الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آلِ فِرْعونَ وَقَومِهِ إِلَيْهِ، وَتَحْريشِهمْ إيَّاهُ عَلَى مُقاتَلَةِ موسى عليه السلام وَتَهْييجِه، وَمَا ذُكِرَ في آخِرِ الآية مِن احْتِقارِ ما كانوا عَلَيْهِ.
[تناقضُ مَذهَبهِمْ لَمَّا تَرَكوا الحق]
تناقضُ مَذهَبهِمْ لَمَّا تَرَكوا الحق (الحادية والستون) : تناقضُ مَذهَبهِمْ لَمَّا تَرَكوا الحق. قال تعالى في سورةِ [ق: 4-5] : {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ - بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 4 - 5] فَقولُهُ: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ} [ق: 5] إلخ، إضراب أُتْبعَ الإِضرابَ الأوَّل للدِّلالة عَلى أنَّهم جاءوا بِما هو أفْظَع من تَعَجُّبِهِمْ، وهو التكذيبُ بالحَقِّ، الذي هو النُّبُوَّةُ الثاَّبتة بالمُعْجِزاتِ، في أوَّل وَهْلَةٍ، مِن غير تَفَكُّرٍ ولا تَدَبُّرٍ، {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 5] مُضْطَرِب، وَذَلِكَ بسببِ نَفْيِهِمُ النُّبُوَّةَ عنِ البَشَرِ بالكُليَّة تارةً، وَزَعمِهِمْ أنَّ اللَاّئقَ بِها أهلُ الجاه والمالِ كما ينبئ عَنْهُ قَولُهُم:{لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] تارةً أُخرى، وَزَعْمهِمْ أنَّ النُّبُوَّةَ سِحْرٌ مرَّةً أُخرى، وأنَّها كهانَةٌ أخرى، حيثُ قالوا في النبيِّ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً: ساحر، ومَرَّةً: كاهِنٌ، أوْ هو اخْتِلافُ حالِهم ما بَيْنَ تَعَجُّبٍ مِنَ البَعْثِ واستبعاد لَهُ، وتكذيبٍ وَتَرَدُّدٍ فيه، أو قولُهم في القرآن: هو شِعْر تارةً، وَهُو سِحْرٌ أخرى. وقال تَعالى في سورةِ [الذَّارياتِ: 7-11] : {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ - إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ - يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ - قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ - الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} [الذاريات: 7 - 11] الْحُبُكِ: جمع حَبيكَة، كَطَريقَةٍ، أوْ حِباك، كَمِثال وَمثل، والمرادُ بها إمَّا الطُرُقُ المحسوسةُ التي تَسيرُ فيها الكَواكبُ، أو المعقولةُ التي تُدْرَكُ بالبَصيرةِ، وهي ما يدلُّ على وَحْدَةِ الصَّانعِ وقُدْرتهِ وعِلْمِهِ وحِكمتِه إذا تأمَّلَها النَّاظرُ. وقوله:{إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} [الذاريات: 8] أي: مُتَخالِفٍ، مُتَناقِضٍ في أمرِ الله عز وجل، حيث تقولون: إِنَّه جلَّ شأنُهُ خَلَقَ السَّماواتِ والأرضَ، وَتَقولونَ بصحَّةِ عبادةِ الأصنامِ مَعَهُ سُبحانَه، وفي أمْرِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم فَتَقولونَ تارةً: إنَّه مَجْنونٌ، وأُخْرى: إنه ساحر، ولا يَكونُ الساحِرُ إلا عاقلا، وفي أمْرِ الحَشْرِ، فَتَقولونَ تارةً: لا حشر ولا حياة بَعْد المَوتِ أصلا، وتَزْعمونَ أُخرى أنَّ أصنامَكم
شُفعاؤُكم عِندَ الله تَعالى يومَ القيامِة، إلى غير ذلك من الأقوالِ المتخالفةِ فيما كُلفوا بالإيمانِ به. وقولُهُ:{يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [الذاريات: 9] أيْ: يُصْرَفُ عَنِ الإِيمانِ بِما كلِّفوا الإِيمانَ به. {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10] أيْ: الكذَّابونَ مِنْ أصحابِ القولِ المُخْتَلِفِ. {الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} [الذاريات: 11] الغَمرةُ: الجَهلُ العظيمُ يَغْمرُهُم وَيَشْمَلهُم شمولَ الماءِ الغامرِ لِما فِيْهِ، والسَّهو: الغَفْلَةُ. وقال تَعالى في أواخر سورةِ [الأنعام: 159] : {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159] هذه الآية استئنافٌ لبيانِ أحوالِ أهلِ الكتابَيْنِ إثْرَ بيانِ حال المشركين، بناءً على ما رُويَ عن ابنِ عبَّاسٍ وقتادةَ: أنَّ الآية نَزَلَت في اليهودِ والنَّصارى. أيْ: بَدَّدوا دِينَهم، وبعَّضوه، فتمسَّكَ بِكُلِّ بعضٍ منه فرقةٌ منهم. {وَكَانُوا شِيَعًا} [الأنعام: 159] أيْ: فِرَقا تُشايعُ كُلُّ فِرْقَة إماما، وَتَتْبَعُهُ، أيْ: تُقَوِّيهِ، وَتُظْهرُ أمْرَهُ. أخرجَ أبو داودَ والتِّرْمِذِيُّ عن أبي هُرَيْرَةَ قال، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:«افْتَرَقَتِ اليهودُ على إحْدى وسَبْعينَ فِرْقَةً، كُلّهم في الهاوِيَةِ إلا واحدةً، وافْتَرَقَتِ النصَّارى على ثِنتيْنِ وسَبْعينَ فِرْقَةً، كُلُّهُم في الهاويةِ إلا واحدةً، وَسَتَفْتَرِقُ أمَّتي على ثَلاثٍ وَسَبْعينَ فِرْقةً، كُلُّهُم في الهاوِيَةِ إلا واحدةً» . واستثناءُ الواحدةِ مِن فِرَقِ كُلٍّ مِن أهلِ الكِتابَيْنِ إِنَّما هو بالنَّظَرِ إلى العَصْرِ الماضي قَبْلَ النَّسْخِ، وأمَّا بَعْدَهُ؛ فالكُل في الهاوِيَة، وإِن اختَلَفَتْ أسبابُ دُخولهم. {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159] أيْ: مِنَ السُّؤالِ عَنهم، والبَحثِ عَن تفَرُّقِهِمْ، أو من عِقابِهمْ، أَو أَنتَ بَريء مِنْهم. {إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ} [الأنعام: 159] تَعْليلٌ للنَّفي المذكورِ، أيْ: هو يَتَولَّى وَحْدَهُ أمرَهم: أُولاهُمْ وأُخْراهُمْ، وَيُدَبِّرُهُ حَسْبَما تَقْتَضَيهِ الحِكْمَةُ. ومِنَ النَّاسِ مَنْ قَال: المُفَرِّقونَ: أهْلُ البِدَعِ مِنْ هذه الأمَّة: فقد أخرج الحَكيمُ الترمِذِيُّ وابنُ جَريرٍ والطَّبَرانيُّ وغيرُهم عن أبي هُرَيرةَ عَن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله سُبْحانه: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا} [الأنعام: 159] إلخ: «هُمْ أهْلُ البِدَعِ والأهْواءِ مِن هذِهِ الأمَّة» فَيكونُ الكلامُ- حِيْنَئِذٍ - استِئْنافا لِبَيان حال المُبْتَدِعينَ، إثْرَ بَيانِ حالِ المُشْرِكينَ، إشارةً إلى أنّهم ليسوا مِنْهم بِبَعيدٍ.
والمقصودُ أنَّ أهلَ الجاهلية سواء كانوا أُمِّيِّينَ أوْ كِتابِيِّينَ قد فَرَّقوا دينَهم، وتَغايَروا في الاعتقادِ، فكانَ عُبَّادُ الأصنامِ كُلُّ قَومٍ لَهُم صَنَمٌ يَدينونَ لَهُ، وَلَهُمْ