الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
/70 أ/
…
ذكر من اسمه يعقوب
[947]
يعقوب بن سنقر بن عبد الله، أبو يوسف التركيُّ الإربليُّ.
ذكره الصاحب الوزير العالم أبو البركات المستوفي -رحمه الله تعالى- في كتابه، وقال: كن أولاد مماليك الفقير إلى الله تعالى أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين رضي الله عنه وكان أبو سنقر يلقَّب بالمعتمد.
ويعقوب ولده هذا: صبيٌّ ذكيّ له طبع صحيح في الشعر، غير أنَّه في أكثر شعره لا بل في أقلّه لا يكاد يقيم الإعراب والوزن؛ له أشعار كثيرة. وكان له مع صغره منزلةٌ من الفقير إلى الله تعالى أبي سعيد كوكبوري بن علي لم يعرف قدرها فيشكرها. وكان لا يواظب على خدمة بابه فحبسه مرارًا فلم يستقم فأخرجه وسافر إلى الموصل مرارًا فأقام فيها في درب المطربين بين لهوٍ وقصف، وشرب وغرف. يخرج من دار هذه إلى دار أختها.
ثم خرج عن الموصل فهو الآن بخلاف على ما كان عليه /70 ب/ بالموصل. وقال الشعر صغيرًا وكثر منه.
ثم قال: وأنشدني لنفسه بالموصل في سنة ستٍّ وتسعين وخمسمائة، وحلَّفته بالله أنَّها له فحلف على ذلك:[من الخفيف]
معشر الفاسقين إن حكم الصًّو
…
م عليكم فلا تطيعوه أمرا
قصروا ليله بلهوٍ وعزف
…
واستماع القيان سرًّا وجهرا
وإذا ما جرحتم الصوم بالبو
…
سِ تداووا بمرهم النَّيك سرًا
وأنشدني -رحمه الله تعالى- قال: أنشدني يعقوب بن سنقر لنفسه:
[من الكامل]
طافت عليك وخصرها معقود
…
هيفاء فاتنةُ الشَّمائل رود
بمدامة صاغ المزاج لرأسها
…
تاجًا عليه من الحباب عقود
بالغ بها ما تقتني وتجاف أن
…
يلهيك عن تحصيلها تفنيد
واعدل إليَّ بكأسها في روضة
…
للطير في أغصانها تغريد
مصقولة رقم الرَّبيع طرازها
…
بيد الحيا فجمانها منضود
ورياضها مخضلَّةٌ وغصونها
…
سكرى وظلُّ رواقها ممدود
/171 أ/ وأقاحها بهج النَّبات وللحيا
…
بالسُّحب في خدِّ الثرى أخدود
وكأنَّ ما وشَّته صنعاء الحيا
…
حبرٌ لها زهر الرِّياض برود
واللَّيل معتلُّ النَّسيم سقيمه
…
والسُّحب تبخل تارةً وتجود
وترى الثُّريَّا في السَّماءَ كأنَّها
…
لمَّا هوت لغروبها عنقود
والبدر خفَّ به النُّجوم كأنَّه
…
قاضٍ يؤمُّ بهم وهنَّ شهود
وأنشدني، قال: أنشدني يعقوب بن سنقر التركي الإربلي لنفسه. وكان في السجن وقد بلغه قدوم أخيه يوسف: [من البسيط]
إن كان يعقوب أضحى بعد عشوته
…
يا صاحبيَّ بصيرًا كالَّذي زعموا
فإنَّني حين وافاني البشير بهم
…
قد كنت ميتًا فأحياني بشيرهم
وأنشدني أبو حامد سليمان بن جبرائيل بن محمد بن منعة الفقيه الشافعي الإربليّ بها –من لفظه وحفظه. /71 ب/ قال: أنشدني أبو يوسف يعقوب بن سنقر في قاضي إربل: [من الكامل]
يا قاضيًا سنَّ الضَّما
…
نَ لقد أسأت إلى الشَّريعة
لم لا تخاف من الإلـ
…
ـه كما تخاف من الرَّفيعة
[948]
يعقوب بن شجاع بن عليِّ بن إبراهيم بن محمَّد بن أبي زهران، أبو شجاعٍ الموصليَّ.
وقد مر شعر والده.
أخبرني أنَّه ولد ليلة الجمعة ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بالموصل. وتوفي بها جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة –رحمه الله تعالى-.
كان شابًا حسنًا من حفّاظ القرآن العزيز والمتفقهة، وقرأ من النحو صدرًا صالحًا. وكان من أهل التدين والخير، وينظم الأبيات من الشعر.
أنشدني لنفسه ما كتبه إلى نقيب العلويين مُحيي الدين أبي طاهر محمد بن حيدر بن محمد بن زيد بن عبيد الله الحسيني العلوي الموصلي –رحمه الله تعالى-:
[من الوافر]
/72 أ/ أيا مولاي محيي الدِّين بادر
…
إلى الوعد الكريم بلا فتور
فلست أفي بشكر نداك عفوًا
…
ولو عمِّرت إعمار النسور
وأنت ذخيرتي ما دمت حيًا
…
وإنك عدَّتي يوم النشور
وأنشدني لنفسه أيضًا ما كتبه إليه: [من مجزوء الرمل]
قلت لمَّا رَقَّ حالي
…
وجفاني من أوالي
ورماني الدَّهر قصدًا
…
بسهام ونبال
ودعتني رقَّةُ الحا
…
ل إلى ذُلِّ السُّؤال
لست إلَّا مستجيرًا
…
بك يا ربَّ المعالي
وأنشدني أيضًا لنفسه: [من السريع]
صروف هذا الدَّهر قد صوَّبت
…
سهامها نحوي فلم أجزع
لأنني معتمدٌ أن سطت
…
على إمام بطل أنزع
الفارس الكرَّار يوم الوغى
…
وصاحب الغوث إذا ما دعي
جدِّك يا محيي دين الهدى
…
وحامل الرَّاية في المجمع
[يا من إذا ما جئته راغبًا
…
رجعت والدُّنيا جميعًا معي]
[949]
يعقوب بن صابر بن بركات بن عمّار بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن حوثرة، أبو يوسف القرشيُّ، البغدادي المولد والمنشأ، الحرَّانيُّ الأصل، المنجنيقيُّ.
كانت ولادته –فيما أخبرني من لفظه- يوم الإثنين رابع المحرم سنة أربع وخمسين وخمسمائة. وتوفي ببغداد يوم الخميس بُعيد العصر السابق والعشرين من صفر سنة ستٍّ وعشرين وستمائة، ودفن يوم الجمعة غربيها بمقبرة الجديدة بباب المشهد المعروف بمشهد الإمام موسى بن جعفر –عليهما السلام.
كان جنديًا في ابتداء أمره مقدَّمًا على المنجنيقيين بمدينة السلام، ولم يزل مغرى بآداب السيف والقلم، وصناعة السلاح والرياضة. وغلب عليه اسمُ الجنديَّة واسم المنجنيقيَّة؛ لكون المنجنيق أعظم السلاح، واشتهر بهذه الفنون.
ولم يلحقه أحدٌ من أبناء زمانه في درايته وفهمه وحذقه لذلك. وأراني /73 أ/ كتابًا من تصنيفية. ترجمه بكتاب "عمدةُ المالك في سياسة الممالك" لم يتممه؛ وهو بديع في معناه، يتضمَّن أحوال الحروب وتعبئتها، وفتح الثغور، وبناء المعاقل وأحوال الفروسية والهندسة والصنائع والمصابرة والحصار، والمعاقل والأمصار، والرياضة الميدانية، والحيل الحربية، وأنواع العلاج بالسلاح، وعمل أداة الحرب والكفاح، وأحوال الخيل وصفتها. وقد قسَّم الكتاب ورتبه أبوابًا كُلّ باب يشتمل على فصول. وقد روى شيئًا من الحديث النبوي.
وكان اجتماعي بأبي يوسف ببغداد سنة أربع وعشرين وستمائة، فوجدته شيخا
هشًا، مليحًا لطيفًا، فكهًا متواضعًا، طيِّب المحاورة، شريف النفس، ذا تودُّدٍ وبشرٍ وسكون.
وكان –مع ذلك- شاعرًا مجوِّدًا في وقته، صاحب معانٍ مبتكرة، وألفاظ متخيرة، يُقصِّدُ الشعر ويصنعه ويشبِّبُ به، ويصف ويمدح، ويتصرَّف تصرَّف الشعراء المتقدِّمين، /73 ب/ ويذهب مذاهبهم في أقسام الشعر وأجناسه. وجمع من شعره كتابًا مختصرًا سمَّاهُ "مغاني المعاني".
ومدح الخلفاءَ فأحسن، وكانت له منزلةٌ لطيفة من الإمام الناصر لدين الله –رضوان الله عليه-.
ومما أنشدني –من لفظه وحفظه- وأملاه عليّ في غلام يسبح بدجلة وفي وسطه تبَّان أزرق: [من الكامل]
يا للرجال شكايتي من شكوة
…
أضحت تعانق من أحب وأعشق
حملت هوى كواي فهي بوصلة
…
تقفو ويبكيني الغرام فأغرق
ويغيرني التَّبان عند عناقه
…
أردافه فهو العدوُّ الأزرق
وأنشدني لنفسه في إنسان يُلقَّبُ الشمس وأبو يوسف كان يلقب بالنجم، فقال في ذلك وأحسن:[من الخفيف]
لقَّبوني بالنَّجم جهلًا كما بالشَّـ
…
ـس قد لقَّبوك من غير علم
فالَّذي يستضي بنورك يا شمـ
…
ـس كمن يهتدي السَّبيل بنجمي
/74 أ/ في ظلام هذا وذا في ضلالٍ
…
فكلانا كاسمٍ على غير جسم
وأنشدني لنفسه في الوزير نصير الدين أبي منصور ناصر بن مهدي العلويّ وكان يتقلَّد –يومئذ للناصر لدين الله أحمد- الوزارة: [من الطويلي
خليليَّ قولا للخليفة أحمد
…
توقَّ وقاك الله ما أنت صانع
وزيرك هذا بين أمرين فيهما
…
صنيعك يا خير البريَّة ضائع
لئن كان حقًا من سلالة حيدر
…
فهذا وزيرٌ في الخلافة طامع
وإن كان فيما يدَّعي غير صادق
…
فأضيع ما كانت لديه الصنائع
وحدَّثني، قال: خرجتُ إلى المحوَّل ونزلت بمستنزه عند صديق كنت آنس به وله غلامان أحدهما يلقب بالكوسج والآخر بالعوسج.
/74 ب/ قال: فرأيت منهما جفاءً وأذى، فلما انفصلت عنه ومضيت إلى منزلي وانقطعت عنه مدَّةً فأنفذ إليّ يستوحش لي ويحرضني على المضيّ إليه، فكتبت إليه أعاتبه بهذين البيتين:[من المتقارب]
جنانك يانعةٌ بالثِّمار
…
ولكن ينغِّصها العوسج
وبحر أياديك غمر النَّوال
…
ولكن يكدِّره الكوسج
وأنشدني من مقطعاته الغزلة الرقيقة: [من الكامل]
قبَّلت وجنته فمال بعطفه
…
خجلًا وماس بقدِّه الميَّاس
فانهلَّ من خدَّيه فوق عذاره
…
عرقٌ يحاكي الطَّلَّ فوق الآس
فكأنَّني استقطرت ورد خدوده
…
بتصاعد الزَّفرات من أنفاسي
وأنشدني لنفسه: [من الخفيف]
/75 أ/ قلت لمَّا صدَّت فلانةُ عنِّي
…
واصليني ولو بطيف الخيال
قالت الطَّيف فيه شبهة وصلٍ
…
من حلالٍ ولم أكن لحلال
وأنشدني لنفسه حين لقبوه بالنجم: [من الوافر]
وكنت سمعت أنَّ الجنَّ عند أسـ
…
ـتراق السَّمع تقذف بالنُّجوم
فلمَّا أن علوت وصرت نجمًا
…
رجمت بكلِّ شيطان رجيم
فلا تعجب لذا واعجب لحظٍ
…
يغيِّر حالة الوضع القديم
وأنشدني قوله: [من الطويل]
كلفت بعلم المنجنيق فلم أزل
…
أحث ركابي بين ناء وشاحط
وأقصد حيطان البلاد وهدمها
…
ونهب نواحيها ووهي المرابط
وعدت إلى نظم القريض لشقوتي
…
فلم أخل في الحالين من قصد حائط
وأنشدني لنفسه: [من الخفيف]
لا تكن واثقًا بمن كظم الغيـ
…
ـظَ اغتيالًا وخف غرار الغرور
فالظُّبا المرهفات اقطع ما كا
…
نت إذا غاض ماؤها في الصُّدور
وأنشدني قوله في رجل يعرف /75 ب/ بابن بشران. وكان كثير الأراجيف، فنهاه السلطان عن ذلك فانتقل وصار ينجّم، فقال أبو يوسف:[من الكامل]
إنَّ ابن بشران على علَّاته
…
من خيفة السُّلطان صار منجِّما
طبع المشوم على الخلاف فلم يطق
…
في الأرض إرجافًا فأرجف في السَّما
وقال أيضًا: [من المنسرح]
بدرٌ إذا ما استسرَّ اطلعه
…
من الغروب اللُّجين والغرب
أشرق إذا أشرق النُّضار له
…
فقلت ربِّي وربُّك الذَّهبُ
وقوله: [من المتقارب]
وجارية عبرت للطواف
…
وعبرتها جزعًا تدمع
فقلت ادخلي البيت لا تجزعي
…
ففيه الأمان لمن يجزع
سدانته لبني شيبة
…
فقالت: ومن شيبة أفزع
وقال أيضًا: [من السريع]
قد لبس الصُّوف لترك الصَّفا
…
مشايخ العصر للبس العصير
/76 أ/ الرَّقص والشَّاهد من شانهم
…
شرٌّ طويلٌ تحت ذيل قصير
وقال يمدح الإمام أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبا العباس أحمد بن الحسن –رضي الله عنه: [من البسيط]
ماضي العزيمة إذ تنبو السُّيوف وقد
…
تنبي معاصمه عن عاصمٍ حامي
في درعه ذكر بالذِّكر مدَّرعٌ
…
في كفِّه ذكرٌ في ذكره نامي
ردَّ الرُّدينية السُّمر الطِّوال إلى
…
الإقليم بالخطِّ من خط بأقلام
وذاد طولًا وعرضًا في تطوُّله
…
من عرفه عارضٌ من سيبه هامي
يهمي به الهام والآجال جائلةٌ
…
بحدِّ صمصامة في كفِّ صمصام
والبيض في البيض والأعناق معنقةٌ
…
والسُّمر قد حطمت في كلِّ حطَّام
والقلب منقلبٌ منهم بميسرة
…
مأسورة وجناح جانح دامي
فمنه إن أظلمت أرجاؤها قمرٌ
…
جلا محياه عن ظلم وإظلام
القلب والطَّرف ظلَّا منزلين له
…
والطرف والقلب في جهد وإيلام
/76 ب/ ومن شعره أيضًا، وقد أنشد بيتين ذكروا إنهما للقاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني وهما:[من الخفيف]
ألقني في لظى فإن غيَّرتني
…
فتيقَّن أن لست بالياقوت
شمل النسج كلَّ من جاك لكن
…
ليس داود فيه كالعنكبوت
فعمل أبو يوسف في جوابها هذه الأبيات على الوزن والقافية: [من الخفيف]
أيها المدَّعي الفخار دع الفخـ
…
ـر لذي الكبرياء والجبروت
نسج داود لم يفد ليلة الغا
…
رِ وكان الفخار للعنكبوت
وكذاك النَّعام يبتلع الجمـ
…
ـر وما الجمر للنَّعام بقوت
وبقاء السَّمند في لهب النَّا
…
رِ مُزيلٌ فضيلة الياقوت
وقال في غلام زامر: [من السريع]
وزامر بات نديمًا لنا
…
ما بين سكران ومخمور
تقتلنا الخمر ونحيا به
…
كأنَّه ينفخ في الصور
/77 أ/ وقال في غلام لابس قباء أصفر: [من الخفيف]
قلت لمَّا بدا لنا في قباء
…
أصفرٍ فاقع: لك الله واقي
عشقتك الثِّياب قال: أما تلـ
…
ـحظها في ملابس العشَّاق
قلت: هل صفرةٌ تكون مع الوصـ
…
ـل فقال: اصفرارها للفراق
وقال في غلام رآه يسرَّح شعره وقد علق مروده في خصلة من شعره والغلام يميل بوجهه إلى قبل أذنه ليخلص المرود: [من الخفيف].
علق القرط حين بلبل صدغيـ
…
ـه بداجٍ من فرعه كالليَّالي
فرأينا الدُّجى وقد سحب البد
…
رَ إليه من قرطه بهلال
وقال في غلام ثقيل الردف: [من مخلّع البسيط]
/77 ب/ يقعده في النُّهوض ردفٌ
…
قيامتي دونه تقوم
أفديه من مقعد مقيم
…
عندي به المقعد المقيم
وقال في غلام سكران: [من المتقارب]
أتى ثملًا قد أضلَّ الطَّريقا
…
يهزُّ من السُّكْر عطفًا رشيقا
وقد أخذت منه كأسُ المدام
…
فجارت عليه صبوحًا غبوقا
وقد غزلت نشوةً مقلتاه
…
فسلَّت من الجفن عضبًا ذليقا
وشقت سالفتيه السُّلاف
…
فصيَّرت الورد منه شقيقا
وبلبل صدغا على عارض
…
تشابه في الوصف مسكًا سحيقا
وقد أخجل الظَّبي لحظًا وجيدًا
…
وأربى على الكأس ثغرًا وريقا
وقد أسدل اللَّيل جلبابه
…
فأسبلت المزن غيثًا دفوقا
فقلت: هلمَّ إلى منزل
…
تجدني عليك حنينًا شفيقا
وكنت جديرًا خليقًا به
…
وكان بمثلي جديرًا خليقا
فبت أعاطيه كأس المدام
…
وارشف من شفتيه الرَّحيقا
إلى أن تناشت له نشوةٌ
…
سحيرًا أبى دونها أن يفيقا
/78 أ/ فعرَّيته من جلابيبه
…
فأشبه عريان غصنًا وريقا
والحفتة ثم جمَّشته
…
وكان لديَّ أسيرًا طليقا
وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل]
وافى الرَّبيع بورده
…
ووفى الحبيب بوعده
فأباحنا في وصله
…
وأراحنا من صدِّه
فاشرب على الوردين من
…
ورد الرياض وورده
من نرجس في طرفه
…
وبنفسج في خدِّه
وأنظر إلى الغصنين من
…
فدِّ الأراك وقدِّه
وإلى الأقاح وثغره
…
وإلى النَّسيم وندِّه
وإلى المدام وريق فيـ
…
ـه بخمره وبشهده
والجوُّ معتدل النَّسيـ
…
ـم ببانه وبرنده
والطَّير تشدو في الغصو
…
ن مع الصَّباح لوجده
والزَّهر قد لبس الصَّعيد
…
غلائلًا في برده
فغدا به المنثور ينـ
…
ـثر لؤلؤًا من عقده
/78 ب/ أهلًا به زمن الحيا
…
ة وبالحبيب وقصده
وبورده لو لم يكن
…
عهد الحبيب كعهده
وقال أيضًا: [من السريع]
من حرَّم الورد على الوارد
…
من ريق فيك العطر البارد
ورَّكب البدر على بانة
…
تميسُ في حقف نقًا هامد
أخضر في أحمر في أبيض
…
كالزَّهر في غصن به مائد
بمقلة في جفنها صارمٌ
…
محكَّمٌ في مهجة الواجد
ووجنة حمرتها من دم
…
تشهد بالقتل على الشَّاهد
يجحد قتلي وهو بي عارفٌ
…
أفديه من معترف جاحد
يا راقد اللَّيل هنيئًا به
…
ما السَّاهد الأجفان كالرَّاقد
إرث لباكي الجفن مستعبر
…
حيران ساهي مقلة ساهد
واعجب لعين منه تبكي دمًا
…
كيف جرى من مدمع جامد
هل لزمان الوصل من عودة
…
يحيا بقرب الزَّائر العائد
وليلة جاد بها الدَّهر لي
…
كم أخلف الوعد من الواعد
/79 أ/ بتُّ أعاطيه بها قهوةً
…
تشرق كالدِّينار للناقد
مدامة بالغثت فيها ولم
…
أصب إلى الطَّارف والتَّالد
وقال أيضًا: [من الكامل]
وافاك قبل تبلُّج الفجر
…
ثمل اللِّحاظ مبلبل الشَّعر
سهران قد غزلت لواحظه
…
فتكحَّلت بالغنج والسِّحر
نشوان مغتبقًا ومصطبحًا
…
يختال في طيٍّ وفي نشر
متأوِّدُ العطفين من هيفٍ
…
متجاذب الرِّدفين والخصر
قد كادت الصَّهباء تسلمه
…
فيكون ما يدري ولا يدري
فتنرجست ألحاظ مقلته
…
وتورَّدت خداه بالخمر
فتجشم التجميش من حذر
…
وقضت عليه الكأس بالسُّكر
وزها بنفسج عارضيه على
…
خدَّيه فوق شقائق حمر
وحكت ثناياه وريقته
…
نور الأقاحي في ندى القطر
فكأنَّما علق الرَّبيع به
…
فكساه جلبابًا من الزَّهر
وكأن ريحانا بعارضه
…
المنظوم من شعراته الخضر
/79 ب/ مددٌ نصرت على العذول به
…
وأقام خطُّ عذاره عذري
امسى يعاطيني المدام ومن
…
رشفات فيه وثغره سكري
فشربتها كالشَّمس من يده
…
ولثمت منه مقبَّل البدر
فكأنَّها أهدت إلى فمه
…
ما فيه من حبب ومن خمر
وكأنَّه منح المدامة ما
…
في فيه من درٍّ ومن درِّ
فتضوَّعَت كالزَّهر من عبقٍ
…
وتوقَّدت كالأنجم الزُّهر
نوريَّةٌ نوريَّةُ النَّشر
…
دُرِّيَّة داريَّة العطر
فطلت فأضحت في زجاجتها
…
شبحًا يجول بغامض الفكر
فتنكرت إذ لا مساس بها
…
وتعرَّفت بالعرف والنُّكر
[950]
يعقوب بن عبد الله، أبو يوسف الرُّومي الأصل، الكنديُّ المولى، الدمشقيُّ المنشأ.
ذكره الوزير الصاحب أبو البركات المستوفي –رضي الله عنه في تاريخه، وقال: أبو يوسف الكندي يعقوب بن عبد الله عتاقة أبي اليُمن زيد بن الحسن بن زيد النحوي. كان يدعى قبل ذلك ياقوتًا فسمَّى /80 أ/ نفسه يعقوب.
اشتغل على مولاه زيد بن الحسن الكندي وشهر به، ومنحه جُملةً من ماله كتبها باسمه.
شيخ طويل وافي الجُثَّة. ورد إربل رسولًا من الملك المعظَّم عيسى بن أبي بكر بن أيوب –صاحب دمشق- في يوم الأربعاء سابع عشر ذي الحجة سنة عشرين وستمائة، فأقام الفقير إلى الله تعالى أبو سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين بما يجب لمثله.
وكانت كتب إليَّ –قبل وروده بأيام قريبة- أبياتًا من شعره. كان فضله عليَّ فيها عظيمًا من غير معرفةٍ سابقةٍ.
سمع أبا الفرج عبد الرحمان بن علي بن الجوزي ومولاه أبا اليمن زيد بن الحسن النحوي وغيرهما، سمع عليه بدار الحديث المظفريَّة بإربل، وكان يحب ذلك.
قال: وحدَّثني من حضر جنازته، قال: توفي ببغداد في أواخر العشر الوسطى من رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة، ودفن بمقبرة أبي حنيفة –رضي الله عنه. هذا آخر كلامه.
ومن شعره، وأنشدنيه الشيخ أبو الخير بدل التبريزي المحدّث، قال: أنشدني أبو يوسف لنفسه من قصيدة أوَّلها: [من الخفيف]
/80 ب/ خلِّ عنها تغور غورًا ونجدًا
…
واهجرن في المسير لبنى وسعدى
وصل الوخد بالذَّميل فما تد
…
رِكُ سؤلًا ولا بسيرك وخدا
واحترز في مناسك الحجِّ واجعل
…
فرضها وصلة إلى الله نقدا
واقصد الكعبة الحرام وعفِّر
…
بتراب المقام أنفًا وخدَّا
واعتمد في فعالك الحقَّ واخلص
…
تجد الحقَّ قد أباحك خلدا
وأت قبر النبي خير نبيٍّ
…
فهو أسنى قصدٍ وأحرى وأجدى
"صلى الله عليه وسلم".
أيُّها الرَّائحُ المُشَمِّر تحدوه
…
ويحدو إثر الركائب وجدا
رحلت صحبه إلى الشَّام فاشتاق
…
واخفى من الغرام وأبدى
هجر الأهل والأحبَّة لمَّا
…
قصد الخالق الجواد الفردا
وترامى عن جلِّق وأتى الكسوة
…
والدَّمع قد كسا الخدَّ خدا
حار لمَّا رأى معالم حورا
…
ن وبصرى لمَّا تبصَّر رشدا
وسرى بعدها إلى المنهل الأز
…
رق والشوق قد تزايد جدَّا
[وتمادى منه إلى العمري العذ
…
ب فوافاه يفضل الثَّلج بردا]
عظم الأجر بالعظاميِّ لمَّا
…
جدَّ في قصده وأضحى مجدَّا
/18 أ/ وأتى مرو وهو أحلى من الشهـ
…
ـد وأزكى عذوبةً وأشدَّا
ثم وافى بسيطةً وبساط الشُّـ
…
ـوق تحدوه والركائب تحدى
وأتى نجر بعد حثٍّ من السَّيـ
…
ـر وقد زاد في التعطُّش وقدا
فرأى ماءه يزيد أوامًا
…
لم يسغه خلقٌ فولَّاه حمدا
ويتيمًا علَّل النَّفس بالرَّا
…
حة إذ ماؤها يزيل الجهد
وإلى نخلها ورُمَّانها اليا
…
نع كلٌّ بحسنه قد تحدَّى
وهي قصيجة طويلة، وهذا القدرُ منها كافٍ.
ومن شعره يمدح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: [من البسيط]
دع التَّصابي فقد غال الصِّبا غول
…
واعمل لأخراك فالدُّنيا أباطيل
وعدِّ عن غزل في وصف غانية
…
بعد المشيب كفى الإنذار تبديل
وامدح إذا رمت إدراك النَّجاة غدًا
…
وأخلص القول فالإخلاص مقبول
خير الأنام رسول الله من نزلت
…
عليه طاها وياسينٌ وتنزيل
وكان يأتيه بالوحي المنزَّه إذ
…
يغشاه عند نزول الوحي جبريل
[وخصَّه الله بالإسسراء معجزةٌ
…
فيها لمن شكَّ إرغامٌ وتذليل]
[951]
/81 ب/ يعقوب بن عبد الملك بن أبي الحسن بن عليٍّ الضرير، أبو يوسف الأسديُّ.
من أهل سنجار. زعم أنَّه من بني أسد بن خزيمة.
أخبرني أنَّه ولد في اليوم الرابع عشر من ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. كان قرائًا للقرآن العزيز واعضًا في الأعزية، ويقول الشعر ويمدح به الناس. وكان مفتوق اللسان طيّب الصوت حسن الحنجرة بالقراءة. وكان خبيثًا شريرًا قليل الدين ردي الطويّة.
وخبرتُ أنَّه كان يسرق الأشعار ويمتدح بها، وقتل بقرية من قُرى الموصل يقال لها "بارمون" قتله التتار –خذلهم الله تعالى- حين وصلوا إلى نواحي الموصل وانتهبوها وقتلوا منها عالمًا كثيرًا، وسبّوا الذراري، وساقوا المواشي، وأخذوا أموالًا جمَّة وذلك في شهر ذي الحجّة سنة إحدى وثلاثين وستمائة.
أنشدني لنفسه بإربل –وكان مقيمًا بالموصل- يمدحُ صاحبها بدر الدين /82 أ/ أبا الفضائل لؤلؤ بن عبد الله: [من الكامل]
ظعن الحبيب وشطَّ عنك مزاره
…
وتباعدت من قرب دارك داره
فإلى م تستر ما تجنُّ من الجوى
…
والصَّبْر منك تهتَّكت أستاره
يا ذا الَّذي أودى به سكر الهوى
…
ما آن أن ينفك عنك خماره
واهًا لذا الظَّبي الكُناسيِّ الذي
…
سلب الفؤاد فما يقرُّ قراره
الفاتن الفتَّاك أمَّا طرفه
…
فمخاتلٌ لمحبِّه سحَّاره
ظبيٌ له بهضاب وجرة مرتعٌ
…
لكنَّ قلبي المستهام وجاره
ولهي بأسمر فاتك بلحاظه
…
ما تنقضي لي في الهوى أسماره
رشًا تولَّى عاذلي في حُبِّه
…
لي عاذرًا لمَّا استتم عذاره
ما للهوى أدمي يطل وقاتلي
…
يبدو بصفحة خدِّه آثاره
يا صاحبي قف بالأثيل من الحمى
…
وذر الغوير تشبُّ دونك ناره
وانظر على زمن الرَّبيع إذا بدا
…
يختال فيه بسحبه آذاره
والنَّبت بين مكلَّلٍ ومكَمَّلٍ
…
ومجدول أنست به زوَّاره
والرَّوض بين معصفر ومزعفر
…
ومعنبر كملت به أزهاره
/82 ب/ والزَّهر مبتسم الثُّغور يعلُّه
…
أرج النَّسيم وشابه نوَّاره
والبان يبدي زهره متضوِّعًا
…
قد ناح بلبله وصاح هزاره
والماء بين ترقرق وتدفُّق
…
والدُّوح قد صدحت به أطياره
يحكي صفاء خلائق المولى ومن
…
نصر الورى يوم الوغى بتاره
الملك بدر الدِّين أعدل مالك
…
شرفت به وبعدله أمصاره
ملكٌ تعظَّم قدره ومحلُّه
…
وطريفه وتليده وفخاره
مشهورةٌ من فضله أيَّامه
…
مشكورةٌ من عدله آثاره
جادت يداه لنا بكلِّ فضيلة
…
حتَّى تجاوز حدَّه إكثاره
وأنالنا من ماله ونواله
…
مستبديًا من كل ما نختاره
ملكٌ له تعنو الملوك مهابةً
…
ويزين هيبته عليه وقاره
وتخاف شدَّةٌ بأسه ومراسه
…
كالموت يخشى حتفه ويواره
يا أيُّها المولى الَّذي نيروزه
…
زمن منير أشرقت أنواره
أولى وطالع سعده مستبشرٌ
…
بدوام ملك لا يفلُّ غراره
وافى الضَّرير إليك يطلب رسمه
…
يشكو إلى مولى النَّدى إضراره
/83 أ/ لمَّا تيمَّم نحو مالك رقِّه
…
فرحت بقصد عبيده سنجاره
فانعم به واسعد معافى سالمًا
…
ماكرَّ عصرًا ليله ونهاره
[952]
يعقوب بن محمَّد بن أبي الحسن بن عيسى بن درباسٍ، أبو يوسف الموصلي.
قال الوزير الصاحب أبو البركات المبارك بن أحمد المستوفي –رضي الله عنه في تاريخ إربل: وُلد أبو يوسف بالعمادية، ونشأ بالموصل ويكتب في نسبه الهذباني.
وكان أبوه من الناقلة إليها فأصله من قرية من قرى إربل تدعى رشدة. وأكثر أهله إلى الآن بها. وانتقل عمُّه عيسى بن أبي الحسن إلى الجزيرة العمريَّة، فحظى عند صاحبها، وأقام أبوه بالموصل جنديًا. وكان ديَّانًا صالحًا إلى أن توفي بها.
وكان أبو يوسف انقطع إلى شيخنا أبي الحرم مكي بن ريّان الماكسي –رحمه الله تعالى- فقرأ عليه القرآن، وأخذ عنه النحو واللغة. وكان أبوه ذا مال، وكان يحبّ منه أن لا يتعرض بالجنديَّة، وأن يقيم على الاشتغال بالعلم فأبى ذلك /83 ب/ وخدم الأتابك عزَّ الدين أبا المظفَّر مسعود بن مودود زنكي مدةً يسيرة، ثم فارقه ووقع عند الإنتقال من الموصل والضرب في الأصل لطلب الرزق فكره منه ذلك أبوه وأصدقاؤه فغلب على آرائهم، فسافر عن الموصل وهو مختل الحال فاتصل بالأمير الكبير أبي منصور جركس بن عبد الله –رحمه الله تعالى- فوجده يقرأ طيبًا. ووصف له فضله فاختصَّه بخدمته، وأقام عنده وأثرى وحسنت حاله وصار ذا مالٍ كثير على ما كى عنه، وصار له بطريقة عند الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمدً بن أيوب بن شاذي –رحمه الله تعالى- ووزيره ابن شكر المنزلة الرفيعة.
ثم توفي جركس في سنة ثمان وستمائة، فكتب إليّ أنَّه انقطع إلى ولده. وعمل على الوفاء لوالده، وأنَّ الملك العادل شرفه وأحسن إليه وردَّه مع ولد جركس إلى بلاده؛ فهو الآن مقيم بها حاكم في أعمالها، سلَّم غليه أمرُ صاحبها.
كان الجامع بيني وبينه بالموصل /84 أ/ مجلس شيخنا أبي الحرم –رحمه الله تعالى- لأنَّه جوَّد القراءة عليه. تأكدت بيننا مودة واتصلت.
ثم قال: وأنشدني لنفسه: [من الطويل]
إذا ما اشتكت أفراسنا دلج السُّرى
…
وطيَّ الفيافي واعتساف الفدافد
ضمنَّا لها جودة الأمير فانثنت
…
تسير ولا تصغي لنشدان ناشد
ثم قال بعد أن أنشد هذين البيتين: ومتى دفعت في مثل هذا الكتاب إلى ذكر شيء من نحو ذلك وأشباهه فلا يجهل أنَّه لا يحسن ذكر مثله ولكن لا أجد وقت إثبات مثله.
ثم اتصل بالملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب بعد موت الملك العادل، وسلّم إليه أمر دولته وقلَّده حكمه في ولايته إلى أن توفي الملك المعظم عيسى فأقام على حاله في خدمة الملك الناصر صلاح الدين داود؛ هذا آخر كلامه.
ولما أخذت دمشق من الملك الناصر سافر أبو يوسف إلى مصر وتوفي بها.
[953]
يعقوب بن محمَّد بن عليِّ بن محمَّد بن عليٍّ أبو يوسف الشيباني الوزير المعروف بابن المجاور.
والمجاور هذا هو جدُّه أبوأمِّه.
وأبو يوسف كان والده من زنجان دخل دمشق وتديَّرَها وأولد بها.
وكانت ولادةُ أبي يوسف في أواخر سنة ثمان وستين وخمسمائة بدمشق، وتوفي بها في سنة ثلاث وأربعين وستمائة –رحمه الله تعالى- واستظهر القرآن العزيز، وسمع الحديث النبويّ بها على أبي المجد الفضل بن الحسين بن إبراهيم بن سلمان بن البانياسي جزء أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغسّاني.
ورحل مع خاله نجم الدين أبي الفتح يوسف بن الحسين بن المجاور الدمشقي إلى ديار مصر، فأقام بها زمانًا طويلًا فتأدّب بها، وتفقه وقرأ علم الفرائض والحساب. وكان ربما ناب خاله أبا الفتح في بعض الأعمال السلطانية. وكان بمصر بخير وحُسن حال ونعمة وافرة، ذا أمر نافذ وجاه بسيط واستوزره الملك الأشرف شاه أرمن /85 أ/ أبو الفتح موسى بن أبي بكر بن أيوب على خلاط وأعمال ما يقاربها من البلاد التي تحت حُكمه، واستقلّ في منصب الوزارة، وتقدّم عنده تقدُّمًا ما ناله أحدٌ من أبناء زمانه، وعلا أمره وحكمهُ في بلاده. فبقي كذلك مُدَّةً في أكمل جاهٍ وأوفى احترام.
ثم عزله عن وزارته وصرفه، فآثر أبو يوسف الإنفراد في منزله واختار الخلوة لنفسه، ورغب في العزلة والانقطاع إلى الله تعالى، والمحافظة على الصلوات الخمس والتمسك بأوامر الله ونواهيه، وغيَّر ملبوسه، وانقطع عن الناس في زاوية اتخذها لنفسه بسفح جبل قاسيون. وكان قد تضعضع حاله وبقي حلس بيته له من الدنيا ما يكفيه ويقوم بأوده.
شاهدته بظاهر دمشق بسفح جبل قاسيون يوم عيد النحر؛ وهو يوم الأربعاء في سنة تسع وثلاثين وستمائة؛ فرأيته شيخًا حسنًا لطيفًا هيوبًا متواضعًا عاقلًا رزينًا ذا وقار وسكون ونباهة وسمت؛ وله مع ذلك يد طولى في صناعتي النظم والنثر، ومعرفة بأخبار الناس /85 ب/ وأشعراهم، وما قالوه من منظومٍ ومنثور، ومعاني القرآن العزيز، والحديث والنحو والتصريف واللغة؛ مع مشاركته بالفقه والأصول والدب والتفسير، وحلِّ التراجم وفنون الصناعة الكُتَّابية.
وصنَّف كتابًا مفيدًا ممتعًا سمّاه "تحفة الوزراء" فيما يتعلق بأمور الوزارة وقوانينها وأسبابها وآداب الملوك والدول وما ينبغي أن يجب من القيام بها، ولم يبق علم من العلوم الدينيَّة والأدبيَّة إلَّا وأودعه فيه نبذةً فجاء الكتاب محررًا بحيث إذا سُئل عنه أجاب جوابًا شافيًا، يدخل في عشرة أجلاد.
وجلُّ أشعار خاله الوزير نجم الدين أبي الفتح يوسف بن الحسين بن المجاور يرويها عنه، وأنشدني كثيرًا من شعره، وأملاه عليّ وكتبته من لفظه، ومن أشعار خاله المذكور.
ومما أنشدني لنفسه وأملاه عليَّ يصف دمشق: [من الطويل]
سقى الغوطة الغنَّاء لطف غوانيها
…
فأغنى عن الأنواء ترب مغانيها
/86 أ/ ليسفر عن مثل الخدود شقيقها
…
وتفترَّ عن مثل الثغور أقاحيها
تطالعنا للزَّهر فيها نواظرٌ
…
ترقرق عبرات النَّدى في ماقيها
إذا رمدت بالشَّمس فالظِّلُّ كحلها
…
وإن أمرضتها الرِّيح فالطَّلُّ آسيها
تريك صدور الغيد مدَّت معاصمًا
…
إذا ما بدت أنهارها وسواقيها
ويحي موات اللَّهو نفحةُ سهمها
…
ويقتل عمدًا مهجةض الهمِّ واديها
تروق إذا عنَّت وغنَّت عيوننا
…
وأسماعنا أقمارها وقماريها
تخال أخضرار الرُّوض بين قصوره
…
زبر جدةً قدر صِّعت بلاليها
تأزَّر من خضر الدَّوالي بسندس
…
وتلبس بالإشراق وشيًا أعاليها
ترى كلَّ نهر تحت قصر كأنَّها
…
كماة نضت للروع بيض مواضيها
وتحسب بين الحور غدران مائها
…
جواشن ملقاةً خلال عواليها
فكم بركة تجلو الضُّحى إثر جدول
…
كما مدَّ بالكأس الرَّويَّة ساقيها
إذا ما علاها الزَّهر قلت طفا بها
…
حباب وإلَّا افترَّ فيها معاطيها
فقد شاهد الولدان في الخلد من رأى
…
وطوبى له أبناؤها في مبانيها
أحنُّ إلى قوم عرفت الهوى بهم
…
وأصبوا إلى أرض صحبت الصِّبا فيها
/86 ب/ وكم ليلة فيها قبسنا مسرَّةً
…
تزيد سناءً كلَّما اشتدَّ داجيها
بغانية عن منَّة الحلي عطَّلت
…
مواشطها واستخدمت عين رائيها
وقد سكنت نفسًا إلى حسن وجهها
…
فما سألت عنه عيون مرائيها
تريك قوام الغصن أورق ساجعًا
…
إذا ما شدت تتلو المثاني مثانيها
وقد نام كاليها ومات حسودها
…
وأقعد ساعيها وأخرس واشيها
بلادٌ على بعد المسافة لم أزل
…
بقلبي وفكري كلَّ وقت أوافيها
سقاها فروَّاها ولو غيره حلا
…
بفيَّ لما وفَّرته عن نواحيها
ولو لم أخذ إغراقها بأتيِّه
…
لقلت: ندى الملك العزيز يغاديها
أبي الفتح عثمان العزيز بن يوسف بـ
…
ـن أيُّوب أملاك الورى بعد شاذيها
مناسب ما ماء السَّماء بمدَّعٍ
…
صفاها ولا زهر النُّجوم تساميها
ولا لعقود الدُّرِّ صحَّةُ نظمها
…
وبهجة مرآها وحسن تواليها
على أنَّ مسعاه كفاه انتسابه
…
ألا إنَّ أسباب الملوك مساعيها
مليكٌ سرايا جوده وجنوده
…
غناءٌ لمرجيها عنى لمعاديها
فبالبيض أو بالصُّفر إن صال أو حبا
…
تحين منايا أنفس وأمانيها
/87 أ/ وذو همَّة لا يدَّعي الدَّهر حصرها
…
ولا عاصفات الرِّيح بعد مراميها
بنى من مساعيه سماءً نواله
…
سحائبها والمأثرات دراريها
وقام مقام الأرض عظمًا فكفُّه
…
ومن صدره بحَّارها وبراريها
نوال لو أن السُّحب سحّضت بمثله
…
لأغرق رضوى قطرةٌ من عزاليها
ومجدٌ لو أن الشُّمَّ تضمر مثله
…
لما سُيِّرت يوم المعاد رواسيها
وحكم لو الأقدار تجري بعدله
…
لما جار في حكم على الحّرِّ جاريها
هو القائد الجيش اللَّهام كما سرت
…
ركاب رُكام طَبَّق الأرض ساريها
إذا حلَّ أرضًا غصَّ بالسُّمر جوُّها
…
كما شرقت بالبيض منه فيافيها
ومهما سرت كادت لياليه هيبةً
…
وضيقًا به تنشقُّ عنه دياجيها
خميسٌ به سبت الطُّغاة كماته
…
أحدُّ قلوبًا في الوغى من مواضيها
إذا لمم النَّقع المثار تلبَّدت
…
فأرماحهم يوم الطِّعان مداريها
هو المورد القود الضَّوامر من دم
…
جداول شُقَّت بالسُّيوف مجاريها
وباعثها في النَّقع جردًا كما هوت
…
نجوم رجوم في ظلام دآديها
/87 ب/ إذا الدُّهم جالت في الصفوف وفي القنا
…
حكت حدقًا في هدبها وماقيها
وقطاع هامات الكماة بسيفه
…
إذا اختلفت عند النِّزال دواعيها
وناثرها بالضَّرب تحت رؤوسها
…
وناظمها بالطَّعن فوق تراقيها
لنشَّابه من النُّسور وخيله
…
قوادمها يوم الوغى وخوافيها
كما أنها عند النِّزال تكفَّلت
…
بإرواء صاديها وإشباع طاويها
ليهن زمانًا أنت فيه افتخاره
…
على سالف الأزمان طرًّا وآتيها
ويهن رعايا فوَّض الله أمرها
…
إليك فأضحى العدل منك يراعيها
ولم تبلغ الأعياد في القدر أنَّنَا
…
نهنِّي بها علياك لكن نهنِّيها
فلا برحت تلقاك في ظلِّ دولةٍ
…
يعزُّ على الأيَّام نزع أواخيها
وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الخفيف]
قلت إذ زار من هويت وروض اللَّـ
…
ـيل تبدي نجومه أزهارا
ملك الحبِّ زاره ملك الحسن
…
فزادا على الزَّمان اقتدارا
فافرش الورد أطلسًا حين يمشي
…
واجعلوا عسجد الكؤوس نثارا
واصرفوا حاجب الهلال فقد نـ
…
ـمّض بسرِّي إلى العيون سرارا
/88 أ/ واحبجوا قيصر الصَّباح وقولوا
…
لنجاشي اللَّيل كن برت دارا
وأنشدني لنفسه وقد حجَّ في سنة إحدى وستمائة يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: [من الكامل]
يا نفس ما صنعت بك الآثام
…
أو لم تعظك بمرِّها الأيَّام
أودى بذاك الصَّفو منك تكدُّرٌ
…
وغطى على ذاك الضِّياء ظلام
قد كنت في علويِّ عالمك الَّذي
…
نورٌ وخيرٌ كله وسلام
فنقلت بالتَّقصير عنه شقاوةٌ
…
أنَّى لتقصير هناك مقام
فوقعت في شرك المصائب والرَّدى
…
تنتابك الآفات والأسقام
ما كنت إلَّا التِّبر شيب خلاصه
…
فسبكت والشَّهوات فيك ضرَّام
فلئن خلصت لترجعنَّ سليمةً
…
يعتادك التنعيم والإنعام
طاب الكرى لك فاحتلمت وفي غد
…
يوم المعاد تعبَّر الأحلام
قد مهِّدت طرق النجاة وعبدت
…
وأقيم فيها للهدى أعلام
/88 ب/ ما زادها إلا التُّقى ومطيُّها
…
إلَّا صلاةٌ برَّةٌ وصيام
فتزوَّدي منه وسيري وتسعدي
…
سعدًا يقارنه لديك دوام
تلك السعادة لا يغير كونها
…
بنحوسه كيوان أو بهرام
ودعي تعاطي الشِّعر عنك فإنَّه
…
ما لم يفد دنيًا لعرضك ذام
إلَّا مديحًا للنبي وآله
…
فيه صلاةٌ لا تني وسلام
قومٌ هم سفن النَّجاة وحبُّهم
…
حقًا هو الإيمان والإسلام
قوم هم المقصود من خلق الورى
…
فهم المعاني والأنام كلام
قوم هم الزُّهر النُّجوم إذا غطى
…
نور البصائر للضَّلال ظلام
لأكلفَّنك قطع قفر قطعة
…
يذر الفنيق وما عليه سنام
في صائف تعلي لشدةَّ حره
…
وتجيش فيه بما حوته الهام
حصباؤه كالجمر تخطو فوقه
…
فتكاد أن تلهَّب الأقدام
وترى الضَّباب تلوب في جنباته
…
كبنات ماء شفهَّن أوام
(وإذا المطيُّ بنا بلغن محمَّداً
…
فظورهنَّ على الرَّجال حرام)
(قربننا من خير من وطئ الحصى
…
فلها علينا حرمة وذمام)
/89 أ/عندي لها إن صافحت ثفناتها
…
أكناف يثرب مسرح ومسام
وموارد زرق النَّطاف طوافح
…
بالبارد العذب الزُّلال جمام
ويقلُّ ذلك في جزاء صنيعها
…
ولقلَّما غمط الجميل كرام
وأنشدني لنفسه وقد قال هذه الأبيات في البيت بيت مكَّة – شرفَّها الله تعالى: [من الطويل]
قصارك عن غيِّ الشَّبيبة إقصار
…
فجعِّل فما الدُّنيا لذي فطرة دار
وسر نحو بيت الله مستغفراً لما
…
جنيت فإنَّ لله لذنب غفَّار
يوافيك في إغضائه لطف برِّه
…
ويغضي على عصيانه وهو جبَّار
رؤوف على من جاءه متنصَّلًا
…
ولكن على من حاده فهو قهَّار
قريب مجيب للدعاء وإن نأت
…
أو اختلفت فيه جهات وأخطار
فلا كثرة الدَّاعي يغلَّط سمعه
…
ولا ضاره من قول داعيه تكرار
إذا ما ألحَّ السَّائلون اجابهم
…
ولا يعتريه من محلِّيه إصحار
إلى كعبة سوداء في عين جاهل
…
وفي عين ذي اللبَّ المنوَّر أنوار
/89 ب/ يطوف بها في حندس اللَّيل دائمًا
…
رجال هدى شعث الملابس أبرار
رؤوسهم من خشية الله نكّسُّ
…
ودمعهم من فارط الذَّنب مدرار.
لأنفاسهم من شدَّة الوجد لاعج
…
تكاد تراءى منه للمبصر النَّار
وقبِّل يمين الله إن جئت ركنها
…
فما كلُّل صمّ في الحقيقة احجار
به أودع الرَّحمان ميثاق خلقه
…
فيشهد من منهم أثيم ومن بار
فكم حسنات رفِّعت كلًّ لحظة
…
لديه وحطت للمنيبين أوزار
وكم خالع ثوب المعاصي ولابس
…
لديه ثياب النسك فهو الخزندار
تبارك منشي الخلق من غير حاجة
…
يصرِّفهم منه قضاء واقدار
وأنشدني أيضًا لنفسه يرثي الملك العزيز عماد الدين أبا الفتح عثمان بن يوسف بن أيوب بن شاذي – صاحب الديار المصرية: [من الطويل]
أجل كلُّ خلق هالك وله أجل
…
وإن هو أملي في الحياة له الأمل
/90 أ/ فلا فرق ما بين الجهول وذي الحجى
…
لدى الموت والرَّ عديد ذي الجبن والبطل
ويستخرج الحيتان من قعر زاخر
…
ويستنزل الأوعال من شاهق الطَّلل
ليس بناء عنه ما طار فاعتلى
…
ولا مفلت منه الذي غار فاستفل
سيدرك حتَّى الحوت والثُّور في الثَّرى
…
ويصرع حتَّى النسر في الأفق والحمل
ولو لم يسوِّ الله في الموت خلقه
…
وجل عن التَّقدير والشَّرط ما عدل
تفردَّ من دون الخلائق بالبقا
…
وجلَّ جلالًا لن يزول ولم يزل
فمن قد أتى عمَّا قليل كمن مضى
…
تشاب في التُّرب الأواخر بالأول
لقد طاح بالملك العزيز حمامه
…
وكم ظن أن ما للحمام به قبل
واقفر منه الدست بعد امتلائه
…
إذا حل فيه بالمهابة والجذل
واقفر منه سرج أجرد سابح
…
يفوت وحيَّ البارقات على مهل
وعطَّل من كفيه سيف وذابل
…
فيا صدأ الهنديِّ يا ظمأ الأسل
وكانت لديه بين مرعى ومشرع
…
بها الريُّ من أعدائه ولها النَّهل
إذا أنت لم يعظم عليك مصابه
…
فقف في بلاد المشركين له وسل
لقد فتكت منَّا المنايا بماجد
…
جليل غدا من كلِّ معضلة أجل
/90 ب/ بأجرأ يوم الحرب قلبا من الرَّدى
…
وأنفع عام المحل كفًا من السًّبل
بأقرب للباغي جداه من الثَّرى
…
وأبعد للباغي معاليه من زحل
بألطف في الأرواح من عبق الرُّبى
…
وأحسن في الأبصار من حلية الكحل
بسهم ولكن جلَّ عن موقع الخطا
…
ورمحٍ ولكن جلَّ عن وصمة الخطل
بسيف ولكن يفضل السَّيف إنَّه
…
على طول ما يبري برئ من الفلل
بمن ليس في الدنيا وقد غدرت به
…
وقد أسلمته عنه من أهلها بدل
بمن كان حليا في ترائب دهره
…
ألا فليبوء الدَّهر من بعد بالعطل
بمن كان أما عرضه فموفَّر
…
مصون وأما ما حواه فمبتذل
بمن كان مهما أعجم الخط في الوغى
…
قرى السَّيد والعقبان ما بالظُّبا شكل
بمن كان يدعى حمزة الحرب راكبًا
…
ولكن إذا اشتدَّت جوارحها نزل
وهي أبيات كثيرة.
وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الوافر]
سأجعل للعلا أبدًا حنيني
…
وأسهر في تطلُّبها جفوني
وأطلع دونها صبح المواضي
…
إذا اسودَّت ليالي الخطب دوني
/91 أ/ فإمَّا أن تساعفني منائي
…
فأبلغ أو تصادفني منوني
فمثلي لا يقوم به قليل
…
ولا يرضى من الدُّنيا بدون
رهنت المجد لذَّاتي على [من]
…
يواصلني وقد غلبت رهوني
على سمر الرِّماح نجاح عزمي
…
وبيض الهند والخيل الصَّفون
إلى م وكم تسوِّفني اللَّيالي
…
وتمطلن من العليا ديوني
يقيني أن أذَّل وأن أحابي
…
وأن أعنو لمخلوق يقيني
سأنهض نهضة تدني الأماني
…
فلا يؤيسك من أمل سكوني
أأخمل والنَّباهة في لساني
…
واعجز والمهنَّد في يميني
وأنشدني لنفسه أيضًا في أمير مليح الصورة جوابًا عن رقعة وردت منه يعتبه على انقطاعه عنه – ويلقب شمس الدين-: [من الخفيف]
يا أميراً له الملاحة جند
…
وعليه من البهاء حجاب
/91 ب/ للحيا والحياء منه إذا لا
…
قاك روض مفوَّف وسحاب
فاز طرف رنا إليك وكف .... مدَّها للمنال منك طلاب
لا تلمني إذا غبتُ عنك فعذري
…
سافر الوجه ما عليه نقاب
أنت شمس الأنام حسنًا ونورًا
…
وقصادي الأمور أنِّي شهاب
وأنشدني لنفسه: [من مخلع البسيط]
مللت يا بدر مستقلَاّ
…
على الورى رتبة المعالي
فاخلد قرين الكمال فيها
…
فإنَّما البدر بالكمال
وأنشدني قوله ملغزًا في دولاب البستان وكتبها إلى شرف الدين أبي المحاسن محمد بن نصر بن عنين الشاعر الأديب الدمشقي: [من المنسرح]
ما ذو عيون يقوده أعمى
…
يطوف ولهان همه ألما
يئنُّ شوقًا ويستهل بكًا
…
يذيب من رقَّة له الصمَّا
/92 أ/ يضحى الندى ما علاه رباه كما
…
فرقت في السَّلك لؤلؤًا نظمًا
أضحك ثغر الحبيب في زمان الـ
…
محل وأبكى في مصره قدما
يدور في الأرض دائمًا فإذا
…
فتشته لم تجد له عزما
فسره يا سيدًا يفوق بما
…
الغز كل الورى وما عما
قال: فأجابني عنه بهذه الأبيات من قوله: [من المنسرح]
ياسيدًا ود كل ذي كرم
…
بأن أفعاله له إسما
أنت شهاب ونور فكرك قد
…
أضحى لشيطان خاطري رجما
البستني حلة بذكرك لي
…
أضحت سجاياك فوقها رقما
من بات جدوى يديك ناصره
…
لم يخض ظلمًا ولم يخف هضما
تسأل عن دائر حكى الفلك الأ
…
على إذا دار أطلع النَّجما
قائده إذ نأى فذو بصر
…
وهو إذا دار حوله أعمى
يبذل اعنده لنا فإذا
…
أكدى ضربنا سواءه ظلما
لازلت في نعمة مجدَّدة
…
ما نسخ الصُّبح آية الظَّلما
/92 ب/ وأنشدني في مصراعي باب يلغز بهما: [من الوافر]
ومملوكين روميين مهما
…
دخلت الدَّار قاما يخدماني
فيلتقيان بين يديَّ طورًا
…
وأحيانًا هما متقابلان
لكل منهما قد وخد
…
ووجه في الحسان وحاجبان
أمنتهما على أهلي ومالي
…
فما غدرا ولا نكثا أماني
وأنشدني من قصدية قالها في الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن أبي بكر بن أيوب – رحمه الله تعالى – وكان قد سير طلبه من أخيه الملك المعظم شرف الدين عيسى في سنة وثمان وستمائة، وأنشده إياها في نصيبين من بلاد الجزيرة:[من الطويل]
صرفت غرامًا في نهاي تصرفًا
…
وولَّيت لا أجفو ولا اشتكي الجفا
/93 أ/ فلا راق طرفي الردف برتج مفعمًا
…
ولا شاق قلبي العطف يعتز أهيفا
ولا عدت أهوى الجيد ما عشت أتلعًا
…
ولا الخدَّ محمرَّاً والجفن أوطفا
ولا اجتبت ثوب الخد أطلس أحمرا
…
ولو راح من نبت الغدار مفوفا
ولا اضطربت حولي حناش ذوائب
…
إذا ما تلوَّى القدُّ لدنا مهفهفا
ولا قلت للنَّدمان: خذها وعاطني
…
ولا للمدير أمزج إذا هو صرَّفا
رددت كؤوس الرَّاح عنّي لخجلة
…
وقد حثّها السَّاقي إليّ فأوجفا
عقار تريك الشّمس يعشي شعاها
…
وقد عمّم الأرض الظّلام فألفحا
إذا حثّها السّاقي غدا ورد خدّه
…
ونرجس عينيه من السّكر مضعفا
فلا راح كأس من بناني مقرّطًا
…
ولا لاح من كأس بناني مشنّفا
تركت الصّبا والصّبية الغيد والطَّلا
…
وصوت المثاني عفّة وتعففا
فلا رحت إلّا بالمعالي متّيمًا
…
ولا بتّ إلاّ بالفضائل مذنفا
إذا اشتقت أيّام التّصابي أعدتها
…
بأطيب منها للّبيب وألطفا
تبوّأت روضًا للدفاتر مونقًا
…
تدور المعاني في مغانيه قرقفا
ورددت توبيخ اللَّيالي تطرّبا
…
وذم بنيهنّ اللّئام تظرفا
/93 ب/ وناديت إن همت بأدنى مساءتي
…
مليكًا غدا من سائر الخلق أشرفا
وآويت من وسى إلى ظّل شامخ
…
كما حلَّ موسى الظل لما تخوفا
إلى الأشر ف بن العادل الملك الذي
…
أبر على قيض الغمام فأسرفا
وشمت عليها من سطاه وعزمه
…
شبا صارم يفري الضَّريبة مرهفا
عليك علاً لو صافحت يده صفًا
…
لفاض الفرات العذب من ذلك الصَّفا
يحور على الأموال بالجود باذلًا
…
ومن نائبات الدَّهر مازال منصفا
تعود أن يغدو له الله مخلفًا
…
إذا راح للأموال بالجود ملتفا
يشفُّ بما فيه من الّلطف خلقه
…
وليس يشف الماء إلا إذا صفا
يريك عذاراً دبَّ في خذ أغيد
…
إذا هو في التَّوقيع نمَّق أرحفا
ويبدي هلال السرج من وجه ذكا
…
ومن سيفه صبحًا إذا النقع أسدفا
محاسن من خلق وخلق خلالنا
…
بها وهو موسى في الملاحة يوسفا
لقد لبست منه الليالي محاسنًا
…
غدا البدر منها للحسادة أكلفا
تشَّوف آتيها ليلقاه مثلما
…
تلفَّت ماضيها إليه تأسفا
ومذ نطقت فائيتي في مديحه
…
على خفر لم تبق للنطق [حرف] فا
/94/أتركت له أهلي وصحبي وموطني
…
وطفلا كمثل الفرخ بي متألفا
إذا أشتاقه طرفي استهلّ صبابة
…
وإن ذكرته النّفس مالت تلهفها
وأعطى الذي أمّلت منه مضاعفًا
…
وأسلف آمالي عطاءً وشرَّفا
فملّكه الله البلاد لأنّه
…
غدا بعباد الله فيهن أرأفا
ولا زال بالتَّقوى وبالعدل عاملًا
…
له وعلى الأملاك بالفضل مشرفا
وأنشدني لنفسه فيه أيضًا يمدحه: [من المنسرح]
أفرط في الصّد عن معنّاه
…
وزاد عجبًا عليه معناه
بدر تمام لا النّقص يدركه
…
ولا يعاب الكسوف يغشاه
يظن أن القلوب ما خلقت
…
إلَاّ ليسطو بها وتهواه
تاه مدلًا بحسن صورته
…
وعشقنا والمليح تيَّاه
آه على عطفه وزورته
…
لو نلتها والمحب أواه
بالله يا شمس عاتبيه ويا
…
بدر فأنتم في الحسن أشباه
ويانسيم الصَّبا بحقّك إن
…
جزت عليه فاستهد ريَّاه
/94 ب/ واذكر له مبتلى بجفوته
…
جدّ به سقمه فأبلاه
عساه يسخو بنظرة عرضًا
…
أو سنة من زكاة وسناه
فعلَّ عيني يومًا تراه فما
…
تطمع في غيرها برؤياه
ويلاه من ذلَّتي وعزَّته
…
على يا للرجال ويلاه
أصول في جحفل فأهزمه
…
وحدي وأرتاح حين ألقاه
أملك رقَّ الورى ويملكني
…
ملكي ويشنا قربي وأهواه
لأنني أملك الجسوم وتسـ
…
تملك رقَّ القلوب عيناه
تبارك الله كيف صوره
…
دمية حسن تبارك الله
مناي مرضاته لو أنَّ فتى
…
يعطي من الدهر ما تمناه
أشهد أن لا إله إلا مسو
…
يه وأن لا مليح إلَّا هو
وأنَّ ما في الوجود أسخى ولا .. أغزر وبلَا من كف مولاه
الملك الأشرف الذي شهدت
…
بفضله في السَّماح أعداه
زاد على السُّحب أنَّ نائله
…
تبر ونيل السّحاب أمواه
ما جاد في الخافقين ذو كرم
…
إلّا بما جاده وأعطاه
/95/أفدام تستعبد [الأنام] بما
…
تبني من المأثرات كفَّاه
وأنشدني أيضًا، قال: كتب إليَّ شرف الدين بن عنين ملغزاً باسم سنجر: [من السريع]
إن جعلوا أوَّله آخراً
…
وبدّلوا الثّاني بالآخر
حدث عن أنفاسه آخر اللّـ
…
يل وعن ناظره الساحر
قال: فقلت مجيبًا عن ذلك: [من السريع]
إشارة أحلى لذي فطنة
…
مذاقة من عسل الشَّائر
تعرب عن لطف جوى كامن
…
في خاطر كالشمال الخاطر
من خنث الأعطاف ألحاظه
…
تفتك فتك الشَّاطح الشَّاطر
يزأر مهما زرته كانسًا
…
ويلي من الزَّائر للزَّائر
لنجعلن أوله ثالثاً
…
أو نشتفي من مائه المائر
وقال في فانوس السحور والثريا والنجوم: [من المتقارب]
/95 ب/ رأيت المنار وجنح الظلام
…
من الجو يسدل استاره
وحلق في الجو فانوسه
…
فذهب بالنور أقطاره
فقلت المحلّق قد شبّ في
…
ظلام الدجى للقرى ناره
وخلت الثريا يدًا والنجوم
…
ورقًا غدا البدر قسطاره
وخلت المنارة فانوسه
…
فتى قام يصرف ديناره
وقوله في معنى اقترح عليه فصنع بديهًا: [من السريع]
خود جلا غرتها شعرها
…
بدر بهي في ظلام بهيم
يطيب لفظ الشعر من ذكرها
…
كأنما ذاك النسيم النسيم
قد رقمت وجنتها أرقمًا
…
بالمسك في مذهب ثوب طميم
ما ذاق من قابله غفوة
…
يا عجبًا من ساهر بالرَّقيم
وقال جواب أبيات جاءته من الرشيد عمر بن محمد الفرغاني الفقيه الحنفي: [من الوافر]
/96 أ/ إذا ما شئت أن تلقى مفيدا
…
غداة العلم والتقوى وليدا
وبرّز في علوم الشّرع حتّى
…
غدا فيه على ضغن وحيدا
فلاق – لتستفيد – الخلق طرًا
…
وحسبك منه أن تلقى الرشيدا
فتى سنا وشيخًا في علوم
…
يروح الشافعي له مريدا
توحده يريك لدى المعالي
…
إذا حاورته منه عديدا
أتاني منه مع عدمي قريض
…
يفوق بحسن صنعته الفريدا
قريض لا أطيق له جوابًا
…
ولو أنّي نشرت له لبيدا
فكيف وخاطري في جور دهري
…
وما لاقيته أضحى بليدا
وقال أيضّا مجيبًا له عن أبيات له إليه: [من الكامل]
قُّل للنسيم إذا أنثنى سحرًا
…
يصف الرّياض وينعت الزَّهرا
وكفاه وصفهما لناشقه
…
أن راح مبلول الرَّدا عطرا
سكران يهدي من شمائله
…
طيبًا إلى من شمَّه السَّكرا
فيعانق الأغصان من ثمل
…
متمايلاً ويكسَّر الغدرا
/96 ب/ قل يا رشيد الدَّين كم مدح
…
قلَّدتنيها تخجل الدُّررا
ولكم بعثت إليَّ شاردةً
…
من وشب لفظك تحمل الفقرا
ولكن تسيَّير راحتاك إلى
…
ربعي قريضًا يخمل السَّيرا
أفحمتني فخرست مرتبكا
…
ولكم نطقت فأفحم الشُّعرا
وحصرت عند بلاغة عجزت
…
عنها قواي ولم أكن حصرا
إنَّ الآتيَّ إذا طما وعلا
…
في يوم غيث أغرق النَّهرا
والشَّمس إن ظهرت أشعَّتها
…
محت الشَّهاب وغطَّت القمرا
من أين لي مدد يقابل ما
…
يأتي به القاموس إن زخرا
يا سيَّدا بسقت فضائله
…
وزكت فأعيا البدو والحضرا
يا مجداً لم يبق مكرمة
…
يأتي بها أحد إذا افتخرا
يا مبدعاً تأتي بدائهه
…
فينا بما تستعجز الفكرا
يا جامعا فضل الأنام وإن
…
طال المدى بهم وإن كثرا
ما أسبهوا أو طوَّلوا أبدًا
…
فيه أتانا فيك مختصرا
يا روضة الفضل الَّتي ينعت
…
وتهادت الأزهار والثَّمرا
/97 أ/ يا أوحدًا في كلَّ معجزة
…
إن رامها تعبيرنا قصرا
يا أيها الحبر الَّذي نشرت
…
ألفاظه من فضله حبرا
يا عالمًا ما إن رأى أحد
…
مثلًا له أبدًا وليس يرى
يا سالكًا عرف الطَّريق إلى الـ
…
فوز الَّذي قد أعجز البشرا
يا صافي الأوصاف في زمن
…
أخلاقه تستوعب الكدرا
لو انصفت أيَّامه لغدَّا
…
يستخدم الأملاك والوزرا
عجبًا لخاطرك اللَّطيف إذا
…
حركته ترمي به شررا
إنَّ أمرءًا يفني لياليه
…
بسوى فوائده فقد خسرا
لهفي على زمن يمرُّ وما
…
أبرمت فيه بأنسك المررا
لو أنَّني أعطي مناي لما
…
أفنيت إلَاّ عندك العمرا
لأرى وأسمع كلَّ شاردة
…
تستعبد الآذان والبصرا
ولو استطعت لسرت صحبته
…
لكنَّني لا أملك الخبرا
فكلاءة الرَّحمان تتبعه
…
مهما أقام وإن نوى سفرا
ولعلَّ لطف الله يجمعنا
…
إنَّي لأرجو الله والقدرا
/97 ب/ ويلمُّ شملًا قد تمزاق في
…
أيدي اللَّيالي ثوبه شذرا
في خدمة الصَّدر الذي كرهت
…
ورَّاده عن بحره الصَّدرا
بدر الطَّريقة من سماحته
…
يفني على قصَّاده البدرا
شيخ الشُّيوخ ومن به افتخرت
…
آباؤه وكفاه مفتخرا
لا زال في نعم مجدَّدة
…
تفني الدُّهور وتخلق العصرا
[954]
يعقوب بن مسعود بن عبد المحسن، أبو يوسف التغلبُّي
من أهل دقوق – وهي بليدة من نواحي بلاد العراق – يلقَّب عكارش.
كان رجلًا كثير الخلاعة والمزاح، مطبوعًا في المعاشرة له أشعار يسلك فيها مسلك صريع الدَّلاء. وكان يميل إلى أهل الفضل والأدب، وقتل بدقوق في الليلة المسفرة عن صباح يوم الخميس السابع والعشرين من شهر الله الأصم رجب سنة ستٍّ وعشرين وستمائة.
ومن شعره ما أنشدني الأجلُّ أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن وهرام بن بكرانا لبوازيجي الإربلي بها – رحمه الله تعالى - /98 أ/ قال: أنشدني أبو يوسف الدقوقي لنفسه – وكان مريضَّا – وهو ساكن بمنزلي بإربل: [من الكامل]
يا جيرة بدقوق كانوا جنَّتي
…
حبًا ومن دون الأعادي جنَّتي
ما حيلتي إن ذقت كأس منيَّتي
…
في غربتي وحرمت من أمنيَّتي
حم َّالحمام عليَّ دون لقائكم
…
حتمًا وذاك لشقوتي ولبيَّتي
أقضي ولا أقضي الَّذي أمَّلته
…
منكثم فواأسفي عليه وحسرتي
ويلاه كيف تخلُّصي والموت قد
…
ضرب المخيَّم نازلًا في عقوبتي
وافي وأقسم لا يحاول رحلةً
…
من منزلي حتَّى يحقَّق رحلتي
فعليكم منَّي السَّلام فحبكم
…
حتَّى القيامة لم يزل في مهجتي
وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه يصف مشببًا: [من الكامل]
/98 ب/ مولاي لا في النَّاس لي ذو رحمة
…
يأتيك يشفع بي ولا في الجان
والسَّيل قد بلغ الزُّبى والفقر للـ
…
حرَّ الكريم إليك قد ألجاني
فاقبل فدتك النَّفس عذري واغتنم
…
شكري وإن كنت المسيء الجاني
فإذا غرست غصون خير أثمرت
…
خيرًا عليك وكنت أنت الجاني
[955]
يعقوب بن نصر بن يعقوب بن نصر بن إبراهيم، أبو يوسف التيمُّي الدارقزّي.
ينسب إلى دار القزَّ، وهي محلَّة من أشهر محاَّل بغداد بالجانب الغربّي.
كان نحويًا شاعرًا فاضلًا فصيحًا عارفًا بالعربية والفقه. رحل إلى سنجار وأقام بها يفيد أهلها. وكان خبيرًا بالشعر وأنواعه، يحفظ منه الكثير. وكان خفيف الروح، دمث الأخلاق، من أطبع الناس كلامًا، وأطيبهم مزاحًا.
حفظ القرآن الكريم وقراه للسبعة والعشرة على أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي الفضل المرسي النحويّ، وقرأ علم النحو والعربية على أبي البقاء عبد الله بن الحسين النحوي البغداديّ، وسمع على أبي حفص /99 أ/ عمر بن محمد بن طبرز والبغدادي معظم سماعاته، وأخذ من فقه الإمام الشافعي – رضي الله عنه – صدرًا صالحًا.
كان اجتماعي به بإربل في ذي القعدة سنة ستٍّ وعشرين وستمائة؛ وسالته عن مولده فذكر أنَّه ولد في شهر رحب سنة أربعة وتسعين وخمسمائة بدار القّز.
ومدح جماعة من مقدَّمي إربل وأماثلها، وسافر عنها إلى سنجار فأقام بها قليلًا ورحل منها إلى ميَّافارقين فمات بها في أوائل المحرم سنة ثمان وعشرين وستمائة. وأبيعت تركته بيد نواب الموريث في ربيع الأوَّل سنة ثمان وعشرين؛ كذا أخبرني بوفاته الصاحب الوزير مؤيد الدين أبو نصر إبراهيم بن يوسف ابن إبراهيم الشيباني – أسعده الله تعالي.
ومن شعره ما أنشدني لنفسه- في التاريخ المذكور – يمدح الصاحب الوزير شرف الدين أبا البركات [المبارك] بن أحمد بن المبارك المستوفي – رضى الله عنه: [من البسيط]
/99 ب/ نعم هو السنح من نعمان قد سنحا
…
فلا تلو منَّ غرب الدَّمع إن سفحا
فما ترى مدمع العشَّاق منتزحًا
…
إلَّا لفقد حبيب صدَّ أو نزحا
لا يبعد الله من يدنو المنام به
…
وهنا فيبخل إن طيف به سمحا
ومنها يقول:
ظبي أطعت التَّصابي في محبَّته
…
عفوًا وعاصيت في سلوانه النُّصحا
لله من سكن لولاه ما سكنت
…
قلبي المعنَّى هموم الوحد والبرحا
وبدر تمّ لو أن البدر قابله
…
مفاخر التوارى عنه مفتضحا
قسا ورقًّت حواشيه فيصحب في
…
أيدي الوشاة وإن جاذبته جمحا
أستودع الله قلبًا لا يفيق ولا
…
يزال بالوحد مغبوقًا ومصطبحا
تحنُّ مهجته شوقًا وتسأل عن
…
سكَّان نجد نسيم الرّيح إن نفحا
يا معهد اللَّهو لا زال العهاد على
…
مغناك يسحب أذيال النَّدى مرحا
فكم لبست الصّبا غضًّا بساحته
…
ورحت في الغيّ مرتاحًا ومقترحا
أعطي الأماني فؤادًا لا يضيق به
…
هم وصدرًا إلى اللَّذَّات منشرحا
حتَّى أستردَّ زماني من مواهبه
…
من المسَّرة ما أعطى وما منحا
/100 أ/ وأفسد الدَّهر عيشًا في تقلبه
…
لولا أبو البركات ما صلحا
لولا أبن موهوب المرجوُّ ما وهبت
…
إساءة الدَّهر ب لم ترتج الفرحا
أغرُّ لا شرس الأخلاق منقبض
…
وسط النَّديّ ولا بد أن مزحا
كانَّ أخلاقه روض مدَّبجة
…
فينا وغرتَّه الصُّبح الَّذي وضحا
مهذَّب الرَّأي لا يثنيه عن كرم
…
يوم المحامد تعنيف أمري نصحا
يا طالب الرّفد لا يلوي على سكن
…
ولا يصحب إلَاّ الأنيق الطُّلحا
زر إربلًا وانح ربعًا حلَّ ساحته
…
وجه المبارك تلق السَّي قد نجحا
قضى على المال بالإطلاق منذ قضى
…
أن يحبس الحمد في علياه والمدحا
يا أيُّها الصَّاحب المحيي بهمَّته
…
للعم بالدَّرس درسًا كان قد مصحا
لا يخذل الخطب من أصبحت ناصره
…
ولا يرى الفقر من وافاك ممتدحا
لك اليراع الَّذي تخشى بوادره
…
ويرتجي سيلة الهامي إذا رشحا
بيض الأماني بسود من ذوائبه
…
كالبدر أشرق في اللَّيل الذي جنحا
لا تخش يا شرف الدّين الزَّمان بما
…
قد كان مقترفًا يومًا ومجترحا
/100 ب/ ستنجلي هذه الغمًّاء عنك كما
…
تفرَّ الغيم عن شمس النَّهار ضحى
لا تيأسنَّ لبدر غاب مستتراً
…
عن العيون بان يعلو ويتضحا
وللقضيب وإن اوردت بضارته
…
بأن ترى الطَّير في أعلاه قد صدحا
إنَّ السَّيادة قد ألقت إليك يدًا
…
أقذت لحاظ حسود كان قد طمحا
سارت بمجدك أيدي العيس فازدحمت
…
فيك القوافي وكانت عندك الفصحا
وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل]
ألمَّت وقد أرخى الظَّلام لها سترا
…
فحيَّت وهل يخفي لشمس الدُّجى مسرى
أرادت لتطوي سرَّها عن رقيبها
…
فضوَّع نشر المسك من طيبها نشرا
وما كنت أدري قبلها أنَّ بانّة
…
إذا أنبتت في الدّعص أثمرت البدرا
ولم أر عذبًا سائغًا ينقع الصَّدى
…
سوى ريقها ألقى على ساحل درًّا
المياء ما وجدي عليه بفاتر
…
فما لفتور الطَّرف قد زادني فترا
أأخذر في ليل الصَّبابة ضلُّةً
…
وقد لمحت عيناي من وجهها بدرا
وأخشى من اللُّوّام عدلًا ولو رأوا
…
شمائلها أبدوا على حبَّها عذرا
تذكَّرني وشك الرَّدى إن نسيتها
…
وقد عطفت نحوي لتقبيلها نحرا
/101 أ/ تميل كما مال النَّزيف وتنثني
…
معاطفها من غير مشمولة سكرا
فللَّه يوم قصَّر الوصل عمره
…
وكم طوَّل الهجر أن من قبله عمرا
أقبَّل طورًا فيه وردة خدَّها
…
وأرشف طورًا من جنى ريقها خمرا
خليليَّ لا والله ما أنا مضمر
…
سلواً ولا أعطيت عن حبّها صبرا
فلا تعذلاني إن صبوت فقد رأت
…
لحاظي من آيات مبسمها الكبرى
تقول وأخلانا الرَّقيب وغيَّب النُّـ
…
عاس عيونًا كنَّ من دوننا خزرا:
أحبا وإفلاسًا فقلت لها أهدأي
…
إذا جئت إبراهيم لم أخف الفقرا
وأنشدني أيضًا لنفسه يمدح الأميرين سيف الدين عليًا، وعماد الدين أبا بكر إبني قليج الحلبييَّن:[من الخفيف]
واضح الثَّغر والمحَّيا البهيج
…
هيَّج الشَّوق أيَّما تهييج
فدعاه فلو أراد سلوَّاً
…
لم يبت حلف لوعة ونشيج
يا خليليَّ خلّيا عدل صبًّ
…
بات في الحبّ بين أمر مّريج
/101 ب/ جذبته أيدي الصَّبابة فانقا .. ز دولبَّي داعي الغرام اللَّجوج
وثنى عطفه إلى اللَّهو أقما
…
ربدت طلَّعًا بأفق الحدوج
واضحات تشرقن في الشَّعر الأسـ
…
ود كالصُّبح في الظَّلام الدَّجوجي
ونديم صرفت همِّي بصرف
…
من يديه أغنى عن الممزوج
ولشعبان في السَّماء هلال
…
يتبدَّى كجانب الدُّملوج
أو كنعل الفته في الجوِّ بالركَّـ
…
ض عشاءّ قنابل أبني قليج
أسدًا غابة وغيثا سحاب
…
وهلالا أفق وشمسا بروج
غضنا دوحة تظلُّ المساكيـ
…
ن وتبدي من كل ِّ زوج بهيج
وحساما غمد ونصلا قناة .. وعمادا بيت النَّدى المحجوج
غنَّيا حين غنَّيا بالمنالي
…
عن سماع الغناء والتَّهزيج
وأستوى النَّاس فيهما فعلي
…
كأبي بكر في الثَّناء الأريح
لم يزالا إلى سماء المعالي
…
طلب العرِّ والعلا في عروج
غير أنَّ الكبير يزداد مجدًا
…
وبقدر الكعوب فضل الوشيج
كم فللنا حدَّ الزَّمان بسيف الدِّ
…
ين عند التحام خطب مهيج
/102 أ/ واعتمدنا الأمير عماد الدِّين
…
يوم الكروب بالتَّفريج
أنتم يا بني قليج على الدَّهـ
…
ر حيا مزنة وروض مروج
ما علمنا أنَّ المذاكي أفلا
…
ك إلى أن أشرفتم في السُّروج
وما برحتم إلى الوغى في دخول
…
وعن الجبن والخنا في خروج
كلَّ يوم لربعكم لذويي الفـ
…
ل أعتمار مثل اعتمار الحجيج
سؤدد دَّبجت حواشيه أخلا
…
قكم الغرُّ أيَّما تدبيج
فأتى كالرِّياض حسنا أو العصـ
…
ب الموشَّى أو اليماني النَّسيج
أملي فيكم حداني إليكم
…
وثنى عن سواكم تعريجي
في غناء بالهجر إن رمت سقيا
…
أرض [عدمي] عن جدول وخليج
أيُّها المالكان دعوة عبد
…
أخلص الودَّ فيكما منذ نوجي
جاء يهدي إليكما بنت فكر
…
لم يشنها أفتضاضة التَّزويج
لبست حلَّة المعاني وحلي الـ
…
حسن كبراً منها على التَّتويج
فأقبلاها وحسِّنا عندها الصُّنـ
…
ع فلم يهد مثلها في الدُّروج
وأنشدني من شعره: [من الخفيف]
/102 ب/ أنت أشهى إلى الضَّمير وأحلى من لذيذ المنى وأعلى محلَّا
بك أضحى دون البريَّة شغل
…
وكفاني بحسن وجهك شغلا
يا شفاء النُّفوس من كلِّ داء
…
وطبيبًا لسقمنها ومعلَّا
لو رضيت الجحيم لي مستقرّاً
…
لوجدت الجحيم برداً وظلّا
كلَّ يوم تزداد عزَّة نفس
…
واحتشامًا عندي فأزداد ذلَّا
سيِّدي أنت لا تنَّ سلواً
…
بي فحاشاي عنك أن أتسلَّى
كلَّما كرَّت اللَّيالي علينا
…
جدَّدت ثوب صبوة ليس يبلى
وبنفسي أفدي الَّذي كلَّما ملـ
…
ت أشتياقًا إليه مال وملَّا
وأنشدني أيضًا لنفسه في غلام اسمه جامع: [من الكامل]
يا جامع اللَّذَّات وجهك قبلة
…
للنظارين وعظم ردفك منبر
النَّاس حولك محرمون فما بدا
…
مراك إلَّا هلَّلوا أو كبَّروا
وسعت نواحيك العصاة وضقت عن
…
من قام ينذر تارة ويبشِّر
[956]
يعقوب بن يوسف بن أبي العشائر بن أبي الفضل بن هبة الله، أبو يوسف ابن الانباريَّ
من أهل حلب مولداً ومنشأ.
شاعر متأدَّب فاصل، ذو معرفة بالأدب والعربيَّة، كثير الشعر، جيد المقاصد، حسن الأسلوب.
يقصد بأشعاره الملوك والأماثل من الناس، ويكتب خطًا مليحًا رائقًا، وعلى خاطره قطعة صالحة من الأخبار والحكايات. واتصل بالملك الأمجد مجد الدين أبي
المظفَّر بهرام شاه بن فرّوخ شاه بن شهنشاه بن أيوب بن شاذي – صاحب بعلبك – وكان قريبًا منه وحظي لديه، وصار أحد شعرائه وندمائه فحين اننتزعت منه بعلبك تجَّول يعقوب في بلاد الشام يرتزق المتموّلين منها وأرباب الثروة بأشعاره.
ثم انقطع إلى الأمير موسى بن المجلّى الكرديّ، وصحبه مدَّة من الزمان؛ ثم فارقه ونزل حلب فرأيته بها شابًا أشقر قصيرًا فيه دمائة أخلاق وكياسة وحسن عشرة، يتشيع ويميل /103 ب/ إلى محبَّة أهل البيت – صلوات الله عليهم وسلامه.
وأنشدني كثيرًا من شعره، وكتب لي منه كراسةً بخطّ يده؛ إلَاّ أنَّني فقدتها وعدمتها، ولم يبق عندي من شعره شيء إلَاّ ما أنا ذاكره – إن شاء الله تعالى – وأخبرني أنَّه ولد في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.
ومما أنشدني لنفسه يمدح الملك الأمجد – صاحب بعلبك: [من المنسرح]
سالمه بعد حربه الحرب
…
وعاودته الههوم والكرب
فتًى كساه غرامه وصبًا
…
فهو معنًّى بلبسه وصب
وشنَّ غاراته السُّهاد على
…
أجفانه فالرُّقاد منتهب
رمته قوس النَّوى بمصمية
…
لا نبعة عودها ولا غرب
فأحكمت في صميم مهجته
…
شقّاً من الوجد ليس ينشعب
أحبابنا هل لحبل ألفتنا
…
وصل فقد راح وهو منقضب
فأنتم فالدِّيار لا أمم
…
بعد تنائيكم ولا صقب
ياربَّ ليل سهرته ومحَّـ
…
الصُّبح عنِّي كالخطِّ محتجب
/104 أ/ كأنَّ لي عند نجمه عدةّ يمطلني كونها وأرتقب
همَّت بقلبي الهموم تنزعه
…
بل كربت أن تميتني الكرب
فتارة ناظري يريق دمًا
…
وتارةً بالدُّموع ينسكب
حتَّى بدت غرَّة الصَّباح كنصـ
…
ل الهنداويِّ حين ينتصب
أو كمحيَّا السُّلطان لا سَّيما إَّبـ
…
ان يرضى وساعة يهب
الملك الأمجد الَّذي أثنت الـ
…
عجم عليه وثنَّت العرب
سحاب جود فيه السَّلامة والـ حتف وطيب الحياة والعطب
إذا همى فاللُّجين والّلؤلؤ الرَّ
…
طب جنى راحتيه والذَّهب
بدرِّه ينعش الألى بعدوا
…
ودرِّه يشرف الألى قربوا
يعتزُّ للجود والسَّماح كما
…
تهتزُّ عند الكريهة القضب
زيَّن أقواله الفعال كمأ
…
زيَّن كأس المدامة الحبب
طود حجى لن يحلَّ حبوته
…
يومًا إذا حلَّ عنده الغضب
سيب ندًى ماء ورده شبم
…
عذب وسيف ماضي الشَّبا ذرب
يسري له كلَّ يوم ملحمة
…
جيش لهام وجحفل لجب
/104 ب/ يثني عليه البيض المكلَّل والـ
…
بيض وسمر الرِّماح واليلب
همَّته الدَّارعون في الرَّوع لا الأ
…
دراع والسَّالبون لا السَّلب
والضَّرب يوم الهياج بغيته
…
بل دونه في اللَّذاذة الضَّرب
من معشر لم يكن له بسوى السُّؤ
…
دد لا عادة ولا درب
إن خطبوا أخر سوا وإن وهبوا
…
أغنوا وإن غالبوا الردَّى غلبوا
أو طلبوا أدركوا الطَّلاب على
…
أنَّهم يعجزون إن طلبوا
تشبُّ نار القرى إذا نزلوا
…
ونار يوم الوغى إذا ركبوا
يا أبن المعز اعتصمت مذ طفقت
…
بعرق عظمي بنانها النُّوب
وإنَّني فيه دائمًا وله
…
مرتقب تارة ومرتغب
فهو ملاذ لنا نلوذ به
…
من كلِّ خطب ومعقل أشب
وكنز وجد نغنى به أبداً
…
من كلِّ عدم ووالد حدب
له إذا عدت العلا رتبُّ
…
تقصر عن أن تطولها رتب
ودرُّ نظم يعيد منتثر الدُّ
…
رِّ على القسر هو مخشلب
والنَّسب الواضح الَّذي كشف الـ غطاء عنَّا العطاء والنَّشب
/105 أ/ قد ضرب المجد والعلاء له
…
بيتًا بكيوان ماله طنب
فالجود إلا من كفِّه بخل
…
والصِّدق إلَاّ في وصفه كذب
يا ملكًا لم يكن لتحجبه
…
عن مستجبر بباسه الحجب
ومن إذا جاد يوم مسغبة
…
ضنَّت حياء بجودها السُّحب
بشراك يا منتهى النُّفوس فقد
…
وافاك بالسُّعد وافدًا رجب
جاذبه شوقه إليك فلـ
…
مَّا أن رآك أستفرزَّه الطَّرب
وقال عجبًا منه ومقوله
…
إذا تمعنَّته هو العجب
عش يا مليك الزَّمان في دعة
…
فليس للعيش عنك منقلب
وانشدني لنفسه ما كتبه إلى الشريف ابن الزاهد الشاعر البغدادي العلويّ: [من المتقارب]
إلا أيُّها السَّيِّد الفاطميُّ
…
ومن هو مفتخر بالحسين
ومن صيَّرته أفاعيله
…
وآباؤه ثالث الفرقدين
ومن بهدى قوله نهتدي
…
هدايتنا بسنى النَّيرين
/105 ب/ لك الله من ناظم ناثر
…
عقود النُّهى وعقود اللُّجين
منزُّهة كل شيء حوت
…
بها الزَّين في النَّاس عن كلِّ شين
ملأن يدي بالنَّوال العميم
…
وشنَّفت سمعي وأقررت عيني
وقد كنت أذنبت من قبلها
…
فجازيتني منك بالحسنيين
أبت لك أنسابك الحاليا
…
ت إلَاّ التَّفضُّل في الحالتين
وأنِّي أمرؤ قبلتي في الولاء
…
أبوك المصِّلي إلى القبلتين
فتى كان في بدر بدر الهياج
…
ومبدي حنين النِّسا في حنين
ففي هذه هو لي جنَّة
…
وفي تلك أرجو به الجنَّتين
ونقلت من خطّه قوله يمدح بعض الأكابر: [من المنسرح]
من لسليب الرُّقاد منهبه
…
واري زناد الفؤاد ملتهبه
ممتدِّ ظلِّ الغرام وارفه
…
منبتِّ حبل السُّلوِّ منقضبه
كان سليمًا فمذ عرضت له
…
أسلمه شجوه إلى شجبه
وبارزت صبره صبابته
…
فلم يكن همُّه سوى هربه
/106 أ/ وشادن خدُّه تألَّف من
…
ضدَّين من مائه ومن لهبه
ينأى ويدنو فحالتي أبدًا
…
في نأيه حالتي وفي كثبه
ماس وماجت أردافه فرأيت الغصن لينًا يميس في كثبه
وأفترَّ عن ثغره الشَّتيت كما
…
يفترُّ كأس الرَّحيق عن حببه
إذا لماه أرتشفته سحرًا
…
وجدت برد الضَّريب في ضربه
ومهمه جبته وقد هرب اللَّيل وجاء الصَّباح في طلبه
بذي سبيب فاز أمرؤ جعل الأسباب موصولةً إلى سببه
كالصَّقر كالحوت كالغزالة في
…
جريتها كالغزال في خببه
قربني من فتى مخيلته
…
تبين صدق الرَّجاء من كذبه
ذاك الشِّهاب الَّذي بطلعته
…
تغنيك في اللَّيل عن سنى شهبه
أسمح من حاتم وأفصح إذ
…
يغرب من يعرب ومن عربه
وقل لمن رأم أن يساجله
…
يملأ سجل العًلا إلى كربه
لا بن نقًا راحه محلِّقة
…
في الجود ألَّا تبقي على نشبه
يمِّممه يا طالبًا فوائده
…
فجوده مطلب لمطَّلبه
/106 ب/ يعطيك ما لا تكاد تأمله الأنفس من ورقه ومن ذهبه
كلُّ كريم وإن تقدَّمه
…
فإنَّه واطيء على عقبه
كالبحر في الرِّي ماله أثر
…
وإنَّما الرِّي في حيا سحبه
القائل القول من لطافته
…
يكاد يشفي المريض من وصبه
تفيض سود الخطوب منه وقد
…
يسودُّ وجه البليغ من خطبه
يرهب أقلامه فتغنيه يوم الرَّوع عن سمره وعن قضبه
تمجُّ أري الصُّديق ساعة ما
…
يرضى وشري العدوِّ في غضبه
والله ما تفعل الكتائب ما
…
تفعله المحكمات من كتبه
كم عاطب اوجبت سلامته
…
وكم سليم ألقته في عطبه
يا قاسمًا حيث كان نائله
…
بين صعود الورى إلى صببه
عطفًا على عبدك الَّذي نسخت
…
راحته بالكثير من تعبه
وهو كما قد علمته رجل
…
أقر أحساءه على سغبه
وداده خالص وليس الوداد المحض في ذوقه كمؤتشبه
وافاك مستشفعًا بحيدرة
…
وبالحماة الكماة من نخبه
/107 أ/ ومن يكون الوصيُّ شافعه
…
فهو جدير بحسن منقلبه
ونقلت من خطه قوله ما كتبه إلى بعض الكبراء: [من مجزوء الكامل]
قل للفتى النَّجم الَّذي
…
تعنو له شمس الظَّهيره
ومن أغتدت عيني به
…
وبما يعانيه قريره
ومن أغتدى لمؤمِّلي
…
معروفه نعم الذَّخيره
يا مخجلًا في النَّظم أخـ
…
طله وفضَّاحًا جريره
أنت الَّذي فخرت به
…
شوس القبيلة والعشيره
مولاي هل لك في أصطناعي
…
من يد النُّوب المغيره
وترى وأنت ميسِّر
…
عسري بمسعدة يسيره
ومفرِّج عنِّي من الـ
…
كرب الصّغيرة والكبيرة
فلقد علمت بأنَّه
…
لم يخف من تغدو ظهيره
وكذاك لا يروى أمرؤ
…
روَّته ديمتك الغزيره
وأنا الَّذي فيك أستوت
…
منه السَّريرة والجهيره
/107 ب/ أثني عليك بما عملـ
…
ت من الصِّفات المستنيره
لا كالَّذي أنقذته
…
من غمرة البؤس المبيره
فطوى وقد أظهرته
…
فينا على ذحل ضميره
وجرى وقد أجريت ما
…
ء الرُّوح فيه إلى الجزيره
فأنظر إلىَّ بعين من
…
هو فاقد فينا نظيره
لا خاب من يرجوك بل
…
لا خاف من تمسي نصيره