الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تغيير المنكر باليد: أحواله وآدابه
هذا التغيير غير مقصورٍ على طائفة من الناس، يكون لها أو عليها دون غيرها، بل هو عام يختلف مناطه ودرجته باختلاف أمور عدة أهمها:
- علاقة من يقوم بالتغيير، بمن يقع منه المنكر.
- نوع المنكر المراد تغييره ومناخات وقوعه.
وبيان هذا: أن علاقة المغيِّر، بمن وقع منه المنكر على واحد من خمسة أحوال:
1-
أن يكون للمغيِّر ولاية خاصة على ذي المنكر، كولاية الوالد على ولده، والزوج على زوجته.
2-
أن يكون للمغيِّر ولاية عامة على ذي المنكر، كولاية السلطان على رعيته وأمته.
3-
إلا يكون لأي من المغيِر وذي المنكر ولاية عامة أو خاصة، كما بين أفراد الرعية.
4-
أن يكون لذي المنكر ولاية خاصة على من يقوم بالتغيير، كأن يكون ذو المنكر والد المغير، أو زوجها.
5-
أن يكون لذي المنكر ولاية عامة على المغيِر، كولاية السلطان الواقع في المنكر على رعيته التي تريد تغيير منكره.
هذه خمسة أحوال يختلف حكم التغيير باليد باختلافها، وباختلاف المنكر.
نفسه وظروفه. على أن التغيير باليد غير محصور في القوة، التي هي استخدام السيف، وما شاكله، أو الضرب وما ضارعه، فإن التغيير باليد ذو صور ومراحل عديدة.
من ذلك استخدام اليد في إفساد آلات المنكر، أو إذهاب عين المنكر، كتحطيم أدوات شرب الخمر وإراقتها، وتهديم حاناتها، إذا لم تكن تصلح إلا لذلك، أو غلق الطرق المؤدية إليها، أو قطع المياه وأدوات الإنارة عنها، وكذلك إفساد آلات الغناء الماجن المحرم، وأدوات تصوير المنكر أو طبعه أو نشره في الناس، وإفساد أماكن بيعه وتوزيعه، إذا لم تكن تلك الأماكن صالحة إلا لذلك.. إلخ.
كل هذا وكثير مثله يدخل في التغيير باليد، وهو ليس من استخدام السيف المؤدي إلى إراقة دم، أو إزهاق روح.
· الحالة الأولى: أن يكو للمغيِر ولاية خاصة على ذي المنكر، كولاية الوالد على ولده، والزوج على زوجته.
أساس الحكم في هذا، قوله صلى الله عليه وسلم: «كُلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته.
قال: حسبت أن قد قال: والرجل راعٍ في ماله أبيه، ومسؤول عن رعيته وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته» (متفق عليه، والنص لمسلم) .
فعلى الوالد والزوج وما ضارعهما تغيير المنكر الواقع، ممن هو تحت ولايتهما بيده، وفقاً لما يتناسب مع هذا المنكر، من صور التغيير باليد، فقد يكفي في تغييره إفساد آلته دون اللجوء إلى ما هو فوق ذلك، فكل صورة من صور التغيير تقوم بحق التغيير لا ينتقل إلى ما فوقها.
والوالد والزوج وما ضارعهما، له حق التغيير بكل صور التغيير باليد، دون الحدود، أو ما فيه إزهاق روح، أو إراقة دم، فذلك للإمام بحقه الذي شرعه الله عز وعلا.
· الحالة الثانية: أن يكون للمغيِّر ولاية عامة على ذي المنكر، كولاية السلطان على رعيته، فإن لهذا المغير، أو عليه تغيير منكر رعيته باليد، بكل صور التغيير باليد، تغييراً لا يبقي منه ولا يذر، فيكسر آلات المنكر، أو يزيل عينه أو ما يقوم به، ويتخذ كل ما يحقق له القيام بهذا الغرض قياماً خالصاً تاماً لله، وليس انتصاراً لسلطانه فإن قاومه ذو المنكر وأعوانه، أخذ على يديهم بما يتناسب مع مقاومتهم، وما يبديها، ولو أدى إلى قتل من قاوم، إن لم يكن من القتل بدَّ.
العجز عن تغيير المنكر باليد، إذا كان لا بد منه، لا يتأتى مع حال ولي الأمر، إن كان صادقاً مع الله تعالى.
ولا يدخل في هذا التغيير باليد العلماء، الذين لم تكن لهم نيابة من الوالي، إذا كان الوالي مقيماً شرع الله تعالى، فولاية العالم في رعاية الوالي المسلم، إنما هي ولاية تعليم، ونصح، وفتوى، وليست ولاية تنفيذ.
أما إن كان الولي الأعلى لا يقيم شرع في حكمه، ويأبى تغيير المنكر، أو يقر أهله عليه، أو يزعم أن ذلك من الحقوق الشخصية المكفولة لهم، بما شرعه هو أو بطانته، أو بما نص عليه، ما يسمى بحقوق الإنسان العالمية، أو كان لا يعترف بأنَّ هذا منكر يجب تغييره، من بعد أن بينَّه له العلماء بياناً شافياً، لا يتوقف معه من كان غير ذي هوى، فإنَّ للعلماء بل عليهم فريضة أن يتحدوا وأن يغيروا المنكر، بأيديهم، دون البلوغ به حد إزهاق روح، أو إراقة دم، فإن خافوا فتنة بهذا أضر بالأمة من هذا المنكر، فإنهم أهل الحكمة، يقدرون الأمور بمقاديرها، ويقدمون الأهم على غيره.
وقد كان ((ابن تيمية)) يغير المنكر، هو وأعوانه بيديه ـ كما يحكي ((ابن كثير)) في أحداث عام (669هـ) ـ فقد كسر آنية الخمر في الحانات، ومزق أوعيتها، وأوراقها، وفرح الناس بذلك.
ولولا أن السلطان في عصره، لم يكن يقيم الشرع، ويغير المنكر، ما كان لابن تيمية الفقيه أن يعتدي على حقه، وهو العليم بذلك الحق.
فلإمام العلماء في مثل هذا، أن يقيم تغيير المنكر، حين يتخلى الوالي عن حقه، ويهدر حق الشرع. وليس للعامة أن تفعل ذلك، إلا بمعونة العلماء وفتواهم، وتحت إرادتهم الراشدة الحكيمة.
· الحالة الثالثة: إلا يكون لأي من المغَيِر، وذي المنكر ولاية عامة أو خاصة على الآخر، كما بين أفراد الرعية.
هذه الحالة ذات شقين:
- أن يكون ولي الأمر الأعلى يقيم شرع الله وينكر المنكر ويغيره حين يعلم به.
- ألا يكون كذلك.
إن كان يقيم الشرع، ويغير المنكر، فليس للعامة أن تغير المنكر الواقع، ممن ليس لهم عليه ولاية، تغييراً باليد، بل عليهم إبلاغ ولي الأمر، أو نوابه، ومن أقامهم لذلك، وهم يتولون ذلك، فإن طلبوا معاونة العامة، فقد وجب عليهم تقديم العون لهم وفق مطلوبهم وتحت إمارتهم.
وأما إن كان الولي لا يقيم شرع الله ولا يغير المنكر، بل يجعله من الحقوق المكفولة، بما شرعه هو أو بطانته من قوانين، فعلى العامة اللجوء إلى أئمة العلماء، ورفع الأمر إليهم للتصدي للسلطان، وحمله على تغيير المنكر، وإلا قاموا هم به، وعلى العامة حينذاك مناصرة العلماء، وتأييدهم وحمايتهم، فإن العلماء إذا ما وجدوا عوناً من العامة، قاموا في وجه السلطان، الذي لا يقيم شرع الله تعالى بما يحمله على العدل.. والسلطان إذا ما علم أن الأمة من خلف علمائها خضع للحق الذي يدعو إليه العلماء، وتريده العامة، فإنَّ السلطان الطاغية لا يشتهي شيئاً كمثل اشتهاء إهانة العلماء وإذلالهم، وتحطيم منزلتهم في قلوب العامة.
· الحالة الرابعة: أن يكون لذي المنكر ولاية خاصة على من يقوم بتغيير منكره، كأن يكون ذو المنكر والد المغيِّر أو زوجها، فإن كان كذلك فتغيير المنكر باليد حينئذ يرجع إلى نوع المنكر ودرجته، فثَمَّ منكر يغير باليد، دون أن يلحق صاحب المنكر إيذاء في نفسه، فللولد، والزوجة في مثل هذا، تغيير المنكر باليد، إذا لم يترتب على ذلك ما هو أشدَّ ضرراً.
وللولد أن يمنع أباه والزوجة زوجها من الإقدام على ما يتعلق به حق الآخرين، كمثل قتل أو سرقة أو إحراق مال
…
فذلك مما لا يحتمل تأخيراً في تغييره بالصد عنه.
فإن كان المنكر كفراً بواحاً فليرفعه إلى السلطان المقيم شرع الله تعالى، ليغيره بما يستحق.
فتغيير المنكر باليد ممن هو تحت ولاية ذي المنكر، إنما يجب عليه حين لا يكون غيره أهلاً للقيام به أو كانت الملابسات لا تسمح باللجوء إلى آخرين للقيام بذلك. فإن كان فيمن حولهم، من يكون أهلاً للقيام بذلك حق قيامه، فالأولى أن يلجأ الولد إليهم لتغيير منكر والده بما يستحق، وكذلك الزوجة.
ويذهب الإمام الغزالي ـ رحمه الله تعالى ـ إلى أن للولد مع والده الواقع في المنكر، أن يغيره بالمنع، بالقهر، بطريق المباشرة، ((بأن يكسر مثلاً عوده، ويريق خمره، ويحل الخيوط من ثيابه المنسوجة من الحرير، ويرد إلى الملاك، ما يجده في بيته من المال الحرام الذي غصبه أو سرقه، أو أخذه عن إدرار رزق من ضريبة المسلمين إذا كان صاحبه معيَّناً، ويبطل الصور المنقوشة على حيطانه، والمنقورة في خشب بيته، ويكسر أوان الذهب والفضة، فإنَّ فعله في هذه الأمور ليس يتعلق بذات الأب، بخلاف الضرب والسب، ولكن الوالد يتأذى به ويسخط بسببه إلا أنَّ فعل الولد حق وسخط الأب منشؤه حبه للباطل وللحرام، والأظهر في القياس أنه يثبت للولد ذلك بل يلزمه أن يفعل ذلك)) .
وما نقوله إنما هو في حال ارتكاب المنكر، أو الإعداد له، أما إذا كان المنكر قد وقع فإن أمر صاحبه يرفع إلى السلطان، ليقضي فيه بالحق، وهذا أصل في جميع الأحوال، إن المنع حق عام ولكن العقوبة حق السلطان.
· الحالة الخامسة: أن يكون ذو المنكر ذا ولاية عامة على من يقوم بتغيير منكره، كأن يكون ذو المنكر هو السلطان، وولي الأمر الأعلى.
إن كان منكره منكراً خاصاً لا يتعلق بحق الرعية، فإن كان يفعله سراً فلمن يراه أن يغيره، بما يستطيع، إذا لم يترتب على تغييره منكر أشد منه، وأشنع، وليس له الاعتداء على السلطان بدفع، أو إيثاق، أو حبس، أو ضرب، وليس له إفشاء هذا السر في الناس، حتى يبقى للسلطان في قلوب العامة هيبة، ما دام مسلماً.
وإن كان منكره مما يجهر به، فعلى علماء الأمة تعريفه وتعليمه، ليكف ما دام مسلماً يقيم الصلاة، ثم منعه منه، وعلى العامة مناصرة العلماء، دون إحداث فتنة أشنع من منكره، الذي يجاهر به، ما دام هذا المنكر ليس كفراً بواحاً.
وإن كان منكر السلطان متعلقاً بحق رعيته، كفرض مكوس وضرائب ظالمة تنفق فيما لا تنفع المسلمين والرعية، أو كإشاعة الفسق، أو مناصرة الطغاة من رعيته، واحتجابه عن المظلومين من رعيته، فعلى العلماء القيام أولاً بتعريفه الحق ونصحه، فإن لم يفعل، ومكث على ذلك، سعى العلماء إلى منعه من ذلك، باتحادهم، والتصدي له، وحشد العامة حولهم، حتى يرتدع خوفاً على سلطانه، وليس لهم الخروج عليه بالسيف، ما دام يعلن إسلامه ويقيم الصلاة، فإنه وإن كان ظالماً فاسقاً، فإنه مسلم، وفي الخروج عليه بالسيف فتنة أشد وأنكى من منكره، لأن في الخروج عليه بالسيف تهديماً لهيبة الأمة، في عيون وقلوب أعدائها من الكافرين، وعلى العلماء السعي إلى عزله، بطريق غير طريق السيف.
ولا سيما أن تغيير وعزل الولاة في زماننا له طرق أخرى غير طريق السيف،
وإذا كان المنكر الواقع من السلطان متعلقاً بإقامة شرع الله تعالى، والحكم بما أنزل الله، فإمَّا أن يعلن أن شرع الله هو الحق المطلق، الكفيل بتحقيق العدالة في الأمة، وأنَّ الإسلام كتاباً وسنة، في هديه حل لكل ما تعانيه الأمة، إلا أنه برغم من ذلك يأخذ من غيره لأسباب ظاهرة أو باطنة، كأن يكون في تركه شرع الله تعلى تحقيق مصالحه الخاصة الدنيوية، أو يكون ضعيفاً خواراً أمام قوة داخلية، أو خارجية، سعت إلى تنصيبه والياً، فلا يستطيع مخالفة أمرها، لقدرتها على التخلص منه بطرق عديدة، فإن مثل هذا السلطان ظالم، فاسق، كفره لا يخرجه عن الإسلام، ومن ثمَّ لا يجوز الخروج عليه بالسيف، بل يسعى العلماء إلى مناصحته، ومكاشفته، وتبيان الحق له، بما لا يدع شبهة، فإن أناب وأصلح، نوصر وعزّر، وإلا سعى العلماء والصالحون إلى قيادة الأمة، لعزله بالحسنى، التي لا تزهق فيها روح أو يراق دم.
أما إن أعلن السلطان معارضته للشرع، وتصديه لما أنزل الله، ويرى أن فيما يحكم به صلاح الأمة، وأن ما حكمت به الأمة في صدر الإسلام، وما بعده، لا يتوافق مع واقع الأمة في هذا العصر، في شؤونها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولا سيما السياسية الدولية، فإن مثل هذا كافر كفراً صريحاً، لأن من يزعم أن ما أنزل الله تعالى: كتاباً وسنة، لا يصلح لكل زمان ومكان، ويصلحهما بهديه، قد أنكر صريحاً من الدين، فيه برهان من الله ورسوله. فالقرآن كتاب الله تعالى الخالد هديُه للأمة، المبين لها شؤون حياتها حتى تقوم الساعة، لا تستقيم حياة الأمة في أي طور من أطوارها، وأي مناخ من مناخاتها إلا بهديه، ومن لم يؤمن بذلك، فقد كفر كفراً مخرجاً عن الملة، لأنه يعتقد بهذا أن الله عاجز عن أن ينزل ما فيه صلاح الأمة حتى قيام الساعة، أو يعتقد، أنَّ الأمة، بحاجة إلى كتاب ونبي جديد يتناغى ـ في زعمه- مع واقع الحياة المعاصرة، أو أن الله عجز عن علم ما فيه صلاح الأمة بعد خمسة عشر قرناً من نزول القرآن، فلم يودع فيه ما يهدي إلى صلاحها من بعد، وكل ذلك لا يتوقف عاقل في القول، بأن قائله فيه من الله برهان قاطع،
بأنه كافراً كفراً مخرجاً من الملة.
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء: 65) ، فإذا ما ثبت كفر السلطان كفراً مخرجاً من الملة، فقد وجب على الأمة الخروج عليه، ونزع يد الطاعة منه وعزله، ولو كان عزلاً بالسيف، فإذا كان لا بد من السيف فهو فريضة، لأنه ليس في الأمة أنكى وأنكر من أن يكون سلطانها كافراً بدينها، وليس لكافر على مسلم ولاية.
وتلك هي الحالة التي أبيح فيها للأمة بل فرض عليها الخروج على السلطان وعزله وإن كان بالسيف: حالة كفر السلطان كفراً صراحاً.
((عن يحيى بن حصين، عن جدته أم الحصين قال: سمعتها تقول: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، قالت: فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً كثيراً، ثم سمعته يقول: «إن أُمّر عليكم عبد مُجدع (حسبتها قالت: أسود) يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا» .
قوله: (يقودكم بكتاب الله) قيد بالغ في استحقاق السمع والطاعة، فإن قادهم بغيره فلا سمع ولا طاعة، وهذا ما يصرح به حديث آخر: ((عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» .
وفي حديث آخر: «لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف» .
وعن جنادة بن أمية قال: ((دخلنا على عبادة بن الصامت، وهو مريض فقلنا: حدثنا ـ أصلحك الله ـ بحديث ينفع الله به سمعتَهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
وقد صرح صلى الله عليه وسلم بالنهي عن قتال الأئمة الظالمين إذا ما صلوا: عن أم سلمة ـ زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
بل جاء الأمر بنوع ولاية من يعرض عن حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ((عن عقبة بن مالك، قال:«بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية، فسلمت رجلا منهم سيفا، فلما انصرفنا ما رأيت مثل ما لامنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال ((أعجزتم إذ أمًّرت عليكم رجلاً فلم يمض لأمري الذي أمرتُ ونهيتُ عنه، أن تجعلوا مكانه آخر يمضي أمري الذي أمرت به أو نهيت عنه» .
فالإٍسلام يدعو إلى الحفاظ على وحدة الأمة المسلمة خلف وليّ أمرها، وإن كان عاصياً، وإن على الأمة أن تؤدي للولي حقه عليها، وتسأل الله تعالى الذي لها، وتصبر حتى تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحوض، وإن ضرب الإمام الظهر وأخذا المال، إلا أن يأمر الولي بمعصية، أو ينهى عن طاعة عن علم، أو يأتي من الأقوال أو الأفعال ما هو كفر صراح فيه من الله برهان، كترك صلاة وامتناع عن الحكم، بما أنزل الله تعالى، على النحو الذي ذكرنا، أومناصرة غير المسلمين وتنفيذ مخططاتهم في إذلال الأمة، أو الإرجاف في قومه بأن أمور العالم من حولها وتصريفها، إنما هي في يد دولة ما، غير مسلمة، لبث روح اليأس في قومه فيركعوا لأعدائها
…
إلخ تلك الأفاعيل الماحقة وجود الأمة المسلمة، وجود عزة ومنعة، فمثل ذلك لا يسع الأمة قط الصبر عليه، بل يجب عليها فريضة عين أن تنزع يد الطاعة منه، وأن تخلع بيعته، وأن تولي على المسلمين غيره منهم، يقودهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن لم يكن لها سبيل إلى تحقيق هذا إلا السيف، فإن السيف أهون من الحياة تحت ولاية مثل هذا السلطان، وإنَّ السيف حينذاك هو العدل،
الذي لا تقوم الحياة المسلمة إلا به.
وإذا ما كان هدي الإسلام فيما دون كفر الإمام، هو الصبر والسمع فيما لا معصية لله تعالى فيه، فإنَّ من هديه أيضاً السعي بالحسنى إلى تغييره واستبدال إمام صالح به، إذا كان إلى ذلك سبيل حسن، لا يراق فيه دماء. وعلى علماء الأمة بيان ذلك السبيل الحسن، والدعوة إليه ومناصرته بالحكمة والموعظة الحسنة.