الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عِلْمِهم لِما فيهم مِن الجاهِلِيَّةِ، والاعتقادِ أنَّ فضلَ الله مقصورٌ عليهم، لا يَتَعَدَّاهم إلى غيرهم وآيةُ [الأنعام: 19- 20] موافقةٌ لِهذِه الآيةِ لفظًا ومعنًى، وهي قولُه تعالى:{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ - الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 19 - 20]
[انخداع أهل الثروة بثروتهم]
انخداع أهل الثروة بثروتهم (العاشرة) : الاسْتدلالُ بعطاءِ الدُّنيا على مَحَبَّةِ الله تعالى قال سُبحانَه [سبأ: 34-39] : {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ - وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ - قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ - وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ - وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ - قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 34 - 39] وقال في سورة "القصص"[46-50] : {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ - وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ - فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ - قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ - فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 46 - 50] وفي آيات أخرى في سورة [القصص 76 -
78 -
فقدْ كفانا الله تعالى إبطالَ هذهِ الخَصْلة الجاهِلِيَّةِ بقوله في الآية الأولى [سبأ: 36] : {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} [سبأ: 36] وفي الآية الأخرى بقوله [القصص: 78] : {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ} [القصص: 78] إلخ، فَعَلِمْنا مِن ذلك أنَّ محبَّة الله ورضاء الله إنَّما يَكون بطاعتِهِ والانقياد لرسلِه، والإِذعانِ للحقِّ باتِّباعِ البُرهانِ.
وأمَّا كثرةُ المالِ، وسَعَةُ الرِّزقِ، وعيشُ الرَّخاءِ، فلا دليلَ فيه على نجاةِ المُنْعمِ عليه بمثلِ ذلك، ولو كانتِ الدُّنيا وما فيها تُعادِل عند الله جَناحَ بَعوضة ما سَقى مَنْ عصاه شربةَ ماءٍ. قالَ سُبحانَه [الزخرف: 33] : {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33] وعلى ذلك قول القائل: (1) .
كمْ عالم عالِم أعْيَتْ مَذاهِبُهُ
…
وجاهِل جاهِل تَلْقاهُ مَرْزوقا (2)
ومما ينْسَبُ لبَعضِ الأكابرِ:
رضينا قِسْمَةَ الجَبَّارِ فينا
…
لَنا عِلم وَلِلأعْداء مالُ
فإِنَّ المال يَفْنى عَنْ قريبٍ
…
وَإِن العِلْمَ باقٍ لا يَزالُ
والشَّواهِدُ كثيرة. والمقصودُ أنَّ ما كانَ عليه أهلُ الجاهِلِيَّة مِنْ كونِ زَخارِفِ الدُّنيا مِن الأدلَّة على قُربِ مَن حازَها مِن الله وقَبوله عندَه فقول بعيد عن الحقِّ، ومذهب باطلٌ لا ينبغي لِمَنْ له بصيرة أنْ يُعَوِّلَ عَلَيْهِ.
(1) هو أبو الحسين أحمد بن يحيى المشهور بابن الرواندي الملحد.
(2)
وبعده:
هذا الذي ترك الأوهام حائرة
…
وصير العالم النحرير زنديقا.