المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب عقد الذمة وأحكامها) - فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ - جـ ٦

[محمد بن إبراهيم آل الشيخ]

الفصل: ‌(باب عقد الذمة وأحكامها)

(ك) تعديل مراتب خارج الهيئة، بحيث تبدأ الثالثة من 300 إلى 400 ريالاً، بعلاوة دورية كل سنتين 25 ريالاً، والمرتبة الثانية من 400 إلى 500 ريالاً بعلاوة دورية كل سنتين 30 ريالاً، والمرتبة الأولى من 60 إلى 1000 بعلاوة دورية كل سنتين 50 ريالاً.

(ل) من المستحسن وضع لائحة لامتحان المسابقات، بحيث يحتفظ بموجبها الحق للناجحين بالتعيين في المرتبة التي نجحوا فيها أو بما دونها إذا رغبوا ذلك خلال شهر واحد من إعلان نتيجة المسابقة.

(م) من الأحسن تعديل عطلتي عيد الفطر وعيد الأضحى بحيث تكون عطلة عيد الفطر ثمانية أيام تبدأ من يوم 28 رمضان كما هو المتبع حالياً، وتنتهي بنهاية اليوم الخامس من شهر شوال.

أما عطلة عيد الأضحى فيحسن أن تبدأ من اليوم الخامس من شهر ذي الحجة، وتنتهي بنهاية اليوم الخامس عشر. وذلك لإتاحة الفرصة للقاطنين في أطراف المملكة للحج والعودة إلى أعمالهم في الوقت المناسب. والله ولي التوفيق والسلام (1) .

رئيس القضاة.

(باب عقد الذمة وأحكامها)

(1495 ـ الوثنية المحضة لا تقر بحال لا في مشارق الأرض ولا في مغاربها. والمرتدون أغلظ وأغلظ، واليهود والنصارى يقرون بالجزية ولكن لا في جزيرة العرب " لا يجتمع دينان في جزيرة

(1) ويأتي بية الجواب في الحدود ـ إن شاء الله.

ص: 230

العرب " (1) وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر بالجزية لإصلاح ما يصلحون منسوخ بما أوصى به عند موته.

(تقرير)

(1496 ـ التشبه بهم في اللباس)

لو شابهونا في اللباس لم يكن محرماً علينا، بل يلزمون بلباس آخر. أما لباسهم فلا نلبسه، وزيهم لا نتزيا به (تقرير) .

(1497 ـ الذين نهينا عن التشبه بهم لا ينحصرون اليوم فينبغي أن يكون لنا زي مخالف لزيهم (2)(تقرير عام 68) .

(1498 ـ لبس الكبوس، وتحريم مشابهة الكفار عموماً)

ما قولكم ـ وفقكم الله ـ في لبس الكبوس: محرم هو، أو مكروه، أو جائز، وهل هو تشبه بالنصارى في لباسهم؟ وما حكم مشابهة الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم؟ وما هو التشبه بهم؟ وهل يختص ذلك بالأمور الدينية، أو يتناول الأمور العادية أيضاً.

الجواب: الحمد لله. لا ريب في تحريم لبس الكبوس، لكونه مما اختص به النصارى من الإنكليز والأمريكان ونحوهما. ومشابهة الكفار معلومة التحريم في الجملة: بالكتاب، والسنة، والإجماع. ولا يختص ذلك بالأمور الدينية، بل يشمل الأمور العادية لشمول العلة التي من أجلها حرم التشبه بهم للنوعين جميعاً. ولا ريب أن ضابط التشبه بهم هو فعل ما هو من خصائصهم.

(1) أنظر حكم من انتسب إلى التوراة والانجيل ولم يحققهما في (باب المحرمات في النكاح) .

(2)

أنظر التشبه والتقليد والتبعية في فتوى في (الدبلة) صادرة برقم 1988/ 1 في 22/7/77 هـ والفتوى اللاذقية أيضاً وهما في (باب زكاة النقدين) وفي شروط الصلاة برقم 2887/1 في 16.

ص: 231

أما تحريم مشابهة الكفار من اليهود والنصارى والمجوس والأعاجم وسائر أنواع المشركين الكفار الأصليين والكفار المرتدين فهو معلوم بالأدلة: من الكتاب، والسنة والإجماع.

فمن أدلة " الكتاب العزيز " قوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم} (1) وقوله تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء} (2) وقوله تعالى: {وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون} (3) .

في آيات كثيرة سردها أبو العباس، شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في كتابه " اقتضاء الصراط المستقيم، في مخالفة أصحاب الجحيم " وقرر دلالتها على ذلك في كتابه المذكور أتم تقرير، ولولا خشية الإطالة لذكرت ذلك أو أكثره أو كثيراً منه هاهنا.

وأنا أشير إلى وجه دلالتها على ذلك، كما أني سأذكر فيما بعد إن شاء الله تعالى نبذاً من كلامه في هذا الباب.

وأما الأدلة من " السنة الثابتة" عن النبي صلى الله عليه وسلم على تحريم مشابهة الكفار والمشركين من اليهود والنصارى وغيرهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لتأخذن كما أخذت الأمم قبلكم ذراعاً بذراع وشبراً بشبر وباعاً بباع، حتى لو أن أحداً من أولئك دخل حجر ضب لدخلتموه" قال أبو هريرة: إقرءوا إن شئتم: {كالذين من قبلكم كانوا أشد

(1) سورة آل عمران ـ آية 110.

(2)

سورة الانعام ـ آية 159.

(3)

سورة التوبة ـ آية 69.

ص: 232

منكم قوةً} الآية (1) قالوا: يارسول الله كما صنعت فارس والروم وأهل الكتاب، قال: فهل الناس إلا هم" (2) .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الىية أنه قال: ما أشبه الليلة بالبارحة، هؤلاء بنوا إسرائيل تشبهنا بهم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتاً وهدياً تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا؟

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أي قوم أنتم" قال عبد الرحمن بن عوف: نكون كما أمرنا الله عز وجل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تنافسون، ثم تحاسدون، ثم تدابرون أو تباغضون أو غير ذلك، ثم تنطلقون إلى مساكين المهاجرين فتحملون رقاب بعضهم على رقاب بعض " وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله سبحانه مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ".

وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على اثنتين

(1) يورة التوبة ـ آية 69.

(2)

قال ابن جريج: واخبرني زياد بن بن سعد عن محمد بن زياد بن مهاجر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا والذي نفسي بيده لتأخذن الخ. قال ابن كثير: وهذا الحديث له شاهد في الصحيح. أهـ من تفسيره.

ص: 233

وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة يعني الأهواء كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة " وقال:" إنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله"(1) والله يامعشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لغيركم من الناس أحرى ألا يقوم به. والأحاديث في هذا الباب كثيرة.

وسنذكرها فيما بعد إن شاء الله، وهي أصرح دلالة من هذه الأحاديث المذكورة ها هنا.

فنهى الله ـ جل ثناؤه ـ إيانا أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات يدل على ذمهم على التفرق والاختلاف، مما يدل على تحريم التفرق والاختلاف في نفسه، كما يفيد منع المسلمين من مشابهتهم في ذلك منع تحريم، كاخباره تعالى في الآية الثانية عن {الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً} أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس منهم في شيء مما يفيد تحريمه، تحريم تشبهنا بهم في ذلك وغيره، كما قال عمر رضي الله عنه أو غيره: نعم الاخوة لكم بنوا إسرائيل إن كان لكم كل حلوة ولهم كل مرة. يريد رضى الله عنه أن المراد من تعيير الله تعالى اليهود والنصارى على تحريفهم وتبديلهم واختلافهم على أنبيائهم تحذيرنا أن نصنع كما صنعوا،

ص: 234

فنستحق من التعيير والذم والعقاب نظير ما استحقوا. وهذا كله يفيد تحريم مشابهة المسلمين للكفار.

كذمه تعالى من ذمهم في الآية الثالثة قوله تعالى: {كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوةً، وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهم} والخلاق هو النصيب والحظ. إشارة إلى اتباع الشهوات وهو داء العصاة. وقوله: {وخضتم كالذي خاضوا} : إشارة إلى اتباع الشبهات وهو داء المبتدعة وأهل الأهواء والخصومات، وكثيراً ما يجتمعان. وذم من تشبه بهم بقوله:{فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا} تحذيراً لنا من التشبه بهم، فنستحق ما استحقوه من الذم والعقاب الذي سجله تعالى عليهم بقوله:{أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون} ولهذا أعقب أبو هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم" لتأخذن كما أخذت الأمم قبلكم ذراعاً بذراع" الخ: إقرءوا إن شئتم: {كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة} الآية.

وما في حديث أبي هريرة، وحديث ابن عباس، وحديث ابن مسعود، وحديث ابن عمر، وحديث أبي سعيد، وحديث معاوية رضي الله عنهم: من أخذ هذه الأمة مأخذ من قبلها، ومشابهتها لهم وإتيان ما أتى على هذه الأمم عليهم، ووقوع التفرق فيهم كما وقع فيمن قبلهم، ونحو ذلك، كما أخبر به الرسول من سلوك هذه الأمة مسلك من قبلها من اليهود والنصارى وفارس وغيرهم، ونظير ما أخبر الله به من قبلنا في سورة " براءة" في إفادته ذمهم،

ص: 235

وتحريم ما فعلوه، وذم من تشبه بهم من هذه الأمة، وتحريم التشبه بهم.

وتطابقت دلالة الكتاب والسنة على تحريم مشابهة اليهود والنصارى وسائر أصناف المشركين والكفار.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولا يقال: فإذا كان الكتاب والسنة قد دلا على وقوع ذلك فما فائدة الني عنه.

قيل: لأن الكتاب والسنة أيضاً قد دلا على أنه لا يزال في هذه الأمة طائفة متمسكة بالحق الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، وأنها لا تجتمع على ضلالة، ففي النهي عن ذلك تكثير لهذه الطائفة المنصورة، وتثبيتها، وزيادة إيمانها فنسأل الله المجيب أن يجعلنا منها.

وأيضاً لو فرض أن الناس لا يترك أحد منهم هذه المشابهة المنكرة لكان في العلم بها معرفة القبيح والإيمان بذلك، فإن نفس العلم والإيمان بما كرهه الله خير وإن لم يعمل به، بل فائدة العلم والإيمان أعظم من فائدة مجرد العمل الذي لم يقترن به علم، فإن الإنسان إذا عرف المعروف وأنكر المنكر كان خيراً من أن يكون ميت القلب لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً. ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من رأى من كم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم. وفي لفظ: " وليس وراء ذلك من الإيمان " رواه مسلم. وفي لفظ: " وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردلٍ " وإنكار القلب هو الإيمان بأن هذا منكر، وكراهته لذلك، فإذا حصل هذا كله كان في القلب إيمان، وإذا فقد

ص: 236

القلب معرفة هذا المعروف وإنكار هذا المنكر ارتفع هذا الإيمان من القلب.

وقال شيخ الإسلام أيضاً بعد كلام سبق: فإن ها هنا شيئين: " أحدهما ": أن نفس المخالفة لهم في الهدي الظاهر مصلحة ومنفعة لعباد الله المؤمنين، لما في مخالفتهم من المجانبة والمباينة التي توجب المباعدة عن أعمال أهل الجحيم، وإنما يظهر بعض المصلحة في ذلك لمن تنور قلبه حتى رأى ما اتصف به المغضوب عليهم والضالون من مرض القلب الذي ضرره أشر من ضرر أمراض الأبدان.

و"الثاني" أن نفس ما هم عليه من الهدي والخلق قد يكون مضراً أو منتقصاً، فينهى عنه أو يؤمر به لما فيه من المنفعة والكمال.

وليس شيء من أمورهم إلا وهو إما مضر، أو ناقص، لأن ما بأيديهم من الأعمال المبتدعة والمنصوخة ونحوها مضرة، وما بأيديهم مما لم ينسخ أصله وهو يقبل الزيادةوالنقص. فمخالفتهم فيه بأن يشرع ما يحصله على وجه الكمال، ولا يتصور أن يكون شيء من أمورهم كاملاً قط. فإذا المخالفة لهم فيها منفعة وصلاح لنا في كل أمورنا، حتى ما هم عليه من إتقان أمور دنياهم قد يكون مضراً بآخرتنا أو بما هو أهم منه من أمر دنيانا، فالمخالفة فيه صلاح لنا.

و"بالجملة" فالكفر بمنزلة مرض القلب أو أشد، ومتى كان القلب مريضاً لم يصح شيء من الأعضاء صحة مطلقة، وإنما الصلاح أن لا تشابه مريض القلب في شيء من أموره وإن خفي عليك مرض ذلك العضو، ولكن يكفيك أن فساد الأصل لابد أن يؤثر في الفرع. ومن انتبه لهذا قد يعلم بعض الحكمة التي أنزلها الله، فإن من في

ص: 237

قلبه مرض قد يرتاب في الأمر بنفس المخالفة لعدم استبانته لفائدته أو يتوهم أن هذا من جنس أمر الملوك والرؤساء القاصدين للعلو في الأرض. ولعمري إن النبوة غاية الملك الذي يؤتيه الله من يشار وينزعه ممن يشاء، ولكن ملك النبوة هو غاية صلاح من أطاع الرسول من العباد في معاشه ومعاده.

وحقيقة الأمر أن جميع أعمال الكافر وأموره لابد فيها من خلل يمنعها أن تتم له منفعة بها، ولو فرض صلاح شيء من أموره على التمام لا يستحق بذلك ثواب الآخرة، ولكن كل أموره: إما فاسدة، وإما ناقصة فالحمد لله على نعمة الإسلام التي هي أعظم النعم وأم كل خير، كما يحب ربنا ويرضى. فقد تبين أن نفس مخالفتهم أمر مقصود للشارع في الجملة. انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله.

ومن الأحاديث الدالة على تحريم مشابهتهم: حديث ابن عمر رضي الله عنه، المروي في الصحيحين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى" رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظه. وروى مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس".

قال شيخ الإسلام رحمه الله: والسلف تارة يعللون الكراهة بالتشبه بأهل الكتاب، وتارة بالتشبه بالأعاجم. وكلا العلتين منصوص في السنة مع أن الصادق صلى الله عليه وسلم قد أخبر بوقوع المشابهة لهؤلاء وهؤلاء، كما قدمنا بيانه. انتهى.

ص: 238

وقال الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى فإن تسليم اليهود بالإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف" وفي الصحيحين عن أبي عثمان النهدي، قال: كتب إلينا عمر رضي الله عنه ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد: يا عتبة إنه ليس من كد أبيك ولا من كد أمك، فاشبع المسلمين مما تشبع منه في رحلك، وإياك والتنعم، وزي أهل الشرك، ولبوس الحرير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن لبوس الحرير وقال: إلا هكذا ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعيه الوسطى " والسبابة وضمهما" وروى أبو بكر الخلال بإسناده، عن محمد بن سيرين، أن حذيفة بن اليمان أتى بيتاً فرأى فيه حادثتين ـ فيه أباريق الصفر والرصاص، فلم يدخله، وقال: من تشبه بقوم فهو منهم. وفي لفظ آخر: فرأى شيئاً من زي العجم فخرج، وقال: من تشبه بقوم فهو منهم. وعن جبير بن نفير، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال:" رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ ثوبين معصفرين فقال: إن هذه من ثياب الكفار لا تلبسها " رواه مسلم.

قال شيخ الإسلام: علل النهي عن لبسها بأنها من ثياب الكفار، وسواء أراد أنها مما يستحله الكفار بأنهم يستمتعون بخلاقهم في الدنيا، أو مما يعتاده الكفار لذلك، كما أنه في الحديث قال: إنهم يستمتعون بآنية الذهب والفضة في الدنيا، وهي للمؤمنين في الآخرة،

ص: 239

ولهذا كان العلماء يجعلون اتخاذ الحرير وأواني الذهب والفضة تشبهاً بالكفار. أهـ.

وقال علي بن أبي صالح السواق كنا في وليمة، فجاء أحمد بن حنبل، فلما دخل نظر إلى كرسي في الدار عليه فضة فخرج، فلحقه صاحب الدار فنفظ يده في وجهه، وقال: زي المجوس، زي المجوس. وروى (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله ولا يشرك به، وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم ".

وقال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه: " اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم": واعلم أن في كتاب الله من النهي عن مشابهة الأمم الكافرة وقصصهم التي فيها عبرة لنا بترك ما فعلوه كثير، مثل قوله لما ذكر ما فعله بأهل الكتاب من المثلات:{فاعتبروا يا أولي الأبصار} (2) وقوله: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب} (3) وأمثال ذلك. ومنها ما يدل على مقصودنا، ومنها ما فيه إشارة وتتميم للمقصود. ثم متى كان المقصود بيان أن مخالفتهم في عامة أمورهم أصلح لنا فجميع الآيات دالة على ذلك ، وإن كان المقصود أن مخالفتهم واجبة علينا فهذا إنما يدل عليه بعض الآيات دون بعض. أهـ.

(1) بياض بالأصل. والحديث أخرجه أحمد في المسند، وأبو يعلى في مسنده، والطبراني في الكبير عن ابن عمر (الجامع الصغير) .

(2)

سورة الحشر ـ آية 2.

(3)

سورة يوسف ـ آية 111.

ص: 240

وقال شيخ الإسلام أيضاً: وإذا كانت مخالفتهم سبباً لظهور الدين فإنما المقصود بإرسال الرسل أن يظهر دين الله على الدين كله، فتكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة. أهـ.

وقال شيخ الإسلام أيضاً: فإن جميع ما يعملونه مما ليس من أعمال المسلمين السابقين: إما كفر، وإما معصية، وإما شعار كفر، أو شعار معصية، وإما مظنة الكفر والمعصية، وإما أن يخاف أن يجر إلى المعصية. وما أحسب أحداً ينازع في جميع هذا، ولئن نازع فيه فلا يمكنه أن ينازع في أن المخالفة فيه أقرب إلى المخالفة في الكفر والمعصية، وأن حصول هذه المصلحة في الأعمال أقرب من حصولها في المكان.

وقال شيخ الإسلام أيضاً: وهذا بين في أن مفارقة المسلم المشرك في اللباس أمر مطلوب للشارع، كقوله:" فصل ما بين الحلال والحرام الدفُ والصوت في النكاح"(1) .

وقال شيخ الإسلام ايضاً: قلت: وهذا فيه خلاف: هل يلزمون بالتغيير، أو الواجب علينا إذا امتنعوا أن نغير نحن، وأما وجوب أصل المغايرة فما علمت فيه خلافاً.

وقال شيخ الإسلام أيضاً (الوجه الثامن) من الاعتبار: أن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة، حتى إن الرجلين إذ كانا من بلد واحد ثم اجتمعا في دار

(1) أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم.

ص: 241

غربة كان بينهما من المودة والموالاة والائتلاف أمر عظيم، وإن كانا في مصرهما لم يكونا متعارفين أو كانا متهاجرين.

وقال شيخ الإسلام أيضاً: وهذا قد توجب الشريعة مخالفتهم فيه، وقد توجب عليهم مخالفتنا ـ كما في الزي ونحوه. وقد يقتصر على الاستحباب، كما في: صبغ اللحية، والصلاة في النعلين، والجلود. وقد تبلغ إلى الكراهة، كما في تأخير المغرب والفطور، بخلاف مشابهتهم فيما كان مأخوذاًَ عنهم، فإن الأصل فيه التحريم، لما قدمنا. أهـ.

وقال شيخ الإسلام أيضاً: فقد تبين لك أن من أصل دروس دين الله وشرائعه وظهور الكفر والمعاصي والتشبه بالكافرين، كما أن من أصل كل خير المحافظة على سنن الأنبياء وشرائعهم، ولهذا عظم وقوع البدع في الدين وإن لم يكن فيها تشبه بالكفار، فكيف إذا جمعت الوصفين. ولهذا جاء في الحديث " ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع عنهم من السنة مثلها"أهـ. (1) .

وأما" الإجماع" فذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: إنه من وجوه:

من ذلك أن أمير المؤمنين عمر في الصحابة رضي الله عنهم ثم عامة الأئمة بعده وسائر الفقهاء جعلوا في الشروط المشروطة على أهل الذمة من النصارى وغيرهم فيما شرطوه على أنفسهم: أن نوقر

(1) وخرج ابن وضاح عن ابن عباس قال: ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا بدعة وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن. وعن أبي ادريس الخولاني أ، هـ كان يقول: ما أحدثت أمة في دينها بدعة إلا رفع الله بها عنهم سنته. وذكر في الاعتصام ج1 ص144 ـ آثاراً في هذا المعنى أيضاً.

ص: 242

المسلمين. على آخر الشروط، وفيها: وأن لا نتشبه بهم في شيء من ملابسهم. وفيها أيضاً: وأن نلزم زينا حيثما كنا، وأن نشد الزنانير على أوساطنا. قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهذه الشروط أشهر شيء في كتب الفقه والعلم، وهي مجمع عليها في الجملة بين العلماء من الأئمة المتبوعين وأصحابهم وسائر الأئمة، ولولا شهرتها عند الفقهاء لذكرنا ألفاظ كل طائفة فيها، وهي أصناف.

" الصنف الأول" ما مقصوده التمييز عن المسلمين في الشعور واللباس والأسماء والمراكب والكلام ونحوها، ليتميز المسلم من الكافر، ولا يشبه أحدهما الآخر في الظاهر. ولم يرض عمر رضي الله عنه والمسلمون بأصل التمييز، بل بالتمييز في عامة الهدي ـ على تفاصيل معروفة في غ ير هذا الموضع، وذلك يقتضي إجماع المسلمين على التميز عن الكفار ظاهراً، وترك التشبه بهم. ولقد كان أمراء الهدى مثل العمرين وغيرهما يبالغون في تحقيق ذلك بما يتم به المقصود.

ثم ذكر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله في ذلك، وتقدمه إلى عماله بذلك، ثم ذكر موقف أبي جعفر المتوكل حول هذا الصدد ومراجعته الإمام أحمد. إلى أن قال:

ومن جملة الشروط ما يعود بإخفاء منكرات دينهم وترك إظهارها، كمنعهم من إظهار الخمر والناقوس والنيران والأعياد ونحو ذلك.

ومنها ما يعود بإخفاء شعار دينهم كأصواتهم بكتابهم.

فاتفق عمر رضي الله عنه والمسلمون معه وسائر العلماء بعده ومن وفقه الله تعالى من ولاة الأمور على منعهم من أن يظهروا في دار الإسلام شيئاً مما يختصون به، مبالغة في أن لا يظهروا في دار الإسلام خصائص المشركين، فكيف إذا عملها المسلمون وأظهروها هم. إلى أن قال:

ص: 243

"الوجه الثاني" من دلائل الإجماع: أن هذه القاعدة قد أمر بها غير واحد من الصحابة والتابعين في أوقات متفرقة، وقضايا متعددة، وانتشرت ولم ينكرها منكر. فعن قيس بن أبي حازم، قال: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على إمرأة من أحمس يقال لها زينب، فرآها لا تتكلم فقال: مالها لا تتكلم؟ قالوا: حجت مصمتة.

فقال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت، فقالت: من أنت. قال: إمرؤ من المهاجرين. فقالت: من أي المهاجرين. قال: من قريش. قالت: من أي قريش؟ قال: إنك لسؤول، وقال: أنا أبو بكر. قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية. قال: بقاؤكم عليه ما استقامت لكم أئمتكم. قالت: وما الأئمة؟ . قال: أما كان لقومكم رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم. قالت: بلى. قال: فهم أولئك على الناس رواه البخاري في صحيحه، فأخبر أبو بكر أن الصمت المطلق لا يحل، وعقب ذلك بقوله: هذا من عمل الجاهلية. قاصداً بذلك عيب هذا العمل وذمه، وتعقيب الحكم بالوصف دليل على أن الوصف علة، فدل على أن كونه من عمل الجاهلية وصف يوجب النهي عنه والمنع منه.

إلى أن قال: وقد قدمنا ما رواه البخاري في " صحيحه" عن عمر رضي الله عنه، أنه كتب إلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس: إياكم وزي أهل الشرك. وهذا نهي منه للمسلمين عن كل ما كان من زي المشركين.

وقال الإمام أحمد في " المسند " حدثنا يزيد، حدثنا عاصم، عن أبي عثمان النهدي، عن عمر، أنه قال: ازروا، وارتدوا، واتعلوا

ص: 244

والبسوا الخفاف والسراويلات والقوا الركب، وانزوا نزواً، وعليكم بالمعدية، وارموا الأغراض، وذروا التنعم وزي العجم، وإياكم والحرير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه، وقال:" لا تلبسوا من الحرير إلا ما كان هكذا، وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعيه" وقال أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا زهير، حدثنا عاصم الأحول، عن أبي عثمان، قال: جاءنا كتاب عمر رضي الله عنه ونحن بأذربيجان: ياعتبة بن فرقد، إياكم والتنعم وزي أهل الشرك، ولبوس الحرير " فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن لبوس الحرير وقال: إلا هكذا ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعيه " وهذا ثابت على شرط الصحيحين وفيه أن عمر رضي الله عنه أمر بالمعدية، وهي زي بني معد بن عدنان وهم العرب، فالمعدية نسبة إلى معد، ونهى عن زي العجم وزي المشركين، وهذا عام كما لا يخفى، وقد تقدم هذا مرفوعاً. والله أعلم إلى أن قال رحمه الله: " الوجه الثالث" في تقرير الإجماع ما ذكره عامة علماء الإسلام من المتقدمين والأئمة المتبوعين وأصحابهم في تعليل النهي عن أشياء بمخالفة الكفار أو مخالفة الأعاجم، وهو أكثر من أن يمكن استقصاؤه، وما من أحد له أدنى نظر في الفقه إلا وقد بلغه من ذلك طائفة، وهذا بعد التأمل والنظر يورث علماً ضرورياً باتفاق الأئمة على النهي عن موافقة الكفار والأعاجم، والأمر بمخالفتهم. وأنا أذكر من ذلك نكتا في مذاهب الأئمة المتبوعين اليوم، مع ما تقدم في أثناء الكلام عن غير واحد من العلماء.

فذكر رحمه الله نكتاً في ذلك: من مذهب أبي حنيفة، ومذهب مالك، ومذهب الشافعي، ومذهب أحمد رحمهم الله ـ

ص: 245

ذكروا في الشروط على أهل الذمة منعهم من التشبه بالمسلمين في لباسهم وغيره، مما يتضمن منع المسلمين أيضاً من مشابهتهم في ذلك، تفريقاً بين علامة المسلمين وعلامة الكفار، وبالغ طائفة منهم فنهوا عن التشبه بأهل البدع مما كان شعاراً لهم، وإن كان في الأصل مسنوناً واتفقت الطائفتان على أن النهي عن التشبه بأهل البدع فيما هو شعار لهم. فإذا كان هذا في التشبه بأهل البدع فكيف بالكفار. وكره تسمية الشهور بالعجمية، والأشخاص بالأسماء الفارسية مثل آذرماه، وقال للذي دعاه: زي المجوس، ونقض يده في وجهه.

وهذا كثير في نصوص لا ينحصر. انتهى ببعض اختصار.

وقال شيخ الإسلام ايضاً: ثم إن " الصراط المستقيم": هو أمور باطنة في القلب: من اعتقادات، وإرادات، وغير ذلك. وأمور ظاهرة: من أقوال وأفعال قد تكون عبادات، وقد تكون أيضاً عادات: في الطعام، واللباس، والنكاح، والمسكن، والاجتماع، والافتراق، والسفر، والاقامة، والركوب، وغير ذلك. وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ولا بد ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً، وقد بعث الله عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالحكمة التي هي أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين المغضوب عليهم والضالين، وأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر، وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور:

ص: 246

"منها" أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين يقون إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فإن اللابس لثياب أهل العلم مثلاً يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة مثلاً يجد في نفسه نوع تخلق بأخلاقها، ويصير طبعه مقتضياً لذلك، إلا أن يمنعه من ذلك مانع.

و"منها" أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال، والانعطاف إلى أهل الهدى والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الموالات بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين. وكل ما كان القلب أتم حياة وأعرف بالإسلام الذي هو الإسلام ـ لست أعني مجرد التوسم به ظاهراً، أو باطناً بمجرد الاعتقادات التقليدية من حيث الجملة ـ كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً أو ظاهراً أتم، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد.

و"منها" أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر، حتى يرتفع التمييز ظاهراً بين المهديين المرضيين وبين المغضوب عليهم والضالين، إلى غير ذلك من الأسباب الحكيمة.

هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحاً محضاً لو تجرد عن مشابهتهم، فأما إن كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر، فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع ضلالهم ومعاصيهم. فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له. والله أعلم. أهـ.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله أيضاً: وهنا نكتة قد نبهت عليها في هذا الكتاب، وهي أن الأمر بموافقة أقوام أو بمخالفتهم قد

ص: 247

يكون لأن نفس قصد موافقتهم أو نفس موافقتهم مصلحة. وكذلك نفس قصد مخالفتهم، أو نفس مخالفتهم مصلحة، بمعنى أن ذلك الفعل يتضمن مصلحة للعبد أو مفسدة، وإن كان ذلك الفعل الذي حصلت به الموافقة أو المخالفة لو تجرد عن الموافقة والمخالفة لم يكن فيه تلك المصلحة أو المفسدة.

ولهذا نحن ننتفع بنفس موافقتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم والسابقين المهاجرين والأنصار في أعمال لولا أنهم فعلوها لربما قد كان لا يكون لنا فيها مصلحة، لما يورث ذلك من محبتهم وائتلاف قلوبنا بقلوبهم، وإن كان ذلك يدعونا إلى موافقتهم في أمور أخرى، إلى غير ذلك من الفوائد. وكذلك قد نتضرر بموافقتنا الكافرين في أعمال لولا أنهم يفعلونها لم نتضرر بفعلها. وقد يكون الأمر بالموافقة والمخالفة لأن ذلك الفعل الذي يوافق العبد فيه أو يخالف متضمن للمصحلة والمفسدة ولو لم يفعلوه، لكن عبر عنه بالموافقة والمخالفة على سبيل الدلالة والتعريف، فتكون موافقتهم دليلاً على المفسدة ومخالفتهم دليلاً على المصلحة. أهـ.

(فصل)

ومما قدمناه من الآيات الكريمات والأحاديث وكلام شيخ الإسلام رحمه الله: يتضح تحريم لباس " الكبوس" وأنه لا فرق بين الكبوس الكبير والصغير، ولا بين ما يتخذه الإنكليز والأمريكان وغيرهم من سائر أنواع الكفار من الهند والأعاجم والوثنيين الأصليين

ص: 248

والوثنيين المرتدين وغيرهم، ولا بين ما يلبسه المدنيون من النصارى وغيرهم وما يلبسه رجال الجيش، ولا بين من قصده التشبه بهم ومن لم يقصد ذلك، ولا فرق ايضاً بين الكبوس وغيره مما هو من زيهم المختص بهم كالزنار وغيرهم مما هو من خصائص الكفار، وأنه لا فرق بين ما يدخل في العبادات كأعيادهم الزمانية والمكانية وغيرها. وما لا يدخل في العبادات كالعادات، يجامع وجود المشابهة وفقد المخالفة الذي ينتج عنه من الأضرار الدينية والنقص وكونه من أولئك الذين تشبه بهم وانقطاعه من الإلتحاق بأولياء الله وحزبه مطلقاً أو نسبياً ما لا يخفى.

ولولا غربة الإسلام وتغير الأحوال لما احتاجت هذه المسألة إلى أن يكتب فيها.

وقد دس الشيطان على بعض العوام حتى تفوه بأنه ليس في لبس الكبوس نص، وربما تأثر بها فريق ممن لم يشم رائحة العلم، ولولا فشو الجهل وغلبة الشهوات والشبهات على كثير من الناس لما استحقت أن تذكر، لظهور بطلانها عند من له أدنى إلمام بما بعث الله به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم.

ونظير هذا مالو قال قائل: ليس على كفر الإنكليز والأمريكان نص، لعدم ذكرهم في شيء من نصوص الكتاب والسنة.

ونظيره أيضاً ما لو قال قائل: إن الكبوس من صوف أو جوخ أو قماش من الأقمشة غير الحرير أو غير ذلك وهي محللة اللبس.

ولم يدر هؤلاء أن نصوص الكتاب والسنة إنما تنص غالباً على أمور كلية وأصول جامعة يدخل فيها من الأقسام والأنواع والأفراد

ص: 249

ما لا يعلمه إلى رب العباد، ولا أظن أحداً يسلك هذا المسلك لا المنتسبين إلى العلم ولا العوام، ولو ساغ هذا لأمكن من شاء دعوى عدم دخوله تحت نصوص الكتاب والسنة لكونه لم يسم في النصوص ولم يخاطب بها عيناً (سبحانك هذا بهتان عظيم) وصلى الله وسلم على محمد (1) .

(ص ـ م 645 في 17/7/1378هـ)

(1499 ـ تشبه المسلمة بالافرنجيات في اللباس)

"الثانية" زوجتك ترتدي ملابس تخالف الشريعة، كما تأمر ابنتها منك التي تبلغ الآن من العمر سبع سنوات تأمرها بأن تلبس مثلها، وقد أنكرت عليها وعلى ابنتك لبس هذه الملابس، وخاصة خارج البيت، ووافقتها على أن يكون ارتداء هذه الملابس داخل البيت، لأنها أصرت على ارتدائها هي وابنتها، وأن شخصاً أخبرك أن ابنتك تخرج في الملابس الإفرنجية. وتسأل: عن الواجب عليك في حالة ما إذا أصرت المرأة على ارتداء هذه الملابس هو وابنتها؟

والجواب: الواجب عليك أن تقوم بتأديب زوجتك حسبما تقتضيه المصلحة الشرعية: من زجر، فهجر، فضرب غير مبرح. فإذا لم يفد بها ذلك وأنت رجل موسر تستطيع أن تتزوج فخذ زوجة أخرى مع بقاء الأولى في ذمتك لعلها ترتدع، فإن استمرت على الإصرار فخل سبيلها، لأن ضررها سيتعدى إلى أولادك.

(1) وانظر حكم لبس " السترة، والبنطلون " في الفتوى اللاذقية في (باب زكاة النقدين) .

ص: 250