الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُعَذَّبُونَ وَهُمْ عُرَاةٌ حَتَّى تَتَفَتَّتُ عِظَامُهُمْ، وَتَتَنَاثَرُ لُحُومُهُمْ» (3).
هذا العذاب كان مُوَجَّهًا ضد الطوائف المخالفة من المسيحيين فماذا كانوا يفعلون بالمسلمين؟؟
…
أشد وأنكى لا شك.
* * *
2 - دَوَاوِينُ التَّفْتِيشِ فِي البِلَادِ الإِسْلَامِيَّةِ:
ويبدو أن دواوين التفتيش هذه قد انتقلت إلى بقاع العالم الإسلامي، ليسلطها حكام مجرمون فجرة على شعوبهم. فقد ذكر لي شاهد عيان بعض أنواع التعذيب التي كانت تُنَفَّذُ في أحد البلدان الإسلامية ضد مجموعة من العلماء المجاهدين فقال:
«بَعْدَ يَوْمٍ مِنَ التَّعْذِيبِ الشَّدِيدِ سَاقَنَا الزَّبَانِيَةُ بِالسِّيَاطِ إِلَى زَنْزَانَاتِنَا، وَأَمَرَنَا الجَلَاّدُونَ أَنْ نَسْتَعِدَّ لِيَوْمٍ آخَرَ شَدِيدٍ
…
صَبَاحَ اليَوْمِ التَّالِي أَمَرَنَا الجَلَاّدُونَ أَنْ نَخْرُجَ فَوْرًا، كُنَّا نَسْتَجْمِعُ كُلَّ قُوَّتِنَا فِي أَقْدَامِنَا الوَاهِنَةِ هَرَبًا
(3)" محاكم التفتيش " للدكتور علي مظهر. نقلاً عن كتاب " التعصب والتسامح " للأستاذ محمد الغزالي. صفحات 311 - 318 باختصار.
مِنَ السِّيَاطِ التِي كَانَتْ تَنْزِلُ عَلَيْنَا مِنْ حَرَسٍ كَانَ عَدَدُهُمْ أَكْبَرَ مِنَّا.
وَأَخِيرًا أَوْقَفُونَا فِي سَهْلٍ صَحْرَاوِيٍّ، تَحَتَ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ اللَاّهِبَةِ، حَوْلَ كَوْمَةٍ مِنَ الفَحْمِ الجِيرِيِّ، كَانَ يَعْمَلُ الحَرَسُ جَاهِدِينَ لإِشْعَالِهِ، وَقُرْبَ النَّارِ مَصْلَبَةٌ خَشَبِيَّةٌ تَسْتَنِدُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَرْجُلٍ.
اِشْتَعَلَتْ كَوْمَةُ الفَحْمِ الحَجَرِيِّ حَتَّى اِحْمَرَّتْ، فَجْأَةً سَمِعْنَا شَتَائِمَ تَأْتِي مِنْ بَعِيدٍ، اِلْتَفَتْنَا فَوَجَدْنَا خَمْسَةً مِنَ الحَرَسِ يَقُودُونَ شَابًّا عَرَفَهُ بَعْضُنَا، كَانَ اسْمُهُ "جَاوِيدْ خَانْ إِمَامِي" أَحَدَ عُلَمَاءِ ذَلِكَ البَلَدِ.
اِمْتَلأَ الأُفُقُ بِنُبَاحِ كِلَابٍ مَجْنُونَةٍ، رَأَيْنَا عَشْرَةً مِنَ الحَرَسِ يَقُودُونَ كَلْبَيْنِ، يَبْلُغُ ارْتِفَاعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِتْرًا، عَلِمْنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمَا قَدْ حُرِمَا مِنَ الطَّعَامِ مُنْذُ يَوْمَيْنِ.
اِقْتَرَبَ الحَرَسُ بِالشَابِّ جَاوِيدْ مِنْ كَوْمَةِ النَّارِ الحَمْرَاءِ .. وَعُيُونُهُ مُغْمَضَةٌ بِحِزَامٍ سَمِيكٍ.
كُنَّا نَتَفَرَّجُ .. أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ سَجِينٍ، وَمَعَنَا أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنَ الحَرَسِ، مَعَهُمْ البَنَادِقُ وَالرَشَّاشَاتُ. فَجْأَةً اِقْتَرَبَ مِنَ الشَابِّ جَاوِيدْ عَشْرَةً مِنَ الحُرَّاسِ، أَجْلَسُوهُ عَلَى الأَرْضِ، وَوَضَعُوا فِي حُضْنِهِ مُثَلَّثًا خَشَبِيًّا، رَبَطُوهُ إِلَيْهِ رَبْطًا مُحْكَمًا، بِحَيْثُ يَبْقَى قَاعِدًا، لَا يَسْتَطِيعُ
أَنْ يَتَمَدَّدَ، ثُمَّ حَمَلُوهُ جَمِيعًا، وَأَجْلَسُوهُ عَلَى الجَمْرِ الأَحْمَرِ، فَصَرَخَ صَرْخَةً هَائِلَةً، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ.
سَقَطَ مِنَّا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِنَا مُغْمَى عَلَيْهِمْ .. كَانُوا يَصْرُخُونَ مُتَأَلِّمِينَ .. وَعَمَّتْ رَائِحَةُ شِوَاءِ لَحْمِ جَاوِيدْ المِنْطَقَةَ كُلَّهَا، وَمِنْ حُسْنِ حَظِّي أَنَّنِي بَكَيْتُ بُكَاءً مُرًّا. لَكِنَّنِي لَمْ أُصَبْ بِالإِغْمَاءِ .. لأَرَى بَقِيَّةَ القِصَّةِ التِي هِيَ أَفْظَعَ مِنْ أَوَّلِهَا.
حُمِلَ الشَابُّ، وَفُكَّتْ قُيُودُهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ وَعْيِهِ، وَصُلِبَ عَلَى المَصْلَبَةِ الخَشَبِيَّةِ، وَرُبِطَ بِهَا بِإِحْكَامٍ، وَاقْتَرَبَ الجَلَاّدُونَ بِالكَلْبَيْنِ الجَائِعَيْنِ، وَفَكُّوا القُيُودَ عَنْ أَفْوَاهِهِمَا، وَتَرَكُوهُمَا يَأْكُلَانِ لَحْمَ ظَهْرَ جَاوِيدْ المَشْوِيَّ. بَدَأْتُ أَشْعُرُ بِالاِنْهِيَارِ، وَجُنِنْتُ عِنْدَمَا سَمِعْتُ صَرْخَةً خَافِتَةً تَصْدُرُ عَنْ جَاوِيدْ .. إِنَّهُ لَازَالَ حَيًّا وَالكِلَابُ تَأْكُلُ لَحْمَهُ فَقَدْتُ وَعْيِي بَعْدَهَا ..
لَمْ أَفِقْ إِلَاّ وَأَنَا أَصْرُخُ فِي زِنْزَانَتِي كَالمَجْنُونِ .. دُونَ أَنْ أَشْعُرَ .. جَاوِيدْ. . جَاوِيدْ. . أَكَلَتْكَ الكِلَابُ يَا جَاوِيدْ
…
جَاوِيدْ
…
كَانَ إِخْوَانِي فِي الزِّنْزَانَةِ قََدْ رَبَطُونِي وَأَحَاطُوا رَأْسِي وَفَمِي بِالأَرْبِطَةِ حَتَّى لَا يَسْمَعَ الجَلَاّدُونَ صَوْتِي فَيَكُونَ مَصِيرِي كَمَصِيرِ جَاوِيدْ، أََوْ كَمَصِيرِ شَاهَانْ خَانِي الذِي أُصِيبَ بِالهِسْتِيرْيَا مِثْلِي، فَأَصْبَحَ
يَصْرُخُ جَاوِيدْ .. جَاوِيدْ .. فَأَخَذَهُ الجَلَاّدُونَ وَوَضَعُوا فَوْقَهُ نِصْفَ بِرْمِيلٍ مَمْلُوءٌ بِالرَّمْلِ، ثُمَّ سَحَبُوهُ عَلَى الأَسْلَاكِ الشَّائِكَةِ التِي رَبَطُوهَا صَفًّا أُفُقِيًّا، فَمَاتَ بَعْدَ أَنْ تَقَطَّعَ لَحْمُهُ أَلْفَ قِطْعَةٍ، وَهُوَ يَصْرُخُ: اللهُ أَكْبَرُ .. اللهُ أَكْبَرُ .. لَا بُدَّ أَنْ نَدُوسَكُمْ أَيَّهَا الظَّالِمُونَ.
وَأَخِيرًا أُغْمِيَ عَلَيَّ.
فَتَحْتُ عُيُونِي .. فُوجِئْتُ أَنَّنِي فِي أَحَدِ المَشَافِي، وَفُوجِئْتُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِسَفِيرِ بَلَدِي يَقِفُ فَوْقَ رَأْسِي، قَالَ لِي:«كَيْفَ حَالُكَ؟ .. يَبْدُو أَنَّكَ سَتُشْفَى إِنْ شَاءَ اللهُ. لَوْ لَمْ تَكُنْ غَرِيبًا عَنْ هَذِهِ البِلَادِ لَمَا اِسْتَطَعْتُ إِخْرَاجَكَ .. » فَاجَأَنِي سَائِلاً: «لَكِنْ بِاللهِ عَلَيْكَ، قُلْ لِي، مَنْ هُوَ هَذَا جَاوِيدْ الذِي كُنْتَ تَصْرُخُ بِاسْمِهِ؟» . أَخْبَرْتُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَامْتَقَعَ لَوْنُهُ حَتَّى خَشِيتُ أْنْ يُغْمَى عَلَيْهِ.
لَمْ نُكْمِلْ حَدِيثَنَا إِلَاّ وَالشُّرْطَةُ تَسْأَلُ عَنِّي .. اِقْتَرَبَ مِنْ سَرِيرِي ضَابِطُ بُولِيسٍ، وَسَلَّمَنِي أَمْرًا بِمُغَادَرَةِ البِلَادِ فَوْرًا. وَلَمْ تَنْجَحْ تَدَخُّلَاتِ السَّفِيرِ فِي ضَرُورَةِ إِبْقَائِي حَتَّى أُشْفَى، حَمَلُونِي وَوَضَعُونِي فِي بَاخِرَةٍ أَوْصَلَتْنِي إِلَى مِينَاءِ بَلَدِي، كُنْتُ بِثِيَابِ المُسْتَشْفَى، لَيْسَ مَعِي أَيَّ وَثِيقَةٍ تُثْبِتُ شَخْصِيَّتِي، اِتَّصَلْتُ بِأَهْلِي تِلِيفُونِيًّا، فَلَمَّا حَضَرُوا لَمْ يَعْرِفُونِي لأَوَّلِ وَهْلَةٍ، حَمَلُونِي إِلَى أَوَّلِ مَشْفَى، بَقِيتُ