377هـ)

(1341 ـ لا بد من سعي ثان للتمتع)

القارن فيه خلاف. والصواب الذي عليه الجماهير أنه يجزيه سعي واحد.

أما المتمتع فالمذهب وعند كثير والجمهور أنه لا بد من سعي ثان والقول الآخر أنه يكفيه سعي واحد ويختاره الشيخ وابن القيم. والمسألة فيها أدلة من الجانبين.

والاحتياط وهو الذي علي الفتوى والعمل أنه يسعى ثانياً، فيه الأحاديث واضحة، هي في المتبادر أوضح من حجج من قال يكفيه سعي واحد. وأحاديث سعي واحد مجملة تحتمل أن يراد بها القارنين فإن النبي وعدداً من الصحابة كانوا قارنين. فلابد من سعيين هذاك نسك مستقل، وهذا نسك مستقل، وصراحة أحاديث هذا الجانب لا يدانيها صراحة أحاديث الجانب الآخر.

واختيار الشيخين أنه يجزيه، ما قالوا: لا يسعى، قالوا: يجزيه سعيه الذي سعاه في عمرته. وإمام الدعوة ـ الشيخ محمد ـ وأولاده وأحفاده وتلاميذه وتلاميذهم هم على القول بالسعيين، ودليله ما تقدم: حديث عائشة، وحديث ابن عباس أصرح من حديث جابر. (تقرير)

ص: 65

(1342 ـ ندبية الطواف كل وقت)

ثم بعد ذلك مندوب الطواف كل وقت. وكان بعض الناس يحاول أنه لا يستحب، ويقولون: إن النبي ما جاء عنه ولا طواف، ولكن هذا قول ما يلتفت إليه ـ فكون الطواف عبادة مستقلة يثاب عليها شيء معلوم معروف عند الأئمة الأربعة وعند الأصحاب ـ فهذا قول لا وجه له وباطل، فيستحب الإكثار من الطواف ولا سيما في حق الآفاقي، فإن تطوعه بالطواف أفضل من تطوعه بالصلاة. (تقرير) .

(1343 ـ البقاء بمنى نهاراً)

قوله: ويبيت بمنى.

والمشروع أن يكون في منى نهاره، لأجل رمي الجمرات، ولأجل إقامة ذكر الله ـ وإن كان غير واجب لا سيما قرب زوال الشمس إلى الغروب ونحو هذا ـ فإنه مندوب.

(تقرير)

(الرمي بعد الزوال، والموالات)

وكونه بعد الزوال ـ شرط ـ فلو رمى قبل الزوال لم يجزه. ولو لم يرتب لم يجزه.

وأما الموالات ـ ولم يصرحوا بها هنا ولا في كثير من كتب الأصحاب لكن يؤخذ من كلامهم عدم وجوبه، وذلك أنه صرحوا أنه إذا نسي حصاة جعلها من الأولى لأجل الترتيب، فهذا يدل على أن الموالاة ليست عندهم شرطاً، إنما الشرط الترتيب. (تقرير)

ص: 66

(1345 ـ تحذير الناسك مما أحدثه ابن محمود في المناسك (1) لصاحب السماحة مفتي الديار السعودية فضيلة الشيخ محمد بن ابراهيم)

الحمد لله، أحمده، وأستعينه، وأستغفره، وأعوذ بالله من شرور نفسي، ومن سيئات عملي، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

أما بعد: فإنه لما كان في منتصف ذي الحجة شهر الله الحرام أحد شهور عام خمس وسبعين وثلاثمائة وألف وأنا في بلد الله الحرام مكة المكرمة، وقع إلى يدي كتاب من الشيخ عبد الله بن زيد بن محمود، وبرفقه رسالة ألفها، وسماها " يسر الإسلام" وبين أشياء من مناسك حج بيت الله الحرام، ابتدأها بمقدمة تشتمل " أولاً " على مضمون شطر عنوانها الأول، وهو: يسر هذا الإسلام وتشتمل " ثانياً " على مضمون شطر عنواها الآخر وهو: بيان أشياء من مناسك حج بيت الله الحرام.

وقد ذكر في كتابه إليّ المرفق به هذه الرسالة تأليفه إياها، وأنه أرسلها إليّ لأنظر، هذا بعد أن طبع منها الألوف الكثيرة، وفرقها في نجد والحجاز وكثير من البلاد المجاورة. وهذا من العجيب، كيف ينشرها هذا النشر الشهير، ويوزعها هذا التوزيع العميم، ويكتب إليّ

(1) وموضوعه: بيان أن رمي الجمرات أيام التشريق الثلاثة لا يصح قبل الزوال بالكتاب والسنة والاجماع، وأنه لا يجوز الرمي ليلاً ولا يسقط عمن لا يستطيعه ـ وقد طبع هذا الرد مطبعة الحكومة بمكة عام 1376هـ.

ص: 67

لأخذ رأيي فيها. وكل من اطلع على رسالته من العلماء والطلاب لا يشك ولا يرتاب، أنه وقع بتأليفها في هوة مردية، واكتسب بكتابتها سمعة مزرية، وفاه بجهالة جهلا، وضلالة في هذا الباب عميا وكنت قد عزمت بعد التوكل على الله أن أكتب ما يبين غلط فمه، وزلقات قلمه، ثم بعد التروي ما شاء الله عدلت إلى أن أذكر زلاته لولي أمر المسلمين، رجاء أن يقوم بما أعطيه من السلطان مقام الرادع لهذا الإنسان، عما زينته له نفسه من الإقدام على هذا الشأن، الذي لم يسبقه إليه أحد بما يحمله إلى أن يتوب إلى الله سبحانه ويرجع عما كتبه في هذا الشأن.

ثم لم ألبث إلا قليلاً حتى أرسل إلي ولي أمر المسلمين الملك سعود ـ أيده الله بالحق ـ كتاب هذا الرجل إليه مرفقاً به هذه الرسالة، ويلتمس الملك سعود حفظه الله بيان ما لدي في ذلك، فبينت له أن رسالته قد اشتملت من الأغلاط على ما لم يسبقه إليه أحد، وتضمنت من مخالفة صريح السنة ومعاكسة ما درج عليه السلف الصالح وسائر علماء الأئمة مالا يوافق عليه، وأنها أول أساس يتخذ لنقض أحكام الحج، ويسلط أرباب الزيغ والإلحاد أن يسلكوا من طرق نبذ الشريعة ما شاءوا أن يسلكوه، وأن يصلوا من هد بنائها القوي المحكم ما قصدوه ويأبى الله إلا أن يتم نوره، وإعلاء كلمة دينه وظهوره.

وبعد أن كتبت للملك وفقه الله بالحق بمضمون ذلك مضى عليّ زمن غير طويل، ثلم لم أشعر إلا وقد قدم هذا الرجل إلى بلد الرياض وتحققت بعد أن بإيعاز من الملك أيده الله بالحق إليه للاتصال بنا وبعلماء الرياض للبحث معه فيما يتعلق بهذا الصدد، وجلس معنا

ص: 68

ومع جماعة العلماء مجلسين أو أكثر، بينا له فيها شفاهاً غلطاته، ووضحنا له أنه أبعد النجعة في اختياراته، وبعد تكرار البيان ومزيد الإيضاح ظهر أنه غلط في رسالته عدة غلطات: ما بين غلطة كبرى فاحخشة، وما بين أخرى دونها، وما هو دون ذلك، فأظهر الندم على ما كتب، وصرح بالتوبة عما إليه حول هذا الصدد قد ذهب، فقبلنا توبته، وعرفنا له رجوعه إلى الحق وأوبته، ودعونا له بالتوفيق وشكرنا الله تبارك وتعالى على هدايته إلى سواء الطريق، وقررنا معه أن المقام يفتقر إلى أكبر من ذلك، وأكثر مما هنالك، من تأليفه رسالة تتضمن رجوعه مدعمة بالأدلة، ومركزة على أصول تلحقها بفروع الملة، فأجابنا إلى ذلك، ووعد بأنه إذا وصل إلى وطنه " قطر " ونال الراحة بالأوبة من السفر: كتب تلك الرسالة، وضمنها جميع ما يحتاج إلى البيان من غلطاته وأسبابها، والتصريح بالرجوع عنها عن بسط بما يكفي ويشفي، وأنه يكفي حالاً كتابة رجوعه وظهور الحق له اختصاراً، وكتب كتاباً هذا نصه:

بسم الله الرحمن الرحيم

بما أنه تقرر لدى فضيلة المفتي الأكبر الشيخ محمد بن إبراهيم وكذلك الشيخ عبد العزيز بن باز وسائر المشائخ الحاضرين بأنه حصل الغلط مني في شأن الرسالة المؤلفة في الحج، وذلك في موضعين منها: القول بتوسعة الوقت للرمي. ورأوا أنه مقدر بما بين الزوال إلى الغروب. ومنها: سقوط الرمي عمن لا يستطيعه حيث قلت به في الرسالة بدون أن يستنيب. ورأوا أن القول به خطأ مني، وأنه يجب مع العجز الاستنابة، فعليه فإني أتوب إلى الله من الخطأ

ص: 69

فيما قلت، وأن القول قولهم، وأنا تابع وراجع عما قلت، فيتعين على من لا يستطيع أن يستنيب من يرمي مكانه، وإني أستغفر الله مما جرى به القلم، أو زل به القدم.

قاله معترفاً به على نفسه

عبد الله بن زيد آل محمود.

وقد ذيلت علىكتابه بمانصه:

بسم الله الرحمن الرحيم

أشرفت علىما كتبه الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، وقد سرني ذلك حيث رجع عما في رسالته المتعلقة بالحج من الأخطاء. ولكن لابد من التصريح برجوعه عن القول بجواز الرمي قبل الزوال وكذلك عن القول بجوازه ليلاً. بعبارة واضحة، كما أنه لابد أن يزيد بقوله (أنا راجع عن جميع مافي رسالتي المطبوعة المتعلقة بالحج من الخطأ) وأن يصرح في هذا الكتاب بأنه سيكتب رسالة في ذلك، ويوضح أدلة الصواب في المسائل التي رجع عنها، ولابد من تأليفه الرسالة فعلاً، وطبعها بعد أن تعرض علينا، ثم تفريقه إياها على من فرقت عليهم الرسالة السابقة. والقصد من ذلك ـ والله المطلع ـ نجاته وخلاصه هو ومن اتصلت إليه هذه الرسالة من الزلل والوقوع فيما يخالف الأدلة وجماعة العلماء، وقد التزم بها اشترطناه عليه أعلاه، وكتب تحته بقلمه ما نصه: ـ

الحمد لله. نعم إنني قد التزمت لفضيلة الأستاذ المفتي الأكبر الشيخ محمد بن إبراهيم بأن أصنف رسالة تقتضي التصريح بالرجوع عما قلت في الرسالة المؤلفة في شأن الحج من خاصة القول

ص: 70

بتوسعة الوقت للرمي، وأني أُصرح تصريحاً ليس بالتلويح في خاصة الرجوع عن القول بذلك، وأنه لا يجوز لأية شخص في أن يقلدني في القول بذلك مع تصريحي بالرجوع عنه. وكذلك القول الاستنابة في الرمي، فقد ترجح لدي قول فضيلة المفتي من القول بوجوبه، وبين الأدلة المقتضية لذلك، فمن أجله رجعت عن قولي إلى القول بوجوبه، لأن رأي الجماعة العلماء أقرب إلى العدل والخير والصواب من رأي وحدي، وسيحصل تأليف رسالة تقتضي التصريح بكل ذلك ـ إن شاء الله تعالى.

قاله عبد الله بن زيد آل محمود

وبعد أن سافر إلى وطنه، ومضى ما يزيد على شهر بقينا منتظرين إرساله ما وعد به من تأليفه في الرجوع، ولم نزل عدة أشهر في الانتظار، حتى أسفر ليل تلك المواعيد عن خيبة الأمل، وأن الرجل لم يصدق في الموعود ولا عدل، وأنه بقي في ظلماء جهله، وفتنته بما به استدل مما هو أشبه شيء بالسراب بقيعة، ولما لم ينجح فيه الدليل والبيان، ولم يقبل مشورة أولئك الإخوان، وكانت المواعيد منه عرقوبية، ومساعيه حول هذا الصدد وخيمة وبية، وكانت فتنة الجهال وأرباب الكسل برسالته عظيمة، ومفضية إلى أن تبقى البراهين الشرعية ليس لها بين الأمة قيمة، ومؤدية إلى تضليل الأمة، وفتح باب غث الرخص، وانتهاز الملاحدة واللادينيين في إفساد الدين الفرص، ومفضية ولا بد بالجهال إلى التوثب بجهالتهم على الشريعة، وإبداء ما لديهم من توهمات فضيعة، رجعت إلى ما كنت قد عزمت عليه أولاً: من كشف شبهاته، والبرهنة عن غلطاته، ليستقيم السبيل، ويؤخذ بواضح الدليل، ويكون

ص: 71

المسلمون إخوة متعاونين على التمسك بالدين، والسير على وفق ما شرعه لهم سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

فأقول: أما ما قرره هذا الرج لفي مقدمته من " يسر هذه الشريعة المحمدية " وبعدها كل البعد عن الآصار والأغلال. فأمر لا يختلف فيه اثنان من المسلمين، ولا يشك فيه سواهم من علماء الملل الأخرى المنصفين، ولكن لم يرد به هذا الرجل حقاً، بل أراد به باطلاً من حيث لا يشعر، وذلك أنه لا يدليل فيها بوجه على ما ذهب إليه، كما أنه لا دليل فيها بوجه على صحة الصلاة بل ولا صحة ابتدائها قبل دخول الوقت بلحظة لا في حق المريض ولا في حق غيره، فلو أن قائلاً قال بصحة هذه الصلاة مستدلاً بهذه القاعدة العظيمة ـوهي يسر الشريعة المحمدية وبعدها عن الآصار والأغلال ـ لكان أقل أحواله أن يعد من أجهل الجاهلين. ونظير ذلك لو استدل بها الصائم الذي آلمه الجوع والعطش على جواز الإفطار لعد من الجاهلين الخاطئين، ومن أعظم الجناة على شريعة رب العالمين، وكم نزع أرباب الشهوات بهذا الأصل على ارتكابهم ما ارتكبوه من المعاصي. أفيكونون بذلك معذورين؟ كلا!

ويسر الشريعة المحمدية: مثل إفطار المسافر في رمضان، وإفطار المريض الذي يضره الصوم، ونحو ذلك، وكقصر المسافر الرباعية إلى ركعتين، وتيمم المريض بشرطه، وتيمم عادم الماء، ونحو ذلك مما هو منصوص عليه أو ملحقاً بالمنصوص عليه لتحقق اجتماعه معه في العلة، وأمثلة ذلك معروفة.

ص: 72

وما علم حكمه من نص الكتاب أو السنة وما يلحق بذلك كإجماع الأمة ونحو ذلك فلا يجوز مخالفته استدلالاً بنصوص يسر الإسلام وبعده عن الحرج.

وأرباب هذا المسلك لا مناص لهم عن أن ينصبوا راية الخلاف بين النصوص، ويضربوا بعضها ببعض، ويسلطوا الجهلة على سلوك هذا السبيل الوبي المهلك، ويبقوا في أعظم حيرة، ويستعملوا أنواعاً وألواناً من طرق الدرء في نحور النصوص، وأن تكون لهم الخيرة من أمرهم، وليهم النظر فيما يلم بهم من حادثة، وأن يفزع كل إلى ما يشتهي عند الكارثة.

ونظير ذلك ما قرره في هذه المقدمة من (أن الشريعة بنيت على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها) فإنه حق، وأصل أصيل، والشأن كل الشأن في التطبيق، وصدق ذلك عند التحقيق، فليس كل من استدل بها على رأي رآه يكون مصيباً، فلا دليل فيه على ما ذهب إليه، ولا مستأنس له فيه، فإن كثيراً من المنحرفين عن الصواب لا يزالون يعولون في زعمهم في الانحراف على هذا الشأن، وهم ليسوا من فرسان هذا الميدان، وقد أخطأ هذا الرجل في تفريعه على هذه القاعدة بما يعرفه أهل العلم ـ كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وهكذا تقريره علة شرعية الحج، وأنه إقامة ذكر الله. فإن هذا صحيح ومعلوم بالنصوص، لكن أخطأ هذا الرجل في هذا المقام، وذلك أنه جعل ذكر الله المعني ها هنا هو الذكر القولي فقط دون الفعلي، ولم يعرج على ذكر الله الفعلي في أول بحثه أصلاً، بل لم يكتف بذلك، حتى صرح بما يقتضي خروج الذكر الفعلي عن ذلك.

ص: 73

ولم يدر المسكين أن الاذكار الفعلية أعظم شأناً وأهم من الأذكار القولية، ولهذا كانت أركان الحج وواجباته كلها فعلية ولم يكن منها واحد قولياً، ورمي الجمار من الأذكار التي هي من واجبات الحج. وأما الأذكار القولية التي يؤتي بها حال رمي الجمار وبعده فليس منها ذكر واجب إجماعاً، أفلا يستحي رجل هذه بضاعته في أحكام الحج من أن يتكلم فيه، فضلاً عن أن يكتب، فضلاً عن أن ينشر، فضلاً عن المبالغة العظيمة في النشر والتعميم؟ !!

ويظهر ـ والله أعلم ـ أنه مع جهله حاول الاستهانة بشأن رمي الجمار، وهذا هو الذي حمله ـ والله أعلم ـ على سلوك هذا المسلك، وعلى ذكر ما نسبه عن الحافظ ابن جرير رحمه الله فيما حكاه عن عائشة من أنه إذا ترك الرمي وكبر أجزأه. وأبلغ من ذلك ما حكاه قبل ذلك عن بعض أهل العلم أنه قال: إنما أمر الله بالذكر في أيام التشريق ولم يأمر برمي الجمار لأن الذكر هو روح الدين، وهو الأمر المهم منه، وقد شرع الرمي لأجله، وأنه إنما شرع حفظاً للتكبير. انتهى.

ولهذا قال هذا الرجل بعد أن ذكر أنه حكى بعض أهل العلم الإجماع على أن الأيام المعدودات هي أيام التشريق الثلاثة من حادي عشر ذي الحجة إلى آخره، ما نصه: وذكر الله في هذه الأيام هو التكبير في أدبار الصلاة، والدعاء عند رمي الجمار. فأتى هذا الرجل من الفرية على الله ورسوله مالا يخفى على أهل العلم، وذلك أنه حصر أمر الله تعالى بذكره في الأيام المعدودات في الذكر القولي، المفيد أن الله لم يأمر بالرمي في هذه الأيام. وباليت شعري من إمام

ص: 74

هذا الرجل في ذلك، وجعل هذا الرجل عمل الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو امتثال أوامر ربه والتشريع لأمته وتفسيره لهذه الآية الكريمة ما زعمه من أنه الأذكار القولية فقط، مستشهداً عليه بما رواه البخاري في صحيحه، عن ابن عمر رضي الله عنهما:" أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يُكبِرُ على إثرِ كل خصاة ثم يتقدم ثم يسهل " إلى آخل الحديث، وبحديث أبي داود، وفيه " أن ابن عمر كان يدعو هنا بالدعاء الذي كان يدعو به في عرفة " والحديثان لا يدلان على أن رمي الجمار لا يدخل في مسمى الذكر بحال.

ولعمري إن أعلم الخلق بمعان القرآن الكريم وبأحكام الحج هو من أُنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم: قد فسر هذه الآية الكريمة بما فعله وأمر به من واجب كرمي الجمرات، ومايتبع ذلك من الأذكار القولية المندوبات، وفسرها بذلك علماء الإسلام متبعين بذلك تفسير سيد الأنام، صلى الله عليه وسلم برميه الجمار تلك الأيام، وأمره أمته بذلك. وقد غر هذا الرجل في اقتصاره على الذكر القولي اقتصار كثير من المفسرين عليه في تفسير هذه الآية، فظن عدم دخول رمي الجمار في ذلك، وهم إنما تركوه لوضوحه.

قوله: فهذا المنسك الذي شرع للذكر والدعاء والتكبير قد انقلب إلى لغو وصخب وتزاحم وتلاكم وفساد كبير.

أقول: ليس الأمر كما زعمه، ولا الشأن ما توهمه، بل ذلك المنسك الشرعي هو هو لم ينقلب هذا الانقلاب، وإنما انقلب تصور هذا الرجل، وغاية ما هنالك أنه يوجد من بعض جهلة الأعراب.

ونحوهم شيء من ذلك، وبعضه غير مقصود، وما كان منه على وجه

ص: 75

لا يؤذي به المزاحم أحداً من الحجاج لأجل الوصول إلى أداء ما أوجب الله عليه من هذا النسك على وجهه الشرعي فهذا غير مذموم، لا في رمي الجمرات، ولا في المواضع الأخر مما يتصور فيه الزحام كالطواف والسعي، بل هو من المأمور به شرعاً، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

قوله: وصار الناس لا يذهبون إليه ألا وهم متذمرون للمحاربة وقصد المغالبة، يمد بعضهم بعضاً، ويؤيد بعضهم بعضاً.

يقال: هذا من المجازفة الظاهرة. ولو قال: وصار بعض الناس لكان أقرب إلى الصدق.

قوله: وصار من الصعب الوصول إليها وتحقق وقوع الجمار فيها. وإن أراد الصعوبة التي تحتمل ـ فهو نظير ما في الجهاد في سبيل الله من الصعوبة التي تحتمل ـ فهو نظير ما في الجهاد في سبيل الله من الصعوبة، وما في صيام رمضان في شدة الصيف من الجوع والعطش الذي جنسه يحتمل ولا يرخص بسبب حصوله في الإفطار والمصير إلى القضاء، وفي مزاولة هذه الصعوبة والصبر على ما يناله من المكاره من الأجر مالا يعلمه إلا الله. وفي ضمن هذا الكلام من التمهيد لما سيصرح به بعد من سقوط وجوب الرمي مطلقاً من أجل الزحام مالا يخفى.

قوله: وكان لهذا الأمر الذي حقق الخطر، ووسع دائرة الضرر، عوامل عديدة ساعدة عليه: منها فتح مشارق الأرض ومغاربها بالآلات الحديثة من كل ما سهل السفر وقصر المسافة، حتى صارت الدنيا كلها كمدينة واحدة، وكأن بلدانها على بعدها بيوت متقاربة. إلى آخر كلامه الطويل، حوالي هذا التدليل والتعليل.

ص: 76

يقال: الحمد لله. لا ينكر أحد حدوث حصول أسباب جديدة مما سهلت الوصول إلى الحج، ولكن اشتمل كلامه في ذلك على مجازفات لاتخفى، وعلى القطع والجزم بأشياء لا يجوز الجزم بها بل هذه أشياء أمرها إلى الله، وربما يظهر من الواقع ما يكذبها.

ولا يفوت على الواقف على ما قررته هاهنا ماعم وطم ودهم وأدلهم من ليل الإدبار عن التسمي باسم الدين، وتهاون الأكثر من المتسمين به بأركانه الأصولية والفروعية. وبتقدير حصول الحجاج إلى كثرة تبلغ ما تصوره هذا الرجل، فإن الله سبحانه وتعالى يحدث من أنواع التيسير والتسهيل كوناً وقدراً على يد من يشار من عباده ما يقابل تلك الكثرة، بحيث لا توجد الصعوبة التي أشار إليها هذا الرجل، كما أن ربنا سبحانه وتعالى قد شرع ويسر مخرجاً من تلك الصعوبة سهلاً مناسباً جارياً على أصول ما بعث به تعالى خير بريته محمد صلى الله عليه وسلم من هذا الدين السهل السمح الذي هو أبعد شيء عن الصعوبة والآصار والأغلال، كما سيأتي إيضاحه في موضعه إن شاء الله تعالى.

قوله: وذلك أن الفقهاء قالوا: إن رمي كل يوم من أيام التشريق يدخل بزوال الشمس ويخرج بغروبها، وأنه لو رمى قبل الزوال أو بالليل لم يجزئه، ودليلهم في ذلك ما روى البخاري في صحيحه عن جابر قال:" رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس ".

يقال نعم: قالوه لهذا الدليل الصحيح الصريح الذي لا معارض له، وهو ما ساقه هذا الرجل

ص: 77

قوله: فظن من ظن أن هذا حكم عام في جميع الأحوال والأزمان. يقال: هؤلاء الذين ذهبوا إلى ذلك متيقنين متحققين أنها سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم هم الصحابة والتابعون والأئمة أجمعون عملاً بقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (1) فإن هذا الأمر في الآية الكريمة يشمل ما ثبت بقوله صلى الله عليه وسلم أو بفعله أو تقريره، وعملاً بقوله تعالى:{واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون} (2) والأيام المعدودات هاهنا هي أيام التشريق. وهذه الآية الكريمة دليل واضح في وجوب رمي الجمار، لما فيها من الأمر به.

قوله: ولم يفرقوا بين إمكان الفعل وتعذره، فكان هذا الفهم هو العامل الأكبر في حصول الضرر، وتوسيع دائرة الخطر، لأن التقدير بهذا الزمن القصير قد أفى بالناس إلى الحرج والضيق.

يقال: الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام عندما تقوم الأعذار الشرعية في ترك المأمورات العينية، يخرجون من ذلك المأزق إلى ما وسعه الله من الرخص الشرعية. إما بالعدول إلى الاستنابة فيما يمكن الاستنابة، وإما إلى الاكتفاء بالفدية فيما فيه فدية، كما عرف ذلك في أقوال العلماء المستندة إلى الدليل، ولا حرج ولا ضيق إلا في حق من لم يعرف الطريق، ولم يشم رائحة الفهم والتحقيق.

(1) سورة الحشر ـ آية 7.

(2)

سورة البقرة ـ آية 203.

ص: 78

قوله: حتى إن هذا ليعد من التكاليف الآصارية، التي تبطله النصوص الدينية، وما اشتملت عليه من الرحمة والمصلحة والإحسان والحنان.

يقال: لا يعد هذا من الآصار إلا من انغمس في الإلحاد، وصرح بما يدل أنه عن الدين قد حاد، أو منافق قد عاث في الأرض والفساد وتستر بالدين وكان في الحقيقة للدين قد كاد، أو جاهل قد تزيا بزي أهل العلم وهو منهم في غاية الابتعاد، فعد ذلك من الحرج، وتصور أن لا مخرج منه إلا بما أدركه فهمه الذي مرج، وفارق أفهام السلف الصالح الذين أقاموا من الدين العوج، وعرفوا الخروج من المضايق بما يسر الله وشرعه من فرج، وذلك أن الناس إذا عملوا بغث رخصته، حشدوا جميعاً أو أكثرهم أول النهار خشية حر الشمس أو قبل الفجر فحصل ما فر منه من الزحام، وفات عليه غرضه الذي حوله قد حام، لتوسيع هذا الرجل لهم المجال، وتصريحه بما لم يسبق إليه في الاستدلال، فإنه صرح ـ كما يأتيك في رسالته ـ بما يقتضي أن حديث " فما سئل يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال أفعل ولا حرج" أن التحديد في أمثال هذا من باب الاستحباب، وليس له أي حظ من حكم الإيجاب، أو يفضي ما قرره إلى تأخيره عن يومه إلى الليل، فيلقون من مكابدة ظلامه كل ويل، أو إلى أن يستولي عليهم الكسل، فيفضي بهم إلى ترك العبادة مطلقاً أو تأخيرها التأخير الموقع في الإثم، وحينئذ يكون هذا الرجل قد فوتهم المأمور، وأوقعهم في نظير ما فر منه من المحذور، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

ص: 79

ولعمري لا شيء أحسن من الاعتصام بالكتاب والسنة، والدرج على ما جرج عليه صدر هذه الأمة، الذين هم القدوة والأئمة، الذين عرفوا من مراد الله ورسوله تاصيلاً وتفصيلاً ما حرمه أرباب الدعاوي الكاذبة، الذين صرحوا فيما كتبوه بأقلامهم بما يقتضي أنهم من أزجى الناس بضاعة في الشريعة المحمدية، وحظهم اللخبطة الشقاشق، والمخرفة والتحامق، وقد قدمنا أ، هـ معلوم بالضرورة أن هذا الدين الإسلامي هو دين الرحمة والمصلحة رخصه وعزائمه.

قوله: " والنبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم العيد في أول النهار، ثم رمى الجمار بقية الأيام فيما بعد الزوال " والكل سنة، وإنما فعل هذا وهذا توسعة منه على أمته، وبياناً لامتداد وقته، كما وسع عليهم في الوقوف بعرفة في المكان والزمان، فإنه وقف بها بعد الزوال إلى الغروب عند الصخرات، وقال:" وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف "(1) وقال فيما رواه عروة بن مضرس المزني، أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بمزدلفة، قال: قلت يارسول الله: جئتك من جبل طيء، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، ولا والله ما تركت من جبل تحب أو يوقف عليه إلا وقفت عليه فهل يجزيني ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من شهد صلاتنا هذه ـ يعني بالمزدلفة ـ ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجة وقضى تفثه "(2) وقد استدل الإمام أحمد بهذا الحديث على أن وقت الوقوف يدخل

(1) أخرج مسلم. وزاد ابن ماجه " وارفعوا عن بطن عرنة"

(2)

أخرجه أصحاب السنن.

ص: 80

بفجر يوم عرفة، وجعل الأصحاب الوقوف إلى الغروب من الواجبات التي تجبر بالدم، والحديث لا يقتضيه. والله أعلم.

يقال: مراد هذا الرجل بالسنة هاهنا السنة الاصطلاحية المعرفة عند الفقهاء بتعريف المستحب ـوهو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه ـ كما يعرف مما سبق من كلامه وما سيأتي منه. ومراده أيضاً أنه كما أن رمي جمرة العقبة يوم النحر أول النهار سنة، فالرمي في أيام التشريق بعد الزوال سنة، وأنه يجوز في أيام منى الثلاثة رمي الجمار قبل الزوال، كما رمى صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة في يوم النحر ضحى، فقاس رمي الجمار أيام التشريق على رمي جمرة العقبة يوم النحر في توسيع وقته، فيلزمه حينئذ أن يقيس أيام التشريق على يوم النحر في الاقتصار على رمي جمرة العقبة ولا فرق، وهذا قياس باطل، لمخالفته فعله صلى الله عليه وسلم وقد قال مسلم في صحيحه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم جميعاً، عن عيسى بن يونس، قال ابن خشرم: أخبرنا عيسى عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابراً يقول:" رايت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر، ويقول: لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه ".

ورميه صلى الله عليه وسلم في كل يوم من أيام التشريق الثلاثة ثلاث الجمرات بعد الزوال كما في حديث جابر الصحيح، وحديث ابن عباس، وحديث ابن عمر: يبطل هذا القياس من جهة الوقت، ومن جهة عدم اقتصاره صلى الله عليه وسلم فيهن على رمي جمرة العقبة

ص: 81

ورميه صلى الله عليه وسلم الجمرات أيام التشريق بعد الزوال يدل على الوجوب، لأنه فعله صلى الله عليه وسلم مشرعاً لمته على وجه الامتثال والتفسير، فكان حكمه حكم الأمر.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " شرح العمدة ": والفعل إذا خرج مخرج الامتثال والتفسير كان حكمه حكم الأمر، وهو داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم"(1) انتهى.

وما احتج به هذا الرجل من قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: " وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف" على توسيع زمن رمي الجمار أيام التشريق بحيث يجوز ويجزي قبل الزوال فهو باطل، إذ من المعلوم عند كل أ؛ د أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم عدم تعيين الموضع الذي وقف فيه عند الصخرات لوقفة الحج، ولهذا قال:" عرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة" ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم بمنى: " نحرت هاهنا ومنى كلها منحر"(2) قال ذاك بعرفة خشية أن يظن أن لا موقف في عرفة إلا الموضع الذي وقف فيه عند الصخرات، وقال هذا في منى خشية أن يظن أن لا منحر إلا في المكان الذي نحر فيه صلى الله عليه وسلم، ولم يقل صلى الله عليه وسلم حين رمى الجمرات أيام التشريق بعد الزوال " رميت هذا الوقت وكل اليوم وقت رمي" فلما قال في الموقف بعرفة والمنحر بمنى ما قال ولم يقل نظيره في وقت رمي الجمار أيام التشريق تبين الفرق بينهما، وأن الرمي أيام التشريق يختص بالوقت الذي

(1) متفق عليه.

(2)

أخرجه مالك.

ص: 82

رمى فيه، وأن الموقف بعرفة والمنحر بمنى لا يختص بالمكان الذي وقف فيه والمكان الذي نحر فيه، وهذا من أوضح الواضحات.

وتوسيع النبي صلى الله عليه وسلم زمن الوقوف لامستفاد من حديث عروة بن مضرس ليس توسيعاً إطلاقياً، وإنما هو توسيع محدود الأول والآخر. فمن وقف في غير عرفة فلا حج له، ومن وقف في غير الزمن المحدود في حديث عروة فلا حج له، فمكان الوقوف وزمانه محدودان بالسنة النبوية، وزمن الرمي وعدده ومكانه محدودة بالسنة النبوية كما تقدم في حديث جابر وغيره، فمن لم يكتف في أي عبادة من عبادات الحج بمقدار التوسيع الذي وسعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وقاسها على توسيع زمن أو مكان عبادة أخرى فقد أخطأ، وقدم بين يدي الله ورسوله، وشرع من الدين ما لم يأذن به الله، فإن العبادات نوعاً وقدراً ووقتاً وكيفية إنما تتلقى من مشكاة النبوة، والآراء مطرحة والقياس لا قيمة له إذا أشرقت شمس سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

قوله: وجعل الأصحاب الوقوف إلى الغروب من الواجبات التي تجبر بدم، والحديث لا يقتضيه.

يقال له: ليس هذا قول الأصحاب فقط، بل هو قول سائر أئمة الدين وعلماء المسلمين إلا من شذ، بل ذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أن ذلك من أركان الحج.

ودليل وجوب بقاء الواقف بعرفة إلى غروب الشمس فعله صلى الله عليه وسلم، مع قوله صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم"(1) .

(1) متفق عليه.

ص: 83

وتقدم قول شيخ الإسلام في شرح العمدة: إذا خرج مخرج الامتثال والتفسير كان حكمه حكم الأمر.

ولا يظن أن بين ما قررناه ها هنا وبين حديث عروة بن مضرس شيئاً من التنافي، بل ما قررناه يوافق حديث عروة ويفسره؛ وذلك أنه ليس في حديث عروة ما يدل على جوز الدفع من عرفة قبل غروب الشمس أصلاً؛ فإن قوله صلى الله عليه وسلم:" وقد وقف بعرفة ليلاً أو نهاراً " يفسره فعله صلى الله عليه وسلم؛ إنه وقف المسلمين نهاراً إلى غروب الشمس؛ فدل على أنه واجب، وعروة لم يصل إلى عرفة إلا ليلاً فقط؛ لأنه لو كان قد وقف بها نهاراً مع الجمع العظيم ما قال للنبي صلى الله عليه وسلم فهل لي من حج، وأكثر ما في حديث عروة صحه حج من وقف بعرفة نهاراً ودفع قبل الغروب، وقد أخذ الفقهاء بذلك فصححوا وقفته وأوجبوا عليه دماً ظ، كما صححوا وقفة من لم يصل إلى عرفة إلا ليلاً ولم يوجبوا عليه دماً، وكما صححوا هم وغيرهم وقفة من وقف بعرفة نهاراً وبقي إلى غروب الشمس واعتقدوا أنه هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ورأو وجوبه عملاً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله:" خذوا عني مناسككم " وجمعوا بذلك بين سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومما يدل على عدم جواز الدفع من عرفة قبل الغروب عدم إذن النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة في ذلك مع ما يلقونه في طريقهم من الزحمة وحطمة الناس، كما رخص لهم في الدفع من مزدلفة آخر ليلة جمع لذلك. ومنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عروة " فقدتم حجة " أي صح؛ فإن عروة لم يسأل إلا عن

ص: 84

صحة حجة كما تفيده كلمة: فهل لي من حج يا رسول الله ووجوب الدم لا يمنع صحة الحج؛ فإن من ترك واجباً من واجبات الحج عامداً أو ناسياً فعليه دم وحجه صحيح، ويشهد لاستعمال النبي صلى الله عليه وسلم التمام بمعنى الصحة ما في النسائي وأبي داود مرفوعاً " إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ثم يكبر الله " الحديث.

قوله: ولو كان الأمر كما زعموا أن ما قبل الزوال وقت نهي غير قابل للرمي لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً واضحاً بنص قطعي الرواية والدلالة وأرد مورد التكليف العام؛ إ ذ لا يجوز في الشرع تأخير بيان مثل هذا عن وقت حاجته، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في أوقات معلومة.

يقال: أولا جباً لهذا الرجل: كيف يكون عدم النهي عن فعل العبادة المقيدة بوقتها المأمور بها فيه دليلاً على جواز فعل تلك العبادة قبل وقتها، وهل هذا إلا شرع دين لم يأذن به الله؟! أما يدر هذا الرجل أن العبادات مبناها على الأمر؟! أيخفى عليه حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "(1) فإنه يشمل بعمومه إحداث عبادة لم تعلم من الشرع. ويشمل بعمومه أيضاً فعل عبادة مأمور بها لكن فعلها الفاعل في غير وقتها الذي أمر بها فيه كمسألتنا، ويشمل بعمومه فعل عبادة قد أمر به افيه لكن عملها في مكان غير المكان الذي عين أن تفعل فيه. ونظير ذلك لو فعلها في وقتها الذي أمر أن تفعل فيه وفي المكان الذي أمر أن تفعل فيه لكن زاد فيه أو نقص. وزعم

(1) أخرجه مسلم

ص: 85

هذا الرجل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين المنع من رمي الجمرات أيام منى قبل الزوال منعاً واضحاً بنص قطعي الرواية والدلالة وأرد مورد التكليف العام. زعم باطل؛ فإن فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه العبادة في أيام منى الثلاث بعد الزوال على وجه الامتثال والتفسير منزل منزلة الأمر العام عند جميع أئمة الإسلام.

ويقال " ثانياًَ " قد ثبت النهي عن رمي هذه الجمرات قبل الزوال، فروى مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقول: لا ترمى الجمرة حتى تزول الشمس. وهذا له حكم الرفع؛ لا مسرح للرأي فيه.

ويقال " ثالثاً " لا تفتقر الأحكام الشرعية الفرعية في ثبوتها إلى اشتراط قطعية السند؛ بل تثبت بالأدلة الظنية، إنها الذي يحتاج في ثبوته إلى كون دليله قعطياً هي الأصول والعقائد؛ فإنه لا يثبت أصل شرعي بدون دليل قطعي من تواتر أو ما يقوم مقامه، كما لا تثبت العقائد بدون دليل قطعي من تواتر أو ما يقوم مقامه.

فجمع هذا الرجل هاهنا بين عدة أنواع من الجهل: " أحدها": إقدامه على أن الجمرات ترمى في كل وقت لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه نهي صريح.

"الثاني" اشتراطه في أدلة الفروع أنها قطعية.

"الثالث": تصريحه أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم توقيت رمي الجمار الثلاث أيام منى بعد الزوال بأمر عام، متخيلاً من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أيام التشريق أنه فعل فقط، وأنه لا عموم له، ولهذا اشتراط كون الدليل وارد مورد التكليف العام،

ص: 86

ولهذا أعرض في رسالته عن حديث " خذوا عني مناسككم" إما عمداً وإما نسياناً له، سبب وقوعه فيما وقع فيه من الغلط.

وأما استدلال هذا الرجل على جواز رمي الجمرات أيام التشريق قبل الزوال بعدم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه، معللاً بأن المنع من الصلاة أوقات النهي هو لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها. فهو من عظيم جهله، وذلك للفرق الواضح بين رمي الجمرات وبين نوافل الصلاة المطلقة وصلاة الجنازة ونحوها مما لم يوقت له مما يجوز فعله في كل وقت من ليل ونهار، لكن نهي عنها في أوقات النهي الخمسة لعلة مشابهة الكفار ونحو ذلك.

أما العبادات المؤقتة من صلاة وطواف ورمي جمار فهي مقيدة بتلك الأوقات، وفعلها بعد دخولها من جملة شروط صحتها، ومن لم يعرف الفرق بينهما فهو إلى أن يتعلم أحوج منه إلى أن يفتي ويتكلم.

قوله: وكما نهى ابن عباس والضعفة الذين معه بأن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس، فبدل الناس قولاً غير الذي قيل لهم فكانوا يدفعون ثم يرمون الجمرة وهم أصحاء أقوياء.

مراد هذا الرجل من استدلاله بنهي النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس وأُغيلمة بني عبد المطلب عن أن يرموا قبل طلوع الشمس على جواز الرمي أيام التشريق قبل الزوال: أنه كما استفيد من نهيه عن الرمي قبل طلوع الشمس المنع، فإنه يستفاد من عدم النهي عنه قبل الزوال أيام التشريق الجواز.

فيقال: أولاً: إنما يستقيم هذا فيما أصله الإباحة، والعبادات ليست كذلك، إنما هي توقيفية، فما شرعه الله ورسوله مطلقاً كان

ص: 87

مشروعاً كذلك، وما شرعه مؤقتاً في زمان أو مكان توقت وتقيد بذلك المكان والزمان، ولا يحتاج الحكم على فساد العبادات إذا فعلت قبله إلى نهي عن ذلك، إكتفاء بالتوقيت الشرعي، والتحديد الشرعي ومسألتنا من هذا الباب.

فإن قيل: لم جاء هذا النهي في حق ابن عباس وأُغيلمة بني عبد المطلب ولم يجيء نهي الناس عموماً عن الرمي قبل الزوال أيام التشريق.

قيل: إنما جاء ذلك في حق ابن عباس وأُغيلمة بني عبد المطلب لعدم إمكان أخذهم مناسكهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في رميهم جمرة العقبة يوم النحر، لعدم حضورهم معه صلى الله عليه وسلم الحين الذي يصلون فيه إلى جمرة العقبة، فكانوا محتاجين لتوقيت رمي الجمرة لهم بالبيان القولي منه صلى الله عليه وسلم فإنهم مستغنون عن ذلك بحضورهم معه صلى الله عليه وسلم حين رميه تلك الجمرة واقتدائهم به، وأخذهم عنه صلى الله عليه وسلم مناسكهم، كما قال صلى الله عليه وسلم:" خذوا عني مناسككم" وهكذا هم معه صلى الله عليه وسلم في بقية أعمال الحج التي تعمل يوم النحر وبعده من رمي الجمرات أيام التشريق بعد الزوال.

فأول وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر لغير الضعفة مبين من النبي صلى الله عليه وسلم ببيانين (أحدهما) : القولي الذي علمه ابن عباس وأُغيلمة بني عبد المطلب. و (الثاني) : فعله صلى الله عليه وسلم برميه تلك الجمرة بعد طلوع الشمس على وجه الامتثال والتفسير المنزل منزلة الأمر. فما قبل طلوع الشمس ليس بوقت

ص: 88

لرمي الجمرة في حق غير الضعفة، كما أن أول وقت رمي الجمرات أيام منى الثلاثة مبين بفعله صلى الله عليه وسلم الذي فعله على وجه الامتثال والتفسير المنزل منزلة الأمر، ولم يحتج هنا للبيان القولي لكون ابن عباس وأُغيلمة بني عبد المطلب وسائر الضعفة حاضرين معه صلى الله عليه وسلم، مكتفين في معرفة وقت الرمي بفعله صلى الله عليه وسلم، فكما استفيد من تحديد أول وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر بطلوع الشمس أن ما قبله لا يصح فيه الرمي، فإنه استفيد من تحديده الثاني لأول وقت رمي الجمرات أيام التشريق بالزوال أنه لا يصح الرمي قبله.

ويقال "ثانياً" مقتضى استدلال هذا الرجل ـ بكون الشريعة المحمدية شريعة اليسر البعيدة عن الآصار والأغلال على جواز الرمي أيام منى قبل الزوال ـ تجويز الدفع من مزدلفة ليلاً مطلقاً، وهو مقتضى استدلاله عليه أيضاً بحديث " فما سئل يومئذ عن شيء قدِّم أو أُخِّر إلا قال: افعل ولا حرج" وإلا فما الفرق؟ ! أفتكون هذه حججاً إذا كانت في جانبه، وإذا كانت في جانب سواه لغت وسقطت.

ويقال أيضاً: السنة فرقت بين الضعفة وغيرهم، فجوزت الدفع لهم آخر ليلة جمع، ولم تجوز لواحد منهم الرمي أيام منى قبل الزوال خشية الزحمة، مما يعلم به أن التوقيت والتحديد لرمي الجمرات تلك الأيام آكد وأبلغ من التحديد والتوقيت للدفع من جمع. أفيكون المجوزون للدفع لغير الضعفة من جمع قبل الوقت الذي دفع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدلين قولاً غير الذي قيل لهم مع وجود جنس الرخصة في حق بعض الحجاج، ولا يكون من رمي الجمرات أيام منى قبل الزوال الذي لم توجد الرخصة فيه

ص: 89

لأحد غير مبدلين قولاً غير الذي قيل لهم؟ ! هذا في غاية البعد عن العدل والإنصاف.

قوله: ومما يدل على جواز الرمي قبل الزوال ما رواه البخاري في صحيحه، حدثنا أبو نعيم، حدثنا مسعر عن وبرة، قال: سألت ابن عمر متى ارم الجمار قال: إذا رمى إمامك فارمه فأعدت عليه المسألة، فقال:" كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا"(1) .

يقال: هذا الرجل لبعده عن هذا الشأن، وعدم استحقاقه أن يجول في هذا الميدان، أصبح كعنز السوء تبحث عن حتفها بظلفها، وذلك أن حديث ابن عمر هذا أحد أدلة المسلمين، على أن سنة سيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم وهديه الواجب الاتباع هاهنا أن لا ترمى الجمرات الثلاث أيام منى إلا بعد زوال الشمس، نظير حديث جابر وغيره من الأحاديث الدالة على توقيت رمي الجمار الثلاث بما بعد الزوال، وهذا هو صريح حديث ابن عمر المذكور الذي استدل به هذا الرجل على خلاف.. له، وذلك في قوله لما أعاد عليه وبرة السؤال: كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا. فأخبر رضي الله عنه أن هديه وهدي سائر أصحابا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم وهو الرمي في أيام منى الثلاثة بعد زوال الشمس. فانخرط هذا الرجل في سلك الذين بدلوا قولاً غير الذي قيل لهم.

والذي غره ما في قول ابن عمر لوبرة حين سأله متى أرم؟ فقال ابن عمر: إذا رمى إمامك فارمه. فمن أين لهذا الرجل أن هذا الإمام الذي أحال ابن عمر وبرة إلى أن يرمي إذا رمى كان يرمي قبل زوال

(1) أخرجه البخاري.

ص: 90

الشمس، بل نعلم قطعاً أن هذا الإمام لا يرمي إلا بعد زوال الشمس، وإلا لزم أن ابن عمر يفتي من سأله بالاقتداء بمن يعلم أنه يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في وقت الرمي، وهذا في غاية البطلان، ولا سيما وابن عمر قد اشتهر من تعظيم السنة بما يعرفه كل أحد، ولا سيما أحكام الحج، وقصته مع الحجاج في وقت الوقوف بعرفة وما وضح له من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم معلومه.

وابن عمر رضي الله عنهما راعى هاهنا شيئين لم يراعهما هذا الرجل، بل قام بالدعاية ضدهما، وذلك أن ابن عمر عظم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعظم طاعة أُولي الأمر: فأحال وبرة هذه الإحالة تنبيهاً على طاعة الإمام وعدم مخالفته فيما لا يخالف الحق، وعظم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:" كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا" وهذا الرجل لم يبال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين، وما تمسك به المسلمون من ذلك إلى زمننا هذا، ولم يبال بأولي الأمر، بل دعا إلا خلافهم بالدفع من عرفة قبلهم، والرمي أيام التشريق قبلهم. وتعليل هذا الرجل إحالة وبرة إلى رمي الإمام بعلة سعة الوقت، واستدلاله على ذلك بأنه لو كان رمي الجمار مؤقتاً بما بعد الزوال لأحاله إليه من أول مرة، لأن العلم أمانة والكتمان خيانة. تعليل فاسد، وتقرير ساقط، ولا يستقيم إلا بعد أن يتحقق أن ذلك الإمام يرمي قبل الزوال وأن ابن عمر عالم بتلك الحال، ولن يجد هذا الرجل إلى ذلك سبيلاً.

والصواب ـ والله أعلم ـ أن وبرة خشي أو ظن تفويت الإمام السنة بتأخير الرمي عن أول وقته، فأرشده ابن عمر إلى أن لا يخالف إمامه بشيء لا يخرج عن الحق، لما في موافقته من المصلحة الظاهرة العامة

ص: 91

ولما في مخالفته من أسباب التفرق على الإمام، المسبب مالا يخفى من الشر والفساد، فلما كرر وبرة السؤال على ابن عمر رأى أن لا مناص من التنصيص عن الوقت، فقال:" كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا" ولا منافاة بين جواب ابن عمر لوبرة الأول وبين جوابه الثاني. وهذا الذي قررناه هو الحق بلا ريب، لما فيه من إعطاء النصوص حقها، والمحافظة على موقف ابن عمر منها، وطاعة أُولي الأمر بما لا يخالف الحق ـ فلله الحمد والمنة.

وقد دلت السنة على توقيت رمي الجمرات أيام التشريق بما بعد زوال الشمس من وجوه:

"أحدها " ما رواه البخاري في صحيحه، حدثنا أبو نعيم إلى آخر ما ساقه هذا الرجل إسناداً ومتناً (1) وقد عرفت دلالته على التوقيت.

"الثاني" ما رواه الجماعة عن جابر رضي الله عنه قال: " رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضُحى، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس".

"الثالث" ما رواه أحمد وابن ماجه والترمذي، قال الترمذي: حدثنا أحمد بن عبدة الضبي البصري، حدثنا زياد بن عبد الله، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار إذا زالت الشمس".

(1) وهو قول ابن عمر "

كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا ".

ص: 92

" الرابع " ما رواه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: " لا تُرمى الجمرة حتى تزول الشمس" وقد تقدم.

" الخامس" ما رواه أحمد وأبو داود، عن عائشة رضي الله عنها قالت:" أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصات يكبر مع كل حصاة ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع ويرمي الثالثة ولا يقف عندها ".

قوله: وأما قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس يوم العيد من أجل أنها تحية منى. فهذا التعليل لا أصل له شرعاً.

يقال: حدى هذا الرجل على اعتراض الفقهاء في هذا التعليل ظنه أن ذلك تعليل لرمي جمرة العقبة يوم النحر قبل الزوال وهم لم يعللوا بها لذلك، ولم يخطر ببالهم أن أحداً يجوز رمي جمرات أيام التشريق قبل الزوال بصفة الحث على الأخذ بذلك حتى يعللوا رمي جمرة العقبة يوم النحر ضحى بهذا التعليل، وإنما عللوا بذلك بداءته صلى الله عليه وسلم برمي جمرة العقبة قبل نزوله وقبل النحر والحلق، وحينئذ يعلم غلط هذا الرجل على الفقهاء لفظاً ومعنى، وسوء تصوره، وأنه من شدة وجله في سلوك هذا الطريق، وفلسه في العلم والتحقيق، يحسب كل صيحة عليه، فسعى في إبطال هذا التعليل بما لا يجدي عليه شيئاً عند التحصيل، فقال: وبطلان هذا التعليل واضح بالدليل. يريد حديث " فما سئل يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال: افعل ولا حرج".

ص: 93

فيقال: " أولاً ": أين إبطال ما تقدم من التعليل من هذا الدليل؟

أدل على هذا بمنطوقه؟ أو بمفهومه؟ أو غيرهما من أوجه الدلالة؟ ويقال له: " ثانياً" إن لم يكن في هذا الحديث دليل على صحة ذلك التعليل لم يكن فيه ما يبطله، بل هو على إثباته أدل منه على نفيه. ولا يرد على هذا جوابه صلى الله عليه وسلم عن التقديم والتأخير يومئذ بقوله" افعل ولا حرج" إما لكون ذلك في حق من لم يشعر، أو مطلقاً، إذ لا يدل نفي الحرج على استواء التقديم والتأخير، بل السنة المستقرة أنه يرمي أولاً، ثم ينحر ثانياً، ثم يحلق ثالثاً. فأين عمل استقرت به السنة من فعل يعذر صاحبه لأجل الجهل أو أحسن أحواله نفي الحرج عن فاعله؟ ! شتان ما بينهما.

قوله: وأما قولهم: إنه خلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم فنقول: حاشا أن نخالف في سنة من سنن الدين، أو أن نتبع غير سبيل المؤمنين، فقد رمى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه يوم النحر قبل الزوال، ثم رمى بقية الأيام بعد الزوال، وفعله في الأول كفعله الآخر، و (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)(1) .

يقال: لقد كفانا هذا الرجل مؤونة الرد عليه، فقف وانظر وتأمل واعتبر وزن بذلك علم هذا الرجل وعقله، فإنه جعل مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غايرت بين وقت رمي

ص: 94

الجمرة يوم النحر وبين رمي جمرات أيام التشريق، فرمى صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى، ورمى جمرات أيام التشريق بعد زوال الشمس، ولا يكون الحاج عاملاً بقوله تعالى {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} حتى يفعل كما فعل صلى الله عليه وسلم من رمي جمرة العقبة يوم النحر ضحى ورمي ما عداها بعد الزوال، والمسوي بينهن برميهن كلهن قبل الزوال هو عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعزل. والمقام في الحقيقة غني عن أن يقرر فيه مثل هذا التقرير، ولكن ضرورة خوض هذا الرجل في هذه الأبحاث بغير علم ومباهتته ومكابرته ألجأتنا إلى هذا التقرير.

قوله: فقولنا بجواز الرمي قبل الزوال ليس من المخالفة في شيء بل هو نفس الموافقة.

يقال: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرات الثلاث أيام منى بعد الزوال على وجه الامتثال والتفسير المفيد للوجوب، وأنت أيها الرجل رميت قبل الزوال، فما المخالفة غير هذا؟ ! إذا لم يكن هذا مخالفة فلا ندري ما المخالفة. ورمي جمرة العقبة يوم النحر هي وظيفة ذلك اليوم وعبادته، وأحكامها تختص بها، كما أن رمي الجمرات الثلاث أيام منى هي وظائف تلك الأيام، وأحكامها تختص بها، فلا يكون وقت عبادة يوم معين وقتاً لعبادات يوم آخر سواء. والتوقيت توقيفي، فما وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبادة يوم كان وقتاً لها فقط، فقياس جمرات منى في الوقت على وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر باطل، كبطلان التيمم حال وجود الماء، إذ من شرط القياس عدم النص، فوقت رمي الجمار

ص: 95

أيام التشريق منصوص عليه، وإن أبيت إلا البقاء على مارأيت، فقس أيام التشريق على يوم النحر، واقتصر على رمي جمرة العقبة فقط فإن قلت: لا أفعل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرات الثلاث ولم يقتصر على جمرة العقبة.

قيل لك: ولا ترم الجمرات قبل زوال الشمس أيام التشريق، لكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما رماها بعد الزوال ولم يرم قبله.

وأما حكم هذا الرجل على من قال باجزاء رمي الجمرات جميعها إذا أُخرت فلم ترم إلا في آخر أيام التشريق مع منعهم رمي الجمرات أيام التشريق قبل الزوال (بالتناقض) فهو من جهله إنما المتناقض من يمنع تقديم العبادة على وقتها تارة ويجوزه تارة أخرى، والتسوية بين تقديم العبادة على وقتها وتأخيرها عن وقتها لا يستقيم، إذ تقديمها على وقتها مبطل لها، وتأخيرها عن وقتها غير مبطل لها، إنما فيه التحريم والتأثيم إذا لم يكن معذوراً، هذا في التأخير المحقق. أما تأخيرها إلى وقت هو وقت لجنسها فلا يحكم عليه بحكم التأخير الحقيقي، فإنه وقت في الجملة، كما في حديث عاصم بن عدي (1) .

وزعم هذا الرجل عدم مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذهب إليه بناءً على أمرين:

(أحدهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة قبل زوال الشمس.

(الثاني) أن الفقهاء جوزوا تأخير رمي الجمرات إلى آخر أيام التشريق.

(1) الذي أخرجه الخمسة وصححه الترمذي " أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لرعاة الابل في البيتوتة عن متى يرمون يوم النحر، ثم يرمون ليومين ثم يرمون يوم النفر ".

ص: 96

وقد قدمت لك بطلان دليله وفحش غلطه فيما ذهب إليه، وأنه أصر على القياس لزمه التناقض والانتكاس. وبما قدمته يعرف أن تجويزه رمي الجمار قبل الزوال مطلقاً في أية ساعة شاء من ليل أو نهار بناءً على الأمرين الذين وضحت بطلانهما. وبسقوط أصليه اللذين بنى عليهما يسقط ما لديه من بنيان، ويستقر الأمر على أن لا محيد له عما عليه المسلمون من اقتفاء سنة سيد ولد عدنان، وأن يرجع عما اشتملت عليه رسالته من الغلط والبهتان.

قولهه: وهذا مذهب طاووس وعطاء.

يقال له (أولاً) أنت مطالب بثبوت ذلك عنهما.

ويقال له (ثانياً) من طاووس وما طاووس، ومن عطاء وما عطاء، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كالشمس في رابعة النهار، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما حين ناظره من ناظره في متعة الحج، واحتج مناظره عليه بقول أبي بكر وعمر: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال: أبو بكر وعمر، وقال الإمام أحمد رحمة الله عليه: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله يقول:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (1) أتدري ماالفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. أفتترك توقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتوقيت سواه؟ أفتقيس قياساً السنة تأباه، وكل من أهل العلم لا يرضاه؟!

(1) سورة النور آية 63

ص: 97

قوله: ونقل في " التحفة " عن الرافعي ـ أحد شيخي مذهب الشافعي ـ الجزم بجوازه، قال: وحققه الأسنوي، وزعم أنه المعروف مذهباً، ورخص الحنفية في الرمي يوم النفر لمتعجل قبل الزوال مطلقاً، وهي رواية عن الإمام أحمد ساقها في " الفروع" بصيغة الجزم بقوله: ويجوز رمي متعجل قبل الزوال.

يقال: إن صح هذا النقل عن الرافعي وتحقيقه عن الأسنوي فإن سبيله سبيل ما قبله من عدم الصلاحية أن تعارض به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل لا يصح أن يعارض به مذهب أمامهما، فضلاً عن أن تعارض به السنة، وهو مردود بقول الشافعي: إذا خالف قولي قول النبي صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي الحائط.

قوله: فقد علم مما تقدم من هذه الأقوال أن للاجتهاد في مثل هذه القضية مجال، وأن من العلم-+اء من قال بجواز الرمي مطلقاً قبل الزوال ومنهم من جوزه لحاجة الاستعجال.

يقال: (أولاً) غاية ما علم مما لفقه هذا الرجل هاهنا وجود جنس الخلاف في تجويزه مطلقاً، أو بشرط، وأنه روى عن بعض المانعين منه قول آخر بالجواز.

ويقال: (ثانياً) ليس كل خلاف يعول عليه، إنما يعول على خلاف له حظ من الاستدلال، وما أحسن ما قيل:

وليس كل خلاف جاء معتبراً

إلا خلاف له حظ من النظر

وهذا الخلاف الذي ذكره هذا الرجل لا حظ له من النظر مطلقاً كما عرف ذلك مما تقدم ولا يعد مثل هذا الخلاف من العلم

ص: 98

إنما العلم هو ما يستند إلى كتاب أو سنة أو قول الصحابة، ولله در القائل:

العلم قال الله قال رسوله

قال الصحابة ليس خلف فيه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة

بين النصوص وبين رأي فقيه

والحق عند النزاع أن يرد ذلك إلى الله ورسوله، كما قال تعالى {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} (1) والحق أيضاً رد ما تشابهت دلالته من النصوص إلى المحكم منها، ومخالف ذلك موسوم بزيغ القلب، قال تعالى:{هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله} (2) .

قوله: ولا شك أن الضرورة الحاصلة بنحو الزحام، المفضي بالناس إلى الموت الزؤام، أشد من حاجة الاستعجال.

يقال: من جوزه للاستعجال كالحنفية ومنعه مع الضرورة الموصوفة بهذه الصفة ولم يوجد منها مخرج شرعي فلا شك في غلطه حيث فرق بين متماثلين، بل جوزه في حال ومنعه في حال هي أولى بالجواز، وقول الحنفية في هذا الباب غير مسلم، ودعوى هذا الرجل الضرورة الموصوفة بتلك الصفة مردودة، والزحام إنما هو في بعض الوقت لا في جميعه، والشريعة المحمدية السهلة السمحة

(1) سورة النساء آية 59.

(2)

سورة آل عمران ـ آية 7.

ص: 99

دلت على مخرج من هذه الضرورة لو ثبتت خير من هذا المخرج الذي زعمه هذا الرجل وتصوره لتمشيه على الأصول الشرعية، ومخرجه هو إنما بناه على شفا جرف هار، فإن الأعذار والضرورات لا تجوز تقديم عبادة على وقتها بحال، فلا يجوز للمريض ولا غيره أن يصلي الظهر ولا أن يحرم بها قبل زوال الشمس، وهكذا سائر الصلوات وكافة العبادات الموقتة بالأوقات من فرائض ومندوبات، وجمع العصر إلى الظهر للعذر الشرعي تقديماً والعشاء إلى المغرب كذلك ليس من هذا الباب، إذ الوقتان في حق المعذور كالوقت الواحد، فكما لا يسوغ تقديم رمي جمرات التشريق يوم النحر، فلا يسوغ تقديمها في يومها على وقتها الخاص بها ـ وهو الزوال.

قوله: وقد استأذن العباس النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له، ولم يأمره بالرجوع في النهار لرمي الجمار، وقيس عليه كل من كان له عذر من مرض أو تمريض صديق يتعاهده أو من له مال يخاف ضياعه أو أمر يخاف فوته، ويلتحق به على الأولى كل من خاف على نفسه وحرمه من مشقة الزحام، والسقوط تحت الأقدام، ومثله خوف الخفرة من تكشفها أو ظهور شيء من عورتها. فهذه الأعذار كلها وما أشبهها تسقط وجوب المباشرة للرمي.

يقال: اشتملت هذه الأسطر من التخليط والكذب والجهل والقول على الله بلا علم ما يعرفه من له أدنى إلمام بالشريعة. ورخصة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته شيء معلوم، وهو يدل على أن المبيت بمنى واجب، وعلى

ص: 100

الرخصة لأهل السقاية، وقياس أهل العلم أرباب الأعذار المنصوصة في كلامهم على أهل السقاية شيء معلوم معروف.

واستدلال هذا الرجل بقصة العباس على عدم وجوب الرمي باطل، فإن أكثر ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره أن يعود إلى منى لرمي الجمار. ومن المعلوم أن العباس أعلم من هذا الرجل وأضرابه بأحكام الحج، وهو لم يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم إلا في ترك المبيت فقط، أفيكون استئذانه في ترك الرمي وهما واجبان متغايران؟!

لا يقول هذا إلا من هو من أجهل الناس بالأحكام، ودلالة الكلام، ومن المعلوم أنه يمكن العباس الرجوع إلى منى لرمي الجمار بدون أي مشقة، وإذا كان وجوب رمي الجمار عليه متحققاً ـ كتحقق وجوبه على غيره ـ فإنه لا يسقط عنه ذلك الواجب المتحقق الوجوب إلا برخصة متحققة، ولا رخصة هنا في ترك الجمار متحققة ولا مزعومة إلا عند هذا الرجل، وهذا الرجل لا يدري أي المشروعين آكد: المبيت بمنى لياليه؟! أم رمي الجمرات نهاره؟! فالمبيت بمنى إنما شرع بل وجب من أجل رمي الجمار.

وأذكر هاهنا بعض أدلة وجوب رمي الجمار: فمنها قوله عز وجل: {واذكروا الله في أيام معدودات} (1) فإن هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، ومنها فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله:" خذوا عني مناسككم" ومنها رخصة النبي صلى الله عليه وسلم للرعاة في تأخير بعض الجمرات، فإن الرخصة لهم تفيد وجوب

(1) سورة البقرة ـ آية 203

ص: 101

الرمي، ومنها رخصة النبي صلى الله عليه وسلم للعباس في ترك المبيت بمنى، فإنه من أدلة وجوب الرمي ـ كما سبق، فإن المبيت بمنى شرع من أجل رمي الجمار، ووجوب الوسيلة دليل على وجوب الغاية. وقياسه على المبيت باطل لعدم مساواة المبيت للرمي، فإن الرمي آكد من المبيت لكونه من الغايات، والمبيت من الوسائل، ولظهور أدلته، فإنه ثبت بالدليل القولي بالكتاب والسنة، وبفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رخص لرعاة الإبل في ترك البيتوتة بمنى لم يرخص لهم في ترك الرمي، فبطل الإلحاق.

وبفرض وجود الزحام الشديد المسبب للموت أو دونه من كسر أو مرض فإنه لا يسقط الفرضية، غاية ما يسقط المباشرة، وحينئذ تجوز استنابة الخائف على نفسه غيره في رمي الجمرات كما يستنيب المريض والعاجز، وهذا هو المخرج الشرعي الذي تقدمت الإشارة إليه.

ولا يجوز أن يقال: العلة التي أسقطت وجوب مباشرة الرمي عن المنوب عنه هي بعينها موجودة في حق النائب، وذلك للتفاوت بالجلد والقوة. وإذا عذر الخائف على نفسه والضعيف والمرأة إما مطلقاً لأجل هذا الزحام المذكور أو لغيره من الأعذار لم يباشر الرمي إلا نصف الحجيج مثلاً أو أقل. كما أن مما يخرج من معرة الزحام توخي الزمن الذي لا يكون فيه ذلك الزحام المذكور أو لا يوجد فيه الزحام أصلاً. وبهذا يعلم أن للحجاج من الضرر عدة مخارج.

ثم سأل هذا الرجل سؤالاً، ليبدي ما لديه حوله من مقال. فقال: وهل يجب عليه أن يستنيب؟ أم تسقط عنه سقوطاً مطلقاً؟ فعند الفقهاء من الحنابلة والشافعية وغيرهم أن يستنيب من يرمي

ص: 102

عنه كالمعضوب وإن لم يفعل فعليه دم. لكن يرد عليه قاعدة من قواعد الشرع المشهورة وهي أنه لا واجب مع عجز، ولا حرام مع ضرورة وأنما ترك للعذر وعدم القدرة على الفعل هو بمنزلة الآتي به في عدم الإثم، لأن الله سبحانه لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولقوله تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم} (1) وفي الحديث:" إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(2) فلم يناسب التضييق بذلك مع العذر، ولهذا تجب الصلاة بحسب الإمكان، وما عجز عنه من شروطها وواجباتها سقط عنه، على أن شروط الصلاة وواجباتها آكد من شروط الحج وواجباته، فإن واجبات الصلاة إذا ترك منها شيئاً عمداً بطلت صلاته، وواجبات الحج إذا ترك منها شيئاً عمداً لم يبطل حجه.

يقال: ذكر هذا الرجل جواز الاستنابة في الرمي بشرطه عن الحنابلة والشافعية وغيرهم من العلماء ولم يذكر لهم مخالفاً يبين عدم وقوفه على خلاف في ذلك، وإنما نصب نفسه مخالفاً للعلماء زاعماً ورود قاعدة " لا واجب مع عجز " على ما ذكروه، وهي لا ترد عليهم بحال، فإنهم أسقطوا عنه واجب المباشرة تمشياً مع هذه القاعدة الشرعية ولا يلزم من سقوط واجب المباشرة أن لا يجب شيء آخر.

فإن من العبادات ما يسقط وجوبه للعجز عنه إلى بدل: كواجب القيام في الصلاة، وكواجب الغسل من الجنابة، وواجب الوضوء في الصلاة وغير ذلك. ومنها ما يسقط إلى غير بدل كالطهارة في حق عادم الماء والتراب، وأمثلة ذلك معروفة، كما أن من العبادات

(1) سورة التغابن ـ آية 16.

(2)

رواه مسلم.

ص: 103

ما تدخله النيابة، ومنها مالا تدخله النيابة، ودخول النيابة في العبادة وعدمه هو على حسب خفة العبادة في نفسها وعدمها، فإن العبادات المالية والمركبة منها ومن البدنية يسوغ فيها من النيابة ما لا يسوغ في العبادات البدنية المحضة، فالصلاة لكونها عبادة بدنية محضة لا تدخلها النيابة بحال. أما الصيام فجوزها أحمد في صوم النذر خاصة لخفته لكونه لم يكن واجباً في أصل الشرع، ومنعها فيما عداه.

وجوزه آخرون، وقول أ؛ مد: أقعد. والزكاة تدخلها النيابة فيجوز لزيد أن يؤدي من ماله زكاة مال عمرو بإذنه، فيكون كالوكيل له، كما يجوز لزيد أن يستنيب خالداً في تفرقة زكاته، والحج عبادة مركبة من مال وبدن فتدخله النيابة في رمي الجمار، وليس ذلك التضييق في شيء.

قوله: ورمي الجمال ليس من الشروط ولا من الأركان، وإنما غاية ما يقال فيه: إنه واجب من الواجبات يؤمر به مع القدرة وليس في تركه مع العجز دم، لأن الدم إنما يكون في ترك المأمور وفعل المحظور بالاختيار، وهذا لم يترك مأموراً بالاختيار ولا فعل محظوراً، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر العباس أن يستنيب في الرمي، ولا أن يجبره بدم، على أن مبيته مستلزم لترك الرمي، إذ لم ينقل عنه أنه رجع إلى منى بالنهار لقصد رمي الجمار، ومثله رعاة الإبل، فإنه لم يأمرهم باستنابة من يبيت مكانهم لأنه ممكن.

يقال: قول هذا الرجل: غاية ما فيه ـ يعني الرمي ـ أنه واجب.

هذه شنشنة أعرفها من أخزم، وتقدم في كلامه ما يبدو منه عدم اعتقاده وجوب الرمي، وبينا هنالك بطلانه.

ص: 104

وما صرح به من أن تارك واجب الحج عجزاً لا دم عليه، معللاً بأن الدم إنما يكون في ترك المأمور وفعل المحظور بالاختيار.

باطل، وجهل صرف، وذلك أن قاتل الصيد في الإحرام يجب عليه الجزاء قتله بالاختيار أو بغير الاختيار، وحالق الرأس تجب عليه الفدية إذا حلقه لعذر كما وقع لكعب بن عجرة، وفيه نزلت:{فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} (1) والمحصر يجب عليه ما استيسر من الهدي وهو لم يترك الواجب اختياراً.

وتقدم الجواب عن استدلاله على عدم وجوب الرمي على السقاة بقصة العباس، وأن قصته من أدلة وجوب الرمي. وعدم نقل رجوع العباس إلى منى بالنهار لرمي الجمار لا يدل على أنه لم يرجع للرمي، لأنه ليس مما تتوفر الهمم والدواعي إلى نقله، للاستغناء عنه بالعلم بأصل الوجوب الذي لا يسقط إلا بدليل صريح والمبيت بمكة لا يفوت الرمي، والمبيت بمنى يفوت على العباس سقايته، ومجرد رمي الجمار لا يفوت عليه سقايته، لطول زمن المبيت وقصر زمن الرمي، ولا مشقة على العباس في مجيئه في اليومين الأولين من أيام منى، فالجمع بين المبيت بمكة ورمي الجمار بمنى ممكن بدون مشقة.

ولا يوافق هذا الرجل على أن استنابة رعاة الإبل من يبيت عنهم ممكن، بل ذلك غير ممكن شرعاً، كما هو معلوم في موضعه.

قوله: وكما لا تجوز الاستنابة في الوقوف بعرفة، ولا مزدلفة، والحلق، ولا التقصير، ولا المبيت بمنى، فهذا منها.

(1) سورة البقرة ـ آية 196.

ص: 105

يقال: ليس في جواز الاستنابة في هذه المذكورات وعدمها ما يدل على المنع من الاستنابة في رمي الجمرات، فإنه مستفاد من دليل مستقل، معضود بالأدلة الدالة على جواز الاستنابة في أصل الحج، فإن بين واجب رمي الجمرات وغيرها من واجبات الحج فروقاً شرعاً معروفة، فلا يلزم من منع الاستنابة في بقية واجبات الحج منعها في رمي الجمرات. وبطريق الأولى الأركان، فإنه لا يلزم من منع الاستنابة فيها منع الاستنابة في الواجبات، فقياس الواجب على الركن باطل، إذ من المعلوم الفرق شرعاً بين العاجز عن الركن والعاجز عن الواجب، كما علم الفرق شرعاً بين تارك ركن الحج عمداً وتارك واجبه، وقياس واجبات الحج على واجبات الصلاة غلط ظاهر، لما بينهما من الفرق.

قوله: ومن التناقض العجيب قولهم: إن العذر في المبيت يسقط الدم والإثم، والعذر في الرمي يسقط الإثم دون الدم. فإن هذا تفريق بين متماثلين لا يقتضيه النص ولا القياس، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن صفية:" أحابستنا هي. قالوا: نعم قال: وهل أفاضت قالوا: نعم قال: فالتنفر إذاً"(1) والوداع معدود من الواجبات، ولم يوجب في تركه للعذر دماً.

يقال: لا تناقض بحمد الله، بل هو جار على أصول الشريعة المحمدية البعيدة كل البعد عن التناقض، والنبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما فرخص للرعاة في ترك المبيت ولم يرخص لهم في ترك الرمي، فثبت الفرق بين المبيت والرمي برخصة النبي صلى الله عليه

(1) أخرجه الستة.

ص: 106

وسلم للسقاة والرعاة في ترك المبيت وعدم رخصته لهم في ترك رمي الجمرات، وعلم من ذلك أن تفريق العلماء بينهما تفريق في محله.

وأيضاً من المعلوم أن شرعية المبيت ووجوبه من باب الوسائل، وشرعية رمي الجمار ووجوبه من باب الغايات، ويدخل في الوسائل من الرخصة للحاجة مالا يدخل في الغايات، ولا يسوى بين الوسائل والغايات إلا من هو أجهل الناس.

وأيضاً ورد من الأدلة الشرعية على شرعية الرمي ووجوبه ما لم يرد مثله من المبيت، وقد تقدم ذلك.

وسقوط الوداع عن الحائض إلى غير بدل لا حجة فيه على سقوط كل واجب بالعذر إلى غير بدل، فإن الحيض في الحقيقة يمنع فعل تلك العبادة ووجوبها كما يمنع فعل الصلاة ووجوبها، بخلاف مسألتنا. مع أن الوداع مختلف فيه، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه سنة، وأوجبه آخرون واختلفوا في حق من هو. فقيل: في حق الحاج فقط. وقيل: في الخارج من مكة مطلقاً.

قوله: إذا ثبت هذا، فإن الصحيح الذي ندين به وندعو الناس إليه: هو أن المعذور بمرض أو ضعف حال أو من يخاف على نفسه حطمة الرجال فإنه يسقط عنه الرمي سقوطاً مطلقاً بلا بدل، كما سقط المبيت عن الرعاة والسكاة، وكما سقط طواف الوداع عن الحائض وهو معدود من الواجبات. ولا نقول بوجوب الاستنابة في هذه الحالة، لعدم ما يدل عليها، ولأن الله سبحانه {لا يكلف نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} (1) .

(1) سورة البقرة ـ آية 268.

ص: 107

يقال: يتبين مما قدمناه بطلان ما قرره هذا الرجل، وأنه من الثبوت بمكان بعيد، ودللنا على بطلانه بما ليس عليه من مزيد، ومن سوء نظره لم يقتصر على نفسه في عجره وبجره، بل دعا إلى ذلك بما ألف وجمع، ونشر وطبع، ولكن يأبى الله ورسوله والمؤمنون، فلا يسقط رمي الجمار عن المعذور، وإنما يسقط عنه المباشرة فقط، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسقط عن الرعاة، ولأن الأصل هو الوجوب، فلا يسقط إلا بدليل شرعي، ولا دليل، بل الأمر كما عرفت في رعاة الإبل. وقياسه على المبيت فاسد، لوجود الفارق كما تقدم. وهذا الرجل يهذي ولا يدري، بل يجب على المعذور أن يستنيب، لدليلين شرعيين (أحدهما) ما ثبت من السنة في جواز النيابة في جميع الحج، فكما تدخله النيابة في جميعه تدخل في بعضه بشروطه المبينة في كلام أهل العلم (الثاني) ما ورد من النيابة عن الصبيان فيما يعجزون عنه من الرمي والتلبية، وقد ترجم على ذلك ابن ماجه في سننه فقال (باب الرمي عن الصبيان) :

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الله بن نمير، عن أشعث، عن أبي الزبير، عن جابر، قال:" حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم"(1) وقد مر بك قريباً الجواب عما استدل به من سقوط طواف الوداع عن الحائض من غير بدل، واكتفيت بذلك عن إعادته ها هنا بما يكفي.

قوله: والأمر الثاني أنه يجوز رمي الجمار في أية ساعة شاء من ليل أو نهار، وكلام الأئمة في تحديد وقته بما بين الزوال إلى

(1) رواه مسلم.

ص: 108

الغروب إنما يحسن الإفتاء به والعمل بموجبه في حالة القدرة والسعة، لا في حال الضيق والمشقة، فلا يفتي بالإلزام به في مثل هذا الزمان إلا من يحاول حطمة الناس وعدم رحمتهم. والفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان، فلو كان التقدير بهذا الزمن القصير شرطاً لسقط للعجز عن أدائه، أو لجاز تقديمه محافظة على فعله، لأن الجزم بلزومه مستلزم للحكم بسقوطه، حيث أنه صار في حق أكثر الناس من تكليف ما لا يستطاع.

إذا شئت أن تعصى وإن كنت قادراً

فمر الذي لا يستطاع من الأمر

يقال: لا ريب أن هذا شرع دين لم يأذن به الله، والعلماء به وأهل خشيته لا يجرؤون هذه الجراءة العظيمة، فينطقون بهذه الجملة الشاملة العميمة، إنما النطق بمثلها يكون ممن إليه التشريع صلى الله عليه وسلم كما قال صلى الله عليه وسلم:" يابني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار ".

لقد جهل هذا الرجل نفسه. وتحت هذه الجملة من الجهل والقول على الله ورسوله ما لا يعلمه إلا الله ثم العلماء بشرعه ودينه.

وقضية هذا العموم أن من رمى أية ساعة من ليلة النحر أو غيرها من الليالي أو أية ساعة من يوم عرفة أو ما قبلها أو ما بعدها من يوم النحر وأيام التشريق أو ما بعد أيام التشريق أجزأه، كالعموم الذي تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم في الطواف بالبيت والصلاة عنده:" أية ساعة شاء من ليل أو نهار"(1) .

(1) أخرجه الخمسة.

ص: 109

فإن قيل: لا يلزم من إطلاقه هذا العموم والشمول.

قيل: بلى، لأن المقام مقام توقيت وعدمه فيكون إطلاقه نافياً للتوقيت مطلقاً.

إذا علم هذا فإن رمي الجمرات أيام التشريق الثلاثة لا يصح قبل الزوال: بالكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب، فقوله تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (1) .

وأما السنة فرميه صلى الله عليه وسلم بعد الزوال على وجه الامتثال والتفسير المفيد للوجوب، كما في حديث جابر، وحديث ابن عمر وحديث ابن عباس، وحديث عائشة، وقوله صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم " وقد تقدمت.

وأما الإجماع فأمر معلوم، وقد نص عليه في بعض كتب الخلاف والإجماع. ولا يرد عليه ما ذكره هذا الرجل عن طاووس وعطاء وغيرهما فإن هذا لا يعد خلافاً أبداً، ولا يعتبر خلافاً عند العلماء، لأنه لاحظ له من النظر بتاتاً، بل هو مصادم للنصوص.

وأيضاً كلامه هذا مناقض لما قدمه من نهي النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس وأُغيلمة بني عبد المطلب أن يرموا قبل طلوع الشمس مما يدل على أن الرمي موقت محدد.

وزعمه أنه لا يحسن الإفتاء بتحديد وقت رمي الجمار أيام التشريق بما بين زوال الشمس وغروبها في مثل هذا الزمان. إلى آخره.

ص: 110

يقال: التوقيتات الشرعية للعبادات لا تتغير الفتوى فيها أبداً وقائل ذلك يلزمه في هذه المقالة ما لو طرد لأتى بالأبطال على أكثر العبادات الشرعية المؤقتة بالأوقات بإخراجها عن وقتها بتقديمها عليه المفوت شرط صحتها وغير ذلك، وتوقيت الرمي زمن النبي صلى الله عليه وسلم هو وقته اليوم ووقته إلى يوم القيامة. والمريض الشديد المرض وغيره من أرباب الأعذار لا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها بدون نية الجمع بشرطه، كما لا يجوز له إجماعاً تقديمها أو بعضها على وقتها. فما بين زوال الشمس وغروبها هو وقت الرمي مطلقاً، لما تقدم. فإذا تحقق العذر في ترك مباشرة الرمي انتقل إلى البدل المدلول على صحته بالسنة كما تقدم، ودل على وجوبه قوله تعالى:{فاتقوا الله ما استطعتم} (1) فإن تقوى الله سبحانه ليست مختصة بالمباشرة ـ كما فهمه هذا الرجل مما يقتضي أن الإنسان إذا عذر في ترك المباشرة يبقى غير مأمور بتقوى الله ـ بل هو وإن عذر في المباشرة يبقى عليه من تقوى الله أشياء أخر، وذلك بأن يصير إلى البدل فيما له بدل، وبأن يستنيب فيما تدخله النيابة وأن يفدي فيما تجب فيه الفدية. وحينئذ يعرف أنه لا ملازمة بين الرخصة في عدم المباشرة للواجب وبين أن يبقى الإنسان غير مأمور بالتقوى فتقوى الإنسان الصحيح أو المريض القادر على القيام ربه هي أن يصلي الفرض قائماً. وتقوى من لا يقدر على القيام ربه أن يصلي جالساً. وتقوى العاجز عن الصلاة جالساً ربه أن يصلي مضطجعاً.

قوله: والعاقل إذا رأى ما يفعله الناس عندها يعلم على سبيل اليقين أن فعلهم بعيد عن مقاصد الدين، لأن الله سبحانه وتعالى

(1) سورة الحشر ـ آية 16.

ص: 111

لم يتعبد عباده بالهلكة وأنه لا بد أن يوجد في الشريعة السمحة ما يخرج الناس عن هذه المآزق الخطرة إلى الرحب والسعة، لأن من قواعد الشرع أنه إذا ضاق الأمر اتسع، والمشقة تجلب التيسير وأنه يجوز ارتكاب أدنى الضررين لدفع أعلاهما.

يقال: لا يسلم لهذا الرجل ما زعمه من بعد الزحام عن مقاصد الدين، بل البعيد عن مقاصد الدين هو ما كان من ذلك مقصوداً بذاته لمن يرمون الجمار، وما كان زائداً عن الزحام من ضرب أو دفع ونحو ذلك. أما ما هو من الزحام من لوازم وضروريات الاجتماع على هذه العبادة والحرص على أدائها ليخرج من العهدة بيقين مما لا يؤذي به أحداً فإن ذلك ينسب إلى الدين، ولا حرج ولا عار على من زاحم على واجب العبادة، وفي الزحام على مندوباتها كتقبيل الحجر الأسود ونحوه الخلاف. وبكل حال ففي الشريعة السمحة مما يتخلص به من الزحام الشديد بترك مباشرة الرمي للعذر الشرعي بالعدول إلى الاستنابة الشرعية، وهذا من الرحب والسعة التي اشتملت عليها الشريعة.

ولكن هذا الرجل يأبى قبول سعة الشريعة التي هي سعتها على الحقيقة مما لا يكون ناقضاً لأصل العبادة، ويدعو إلى سعة مزعومة مفتراه مزيفة فيها من تفويت شرط صحة العبادة ما يعرفه أهل العلم بدليل الكتاب والسنة والإجماع، فلو لم يكن على الرخصة الشرعية في جواز الاستنابة في الرمي دليل شرعي معين لكانت أولى بالأخذ بها وسلوك سبيلها في التسهيل ودفع المشقة من رخصة قد استوت مع هذه الرخصة في عدم الدليل مثلاً، إذ رخصته بالتجويز قبل الوقت مع فقدها الدليل مصادمة للدليل، ورخصة المسلمين بجواز الاستنابة

ص: 112

في الرمي مع استنادها إلى الدليل لم تصادم الدليل. فأين هذه من هذه لو كان هذا الرجل يدر السبيل، ويعول على الدليل، ويجانب الفلسفة والتخييل.

ويخشى على هذا الرجل أن تتناوله هذه الآية الكريمة: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولِه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} (1) فيحرم الرجوع والمتاب، ويصمم على ما أملاه عليه فكره في ذلك الكتاب، بل يخشى عليه أعظم من ذلك وهو ضلال الجهال في تلك المسائل التي أساء فيها المقال، كما يخشى عليه ما هو أعظم من ذلكوأطم من فتح باب إلغاء النصوص، ومساعدة شطار اللصوص، المعدين لنقض أحكام الشريعة بالخصوص.

وما ذكره: من أن الأمر إذا ضاق اتسع. هو حق، ولكنه به ما انتفع، لحصر سعته بما صور وابتدع، والغى رخص من تقيد بالرخص الشرعية واتبع.

قوله: يبقى أن يقال: إن الناس لا يزالون يحجون على الدوام وفيهم العلماء الأعلام، وجهابذة الإسلام، ولم يعهد عن أحد منهم أنه جوز الرمي قبل الزوال ولا فعله بنفسه. وأجاب عن هذا السؤال الذي أورده قائلاً: إن هذه المقالة شنشنة أهل الجمود المتعصبين على مذهب الآباء والجدود، فهم دائماً يدفعون الدليل بمثل هذا التعليل، وقالوا:{إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} (2) .

(1) سورة النساء ـ آية 115.

(2)

سورة الزخرف ـ آية 23.

ص: 113

يقال: من عناية الله تبارك وتعالى لدينه وشرعه أن يجري على لسان من خالف الحق ما هو من أقوى الحجج عليه. فهذا الرجل اعترف ها هنا بأن العلماء الأعلام وجهابذة الإسلام على الدوام يحجون ولم يعهد عن أحد منهم أنه جوز الرمي قبل الزوال، ولا فعله بنفسه. فلقد صدق، وبالحق ها هنا نطق. وهذا مما يأتي على جميع ما مر من مفترياته بالهد والنقض، وإمامهم في عدم تجويز الرمي قبل الزوال هو سيد الأنام، صلى الله عليه وسلم، فلعمري ما فعله ولا جوزه، وهم كذلك ما فعلوه ولا جوزوا، فليقم هذا الرجل البرهان على التجويز، وليرم هؤلاء الأئمة الأعلام بما لديه من السهام، وإذا فعل حصل الوئام، وانتفى عنه الملام، ولكن كلا وهيهات أن تشتمل كنانته من السهام، ما يصلح لهد حصن الأئمة الأعلام، وجهابذة الإسلام، الذين يحجون على الدوام، ولم يجوزوا لأحد حج معهم من الأنام، أن يرمي قبل الزوال، ولم يخالفوا شرع إمام كل إمام، فضلاً عن أن تصلح لأن يقذف بها هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته الثابتة من فعله التشريعي الخارج مخرج الامتثال والتفسير المقتضى للوجوب، ومن قوله صلى الله عليه وسلم:" خذوا عني مناسككم ".

وقد تصور هذا الرجل أن طاووساً وعطاءً والرافعي والأسنوي يصلون أن يتعارض أقوالهم نصوص الكتاب والسنة والإجماع وغيرهم.

بقي لدى هذا الرجل سهم واحد رمى به أئمة الإسلام والعلماء الأعلام الذين يحجون على الدوام، ولم يقدموا الرمي قبل الزوال ولم يجيء عنهم تجويزه بحال ، وظن أنه لا يبقى لهم باقية، وأن

ص: 114

رميته إياهم به تكون هي القاضية، وبعد أن وسمهم بالجمود والتعصب على مذهب الآباء والجدود، وذلك السهم هو قوله تعالى:{إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} ولعمري لئن كانوا هكذا، وإمامهم في مسلكهم ذلك خير الورى، فعلى الدنيا العفى، لانتشار الجهل والجفى واقفار أرضها من القول بالحق والوفى.

وقد أحس هذا الرجل ها هنا بأنه وقع في أسوأ ورطة فقال: وبالتأمل لما قلناه يعلم أن كلاً منا ليس بأول مطر صاب أرض الفلاة، ولا هو بأول أذان أُقيمت له الصلاة.

فوجد وحشة الوحدة، وظلمة فقد الحجة، فسلى نفسه بذكر من تصور أن قولهم بمثل مقاله ينفي الوحدة. ولعمري ما له في هذا الطريق من رفيق. وهؤلاء الدين اعتمدهم في مسلكه، لم يشاركوه في سوء صنيعه ومهلكه، فهم إن صح النقل عنهم إنما هو القول بالجواز، لا الرد على العلماء، ولا السعي في أن يجمعوا على خلاف السنة، والخروج عن طريق أهل الجنة جميع الورى، ولم يرموا واحداً من الأمة بالجمود، والتقيد بدين الأباء والجدود، فضلاً أن يرموا بذلك كافة العلماء. وحينئذ تكون مقالته أول مطر سوء أصاب أرض الفلاة، وأول بوق آذنٍ برفض السنة أصغى إليه الجفاة. فو الله ما دعا قبله إلى هذه المقالة من إنسان، ولا جلب بخيله ورجله في زلزلة مناسك الحج ذو إيمان.

قوله: وقد سبق تسمية من قال بجوازه مطلقاً، وأنه مذهب الطاووس وعطاء، وجزم به الرافعي، وحققه الأسنوي، وهو مذهب الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد في المتعجل.

ص: 115

يقال: إن أراد أن هؤلاء تصلح أقوالهم لمصادمة السنة كفانا مؤونة الرد عليه. وإن أراد المسألة خلافية فالذي عليه أهل العلم قاطبة أن مثل هذا الخلاف لا يعد خلافاً، ومستندهم من الاصول الشرعية في ذلك مقرر في كتب الأصول وغيرها.

قوله: فقول هؤلاء العلماء في توسعة وقته هو مما تقتضيه الضرورة وتوجيه المصلحة في مثل هذه الأزمنة، على أنه لا يصادم نص الشارع بل يوافقه. ولو لم يرد أنه رمى يوم العيد قبل الزوال، ولا قال لمن سأله عن التقديم والتأخير:" إفعل ولا حرج" لكان سكوته عن بيانه هو من العفو الدال على جواز فعله، فإن الحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه الله، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عفوه، واحمدوه على عافيته {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} (1){ولا تقتلوا أنفسكم إن الله ك ان بكم رحيماً} (2) .

يقال: (أولاً) الأوقات التي وقتها الله ورسوله للعبادات ليس لأحد من العلماء تغييرها بتقديم أو تأخير أو زيادة أو نقصان، فإن التوقيت من الدين، ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله.

(ثانياً) لا تسلم الضرورة التي زعمها هذا الرجل، وقد قدمنا في ذلك ما يكفي.

(ثالثاً) إن سلم وجود الضرورة فالمخرج منها بالرخصة الشرعية وهي الاستنابة، وقد قدمنا دليل جوازها، وأنها هي الحقيقة بأن تسمى رخصة، وأن ما رآه هذا الرجل هو من شرع دين لم يأذن به الله.

(1) سورة البقرة ـ آية 196.

(2)

سورة النساء ـ آية 29.

ص: 116

(رابعاً) أن القول بجواز تقديم رمي أيام التشريق على وقته مصادم للنص، والنص هو كما تقدم رمي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الزوال في ثلاثة الأيام جميعها تشريعاً منه للأمة: من حيث المكان، ومن حيث العدد، ومن حيث الزمان. ففعله ذلك صلى الله عليه وسلم على وجه الامتثال والتفسير يكون للوجوب من حيث المكان والزمان والعدد لا فرق بينهن في ذلك.

(خامساً) يقال: لو أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى في يوم من أيام التشريق الثلاثة قبل الزوال ورمى في اليومين الآخرين بعد الزوال لساغ الاستدلال به على جوازه في اليومين الآخرين، ولا أظن أحداً من الأمة سبقه إلى هذا الاستدلال، فهو استدلال ساقط، ولا نكون ممتثلين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم " إلا بأن نغاير بين يوم النحر وأيام التشريق في وقت الرمي وهذه العبادة ـ أعني رمي جمرة العقبة يوم النحر ـ وإن كانت بصورتها مثل رمي أيام التشريق فقد فارقت غيرها في عدة أحكام: منها أنها إذا فعلت مع التقصير أو فعلت مع طواف الإفاضة حصل التحلل الأول، وإذا فعلت مع الإثنين الآخرين حصل الحل كله، ولم يثبت شيء من ذلك للجمرات أيام التشريق، فامتنع قياس رمي أيام التشريق عليها.

هذا لو لم يخصصها رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الوقت، فكيف وقد خصصها به.

فعسى هذا الرجل أن ينتبه من غفلته، ويستيقط من رقدته، ويتوب إلى الله من التهجم على أحكام شرعه ودينه بما ليس من العلم في شيء. والحمد لله على وضوح النهار وجلاء الغبار.

ص: 117

(سادساً) لا دليل في قوله صلى الله عليه وسلم يوم النحر لمن سأله عن تقديم الحلق على الرمي ونحو ذلك بقوله: " إ فعل ولا حرج" على جواز رمي الجمرات أيام التشريق قبل الزوال أصلاً وذلك أن التقديم والتأخير الذي نفى النبي صلى الله عليه وسلم الحرج عن فاعله مختص بأعمال يوم النحر التي هي: الرمي والنحر، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، كما هو معلوم لكل أحد يفهم عن الله ورسوله من قوله في الحديث "يومئذٍ" ولو لم ترد هذه الكلمة لما كان في قول النبي صلى الله عليه وسلم " إفعل ولا حرج" دليل على أن جنس التقديم والتأخير في أيام منى وغيرها بالنسبة إلى الحج غير جائز، بل يكون ذلك مختصاً بتلك المسألة التي سئل عنها، وذلك أن كلمة:" إفعل ولا حرج " لا عموم فيها والعموم إنما هو في قول الراوي: " فما سئل يومئذٍ عن شيء قدم أو أخر إلا قال افعل ولا حرج " ولهذا احتاج إلى التقييد المفيد اختصاصه بأعمال ذلك اليوم بقوله: " يومئذ" التي منعت أن يلحق بهذا اليوم سواه. فتبين ها هنا بطلان قياسه على رمي جمرة العقبة يوم النحر وإفلاسه من دلالة حديث " فما سئل يومئذ عن شيء" إلى آخره على مراده، فبقى سفر اليدين من المستند، ورجع بخفي حنين فيما قصد.

وكان من أدلة هذا الرجل على جواز رمي الجمرات أيام التشريق قبل الزوال عدم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، كما يفهمه قوله ها هنا: فما سكت عنه فهو عفو. بل صرح به فيما سلف من رسالته.

ص: 118

فيقال: إن صح لك هذا صح لك أن تجوز الرمي بأكثر من سبع حصيات لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك.

فإن قلت: لا أفعل، لاقتصار النبي صلى الله عليه وسلم سبع مع قوله:" خذوا عني مناسككم " قيل لك: لم لا تقتصر على الوقت الذي رمى فيه محتجاً بقوله صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم" فإننا لا نكون آخذين عنه مناسكنا حقاً إلا إذا رمينا بسبع حصات كما رمى، ورمينا المكان الذي رمى، وصدر منها ذلك في الزمان الذي رمى فيه، فإن اعتبار الزمان للعبادة هو أحد التوقيتين، فإن لهذه العبادة توقيتين: مكاني، وزماني. وهما أخوان، فمن فرق بينهما فقد فرق بين ما جمع الله.

وأيضاً لم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن رمي غير الجمرات الثلاث. أفيسوغ لنا أن نستدل بعدم النهي على أن نرمي موضعاً رابعاً. سبحانك هذا بهتان عظيم. وقد قدمت أن الرخص الشرعية لون، وتقديم العبادات على وقتها لون آخر.

وسيجد قارئ هذا الجواب تكراراً في مواضع حدانا عليه تكرار هذا الرجل فكررنا كما كرر، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

(1346 ـ ترتيب رمي الجمار)

من محمد بن إبراهيم إلى المكرم محمد بن علي القحطاني سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

كتابك لنا المؤرخ في 26/12/1387هـ وصل وقد ذكرت فيه أنك حججت وأديت مناسك الحج، إلا أنك في يوم 11/12/1387هـ

ص: 119

رميت الجمار بعد الزوال الكبرى، ثم الوسطى، ثم الصغرى، وبت ليلة 13 ـ 12 ـ ونزلت إلى مكة ولم ترم جمار ذلك اليوم فما الذي يلزمك؟

والجواب: إذا كان الأمر كما ذكرته فالرمي الذي وقع منك في يوم 11 ـ 12 رمي منكس ولا يصح، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رمى رمياً مرتباً وقال:" خذوا عني مناسككم" والأمر يقضي الوجوب. وأما الرمي في يوم 13 فواجب وقد تركته. وبناء على ذلك فيجب عليك عن الجميع فدية واحدة، تذبحها في الحرم، وتوزعها على مساكينه، فإذا لم تستطع فإنك تصوم عشرة أيام. يكون معلوماً. والسلام عليكم. (1) .

مفتي الديار السعودية (ص ـ ف 439 ـ 1 في 8/2/1388هـ)

(1347 ـ وجوب الفدية على من ترك المبيت بمنى)

من محمد بن إ براهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي

رئيس الحرس الوطني الأمير خالد بن سعود

حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ثم حفظك الله من خصوص اللواء الثاني الذين سأل سموكم عنهم. فهؤلاء يجب على كل فرد منهم فدي ذبيحة، وليس حكم هذا الفدي حكم ذبائح النسك في الذبح بمنى، بل يذبح هذا الفدي بمكة، ويفرق على الفقراء، سواء من أهل مكة أو من فقراء الحجاج الذين

(1) وانظر جواز تأخير رمي الجمرات إلى آخر أيام التشريق في رسالة " تحذير النسك".

ص: 120

قد ثبت فقرهم من رفقتهم وغيرهم من جميع الحجاج، ولا يأكل الرجل الذي لحقه هذا الفدي منه شيئاً، فإن لم يجد الفدي فيصوم عشرة أيام. والسلام عليكم.

(ص ـ م بتاريخ 11/12/1376هـ)

(1348 ـ قوله: ولا مبيت على سقاة ورعاة)

ثم بقية المعذورين هل يلحقون بالسقاة والرعاة؟

المرجع هو أن غيرهم مثلهم: مثل من كان له في مكة مال يخشى عليه، أو حرم يخشى عليهم، أو غير ذلك، فإن له ترك المبيت.

(تقرير)

(1349 ـ الوداع)

عند قوم أنه من خصائص مكة وليس من واجبات الحج، وعند آخرين أنه من واجبات الحج. وممكن الجمع وهو: أنه من واجبات الحج، ومن واجبات من أراد الخروج من مكة. وذهب بعض إلى أنه سنة ليس بواجب، وهو مذهب مالك، والجمهور على وجوبه. (تقرير)

(1350 ـ إذا سافر من منى)

يفهم من قوله: بعد عوده إليها ـ إلى مكة من منى ـ أنه لو طاف طواف الإفاضة وسعى ثم رجع إلى منى أن عليه وداعاً. فهل هذا المفهوم مراد؟ أو لا؟ الأحوط كون الإنسان يرجع إلى مكة من منى، ولا يقول كفاني طواف الزيارة عن الوداع، إلا على قول صاحب الإقناع ونسبه للشيخ تقي الدين.

(تقرير)(1) .

(1) قلت: وقد جزم بعدم الاجزاء في الفتوى بعدها. وانظر (حاشية الروض المربع ص519، 520) .

ص: 121

(1351 اذا طاف للوداع قبل اكمال الرمي)

وأما من مسكنه في جدة وطاف طواف الإفاضة قبل أن يخلص الرجم ونوى في طوافه أن الطواف طواف إفاضة ووداع.

فهذا لا يجزيه عن الوداع، لأنه لم يكمل أعمال الحج بعد.

ولو كان طوافه للإفاضة المذكور بعد فراغه من الرمي ونواه للإفاضة، واكتفى به عن الوداع، ولم يقم بعده بل سافر في الحال. كفاه عن الوداع.

(ص م في 12/12/76هـ ـ تقدم أول هذه الفتوى قريباً)

(1352 ـ هل كان من أراد جدة أن يوادع؟ أو ما فيه منع؟

الجواب: الحمد لله جميع من يسافر إلى جدة أو غيرها فعليه الوداع فإنه أحد واجبات الحج. وأما غير الحجاج فالمتكرر دخوله وخروجه إلى جدة كثيراً كالذي يدخل كل يوم أو في اليوم مرتين أو كل يومين مرة أو ما يقرب من ذلك فلم أقف على تصريح لعلمائنا بسقوط الوداع عنهم، ولعله أن يسهل في هذا من أجل مشقة التكرار ومن أجل أن السيارات قربت المسافة (1) .

(ص م 10 ـ 12 ـ 1376هـ)

(1353 ـ هل يستنيب في طواف الوداع)

سئل الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف: إذا لم يطف للوداع. إلخ.

(1) وهذا بناء على أنها مسافة قصر ـ اذ ذاك وتقدمت الإشارة إلى هذا.

ص: 122

فأجاب: إذا كان حجه فريضة فالظاهر أنه يستنيب في طواف الوداع، بل إذا عجز طيف به راكباً أو محمولاً، فإن لم يفعل فعليه دم.

(الدرر جـ 4 ـ 405)

(1354 ـ شراء أهبة السفر والحاجيات)

شراؤه بعد ما يودع ما هو من أهبة سفره ليس مثل التجارة، والحوائج الأخر التي ليست تجارة مثل ما يتحف به أقاربه وهي المسماة " الصوغة" فان هذا لا يخل، ولا يعد تجارة، هذا لا يسمى اتجاراً، غير أن المستحب أن يبدأ بذلك (تقرير)

(1355 ـ عذر في سقوط الوداع)

من محمد بن إبراهيم إلى المكرم سعد بن نافع المطيري

سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فد جرى اطلاعنا على استفتائك الموجه إلينا بخصوص ذكرك أنك جندي من الجنود ممن حج هذا العام، وأنك أجبرت على الخروج من مكة بدون وداع. وتسأل: هل يترتب عليك شيء.

والجواب: إذا كان الأمر كما ذكرت، وأنه لا طاقة لك في مخالفة الأوامر الصادرة عليك بمغادرتك مكة قبل الوداع، فنرجو أن تكون معذوراً بذلك، فيسقط عنك وجوب طواف الوداع. والسلام.

مفتي البلاد السعودية

(ص ـ ف 1741 ـ 1 في 26/6/1386هـ)

ص: 123

(1356 ـ إذا خرج إلى الطائف بدون وداع)

" المسألة الثالثة" رجل حج وقضى عمرته، ثم طلع إلى الطائف بلا وداع للبيت، فمكث في الطائف عشرة أيام ثم رجع إلى مكة بدون إحرام.

الجواب: المنصوص أن من خرج من مكة مسافة قصر فأكثر سواء سافر إلى وطنه أو إلى غير وطنه وترك طواف الوداع فعليه دم، ولو رجع إلى مكة لأجل الوداع لم يسقط الدم عنه، وسواء تركه خطئاً أو نسياناً أو تعمداً، ولا فرق، لأنه من واجبات الحج فاستوى عمده وخطؤه والمعذور وغيره. والله أعلم.

(ص ـ ف 3300 ـ 1 في 24/11/1385هـ)

(1357 ـ قوله: وإن أخر طواف الزيارة.. إلخ.

ويظهر أنه لو نواهما جميعاً لم يكف، بل لابد من تمحيضها للافاضة، ويصدق عليه أنه آخر عهده بكل حال.

(تقرير)

(1358 ـ سقوطه عن الحائض إذا كان عليها مشقة)

لا يفتي بسقوطه عن الحائض إلا إذا كان ثم مشقة.

ومن له أن يفتى يجد في معرفة الظروف، ولا يفتى إلا بعد ما يتحقق الظروف تماماً.

مع أنه تقدم أن أهل نجد الإقامة عليهم متيسرة أسبوعاً ونحوه بلا مشقة، فإقامتها الآن مع قيمها لا عسر فيه ولا صعوبة، فليست بلد غربة، ولاخوف، ولا كذا، إنما فرض المسألة بالنسبة إلى الماضي.

ص: 124

وأما البلاد الأخرى فقد يكون ذلك، وقد لا يكون. (تقرير)(1) .

(1359 ـ الوقوف بالملتزم)

الأصحاب ذكروا استحبابه هنا، ولعل مرادهم أن أولى ما يكون عند المفارقة عند وداع البيت يفعل هذا، وإلا لو فعله قبل في حين من الأحيان كان له محل.

وجاء في فضل هذا الالتزام واستحباب الدعاء فيه أحاديث، حتى إنه مروي بذلك مسلسل من المسلسلات إلى عطاء، فيقول الراوي عن ابن عباس: إ ني دعوت ربي دعوة فأعطانيها. إلى الآن.

وأنا (2) دعوت الله عند الملتزم دعوة هامة شاقة (3) فاستجيب لي هذه السنة فأعطيتها. وليست أهميتها طلب دنيا. المقصود مما يتعلق به وأن فيه مسلسلاً

(تقرير)(4) .

قوله: ويدعو إلخ.

من آداب الدعاء حمد الله والثناء عليه، ثم الصلاة على النبي، ثم سؤال العبد ربه. وإن أخرها وختمها فكذلك (تقرير)

(1360 ـ الطواف أفضل من إتيان الحطيم)

(زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

الحطيم من البيت، ومن يكون فيه فكأنه دخل البيت، لكن لا يدنو من عبادة الطواف، والعوام والجهال يزاحمون عليه، وعند العوام أنه أكبر شيء

(تقرير)

(1) وتقدم في باب نواقض الوضوء حكم اشتراط الطهارة للطواف.

(2)

سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم.

(3)

أي على الداعي، لكن فيها مصلحة دينية كبرى.

(4)

وتقدم بيان الحكمة في الالتزام أول المناسك في الفتوى المؤرخة في 17/12/1379هـ.

ص: 125

(زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

(1361 ثم قول الأصحاب: وتستحب زيارة قبر النبي. إلخ. يحمل على أن المراد به المسجد، إحساناً للظن بالعلماء، وإلا فالذي تشد الرحال إليه هو المسجد.

وشاد الرحال: إما أن يريد المسجد فقط، أو القبر فقط، أو هما فإرادة القبر ليست مشروعة، فالقبور من حيث هي لا تشد لها الرحال.

أما بدون شد رحل فيجوز، ومرغب فيه.

وأما قصد المسجد فهو مشروع، لقوله:" صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام "(1) .

وأما الذي يقصدهما فيجوز، ويدخل القبر تبعاً. وليس هذا استهانة، بل إن الله سبحانه جعل الصلاة عليه من البعيد تبلغ من أمته (2) بل أبلغ من ذلك أن أعمال أمته تعرض عليه فيسر بالحسن ويستاء بالسيء، ومن جملة ذلك الصلاة عليه بعد وفاته (3) .

فلا يكون شيء من الغ ضاضة أنه لا يقصد القبر، ولا يفيد عدم اهتمام أو اعراضاً عمن في القبر، إنما تروج هذه على الخرافيين الغلاة الذين لم يعرفوا ما بين الرسول.

أما أهل التوحيد المحض فإن اعتقاداتهم وأعمالهم وأقوالهم يميزون بين ما هو حق وما هو زور وكذب وليس من سنته، أفلا يكون هذا الصنيع كله تبع لما جاء به رسوله. (تقرير)

(1) أخرجه الستة إلا أبا داود.

(2)

كما يأتي في الحديث " ماأنتم ومن بالاندلس الا سواء ".

(3)

وجاء عن ابن مسعود: اذا صليتم على النبي فاحسنوا الصلاة عليه، فانكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه.

ص: 126

(1362 ـ اذا صلى في المسجد، وأراد السلام على الرسول، وصاحبيه)

الواصل إلى المسجد إذا صلى وأراد السلام عليه صلى الله عليه وسلم وقف عند الحجرة وسلم عليه كما يسلم عليه صلى الله عليه وسلم في الحياة ـ يعني يكون أمام وجهه مستقبلاً للنبي حال السلام عليه فقط، يصير وجهه شمال المسجد النبوي.

وكذلك " قبري صاحبيه" فإنهما اختارا الدفن عنده في الحجرة، وجاءت بذلك آثار وأخبار دالة على ذلك، فلذلك دفنا إلى جنبه صلى الله عليه وسلم.

(تقرير)

(1363 ـ الجائز لأهل المدينة)

ثم إذا عرفنا هذا نعرف أهل المدينة ما حالهم مع القبر، حالهم كما فعل من هو من أشهر الصحابة ابن عمر، لا يرى أنه كلما دخل المسجد، بل لا يفعل ذلك إلا عند مبارحة المدينة أو القدوم من السفر، ومن المعلوم أن الصلاة عليه في الصلاة في المسجد يكفي، كما يكفي من البعيد. ثم فعل ذلك عند دخول المدينة أو مع ادرتها شيء آخر. (تقرير)

(1364 ـ " من حج ولم يزرني فقد جفاني " (1)

هذا الحديث ضعيف، ولا يصح الاحتجاج به، ولو يصح فإنه يحمل على حالة ليس فيها شد رحل، لصراحة وصحة أحاديث " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد"(2) .

(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقال بعضهم: موضوع. وأطال رحمه الله في رده على الأخنائي في مسألة استحباب زيارة قبره صلى الله عليه وسلم " وفي غيره من كتبه.

(2)

أخرجه البخاري ومسلم والترمذي.

ص: 127

ومما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يأبى هذا لأمته ما جاء عنه واشتهر: " ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء"(1)" إن لله ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام (2) " لا تجعلوا قبري عيداً" (3) وأحاديث كثيرة ظاهرة أن الذي يحبه لا يأتي إلى قبره لأجل هذا الغرض، بل هذا حاصل للأمة ولم يحوجوا إلى شد الرحال ليقفوا عند قبره، فليست عبثاً، بل مراد معناها، وأنه يكتفي بذلك.

(تقرير)

(1365 ـ الزيارة بعد ما يفرغ من الحج، لا قبله)

الزيارة بعدما يفرغ من الحج. ولا يبدأ بها على الحج كما يفعله كثير، وهذا في الحقيقة من صنيع الخرافيين ومن يلحق بهم ويشابههم، حتى إن بعض من يحج يرجع من المدينة ويقول: يكفيني عن حج البيت. وهذا غلو في الحجرة لا يأتون للمسجد.

(تقرير)

(استشكال وجوابه)

إن قيل: إذا كانت الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في المسجد النبوي بالاضعاف المذكورة، فكيف يقصد إلى المدينة ويزور المسجد النبوي.

فيقال: هذا كسائر الأعمال الصالحة التي في بعضها من الفضيلة الشيء الكثير ولا يقال يكتفي بهذا، بل هذا نوع وهذا نوع، وكمال

(1) أخرجه سعيد بن منصور في سننه.

(2)

أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم.

(3)

وأخرج أبو داود بلفظ " لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني".

ص: 128

الاتباع أن يتبع صلى الله عليه وسلم ويرغب فيما رغب فيه على وجوهه المتنوعة، ولهذا في الحديث:" لا تشدُ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد"(1) فهذه مساجد الأنبياء، وفضائلها مستقرة إلى يوم القيامة. أما ما عداها من المساجد ففيها فضلها، ولكن قد يعرض عارض فتنتقل تلك الفضيلة. (تقرير)

(1376 ـ س: " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" (2) .

جـ ـ ليس فيه دليل على أنه يدفن فيه.

ومن معناه أن هذه هي الروضة النبوية، وأن بها بدأ العلم، وبيان النبي صلى الله عليه وسلم الشرع: بيان الكتاب والسنة، وأخذ الصحابة عنه ذلك. ثم كونه لا يزال كذلك موجودة، فإن العلم ولا سيما علم الشرع والعمل به روضة من رياض الجنة في الدنيا بالمعنى، ثم يحصل بحفظه حصول روضة من رياض الجنة حسية.

وقد بين الوالد الجد الشيخ عبد اللطيف هذا المعنى في رده على ابن منصور، أو في أحد ردوده، وأظن معناه مأخوذ من كلام شيخ الإسلام. قريب منه في المعنى ما جاء " ومنبري على حوضي"(3)(تقرير)

(1368 ـ س: زيارة النساء لقبر الرسول، والسلام عليه في القبر؟

(1) متفق عليه.

(2)

أخرجه النسائي.

(3)

متفق عليه.

ص: 129

جـ: الأصل في الأحاديث عموم النهي، فعلى القائل الدليل، ولا دليل. هذا بالنسة إلى الزيارة (1) .

أما السلام فلا يقدر عليه، لا يتوصل الرجال ولا النساء للسلام عليه في القبر، لأنه لا يوصل إليه. وقيل بالمنع مطلقاً.

(تقرير)

(1369 ـ س: يمنعن من الصلاة في مسجده؟

جـ: لا أعلم جنسه (2) لكن من غير استقصاء، والنساء عورات بكل حالا. والبحث يقدر إذا صرن كذا وكذا (3) فالمنع ظاهر.

عمر رضي الله عنه منع أمهات المؤمنين من الحج، وفي الحديث:" هذه ثم ظهور الحُصر"(4) وأمهات المؤمنين امتنعن إلا عائشة فإذا صار هذا شأن الحج فما الظن بزيارة المسجد.

(تقرير)

(1370 ـ هل للدعاء عند قبره أصل شرعي)

قوله: ثم يستقبل القبلة، ويجعل الحجرة عن يساره، ويدعو بما أحب.

يعني يتنحى عن الحجرة إلى جهة المغرب، ويجعلها عن يساره على ما ذكر الأصحاب، يصير متنحياً عن القبر.

(1) قلت: وتقدم مطولاً بحث زيارة النساء لقبره وسائر القبور في كتاب الجنائز فليرجع إليه من أراده هناك.

(2)

أي جنس المنع.

(3)

أي متبرجات متعطرات.

(4)

أخرجه البخاري والنسائي عن عائشة بلفظ: " قلت يارسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال، أفلا نجاهد. قال: لكن أفضل الجهاد وأجمله حج مبرور ثم لزوم العصر. قالت: فلا أدع الحج بعد اذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

ص: 130

وبكل حال إذا كان على هذا حجة شرعية فاستحبابه كما ذكر، وإلا فلا، إلا أني لا أذكر إنكار كلامهم عن أحد (1)

(تقرير)

(1371 ـ س: الزيارة الرجبية ـ زيارة قبر النبي في رجب)

جـ: ما لها أصل. نعم جاء في الحديث أن إحدى عمر النبي في رجب، ولكن هذا غير ثابت، وهذا وهم، الرسول ما اعتمر في رجب قط كما قالت عائشة. نعم رجب ما فيه إلا أنه أحد الأشهر الحرم، والمشهور أنه نسخ تحريم القتال فيها. (تقرير)

(1372 ـ فتوى في الموضوع)

وصل إلى دار الإفتاء من الأخ سعد بن عبد الرحمن عتيبي سؤال عن تخصيص بعض أيام شهر رجب " بالزيارة" هل له أصل؟ وهل هناك نص شرعي بفضل رجب بغير أنه من الأشهر الحرم؟ وهل " المعراج " مؤكد أنه في سبع وعشرين من رجب؟

فأجاب سماحة المفتي بالجواب التالي:

أما تخصيص بعض أيام رجب بأي شيء من الأعمال الزيارة وغيرها فلا أصل له، لما قرره الإمام أبو شامة في (كتاب البدع والحوادث) وهو أن تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع لا ينبغي، إذ لا فضل لأي وقت على وقت آخر إلا ما فضله الشرع بنوع من العبادة، أو فضل جميع أعمال البر فيه دون غيره، ولهذا أنكر العلماء تخصيص شهر رجب بكثرة الاعتمار فيه.

(1) من أصحاب أحمد أو من أتباع الأئمة الأربعة الذين نصوا على الدماء عند الحجرة ولم يذكروا مستنداً. قال شيخ الإسلام: وذكروا أنه إذا أراد الدعاء جعل الحجرة عن يساره واستقبل القبلة ودعا. وهذا مراعاة منهم أن يفعل الداعي أو الزائر ما نهى عنه من تحري الدعاء عند القبر. أهـ.

ص: 131

وأما تفضيل رجب بشيء زائد على أنه من الأشهر الحرم فلم يصح فيه شيء، كما بينه أئمة العلم.

قال الحافظ أبو عمر بن بدر الموصلي الحنفي في (الم غني عن الحفظ والكتاب، فيما لم يصح فيه شيء من الأحاديث) : قال عبد الله الأنصاري: ما صح في فضل رجب وفي صيامه ـ أي بالخصوص ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء. وقال الحافظ ابن رجب في " لطائف المعارف" روي عن أبي اسماعيل الهروي أنه قال: لم يصح في فضل رجب غير هذا الحديث، يريد حديث:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: " اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" وتعقب ابن رجب استثناء الهروي هذا الحديث بأن في إسناده ضعفاً. قلت: وذلك لما في " كتاب البدع والحوادث " لأبي شامة، وهو أن في إسناده زائدة بن أبي الرقاد، قال البخاري: منكر الحديث. وزيادة بن ميمون، قال البخاري: تركوه. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في (تبيين صيامه ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة منه حديث يصلح للحجة. وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو اسماعيل الهروي الحافظ رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره. ثم أورد الحافظ ما جاء في فضل رجب من الأحاديث الموضوعة والضعيفة، وأوفى الكلام على الجميع.

وأما كون " المعراج " ليلة سبع وعشرين من شهر رجب فغير مؤكد، بل هو باطل كما بينه العلماء، قال الإمام أبو شامة في

ص: 132

(كتاب البدع والحوادث) : ذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب ، وذلك عن أهل التعديل والتجريح عين الكذب، قال الإمام أبو إسحاق الحربي: أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول.

وقال الحافظ ابن رجب في " لطائف المعارف" قد روى أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة، ولم يصح شيء من ذلك، فروى أن النبي صلى الله عليه وسلم ولدفي أول ليلة منه، وأنه بعث في السابع والعشرين منه، ولا يصح شيء من ذلك. وروى بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد: أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في سابع وعشرين من رجب، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره. وقال الحافظ بن كثير في تاريخه " البداية والنهاية" أورد ـ أي الحافظ عبد الغني المقدسي ـ حديثاً لا يصح سنده ذكرناه في فضائل شهر رجب: أن الإسراء كان ليلة السابع والعشرين من رجب: قال: ومن الناس من يزعم أن الإسراء كان أول ليلة جمعة من شهر رجب، وهي " ليلة الرغائب " التي أحدثت فيها الصلاة المشهورة، ولا أصل لذلك. وقال الحافظ ابن حجر في (تبيين العجب) : ذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب، قا ل: وذلك كذب، قال الحربي: كان الإسراء ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول اهـ.

ونقل العلامة ابن القيم في " زاد المعاد " عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال في " ليلة الإسراء " لم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس في ذلك ما يقطع به، ولا شرع للمسلمين تخصيص تلك الليلة التي

ص: 133

يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره. اهـ والله أعلم.

والخلاصة: أن الإسراء لم يكن في السابع والعشرين من رجب، ولم يقم دليل على تعيين ليلته، كما لم يشرع تخصيص الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بشيء من أعمال البر. والله الموفق (1) .

(من الفتاوى المذاعة في 29/1/85هـ)

(1373 ـ واجب الأدلاء)

من محمد بن إ براهيم إلى حضرة المكرم رئيس ديوان جلالة الملك

سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فقد جرى الاطلاع على المعاملة الواردة منكم برقم وتاريخ

المختصة بما لاحظه مدير الحج بالمدينة بخطابه رقم

وتاريخ

من أن بعض صبيان الأدلاء في المدينة يلحنون في تلقين الزوار أدعية الزيارة لحناً يخل بالمعنى، واقتراحه منعهم من ذلك، إلا من تثبت كفاءته فيوضع له رخصة، ويراقب عليه، وتأييد مجلس الشورى لمقترحات مديرية الحج المذكورة. وبتأمل ما ذكر قررنا فيه ما يأتي:

(أولاً) : أن كثيراً من تلك الزيارات والأدعية التي يفعلونها الآن على تلك الصفة المعروفة لم ترد بها السنة، ولم يفعلها السلف الصالح رضوان الله عليهم. والاقتصار على الأدعية المأثورة هو الذي ينبغي، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.

(1) اما الاحتفال بليلة الاسءار والمعراج فتقدم في الأعياد في (صلاة العيدين) .

ص: 134

وعليه فتبلغ مديرية الحج بهذا لاعتماده، والتنبيه على موظفيها بموجبه، لأن كثيراً من الزوا ر الغرباء لا يفهمون حقيقة معنى الزيارة الشرعية، فلا يتعدى بهم المشروع الوارد في هذا الباب.

(ثانياً) نرى الموافقة على ما كتبه مدير الحج بالمدينة من منع من لا يحسن تلك المهنة حتى تثبت كفاءته وأهليته وإعطائه رخصة بذلك. على آخر ما ذكره.

(ثالثاً) لا تعطى هذه الرخصة لشخص إلا بعد اختباره واجتماع الشروط المطلوبة فيه من معرفته لما يقوله وما يفعله شرعاً، وسلامة العقيدة، واستقامة الأخلاق، وقلة الطمع، وغير ذلك.

(رابعاً) أن يزودوا بالتعليمات الشرعية، والأدعية المأثورة الواردة في هذا الباب، ويوصوا بالرفق بهؤلاء الغرباء، وتسهيل أمرهم في كل ما يلزم. وتكون هذه التعليمات علىنظر رئيس المحكمة والدوائر الشرعية بالمدينة.

(خامساً) يوضع مراقبة عليهم أثناء قيامهم بعمل الزيارة، ويكون المراقبون تحت توجيه وإشراف رئيس الدوائر الشرعية بالمدينة ويمنعون كل من يصدر منه قول أو فعل يخالف المشروع كرفع الصوت وكالدعاء بالأدعية المحرمة والمبتدعة والشركية ونحوها.

والسلام عليكم (ص ـ ف 1066 في 19/9/1377هـ)

(1374 ـ الطواف بالحجرة والتمسح بها ورفع الصوت عندها)

قوله: ويحرم الطواف بها.

الطواف شرك، لا يطاف إلا ببيت الله، والطواف يحجرته طواف به، فهو شرك أكبر.

ص: 135

قوله: ويكره التمسح بالحجرة.

بل يحرم، وهو من روائح الشرك ووسائله.

قوله: ورفع الصوت عندها.

إن لم يحرم، فخفض الأصوات تأدباً مع النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره.

وهذا بخلاف ما ابتلي به كثير من الحجاج والآفاقين من رفع الصوت، بل من البدع، بل من الشرك الذي يصرخ به هناك، وهذا من غربة الدين، ومن وحشة الزمان وأهله، فإن الزمان وأهله في إيحاش، والدين في غاية من الغربة، وإلا فكيف يصنع الصنيع الذي هو مكايدة لما جاء به الرسول عند قبره. المعاصي في البعد أهون منها عنده، والزعم أنه مما يحبه ويرضاه يتضاعف ذلك. (تقرير)

(1375 ـ حمى الله قبره أن يتخذ وثنا)

فأجاب رب العالمين دعاءه

وحماه بالثلاثة الجدران

فلم يتمكن الغلاة من الوصول إلى ذات القبر، ولكن هؤلاء الذين حرصوا على ذلك تقع منهم الأمور المحرمة من الخضوع ورفع الأصوات، حتى إن بعضهم يضع يديه على صدره ويطأطأ رأسه، ويقع منهم ألفاظ الغلو، لكن الله حمى قبر نبيه أن يوصل إليه بشيء من ذلك، إنما هو من وراء الجدران.

(تقرير ـ على هذا البيت لابن القيم)

ص: 136

(القدس، والصخرة)

(الصلاة في مسجد عمر الذي بناه أمام الصخرة مستحبة. لم يصح في فضل الصخرة حديث، وليس فيها أثر قدم النبي، وليست عرشاً، وليس القدس حرماً) .

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن والاه. وبعد: ـ

فقد اطلعت في العدد الرابع من " مجلة رابطة العالم الإسلامي" التي تصدر بمكة المكرمة للسنة الثانية ضمن كلمة منقولة من جريدة الصحفي الأردنية تحت عنوان:0الحرم القدس الشريف) على عبارات استنكرناها، يقول فيها كاتب المقال عن صخرة بيت المقدس (يقدسها المسلمون، لأنهم يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج منها إلى السماء، وروى ابن عباس: صخرة بيت المقدس من صخور الجنة. وعن علي رضي الله عنه: سيد البقاع بيت المقدس وسيدة الصخور صخرة بيت المقدس. وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صليت ليلة أسري بي إلى بيت المقدس على يمين الصخرة" وعلى هذه الصخرة وضع الرسول قدمه عندما عرج إلى السماء. ومن الأقوال المأثورة: أحب الشام إلى الله بيت المقدس، وأحب جبالها إليه الصخرة. قال كعب: قرأت في " التوراة" أن الله عز وجل يقول للصخرة: أنت عرشي الأدنى، منك ارتفعت السماء، ومن تحتك بسطت الأرض، ومن أحبك أ؛ بني ومن أبغضك أبغضني، ومن مات فيها فكأنما مات في السماء) هذا نص المقالة.

ص: 137

ومحبة منا في نشر الحق علقنا على ما ذكر فيها من الأحاديث الباطلة لتنوير آراء إخواننا قراء " مجلة الرابطة" فنقول:

الصخرة لم يصح في فضلها شيء من الأحاديث، كما بينه أبو ح فص عمر بن بدر الموصلي الحنفي في (المغني عن الحفظ والكتاب، فيما لم يصح فيه شيء من الأحاديث) والعلامة ابن القيم (في المنار المنيف) ونكتفي بإيراد عبارة المنار.

قال ابن القيم فيه: كل حديث في الصخرة فهو كذب مفترى، والقدم الذي فيه كذب موضوع مما عملته أيدي المزورين الذين يروجونها ليكثر سواد الزائرين.

وأرفع شيء في الصخرة أنها كانت قبلة اليهود، وهي في المكان كيوم السبت في الأزمان، فأبدل الله بها الأمة المحمدية الكعبة البيت الحرام.

ولما أراد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يبني المسجد الأقصى استشار الناس: هل يجعله أمام الصخرة أو خلفها، فقال له كعب: ياأمير المؤمنين: ابنه خلف الصخرة. فقال: يا ابن الهيودية خالطتك اليهودية، بل أبنيه أمام الصخرة حتى لا يستقبلها المصلون، فبناه حيث هو اليوم. قال ابن القيم: وقد أكثر الكذابون من الوضع في فضلها. وعلى كلام ابن القيم هذا اعتمد العلامة علي القاري في " الموضوعات".

وقول كاتب المقال (الحرم القدس الشريف. على هذه الصخرة وضع الرسول قدمه عند العروج إلى السماء) وهو أساس دعوى أن في الصخرة أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو غير صحيح.

ص: 138

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته في " زيارة بيت المقدس ": مايذكره فيها ـ أي في الصخرة ـ من أن هناك أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأثر عمامته وغير ذلك فإنه كذب، وأكذب منه من يظن أنه قدم الرب.

وقال في " اقتضاء الصراط المستقيم " بعد الكلام على الأمكنة التي اعتقد الجهال فيها الاعتقادات الفاسدة: ومن هذا الباب أيضاً مواضع يقال إن فيها أثر النبي صلى الله عليه وسلم أو غ يرها، ويضاهي به مقام إبراهيم الذي بمكة، كما يقول الجهال في الصخرة التي ببيت المقدس من أن فيها أثراً من طىء قدم النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وبلغني أن بعض الجهال يزعمون أنها موطىء الرب سبحانه وتعالى، فيزعمون أن ذلك الأثر موضع القدم اهـ.

قلت: ورد في حديث طويل في قصة الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثم أتى بي ـ أي جبريل ـ الصخرة فقال: من هاهنا عرج ربك إلى السماء " الحديث. وربما يكون مستند الفرع الأخير الذي ذكره شيخ الإسلام. وهذا ذكره ابن ح بان في ترجمة الدجال الوضاع بكر بن زياد الباهلي. ثم قال: وهذا شيء لا يشك عوام أصحاب الحديث أنه موضوع، فكيف البزل في هذا الشأن. قال الذهبي في " الميزان": قلت صدق ابن حبان. ووافقهما الحافظ في " لسان الميزان " على وضع العبارة المذكورة.

أما ما ذكرته جريدة الصحفي عن كعب أنه قال: قرأت في " التوراة" أن الله يقول للصخرة أنت عرشي الأدنى إلخ

كذب وافتراء على الله، وقد قال عروة بن الزبير لما سمع ذلك عن كعب الأحبار عند ع بد الملك بن مروان قال عروة: سبحان الله؟

ص: 139

يقول الله سبحانه: {وسع كرسيه السموات والأرض} (1) وتكون الصخرة عرشه الأدنى. نقل هذا عن عروة بن الزبير: ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم) وابن القيم في (المنار المنيف) وجزماً بتكذيب هذه الإسرائيلية، وأطال شيخ الإسلام في التحذير من قبول أمثالها.

وأما موضع صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس ففيه رواية تغنينا عن أمثال ما ذكره كا تب المقال المتعقب، فقد قال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي سنان، عن عبيد بن آدم وأبي مريم وأبي شعيب: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالجابية، فذكر فتح بيت المقدس، قال: فقال أبو سلمة: فحدثني أبو سنان، عن عبيد بن آدم، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لكعب: أي ترى أن أصلي، فقال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك، فقال عمر رضي الله عنه: ضاهيت اليهودية. لا ، ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدم إلى القبلة فصلى، ثم جاء فبسط رداءه وكنس الكناسة في ردائه، وكنس الناس. رواه الإمام أحمد في مسنده. وقال الحافظ ابن كثير في " تاريخه" هذا إسناد جيد، اختاره الحافظ ضياء الدين المقدسي في كتابه.

وقال في " تفسيره" فلم يعظم ـ أي عمر ـ الصخرة تعظيماً يصلي وراءها وهي بين يديه، كما أشار كعب الأحبار ـ وهو من قوم يعظمونها حتى جعلوها قبلة، ولهذا لما أشار بذلك قال له أمير المؤمنين عمر: ضاهيت اليهودية. ولا أهانها إهانة النصارى الذين

(1) سورة البقرة ـ آية 255.

ص: 140

جعلوها مزبلة من أجل أنها قبلة اليهود، ولكن أماط عنها الأذى، وكنس عنها الكناسة بردائه. وهذا شبيه بما جاء في صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" اهـ. كلام ابن كثير.

إن الصحابة والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم لم يكونوا يعظمون الصخرة ولا يصلون عندها، كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية قال في رسالته في " زيارة بيت المقدس ": كان الأئمة إذا دخلوا المسجد قصدوا الصلاة في المصلى الذي بناه عمر. وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه صلى في محراب داود. وأما الصخرة فلم يصل عندها رضي الله عنه، ولا الصحابة، ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها " قبة " بل كانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان وعلي ومعاوية ويزيد ومروان، ولكن لما تولى ابنه عبد الملك الشام، ووقعت بينه وبين ابن الزبير الفتنة، كان الناس يحجون فيجتمعون بابن الزبير، فأراد عبد الله أن يصرف الناس عن ابن الزبير، فبنى القبة على الصخرة، وكساها في الشتاء والصيف ليرغب الناس في زيارة بيت المقدس، ويشتغلون بذلك عن اجتماعهم بابن الزبير. وأما أهل العلم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم فلم يكونوا يعظمون الصخرة فإنها قبلة منسوخة، كما أن يوم السبت كان عيداً في شريعة موسى عليه السلام، ثم نسخ في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بيوم الجمعة، فليس للمسلمين أن يخصوا يوم السبت ويوم الأحدب بعبادة كما تفعل اليهود والنصارى، وكذلك الصخرة إنما يعظمها اليهود وبعض النصارى اهـ.

ص: 141

وقال شيخ الإسلام ايضاً في " اقتضاء الصراط المستقيم" ثبت أن عبد الله بن عمر كان إذا أتى بيت المقدس دخل إليه وصلى فيه، ولا يقرب الصخرة ولا يأتيها، ولا يقرب شيئاً من تلك البقاع.

قال: وكذلك نقل غير واحد عن السلف المعتبرين كعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وسفيان الثوري وغيرهم، وذلك أن سائر بقاع المسجد لا مزية لبعضها على بعض إلا مابنى عمر رضي الله عنه مصلى المسلمين.

وصرح شيخ الإسلام بأن تعظيم الصخرة، وروايات فضلها، إنما ظهرت بعد بناء عبد الملك القبة عليها. قال: حتى صار بعضها الناس ينقل الإسرائيليات في تعظيمها، حتى روى بعضهم عن كعب الأحبار عند عبد الملك بن مروان وعروة بن الزبير حاضر: إن قال للصخرة: أنت عرشي الأدنى فقال عروة: يقول الله تبارك وتعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض} (1) وأنت تقول إن الصخرة عرشه. وأمثال هذا. أهـ.

هذا ما أردنا التنبيه عليه حول روايات جريدة الصحفي في الصخرة كما أن تسمية القدس " حرماً " لا وجه له، فإن الحرم ما حرم الله صيده ونباته، ولم يحرم الله صيد مكان ونباته خارجاً عن الأماكن الثلاثة يعني مكة والمدينة ووجا ـ على اختلاف في الأخير (2) .

ونرجو من إخواننا القائمين على هذه المجلة التروي فيما ينشرونه فيها، ودراسته دراسة علمية صحيحة، ومشاورة أهل العلم فيما يشكل عليهم قبل نشره.

(1) سورة البقرة ـ آية 255.

(2)

قلت: وكذلك الحرم الإبراهيمي، وينظر في حرم الجامعة.

ص: 142

سائلاً المولى جلت قدرته أن يوفق رابطة العالم الإسلامي لتحقق ما أُسست من أجله وهو نشر الإسلام، بريئاً من الخرافات والأوهام نقياً صافياً كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. والله الموفق.

محمد بن إبراهيم (ص ـ م في 12/3/1384هـ)

(صفة العمرة)

(1377 ـ العمرة من الحل، لا من الحرم)

والاحتياط ولا سيما للفريضة كونه يخرج إلى التنعيم، من فعل ذلك لم يبق في نفسه شيء إلا من كان عنده نشاط فهم واتضحت له المسألة (1)

(تقرير)

(أركان الحج)

(1378 ـ قوله: والوقوف بعرفة إلى الغروب)

بخلاف من وقف بالليل سواء ما أمكنه أو ضل عن الطريق هذا ما عليه دم، أو صار تأخيره عمداً لكنه خالف السنة والمسلمين في العمل، ولكن هذا لا يكاد يقصده إلا قليل الرغبة في الدين جداً.

(تقرير)

(1) وتقدمت عمرة المكي في (باب المواقيت) ومن أين يحرم بها على القول بها.

ص: 143