الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيام وذلك أن الله يقول:
(مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)) رواه أبو داود وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في المصدر السابق.
وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم من يتكلم أثناء خطبة الجمعة بالحمار يحمل أسفاراً فقد جاء في الحديث عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً والذي يقول له أنصت ليست له جمعة) قال الحافظ ابن حجر: رواه أحمد بإسناد لا بأس به. وهو يفسر حديث أبي هريرة في الصحيحين مرفوعاً: (إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت) بلوغ المرام ص 91.
وذكر ابن حزم بإسناده عن بكر بن عبد الله المزني: (أن علقمة بن عبد الله المزني كان بمكة فجاء كريه - أي الذي أجره الدابة - والإمام يخطب يوم الجمعة فقال له: حسبت القوم قد ارتحلوا فقال له: لا تعجل حتى تنصرف فلما قضى صلاته قال له ابن عمر: أما صاحبك فحمار وأما أنت فلا جمعة لك)
…
المحلى 3/ 269 - 270.
وأخيراً أبين أن جماعة من أهل العلم يرون أن من تكلم عامداً أثناء الخطبة فلا جمعة له وتحسب له ظهراً لما جاء في الحديث: (ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً) وقد سبق.
ومن العلماء من قال إن الجمعة تجزئ ولكن أجرها قد بطل ولم ينل الفضيلة.
* * *
لا سنة قبلية يوم الجمعة
يقول السائل: إنه قد صلى الجمعة في أحد المساجد وبعد انتهاء الصلاة قام ليبين للمصلين حكماً شرعياً يتعلق بصلاة السنة القبلية للجمعة وأنها غير ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فأمره إمام المسجد بالسكوت لأنه يثير فتنة بين المصلين كما زعم وحصل بعد ذلك صياح في المسجد من المصلين فكانوا بين مؤيد له بالكلام ومعارض، ويسأل عن حكم ذلك؟
الجواب: مما يؤسف له أن بيان الحكم الشرعي الصحيح المستند
على الأدلة القوية الثابتة صار في عرف بعض أئمة المساجد يثير فتنة بين المصلين ويحدث النزاع والشقاق بينهم.
إن بعض أئمة المساجد يعتبر نفسه قيماً على أفكار الناس وحارساً على عقولهم فلا يريد أن يسمعوا إلا ما يوافق رأيه وهواه إن ما فعله الإمام المذكور خطأ واضح وليس له الحق في الحجر على أفكار الناس ما دام أن هذا الشخص يريد أن يبين حكماً شرعياً بأدلته وقد أطلعني على الورقة التي كان يريد أن يقرأها وفيها بيان حكم سنة الجمعة القبلية وأنها لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل بها أحد من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الفقهية ولم يثبتها المحققون من أهل الحديث وهذا هو القول الصحيح في المسألة.
والقول بإثبات سنة الجمعة القبلية ضعيف ولم يأت القائلون به بشيء يركن إليه ولا يعول عليه وكثرة الفاعلين لها لا يدل على مشروعيتها بل هؤلاء مجرد مقلدة لبعض المتأخرين من أتباع المذاهب.
وقد نص العلماء على أنه لا يجوز لأحد أن يمنع الناس من الأخذ برأي فقهي وإن كان المانع إماماً للمسلمين - خليفة - أو قاضياً أو والياً ومن باب أولى إمام المسجد لا يجوز له أن يمنع الناس من رأي معين بحجة أن ذلك قد يثير الفتنة كما زعم.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه عمن ولي أمراً من أمور المسلمين ومذهبه لا يجوز " شركة الأبدان " فهل يجوز له منع الناس؟
فأجاب: [ليس له منع الناس من مثل ذلك ولا من نظائره مما يسوغ فيه الاجتهاد، وليس معه بالمنع نص من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا ما هو معنى ذلك لا سيما وأكثر العلماء على جواز ذلك وهو مما يعمل به عامة المسلمين في عامة الأمصار.
وهذا كما أن الحاكم ليس له أن ينقض حكم غيره في مثل هذه المسائل ولا للعالم والمفتي أن يلزم الناس باتباعه في مثل هذه المسائل، ولهذا لما استشار الرشيد مالكاً أن يحمل الناس على " موطئه " في مثل هذه المسائل منعه من ذلك، وقال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في
الأمصار، وقد أخذ كل قوم من العلم ما بلغهم. وصنف رجل كتاباً في الاختلاف، فقال أحمد: لا تسمه " كتاب الاختلاف " ولكن سمه " كتاب السنة ".
ولهذا كان بعض العلماء يقول: إجماعهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة. وكان عمر بن عبد العزيز يقول: ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاً وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة. وكذلك قال غير مالك من الأئمة: ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه.
ولهذا قال العلماء المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي وغيره: إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه. ونظائر هذه المسائل كثيرة: مثل تنازع الناس في بيع الباقلاء الأخضر في قشريه، وفي بيع المقاثي جملة واحدة، وبيع المعاطاة والسلم الحال، واستعمال الماء الكثير بعد وقوع النجاسة فيه إذا لم تغيره والتوضؤ من مس الذكر والنساء، وخروج النجاسات من غير السبيلين والقهقهة وترك الوضوء من ذلك، والقراءة بالبسملة سراً أو جهراً، وترك ذلك. وتنجيس بول ما يؤكل لحمه وروثه، أو القول بطهارة ذلك، وبيع الأعيان الغائبة بالصفة وترك ذلك والتيمم بضربة أو ضربتين إلى الكوعين أو المرفقين والتيمم لكل صلاة أو لوقت كل صلاة أو الاكتفاء بتيمم واحد وقبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض أو المنع من قبول شهادتهم. ومن هذا الباب الشركة بالعروض وشركة الوجوه والمساقاة على جميع أنواع الشجر والمزارعة على الأرض البيضاء، فإن هذه المسائل من جنس شركة الأبدان بل المانعون من هذه المشاركات أكثر من المانعين من مشاركة الأبدان ومع هذا فما زال المسلمون من عهد نبيهم وإلى اليوم في جميع الأعصار والأمصار يتعاملون بالمزارعة والمساقاة ولم ينكره عليهم أحد ولو منع الناس مثل هذه المعاملات لتعطل كثير من مصالحهم التي لا يتم دينهم ولا دنياهم إلا بها. ولهذا كان أبو
حنيفة يفتي بأن المزارعة لا تجوز ثم يفرع على القول بجوازها ويقول: إن الناس لا يأخذون بقولي في المنع، ولهذا صار صاحباه إلى القول بجوازها كما اختار ذلك من اختاره من أصحاب الشافعي وغيره] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 30/ 79 - 81.
* * *