المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أفضل الدعاء: "الحمد لله - فتيا في صيغة الحمد - جـ ١

[ابن القيم]

الفصل: ‌أفضل الدعاء: "الحمد لله

وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:

"الطهور شَطْر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله" تملآن -أو تملأ- ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجَّةٌ لك أو عليك، كلُّ الناس يغدوا؛ فبائعٌ نفسه فموبقها، أو مبتاعها فمعتقها"

(1)

.

وقد روى ابن ماجة، والترمذي، من حديث طلحة بن خراش بن عمر، عن جابر بن عبد الله قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"أفضل الذكر: "لا إله إلا الله"، و‌

‌أفضل الدعاء: "الحمد لله

"

(2)

".

وسئل ابن عيينة عن هذا الحديث، فقيل له: كان "الحمد لله" دعاءً؟ فقال: أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جدعان يرجو نائله:

= وقال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح. (مجمع الزوائد) 10/ 87.

وصححه الألباني (صحيح الجامع) رقم 1718.

(1)

أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، رقم 223.

(2)

أخرجه: الترمذي رقم 3383، وابن ماجة رقم 3868، وابن أبي الدنيا في (الشكر) رقم 102، والنسائي في (السنن الكبرى) رقم 10599، وابن حبان رقم 846، والطبراني (الدعاء) رقم 1483، والبيهقي (شعب الإيمان) رقم 4061، وغيرهم.

وصححه الحاكم 1/ 498 ووفقه الذهبي.

وحسنه الحافظ في (نتائج الأفكار) 1/ 63 - 64.

وحسنه الألباني (الصحيحة) رقم 1497، و (صحيح الجامع) رقم 1104.

ص: 38

أَأَذكر حاجتي أم قد كفاني

حباؤك إنَّ شيمتك الحِباءُ

إذا أثنى عليك المرء يومًا

كفاهُ من تعرُّضه الثناءُ

كريمٌ لا يغيِّرهُ صباحٌ

عن الخُلُقِ الجميل ولا مساءُ

(1)

فهذا مخلوقٌ اكتفى من مخلوقٍ بالثناء عليه، فكيف بالخالق سبحانه؟!

قلتُ: الدعاء يراد به دعاء المسألة، ودعاء العبادة، والمُثْنِي على ربه بحمده وآلائه داع له بالاعتبارين؛ فإنه طالبٌ منه، وطالبٌ له، فهو الداعي حقيقة، قال تعالى:{هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)} [غافر/ 65].

وروي ابن ماجة في سننه من حديث عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّثَهم:

"أن عبدًا من عباد الله قال: يا ربِّ، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، ولعظيم سلطانك، فعظُمَت بالملكين، فلم يَدْريا كيف يكتبانها، فصَعَدا إلى السماء فقالا: يا رب؛ إن عبدك قال مقالةً لا ندري كيف نكتبها، قال الله عز وجل -وهو أعلم بما قال عبده-: ماذا قال عبدي؟ قالا: يا رب؛ إنه قال: يا ربِّ؛ لك الحمدُ كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، فقال الله عز وجل اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها"

(2)

.

(1)

ديوان أمية بن أبي الصلت 17.

(2)

أخرجه: ابن ماجه رقم 2869، والطبراني (الكبير) 12/ 264 رقم 13297، و (الأوسط) رقم 9245، و (الدعاء) رقم 1708، وابن مردويه في جزئه الذي انتقاه على الطبرانى رقم 169، والبيهقي (شعب الإيمان) رقم 4077. =

ص: 39

وفي سنن ابن ماجة -أيضًا- من حديث محمد بن ثابت، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:

"الحمد لله على كل حال، أعوذ بالله من حال أهل النار"

(1)

.

وفي مسند ابن أبي شيبة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ به [وهو]

(2)

يغرِسُ غِرَاسًا، فقال:

"يا أبا هريرة؛ ما الذي تغرِس؟ قلتُ: غِراسًا، قال: ألا أدلُّكَ على غِراسٍ خير من هذا؛ سبحان الله، والحمد لله، ولا اله إلا الله، والله أكبر، تغرس بكل واحدةٍ شجرةً في الجنة"

(3)

.

وفي سنن ابن ماجة، عن أبي الدرداء قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

= وعزاه المنذري والبوصيري إلى الإمام أحمد! (مصباح الزجاجة) 3/ 190 - 191.

وضعفه الألباني (ضعيف الترغيب والترهيب) 1/ 477 رقم 961.

(1)

أخرجه: الترمذي رقم 3599، وابن ماجه رقم 251 و 3872، وابن أبي شيبة 10/ 281، وعبد بن حميد رقم 1417، والبغوي (شرح السنة) رقم 1372 وغيرهم، وله شاهد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

وضعفه البوصيري في (مصباح الزجاجة) 3/ 192، والألباني (ضعيف ابن ماجة) رقم 831.

وانظر (السلسلة الصحيحة) 1/ القسم الأول/ 531، رقم 265.

(2)

ساقط من المخطوط.

(3)

أخرجه: ابن ماجة رقم 3875، والحاكم 1/ 512 وصححه ووافقه الذهبي.

وحسنه البوصيري في (مصباح الزجاجة) 3/ 193.

وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة) رقم 3069.

ص: 40

"عليك بـ"سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، فإنها -يعني- تحطُّ الخطايا كما تحطُّ الشجرة ورقها"

(1)

.

وفي الترمذي، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لقيتُ إبراهيم ليلةَ أُسْريَ بي، فقال: يا محمد:؛ أقْرِىْء أمتك [مني] السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبةُ التربةِ، عَذْبةُ الماءِ، وأنها قِيعان، وأن غراسها: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"

(2)

.

قال الترمذي: حديث حسن.

(1)

أخرجه: ابن ماجه رقم 3881 بسند ضعيف.

وله شاهد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أخرجه: الترمذي رقم 3533، والطبراني في (الدعاء) رقم 1688 و 1689، وأبو نعيم في (الحلية) 5/ 55.

وضعفه البوصيري في (مصباح الزجاجة) 3/ 194، والألباني (ضعيف ابن ماجه، رقم 833، و (ضعيف الجامع) رقم 3750.

(2)

أخرجه: الترمذي رقم 3462 ومن طريقه العلائي في (جزء في تفسير الباقيات الصالحات وفضلها) 52، والطبراني (الكبير) 10/ 173 رقم 10363، و (الأوسط) رقم 4182، و (الصغير) رقم 539، والخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) 2/ 292.

وحسنه بشواهده: الحافظ في (نتائج الأفكار) 1/ 102 - 103، والألباني (الصحيحة) رقم 105.

و"قِيعَان": جمع قَاع، وهو المكان المستوي الفسيح الواسع في وطأةٍ من الأرض، يعلوه ماء السماء فيمسكه، ويستوي نباته.

(النهاية) لابن الأثير 4/ 132 - 133، والعلائي (جزء في تفسير الباقيات الصالحات وفضلها)53.

ص: 41

والذي حُفِظ من تحميد النبي صلى الله عليه وسلم في المجامع العِظَامَ كـ: خطبة الجمعة، والخطبة في الحج عند الجمرة، وخطبة الحاجة:

"الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولهُ"

(1)

.

وفيها كلها "أشهد" بلفظ الإفراد، و"نستعينه" بلفظ الجمع، و"نحمده، ونستغفره" بلفظ الجمع.

فقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية -قدس الله روحه-:

"لما كان العبدُ قد يستغفر له، ويستعين له ولغيره؛ حَسُن لفظ الجمع في ذلك، وأما الشهادة لله بالوحدانية، ولرسوله بالرسالة فلا يفعلها أحدٌ عن غيره، ولا تقبل النيابة بوجهٍ من الوجوه، ولا تتعلق شهادة الإنسان بشهادة غيره، والمتشهد لا يتشهَّدُ إلا عن نفسه"، هذا معنى كلامه

(2)

.

فهذه جُمَل مواقع الحمد في كلام الله، ورسوله، وأصحابه، والملائكة، قد جَلَّيتُ عليك عرائسها، [و]

(3)

جَلَبْتُ لك

(4)

نفائسها، فلو كان الحديث المسئول عنه أفضلها، وأكملها، وأجمعها -كما ظنَّهُ الظانُّ- لكان واسطة عِقْدِها في النِّظَام، وأكثرها استعمالًا في حمد ذي الجلال والإكرام.

(1)

سبق تخريجه صفحة (22).

(2)

وانظر (تهذيب السنن) 3/ 54 فقد ذكر كلام شيخ الإسلام هناك أيضًا.

(3)

زيادة يقتضها الكلام.

(4)

في المخطوط: عليك، وما أثبته أصح.

ص: 42

فالحمد لله بمحامده التي

(1)

[حمد]

(2)

بها نفسه، وحمده بها الذين اصطفى، حمدًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى.

وصلى الله على سيدنا محمدٍ النبي الأمِّي، وآله، وصحبه، وسلَّم

(3)

.

(1)

في المخطوط: الذي، والتصويب في الهامش.

(2)

ساقط من المخطوط.

(3)

جاء في نهاية المخطوط من النسخة ب: حُرِّر سنة 1338.

ص: 43