المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بَطَنَ) : إنها أعمال القلب. وها أنا سأذكر بعضاً من ذلك - في السلوك الإسلامي القويم

[ابن الشوكاني]

الفصل: بَطَنَ) : إنها أعمال القلب. وها أنا سأذكر بعضاً من ذلك

بَطَنَ) : إنها أعمال القلب.

وها أنا سأذكر بعضاً من ذلك لتعلم وعورة تلك المسالك، وهي قسمان: قسمٌ في المأمور به: فمنه

‌النية

، وهي سنام الدين، وعليها تدور رحى الأعمال.

ومن

‌الإخلاص

، وهو العروة الوثقى في الخلاص.

ومنه التقوى واليقين، وهما أعظم شعائر المؤمنين.

ومنه الصبر والرضا، وهما المرهم النافع في التسليم للقضاء.

ومنه التوكل والتفويض، الذين هما راحة كل قلب مريض.

ومنه الزهد والقناعة، وهما أجل بضاعة.

ومنه سلامة الصدر والتواضع، وبهما يفتقد المرء أرفع المواضع.

والقسم الثاني في المنهي عنه، ومنه ضد هذه المذكورات، والحسد والكبر وإعجاب المرء بنفسه.

فهذه بعض الأمور الباطنة، وهي كثيرة لمن يتتبعها فأقول مستعينا بالله:

ص: 71

النية

أما النية ففيها صلاح الأعمال وبخرابها خراب الأعمال.

عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأةٍ يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) .

رواه البخاري ومسلم وغيرها قال النووي: أجمع المسلمون على عظم موقع هذا الحديث، وكثرة فوائده، وصحته.

ص: 72

قال الشافعي وآخرون: هو ثلث الإسلام. قال: وقال آخرون: هو ربع الإسلام. انتهى.

وهكذا ذكر الحافظ في الفتح وذكر الثلاثة الباقية منظمة وهي:

اترك الشّبهات وازْهدْ ودَعْ

ما ليس يغنيك واعملن بنيّة

انتهى.

وإذا تأملت في هذا الحديث علمت أنها تدور عليه جميع الأعمال التي تحتاج إلى النية، لا كما قال الشافعي إنه يدخل في سبعين باباً من الفقه.

وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يغزو جيش الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء من الارض خسف بأولهم وآخرهم؛ فقيل: يا رسول الله كيف يخسف

ص: 73

بأولهم وآخرهم وفيهم من ليس منهم فقال: إنهم يبعثون على قدر نياتهم) .

رواه البخاري ومسلم وغيرها.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما يبعث الناس على نياتهم) .

رواه ابن ماجه بإسناد حسن.

الإخلاص

وأما الإخلاص فهو ترك الرياء. فمن لم يخلص العمل لله فهو مأزور بعمله لا مأجور، وهو الشرك الأصغر. قال الله تعالى:(فَمَنْ كانَ يَرْجو لِقاءَ رَبِّهِ فَلَيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدا) . قال الماوردي: قال جميع أهل التأويل في تفسير هذه الآية: إن المعنى لا يرائي بعمله أحداً.

وقال تعالى: (وما أُمِروا إلاّ لِيَعْبُدوا اللهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدّينَ) .

وعن أبي الدرداء، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(الدنيا ملعونة ملعونٌ ما فيها إلاّ ما ابتغى به وجهُ الله) . رواه الطبراني.

وعن أبي الدرداء، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان، وجعل قلبه سليماً، ولسانه صادقاً، ونفسه مطمئنةَ مستقيمة) .

رواه أحمد والبيهقي، وفي إسناد أحمد احتمال.

ص: 74

وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه) .

رواه النسائي.

وعن أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكن قاتلت لأن يُقال جريء فقد قيل، ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار؛ ورجلٌ تعلم العلم وعلّمهُ وقرأ القرآن، فأُتي به فعرّفهُ نعمته فعرفها قال: فما عملت؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالمٌ، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل، اذهبوا به، فيسحب على وجهه حتى أُلقي في النار؛ ورجلٌ وسّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال، فأُتي به فعرّفه نعمهُ فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال:

ص: 75

ما تركت من سبيل يجب أن ينفق فيه إلا أنفقتُ فيها لك فيقال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جوادٌ فقد قيل، ثم أمر به فيسحب على وجهه حتى أُلقي في النار) .

رواه مسلم والنسائي والترمذي.

وعن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بشر هذه الامة بالسنا والدين والرفعة والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب) .

رواه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي.

وعن ابن عباس، رضي الله عنه قال: (قال رجل: يا رسول الله، إني أقف الموقف أُريد وجهَ الله وأريد أن ترى موطني فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً

ص: 76

حتى نزلت (فَمَنْ كانَ يَرْجُو لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَل عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ

ص: 77

أَحَداً) .

رواه الحاكم وصحح.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من سمّع الناس بعلمه سمّع اللهُُ به سامع خلقه يوم القيامة وصغره وحقَّره) .

رواه الطبراني والبيهقي.

وعن كعب بن مالك، عنه صلى الله عليه وآله وسلم:(من ابتغى العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء، أو تُقبل أفئدة الناس إليه فإلى النار) .

رواه الحاكم والبيهقي.

ص: 78

وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من سمّع سمّع اللهُ به، ومن يرائي يرائي الله به) .

رواه البخاري ومسلم.

وعن شداد بن أوس أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من صام فراءى فقد أشرك، ومن صلّى فراءى فقد أشرك، ومن تصدق فراءى فقد أشرك) .

رواه البيهقي.

وعن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى المسجد فوجد معاذاً عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (اليسير من الرياء شركٌ) .

رواه ابن ماجه والحاكم والبيهقي.

ص: 79

وعن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: إن (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله. قال: الرياء. يقول اللهُ عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً) .

رواه أحمد والبيهقي وابن أبي الدنيا.

وفي سماع محمود من أبيه اختلاف.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:(قال الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء، وهو للذي أشرك) .

رواه ابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي.

ص: 80

وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الإبقاء على العمل أشدُّ من العمل، وإن الرجل ليعمل العمل فيكتب لهُ صالحٌ معمولٌ به في السر يُضعف أجره سبعين ضعيفاً، فلا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ويعلنه فيكتب علانية فيمحى بضعف أجره كُله، ثم لا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس الثانية ويحب أن يذكر به ويحمد عليه فيمحى من العلانية ويكتب رياءً فاتقى الله امرؤٌ صان دينهُ، وإن الرياء شركٌ) .

رواه البيهقي.

وقد قيل إن موقوف؛ والأحاديث في المعنى كثيرة. وحسبك أن العالم والمقتول والمنفق ماله مع عدم الإخلاص أول من تسعر بهم النار.

ص: 81