الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحامد، فطريقُهُ في بَرِّ يمينه أن يقول: الحمد لله، حمدًا يوافي نِعَمه، ويكافيء
(1)
مزيده
(2)
.
قالوا: و
معنى (يوافي نِعَمه)
أي يلاقيها، فتحصل النِّعَم معه.
(ويكافيء)
(3)
-مهموز- أي يساوي مزيد
(4)
نعمه.
والمعنى أنه يقوم بشكر
(5)
ما زاد من النِّعَم والإحسان
(6)
.
(1)
في أ: وكافي.
(2)
هذه المسألة مشهورة عد فقهاء الشافعية، ويذكرونها في كتات الأَيمان.
والقول بأن أفضل صيغ الحمد "الحمد لله حمدًا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده" هو قول المتأخرين من شافعية خراسان كـ: القاضي الحسين، والمتولي، وإمام الحرمين، والغزالي غيرهم، وذكر ابن حجر الهيتمي أنه المعتمد في المذهب.
لكن قال ابن الصلاح: وفيه نظر! وذلك لأن الحديث الذي بنوا عليه هذه المسألة لم يثبت، ولهذا قال النووي: ما لهذه المسألة دليل يعتمد.
انظر (الوسيط) للغزالي 7/ 247، ومعه (شرح مشكل الوسيط) لابن الصلاح، و (روضة الطالبين) للنووي 8/ 58، و (نتائج الأفكار) لابن حجر 3/ 288، و (العباب المحيط) للمذحجي 5/ 1998، و (الفتاوى الكبرى الفقهية) للهيتمي 4/ 263.
(3)
في أ: وكافي.
(4)
في ب: مزيده.
(5)
في ب: يشكر.
(6)
هذا شرح النووي للحديث كما في (الأذكار) 170، و (روضة الطالبين) 8/ 58، و (المنثورات في عيون المسائل المهمات) 65، وانظر (شرح مشكل الوسيط) لابن الصلاح 7/ 247.
والمعروف من الحمد الذي حَمِد اللهُ به نفسه، وحمده به رسوله صلى الله عليه وسلم، وسادات العارفين بحمده من أمته ليس فيه هذا اللفظ أَلْبَتَّة، كقوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} [الفاتحة: 2 - 4]
وقوله: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45].
{وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)} [الزمر: 75].
وقوله حكاية عن الحامدين
(1)
من عباده أنهم
(2)
قالوا: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43].
وقوله تعالى في حمده لنفسه الذي أَمر رسولَهُ صلى الله عليه وسلم أن يحمده به: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)} [الإسراء: 111]، فهذا حمده الذي
(3)
ارتضاه لنفسه، وأمر رسوله أن يحمده به.
وقال تعالى حامدًا لنفسه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)} [الكهف: 1 - 2].
قال: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59].
وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ
(1)
في ب: الحمَّادين.
(2)
في ب: أنه.
(3)
في ب زيادة: أنزله على عبده.
وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)} [سبأ: 1].
(1)
[فاطر: 1].
وقال: {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70)} [القصص: 70].
(2)
[الروم: 17 - 18].
وقال: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [التغابن: 1].
وقال عن أهل الجنة
(3)
{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 34].
فإذا حمده لنفسه الذي أنزله في كتابه، وعلَّمه لعباده، وأخبر عن أهل جنته به، وهو أجلُّ
(4)
من كل حمدٍ وأفضلُ وأكمل.
(1)
في أتوقف عند لفظ (الآخرة) ثم قال: إلى آخر الآية.
(2)
لم تذكر الآية الأولى في أ.
(3)
ساقط من ب.
(4)
في ب: آكد.
فكيف
(1)
يَبَرُّ الحالف في يمينه بالعدول عنه
(2)
إلى لفظٍ لم يَحْمَدْ به نفسه، ولا
(3)
ثبت عن رسوله صلى الله عليه وسلم ولا عن سادات العارفين من أمته.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حمد الله في الأوقات التي
(4)
يتأكد فيها الحمد
(5)
لم يكن يذكر هذأ الحمد أَلْبَتَّة، كما في حمد الخطبة، والحمد الذي يستفتح به الأمور، وكما في تشهد الحاجة، وكما في الحمد عقيب الطعام والشراب، واللباس، والخروج من الخلاء، والحمد عند رؤية ما يسرُّه وما لا يسرُّه.
فروى البخاري في صحيحه عن أبي أمامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: "الحمد لله، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، غير مكفيٍّ
(6)
، ولا مودَّعَ، ولا مُسْتَغنى
(7)
عنه [ربنا] "
(8)
.
وفي لفظ آخر في هذا الحديث:
كان إذا فرغ من طعامه قال: "الحمد لله الذي كفانا، وآوانا، غير
(1)
الفاء ساقط من ب (كيف).
(2)
ساقط من ب.
(3)
ساقط من أ.
(4)
في ب: الذي.
(5)
في ب: الحمد لله.
(6)
في أ زيادة: عنه.
(7)
في أ: يُسْتَغْنَ.
(8)
صحيح البخاري، كتاب الأطعمة، باب: ما يقول إذا فرغ من طعامه، رقم 5458.
وكلمة (حمدًا) ليست في البخاري وإنما عند أبي داود (3849)، والترمذي (3456)، وابن ماجة (3347).
وكلمة (ربنا) ساقطة من المخطوط فاستدركها من صحيح البخاري، وقد شرحها المصنف كما سيأتي ص 17.
مكفيٍّ، ولا مكفور"
(1)
.
فلو كان قوله (الحمد لله، حمدًا يوافي نعمه، ويكافيء مزيده) أجلَّ من هذا الحمد وأفضلَ وأكملَ لاختاره وعدل إليه؛ فإنه لم يكن يختار إلا أفضلَ الأمور وأجلَّها وأعلاها.
وسألتُ شيخَنا عن قوله: (غير مَكْفِيٍّ)، فقال: المخلوق إذا أنعم عليك بنعمةٍ أمكنكَ أن تجازيه بالجزاء أو بالثناء، والله عز وجل لا يمكن أحدٌ من العباد أن يكافيه على إنعامه أبدًا، فإن ذلك الشكر من نعمه أيضًا، أو نحو هذا من الكلام
(2)
.
فأين هذا من قوله في الحديث المروي عن آدم: (حمدًا يوافي نعمه، ويكافيء
(3)
مزيده).
وقولهم إن معناه: يلاقي نعمه فتحصل مع الحمد؛ كأنهم أخذوه من قولهم: وافيتُ
(4)
فلانًا بمكان كذا وكذا، إذا لقيته فيه، ووافاني: إذا لقيني، والمعنى على هذا: يلتقي حمده بنعمه ويكون معها.
(1)
صحيح البخاري -في نفس الموضع السابق- رقم 5459.
وفيه "وأروانا" بدل "وآوانا"، وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح 9/ 494 أن "وآوانا" وقعت في رواية ابن السكن عن الفربري، فلعل ابن القيم نقل منها.
(2)
وهذا المعنى مروي عن جماعة من السلف، انظر (الشكر) لابن أبي الدنيا رقم 7 و 98 و 82، و (شعب الإيمان) للبيهقي 8/ 355 - 356.
(3)
في أ: وكافيء.
(4)
في ب: واقيت.
وهذا ليس فيه كبير أمر، ولا فيه أن الحمد سبب النعم وجالبها
(1)
، وإنما فيه اقترانه بها، وملاقاته لها اتفاقًا، ومعلوم أن النِّعَم يلاقيها من الأمور الاتفاقية ما لا يكون سببًا في حصولها، فليس بين هذا الحديث وبين النِّعَم ارتباط يربط أحدهما بالآخر، بل فيه مجرَّد الموافاة والملاقاة التي هي أعمُّ من الاتفاقية والسببيَّة.
وكذلك قولهم (يكافيء مزيده) أي يكون كفوًا لمزيده، ويقوم بشكر ما زاده اللهُ
(2)
من النِّعَم والإحسان.
وهذا يحتمل معنىً صحيحًا، ومعنًى فاسدًا:
فإن أُريد به أن حمْدَ اللهِ والثناء عليه وذكرَه أجلُّ وأفضلُ من النِّعم التي أنعم بها على العبد من رزقِه وعافيته وصحته والتوسعة عليه في دنياه؛ فهذا حقٌّ يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم "ما أنعم الله على عبدٍ بنعمةٍ فقال الحمد لله، إلا كان ما أُعطِي أفضل مما أخذ" رواه ابن ماجة
(3)
، فإنَّ حمْدَهُ لوليِّ النعمة
(4)
نعمةٌ أخرى هي أفضلُ وأنفعُ له، وأجدى
(5)
عائدةً من النعمة العاجلة، فإن أفضلَ
(1)
في ب: أن مسبب الحمد النعم وحالها.
(2)
في أ: ما زاد الله.
(3)
السنن برقم 3873، وأخرجه: ابن السني في (عمل اليوم والليلة) رقم 356، والطبراني في (الأوسط) 2/ 211 رقم 1379، وفي (الدعاء) رقم 1727، والبيهقي في (شعب الإيمان) رقم 4091، وغيرهم، وله شواهد.
وحسنه البوصيري في (مصباح الزجاجة) 3/ 192، والسيوطي في (الدر المنثور) 1/ 34، والألباني في (الضعيفة) رقم 2011، وصححه في (صحيح الجامع) رقم 5563.
(4)
في ب: الحمد.
(5)
في أ: وأجد.
النِّعَم وأجلَّها على الإطلاق نعمةُ معرفتِه تعالى وحمدِه وطاعتِه.
وإنْ أُريد أنَّ فعل العبد يكون كفوًا لنعم الله
(1)
ومساويًا لها؛ بحيث يكون العبد
(2)
مكافئًا للمنعِم
(3)
عليه، وما قام به من الحمد ثمنًا لنعمه
(4)
وقيامًا منه بشكر ما أنعم الله عليه به
(5)
، وتوفيةً له؛ فهذا من أمْحَل المحال.
فإنَّ العبد لو أقدره الله على عبادة الثقلين لم يقم بشكر أدنى نعمةٍ عليه؛ بل الأمر كما روى الإمام أحمد في كتاب (الزهد):
حدثنا عبد الرحمن، قال حدثنا الربيع بن صبيح، عن الحسن قال: قال داود:
"إِلهي
(6)
؛ لو أن لكل شعرةٍ مني لسانين يسبحانك الليلَ والنهارَ والدهرَ كلَّه ما قضيتُ حق نعمةٍ واحدةٍ"
(7)
.
قال الإمام أحمد:
وحدثنا عبد الرحمن، قال حدثنا جابر بن يزيد
(8)
، عن المغيرة بن
(1)
لفظ الجلالة غير موجود في ب.
(2)
ساقط من ب.
(3)
في أ وب: للنعم، والصواب ما أثبته.
(4)
في أ: ثمنٌ للنعمة، وقيامٌ
…
(5)
ساقط من أ.
(6)
في ب: النبي!
(7)
(الزهد) رقم 361، وأخرجه أبن أبي الدنيا في (الشكر) رقم 25، ومن طريقه البيهقي في (شعب الإيمان) 8 / رقم 4259، وإسناده منقطع.
ولفظة (واحدة) ليست في الزهد.
(8)
في ب: زيد.
عتيبة
(1)
قال:
"لما أنزل الله على داود {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] قاله: يا ربِّ؛ كيف أُطيق شكرك
(2)
وأنت الذي تنعم عليَّ، ثم ترزقني على النعمةِ الشكرَ، ثم تزيدني نعمةً بعد نعمة، فالنعمة منك يا ربِّ، والشكر منك، فكيف أُطيقُ شكرك! قال: الآن عرفتني يا داود"
(3)
.
فمن ذا الذي يقوم بشكر ربه الذي يستحقه سبحانه، فضلًا عن أن يكافيه.
ومن ههنا يُعرف قدر الحمد الذي صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: "غير مكفي، ولا مودَّع، ولا مستغنى عنه ربنا"، وفضله على الحديث المسئول عنه.
(1)
في أ: الصغيرة عن عتيبة. وفي ب: المغيرة بن عتبة.
والصواب ما أثبته كما في (شعب الإيمان) للبيهقي 8 / رقم 4100.
والمغيرة بن عتيبة بن النَّهاس العجلي، قاضي الكوفة، له ترجمة في:(الجرح والتعديل) 8/ 227، و (التاريخ الكبير) 7/ 322 وقد تصحف فيه إلى: المغيرة بن عيينة بن عابس!، و (الإكمال) 6/ 123، و (المؤتلف والمختلف) للدارقطني 3/ 1608، و (توضيح المشتبه) 6/ 170.
وذكره ابن حبان في (الثقات) 7/ 465، وسكت عنه، وتصحف "عتيبة" إلى: عتبة.
(2)
في ب: شكرًا.
(3)
أخرجه: أحمد في (الزهد) 69 - 70، ومن طريقه البيهقي في (شعب الإيمان) 8/ رقم 4100، وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر (الدر المنثور) 5/ 430، وإسناده ضعيف.
ونحن نشرح الحديث ثم نعود إلى المقصود، فنقول
(1)
وبالله التوفيق:
روي قوله "غير مكفي" بوجهين: بالهمز وعدمه.
وخُطِّئت رواية الهمز، فإنه اسم مفعول؛ إما
(2)
من الكفاية، فوجهه: غير مَكْفِيّ كـ: مَرْميّ ومَقْضِيّ، أو من المكافاة، فالمفعول منه (مكافا)
(3)
كـ (مُرَاما) من راماه، و (مُسَاعا) من ساعاه.
أو من كفأتُ الإناء -بالهمز-: إذا أقلبته، فالمفعول منه (مكفوء) كـ (مقروء) من قرأتُ
(4)
.
أو من كفاهُ يكفيه، فمفعوله (مكْفِيّ)، كـ (مَرْمي) من رميتُ.
والصواب أنه بغير الهمز.
ثم
(5)
اختُلِف: هل ذلك وصفٌ للطعام وعائدٌ عليه
(6)
، أو
(7)
هو حال من اسم الله فيكون وصفًا له
(8)
فى المعنى؟ على قولين:
(1)
في أ: فقوله.
(2)
ساقط من ب.
(3)
في ب: مكفا.
(4)
من قوله: (كفأت الإناء) إلي قوله (قرأتُ) ساقط من ب، وبدلًا من: المقرو من قر!
(5)
في ب بالواو.
(6)
عليه، ساقط من أ، و (عائد) مكررة.
(7)
في أ بالواو.
(8)
ساقط من ب.
فقال ابن قُرْقُول
(1)
في (مطالعه)
(2)
: "المراد بهذا كله الطعام، وإليه يعود الضمير.
قال الحربي
(3)
: "والمكفي: الإناء المقلوب للاستغناء عنه، كما قال:
(1)
هو: إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن باديس، أبو إسحاق، المعروف بـ "ابن قُرقُول" -بضم القافَين-، ولد بالمَرِيَّة من بلاد الأندلس سنة 505، كان إمامًا، رحالةً، نظَّارًا؛ أديبًا نحويًا، عارفًا بالحديث ورجاله، تتلمذ على القاضي عياض، ورافقه أبو القاسم السهيلي صاحب (الروض الآنف)، توفي بمدينة فاس سنة 569، رحمه الله.
انظر: (وفيات الأعيان) 1/ 62، و (سير أعلام النبلاء) 20/ 520، و (الوافي بالوفيات) 6/ 171.
(2)
اسمه "مطالع الأنوار على صحاح الآثار"، صنفه في فتح ما استغلق من كتاب الموطأ والبخاري ومسلم، وبيان مبهم اللغة وغريب الحديث، ومشى فيه على نسق "مشارق الأنوار" لشيخه القاضي عياض، فلخَّصه وزاد فيه، واستدرك عليه، فضبطه وجوَّده وأتقنه، فصار كما قال الذهبي: غزير الفوائد. (السير) 20/ 520. وشكك بعضهم في نسبة الكتاب إليه! فقيل إنه اختلس كتاب شيخه! وانظر الجواب عن هذا في (الأجوبة المرضية) للسخاوي 2/ 759 - 761.
(3)
في أ: الجرجاني، وفي ب: الحدلي، والصواب ما أثبته كما في (مشارق الأنوار) للقاضي عياض 1/ 345، و (الأذكار) للنووى 340.
والحربي هو: الإمام الحافظ إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم، أبو إسحاق الحربي -نسبة إلى محلَّةٍ كبيرة ببغداد-، ولد سنة 198، كان زاهدًا فقيهًا محدثًا أديبًا، لازم الإمام أححد عشرين سنة، وبه تخرَّج، صنف "غريب الحديث" وغيره كثير، توفى ببغداد سنة 285 رحمه الله.
انظر: (طبقات الحنابلة) 1/ 86، و (سير أعلام النبلاء) 13/ 356.
غير مستغنٍ
(1)
عنه، و (غير مكفور): غير مجحودٍ
(2)
نعمة الله فيه، بل مشكور غير مستور
(3)
الاعتراف بها، والحمد عليها".
والقول الثاني: أن ذلك عائدٌ إلى الله سبحانه وتعالى".
قال: "وذهب الخطَّابي
(4)
إلى أن المراد بهذا الدعاء كله الباري تعالي، وأن الضمير يعود إليه، وأن معنى قوله:"غير مكفي" أي أنه يُطْعِم ولا يُطْعَم، كأنه ههنا من الكفاية"
(5)
.
وإلى هذا ذهب غيره في تفسير هذا الحرف، أي
(6)
أنه تعالى مستغنٍ عن معينٍ وظهيرٍ.
فال: "ومعنى
(7)
قوله: (ولا مودَّع): أي غير متروك الطلب إليه،
(1)
في ب: مستغنًا.
(2)
في ب: محوية!.
(3)
كتب فوق "مستور" بين السطرين في ب: لعله مستوفًا! ولا مكان لها.
(4)
الإمام العلامة أبو سليمان حَمْد بن محمد بن إبراهيم الخطابي، ولد في بُسْت -من بلاد كَابُل في أفغانستان- سنة 319، كان علمًا في التفسير والحديث والأصول واللغة، وأول من صنف في الجدل من الفقهاء، أخذ عن الأشعري علم الكلام، وأخذ عنه الأشعري علم الفقه، توفي بِبُسْت سنة 386، وقيل 388 رحمه الله.
انظر (الأنساب) للسمعاني 5/ 158، و (وفيات الأعيان) 2/ 214، والسير للذهبي 17/ 23.
(5)
انظر (أعلام الحديث) للخطابي 3/ 2056، و (معالم السنن) 4/ 187.
(6)
ساقط من ب.
(7)
ساقط من أ.
والرغبة له
(1)
، وهو معنى المستغنى عنه.
وينتصب (ربَّنا) -على هذا- بالاختصاص والمدح، أو بالنداء
(2)
كأنه قال: يا ربَّنا اسمع حَمْدَنا ودعاءنا.
ومن رفعَ: قَطَع، وجعله خبرًا، كأنه قال: ذلك ربُّنا، أو أنت ربُّنا.
ويصح فيه الكسر على البدل من الاسم في قوله (الحمد لله)، انتهى كلامه
(3)
.
وفيه قولٌ ثالثٌ: أن يكون قوله (غير مكفي، ولا مودَّع) صفة
(4)
للحمد، كأنه قال: حمدًا كثيرًا غير مكفيٍّ ولا مودَّعٍ ولا مستغنىً عن هذا الحمد.
وقوله "ولا مودَّع" أي غير متروك، وعلى هذا القول فيكون قوله (غير مكفي) معناه: غير مصروفٍ ومقلوبٍ عن جهته كما يُكْفَأْ الإناء، بل هو
(5)
حمدٌ على وجهه الدي يستحقه وليُّ الحمد وأهلهُ ويليق به، ولا ينبغي لسواه.
وأما إعراب (ربنا) فبالوجوه الثلاثة، والأحسن في رفعه أن يكون خبرًا
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ب: تأكيدًا.
(3)
هذا النقل بتمامه ذكره النووي في (الأذكار) 340، وانظر (مشارق الأنوار) للقاضي عياض 1/ 345، و (فتح الباري) 9/ 493 - 394، و (الآداب الشرعية) لابن مفلح 3/ 205.
(4)
ساقط من ب.
(5)
ساقط من ب.
مقدَّمًا، مبتدؤه قوله "ولا مستغنى
(1)
عنه".
والأحسن في جَرِّه
(2)
أن يكون بدلًا من الضمير المجرور في (عنه).
والأحسن في نصبه أن يكون على المدح صفةً لاسم الله تعالى.
وسمعتُ شيخنا تقي الدين بن تيمية -قدس الله روحه-
(3)
يقول في معنى هذا الحديث:
المخلوقُ إذا أنعم عليك بنعمةٍ أمكنك أن تكافئه، ونِعَمُه لا تدوم عليك، بل لابد أن
(4)
تودِّعك ويقطعها عنك، ويمكنك أن تستغني عنه، واللهُ عز وجل لا يمكن أن تكافئه على نعمه، وإذا أنعم عليك أدام نعمه، فإنه هو أغنى وأَقْنى، ولا يُستغنى عنه طرفة عينٍ، هذا معنى
(5)
كلامه.
والمقصود ذكر الحمد الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمد ربَّهُ بهِ
(6)
في مواطن الحمد.
وعن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: "الحمد لله الذي أطعمنا، وسقانا
(7)
، وجعلنا مسلمين" رواه أبو داود
(1)
في أ: يستغنى.
(2)
في أ: خبره.
(3)
ساقط من أ: تقي الدين بن تيمية قدس الله روحه.
(4)
ساقط من ب.
(5)
ساقط من ب.
(6)
ساقط من أ.
(7)
في ب: وأسقانا.
وغيره
(1)
.
وعن أبي أيوب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: "الحمد لله الذي أطعم وسقى، وسوَّغه، وجعل له مخرجًا" رواه أبو داود والنسائي
(2)
، وإسناده صحيح
(3)
.
وفي السنن أيضًا عن معاذ بن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل طعامًا فقال: الحمد لله الذي أطعمني
(4)
هذا من غير حَوْلٍ مني ولا قوة؛ غُفِر له ما تقدم من ذنبه" وقال الترمذي: حديث حسن
(5)
.
(1)
أخرجه: أبو داود رقم 3850، والترمذي رقم 3457، وابن ماجة رقم 3346، وأحمد 3/ 32 و 98، والنسائي في (الكبرى) رقم 10047 و 10048 و 10049، وغيرهم.
قال الذهبي: غريب منكر. (ميزان الاعتدال) 1/ 228، وضعفه الألباني (ضعيف الترمذي) رقم 681.
(2)
أخرجه: أبو داود رقم 3851، والنسائي في (الكبرى) رقم 6867 و 10044، وابن حبان رقم 5220، والطبراني في (المعجم الكبير) 4/ 4082، والبيهقي في (الدعوات الكبير) رقم 455، وغيرهم.
وصححه: النووي (الأذكار) 341، والحافظ ابن حجر كما (الفتوحات الربانية) لابن علان 5/ 230، والألباني (الصحيحة) رقم 705 و 2061.
(3)
ساقط من ب.
(4)
في ب: أطعمنا.
(5)
أخرجه: الترمذي رقم 3458، وأبو داود رقم 4023، وابن ماجة رقم 3348، وأحمد 3/ 439، وأبو يعلى رقم 1488، والحاكم 1/ 507 رفم 1913 و 4/ 192 رقم 7486 وصححه.
وحسنه الحافظ ابن حجر في (معرفة الخصال المكفِّرة) 74 - 75، =
وفي سنن النسائي عن عبد الرحمن بن جُبير، أنه حدَّثه
(1)
رجلٌ خَدَم النبيَّ ثمانِ سنين، أنه كان يسمع النبي إذا قُرِّب إليه الطعام
(2)
يقول
(3)
: "بسم الله"، فإذا فرغ من طعامه قال: "اللهم أطعمتَ، وسقيتَ، وأغنيتَ، وأقنيتَ، وهديتَ، واجتبيت
(4)
، فلك الحمد على ما أعطيت
(5)
وإسناده صحيح.
وروى أبو داود في السنن من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الطعام إذا فرغ:"الحمد لله الذي مَنَّ علينا وهدانا، والذي أشْبَعَنا وأرْوَانا، وكل الإحسان آتانا"
(6)
.
= والألباني (الإرواء) رقم 1989.
(1)
ساقط من ب.
(2)
فى ب: طعامًا.
(3)
ساقط من أ.
(4)
في ب: وأحييت، وهو لفظ أحمد، وابن السني، وأبي الشيخ الأصبهاني كما في التخريج التالي.
(5)
أخرجه النسائي في (الكبرى) رقم 6871، وأحمد 4/ 62 و 5/ 375، وابن السني في (عمل اليوم والليلة) رقم 466، وأبو الشيخ الأصبهاني في (أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم) رقم 694، وأبو نعيم في (معرفة الصحابة) رقم 3678.
وصححه الحافظ في (الفتح) 9/ 494، والألباني (الصحيحة) رقم 71.
(6)
عبارة: (وكل الإحسان آتانا) ساقط من ب.
والحديث لم أجده في سنن أبي داود، وإنما أخرجه: الطبراني في (الدعاء) رقم 895، وابن السني في (عمل اليوم والليلة، رقم 467، وابن عدي فى (الكامل) 6/ 2212.
وللحديث شواهد، منها:
أ/ حديث عمرو بن مُرَّة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من طعامه =