الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد روى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال عن الصحابة رضي الله عنهم: (ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم). الفتوى في الإسلام ص 175.
وقال الشيخ القرافي: [وينبغي للمفتي: إذا جاءته فتيا في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فيما يتعلق بالربوبية يسأل عن أمور لا تصلح لذلك السائل لكونه من العوام الجلف أو يسال عن المعضلات ودقائق أصول الديانات ومتشابه الآيات والأمور التي لا يخوض فيها إلا كبار العلماء ويعلم أن الباعث له على ذلك إنما هو الفراغ والفضول والتصدي لما لا يصلح له: فلا يجيبه أصلاً ويظهر له الإنكار على مثل هذا، ويقول له: اشتغل بما يعنيك من السؤال عن صلاتك وأمور معاملاتك ولا تخض فيما عساه يهلكك لعدم استعدادك له.
وإن كان الباعث له شبهة عرضت له: فينبغي أن يقبل عليه ويتلطف به في إزالتها بما يصل إليه عقله فهداية الخلق فرض على من سئل. والأحسن أن يكون البيان له باللفظ دون الكتابة فإن اللسان يفهم ما لا يفهم القلم لأنه حي والقلم موات فإن الخلق عيال الله وأقربهم إليه أنفعهم إلى عياله لا سيما في أمر الدين وما يرجع إلى العقائد] الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص 264 - 266.
وخلاصة الأمر أن المسلم لا يسأل إلا عن الأمور التي يتعلق بها عمل وتكليف وأما الأمور التي لا يترتب عليها عمل فلا ينبغي السؤال عنها.
* * *
حكم سب العلماء
لا ريب أن احترام العلماء وتقديرهم من الأمور الواجبة شرعاً وإن خالفناهم الرأي فالعلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء قد ورثوا العلم وأهل العلم لهم حرمة. وقد وردت نصوص كثيرة في تقدير العلماء واحترامهم، قال
الإمام النووي: [باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم]. ثم ذكر قول الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) سورة الزمر الآية 9، ثم ساق الإمام النووي طائفة من الأحاديث في إكرام العلماء والكبار وأحيل القارئ إلى كتاب رياض الصالحين للإمام النووي ص 187 - 192.
ومع كل هذه النصوص التي تحث على ما سبق وغيرها من النصوص الشرعية التي تحرم السب والشتم واللعن والوقوع في أعراض المسلمين إلا أن بعض الناس من أشباه طلبة العلم ليس لهم شغل إلا شتم العلماء وسبهم على رؤوس الأشهاد في المساجد وفي الصحف والمجلات ويحاول هؤلاء الصبية تشويه صورة العلماء وتنفير عامة الناس منهم لأن هؤلاء العلماء علماء السلاطين - كما يزعم هؤلاء النكرات - ومن العلماء الفضلاء الذين تعرضوا وما زالوا يتعرضون لهذه الهجمة الشرسة العلامة الفقيه الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله ورعاه، فالشيخ القرضاوي لا ينكر علمه وفضله إلا حاقد أو جاهل. والشيخ القرضاوي لا يحبه ويقدره إلا من تأدب بأدب الإسلام ولا يبغضه ولا يشتمه إلا سفيه أو جاهل أو حاقد ليس له نصيب من أدب الإسلام.
إن أدعياء الوعي وأدعياء الفكر والثقافة يشتمون الشيخ القرضاوي بغير وعي ولا يعرفون ماذا يصدر منهم من فظائع لا يجوز أن تقال في حق واحد من عامة الناس فضلاً أن تقال في حق عالم من علماء الأمة كالشيخ القرضاوي.
إن هجمتهم الشرسة على العلامة القرضاوي تثير التساؤل، فهذه الهجمة تخدم أعداء الأمة الذين طالبوا بإغلاق السبل أمام الشيخ القرضاوي كيلا يخاطب الأمة الإسلامية.
وأتساءل لمصلحة من يهاجم علماء الأمة؟ ولمصلحة من يشتم العلماء؟
هل هذه هي الطريق لإقامة الخلافة؟ هل علماء الأمة حالوا دون إقامة
دولة الخلافة؟ أم أن بعض الناس يعلق فشله وعجزه على الآخرين؟ لماذا يوصف العلماء بالخيانة أو السذاجة والبلاهة؟ هل يصح أن يقال في علماء الأمة: " ومن الملمَّعين المنافقين "؟ كيف عرفتم أنهم منافقون؟ هل شققتم على قلوبهم؟
ألم تسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد رضي الله عنه لما قتل رجلاً بعد أن قال لا إله إلا الله: (أفلا شققت على قلبه؟) رواه مسلم.
ألم تسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم) رواه البخاري ومسلم.
هل علمتم دخيلة الشيخ القرضاوي ونيته وأنه لا يريد من برامجه إلا المحافظة على مكاسب الشهرة؟! هل كلام الشيخ القرضاوي ينضح بالجهل أو التجاهل؟ أم أن كل إناء بما فيه ينضح؟
إن الشيخ القرضاوي محل ثقة أهل العلم وجماهير الناس شرقاً وغرباً والشيخ القرضاوي ليس بحاجة لينال ثقة أشباه طلبة العلم وصغارهم.
فالناس يأخذون علمهم عن الشيخ القرضاوي وأمثاله من العلماء الكبار ولا يأخذون عن الأصاغر فإن الأخذ عن الأصاغر هَلَكَةٌ في الدين.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (لا يزال الناس مشتملين بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا) رواه أبو عبيد والطبراني في الكبير والأوسط، وقال الهيثمي رجاله موثقون.
ورواه أبو نعيم في الحلية ولفظه قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من علمائهم وكبرائهم وذوي أسنانهم فإذا أتاهم العلم عن صغارهم وسفهائهم فقد هلكوا).
وورد في رواية أخرى عند الخطيب في تاريخه بلفظ (فإذا أتاهم العلم عن صغارهم وسفلتهم فقد هلكوا). إتحاف الجماعة 2/ 105.
إن الأمة بحاجة ماسة لعلم الشيخ القرضاوي وفهمه النير لأحكام
الإسلام، وليست بحاجة إلى العلم بطلب النصرة من الكفرة وأعداء الدين حتى يقدموا الخلافة على طبق من ذهب لبعض الناس! وهم فقط ينتظرون حدوث ذلك الأمر البعيد إن لم يكن المستحيل.
إن مبدأ طلب النصرة من غير المقتنعين بالفكرة مبدأ خاطئ ليس عليه دليل صحيح من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومنهجه وإن حاولوا إثباته.
إن الأمة لن تنظر إن شاء الله بارتياب إلى فتاوى وآراء العلامة القرضاوي، بل تتقبلها قبولاً حسناً، ولكن الأمة لتنظر بارتياب لمن يهاجم القرضاوي ويسبه ويشتمه لأن هؤلاء السابين الشاتمين هم الذين خرجوا عن أدب الحوار والخلاف ووصل بهم الأمر إلى اتهام نيات العلماء وطعنهم في إيمانهم!!
أهكذا يكون النقد العلمي؟ قال الإمام الذهبي يرحمه الله: [ما زال الأئمة يخالف بعضهم بعضاً ويرد هذا على هذا ولسنا ممن يذم العالم بالهوى والجهل] سير أعلام النبلاء 19/ 342.
أيها الناس تأدبوا مع العلماء، واعرفوا لهم مكانتهم، فما فاز من فاز إلا بالأدب وما سقط من سقط إلا بسوء الأدب.
واعلموا أن الأمة لا تحترم ولا تقدر إلا من يحترم العلماء والأئمة.
قال الحافظ ابن عساكر يرحمه الله مخاطباً رجلاً تجرأ على العلماء: [إنما نحترمك ما احترمت الأئمة].
وأخيراً أختم بكلمة نيرة مضيئة قالها الحافظ ابن عساكر يرحمه الله: [اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)]
* * *