الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه تغيير المنكر
د / محمود توفيق محمد سعد
تقديم
بقلم: عمر عبيد حسنة
الحمد لله القائل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} .. (آل عمران: 110) ، الذي جعل خيرية هذه الأمة وتميزها، وقوامها، وكيانها، وخلودها، واستمراريتها، منوطا بقيامها بالحق، والدعوة إليه، والنشر له، والإغراء به، واستمرار حراسته، والدفاع عنه، حيث لم يرض الله لها ـ وهي أمة الرسالة الخاتمة ـ أن تكون صالحة بذاتها، بل لا بد أن تكون صالحة بذاتها، مصلحة لغيرها، مضحية في سبيل تمكين الحق، مدافعة للباطل، حتى تستحق صفة الخيرية، والتميز، والفضل.
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة: 8) .
ذلك أن الخاتمية تعني فيما تعني: توقف النبوات: وتوقف النبوة، يعني: توقف التصويب من السماء، لأي منكر وخروج وانحراف ـ لذلك لا بد من أن تكون القوامة على الحق ويكون التصويب مستمرا، لأن الشر من لوازم الخير، والمنكر من لوازم المعروف، والتدافع بين الخير والشر، والمعروف والمنكر، من سنن الله الاجتماعية في الخلق، قال تعالى:{كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (الرعد: 17) . وقال: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} .. (الحج: 40) .
ولولا هذا الضرب، بين الحق والباطل، وهذا التدافع، بين الخير والشر، لتوقف التاريخ، وانتهت الحياة، وتوقف الاختيار، ولم يبق أي معنى للتكليف وأي مدلول للابتلاء، لذلك جعل الله التصويب في الرسالة الخاتمة، وفي أمة الرسالة الخاتمة ذاتياً، يمارس في ضوء قيم وهدايات وثوابت الوحي، وجعله تكليفاً شرعياً، يتحدد بمقدار الاستطاعة، وسبيلاً لاستمرار الأمة، ومناط خيريتها، وتميزها، كما أسلفنا.
ذلك أنه لا معنى لخلود الرسالة، الذي يعني استمرار الحق، واستمرار حراسته، والقيام به، وتقديم النماذج التي تجسدها في كل زمان ومكان، إِذا لم يستمر التصويب ويستمر التجديد وإنتاج النماذج وتستمر الأمة القائمة به.
والصلاة والسلام علي الذي بُعث في الأمة رسولاً منها، يتلو عليها، آيات الله، ويزكيها، ويعلمها الكتاب والحكمة، ويضع عنها إِصرها والأغلال التي كانت عليها، يشهد عليها، ويصوب مسارها لتتحقق لها صفة الخيرية، وتتأهل بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم عليها، لتكون شهيدة على الناس إلى قيام الساعة، فهي أمة القيادة بما أورثها الله من الكتاب، واصطفاها له، لأنها وحدها التي تمتلك الإمكان الحضاري، إمكان التصويب، بما اختصت من قيم السماء الصحيحة، وتمتلك الشهادة على الناس، ولهم، بما تحقق لها من شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}
…
(الحج: 78) .
وبعد:
فهذا كتاب الأمة الحادي والأربعون: ((فقه تغيير المنكر)) للدكتور محمود توفيق محمد سعد، الأستاذ في جامعة الأزهر، في سلسلة كتاب الأمة، التي يصدرها مركز البحوث والدراسات، بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر، مساهمة منه في استرداد شخصية المسلم المعاصر المتوازن الذي يعيش التوحيد الحقيقي والانسجام العملي، بين معارف وهدايات الوحي المعصوم في الكتاب والسنة، ومدارك ومكتسبات العقل، أو بين صحيح المنقول، وصريح المعقول، كما يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله ويتخلص من الثنائية وألوان الشرك الذي يؤدي إلى الانشطار الثقافي والمعرفي، الذي كان ولا يزال وراء التمزق والضلال الثقافي، للوصول إلى إعادة إخراج الأمة المسلمة، وتحقيق شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم عليها، وبناء خيريتها، لتكون مؤهلة للشهادة على الناس والقيادة لهم، هذه الخيرية التي تجيء ثمرة لتكليف، ومجاهدة، ومعاناة، وتضحيات في سبيل التصويب والمناصحة، التي تحققها حسبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لتقويم سلوك المجتمع المسلم بشرع الله، وحمل الرحمة للإنسانية جمعاء، وإيقاف تسلط الإنسان على الإنسان الذي هو مصدر الشر
والشرك في العالم، وتأمين حرية الإنسان في الاختيار، وتحقيق عبوديته لله، وتحريره من سائر العبوديات، وفي ذلك استرداد لإنسانيته، وتحقيق لكرامته، التي تميزه عن سائر المخلوقات.