الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
/111 أ/
…
ذكر من اسمه يوسف
[959]
يوسف بن إبراهيم بن مروان الماردينيُّ، أبو المحاسن.
أصله من رأس عين.
كان كثير في المديح. وكان يكتب بحرّان في حلقة البيع.
أنشدني من شعره، الشريف أبو نصر محمد بن أبي طاهر بن شجاع الهاشمي البغدادي بها في سنة اثنتين وعشرين وستمائة، قال: أنشدني أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم المارديني لنفسه يمدح الملك الأشرف مظفَّر الدين موسى بن أبي بكر بن أيوب - رحمه الله تعالى: [من الخفيف]
يا مليكًا له الزَّمان غلام
…
وبكفَّيك يستدرُّ الغمام
وبإشراق وجهك الحسن الطلـ
…
ـق على المعتفى يضيء الظلال
وإذا أجدبت نفوس كرام
…
أخصبت منك همة واهتمام
أنت من خصه الإله بنفس
…
لا تسامى ورتبة لا ترام
فلعطف العلاء منك اهتزاز
…
ولعقد العطاء منك انتظام
ولخصر الوقار منك نطاق
…
ولثغر الفخار منك ابتسام
وأرى الرأي والرواية شيخ
…
ولدى الحرب والخصام غلام
وإلى غاية العلا متناه
…
وعلى حومة الوغى مقدام
ملك أشرف لدى الدين يقظا
…
ن وقد كان عنه قوم نيام
ومليك الدنيا وإن ضر قومًا
…
فإليك الإرضاء والإرغام
فيك نور يهدي به الله من شا
…
ء ونار يصلى بها أقوام
إنَّ من أمَّه رضاك سعيد
…
وشقيٌّ من عمَّه الإنتقام
آية الله لا تماريَّ فيها
…
راية منك تعتلي وتقام
وقال من قصيدة أولها: [من الكامل]
من نون حاجبه ولام عذاره
…
إقدام مغريه على اعذاره
خطَّت أنامل حسنه في خدَّه
…
سطرًا فكان الورد من إصداره
مضمونه يا معشر العشَّاق قد
…
جارت أوامر حسنه في جاره
يا حاجب السُّقم المعان بناظر
…
في الصَّب أجر السُّقم في أنظاره
يا للعجائب كيف يسلم عاشق
…
من لحظه السَّحَّار في أسحاره
أم كيف يجمع مع مضارب لحظه
…
ظلمًا لواحظه إلى تيَّاره
/112 أ/ ظبي من الأتراك من أعطافه
…
لدن يجيد الطَّعن في نظَّاره
قد كنت بالإسلام مغرى قبل أن
…
يجلو عليَّ الخصر في زنَّار
وكذاك من قبل أرتشاف مقبَّل
…
من ريقه أستعففت من خمَّاره
صبًّا بكوثر ريقه في جنَّة
…
لولا تضرُّم خدَّه من ناره
ما زال يردف خصره من ردفه
…
بالجيش حتَّى صرت من أنصاره
يا حبَّذا لثم اللِّثام إذا بدا
…
والبدر يشرق من سنى أزراره
حيث المجرَّة جدول تجري بما
…
يلقيه غصن الأفق من أنهاره
والنُّور من زهر الكواكب ناظم
…
كفَّا م المرِّيخ سبك سواره
وبنات نعش في الظَّلام إلى الدُّجى
…
واش بضوء الصُّبح في إسفاره
وقال من أخرى: [من الطويل]
ألَّية برِّ صادق غير حانث
…
بغير المثاني لم أدن والمثالث
وناي وراح من يدي مخطف الحشًا
…
كبدر تجلَّى تحت فرع جثاجث
قنعت من الدنيا بكأس وشادن
…
وندمان صدق للمسرَّة ثالث
يدير شموسًا كفُّه مشرق لها
…
تغيب بأفواه النَّدامى المواكث
/112 ب/ فكأس مدامٍ عتَّقت قبل آدمٍ
…
وكأس لحاظ ساحرات نوافث
وقال أيضًا: [من البسيط]
ما ضرَّ ذا الخال لمَّا فاق معناه
…
لو بات من صدِّه خال معنَّاه
أو أنَّه أمر الطَّيف المزاور أن
…
يزور مضجعه لمَّا تجافاه
عساه يرثي له ممَّا يكابده
…
من الغرام إذا ما اللَّيل يغشاه
يا ويح من ضمِّنت نارًا حشاشته
…
تصعَّدت فهمت للعين أمواه
فكيف يطفي غليل من عليل جوى
…
ظبا عيون الظِّباء العين أضناه
بان الخليط بصبر المستهام ضحى
…
فجدَّ بي الوجد لمَّا جدَّ مسراه
فظلت أندبه والدَّمع منهمل
…
حتَّى لقد كاد أن تطفو مطاياه
فمن لمرغوب بين قلَّ ناصره
…
وصبره إذا تجافاه أحبَّاه
صبّ تمَّنى بأن يقضى له وطر
…
منهم فلم يقض يومًا ما تمنَّاه
وقال أيضًا: [من الخفيف]
إنَّ خيرًا من قهوة ونديم
…
حكمة أستفيدها من حكيم
ثمَّ أنهى من أتِّباع المعاصي
…
طلب العلم من ذوات العلوم
/113 أ/ ليس سجع القيان مع نغمة المـ
…
طرب في حندس الظَّلام البهيم
كسماع القرآن من منطق عذ
…
ب وتسبيحه لربّ رحيم
فذر الخم والخمار فما الشُّر
…
ب مع الشَّرب في ظلال الكروم
كجلوس مع عالم مستفيدًا
…
نوره ساطع لدى التَّعليم
فتجنَّب معاصي الله في دا
…
ر غرور جاءت بعيش ذميم
لا تكن واثقًا إليها فكم قد
…
أوثقت واثقًا بخطب جسيم
كدرَّت صفو عيش آدم في المبـ
…
دا فمبدا عنادها من قديم
غرَّبت نوح في البلاد فكم كا
…
بد بعد اهتمامه من هموم
عاش فيها أيُّوب ما بين صبر
…
غير خاف وبين جسم سقيم
وهي أودت بصبر داود لمَّا
…
فتنته بفعلها المذموم
فغدا باكيًا يروَّي سهول الأ
…
رض من فيض دمعه المسجوم
وقال يمدح الرئيس صفي الدين إسماعيل بن أبي القاسم الحلبي: [من الخفيف]
حال عن عهده ومال الملول
…
حين [أصغى] لما يقول العذول
/113 ب/ من به في الهوى يزيد غرامي
…
دون تقصيره ووجدي يطول
قمر يخجل البدور بوجه
…
غير ما حسنه الغريب أفول
جلَّ عن وصف من يقول بما فيـ
…
هـ وحار التَّشبيه والتَّمثيل
ورشيق القوام أربى على الغصـ
…
ن وطال القضيب وهو طويل
هزَّ لمَّا أنثنى على لين عطفيـ
…
هـ قوامًا لا يعتريه ذبول
رشا يألف القلوب محلَّا
…
وهو من عرف طبعه مستحيل
بتُّ أسقى من كفَّه لون خدَّيـ
…
هـ وعاثت شمائل وشمول
من ساف كأنَّها في دجى اللَّيـ
…
لمن ضلَّ في الدُّجى قنديل
بنت كرم تهوى الكرام اختيارًا
…
عندما ذمَّ في الزَّمان البخيل
لطفت فهي كالهواء ورقَّت
…
فهي كالماء لا بل السَّلسبيل
قهوة عتِّقت ببابل والدَّهـ
…
ر سوى بابل بها مشغول
لبست في الزَّمان حلية لون
…
فهو من طول عمرها لا يحول
فكأن قد أعارها اللُّطف والعر
…
ف صفيُّ الدِّين الفتى أسماعيل
ذو العطايا الجسام من أبي القاسم صدر في الدَّست منه جليل
/114 أ/ من به في الزَّمان تفتخر الشَّهـ
…
با وتسمو شبَّانها والكهول
صاحب الهمَّة الَّتي تسبق الوهـ
…
م بعزم لا يطَّبيه فلول
ليس من يقتني النَّفيس من الدُّ
…
رِّ كمن ليس عنده تحصيل
يا رئيسًا أضحى به الأمر يزهو
…
من سنى وجهه الَّذي لا يزول
طلت فينا كطول والدك الما
…
ضي ويبقى لك البقاء الطُّويل
لك في الوصف ما يجلُّ عن الوصـ
…
ف ولا تهتدي إليه العقول
وسماح أزرى بمنسكب الغيـ
…
ث وقد سأل عن نداه السُّيول
[960]
يوسف بن إبراهيم بن نصر بن عسكر بن نصر بن عسكر، أبو العزِّ بن أبي إسحاب الموصلي.
وأبوه قاضي السلاميّة، وقد مرَّ شعره في موضعه.
وابنه هذا كان قد قرأ طرفًا جيدًا من الفقه على مذهب الإمام الشافعي – رضي الله عنه – بالموصل بالمدرسة النورية التي أنشأها أتابك نور الدين أبو الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود. وتأدّب وكان له دراسة وفهم، يقول أشعاراً.
رأيته غير مرة /114 ب/ واقتضيته شيئًا من شعره، فلم يقدر أن اكتسب عنه شيئًا منه، وسافر إلى آمد واستوطنها إلى أن توفى بها. وكان شابًا حسنًا ذا قريحة سمحة، وخاطر موات في النظم.
أنشدني أبو الفتح مسعود بن مودود الضرير الكرخيني، قال: أنشدني يوسف بن إبراهيم بن نصر بن عسكر يمدح بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله – صاحب الموصل: [من الكامل]
ظعن الأحبَّة منجدين وساورا
…
وسرت بقلبي والفؤاد نوار
وبقيت مختطف الفؤاد متَّيما
…
فالقلب يخفق والدُّموع غزار
لا يستقرُّ بي القرار فمنجد
…
إن أنجدوا ومغوَّر إن غاروا
لا تنكرنَّ لي الوقوف بربعهم
…
لولا الأحبَّة لم تشقني الدَّار
ومنها قوله:
يا من أعار قوامه غصن النَّقا
…
هيفًا ودون جبينه الأقمار
كيف استبحت القتل وهو محرَّم
…
أنسيت ما صدعت به الأخبار
فأجابني في حكم أرباب الهوى
…
قتل المحب على الحبيب جبار
/115 أ/ ومنها في المديح:
قيل إذا عقد الحبى وسميدع
…
إن شبَّ للحرب العوان شرار
وإذا تناوله الكماة بمأزق
…
فطوال أعمار الكماة قصار
كلف بتشتيت الُّلهي فكأنَّما
…
يوم العطاء له عليه ثار
ومن شعره أيضًا ما كتبه إلى بعض أصدقائه إلى إربل: [من الطويل]
ترى إن سألت الرَّيح حمل تحيَّتي
…
إلى إربل الغراَّء تحملها عنَّي
فما حنَّ مشتقاق إلى طيب منزل
…
حنيني إلى الغرَّاء كلَاّ ولا حزني
سررت بلقياه فعاد فراقه
…
عليَّ بأضعاف السُّرور من الحزن
ومنها: فليت المطايا سرن بي عنه سرن بي
…
إليه ولو كان المسير على جنفي
[961]
يوسف بن أحمد بن يوسف بن الأزرق، أبو العزِّ الفارقيُّ الأصمُّ
كانت ولادته في اليوم الثالث من جمادى الأول وهو يوم السبت سنة سبع وسبعين وخمسمائة
/115 ب/ كان هذا الرجل من أشهر بيت بميّافارقين وأقدمه. ومن عجيب شأنه أنُّه كان على أشدّ ما يكون من الصمم؛ وحكي لي أنه كان مع صممه ذكيًا بصيرًا، شديد التيقظ، مفرط الفطنة، أعطاه الله فهمًا دراكًا، وخاطرًا وقّادًا، وفطرةً سليمة. وإذا أراد إنسان منه حاجةً أوامرًا ما يروم بذلك تعريفه كتب له في الهواء فيدركه سريعًا بلا توقف، أو يشير إليه ويحرك له شفتيه فيفهم المعنى المراد به والغرض المطلوب بأدنى إشارة وأيسر إيماء.
وله مع ذلك شعره؛ وهو القائل يمدح المولى الصاحب الوزير العالم الكبير مؤيد الدين أبا نصر إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم الشيبانيّ – أدام الله سعادته وبلَّغه أمنيته بمحمد وآله وصحبه أجمعين: [من الكامل]
إنَّ الوزارة مذ رأت أحوالها
…
جلَّت ولم تر حاملًا أثقالها
كلَّا ولا ذا عزمة مرهوبة
…
بالعدل والإحسان يصلح حالها
نهضت تروم لها كريمًا ماجدًا
…
شهمًا تمدُّ على علاه ظلالها
حتَّى إذا علمت بأنَّك صاحبًا
…
كفئًا تزيد سموَّها وجلالها
/116 أ/ خطبتك من حلب فلم تك راغبًا
…
فيها ولا متطلِّبًا أمثالها
وأتتك طالبةً وصالك بعد ما
…
منعت جميع الطَّالبين وصالها
فمنحتها بالوصل منك لأنَّها
…
جعلت إليك رجوعها ومالها
ونهضت نهضة ماجد تسمو به
…
همم سواه من الورى ما نالها
وقصدت ميَّا فارقين فقابلت
…
بك عندما قابلتها إقبالها
وتفرَّقت عنها المطامع من جميـ
…
ع الطالبين وفارقت أطلالها
وحللتها فاستبشرت بعلاك بل
…
عمَّ السُّرور نساءها ورجالها
وكففت عنها كلَّ كفِّ لم تزل
…
بالجور تكنف دائمًا أموالها
وظفرت من رأي المظفَّر بالَّذي
…
ترك الممالك قد ملكت عقالها
فحرست دولته البعيدة عندما
…
رفعت إليه واشتكت أحوالها
فغدا إليك مفوِّضا أسبابها
…
وأقالها من خامل وأذالها
فتجمَّلت بعلاك بل جمَّلتها
…
يا أوحد الدُّنيا وزدت جمالها
وحميت حوزتها وقمت أمامها
…
ويمينها ووراءها وشمالها
بعزائم تمضي إذا امضيتها الأ
…
قدار تتبع أمرها ومقالها
/116 ب/ أمؤيّد الدّين الَّذي قد أيَّد الله البلاد به وأسعد فالها
يا سِّيد الوزراء إبراهيم يا
…
من عن فعال الخير يوما ما لها
يا صاحبًا نال الوزارة عندما
…
عزَّت ولم ينل الرِّجال منالها
لله أنت إذا الحوادث أقبلت
…
نحو الوزير وزلزلت زلزالها
من صاحب يجلو دجى الجلَّى إذا
…
جلَّت ويهدي رأيه جهَّالها
يا نجل يوسف الَّذي حاز العلا .... بمناقب أحد سواه مالها
أنت الَّذي لك في الأنام عوارف
…
وصنائع جحد الزَّمان فعالها
ولك اليراع يروع أفئدة العدا
…
فرقًا بأن يدني لها آجالها
إن جال فوق الطَّرس أرجف بالعدا
…
جولانه يومًا وسدَّ مجالها
فلكم بكبتك قد كبتَّ كتائبًا
…
وهزمت منها في الوغى أبطالها
أرسلت إذ أرسلت رأيك نحوها
…
آجالها إن شئت أو آمالها
وتركت بالآراء غلب أسودها
…
لم تستطع فرقًا ترى أشبالها
فتفرَّقت بعزائم لك قصَّرت
…
من عزِّها بل طوَّلت إذلالها
تلك الصفِّات الغرُّ فيك أعيذها
…
بالله يومًا أن يتمَّ كمالها
/117 أ/ يا صاحبًا عمَّ الورى بمكارم
…
منه تسابق دائمًا سؤَّالها
إن أصبحت حلب وأدمع أهلهاً
…
محلوبة لمَّا أعتمدت ملالها
فجهات ميَّافارقين مضيئة
…
قد أشرقت بك مذ وصلت حبالها
فاسعد بها وأسمع معان لم يطق
…
في الدَّهر ينظر شاعر أشكالها
من قائل أقواله مشهورة
…
عند الأفاضل غيره ما قالها
بجنانه سحبان بل بلسانه
…
لكنانا يمنع ثقله إرسالها
قد جاء معتذرًا من التَّأخير والـ
…
تَّقصير يرجو منك ستر خلالها
ويقول ما صدر الزامان ومن عصت
…
أحلاقه في جوده عذَّالها
لا تنظرن لبسي فإنَّ عصابة الـ
…
فضلاء قد رضيت لها أسمالها
وأنظر إلى فضلي فكم من أسرة
…
للفضل قد حسن الورى أفضالها
وأفتضَّها منِّي مخدًّرة أتت
…
علياك لم يبصر سواك خيالها
فأسمع معانيها بوجه مقبل
…
وأقبل عليها وأعتبر أمثالها
وأفتح بجود يديك لي سبل الغنى
…
عجلًا وكسَّر بالنًّدى أقفالها
وأستجل من غرر المدائح حرَّة
…
كالشَّمس تكسف بدرها وهلالها
/117 ب/ وأسلم ودم في دولة أبدًا على
…
كيوان يسحب دائمًا أذيالها
لا زلت صبّاً بالمعالي ما صبا
…
صبٌّ بذات صبًا تزيد دلالها
[962]
يوسف بن أحمد بن عليِّ بن أحمد بن عليِّ بن عبد المنعم بن هبل، أبو الفتح بن أبي العباس الموصلي المولد والمنشأ، البغداديُّ الأصل، المعروف جدُّه بالحكيم الخلاطِّي.
وقد مرَّ شعر أبيه وشعر جدِّه متقِّدما من الكتاب.
وهم من بيت معروف بالطبّ
وأبو الفتح هذا أتقن طرفًا من علم الحكمة والطبّ وتميز في ذلك. وكان فيه ذكاء وله قريحة صالحة في نظم الشعر، ويقول منه المقطعات.
ثم إنَّه كان من ذوي الطبقات العالية في لعب الشطرنج المبِّرزين. وكان شابًا كيِّساً حسنًا لطيفًا، سكن بلاد الروم مدَّة من الزمان، ولم يزل بها مقيمًا إلى أن توفي ِّ رحمه الله تعالى.
ومما أنشدني لنفسه بالموصل بمنزله بسكّة أبي نجيح: [من الكامل]
لمَّا بدا الشَّعر المضلُّ بخدِّه
…
وأزال رونق وجهه وجماله
/118 أ/ كتب العذار على صحيفة خدِّه
…
هذا جزاء صدوده وفعاله
وأنشدني أيضًا لنفسه إملاءً: [من البسيط]
لي همَّة فوق أعلى النَّجم منزلها
…
وفكرة حار فيها من يدانيها
إن كان يسعدني دهري بخدمتها
…
فسوف أوضح شيئًا من معانيها
[963]
يوسف بن إسماعيل بن عبد الجبّار بن أبي الحجَّاج يوسف بن عبد الجبّار بن شبل بن عليِّ الصُّويتي ِّ وصويت
فخذ من اليمن أبو الحجّاج بن أبي الطاهر المقدسيُّ، الأصل المصريُّ المولد والمنشأ.
كان والده عارض الجيش في ديوان الملك الناصر صلاح الدين أبي المظّفر يوسف بن أيوب بن شاذي – رضي الله عنه – وكذلك جدُّه أبو الحجَّاج.
وكان من عقلاء الناس، ونبلاء الرجال وفضلائهم، له معرفة بالأدب والعربية واللغة وعلم التواريخ، وسير الناس وأيامهم، وذَّيل على كتاب "تاريخ اليمن" الذي ألَّفه عمارة اليمني، كتابًا سمَّاه:"البرق اليماني".
وسافر /118 ب/ إلى بلاد اليمن، وأقام به مدة يعاشر علماءها ويخالطهم، ويقبض من فوائدهم.
وحدّثني الأمير شرف الدين أبو حفص عمر بن أسعد بن عمّار الموصلي بها - أسعده الله تعالى – قال: حدَّثني أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل المصري، قال: بلغني أنَّ بعض المجان بزيد ضاع له خروف عند نزول العسكر بظاهرها فبكى عليه، وسألني بعض الأصحاب أن أقول فيه على لسانه شيئًا، فقلت هذه الأبيات:[من الوافر]
بكيت على الخروف بكاء صب
…
ومن لي أن أمتَّع بالخروف
لهوت به قرير العين حينًا
…
وصارمني ففارقني أليفي
أرقِّصه فيعجبني خيالًا
…
فيا لك من أبي عجب خفيف
ألم أخضب شواك ولم أقصِّر
…
ألم أجعلك يا سكني حريفي
نشدتك في الخيام بجهد نفسي
…
وأغليت الجعالة بالمشوف
فلا خبر ولا أثر يداوي
…
لهيب النَّار في القلب الضَّعيف
وإنِّي واثق بالله ربي
…
سيلطف بي ويرجع لي خروفي
[964]
يوسف بن إسماعيل بن علِّي بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم أبو المحاسن الحلبُّي المعروف بالشوَّاء.
تأدَّب على أبي القاسم أحمد بن هبة الله بن الجبراني النحوي، واختلف إلى أبي الفتح مسعود بن أبي الفضل بن فطيس النقاش الحلبي الشاعر، وتخرّج عليه.
ثم جاش خاطره بإنشاء القريض، ونظم منه شيئًا كثيرًا، وقصد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب – رضي الله عنه – مادحًا، وبعده ولده الملك الظاهر غازي؛ ثم الملك العزيز ولده.
ولم يكن ممن يرتزق بشعره على عادة الشعراء؛ إلَاّ [أنه] يقوله تولعًا، وكانت نفسه ترفعه عن الاستجداء به والاستماحة. وكانت له عناية جيدة بعلم العروض ومعرفة تامة بأوزان الشعر؛ وكثيرًا ما يودع في أشعاره شيئًا من جنس ذلك.
وكان شيعيًا مغاليًا في المذهب الإمامي، وهو شاعر مصقول الكلام منقوده، رقيق حواشي الشعر كيف ساء يقوده، من /119 ب/ أحسن شعراء وقته شعرًا، وأوفرهم أدبًا، وأغلاهم سعرًا، وأجودهم إبداعًا ورصفًا، وأكثرهم افتنانًا ووصفًا.
شاهدته بحلب في سنة أربع وثلاثين وستمائة؛ شيخًا كيسًا حسن اللقاء، وسألته
عن مولده، فقال: عمري إلى الآن إثنتان وسبعون سنة؛ فيكون تقدير ولادته سنة اثنتين وستين وخمسمائة. واستنشدته من شعره جملة وافرة، وكتبت عنه.
وكانت وفاته يوم الجمعة تاسع عشر المحرم، ودفن من يومه بمقبرة باب أنطاكية غربي المدينة ظاهرها، وذلك في سنة خمس وثلاثين وستمائة – تغمده الله برحمته ورضوانه-.
وديوان شعره في أربعة أجلاد يحتوي على عشرين ألف بيت، وصار إلى بعد موته كتاب من قيله قدر كراستين بخطّ يده لقبه "بخوض النبيه في روض التشبيه" جامع لفنون متعددة وضروب مختلفة في بدائع الأوصاف والتشبيهات، ووقع إلّى كتاب /120 أ/ من إنشائه ترجمه ب"رصف الجمان في وصف الغلمان" يحتوي على التغزل بالغلمان المبدعين حسنًا وظرفًا، ونعت صنائعهم وأحوالهم؛ وهو كتاب ممتع في فنِّه جدًا، وله كتاب آخر من نظمه عارض به الكتاب المقدم ذكره، عنونه بـ"النكت السَّواري في صفة الجواري".
ومما أنشدني لنفسه في التاريخ المذكور: [من الكامل]
لاح الصَّباح فغنَّت الأطيار
…
وتمايلت طربًا لها الأشجار
والبان مطلول الفروع كأنَّما
…
في كلِّ غصن منه موسيقار
وتنفَّست ريح الصَّبا فصبت لها
…
روح الغدير فصفَّق التَّيار
والأرض قد راض الرَّبيع شماسها
…
وأزال فرط ذرارها آذار
وتلفَّعت أطرافها بمطارف
…
خضر تنمنم وشيها الأزهار
والنَّهر أحوى الشَّاطئين كأنَّه
…
خدٌّ أحاط بصفحتيه عذار
قم يا نديم فقد بكى راووقنا
…
ولنا بفرط قطوبها استبشار
وتملَّها من قبل شبيك نعمةً
…
فمع الشَّبيبة تحسن الأوزار
/120 ب/ وأنشدني أيضًا لنفسه يصف الخمر: [من الخفيف]
إسقني الرَّاح كلَّ يوم خميس
…
بين مرد شمامس وقسوس
من شمول بكأسها تجمع الشَّمـ
…
ل وتنسيك كلَّ همٍّ وبوس
لو أطاقت نطقًا عزت صاحب الدَّيـ
…
ر أبًا عن أب إلى إدريس
عتِّقت في دنانها حقبًا حـ
…
تَّى تلاشت إلَّا بقايا نفوس
وصفت في إنائها فهي لا تد
…
رك حسًّا كسائر المحسوس
ياخليع العذار سلي عن الَّهـ
…
ووهات أستمع بلا تدليس
شرح علم في القصف لو كان فقها
…
لتصدَّرت فيه للتدريس
قد رويناه عن مشايخ ذا الفـ
…
نِّ بإسنادهم إلى إبليس
وأسقنيها على غنا جاثليق الدَّ
…
ير من راحة أبنة القسيس
فهي خود تجلُّ عن أن تقاس الـ
…
يوم في حسنها إلى بلقيس
قمرتني عقلي وقد رمقتني
…
عن جفون دعج اللَّواحظ شوس
حكمت فيَّ مثلما حكمت في الـ
…
عقل بالجور سورة الخندريس
في ندامى من النَّصارى إذا لا
…
ح سناها خرُّوا لها كالمجوس
/121 أ/ علَّقوا فوق دنِّها الصُّلب تعويـ
…
ذاً وقد ألبسوه لبس القسوس
فتراهم ليلاً يضجُّون بالتَّسـ
…
بيح من حوله وبالتَّقديس
حبسوه للخوف ان تقع العيـ
…
ن عليه في رأس دير الحبيس
فهو يصغي فيه لهينمة الرِّهـ
…
بان ليلًا وضجَّة النَّاقوس
كلَّما مات راهب غرفوا منـ
…
هـ ورشُّوا عليه في النَّاووس
لو رأى نارها وقد ضحكت ما
…
بيننا عن حبابها في الكؤؤس
خال كلاًّ منَّا عيشَّة لاحت
…
ختناً قام لاجتلاء عروس
إنَّني لم أبل وقد ملئت بالـ
…
رَّاح كأسي إذا تفرَّغ كيسي
وبديع الجمال اكسبني لـ
…
مَّا جفا وحشة وكان أنيسي
ليت دهراً أناه عن ناظري يد
…
نيه منِّي حتَّى يبيت جليسي
وأراه معانقي وعلينا
…
شبه من مرَّكب التَّجنيس
وأنشدني لنفسه: [من الطويل]
أدرها علينا أيُّها اللَّيل أنجما
…
تبيت على أيدي السُّقاة سواري
تحلُّ أباريقًا تخال بوارقًا
…
تلوح فتكسو اللَّيل ثوب نهار
/121 ب/ وقد بسطت كفُّ الثُّريَّا كأنَّها
…
بياض مشيب في سواد عذار
وقد نفخت ريح الصَّبا فحمة الدُّجى
…
فأذكت من الإصباح جذوة نار
وأنشدني لنفسه من قصيدة أوّلها: [من المنسرح]
لو عاد طيف الحبيب أوزارا
…
ما نال من عاشقيه أوزارا
علقته طاوي الحشا رشأ
…
يبيت من واصليه نفَّارا
بناظر أودع الجمال به
…
هاروت يسبي العقول سحَّارا
ووجنة قد أتت بمعجزها
…
فمازج الماء فوقها النَّارا
لو عاين الغصن قدَّه لذوى
…
ولو رأى البدر وجهه حارا
فارقتني كارهًأ وخلَّفني
…
أندب حزنًا لأجله الدَّارا
لي بعده مهجة متيمة
…
رقَّت فكادت تذوب تذكارا
وأنشدني لنفسه: [من الوافر]
لقد قلِّدت سيف الدِّين سيفًا
…
قضى الَّا هوادة للهوادي
أعدكَّما غياث الدِّين سيلًا
…
وسيفًا للعطاء وللجهاد
/122 أ/ فأنت لوصل أرزاق البرايا
…
وذاك لقطع أعناق الأعادي
وأنشدني لنفسه غزلًا: [من البسيط]
لو أن ما فيك من عجب ومن تيه
…
بالمزن شحَّت وما سحَّت غواديه
أو أقتنى فتك عطفيك القنا أنتظمت
…
من النُّجوم غواليها عواليه
يا أيُّها الرَّشا الغادي بل الأسد الـ
…
عادي بل القمر البادي لرائيه
فات الظُّنون فقد دقَّت محاسنه
…
عن أن تحدَّ بتكييف وتشبيه
رفقًا بصبٍّ جفاك المرُّ ممرضه
…
ووصلك الحول بعد الله شافيه
يا صاحبيَّ سلاه عدل سيرته
…
فينا فظلم الورى مزر بأهليه
وأستطلقا منه لي وصلاً ولو شبحًا
…
في رقدتي خطرات الوهم تهديه
ولا تلوما فعين اللَّوم عذلكما
…
فيه فحسب المعنَّى ما يعانيه
ما بال أحمد يجفوني وأحمد ما
…
في كامل الحسن ترك الحيف والتِّيه
علقته أسمراً كالرُّمح عامله
…
وخرصه طرفه السَّاجي وهاديه
صعب التَّلاقي تلافي حلّ بغيته
…
فالقرب يسخطه والبعد يرضيه
فالبدر من نوره والتَّم يشبهه .. والرمُّح في لونه واللِّين يحيكه
/122 ب/ غصن إذا ما ثناه العجب تحسبه
…
سكران عاطاه كأس الرَّاح ساقيه
يرنو وفعل الحميَّا في لواحظه
…
واللَّون في خدِّه والطَّعم في فيه
تبارك الله ما أشهى تجنُّبه
…
إلى القلوب ما أحلى تجنِّيه
وأنشدني قوله في الغزل: [من الخفيف]
وأنشدني قوله في الغزل: [من الخفيف]
وغزال من عجبه نشر العتب
…
سرورًا في طيِّهنَّ سرور
لو جنى غضَّ ورد وجنته باللَّـ
…
حظ غيري لغضَّ منه الغيور
أرهفته الحمَّى فأصبح منها
…
لونه وهو للنُّظار نظير
لو تأمَّلتنا نحيفين مصفرَّ .... ين لم يدر أيُّنا المهجور
وأنشدني له مثله: [من الكامل]
ومهفهف عني الزَّمان بخدِّه
…
فكساه ثوبي ليله ونهاره
لا مهَّدت عذري ملاحة وجهه
…
إن غضَّ عندي منه غضُّ عذاره
وأنشدني أيضًا من شعره: [من الهزج]
على خدَّيك للشَّعر
…
شعار بهما يزري
وتعذيرهما أوضح في هجرهما عذري
/123 أ/ وغيري لهما أضحى
…
كثير الحمد والشُّكر
أحبُّ البدر في الظُّلمة لا الظُّلمة في البدر
وأنشدني لنفسه في غلام ينظر في المرآة: [من الخفيف]
وغرير يحكي الغزال بعينيـ
…
هـ وخدَّاه بالغزالة تزري
قابلته مرآته فأرتنا
…
عين شمس إنسانها وجه بدر
وأنشدني له في المعنى: [من مجزوء الرمل]
قلت إذ لاح بمرآتـ
…
ك لي مرآك سافر
تلك إغفاءة صب
…
زار فيها طيف هاجر
وأنشدني أيضًا قوله: [من الكامل]
ناديت والنُّدماء تقصر خطوهم
…
نشواتهم وتهزُّخهم أخواطا
يا أيُّها الشَّادي تغنَّ فقد ونى
…
في السَّير دور كؤوسنا وتباطا
هي كالمطيِّ تكلُّ من طول السُّرى
…
فيزيدها نغم الحداة نشاطا
وأنشدني لنفسه: [من الطويل]
/123 ب/ أرى حسناتي عند قومي مساوئًا
…
كأن لم أشد أركان مجدهم وصفا
ولم أك أسطاهم إذا حادث عرا
…
وأعفاهم عن جرم جانيهم لطفا
وأسمحهم في كلِّ مخمصة يدًا
…
واشمخهم عن كلِّ منقصة أنفا
عذرتهم لمَّا تعذَّر برُّهم
…
وقلت: فقير الأهل أهل لأن يجفى
فإن سبَّني منهم جهول فإنَّني
…
سأثني عليه ما ثنى عطفه عطفا
ولو نبذوني كالحصاة مهانة
…
لكنت بهم منهم بأنفسهم احفى
ولو نلت وفرًا وافرًا لجعلته
…
على وفق ما يرضيهم أبدًا وقفا
وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الخفيف]
لو تأمَّلت أيُّها الخلُّ مرئيَّـ
…
ات هذا الورى بغير أختيار
لرأيت البياض من أحسن الألـ
…
وان إلَاّ في لمَّة وعذار
وأنشدني لنفسه يهجو: [من الوافر]
ألا يا أبن العبيد الأدعياء
…
ويا أبن العاهرات من الإماء
لك أست قد غدت في الماء ذلا
…
وأنف راح كبرًا في السَّماء
تركتك لا أعاتبك أحتقارًا
…
لأنَّ العتب بين الأصفياء
/124 أ: لإن أطرقت أعمل فيه فكري
…
لأنتهكنَّ عرضك بالهجاء
وأنشدني لنفسه: [من المجتث]
لله قوم تساقوا
…
من العظات عقارا
شعت يبيتون صرعى
…
خوف المعاد سكارى
قد أحدث الخوف فيهم
…
نحافة وأصفرارا
لو أطَّلعت عليهم
…
ولَّيت منهم فرارا
وأنشدني لنفسه يمدح السلطان الملك العزيز غياث الدين محمد بن غازي بن يوسف – رحمه الله تعالى: [من الخفيف]
لمن النَّار بعد وهن تشبُّ
…
دون سلع تلوح طوراً وتحبوا
ذات برق يبدو وليس له
…
إلَاّ جفوني إذا تألَّلق سحب
لسانها والرِّيح وسنى بجسم الَّلـ
…
يل بعد الفناء روح تدبُّ
شيَّبت لمَّة الدُّجى حين شبَّت
…
فاهتدى طارق وضلَّ محبُّ
/124 ب/ وأشارت لمَّا أنارت بما يفـ
…
همه كلَّ وامق فيه لبُّ
طارحتني الأسى فخيِّيل لي أ
…
نَّ سناها مثلي بعلوة صبُّ
ما تعدَّت لمَّا تبدَّت وقد مدَّ
…
ت قميص الدُّجى ظباها القضب
بل أفادت طرفي بياناً بأطرا
…
ف بنانا لها على البعد قرب
فكأنَّ الظَّلام صدر مشوق
…
واضطراب أضطرامها فيه قلب
أتحفتني إذ أتحفتني بها ليـ
…
لة أمس تثير وجدي فأصبو
لسجايا الملك العزيز أنثنت تغـ
…
ضي حياء نجومها وهي شهب
ملك رصف وصف غرِّ معاليـ
…
هـ أعتقادي ومدحه لي دأب
ثابت الجأش إن تكلَّف نقع
…
ثاقب الرَّأي إن تمكَّر خطب
قضبه البيض رعَّف وقناه السُّـ
…
مر صم ٌّ وخليه الكمت قبُّ
إن أتى سائل فبرٌّ ولطف
…
أو عتا صائل فطعن وضرب
فهو للمكرمات خدن واللجو
…
د حليف وللشجعة ترب
وهو من أسرة نداهم تليد
…
وطريف المجد إرث وكسب
أيُّها الدَّهر ما لصرفك عندي
…
بعد ما سرَّني بمرآه ذنب
/125 أ/ قد سما يا غياثة بك دين
…
بذباب الحسام عنه تذبُّ
ذلُّ قهراً لحكم توحيده الشِّر
…
ك فدان الباغي وهان الصَّعب
أيُّ قطر من أرضه ما لفرسا
…
نك فيه قتل وأسر ونهب
أيُّها المالك العزيز غياث المِّد
…
ين والماجد الجواد النَّدب
لو عدا من عداك في الحكم باغ
…
مستبدًا بفعل ما لا تحبُّ
لثناه قهرًا لإرسال أبطًا
…
لك رسل وللكتائب كتب
ولأمسى ومن عقارب حرما
…
ن عواليك في عواليه لسب
فأجلها شرقًا وغربًا فقد أصـ
…
بح يخشى سطاك شرق وغرب
فالعوالي ظمأى وجن من الخيـ
…
ل إلى خوّة القتام الشُّهب
مرحان تخال في الخال والوشـ
…
ي رياضًا لها الذَّوابل قضب
تتهادى تيهًا بكلِّ كميٍّ
…
خدنه الرمُّح والحسام العضب
طالما أحطم الرِّماح بصدر
…
ليس في قلبه من الموت رعب
كلَّما شام فتكه بالأعادي
…
رمحه هزَّة لذلك عجب
وأنثنوا للرماح في أجمات
…
زأرت تحتها ضراغم غلب
/125 ب/ أحدقوا في عدال خفضًا وجزمًا
…
ولهم في علاك رفع ونصب
ولئن كنت يا محمَّد للحمـ
…
د نبَّيًا فأنت للمجد ربُّ
ولئن حان ذا ويا روض حالي
…
فلساني ببثَّ حمدك رطب
فتمتَّع بالعيد وأنحر أعاديـ
…
ك بماضي عزيمة ليس تنبو
وابق في عزةَّ لك الدَّهر سلم
…
واللَّيالي لمن يعاديك حرب
ما أمال النُّعاس أجفان مغفٍ
…
فالتقى في كراه بالهدب هدب
وقال أيضًا: [من الكامل]
قالوا: حبيبك قد تضوَّع نشره
…
حتَّى غدا منه الفضاء معطرَّرا
فأجبتهم والخال يعلو خدَّه
…
أو ما ترون النَّار تحرق عنبرا
وقال أيضًا: [من البسيط]
وقائل: كيف أنت اليوم، قلت له
…
أعوم في بحر همٍّ ماله شاطي
ما بين عشق وإفلاس هما احتلبا
…
دمعي كما أجتلبا ضرِّي وإسخاطي
قلبي كصاحبة النِّحيين مشتغل
…
والكفُّ أفرغ من حجَّام ساباط
قوله: [من الطويل]
/126 أ/ أقول لساقينا وقد مال سكره
…
بجفنيه حتَّى حار بينهما الحور
وللخمر جمر شبَّه الماء فانبرى
…
يطير عليه من فواقعها شرر
رويدك لا تلثم مراشف كأسها
…
فما ينبغي للشمس أن تدرك القمر
وقال غزلًا: [من الخفيف]
ته دلالاً فإنَّ ظلمك عدل
…
كلُّ صعب سوى فراقك سهل
وتأمَّل حالي تجده عجيبًا
…
غيث دمعي له بجسمي محلُّ
يا هلالاً له دلال وعجب
…
في هواه ولي خضوع وذل
في قضيب تكاد قامته تعـ
…
قد من فرط لينه وتحلُّ
زدت حزنًا وقفت حسنًا فأضحى
…
ما لحزني وما لحسنك مثل
وخلعت العذار فيك فأضحى
…
بعذاريك لي عن اللَّوم شغل
يا ملولا أصارني الحبُّ لا أط
…
مع في وصله ولا عنه أسلو
لا شفى الله بعد بينك قلبي
…
بل إن كان ساعة منك يخلو
يا لقومي من حبِّ جاف ملول
…
فيه لي يعذب العذاب ويحلو
فضلالي رشد وذلِّي عزٌّ
…
وسقامي برء وهرجي وصل
/126 ب/ قوله في علام جميل الصورة أرسل أحد صدغيه، وعقد صدغه الآخر:[من السريع]
أرسل صدغًا ولوى قاتلي
…
صدغًا فأعيا بهما واصفه
فخلت ذا في خدِّه حيَّة
…
تسعى وهذا عقرب واقفه
ذا ألف ليست لوصل وذا
…
واو ولكن ليست العاطفة
وقال في الغلمان الصباح الوجوه الذين بقلعة حلب عند إيقاد النيران ليلة الميلاد: [من الخفيف]
ربَّ مرد شبَّهتهم ليلة الميـ
…
لاد لمَّا أرتموا وأذكوا سعيرا
ببدور عن الأهلَّة ترمي
…
بنجوم تمدُّها الشَّمس نورا
وقوله في صفة أسد: [من الوافر]
وأغلب أهرت الشِّدقين ورد
…
مخالبة كأنصاف الأهلَّه
يدل بكلِّ ناب غير ناب
…
يبل سناه مثل سنان ألَّه
/127 أ/ له زأر يروعنا ووجه
…
كريه للردى فيه أدلَّه
وله يصف فرسًا: [من الطويل]
وأدهم لو جارى الرِّياح لفاتها
…
يروق جمالًا بل يروع صهيلا
كقطع الدُّجى لونًا وكالنَّجم غرَّة
…
وكالبرق جريًا والصَّباح خجولا
وقال أيضًا: [من البسيط]
يا من حداني على قتلي تمنُّعه
…
وضرَّني بتماد ليس ينفعه
أنظر إلى ولهي لطفًا بعين رضًا
…
فالحرُّ مثلك أدنى القول يخدعه
ما مات راوي حديث السِّحر حين غدا
…
عن ناظريك إلى هاروت يرفعه
رفقًا بمضنى سهام اللَّحظ ترشقه
…
إذا رآك وأفعى الصُّدغ تلسعه
لو زاره طيفك المزورُّ عن ملل
…
في النَّوم لم يدر ضعفًا أين موضعه
لم يخل في الحبِّ من خلٍّ يعنَّفه
…
بالعنف فيك ومن لاح يقرِّعه
يخفى هواك من الواشي وقد نطقت
…
عن وجده بلسان الحال أدمعه
ما أبعد الصَّبر والسُّلوان من دنف
…
يروم قربك والأيَّام تمنعه
يزوره منك طيف ما تقدَّمه
…
وعد وير حل عنه لا يودِّعه
/127 ب/ ونقلت من خطّه شعره ما قال في الغزل: [من البسيط]
لو كنت شاهده والحزن يرعفه
…
من ناظريه وحمل الحبِّ يضعفه
والعيس قد ثوَّرت والحيُّ مرتحل
…
وقد طغى الوجد حتَّى كاد يتلفه
واليأس يطويه والآمال تنشره
…
لهال طرفك يوم البيت موقفه
يا غائبين أرحموا من ذل حين رأى
…
فرط الخضوع لكم ممَّا يشرفِّه
صبٌّ أقرَّت بسرِّ الحبِّ أدمعه
…
طوعًا وأثبت دعواها تلهُّفه
نديمه همُّه والنوُّح مطربه
…
والحزن والدمَّع ساقيه وقرقفه
يهوى الكرى جفنه الباكي ولو سنةً
…
عساه منكم بوصل الطَّيف يسعفه
إلى مها الأبرق الغادي تشوُّقه
…
لا بل إلى برقه البادي تشوُّفه
نائي الهجوع نحيل الجسم شاحبه
…
هامي الدُّموع مروع القلب مدنفه
بدمعه تبعث الذكرى ومهجته
…
الحرِّى فنظر بها شوقًا وتذرفه
ولا كتاب بذكراكم يعلِّله
…
ولا رسول بلقياكم يسوِّفه
يا برق حيِّ عذاري حيِّ كاظمة
…
عن مغرم عزَّ لولاهم تأسُّفه
/128 أ/ فلي بأجرعها المأهول سانحة
…
تغار باناته منها وأحقفه
فلست أدري أغيل صال مشبله
…
طرافها أم كناس عنَّ مخشفه
ويلاه من ظالم لمَّا غدا كلفي
…
طبعًا به بان في وعدي تكلُّفه
عبل مقرطقه شخت ممنطقه
…
غال مقبَّله عال مشنَّفه
حلو القوام شتيت الثَّغر أشنبه
…
مورَّد الخدِّ ساجي الطَّرف أوطفه
أنهى الجمال سجاياه وأبرزه
…
للغصن يذويه أو للبدر يكسفه
ظبي حكاه أسمه خلقًا وخالفه
…
فعلاً وشابهه خلقًا مصحفه
بسيف جفنيه يحمي ورد وجنته
…
فليس نجس بالأحداق نقطفه
يغزو النُّفوس بجيش من محاسنه
…
والقدُّ ذابله واللَّحظ مرهفه
ما قابل الشُّهب إلَاّ حار أنورها
…
أو بان للبان إلَاّ غار أهيفه
يرنو بفاترة لو لام أكحلها
…
للنرجس الغضَّ منه مضعفه
قال الوشاة وقد ماجت روادفه
…
فكاد من حملها ينقدُّ مخطفه
ما للملاحة فيه قلت: أبدعها
…
وما من الحسن فيه قلت: أظرفه
قسا ولنت فهل خل يعوج على
…
صبٍّ يسليِّه أو قطِّ يلطِّفه
/128 ب/ تبارك الله كم يجني عليَّ وكم
…
أحنو ويظلمني بغيًا وأنصفه
وكم يعاهدني عهدًا وينقضه
…
عمدًا ويوعدني وعدًا ويخلفه
ناديت والكبر ينهاه ويأمره
…
والعجب يقدمه والتيه يردفه
فتكت يا طرفه الشَّاكي بقلب فتى
…
يعنو لناظرك النَّبال أكشفه
يا ساقي الرَّاح إن أنست منه رضًا
…
يومًا وفارقه سكراّ تعجرفه
فاشرح له عن خلا من كاشح وصغا
…
ضرِّي وقد زاد عمَّا كنت تعرفه
يعقوب فقدك يسمو طرف همَّته
…
شوقًا إلى مصر حسن أنت يوسفه
واعتبه وأشك إليه ما أكابده
…
منه عسى رقَّة الشَّكوى تعطِّفه
ونقلت أيضًا عن خطِّه شعره: [من البسيط]
ألفتها حلوة الأعطاف كالألف
…
صدوفة ثغرها كالدُّر في الصدَّف
تريك وجنتها في الخدِّ إن سفرت .... ناراً من الحسن في ماء من التَّرف
أنفاسها عنبر ورد لمنتشق
…
وريقها قرقف صرف لمرتشف
وتحت حلَّتها غصن لمعتنق
…
وفوق وجنتها ورد لمقتطف
/120 أ/ يغدو المعانق من أنفاسها عطرًا
…
كأنَّما أنفه في روضة أنف
يا من تغير رماح الخطِّ قامتها
…
باللَّون واللِّين والتَّقويم والهيف
ما آن أن تتلافي بالوصال فتى
…
يرجو الشِّفاء وقد أشفى على التَّلف
ما كان أسعدني لو أنًّ لطفك بي
…
بقدر ما فيك من غدرٍ ومن جنف
وقال أيضًا: [من السريع]
يا للورى قد كان بي رمق
…
فاغتاله يوم النَّوى الحدق
فالقلب خوف البين مضطرب
…
أحشاؤه مقروحة خفق
ليت المطايا لا سرت بهم
…
عني وسدَّت دونها الطُّرق
ساروا فما سرُّوا ببعدهم
…
قلبي ولا عنُّوا ولا رفقوا
أودعتهم إذ ودَّعوا جلداً
…
أفناه من تفريقهم فرق
وقوله: [من الطويل]
أقول وقد قلَّبت في النَّاس ناظري
…
فلم أر إلَاّ خائنًا ومنافقا
أيا ليت أنِّي متُّ طفلًا وليتني
…
وقد طال عمري لا عرفت الخلائقا
ولم أنفرد يا صحبيَّ مجنِّبًا
…
عن النَّاس لو أنِّي مواف موافقا
/129 ب/ ولكن وجدت النَّاس لمَّا أختبرتهم
…
محبًا محاب أو شفيقًا مشاققا
خليليَّ من لي أن أصادف صادفًا
…
عن الغدر مثلي أو أصادق صادقا
وقال في غلمان دخلوا الحمام: [من الكامل]
شدُّوا المازر فوق كثبان النَّقا
…
حفراً فحلُّوا عقد نسكى والتُّقى
وتجرَّدوا فرأيت لين معاطف
…
نشروا ذوائبهم عليه فأروقا
وبدوا فأطلع كلُّ وجه منهم
…
بدرًا وأضحى كلُّ قطر مشرقا
من كلِّ أهيف حلَّ عقدة بنده
…
وغدا بلحظ عيوننا متمنطقا
خالسته نظرًا لأقطف وردةً
…
من روض وجنته فأغضى مطرقًا
فكأنَّ في الحمَّام سرب جاذر
…
نظر القنيص فظلَّ منه مشفقا
وقال أيضًا: [من الوافر]
لقد أكثرت مدح بني فلان
…
وكنت بان أذمهم خليقا
أطلت رشاء دحهم لأني
…
وجدت قليب جودهم عميقا
وقال أيضًا: [من الخفيف]
/130 أ/ وفتاة من هجرها بات قلبي
…
قلقًا مثل قرطها والنِّطاق
غادة سنجريَّه الأصل والفصـ
…
ل غزاليَّة الطُّلى والماقي
ذات قدٍّ كالغصن في اللِّين يعلو
…
م محيًا كالبدر في الإشراق
جال في صفحتيه ماء شباب
…
راق حسنًا فشبَّ نار أشتياقي
رمقتنا شزراً فلم تبق في الأجـ
…
ساد إلَاّ أواخر الأرماق
قلت: هل زورة فصدَّت وقالت
…
مه فضرب الأعناق دون عناقي
وأرتني تكبُّرا ما عليه
…
لمحة من مكارم الأخلاق
وتثنت عجبًا فقلت لها ما أسـ
…
مك يا بابليَّة الأرياق
قالت: أسمي قسا فناديت بل قلـ
…
بك يا محنتي على العشَّاق
وقال خمرية: [من الطويل]
إلا سقِّيانيها فقد نفح المسك
…
ولا تحبساها بعد ما صدح الجنك
وطوفا بها حبِّيبة حبيبة
…
مشعشعة كالتِّبر أخلصه السَّبك
إذا كفُّ ساق أو مات نحو شربها
…
بها لم يشكُّو أنَّها خمرة تذكو
يطوف بها ساق إذا لاح حاسراً
…
لنا قلت قولًا لم يشب صدقه إفك
/130 ب/ أرى اللَّيل لا ريب على البدر لامراً
…
على الغضن لا خلف على الحقف لا شك
ولا تبخلا أفديكما أن تناديا
…
إذا هزَّني سكري بها لمن الملك
وقال أيضًا: [من المنسرح]
وليلة بتُّها وحبِّي
…
أشكو إليه الهوى وأشكو
تقبح بالعاشق المعنَّى
…
في مثلها عفَّة ونسك
أشرب من فيه كأس خمر
…
ختامها من لماه مسك
وقال في غلام أسود يشيِّع جنازةً قد شقَّ ثوبه: [من الخفيف]
وغلام رأيته وهو يبكي
…
خلف ميت فبتَّ أسباب نسكي
عجبي من دموعه وهي ماء
…
كيف راحت لنار وجدي تذكي
أسود اللَّون كالدُّجى فإذا أفتـ
…
رَّ أراك الصَّباح من غير شك
شقَّ للحزن ثوبه مثل ما تفـ
…
تق في شمال قسيمة مسك
وله في غلام يرقص ويغني: [من السريع]
/131 أ/ أشرق من طلعته المنزل
…
لمَّا بدا واضطرب المحفل
علقت منه شادنَّا شاديًا
…
كأنَّما نكهته مندل
يكاد فوق الأرض أن لا ترى
…
من سرعة الرَّقص له أرجل
لو لم تكن هزَّة أطرافه
…
موزونة قلت به أفكل
فلو تراه إذا شدا وانثنى
…
لقلت غصن فوقه بلبل
وقال أيضًا: [من الخفيف]
حرت في حسنه وماذا أقول
…
وكثير الصِّفات فيه قليل
جوهر جلَّ أن تكيفهِّ الأفـ
…
هام أو تهتدي إليه العقول
صحَّ للناس أنَّه أحسن العا
…
لم وجهًا وقام فيه الداليل
وقال يصف حال الإنسان: [من الكامل]
أصبحت مذ أمسى يصرِّفني على
…
مرضاته صرف الزَّمان الكابي
كالدَّال من زيد إذا عبثت بها
…
بين النُّحاة عوامل الإعراب
فرداً من الأخوان تغمض قصًّتي
…
فكأنَّني شرط بغير جواب
/131 ب/ وقال أيضًا: [من الخفيف]
أيُّها الغافل المصرُّ على الأو
…
زار مهلًا فقد تداني الرَّحيل
خلَّ ظلم الورى فإنَّك يوم الـ
…
حشر عن كلِّ هفوة مسؤول
وتعَّفف واقنع برزق بسير
…
ودع الحرص فالحريص جهول
فقليل من الحلالً كثير
…
وكثير من الرحرام قليل
وله يصف روضةً: [من البسيط]
وروضة رضت فيها الهمَّ مستمعًا
…
لورقها هزجًا في البان أو رملا
على مكمَّمم زهر الأقحوان بها
…
أفواه حو أشارت تبتغي قبلا
وقوله في بائح السرَّ: [من الخفيف]
لي صديق غدا وإن كان لا ينـ
…
طق الَاّ بغيبة أو محال
أشبه النَّاس بالصَّدى إن تحدثـ
…
هـ حديثًا أعاده في الحال
وقال في غلام ساق: [من الكامل]
/132 أ/ وأغنَّ ممشوق الحشا متمائله
…
كالغصن بين جنوبه وشمائله
حيَّا بكأس مدامة قد خضَّبت
…
بشعاعها الواري رؤوس أنامله
كرضابه وكطرفه وكلفظه
…
وكنشره وكخدِّه وشمائله
وقال في الغيم والمدّ: [من الوافر]
وأدهم راح يعلن بالصَّهيل
…
جرى عنانه بيد القبول
وعلَّ حشا عليل الرَّوض وبلًا
…
شفاه قبلَّ من داء الغليل
وأنهم منه فتق الأرض مد
…
فأصدأ صفحة السَّيف الصَّقيل
لجين صار تبرأ حين ألقت
…
عليه السُّحب إكسير السُّيول
وله في مثاقف: [من البسيط]
إذا ترسِّم يوماً للثقاف غدت
…
أسد الشَّرى منه بين الخوف والوجل
يمناه كالبرق أمست سرعة وغدت
…
يسراه أثبت تحت التُّرس من جبل
وقال يصف الخمر: [من المديد]
/132 ب/ سقِّني الرَّاح فقد همت داء
…
فلقد كانت لروحي دواء
خمرةً لو خامرت ذا صغار
…
أخذت في رأسه كبرياء
صيَّرت مجلسنا وهي شمس
…
طلعت والشَّرب شهب سماء
فذكت نارًا وطارت شرارًا
…
وصفت ماءً ورقَّت هواء
وقال يصف الذهبيَّات: [من المتقارب]
ودوحٍ مررت وصحبي بها
…
نطارح ورقاءها في الغناء
ونيأس من وصلك المشتهى
…
فيطمعنا فيه حسن الرَّجاء
نعانق أغصانها إذ حكت
…
قوامك في هيف واستواء
قباب يبيت بنان الخريف
…
يذهبها لقدوم الشتاء
لقد خلت تشرين منها جلا
…
علينا عرائس صفر الملاء
كواعب تصفرُّ غب الفراق
…
كما أحمرَّ خدُّك غبَّ الحياء
تمايل عجبًا إذا ما رأت
…
من النَّهر أشخاصها في مرائي
وتشبه ألواننا صفرة
…
وليس بنا وبها فرد داء
/133 أ/ فصفرة أجسامنا من هوى
…
وصفرة أوراقها من هواء
وقال أيضًا يصف الثلج: [من الرمل]
ربَّ يوم حليت أطرافه
…
لسقوط الثَّلج في بيض الملاء
خلته إذ لاح في اللَّوح لنا
…
من خلال الخال يهوي في الهواء
ورقًا من ورث تنثره
…
راحة الرَّيح لتفضيص الفضاء
لو ترى الروضة لما راضها
…
خصر جمَّد أمواه الإضاء
قلت بسط من حرير أخضر
…
مخملات وضعت فيها مرائي
وقال في صفة الخمر والليل والنجوم: [من الكامل]
أسهو فيبديك التَّفكر نائي
…
فإخال أنَّك واقف بإزائي
يا شادنًا لعبت بمشيته الصُّبا
…
فانهال مثل الرَّملة الوعساء
قم فاسقني صرف الدِّنان ولا تهب
…
صرف الزَّمان فعيشنا لفناء
كأس تروَّح [و] روحها ناريَّة
…
والجسم نوريُّ الأديم هوائي
/133 ب/ بالماء طفِّ النَّار لكن نارها
…
بالضِّدِّ يذكو جمرها بالماء
أو ما ترى اللَّيل البهيم وقد بدا
…
من شهبه في لمَّة شمطاء
والبدر تبديه لعينك هالة
…
كالنُّؤي حول الخيمة البيضاء
وقال في غلام ينظر في المرآة: [من الخفيف]
كيف يرضيه أن أموت بدائي
…
وحياتي في قربه ودوائي
رشا ماج نعمة مثل مامـ
…
رَّ نسيم الصَّبا بجدول ماء
قابلته مرآته فأرتنأ
…
بدر تمٍّ يحويه أفق سماء
بات طرفي من خدِّه في صباح
…
وغدا من عذاره في مساء
جفنه في الضَّنى وجسمي شريكا
…
ن وإن كان داؤه غير دائي
ليس حسن الخروج إن حلَّ يومًا
…
في القوافي كقبحه في الغناء
وقال أيضًا: [من السريع]
ناديت وهو الشَّمس في شهرة
…
والجسم للخفية كالفيء
يازاهيًا أعرف من مضمر
…
صل واهيًا أنكر من شيء
/134 أ/ وقال يصف ميتًا: [من السريع]
لو عاينت عينك لمَّا قضى
…
عيسى وجوم المجد من رزئه
لأبصرت بيت بسيط العلا
…
قد طوي السَّالم من جزئه
وقوله يصف القناديل وقد أوقدت في المسجد الجامع: [من المديد]
صاح لو أبصرت جامعنا
…
والدُّجى زهر غياهبه
لرأيت اللَّيل كيف غدا
…
حدثًا شابت ذوائبه
عن بكاء الشَّمع متَّقداً
…
ضحكت بشراً جوانبه
قد حللنا منه في أفق
…
من قناديل كواكبه
بات منَّا كلُّ ذي أدبً
…
ومن الوالدان صاحبه
يجتلي زهراً محاسنًه
…
حيث لا واش يراقبه
بات يكسو اللَّيل ثوب ضحى
…
لهب كرَّت كتائبه
ويجلِّي عنه غيهبه
…
فهو كاسيه وسالبه
فهو صبٌّ بالصِّبا ولها
…
نفس وإن يلاعبه
/134 ب/ وقال يصف فارسًا: [من البسيط]
إذا سرى ونجوم اللَّيل ترقبه
…
وأربدَّ من هبوات النَّقع أشهبه
أراك ليثًا بغاب السُّمر معتقلاً
…
للصِّلِّ يضبح في اللَّبات ثعلبه
في متن عبل الشَّوى تغدو الجفون له
…
عبرى إذا راح يوم الحرب يركبه
جناحه إن يطر كالَّصقر منصله
…
والرُّمح منسره والسهَّم مخلبه
وقال أيضًا: [من الكامل]
قم يا نديمي وعاطنيها قهوةً
…
ذهبَّية فالعمر شيء ذاهب
فالنَّور ثغر والبنفسج عارض
…
والورد خدُّ والغصون ذوائب
وكأنَّما قد حي هواء جامد
…
وكأنَّما فيه عقيق ذائب
تسعى بمرِّيخ المدامة بيننا
…
شمس عليها للحليِّ كواكب
تهتزُّ قامتها ويرنو لحظها
…
فتغار قضب منهما وقواضب
لم يدر إذ ضحكت أمبسمها بدا
…
لعيوننا أم عقدها المتناسب
وقال أيضًا: [من المجتث]
أمبسم ورضاب
…
أم خمرة وحباب
/135 أ/ وطرَّة أم ظلام
…
وغرَّة أم شهاب
وجنة تحت خال
…
أم وردة وأناب
ومعلقة في جفونً
…
أم صارم وقراب
وقد تخمَّرت أم ذا
…
بدر عليه سحاب
وابنوس وعاج
…
أم أنمل وخضاب
وماس في الزَّهر غصن
…
أم قامة وثياب
وذا سراب وسحر
…
أم موعد وعتاب
وأنت ماء وخمر
…
أم أعظم وإهاب
أفديك يا من أشابت
…
رأسي وفيها شباب
وقال أيضًا: [من الطويل]
وسارت أمام الجيش وهو عرمرم
…
تسرُّ محبًا أو تسوء محابي
بأعلامك الحمر التَّي عذباتها
…
تصبُّ على الأعداء سوط عذاب
قلوع بنود في صواري ذوابل
…
على سفن جرد في بحور سراب
وقوله في صفة سماني: [من المتقارب]
/135 ب/ كأنَّ السِّماني عروضيَّة
…
تقطِّع سالم بيت الغريب
تردَّد وزنًا أحلَّ الخليل
…
به في أعاريضه والضُّروب
وله يصف الدولاب: [من البسيط]
دولابنا فلك يجري وأنجمه
…
تسري وكلٌّ إذا أنقضَّت له ذنب
كأنها وبطافي حوضها زبد
…
خناجر في دروع حين تنسكب
يديره جدول ينساب منعطفًا
…
كالأفعوان حباه الرَّشقة الحبب
يهوي فيشربه جزعًا فيدفعه
…
منعًا فمن حزنه يبكي وينتحب
وقال يصف يوم لذة وخلاعة: [من الخفيف]
ثب إلى مطرح الخلاعة وثبا
…
تنهب العيش بالمدامة نهبا
فبنان الرَّبيع قد رصَّعت د
…
رَّ الندى في زمرُّد الرَّوض رطبا
وخدود الشَّقيق تدمى حياء
…
وثغور الزُّهور تبسم عجبا
ورنا النَّرجس الذَّكي عيونًا
…
باكيات بأدمع الطَّلَّ حبَّا
والخزامي على سطور طروس الرَّو
…
ض يحكي جزمًا ورفعًا ونصبا
/136 أ/ وتثنى الأراك والبان في الرَّو
…
ض قدودًا تحاول الضَّم حبَّا
والهزار الفصيح في الرَّوض قد صـ
…
ن طيور تشجو الكئيب الصَّبَّا
بعد ما قرَّبت من النُّور قربا
…
ناً وضاهى المنثور بالشَّكل صلبا
وسرى للنسيم نشر ذكيٌّ
…
يملأ الخافقين شرقًا وغربا
مندليٌّ كأنَّما كان فرع الدُّ
…
وح مغف فعندما هبَّ هبَّا
ينثر الزَّهر عنه فأعجب لفود
…
شاب طفلاً وفي الكهولة شبَّا
وتلاقت وصفحة الماء ريح
…
كرَّ منها بردًا وأحجم رعبا
واصلته فصار كالدِّرع جعدًا
…
وجفته فصار كالنَّصل عضبا
أشبه الصِّلَّ رقشةً والتواءً
…
ونفاراً وخالف الصِّلَّ لسبا
بات من سمِّه السَّليم سليمًا
…
طاب نفسًا فلا يحاول طبَّا
فهو أصفى من الهواء أديماً
…
بين درَّين من حباب وحصبا
ولدينا بريكة يطلق الماء
…
أنابيبها الشَّحيحة غصبا
كصفاء المرآة مرأي وكالحـ
…
بِّ حبابًا وأدمع الصَّبِّ صبَّا
/136 ب/ فهي كالشَّمس حولها دارة البد
…
ر أحاطت بها الكواكب شهبا
كلَّما أنبتت عليها الأنابيـ
…
ب غصونًا ترجرج الموج كثبا
بينهما تستوي ولا المرد هيفًا
…
إذ غدت تنثني ولا الشِّيب حزبا
كالأفاعي من الثَّرى نفرت ظمت
…
أي أكبَّت تبغي من الماء شربا
مدةَّ صائغ الفضاء قضيبًا
…
من لجين وعاد يلويه قلبا
وعليها الإوزُّ كالسُّفن أشكا
…
لاً وجريًا والروَّض زهرًا وعشبا
وله يصف شمعة: [من الكامل]
يا صاح لو أبصرت شمعتنا
…
ليلًا تذوب ضنًى وتلتهب
لحسبتها والرِّيح وانية
…
صلاًّ ينقنض وهو منتصب
أو صعدة من فضَّ ركزت
…
في ربوة وسنانها وذهل
وقال أيضًا: [من الطويل]
ألا بأبي من لا أسمِّيه غيرةً
…
عليه ولا ألقاه إلَّا مقطِّبا
وددت بان لوزارني متحننا
…
ولا أزورَّ عنِّي معرضًا متجنِّبا
تبسم عن أغلى من الدُّر قيمةً
…
ولاِّظ عن أمضى من السَّيف مضربا
/137 أ/ يطار حني للعجب إَّبان عتبه
…
فيسمعني لفظًا حكى الدُّرًّ معربا
ويبعث من فرط الدَّلال بصدغه
…
فيرخيه ثعبانًا ويلويه عقربًا
وقال في الخمر وما يتعلق بها، أيضًا في وصف أيام الربيع والزهر وغير ذلك:[من المديد]
سقِّني في العشر من رجب
…
خمرةً حمراء كالذَّهب
نظمت أيدي المزاح على
…
تبرها درّاً من الحبب
[خلقت قبل الزمَّان وما
…
خلقت من كثرة الحقب]
كان يسقاها أبو لهب
…
من يدي حمَّالة الحطب
فالغمام الجون تحسبه
…
حين يهمي جفن منتحب
والصَّبا في الرُّوض قد سحبت
…
ذيلها تثني على السُّحب
وبدا زهر الرَّبيع لنا
…
في سماء الرَّوض كالشُّهب
وفروع البان قد رقصت
…
ورقها من خفَّة الطَّرب
هينمت مثل القسوس وقد
…
رأت المنثور كالصُّلب
والسَّواقي كلأراقم قد
…
أخذت للذُّعر في الهرب
/137 ب/ ولدينا زامر لبق
…
حسن الأخلاق والأدب
حاذق يهدي لأنفسنا
…
فرحًا من نايه الصًّخب
ومثاني العود تحسبها
…
ألسنًا من ضجَّة اللَّعب
وقال أيضًا: [من البسيط]
البرق والرَّعد في بشر وفي صخب
…
والطَّير والدَّوح في نوح وفي طرب
والرِّيح عاطرة الأنفاس قد سحبت
…
على الخمائل أذيالاً من السُّحب
وصارم المدِّ دام لاح في صدإ
…
من البخار وإفرند من الحبب
والنَّور قد رصَّعت أيدي الرَّبيع على
…
هام الرُّبى منه تيجانًا من الذَّهب
والورق مثل عروضيٍّيين قد شرعوا
…
في خبن مسرح أو طيِّ مقتضب
والكأس كالشَّمس راحت في مواقعها
…
ترمي شياطين همٍّ الشَّرب بالشُّهب
وجاد راووقها الباكي بمهجته
…
على الأباريق والأقداح والنُّخب
فلو ترى دمعه المسفوح وهو دم
…
لخلته شررًا يرفضُّ عن لهب
وقال في إنسان قبيح الخلق: [من المتقارب]
/138 لأ/ أتى فوق بغلته للحساب
…
فرحت وقد قلت قول الصَّواب
أشبِّهه وهو من فوقها
…
بقردٍ تسنَّم إحدى الرَّوابي
وقال أيضًا: [من المنسرح]
باكر إلى القصف يا أخا الأدب
…
منهمكًا في هوى أبنة العنب
فقد كسا النَّبت أرضنا حللاً
…
تختال منها في منظر عجب
والرَّوض تغدو الجفون عاطرةً
…
تسحب فيها مطارف السُّحب
قد عقدت للشقيق الوية
…
للشَّرب حمر منشورة العذب
ورقَّص البان شمال وصبًا
…
فصفَّقت ورقه من الطَّرب
والنَّهر سيف بخاره صدأ
…
له بحيث الفرند من حبب
وقال يمدح: [من الوافر]
فتًى فاق الورى كرمًا وبأسًا
…
عزيز الجار مخضرُّ الجناب
ترى في السَّلم منه غيث جود
…
وفي يوم الكريهة ليث غاب
إذا ما سلَّ صارمه بحرب
…
أراك البرق في كفِّ السَّحاب
وله في جارية تركية: [من الكامل]
/138 ب/ لاثت على الخدَّين فضل خمارها
…
وحمتهما من لحظها بقواضب
فحسبتها لحيائها عكست سنى
…
شمس الظَّهيرة منه تحت سحاب
تركيَّة برزت وقد أبدت لنا
…
نصح المسالم في سلاح محارب
ما بين لهذم رمح قد طاعن
…
منها وغرب حسام جفن ضارب
أهدابها ريش لأسهم لحظهًا
…
وتغابها وتر لقوس الحاجب
أبدى النَّصيف هلال أفق محاجر
…
منها وأخفى بدر ليل ذوائب
كحلاء جفوة خلقها لم تعدها
…
وباللُّطف رقَّة خلقها المتناسب
خود ذهلت وقد رنت فتأمَّلت
…
ذلِّي لعزَّتها وقلت لصاحبي
سلها ولو في نظرة منها ولو
…
وفي النَّوم تصدق عن خيال كاذب
ورجعت أنشد مهجة خلفتها
…
في أرسم منها خلت وملاعب
وقال أيضًا: [من الرمل]
وغمام بعد وهن جادنا
…
فرحًا للبرق والرَّعد صخب
مكفهرٌّ فيه لألاء سنًي
…
كقتام جردِّت فيه قضب
//139 أ/ وكأنَّ الشُّهب في أطرافه
…
شرر يرميه فحم عن لهب
ما رأينا مثله في حاله
…
ضاحكًا يبكي بشوشًا ينتحب
وقال أيضّا: [من الكامل]
يا جيرةً جاروا عليَّ وسادةً
…
سدَّت وقد ذهبوا عليَّ مذاهبي
قد صار كالضَّرب المرَّفل بعدكم
…
ليلي وكان كأبتر المتقارب
أملي غدا كغدي وحزني قد حكى
…
نومي وصبري مثل أمسي الذَّاهب
وقال فيمن أهدى إليه أترجَّة: [من البسيط]
حللت مولاي فخر الدِّين مرتبة
…
تسمو بأوصافك الحسنى على الرُّتب
يا من باياته مازال مفتخرًا
…
على نجوم الدُّجى فضلاً عن العرب
انقذت يا نافذ الآراء لي كرمًا
…
أترجَّةً خلتها قطعًا من اللَّهب
فاحت ذكاءً كما لاحت ذكاً وحوت
…
برد الضَّريب وحازت لذَّة الضَّرب
تراك أهديت لي أترجَّة جلبت
…
ريَّاك أم صغت لي تاجًا من الذَّهب
وله يصف عواداً: [من الكامل]
/139 ب/ أمهى شبا مضرا به فكأنَّه
…
في كفِّه قلم بأنمل كاتب
واستنطق الأوتار وهي صوامت
…
بيمين مرتهش ويسرى حاسب
صعبت عليه وراضها بذكائه
…
فتحدَّثت عن فضله بغرائب
وكأنَّه بقراط جسًّ لناحل
…
نبضًا ليعرف ساكنًا من ضارب
هزَّت مثالث عوده صخبًا وقد
…
صرَّت ملاويه صرير جنادب
لم يشد في علم القديم طريقًة
…
إلَاّ أتى من ضربها بمذاهب
أدَّى اللُّحون بغير لحن واقتدى
…
بالمحسنين فما أخلًّ بواجب
عنَّى بشعر كثيِّر فأجاد في
…
ثاني الثَّقيل وثالث المتقارب
ما دامت الأيَّام تتحفنا به
…
لم تخل من أدب صدور مادب
وقال أيضًا: [من الخفيف]
متُّ وجداً فزارني فحييت
…
فهو محيي لعاشقيه مميت
يا خليليَّ كم أرقُّ لجاف
…
شأنه الكبرياء والجبروت
لي من قدِّه وجفنيه رمح
…
يزنيٌّ وصارم إصليت
وعلى وجنتيه رونق حسن
…
سعدت مقلتي به وشقيت
/140 أ/ ورياض باكرتها والرُّبى
…
خضر الخفاتين النُّجوم خفوت
ذات زهر كأنِّما فتحت في
…
جانبيها عن البرود تخوت
بمغنٍّ في الحسن طار له في النَّـ
…
اس لا بل بلذَّة الصَّوت صيت
كأن منه هرش المثالث والأطـ
…
يار منها التَّصفيق والتَّصويت
دعدع الجنك بالبنان كما أسـ
…
رع في نسجه العنكبوت
فاجتلينا عروس دنٍّ سناها
…
جلَّ أن ترتقي إليه النُّعوت
أو مأت نحو نابها كفُّ ساق
…
جمع الحسن خدُّه واللِّيت
ما تبدَّت إلَاّ وناديتها والـ
…
شَّرب كلٌّ من نورها مبهوت
هل ترى أنت ذوب ياقوته حمـ
…
راء أم منك جمِّد الياقوت
وله يهجو مغنيًا: [من الطويل]
تمنَّيت إذ غنَّى وصفَّق لو قضى
…
إله الورى قبل السُّكوت بموته
فيا ليت عينيه وكفَّيه أصبحت
…
كإيقاعه عند الغناء وصوته
وقال في ساق: [من الطويل]
أقول لساقينا وللنَّد قسطل
…
وقد خفقت للبان والرَّند رايات
/140 ب/ ونادى صريخ العندليب فأحجمت
…
وهاد عليها للجداول فاضات
أدر بنجوم الرًّاح أفلاك راحنا
…
فللشَّرب ما دامت تسير مسرَّرات
فوجهك بدر والنَّدامى كواكب
…
وكأسك شمس والريِّاض سماوات
وقال يصف روضة: [من مجزوء الرجز]
أروضة قد أزهرت
…
أم صحف قد نشرت
وهذه شقائق
…
أم الجحيم سعِّرت
وفوقنا سحائب
…
أم الجبال سيِّرت
تلقي علينا بردًا
…
أم النَّجوم أنكدرت
ودوحها يظلُّنا
…
أم شمسنا قد كورِّت
كأنَّما أنهارها
…
مزبدةً قد مطرت
رقش الأفاعي رشقت
…
بأسهم فنعَّوت
او كالظُّبا لاح بها
…
فرندها إذ شهرت
فسقِّنيها عانسًا
…
في دنِّها قد كبرت
وأعجب لنار أنملي
…
من مسِّها قد خصرت
/141 أ/ من كفِّ ساق خلتها
…
من وجنتيه عصرت
وله في أحوال الورى: [من الطويل]
أرى نوب الأيَّام تلعب بالورى
…
لها ساحر في عقدة الهمِّ نافث
فيعدم موجود ويقدم نازح
…
ويجد معدوم ويرحل ماكث
كأنَّ الجديدين الحريفان في الورى
…
مهارك نرد والفصوص الحوادث
وله في بخيل: [من المتقارب]
أيا من هو الوصب اللَاّبث
…
وطلعته النَّصب الحادث
ومن كفُّه كعروض الطَّويـ
…
ل فيا ليتها ضربه الثَّالث
وقال يصف النار: [من الطويل]
أرى نارنا بعد الإنارة قد خبت
…
وقد باخ منها جمرها المتأجِّج
ولم يبق منها القرُّ غير ذمائها
…
فكانونها من ريح كانون أسمج
وقد شفَّ عن داني خداها رمادها
…
كما شفَّ عن زهر الكواكب زبرج
وقوله في بخيل: [من السريع]
يا باخلاً من لؤمه قلَّما
…
يلقح جودًا وعده الخنثى
/141 ب/ عرضك مسوٌّ غدا وجهه
…
كأنَّه بشِّر بالأنثى
وقال يصف سفينةً: [من الكامل]
وسفينة باتت تخبُّ بنا الدُّجى
…
غسقًا وثوب ظلامه قد أنهجا
وبنات نعش في السَّماء كأنَّها
…
ركب أشار إلى النُّزول فعرَّجا
مرَّت بنا شهراً تسير كأنَّما
…
رامت من الدُّنيا بنا أن تخرجا
فهي المطيَّة لا تبيت من السُّرى
…
رزحى ولا يدمي مناسمها الوجا
كالسَّهم تحمل كلَّ أشعث ساهم
…
يبكي ويضحك للمخافة والرَّجا
بينا غدت تسري وأسلك قلعها
…
حادي النَّسيم إلى الهداية منهجا
هاجت لنا ريح تمخِّض بحرنا
…
فارتجَّ منها مزبداً وتموَّجا
فهناك ألقينا المراسي خيفة
…
من زعزع هو جاء كانت سجسجا
وعلت من الركب المكثّر ضجَّة
…
من هولها فكأنِّ ليلاً قد دجا
وإذا بطرف البحر بعد شماسه
…
يغطي القياد لراكبيه قد سجا
حتَّى إذا طاب الهواء وأقلعت
…
بعد الوقوف بنا وثقَّفها النَّجا
عجنا بسيف جزيرة مهجورة
…
عبث النَّسيم بزهرها فتأرجَّا
/124 أ/ فتباشرت أرواحنا وتلطفت
…
همَّ السُّرور بهمِّنا فتفرَّجا
وله يصف دوحة: [من الرمل]
لست أنسى يومنا في دوحة
…
زخرفت أرجاؤها ذات أرج
وبها فاءت علينا سرحة
…
تذهب الهمَّ وتأتي بالفرج
وكأنَّ التُّوت في أغصانها
…
لؤلؤ بين عقيق وسبج
وقال يصف أعلام الملك العزيز غياث الدين محمد بن غازي بن يوسف بن أيوب – رحمه الله تعالى: [من الطويل]
عجبت لأعلام العزيز وقد غدت
…
من الأسد تبدي والأساود أشباحا
تموت إذا أعتلُّ النًّسيم صبابةً
…
فتنفخ في أجسادها الرِّيح أرواحا
وقال في صفة الليل والنجوم: [من مخلع البسيط]
أما ترى اللَّيل وهو داجٍ
…
والزُّهر كالزَّهر في المروج
/142 ب/ ولاح فيه الهلال يحكي
…
حاجب شيخ من الزُّنوج
وله في المعنى: [من مخلّع البسيط]
ونائم من خمار سكر
…
منعفر في الثَّرى طريح
نبَّهته والغصون نشوى
…
تميل من شرب راح ريح
فقام من نومه ونادى
…
ياشرب هبُّوا إلى الصَّبوح
ألم تروا أنجم الثُّريَّا
…
كأنَّها كفُّ مستميح
قد بسطت في أوان محل
…
ذلاًّ ومدَّت إلى شحيح
واللَّيل قد حال واضمحلَّت .. دهمة ديجوره الصَّريح
سها سهاه فغضَّ منه
…
ما لاح من صبحنا الصًّبيح
كأنَّه من بنات نعشٍ
…
ميت بلي قام من ضريح
وقال في أيره: [من السريع]
يا قوم لي أير ضعيف القوى
…
يكاد من لين به يعقد
أخرس إلَاّ أنَّه أعور
…
أقرع إلَاّ أنًّه أمرد
تبًا له من غادر لم يزل
…
يجني ولكن جسدي يجلد.
/143 أ/ كأنَّما خصياه من تحته
…
دلو عليه مسد محصد
وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل]
تبّاً لدينا أحدثت
…
في عالم الكون الفسادا
نهوى البقاء بها فتبـ
…
غضنا وتفنينا عنادا
جارت فأضعفت القوى
…
منًّا وبيضت السَّودا
كالنِّار إذذ يلقي بها
…
فحم فتجعله رمادا
وقال أيضًا: [من الوافر]
أتينا بائع الفقَّاع يومًا
…
وقد أودى بنا العطش الشَّديد
فحيَّانا بكيزان فقمنا
…
لها وبمثلها حقَّ السُّجود
نقبِّلها كما ضمَّت شفاه
…
ونرضعها كما درَّت نهودا
وله يصف شقيقة: [من السريع]
شقيقة في الرَّوض مطلولة
…
يلوح في أحمرها الأسود
كعين رمداء غدا دمعها
…
يجري وقد ذرَّ بها الإثمد
وقال في مغنٍّ: [من الخفيف]
/143 ب/ ومغن أجابه عوده من
…
غير نقص في شدوه أو زياده
كالصَّدى ما نطقت باللَّفظ إلَاّ
…
وحكاه بعينه فأعاده
وقال أيضًا: [من الكامل]
لا تصغينَّ إلى ملام مفنِّد .... واتبع هواك فأنت غير مخلَّد
فوِّض إلى الله الأمور فإنَّه
…
من يهده الرَّحمان فهو المهتدي
فالله أكرم أن يعذِّب في غد
…
بحرارة النِّيران جسم موحِّد
باكر صبيحة يومن بمدامة
…
حمراء ذات تلهُّب وتوقد
فالفجر قد طلعت طلائع جيشه
…
والورق تنشد في طرائق معبد
والريِّح عاطرة الشَّذا نفحاتها
…
مرضى تهزُّ معاطف الغصن النَّدي
والأرض قد وشت العهاد برودها
…
بوشائع من صبغها لم تعهد
وكأنَّ طلَّ النَّرجس السَّاهي بها
…
دمع ترقرق في نواظر سهَّد
والياسمين غدا كوجنة عاشق
…
والأقحوان حكى مباسم خرَّد
وشقيقها المطلول تحسب أنًّه
…
رمد العيون وقد كحلن بإثمد
والنَّهر ممطور تجعِّده الصَّبا
…
كسهام رام في دلاص مزرَّد
/144 أ/ وأرى الكؤوس كعسجد في فضَّة
…
فيها الحباب كفضَّة في عسجد
عاطيتها حلو الشَّمائل أغيدًا
…
أفديه من حلو الشمائل أغيد
فلزمت منه مثقَّفًا في صحوة
…
يحميه من أجفانه بمهنَّد
وجعلت أرتع واردًا من ريقه
…
في ورد روضة خدِّه المتورِّد
يا صاح كم للسُّكر عندي منه في
…
الصَّحو عن إدراكها قصرت يدي
وقال يصف روضة: [من الكامل]
ولقد مررت بروضة راض النَّدى
…
أقطارها فالطَّلُّ منها يقطر
وانجرَّ فوق بهارها ذيل الصَّبا
…
فكأنَّها في الجوَّ مسك أذفر
وطأنَّ وقع القطر في أنهارها
…
حلق الُّروع على الصَّوارم تنثر
وقوله في حمّام: [من السريع]
حمَّامنا أشبه شيء يرى
…
في الضِّيق والظَّلمة واللَّحد
يكاد أن يهلك من حلَّه
…
في بحر تمُّوز من البرد
ينقل من صدر إلى دكة
…
كأنَّه مهركة النَّرد
وله في صفة شجاع: [من الكامل]
/144 ب/ قسم العلا شطرين بين سماحة
…
وحسامه يومي ندى وجلاد
فتراه في حالي رضاه وسخطه
…
ليثًا وغيثًا في الوغى والنَّادي
وقال أيضًا: [من الوافر]
ضنيت وضنَّ من أهوى بوصلي
…
وعاداني الخيال وكان عائد
فأشبهت الَّذي للسُّقم نقصًا
…
وإن خالفته صلةً وعائد
وقال أيضًا: [من الرجز]
يا صاح قم فالدَّوح قد رقَّصها
…
مرُّ الصَّبا لمَّا شدت طيورها
أما ترى الشَّرب غدت كؤوسهم
…
بردًا على أيديهم سعيرها
أنجمها في فلك القصف غدا
…
على الثُّريَّا قمر يديرها
فالرُّوض تهتزُّ قدودًا بأنه
…
والأرض ترنو أعينًا زهورها
وأضطربت روادفًا غدرانها
…
حيث سعت أراقمًا نهورها
وجاء تشرين بكيميائه
…
فالدَّوح قد ذهَّبه إكسيرها
وانثنت الأشجار بعد خضرة
…
مصفرَّة تنكرها طيورها
والجوز قد هزَّت ذراه شمائل
…
فبان في أوراقه تأثيرها
/145 أ/ كأنَّهم ألواح موسى أنزلت
…
بالوحي عبرانًّيةً سطورها
وقال أيضًا: [من الطويل]
سرى حاليًا بالكأس يشدو ويفتر
…
وقد طَّل زهر يانع ورنت زهر
فعانقته أبكي ويعرق خدُّه
…
وللسُّحب من قطر ومن برد نثر
وناولني من خطَّه أيِّ رقعة
…
من العتب تحكي السِّمط في طيِّها السَّطر
فلو سام هاتيك المحاسن ناظر
…
وفكَّر حينًا ما درى أيُّها الدُّرُّ
أقاح حجى شهب ندى عرق بكى
…
كلام حلا خط حيا برد ثغر
وله في الروض: [من السريع]
كأنَّما الرَّوض وقد حدَّقت
…
غبَّ النَّدى فيه أزاهير
بسط من السُّندس مبثوثة
…
قد نثرت فيها دنانير
وقال أيضًا: [من الوافر]
وأبلج من بني الوزراء يسمي
…
بهمَّته على الفلك افتخار
إذا لعبت به الخيلاء بانت
…
بمشيته السَّكينة والوقار
على رأس الوزارة منه تاج
…
تتيه به وفي يده سوار
/145 ب/ رآه واصفوه قد تبدًا
…
فتاهوا في محاسنه وحاروا
وقالوا: وجهة بدر منير
…
فقلت: وليله النَّقع المثار
وقالوا: قدُّه غصن نضير
…
فقلت: ومن نداه له ثمار
وقالوا: خطُّه في الحسن درٌّ
…
فقلت لهم وأنمله بحار
وقالوا: خلقه في السِّلم ماء
…
فقلت: وعزمه في الحرب نار
وقالوا: فيه للضيم احتمال
…
فقلت: وفيه للظلم انتصار
وقالوا: عنده للكسر جبر
…
فقلت: وجرح سطوته جبار
وقالوا: ما يعزُّ عليه صعب
…
فقلت: ولا يذُّل لديه جار
وقال في الروض: [من المنسرح]
أنظر إلى الرَّوض وهو ذو أرج
…
وقد غدا الثَّلج فيه منثوراً
كأنَّ فيروزج السَّماء على
…
زمرُّد الأرض ذرَّ كافورا
وله في القمر والثريا: [من الخفيف]
ومناخ للقصف زرناه قبل الـ .. صُّبح نجني به ثمار المسرَّه
وقمير الدُّجى أبن خمس وعشريـ
…
ن كما أحدودب أبن تسعين كبره
/146 أ/ والثُّريَّا كأنَّها كلُّ صاد
…
همَّ بالشُّرب من خليج المجرَّه
وله يصف ور الباقلاء: [من السريع]
وباقلاء منه ريح الصَّبا
…
تصدر عن مسك وكافور
في حلل من ورق قد غد
…
يجلى وحلي من ازاهير
كأنَّ بلق الطَّير قد علِّقت
…
فيه بأطراف المناقير
وقال في مرآة: [من الخفيف]
أنا مرآة من إذا فضح الأفـ
…
لاك نوري أعارت الأقمارا
ضحكت حين قابتلني فأبدت
…
أنجم اللَّيل في سمائي نهارا
وقال في بطيخة زبش: [من المنسرح]
يا حسن بطِّيخة يشبِّهها
…
من شام لونًا لها وتدويرا
بحقَّة من زمرُّد ملئت
…
مختومة عنبراً وكافورا
وقال في الروض: [من مجزوء الكامل]
أنظر إلى الروَّض النَّضير
…
كالبرد نمِّق بالزُّهور
/146 ب/ والأقحوان محدِّق
…
مثل الشُّموس على البدور
والنَّهر كالصِّلِّ المرا
…
ع له كشيش من خرير
والغيم يبكي بارد الـ
…
عبرات من فرد السُّرور
والرِّيح تجلو كفُّها
…
باللُّطف مرآة الغدير
وأهدى إليه بعض الناس رؤوس قنَّبيط، فقال:[من الخفيف]
يا أبا جعفر أتتني هدايا
…
تك محمولةً إلى باب داري
كلُّ رأس من قنَّبيط غذته
…
درَّها المعصرتات في آذار
جاء يحكي مدهمُّ أوراق ليـ
…
لاً تقرَّى أديمه عن نهار
أو كخدِّ الحبيب أفرق أو
…
أفرق من بعد سقمه في عذار
فحسبناه وهو في خضرة الأو
…
راق كالصَّبِّ لونه ذو أصفرار
هالةً من زمردِّ لاح فيها
…
لعيون النُّظَّار بدر نضار
وقال أيضًا: [من السريع]
زار وفيه تيه مزورِّ
…
فهذَّبته نشوة الفكر
/147 أ/ ذو حدق أغنت وقد خامرت
…
عقولنا عن قدح الخمر
ساق صغير السِّنِّ فينا سعى
…
يرفل في ثوب من الكبر
ببنت عنقود الثُّريَّا سنى
…
لاتك باخت الأنجم الزُّهر
كأس إذا ما عبَّ في شمسها
…
أحدث فيها صورة البدر
وقال في صفة رمان ونارنج وآس جاءه هديةً من بعض الكبراء: [من الوافر]
[وليَّ الدِّين قد شرفَّت قدري
…
وزاد بحسن همَّتك أقتداري]
أتت منك الهديَّة ذات عرف
…
يفوح كطيب فرعك والنِّجار
فظلت غداة جاء بها مشيراً
…
إليَّ سليل مجدك والفخار
أقبِّلها وأعجب كيف لاحت
…
نجوم اللَّيل منها في نهار
ونمَّ بها قبيل النَّشر نشر
…
لآس مثل نمنمة العذار
أفاكهة على طبق أتاني
…
به أم هالة ملئت دراري
إخال تسعُّر النَّارنج لولا
…
وجود البرد فيه كرات نار
لها لهب يحبُّ بلا دخان
…
على جمر يشب بلا شرار
/147 ب/ ورمَّان حكى لولا اصفرار
…
نهود الغانيات من الجواري
ورحت أفضُّ منه عن فصوص
…
من الياقوت أحقاق النُّضار
فكنت البدر أهدى لي نجومًا
…
وحيَّاني بها شمس النَّهار
وله يصف النَّرد: [من الكامل]
وخميس نرد خاض معركة رقعة
…
ينفي به همَّ الجليس جليسه
جيشان من سام وحام فرَّ ذاً
…
من ذا وزاد لبشرة تعبيسه
فكانَّه فك تسير نجومه
…
ومن الفصوص سعوده ونحوسه
وقال يذم عوَّاده: [من المنسرح]
تبًا لعوَّادة قصيرة با
…
ع الفهم جهلاً طويلة العمر
خارجة الضَّرب والغناء معًا
…
تريك وجهًا من أقبح الصُّور
يذهب مضرابها وأنملها
…
في الجسِّ والضَّرب لذَّة الوتر
بعودها إذ تجسُّه لكن
…
يفضي بجلَاّسها إلى الضَّجر
كأنَّ أوتاره إذا قرعت
…
حبال صوف شدَّت على حجر
وله يصف بستانًا ورمّانًا: [من المنسرح]
/148 أ/ كأنَّ بستاننا سماء
…
فزهرها يانع الزُّهور
تخال رمَّانة نهودًا
…
يفترُّ إن فضَّ عن ثغور
وقال في صفة نهر: [من الكامل]
وزبر جديِّ الجانبين كأنَّما
…
سنَّت عليه الشَّمس درع نضار
ظلنا بشاطئه الأنيق كأنَّنا
…
ما بين صفحة وجنة وعذار
وقوله في صبّاخ: [من الطويل]
وطاه أعذناه بطاها وقد أتى
…
بأطعمة تزهى بنشر ومنظر
وبثَّ صحافاً في خوان كأَّننا
…
أطفنا بروض منه أفيح مزهر
ولم ندر لمَّا باشرتها نجومها
…
ببدر ومرِّيخ وشمسٍ ومشترى
أدارات أقمار بدت في سماطنا
…
فعاًد سماءً أم دوائر أبحر
وقال في قوس قزج: [من الطويل]
نداماي عاطوني بغير تقُّبض
…
مشعشة أنفاسها تبسط النَّفسا
فلو شمتم قوس السَّحاب وقد بدت
…
وبالغتم في وصفها خلتم الشَّمسا
عرضيَّة قد خطَّ بركار حذقها
…
بخمسة ألوان دوائرها الخمسا
/148 ب/ وله يصف الليل: [من الرمل]
ربَّ ليل زيَّنت أنجمه
…
تاجه المسكيَّ بالدُّرِّ النَّفيس
كمسامير من الفضَّة قد
…
سمرِّت في قبَّة من أبنوس
وقال يصف الرمِّان: [من مجزوء الخفيف]
أكرم برمَّان مهد
…
ما شاب ودّاً بغشِّ
يبدو كأحقاق تبرٍ
…
فيها فصوص بلخش
وله في متنزهَّ: [من المتقارب]
وروض أحاط به جدول
…
كما أنساب في سعيه الأرقط
أطلَّ علينا به واضح
…
أحبشُّ كما صخب الأشمط
وأهدى لنا برداً خلته
…
عقوداً على سندس تفرط
وله يذم حمّاماً: [من المديد]
زادني حمَّامكم طبعًا
…
ضرَّني بردًا وما نفعا
فكأنِّني قنفذ حذر
…
مقشعراً فيه مجتمعا
من رآني فيه مرتعدًا
…
خال بي من برده زمعا
/149 أ/ وقال يهجو: [من المتقارب]
أرى المجد إن جاءه مادح
…
تنَّمر كالحنق المستشيط
فتّى من يده كعروض الطَّويـ
…
ل فياليتها ضرب ثاني البسيط
وله في الشمعة: [من الطويل]
حكتني وقد أودى بي الحبُّ شمعة
…
وإن كنت صّبًا دونها متوجعا
ضنى وسهاداً واصفراراً ودقَّة
…
وصبراً وصمتًا واحتراقًا وأدمعا
وقوله في غلام دخل الحمام: [من الرمل]
كان في الحمَّام لمَّا وقفا
…
أحسن العالم وجهًا وقفا
كلَّما باشر طرفي عاريًا
…
ناشرًا طرَّته منعطفا
لاح ليل في ضحى في قمر
…
في قضيب في كثيب في خفا
وله في غلام جامع: [من الطويل]
أتاني وقد قبَّلت فاه مشنَّفا
…
وراح من الأرداف يمشي تكلُّفا
وأوضح عذري فيه عند عواذلي
…
عذار أسيلية فسالا فأسدفا
هلالين في بدر وليلين في ضحى
…
ونارين في ماء وحقفين في خفا
/149 ب/ وقال في المدّ: [من الخفيف]
زارنا المدُّ في أوان بديع
…
فأرانا طراز ثوب الرَّبيع
ضجرًا مثل عاذلي كدراً يحـ
…
كيه عيشي مورَّدا كدموعي
كلَّما أنصبَّ مزبداً من وراء السُّـ
…
كر حاكي خناجراً في دروع
فهو كالغضب سلَّ في الحرب للضر
…
ب صقيلاً مضرَّجا بنجيع
يتلوَّى تحت الحباب وينسا
…
بُّ فيحكي سعي الحباب المروع
أوهمتنا تلك الدَّوائر في تـ
…
يَّاره أنَّ عزمه في الرُّجوع
وأعدَّ الرَّبيع في جانبيه
…
خلعًا حاكها لكلِّ خليع
وقال أيضًا: [من البسيط]
بدت لنا في قناعٍ أزرق نظمت
…
فيه الجمان وماجت وانثنت هيفا
فالشُّهب في الأفق فوق اللَّيل فوق ضحى
…
والبدر في الغصن فوق الحقف فوق خفا
وقوله: [من الكامل]
سفرت ضحى فأرتك حسنًا وافي
…
بيضاء يمرض حبُّها ويعافي
رشائَّية الأحداق صهبائَّية الأ
…
رياق روحانَّية الأوصاف
/150 أ/ لله ليلة بتُّ وهي ضجيعتي
…
تختال في ثوبي تقًى وعفاف
في روضة راض النَّدى أقطارها
…
فتأرَّجت قطريَّة الأطراف
والبان قد أرخى ذوائبة على
…
غدر غدت ترتجُّ كالأرداف
وكأنَّ زهر الأقحوان مباسم
…
مفتروة شرفت عن استرشاف
طاسات ورق صبَّ فيها خمرة .. صفراء فاقعة إلى الأنصاف
والنَّسر تلقاء الهلال كما عفا
…
نؤي تقابله ثلاث أثافي
وكأنَّما شهب المجرَّة لؤلؤ
…
رطب تبدَّد في خليجٍ صافي
وقال في إنسان لئيم: [من الرجز]
يا من غدا ذا صورة نحيفة
…
وهامة كالقرعة الخفيفة
تسعى به همَّته الطَّفيفة
…
في طرق من جهله مخوفه
خلتك في خلقتك السَّخيفه
…
كبرقة الأبخر فوق الجيفه
وله في رجل جواد راكب فرس: [من الطويل]
جواد إذا أجرى الجواد إلى مدى
…
أراك براقًا طار منه ببارق
فديتهما من شازب تحت واهب
…
لقد أرياني حاتمًا فوق لاحق
/150 ب/ وقال في الباقلاء: [من المنسرح]
أما ترى الباقلاء كيف غدا
…
يبوح من سره بما يخفي
نشوان يثني والرِّيح وانية
…
على الحيا منه السن العرف
كأنَّما كلُّ زهرة ظهرت
…
منه بلا مرية ولا خلف
بدران في هالتيهما كسفا
…
من تحت غيم مشمَّر السُّجف
وقال في غلام جامع أوصاف: [من الطويل]
له غزَّة في طرَّة فوق عارض
…
وخال على خدِّ يحار له طرفي
وثغر شتيت كالجمان وريقه
…
صفت فهي كافوريُّة اللَّون والعرف
ووجه منير فوق قدٍّ مهفهف
…
على كفل راب يجلُّ عن الوصف
كأنَّ الذي عاينته من جماله
…
بلا شبهة فيما أقول ولا خلف
ضحى في دجى مسك وآس على لظى
…
دجى في طلا بدر وغصن على حقف
وقال في المدّ: [من المنسرح]
أنظر إلى المدِّ كيف يندفق
…
كأنَّه لاحمراره علق
/151 أ/ تجد دماء المحول تسفكها
…
صوارم البرق حين تمتشق
يخشى على أرضنا إذا أضطربت
…
في حافتيه أمواجه الغرق
يخرُّ في رقشة الحباب كما أنـ
…
ساب وقد فحَّ أرقم فرق
وله في المنقل والنار: [من مجزوء الرمل]
من رأى المنقل إذ را
…
ح من الرِّيح خفوقا
حسب الفحم وقد أو
…
دت به النَّار حريقا
فأحالت قضب العنـ
…
بر كافوراً سحيقا
سبجًا أصبح بلُّو
…
راً وقد كان عقيقا
وقال وقد جاءه بطيخ زبشي من صديق له هديّةً: [من الطويل]
أمولاي فخر الدِّين يا خير من غدا
…
يسوء عدوِّي أو يسرُّ صديقي
حكى زبشي جاء منك هديَّةً
…
يعبِّر عن ودٍّ لديك وثيق
كرات من البلُّور في غلف سندس
…
وقد رصِّعت فيها فصوص عقيق
/151 ب/ وله يصف الشقيق: [من مخلّع البسيط]
كأنَّما زهرة الشَّقيق
…
في الرَّوض جام من العقيق
قد خطَّ وسطها صليب
…
من خالص العنبر السَّحيق
وقوله في مفارق: [من الخفيف]
كنت منه مثل الدَّخيل من التَّأ
…
سيس في وصله بحسن أتِّفاق
فقضى الله أن أصير كحرف الـ
…
جزم في هجرة من الإطلاق
وقال يصف الورد والمنثور: [من السريع]
باكرنا الشَّمس فأهدى لنا
…
زهراً يحاكي زهر أخلاقه
وقد حكى منثوره بيننا
…
صلبان ياقوت لإشراقه
وورده الأحمر قد أرمدت
…
ريح الصَّبا ساهي أحداقه
وورده الأصفر غبَّ النَّدى
…
قد أشبه الصَّبَّ بأوراقه
يا حسنه من زهر نشره
…
يبشِّر المضنى بإفراقه
بعرفه عرَّفنا أنَّه
…
مسترق من طيب أعراقه
/152 أ/ وقال في البان: [من مجزوء الكامل]
للبان أشرف منزله
…
شهدت به النُّدماء له
ومادب الشَّب أنثنت
…
بالزًّهر منه محمَّله
من كلِّ ناظرة تشيـ
…
ر إلى الصَّبوح بأنمله
وافى يبشِّرنا بأيَّـ
…
ام الرَّبيع المقبله
فلذاك راح يميس في
…
خلع الحرير المخمله
وقال في الوكف والبراغيث: [من الخفيف]
لعن الله غرفة بتُّ فيها
…
تحت سقف كأنَّه غربال
كلُّ قطر منها وقد أقلع القطـ
…
ر إلى الفجر عارض هطَّال
فالبراغيث راقصات على إيـ
…
قاع وكف أخفُّ منه الجبال
وله في التين: [من مجزوء الكامل]
أهدى لنا من لم يزل
…
يعطي المؤمِّل ما سأل
تينًا جنّيًا أشبه الـ
…
خشخاش يطبخ بالعسل
/152 ب/ وغدا المختَّم منه كا
…
لأفواه ضمَّت للقبل
أو كالنُّهود تكلَّلت
…
عرقًا قد أضحى يطل
قدم الخريف فراعه
…
واصفرَّ من فرط الأجل
فكأنَّه فوق الشّما
…
ل بمذهب الرَّيط أشتمل
وقال يصف الديك والسّماني: [من المتقارب]
كأنَّ السُّماني إذا أطلقت
…
وجاوبها ديكنا فارتجل
فصيحان قد مهرا في العروض
…
وبينهما طال فيه الجدل
فتلك تقطِّع بيت الغريب
…
وهذا يقطِّع بيت الرَّمل
وله في شقيقة: [من السريع]
أنظر معي ما تلك في روضنا
…
شقيقة أم جذوة تضرم
كأنَّها في الشَّمس لمَّا بدت
…
جهنَّم في قعرها مجرم
وله يصف زورقًا ركبه الملك العزيز غياث الدين محمد بن غازي: [من البسيط]
/153 أ/ حلَّ العزيز غياث الدِّين مذهبةً
…
من سقمها لا يهاب الموج عائمها
كالبحر تخرق تَّيار الفرات به
…
نار تاجَّج فوق الماء جاحمها
كأنَّ زورقه من فرط سرعته
…
وقد جرى بين أمواج يصادمها
نسر تطير به في الماء أجنحة
…
من المقاذيف من تبرٍ قوادمها
وقال أيضًا: [من الخفيف]
زار ليلاً والصُّبح تحت لثامه
…
فشفاني بلثمه وألتزامه
وسقاني الطِّلا فبتُّ وبي سكـ
…
ران من ريقه وكأس مدامه
ونجوم الظَّلام كاللُّؤلؤ المنـ
…
ثور قد فضَّ عنه عقد نظامه
وجرى أدعم الدُّجى من هلال
…
وثريَّا في سرجه ولجامه
وله يصف الليل والنجوم: [من الخفيف]
ربَّ ليل مسكيِّ ثوب الظَّلام
…
بات يحكي هلاله قوس رامي
والثُّريَّا كأنَّه غرض قد
…
لاح فيه آثار وقع السِّهام
وقال يصف الرمح: [من المتقارب]
وأسمر أزرق طرف السِّنان
…
كما أتَّقدت شغلة في دخان
/153 ب/ على رأسه لهذم كالقضاء
…
في أكعب كصروف الزَّمان
يودُّ الدُّجى مذ حكى لونه
…
بأن لو حكى عطفه في اللِّيان
فمنه تغار ومن خرصه
…
نجوم الدُّجى وقدود الحسان
فلم تدر إن واجهته الصَّبا
…
أرمح تأوَّد أم غصن بان
يضمُّ العزيز عليه يداً
…
معوَّدة للندى والطِّعان
فيوم لحطم صدر القنا
…
ويوم للثم ثغور القناني
وله يصف المشمش: [من الوافر]
كأنَّ المشمش المصفرَّ يبدو
…
مع المخضرِّ منه للعيون
كرات زمرُّد خرطت وتبر
…
لترشفها صوالجة الغصون
وقال في صحن حلاوة وكعك وكليجا وخشكنان، جاءه هدية من بعض الكبراء:[من الخفيف]
وصلتني هديَّة منك لا ينـ
…
هض فكري بشكرها ولساني
طبقًا قد بعثت يا بدر لي أم .... أفقًا قد حوى نجوم قران
/154 أ/ شمس جام الحلوى تغير بأقما
…
ر الكليجا أهلَّة الخشكنان
وقال يصف فرسا شد عليه أسود: [من الطويل]
وأشهب طرف أشبه الطَّرف سرعةً
…
فأحسن شيء قابل المرء مرآه
أطاف به من حام أسود سائس
…
فخلنا الدُّجى أمَّ النَّهار ليغشاه
فألجم نجمًا أوضحًا بهلاله
…
وأسرج برقًا أو صبًا بثريَّاه
وله يصف مجلسًا: [من الطويل]
وقفت على ربع الجمال وقد خلا
…
ويا قلَّما يغني وقوفي بمغناه
وعهدي بنا كالعقد وهو فريده .. ومجلسه ونجن ثريَّاه
فقلت لصحبي ساعدوني بأدمع
…
غزار كجود المزن أو جود يمناه
فهذا عكاظ الفضل بل أين قسُّه
…
وذا طور سينا المجد بل أين موساه
كأنَّ عليًا كان بيت قصيدة
…
دهانا الرَّدى في لفظه دون معناه
وله في صفة جيش: [من الطويل]
سرى جيشه والأرض ترجف هيبةً
…
كأنَّ ثناياها قلوب أعاديه
/154 ب/ قلوع صواري سفن أبحر الها
…
بنود عوالي أسد جرد مذاكيه
وقال في صفة شجاع: [من السريع]
يا أسداً في كلِّ يوم له
…
صولة فتك بأعاديه
فالحرب عين هو إنسانها
…
وهدبها سمر عواليه
وله يصف طاسةً فيها لباء أهدي له من بعض الشرفاء: [من مجزوء الرجز]
تفديك أمِّي وأبي
…
يا جعفر ابن مصعب
مولاي فخر الدِّين يا
…
خير بني بنت النَّبي
أحيا اللِّبالِّبي وقد
…
أخبر عن بركِّ بي
يحكي الضَّريب للمسه
…
وطعمه كالضَّرب
واجهت من مرآته
…
وجه المنى عن كثب
وقلت من عجبي وقد
…
أذهلني واعجبي
من قمريِّ فضَّة
…
في هالة من ذهب
وقال يصف التين: [من السريع]
/155 أ/ يا حبَّذا تين حبانا به
…
يوم عليل الرِّيح طلق الغداه
مسكيَّة الأنفاس أفواهه
…
شهية الأرياق لعس الشِّفاه
يا حسنها من ثمرات لها
…
بنانه طيِّبة في اللَّهاه
[كأنَّما أشجارها عذِّيت
…
للطيب والحسن بماء الحياه]
فلو ترى أوراقها إذ غدت
…
تسترها خوف عيون الجناه
لشمت منها أيديًا مدَّها
…
كريم قومٍ ييوم جودٍ يداه
وقال في غلام يلعب مزيدًا: [من الخفيف]
ما على لعبه المزيد مزيد
…
فيه قد أحرز اليد البيضاء
رشا خفًّ ثمَّ شفَّ إلى أن
…
كاد من لطفه يكون هواء
فهو كالسَّهم حين يقفز إسرا
…
عًا وكالقوس إذ يطيح إنحناء
وله في غلام تركي: [من السريع]
ظبي من التُّرك له مقلة
…
تلعب بالأنفس كحلاء
لا يفقه القول فعقبى له
…
آثاره طوراً وإيماء
وله في غلام راكب زورق: [من الوافر]
/155 ب/ بدا والنَّهر أرقش ذو التواء
…
بمركبه فأذهل كلَّ رائي
غزال خلته إذ حلَّ فيه
…
شهابًا في هلال في سماء
فقلت لصاحبي: أنظر كيف يسعى
…
بعقرب زورق ثعبان ماء
وله في غلام ساق: [من السريع]
لولا لحاظ الرشأ التَّائه
…
ما لعب الحبُّ بحوبائه
صاح به الحبِّ سكران من
…
فتور جفنيه وصهبائه
طاف به يضحك من أخذه
…
أقداحها منَّا وإعطائه
تنظر إن قابلته عاريًا
…
وجهك من سائر أعضائه
وله في غلام غريق: [من السريع]
قطَّع فرط الحزن أحشائي
…
لمَّا هوى كوكب أهوائي
كأنَّني ورايت لمَّا ثوى
…
في لحده أشرف أعضائي
فقدته فقد شبابي فوا
…
حزني ووافرحة أعدائي
صوَّره خالقة درَّةً
…
والدُّرُّ لا يقفو على الماء
لا بدع إن مات غريقًا وأجـ
…
فاني تغاديه بأنواء
/156 أ/ وله في غلام دخل الحمّام: [من المنسرح]
باشر حمَّامنا فأذهلنا
…
بحسنه وأستفزَّنا الطَّرب
وماج مثل الغدير تمري
…
بنان الرِّيح أخلافه فيضطرب
وصبَّ ماءً على أرقَّ من الـ
…
ماء فناديت إن= ذا عجب
هما سواء الفرق بينهما
…
أنَّهما جامد ومنسكب
وقال في غلام أخلف وعده: [من السريع]
أخلف وعدي فهو عرقوب
…
شويدن لم يدر ما الحوب
أقفر من رؤياه طرفي كما
…
أقفر من أهليه ملحوب
وقال في غلام أسود مجدور: [من البسيط]
أعجب بأسود مجدور بصرت به
…
كليلة لمعت في جنحها شهب
ففر قداها إذا ظلماؤها اعتكرت
…
عيناه حيث الثُّريَّا ثغره الشَّنب
كأنَّه خمرة سوداء قد سكبت
…
في جامها من فوقها حبب
/156 ب/ وقال في غلام يبتسم: [من المتدارك]
يا مبتسمًا عن ذي أشر
…
تشفى بمراشفه الكرب
ثغر تحكيه ثمانية
…
شبهًا وإليها ينتسب
درٌّ برد طلع شهب
…
نور فلق برق حبب
وله في غلام أسمه مالك: [من السريع]
يا من غدا لي كاسمه وأنثنى
…
للحظه في القلب مقلوبه
إرحم فتى أنت مناه فما
…
يحلُّ في دينك تعذيبه
وقال في غلام رام: [من الكامل]
ومهفهف يرنو فيطرف غيرةً
…
منه وخوفًا قاضب وقضيب
قمر بدا فتنزهَّت في حسنه
…
منَّا عيون واتَّقته قلوب
إنِّي لأعجب كيف يخطئ سهمه
…
غرضًا ويرسل لحظه فيصيب
وله في غلامٍ يودّع: [من الطويل]
وقفنا وقد راق العتاب له ولي
…
كأنَّا وقدد قابلته شكلتا نصب
تباكى دلالاً إذ بكيت صبابةً
…
وأين دموع الحزن من أدمع العجب
/157 أ/ ورحنا وقد عانقته لوداعه
…
كغصنين ذوا ذابل وند رطب
وقال في غلام مكسور الرجل [من مجزوء الرمل]
سادتي رجل حبيبي
…
كسرها غير عجيب
كيف لا ينهمر البرديُّ
…
من حمل الكثيب
وله في غلام يروّح: [من الرمل]
وغلام قلت إذ روَّحني
…
عائدي لو شئت ما احتجت طبيبا
بعث الأرواح نحوي أربعًا
…
كلُّها تحمل من ريَّه طيبا
بينما هبَّت دبورًا وصبًا
…
لي إذ عادت شمالاً وجنوبا
وله في غلام محموم: [من المنسرح]
هزَّته حمَّاه فانثنى وصبا
…
كما ثنى الغصن شمال وصبا
وباشرت منه بأنة ونقًا
…
فماس لينًا وماج وأضطربا
ألقت عليه إكسيرها فغدا
…
من بعد ما كان فضّة ذهبا
وقبَّلت للوداع كأس فمٍ
…
منه فأهدت لخمرها حببا
وله في غلام هاجر: [من السريع]
/157 ب/ يا موسعي هجراً وبعداً وما
…
أسلفني وصلاً وتقريبا
آخر ما قدَّمه غيره
…
فقد أتى بالفعل مقلوبا
حتَّى غدا في حاله مثل وا
…
والعطف لا توجب ترتيبا
وقال في غلام أطروش: [من الكامل]
وأصممَّ أصماني بأسهم لحظه
…
ما إن تعي أذناه قول مخاطب
الغى الكلام فما عبارته سوى
…
إيماء طرف أو إشارة حاجب
فكأنَّه يخشى نميمة كاشحٍ
…
أو سعي واشٍ أو عتاب مراقب
وقوله في غلام ألقاه الجوا: [من الخفيف]
إنَّ خطبًا قد راع سربك يا سر
…
بك أولى بالذَّم من كلِّ خطب
كيف أقدمت مشبه الشَّمس حتَّى
…
صرت تعلو على الشَّموس الصَّعب
عفَّر النَّهد نهد أعفر بل بلـ
…
بل منه ترائبًا بالتُّرب
يا لقومي ويا لصحبي هوى النَّجـ
…
م صريعًا يفديه قومي وصحبي
عجبي كيف لم أمت حين ألقا
…
هـ على الأرض واقساوة قلبي
وله في غلام يكتب بالذهب على الزجاج: [من البسيط]
/158 أ/ بمهجتي كاتب فاق الورى فلقد
…
أفادني العجب لمَّا جاء بالعجب
لو لم تكن سمياء الفضل في يده
…
ما راح يكتب فوق الماء بالذهب
وقوله في غلام قارئ: [من الوافر]
أقول له وقد قرأ المثاني
…
فرتَّلها بلفظ مستطاب
أعيذك يا أتَّم النَّاس حسنًا
…
بما تتلوه من آي الكتاب
وقال في غلام قصير: [من البسيط]
عابوه عندي وقالوا شأنه قصر
…
ومثل ذلك يأباه ذوو الأدب
فقلت: كفُّوا فحدُّ السَّيف أقتل من
…
خرص المثقَّف يوم المأقط الأشب
ما يلزم البان عابًا كونه نشأت
…
أغصانه وهي دون الطُّول في القضب
وقال في غلام يلعب مزيداً: [من الخفيف]
لو رآه إذ راح يلعب في الرَّو
…
ض مزيدًا في غلمة أتراب
لتأمَّلت منه وهو غزال
…
وثبة اللَّيث وانقضاض العقاب
ولأعظمته وشبَّته بالـ
…
بدر حسنًا وسرعةً بالشِّهاب
/158 ب/ وله في غلام حسن الذؤابة: [من الوافر]
رنا عن مقلة الرَّشأ الرَّبيب
…
وماس بمعطف الغصن الرَّطيب
غلام دون رشف لماه صدُّ
…
أليم غضَّ من جلد الكئيب
إذا ناست ذؤابته أذابت
…
بنار الحبِّ حبَّات القلوب
وقال في غلام محتجب: [من مخلّع البسيط]
يا راحلاً عن سواد عيني
…
ونازلًا في سواد قلبي
ومن غدا الوصل غير سهلٍ
…
عليه والهجر غير صعب
دارك لمَّا احتجبت فيها
…
تضني الورى جفوة وتصبي
كناس ظبيٍ عرين ليث
…
هالة بدر قراب عضب
وقوله في غلام أسود: [من السريع]
قالوا: غدا يخضع من جهله
…
لأسود هام به حين شاب
وكيف لا أعشق من لونه
…
يذكرني لذَّة غضَّ الشَّباب
لو لم يعن لون البياض الورى
…
ما ستروا شيبهم بالخضاب
وله في غلام حيَّا بعنقود عنب: [من مجزوء الرجز]
/159 أ/ حيَّا بعنقود عنب
…
إذا أستشفَّ في اللَّهب
حاكى القناني ملئت
…
خمراً لها الحبُّ حبب
شويدن عشقي له
…
يغضبه كلَّ الغضب
وقال في غلام أعمى: [من الطويل]
لئن كان من بعد العمى قلَّما أحتمى
…
لماه من التَّقبيل أو وجناته
فقد يطمع الأعداء في فتح معقل
…
منيع إذا ما غاب عنه حماته
وله في غلام يرمي ليلة الميلاد: [من المنسرح]
شبَّهت من بات ناظري ليلة الـ
…
ميلاد يرنو إليه مبهوتا
بالبدر يرمي عن الهلال بشهـ
…
ب الرَّجم من حوله عفاريتا
وله في غلام محارب: [من الطويل]
وغاز لنا يوم الحراب غزيل
…
ثناياه دوٌّ الشِّفاه يواقيت
وفي الكبد منه وهو كاللَّيث شادن
…
كحيل بفرط الحسن والبأس منعوت
فلو شمته يا صاح والنَّاس قد رنوا
…
إليه وكلٌّ طرفه منه مبهوت
لعاينت بدرًا يتقي بغمامة
…
بخرم رجومٍ أرسلتها عفاريت
/159 ب/ وقال في غلام أخرس: [من الوافر]
وأخرس لم يشنه لديَّ صمت
…
يسوء مجالسًا ويسرُّ شامت
بروحي من له في كلِّ عضوٍ
…
فم بالحسن ينطق وهو ساكت
وقوله في غلام بشفته شامة: [من السريع]
شمت له في شفة شامةً
…
توقف لحظ الطَّرف مبهوتا
سوداء قد جرّد من جفنه
…
لحفظها بيضًا مصاليتا
كختم ندٍّ فوق حقٍّ من التِّـ
…
بر حوى درّاً وياقوتا
وله في غلام يجُّز بطيخًا: [من الكامل]
خلناه لمَّا حزَّز البطَّيخ في الأ
…
طباق بالسِّكين للفتيات
بدراً يقدُّ من الشُّموس أهلَّةً
…
بالبرق بين الشُّهب في هالات
وله في غلام مغن لحان خارج: [من الرمل]
ومغن جعلت ألحانه
…
تبعث الشَّوق لقلبي فتهيجه
راجح الأرداف مهضوم الحشا
…
فالصَّبا تثنيه لينًا وتميجه
أطرب النَّحويَّ شجواً لحنه
…
وسبى الدَّاخل في الشَّدو خروجه
/160 أ/وقوله في غلام بشفته خال: [من البسيط]
وشادن خلت منه الخال في شفة
…
ندّاً يضوع له في جمرها أرج
شبَّهت فاه لتقبيلي
…
بخاتم من عقيق فصُّه سبج
وقال في غلام أرزق العينين: [من الرجز]
وأزرق العينين يبدي وجهه
…
لناظريه قمرًا حيث أتَّجه
ينظر عن فاترة كأنَّها
…
نرجسة في وسطها بنفسجه
تحيط منها مقلة بناظرٍ
…
إحاطة الدُّرة بالفيروزجه
وقله في غلام أسود الثنَّية: [من المنسرح]
يا ضاحكًا أصبحت ثنيته السَّـ
…
وداء في عقد ثغره سبجه
يلثم منه فمي بنفسجةً
…
تعزى إلى أققحوانة أرجه
وله في غلام يهودي: [من البسيط]
يا مفسداً نجو إسلامي ومحتملي
…
صلني بحرمة من لله قد ناجى
لي عبرة أيُّها العبريُّ واكفة
…
كادت تطبِّق وجه الأرض أمواجا
/160 ب/ لو كنت في قوم هارون لما عبدوا
…
من دونك العجل بل جاؤوك أفواجا
وقال في غلام أسود: [من مجزوء الخفيف]
لي حبيب أحوى حكى الـ
…
مسك في اللَّون والأرج
حبشيٌّ قد صاغه اللـ
…
هـ من عنصر الدَّعج
صنم قال من لحا
…
ني في حبِّه ولج
ويج ألَّا كلفت بالا
…
بيض الأكحل الأرج
قلت دعني فطالما
…
زيَّن الُّلؤلؤ السَّبج
وقال في غلام في شعره بياض: [من مجزوء الرجز]
فرعك أبدى وضحا
…
عذري به قد وضجا
أرضي مصافيك وقد
…
أخرس من فيك لحا
قد كنت بدراً في دجًى
…
فصرت شمسًا في ضحى
وقال في غلام يضحك: [من الخفيف]
قلت أبكي أسى وتضحك ما با
…
ل همومي تغريك بالأفراح
/161 أ/ قال مهلاً فذاك غير عجيب
…
من بكاء الغمام ضحكم الأقاحي
وقال في غلام بخيل بالوداع: [من البسيط]
رحلت عنك فما ودَّعتني مللاً
…
وقد رقدت فما أهديت لي شبحا
مالي ومالك قد أصحبت منعكفًا
…
وبي أمسيت مطَّرحا
وله في غلام يصّلي بالناس: [من السريع]
صلَّى فأصلى مهجات الورى
…
بنار وجد قلَّما تخمد
وارتجَّ وأهتزَّ كما ينثني
…
فوق الكثيب الغصن الأملد
أيُّ صلاة لهم خلفه
…
إذا أنحنى يركع أو يسجد
وله في غلام بخدِّ خال: [من الخفيف]
قلت لمَّما بداً فأخجل بدر التَّ
…
م وجهًا وأغصن البان قدَّا
أيُّها النَّار نار وجنته كو
…
ني على خاله سلامًا وبردا
وقال في غلام يعذَّب بالنار: [من الخفيف]
/161 ب/ قلت إذ عذبوه بالنَّار عمداً
…
وهو عار كالنَّصل فارق غمدا
كيف يخشى حرارة النَّار واليا
…
قوت يزداد في لظى النَّار بردا
زاد حسنًا لأنَّه الذَّهب الخا
…
لص تغليه حين تحميه نقدا
وله في غلام زجَّاج: [من السريع]
يا حسن زجَّاج تأمَّلته
…
فكدت أن ألثم حبّاً يده
فقال عجبًا وزجاجاته
…
ذائبة في ناره الموقده
ويحك لا تعجب لفعلي بها
…
فهكذا أفعل بالأفئده
وقال فيه أيضًا: [من الرجز]
فديت زجَّاجاً أزجَّ لو غدا
…
طرفك يا صاح له مشاهدا
عجبت من آنية يصدرها
…
من ذائب النَّار هواءً جامدا
وله في غلام أرمد: [من السريع]
ناديت لمَّا إن غدا طرفه
…
يسترق التَّوريد من خدِّه
لا تعجبوا إن رمدت عينه
…
فالسَّيف قد يصدأ في غمده
وقوله في غلام مليح النود: [من مجزوء الكامل]
/162 أ/ رشا جواريُّ النُّهود
…
جوريُّ وردات الخددود
غضبان أقبل عاريًا
…
يختال في ثوب الصُّدود
وكأنَّما الحلم المصنـ
…
دل فوق عاجيِّ النُّهودد
أحقاق بلُّور باغـ
…
طية لها أزرار عود
وقال في غلام قاض: [من الكامل]
قاض غدا ورد وجنتيه ندًى
…
يفديه قلبي وناظري ويدي
في حكمه يقتل البرئ بلا
…
جرم وفي شرعه القتيل يدي
قد عرف النَّاس جور سيرته
…
فكم أصاروه حاكم البلد
وقال في غلام لابس أصفر: [من المنسرح]
قالوا: رنا من تحبُّ ملتفتًا
…
عن طرف ظبي النَّقا وعن جيده
في حلَّة مثل جلد عاشقه
…
في اللَّون لا بل أرقُّ من جلده
صفراء يغدو البهار منبهراً
…
منها ويغضي النُّضار من حسده
فقلت ما تلك من ملابسه
…
من بعد ما حار خاطري وشده
وإنَّما شمس وجهه عكست
…
شعاع أنوارها على جسده
/162 ب/ وقال في غلام يلعب بالنَّرد: [من السريع]
وشادن يلعب بالنَّرد
…
مرد غدا من أحسن المرد
يا ليتني مهركه لم أزل
…
يبعث بي في الأخذ والرَّدِّ
وقوله في غلام في يده خيري: [من مجزوء الرمل]
وحبيب في يديه
…
سرج القطرب تبدي
في ذرى المينا قبابًا
…
من كرات اللاًزورد
وله في غلام زمن: [من المجتث]
زمنت طوع زمان
…
مغرى بهدم القواعد
وإن يكن في هبوط
…
فنجم حسنك صاعد
يا من أقام هواه
…
قيامتي وهو قاعد
وقال فيه: [من الوافر]
وذي زمن تعسَّفني زماني
…
فبات له على ظلمي مساعد
ملول كّم أقام هواه عمدًا
…
قيامة عاشقيه وهو قاعد
وله في غلام يكنس الثلج: [من الكامل]
/163 أ/ وافى عقيب الثَّلج يكنس سطحه
…
رام حشاي بسهم لحظ مقصد
فكأنَّه يسقى برادة فضَّة
…
تنهال فوق صفائح من عسجد
أو خالص الكافور ذرَّ سحيقه
…
من فوق صرح للعقيق ممرَّد
فجعلت أنشد والهوى يطوي الحشا
…
منِّي على وجد مقيم مقعد
والله ما أبصرت يومًا أبيضًا
…
إلَاّ بليت بلحظ طرفٍ أسود
وقال في غلام أشتر: [من المنسرح]
فاهوا بلومي لما كلفت به
…
أشتر غيري في مثله زاهد
فقلت مهلًا فذا كبيت قصـ
…
يد الحسن لا عيب فيه للناقد
قد ألتقى ساكنان فيه وقد
…
حرِّك بالكسر منهما الواحد
وقال في غلام حوله سيوف مشهورة: [من الطويل]
وأصيد من أبناء فارس دونه
…
لبيض الظُّبا قدٌّ وللسُّمر تنفيذ
تأملته والمشرفَّية حوله
…
كآنَّ سناها من محيَّاه مأخوذ
فكنت كعفريت من الجنِّ مارد
…
أطاف بذي مسٍّ عليه تعاويذ
/163 ب/ وقال في غلام فهَّاد: [من السريع]
فهدك لو يرسل يومًا على
…
مشبهك الخشف لما صاده
ربيته جرواً فقد أصبحت
…
مودَّة الظَّبيي له عادع
فعذره في أنَّه لم يصد
…
كونك يا شادن فهَّاده
وله في غلام عوّاد: [من الرجز]
وشادن شاد أيادي الأدا
…
رضاه والسُّخط ضلالي والهدى
إن جسَّ نبض عوده وغرَّدا
…
أفحم قسّاً وأسترقَّ معبدًا
تمنَّت الورقاء لمَّا أن شدا
…
لو قبَّلت منه اللَّسان واليدا
أوتاره من حذقه إذا شدا
…
أحلى لما يورده من الصَّدى
وقوله في غلام محدّث: [من السريع]
محدِّث تحدث أمراضنا
…
أجفانه الفاتنة الفاتره
كأنَّه والنَّاس من حوله
…
بدر عليه هالة دائره
وقال في غلام فقير سائخ: [من البسيط]
/164 أ/ وساحر حاسر عن لمَّة شهدت
…
لوجهه أنَّه في ليلها قمر
أغراه بالقفر حبٌّ الفقر مسلكه
…
فرداً يخفِّره في الوحشة الخفر
كالظَّبي ينفر ممَّن رام صحبته
…
منَّا وتؤنسه في الخلوة السُّور
كأنَّما فرعه والفرق يقسمه
…
في النِّصف ليل بهيم شقَّه سحر
وله في غلام راكب زورق: [من البسيط]
وشادن أذهل الرَّائين حين بدا
…
يسعى به زورق في الشَّطِّ منحدر
إذا جرى في سماء الماء قلت لهم
…
لا تعجبوا قد يحلُّ العقرب القمر
وقال في غلام بوجهه أثر كلم أزرق العين: [من الكامل]
قالوا: بوجه حبيبه أثر
…
قد غضَّ منه فعافه النَّظر
فأجبتهم: وبذاك قام لنا
…
فيه الدَّليل بأنَّه القمر
قالوا: وقد أزرى به زرق
…
فاجبتهم: عن ذاك اعتذر
لم يحكه في فتك ناظره
…
واللَّون إلَاّ الصَّارم الذَّكر
وله في غلام مغن راقص: [من البسيط]
/164 بم وراقص راضه الإيقاع فامتثلت
…
أعطافه ما يقول النأي والوتر
إذا أنثنى فاهم البم عوده
…
المثنى وقد ماد حتَّى كاد ينهصر
لم يبق فينا فتى إلَّا بدا وشدا
…
إلَاّ وفدَّاه منه السَّمع والبصر
ولا شكَّ في أنَّه غصن يميس ولا
…
أدري أمريَّة تعلوه أم قمر
وقال في غلام نحات البلاط: [من السريع]
وحاذق بالنَّحت أمسيت من
…
خمر هواه البحث مخمورا
راض محيَّاه فتيت الصَّفا
…
حتَّى أستحالت ناره نورا
كأنَّ كفا الحسن ذرَّت على
…
تفاحتي خدَّيه كافورا
أقول والموجنة منه غدا
…
ياقوتها الأحمر بلَّورا
يا شادنًا أصبح بين الورى
…
بالحسن والإحسان مشهورا
وابأبي وجهك من جوهر
…
أحاله التَّغيير تغييرا
حتَّى حسبنا هبوة ذرَّهًا
…
عليه إكسرك إكسيرا
وله في غلام يرقص ويغني: [من البسيط]
/165 أ/ يا من غدا الحسن فينا إذ بدا وشدا
…
مقسَّما بين أبصار وأسماع
قاسوك بالغصن رقصًا والهزار عنًا
…
وما يقاس بميَّاد وسجَّاع
قد تسجع الورق لكن غير داخلة
…
ويرقص البان بل في غير إيقاع
وقال في غلام لابس آله الحرب: [من الطويل]
وأصيد وافانا بلامة حربه
…
فخلناه بدراً حلَّ هالة مغفر
فما إن بدا حتَّى أتاه بأشهب
…
ركائبه خلناه دمية مرمر
فألجم فجراً للثريَّا أديمه
…
وأسرج برقًا بالهلال لنِّسر
وقوله في غلام لابس أحمر: [من الوافر]
وبدر في قضيب في كثيب
…
تجلَّى في قميص جلَّناري
سقاني [عذب] ريقته وحيَّا
…
بوجنته فأطفأ جلَّ ناري
وقال في غلام خدَّه شامة تنبت الشعر: [من الطويل]
وما أنبتت في خدِّه الآس شامة
…
لتزري بالمحمر من جلَّناره
/165 ب/ [و] لكن أراد الحسن تكميل خلقه
…
فجاء بها أنموذجًا لعذاره
وله في غلام محجوب: [من الكامل]
إن كان قد حجبوه عنِّي غيرةً
…
منهم عليه فقد قنعت بذكره
كالمسك ضاع لنا وضاع مكانه
…
عنَّا فأغنى نشره عن نشره
وله في غلام محارب: [من السريع]
واحربا حيَّر ألبابنا
…
محارب كالشادن الأحور
خلناه لمَّا أختال بالخوذة السَّـ
…
وداء في لبَّاده الأحمر
شقيقة لفَّ على غصنها
…
أوراقها في الشَّكل والمنظر
وقوله في غلام واعظ: [من الخفيف]
بأبي واعظ لطيف السَّجايا
…
علقته النُّفوس علقًا نفيسا
قمر حلَّ أفق ناد يضاهي
…
فلك الشَّمس للنُّجوم جليسا
خلته وهو ناطق وقد أستجـ
…
ليت فوق الكرسيِّ منه عروسا
يوسفًا فوق [عرش] بلقيس في صر
…
ح سليمان ماليًا صحف موسى
وقال في غلام أعرج: [من الكامل]
/166 أ/ ما غضَّ منه وقد ألمَّ برجله
…
عرج يقصِّر من خطاه إذا مشى
بل زانه وأناس منه ذؤابة
…
وأماجه كفلاً ورنَّحه حشا
وقال في غلام غليظ الساقين: [من السريع]
فديت من يسخط ما أرتضي
…
منه ويهوى أبداً مبغضي
مقرح جفني محرقي بالجنى
…
من لي بذاك الممرض الممرض
أنكرت سقمي وغدا هاجري
…
أفديه من معترض معرض
تموج من ساقيه أردافه
…
على عمودي مرمر أبيض
وقال في غلام رام ليلة الميلاك: [من السريع]
وربَّ رام عنج لو رمى
…
شهب الثُّريَّا لغدت صرعى
كبَّرت لمَّا أن سطا ضيغمًا
…
وراح يعطو رشاً سبعا
أحسد سهمًا بات يدنيه منـ
…
هـ المدُّلو لم يقضه نزعا
لليلة الميلاد عندي يد
…
من أجله حقَّ بأن ترعى
/166 ب/ كأنَّما نشَّابه أنجم
…
ترجم من يسترق السَّمعا
عوَّذته والقوس في كفِّه
…
خوفًا على الظَّبي من الأفعى
رشقاء يلقيها لنا حيَّة
…
لا كعصا موسى التَّي تسعى
وله في غلام أسمه سيف: [من الكامل]
ومعشَّق الحركات يشمخ عزَّة
…
فيقلُّ صبر العاشق المتواضع
سمَّوه سيفًا فأنثنى متجنِّبًا
…
كالسَّيف يلعب بالقضيب القاطع
وله في غلام شجّ حاجبه: [من البسيط]
وحاجب قلت لمَّا شجَّ حاجبه
…
وانحلَّ من صدغه ما كان منعطفا
لا تعجبوا أيُّها الرَّاؤون منه فقد
…
أفادنا الحسن من تصريفه طرفا
قالوا وإن حرِّكت في اللَّفظ منفتحًا
…
ما قبلها قلبت في حالها ألفا
وقال في غلام نظر إلى كسوف القمر: [من مخلع البسيط]
أقبل والبدر في أحتراق
…
يمشي ولا مشية النَّزيف
يجيل فينا لحاظ ظرف
…
أفتك حدّاً من السُّيوف
/167 أ/ أهيف عاينت منه غصنًا
…
غضَّ الجنى داني القطوف
فقلت يا بدر ليل أنسي
…
حاشاك من مثل ذا الكسوف
وقال في غلام نحوي عروضي: [من الطويل]
وطارحني في النَّحو يومًا شويدن
…
له منطق حلو يدل على الظَّرف
فتى نسخ الإضراب والجحد وعده
…
وأعرض عن جمع السَّلامة والعطف
وقد منعتني علَّتان لصدغه
…
وطرَّته فرعيتان من الصَّرف
عروضيُّ إعراض لتقطع مهجتي
…
أبي البسط إلَاّ أن يرى القبض في الكفِّ
فلو بيت وصل حازه وأبن أحمد
…
لبات يجيز الضَّمَّ في ألف الرِّدف
وله في غلام مريض: [من السريع]
يا قمراً محَّ لمحو الضَّنى
…
بهاؤه الوافي وإشراقه
حتَّى غدا من سقم جثمانه .. كأنَّه للضَّعف ميثاقه
وأقلعت حمَّاه لمَّا أنتهى
…
خوف مواليه وإشفاقه
شفاؤه شفَّ قلوب العدا
…
وأفرق الحسَّاد إفراقه
/167 ب/ وقال في المعنى: [من الخفيف]
هزَّ منه السَّقام غضًا رشيقًا
…
واتضاه للفتك سيفًا رقيقا
صنم أوردته صالب حمَّا .... هـ حريقًا وأصدرته غريقا
بعدما عاد منه للتبر تربًا
…
جسد كان للشقيق شقيقا
ذهبًا صار في لظاها وقد با
…
شر إكسيرها وكان عقيقا
وقوله في غلام حيّا بفقاع: [من الرجز]
لم أشرب الفقَّاع إذ حيَّا به
…
بدر تغار الشَّمس من شروقه
لأنَّني خالفت قول المرتضى
…
فيه ولا شككت في تصديقه
وله في غلام مواصل: [من مخلع البسيط]
وليلة بتُّها وحِّبي
…
أشكوا إليه الهوى وأشكو
تقبح بالعاشق المعنَّى
…
في مثلها عفَّة ونسك
أشرب من فيه كأس خمر
…
ختامها من لماه مسك
وله في غلام طبيب: [من الطويل]
غلام تفوق النَّيِّرات دلائله
…
ترق سجاياه وتحول شمائله
/168 أ/ إذا عاد ذا سقم نفى عنه داءه
…
وقاطعه ما كان منه يواصله
يفسر من تفسيره المرء كنه ما
…
تضمَّنه أحشاؤه ومفاصله
يكاد إذا جسًّ المريض بنانه
…
تكلِّمه أسقامه وبلابله
ويعلم بالدَّاء الدَّخيل لحذقه
…
إذا باشرت نبض العروق أنامله
وله في غلام يقود كبشًا: [من البسيط]
وقائد كبشه نحوي لأذبحه
…
وحكمه فيه لا بل في مقبول
فخلته كبش إبراهيم جاء به
…
يوم الفداء أمين الله جبريل
وله في غلام خبّاز: [من الخفيف]
من مجيري يا قوم من جور خبَّـ
…
از هواه أذلَّني وأدلَّه
عوَّذته إذ صوَّر الكعك والأقـ
…
راص والخشكنان زادوه بالله
فتوهَّمته تينة وكلُّ منهم
…
باهت إليه مدلَّه
قمراً صاغ أنجمًا وبدوراً
…
من هيولى عجينه وأهلَّه
وله في غلام حامل قوس: [من الوافر]
وقوس تلتقي الطَّرفان منها
…
تروقك وهي مرخاة جمالا
/16 ب/ تخالف خلق حاملها وتحكي
…
خلائقه أعوجاجًا وأعتدالا
لو أنَّك حين وتَّرها تراها
…
عجبت لهالة صارت هلالا
وله في غلام أحدب: [من الوافر]
وقالوا لم كلفت وفيك لطف
…
بأحدب وهو أجدر بالملاله
فقلت لأنَّ ذلك غير مزر
…
به قد تدخل الألف الإماله
وله في غلام نحوي: [من الطويل]
ومتَّصف بالنَّحو أغرب حسنه
…
فأورد إشكالاً غدا عنه مسؤولا
سقامي فعل لازم وصدوده
…
له فاعل لم صِّير القلب مفعولا
وقال في غلام يجزّ البطيخ: [من الخفيف]
وغلام يجزُّ بطِّيخة في اللَّـ
…
ون مثلي وفي المذاقة مثله
لأناس غرٍّ على طبق في
…
مجلس مشرق يشابه أهله
مدَّ بدر شمسًا بأفق لشهب اللَّـ
…
يل في هالة ببرق أهلَّه
وقوله في غلام يلعب بالجغانة: [من الرجز]
وشادن يسبي العقول شاديًا
…
أوى الشَّمول إذ حكت شمائله
/169 أ/ تجيبه إذا شدا جغانة
…
مثل الصَّدى لشدوه مماثله
كأنَّما يسراه من ساعدها
…
في درجٍ صاعدة ونازله
وقوله في غلام أمير: [من مخلّع البسيط]
أفدي أميراً كبدر تمٍّ
…
من فرعه ليله البهيم
كأنَّما في القباء منه
…
ريحانة هزَّها النَّسيم
وقال في غلام أحول: [من الرمل]
بأبي أحول ممنوع اللَّمى
…
من جفاه بتُّ في أسوأ حال
كلَّما عاتبته يرمقني
…
خزراً عن قمري سبع ليالي
وقال ي غلام اسمه إبراهيم دخل الحمام: [من الرمل]
حبَّذا حمامنا من مجلس
…
تشتهي فيه مع الكرب المقاما
حلَّ إبراهيم فيه فغدت
…
ناره برداً علينا وسلاما
وقال في غلام أقطع: [من المنسرح]
قالوا: تعشَّقت أقطعًا وترى
…
هواه بين الأنام مذموما
/196 ب/ فقلت ما غضَّ منه ذلك بل
…
زاد به رفعةً وتعظيما
لمَّا غدا في جماله علمًا
…
أحدث فيه النِّداء ترخيما
وله في غلام طبّاخ: [من الوافر]
أعيذك أيُّها الطَّاهي بطاها
…
وبالآيات والذِّكر الحكيم
بعثت لنا بأطعمة جسام
…
موافقة لأمزجة الجسوم
كأنَّ سماطنا المبثوث روض
…
جنيُّ الزًّهر مسكيُّ النَّسيم
لقد أتحفتنا منه نهاراً
…
بأفق اللَّيل زيِّن بالنُّجوم
وقال في غلام يلعب بالكرة والصولجان: [من الرمل]
وغزال جال في ميدانه
…
وتثنَّى فأرانا صول جان
أتمنَّى لو غدا قلبي له
…
كرةً يشرفها بالصَّولجان
وقال في غلام لابس نطاق فيه لؤلؤ: [من الخفيف]
ماس تيهًا وأفترَّ يضحك عجبًا
…
في نطاق حال بدرٍّ نظيم
/170 أ/ فالُّثريا في البدر الغصن في الها
…
لة قد زيِّنت بزهر النُّجوم
وقال في غلام مثاقف: [من الطويل]
فتى فاق في علم الثِّقاف وأحسنا
…
وإن كان للإحسان والحسن معدنا
تودُّ الثُّريَّا كلَّما وطئ الثَّرى
…
بأخمصه لو قبَّلته تيمُّنا
وقوله في غلام صيرفي: [من الخفيف]
يا لقومي من ناظري صيرفيٍّ
…
أسحر النَّاس مقلةً ولسانا
تاه في عجبه فناديت
…
يا قوم وأطرقت مفكراً أحيانا
ما لبدر الدُّجى ومن شأنه
…
السَّير مقيمًا لا يقطع الميزانا
وله في غلام مرخيّ الصُّدغ: [من السريع]
لمَّا رأى طرفك موسى الهوى
…
كأنَّه فرعون عدوانا
وخاف منه سحر إنسانه
…
ألقى عصا صدغك ثعبانا
وقوله في جارية مطربة: [من السريع]
يا من غدا الإحسان من دأبها
…
في ضربها من دون أضرابها
ومن إذا غنَّت وعنَّت زهت
…
مأدبة الشَّرب بادابها
/170 ب/ ألم تري عيس كؤوءس الطِّلا
…
معييةً من طول تجوابها
فردِّدي الألحان موزونةً
…
في حلل من وسي إعرابها
فالخمر مالم تجل أقداحها
…
على الغنا فالدَّنُّ أولى بها
وقال في جارية سوداء: [من السريع]
عشقتها سوداء تعنو لها
…
سمر القنا خوفًا وبيض الصِّفاح
من مهج الانفس قد صوِّرت
…
فراح للناس إليها أرتياح
فوجهها كالرَّوض يختال في
…
بنفسج نرجسه والأقاح
يا حسنها من ليلة لم تزل
…
من ثغرها يطلع فيها صباح
وقال في جارية نشرت شعرها: [من الكامل]
ناديت إذ نشرت غدائرها
…
فحسبت أنَّ اللَّيل معتكر
مالي ضللت بليل طرتَّها
…
ولوجهها في جنحه قمر
وقال في جارية تنظر في المرآة: [من الطويل]
/171 أ/ أمودعة المرآة مرآة حسنها
…
أثمت فأوليها تجنُّب معرض
ولا تنظري فيها محيَّاك سافراً
…
مخافة أن تهويه مثلي فتمرضي
وله في جارية مفعمة بسواد: [من الكامل]
ومهاة حسن صديها أسد الشَّرى
…
لم تخش أن تتهجَّم العريِّسا
وعن مذهب الإحسان يعدل حسنها
…
أبداً وتقرأ في الخلاف دروسا
كحلاء ما خطبت أنامل كفِّها
…
سوداً ولا كحلت لواحظ شوسا
إلَاّ وقد علمت بأنِّي شاعر
…
أستحسن التَّطبيق والتَّجنيسا
وقوله في جارية راقصة: [من الكامل]
رقصت فترجم قدُّها عن عجم أل
…
سنة المثاني والبموم مشافها
وغدت تميس فأدركت أفهامنا
…
كيميَّة النَّقرات من أطرافها
فبرقصها أملت على عوَّادها
…
نكتاً رواها الزَّمر عن دفَّافها
فمتى أخلَّ وقد حكته بنهزة
…
ظهرت وقد فترت على أعطافها
وقال في جارية في خنصرها خاتم ذبل: [من المجتث]
/171 ب/ وذات دللٍّ سقامي
…
كهجرها لا يطاق
تزهى بخاتم ذبل
…
سواده براق
كأنَّما نفضت فيه
…
صبغها الأحداق
في خنصر لاح منها
…
فيه سنى وأئتلاق
تريك خصر نهار
…
اللَّيل فيه نطاق
[965]
يوسف بن أبي بكر بن قيس بن ربن بن سليمان، أبو محمَّد البشنويُّ الملقب بالنجيب.
شاهدته بإربل في جمادي الأولى سنة تسع وعشرين وستمائة؛ شيخًا مقطوع اليد اليمنى والرجل اليسرى، يجتدي بالشعر.
وكان قبل ذلك حراميًا فتاكًا شجاعًا مقدامًا؛ يقطع الطريق، ويكثر الفساد، لا يخاف سطوة ملك ولا بأس سلطان، فحينئذ عظم بلاؤه، واستفحل أمره، أنفذ إليه الأمير معز الدين سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي صاحب الجزيرة العمرية من احتال عليه وأخذه غيلة، ثم قطع يده ورجله من خلال /172 أ/ فعند ذلك جادت قريحته بالشعر، ونظم منه شيئاً كثيراً، ورحل به إلى الناس مرتزقًا، وجلّ قوله في وصف الحروب والشجاعة والمراثي في يده ورجله، وما يتعلق بذلك من التفجع والتوجع.
أنشدني لنفسه إملاءً من لفظه وحفظه يمدح الصاحب الوزير العالم شرف الدين أبا البركات المبارك أحمد بن المبارك بن موهوب المستوفي الإربلي – رحمه الله تعالى-[من الكامل]
مزح النَّحسب دموعه دمائه
…
وبكى وبكَّى النَّاس من بلوائه
لحلول حادثة جرت وقضيَّة
…
حكم الإله عليه لا بخطائه
بانت يمين منه ثمَّ شماله
…
من رجله فغدا أسير شقائه
يا ليت من يبغي لصاحب أسرة
…
لكن وحرُّ النَّار في أحشائه
هوِّن على المظلوم بعض بلائه
…
إن كنت يا ذل العذل من نصحائه
لو كنت تعلم ما يجنُّ جنانه
…
لعلمت أنَّ العذل من إغرائه
لعب الغرام بقلبه فأذابه
…
من حيث كان دواؤه من دائه
/172 ب/ في ماء مقلته ونار فؤاده
…
عجب الأنام بناره وبمائه
هل مسعد لأخي غرام بدِّلت
…
سرَّاؤه بالهمِّ من ضرَّائه
سلَّ الزَّمان عليه سيفًا قاطعًا
…
فجلاه وأستجلاه يوم جلائه
يا قلب صبراً إنَّ دهرك هكذا
…
أبداً يشوب نعيمه بشقائه
كنت الجليد لحمل كلَّ ملمَّة
…
هاض الزَّمان تجلُّدي بدهائه
قلَّ الحياء مع الوفاء فلن أرى
…
متخلِّقاً بحيائه ووفائه
إلَاّ أبا البركات ذا الطَّول الَّذي
…
غمر الأنام بفضله وعطائه
مولى له من جود راحة كفَّة
…
كرم خفاء الشَّمس دون خفائه
وفتى بنى فوق المجَّرة منصبًا
…
عال يرى كيوان دون علائه
فعلوُّه بالكسب من أحواله
…
وسماحه بالإرث من آبائه
من حاتم في جوده أحنف
…
في حلمه من قيس في آرائه
من قسُّ في أقواله من أكثم
…
في لفظة وأياس عند ذكائه
مثل السَّحاب ركامه واللَّيث
…
في إقدامه والبدر في لألائه
والبرق عند لموعه والنَّجم عنـ
…
طلوعه والصُّبح عند ضيائه
/173 أ/ يا ظاميًا يبغي الورود لغَّلة
…
يشفي بماء الجود فرط ظمائه
ألمم بذا الشَّرف الوزير لكي ترى
…
حفظ النَّوال مسارعًا لوفائه
[966]
يوسف بن جامع بن أحمد بن محمَّد بن الحسين بن الحسن، أبو أحمد الإربليُّ
كان خازنا ً بإربل بمارستانها أنشأه الفقير إلى الله تعالى أبو سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين ِّ رحمه الله تعالى ِّ كان له عناية بعلم الطب ومات ثالث عشر شعبان سنة خمس عشرة وستمائة بإربل.
أنشدني ولده أحمد بن يوسف الإربلي بها، قال: أنشدني والدي لنفسه ما كتبه إلى بعض الشرفاء: [من مجزوء الكامل]
يا من يلوذ بظلِّهم
…
أهل الشَّفاعة في المعاد أولاد فاطمة البتو
…
ل ومن لهم سبق الأيأدي
إنِّي محبٌّ للوصـ
…
يَّ وولده خير العباد
إن لم تردَّ دراهمي
…
فالنَّصب ديني وأعتقادي
وأقول بالغار الشَّريـ
…
ف وسعفة يوم الجلاد
/173 ب/ وأعود عن حبَّ الوصـ
…
يِّ وعود مثلي في البلاد
عار عليك فلا تكن
…
سبباً لكفري وارتدادي
[967]
يوسف بن الحسين بن يوسف بن أبي نصر بن حمَّاد بن العتائقي، أبو المظفر السيبانُّي.
أخبرني أنه ولد بالحلة المزيديةّ في المحرم سنة خمس وتسعين وخمسمائة.
رجل متصرف تولّى في الديوان العزيز أعمالاً جليلة، وينتمي إلى الأدب وقول الشعر، ويحفظ حماس أبي تمام حفظا جيداً، وكتاب اللمع لابن جني.
رأيته ببغداد سنة تسع وثلاثين وستمائة وكتبت عنه مقطعات من شعره، ومما أنشدني لنفسه إملاءً من لفظه:[من الكامل]
راحت خيول [الشَّوق] راكضة
…
بحشاي لمَّا ظلت ترتكض
يا من لقلبي من لواحظه
…
مرض كما بجفونها مرض
الله في دم عاشق دنف
…
لم يبق فيه جوهرا عرض
إن كان سفك دمي لكم عرض
…
يا حبَّذا لرضاكم الغرض
/174 أ/ وأنشدني أيضًا قوله في ترتيب كتاب الأزهري يعلم بها: [من الطويل]
عجيب حمام هجن خلَّة غادر
…
قديماً كأن جدَّلن شلو ضلوعي
صوادح زّيَّارات زور طوالع
…
دوالج تهديها ظلال ذريع
ثووا رقدة لم ندر فيهم بروحها
…
مغيبي إذ يممتها وطلوعي
وانشدني لنفسه من أبيات كتبها إلى بعض أصدقائه وقد سافر بعد مودّة كانت بينهما إلى بلاد الشام: [من الكامل]
هيهات يوفى بالمودَّة راحل
…
أرخى عقود الودِّ وهو مقيم
إن كان أحدث سلوة عن ودِّنا
…
عمداً فأيُّ هوى تراه يشيم
قد كنت أحسب أن سيعثه الهوى
…
نحوي ولو أنَّ الفراق جحيم
حتَّى بدا الهجران منه والقلى
…
وتعذَّر التَّسال والتَّسليم
لا أمرعت أرض العراق لبعدكم
…
أبداً ولا جادت عليه غيوم
/174 ب/ وسقى قويقًا والعواصم عارض
…
يسري وعقد نطاقه مفصوم
وأنحلَّ خيط المزن في حلب ولا
…
بخلت على تلك البقاع نجوم
وسرت على درب البنات عليلة
…
ريح الصَّبا وتجنَّبته سموم
جربتكم وخبرتكم فوجدتكم
…
طابت فروعكم وطاب الخيم
فعليكم منِّي السَّلام مواصلاً
…
ما ناح قمريٌّ وهبَّ نسيم
وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل]
يا سائق الأضعان تعتسف الدُّجى
…
دعها فقد بلغت جنابًا ممرعا
وصلت قويقًا والعواصم فانثنت
…
من بعد قطع البيد حسرى ظلَّعا
بلغت بنا حليًا ولم يبق السُّرى
…
للسير والإدلاك فيها موضعا
عرِّج على درب البنات فلي به
…
قلب متى ذكر الشَّريف تقطَّعا
وقل السَّلام عليك من متجنِّب
…
ما كمَّل التَّسليم حتَّى ودَّعا
قمر متى حدر اللِّثام تبرقعت
…
شمس النَّهار خجالة أن تطلعا
فارقته والدمع يغرق ناظري
…
والوجد يحرق قلبي المتصدِّعا
ألغى مواثيق الإخاء ولم يزل
…
واهي المودَّة للعهود مضيِّعا
لم تطعم الأجفان بعد فراقه
…
غمضًا ويأبي الشَّوق لي أن أهجعا
([968]
/175 أ/ يوسف بن رافع بن تميم بن عتبة بن محمَّد بن عتّاب، أبو المحاسن الأسديُّ بابن شدَّاد.
وشداد الذي ينسب إليه هو جدُّه لأمّه وبه يعرف.
القاضي الإمام الصاحب من أهل الموصل قاضي قضاة حلب، ذكره الصاحب السعيد أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة في كتابه، وقال: أشتغل في صدر عمره بالقرآن الكريم، فأحكم فنونه. قال لي: لزمت القرطبي إحدى عشرة سنة، وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فيما يرى النائم وكان معه شخصان يغلب على ظني في النوم أنَّهما أبو بكر وعمر – رضي الله عنهما – وكأنني جعلت أمشي بين يديه صلى الله عليه وسلم خدمة له، وآخذ الأحجار من طريقه بيدي اليمنى وأضعها في يدي اليسرى وألقيها فمشيت هكذا بين يديه. ثم خطر لي أن ألتفت إليه وأسأله أن يدعو لي فلما هممت بذلك، قلت في نفسي: لا أترك خدمته صلى الله عليه وسلم لحظ نفسي؛ فمررت بين يديه على حالي ولم أسأله /175 ب/ شيئًا إلاّ أني استيقظت.
قال الصاحب أبو القاسم: وكذا كانت عادته وحاله؛ فإنَّ جلّ أموره كانت لله تعالى، وفيما يعود إلى الأمور الشرعية، ولم يكن لنفسه كبير حظّ في ذلك. وإذا اجتمع له الأمران غلب جانب الشرع على حظ نفسه، وتوفي رحمه الله تعالى – وقت أذان الظهر يوم الأربعاء الرابع عشر من صفر من سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. وصلّى عليه نائبه القاضي زين الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الأسدي بالمسجد الجامع بعد صلاة العصر، ودفن بالتربة التي أتخذها لنفسه بين المدرسة ودار الحديث اللذين وقفهما – رحمه الله تعالى – وكانت ولادته من سنة تسع وثلاثين وخمسمائة عاشر رمضان.
وقال الإمام أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن باطيش الموصليُّ الفقيه الشافعي قاضي حلب أبو المحاسن الأسدي، وعرف بابن شداد؛ لأنَّ أباه توفي وهو صغير، فنشأ عند أخواله بني /176 أ/ شدادّ – وكان شداد جدّه لأمّه فاشتهر بالنسبة إليه.
وحفظ القرآن في صغره على عثمان غلام بن الجرار، ثم أتقنه دراسةً ورواية على الشيخ أبي الحسن علي بن خليفة بن المنقّى بعشرة إبن الكَّزاية – خطيب الجزيرة العمرية – وكان ابن المنقى يرويه عن إبن الجرار عن المصنف.
ثم قدم الموصل الشيخ أبو بكر القرطبي فلازمه وقرأ عليه القرآن العزيز بالطرق السبعة مفردات وجمعًا مرات متعددة، وتلقن عليه فنً القراءات بحيث كتب له القرطبي في فصل قال من جملته: إنَّه قرأ عليّ ما لم يقرأه غيره.
ثم بدأ بالاشتغال بالفقه على مذهب الإمام الشافعي – رضي الله عنه – على الشيخ أبي البركات عبد الله بن الخضر بن الحسين الشيرجي فقيه الموصل يومئذ
ثم بدأ بالخلاف على الضياء أبي خازم – صاحب الشهيد محمد بن يحي – وعزم على الرحلة إلى الشيخ محمد بن يحي، فسمع بوقعة نيسابور فتوقف لانتظار العاقبة.
/176 ب/ ثم حجّ وانعطف على زيارة البيت المقدّس، واتصل بخدمة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب – رحمه الله تعالى – وفوّض إليه قضاء العسكر، وقضاء بيت المقدس. ووقف به السلطان مدرسة عظيمة، وأسند نظرها إليه، وتمسكّ به، وأطلعه على باطن أموره وأرسله إلى الخليفة الناصر لدين الله وإلى من كان في طريقه من الملوك بأسرهم واجتاز بالموصل.
ولمّا مات صلاح الدين تمسك به ولده الملك الظاهر وطلبه من أخيه الملك الأفضل علي، ومال إليه وتقدم في دولته واستولى عليه غاية الإستيلاء وأقطعه من بيت المال ما يفضل عن كفايته وكفاية ما يلزمه إقطاعه، لم يعهد لأبناء جنسه من ولاة المناصب ووقف عليه نصف قرية كان يملكها من أبيه الملك الناصر صلاح الدين وملكه بحلب داراً وقرية كبيرة وسوقاً كان أنشأه.
ثم غنَّ القاضي وقف داره مدرسةً ووقف عليها السوق والقرية المذكورين. وكان
الملك الظاهر وقف بدمشق مدرسةً وأسند أمرها إليه، وكذلك /177 أ/ المدرسة التي أنشأها بظاهر حلب، وحضر درسه يوم درَّس فيها. ثم استناب فيها نائبًا، وبقي يدرس في مدرسته التي أنشأها هو أول يوم درس فيها حضر الملك الظاهر واحتفل غاية الإحتفال من الاطعمة والأشربة والحلاوات وغيرها، ونثر عليه الذهب وأقام عنده من بكرة إلى قريب العصر. وخلع على جميع خواّصه وامتدحه الشعراء، وأظهر من السرور به ما لم يسمع عن غيره من الملوك في حق أتباعهم ولم يزل حاله معه كذلك في الإكرام والاحترام إلى أن مات الظاهر، وتولى ولده الملك العزيز وهو طفل وقام بأمره ظغرل بن عبد الله فاعتمد في جميع الأمور على القاضي، وركن إليه غاية الركون. ولم يكن يستثقل بشيء من الأمور دون مشاورته فيه.
وترقى عن مرتبة القضاء إلى مرتبة الوزارة، وخوطب بالصاحب. ثم بنى داراً للحديث النبوي، وصار يسمع فيها الحديث؛ ولما بنى السلطان الملك الظاهر مدرسته التي دفن فيها كان هو أول من درس/ 177 ب/ فيها.
ثم استناب فيها وفي دار الحديث من يقوم بوظائفها، وانقطع عن التدريس والتردد إلى دار الحديث للإسماع لاستيلاء ضعف الكبر عليه. ولم يزل كذلك إلى أن توفي بحب، ودفن بعد العصر بتربته التي أنشأها بباطن حلب بين مدرسته ودار الحديث مقابل داره التي أوقفها رباطاً على الصوفية – رحمه الله تعالى – هذا آخر كلامه.
وصنّف كتبًا منها: كتاب "سيرة الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب – رضي الله عنه"، وكتاب "الأخفياء من الأولياء"، وكتاب "الموجز الباهر للملك الظاهر" في الفقه على مذهب الإمام الشافعي – رضي الله عنه، وكتاب "دلائل الأحكام في أحاديث الرسول عليه السلام"، وكتاب "التحفة العزيزية" صنعه للملك العزيز محمد بن غازي بن يوسف رحمه الله تعالى يتضمن آداب الصوم والصلاة، وآداب السلطان وغير ذلك. وكان ينظم القطع من الشعر.
أنشدني الشيخ الأجل المعدَّل بهاء الدين أبو محمد الحسن /178 أ/ بن إبراهيم بن سعيد بن يحي بن الخشاب الحلبي بها ِّ رضي الله عنه ِّ قال أنشدني قاضي القضاة بحلب أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم لنفسه: [من الطويل]
فيا نفس خلِّي رائق العيش وأعلمي
…
بأنَّ الرَّدى عمَّا سواه سيمنع
وجدِّي فإنَّ اللَّهو حلو مذاقه
…
بديًا وطعم الجدِّ من حين يقطع
فما لحظات العمر إلَاّ نفائس
…
فما مثلها يلفى ولا هي ترجع
وأنشدني ابو محمد عبد العزيز بن عمر بن مقبل الفقّاعي الموصلي بها، قال: أنشدني القاضي أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم الأسدي الموصلي – رحمه الله تعالى- لنفسه: [من الكامل]
ولقد صحبت من الزَّمان رئيسه
…
ومنحته منِّي صميم فؤادي
حتَّى إذا جربته وعرفته
…
فعلمت أنَّ وداده بغدادي
/178 ب/ فسلوت أبناء الزَّمان بأسرهم
…
وعلمت أنَّهم سراب بادي
وأنشدني بعض الفضلاء بحلب، قال: كتب الحسين بن أبي بكر الموصلُّي إلى القاضي القضاة أبي المحاسن يوسف بن رافع في يوم مطير منعه عن الاجتماع بخدمته بهذه الأبيات متمثلاً: [من الكامل]
ثقتي بجودك أنَّني لا أحرم
…
ونداك منسكب وبحرك مفعم
إن كان غيَّبك الحجاب فربما
…
غابت بأعقاب الطُّلوع الأنجم
أو ما ترى قطر السَّماء وغيمها
…
أبداً يؤمَّل عندما تتغَّيم
فأجابة القاضي أبو المحاسن من قوله بهذه الأبيات ونقلتها من خط يده: [من الكامل]
إنَّ الغمما على الأنام مخيِّم
…
والجوَّ من ظلم السَّحائب معتم
والقلب من همِّ الغموم محجَّب
…
عن نفسه بمرور روح تنسم
والشكُّر لله المكرمَّ شانه
…
كبقاء أنفاس الورى بل أدوم
[لله حمداً دائمًا متكررِّاً
…
لا ينقضي يومًا ولا يتصرمَّ]
[969]
/179 أ/ يوسف بن سعد بن الحسين بن سعد بن المجلّي بن قرطاس، أبو العزِّ الجزريُّ
أبوه وأجداده من الجزيرة العمرية، وأبو السعادات المبارك، وأبو الحسن علي، وأبو الفتح نصر الله، أبناء الأثير محمد بن محمد بن عبد الكريم الجزريون أخواله.
وحدثني أبو العزّ أنَّ والدته توجهت إلى بيت الله الحرام مع أخيها الأكبر أبي السعادات، وهي حمل بي فلما عادت من الحج وقدمت الحلة المزيدية وضعتني في مستهل صفر سنة ستٍّ وثمانين وخمسمائة.
ونشأ بالموصل وحفظ كتاب الله تعالى على الشيخ أبي المجد إسماعيل بن بركات بن منصور بن باد بن جبر بن مالك الجصّاص. وسمع جملةً من الحديث على جماعة بالموصل كأبي بكر مسمار ومحمد بن محمد البلدي وغيرهما، وكتب خطأ حسنًا. وسمع جميع مصنفات أخواله حتى لم يكد يفوته منها شيء. وقرأ طرفًا من العربية على الإمام أبي الحرم النحوي، وكلَّف نفسه قول الشعر فنظم أبياتاً لا بأس بها.
/179 ب/ ومما أنشدني من شعره في سنة أربع وثلاثين وستمائة بالموصل: [من السريع]
من منصفي من ظالم كلَّما
…
قربته يمنحني بعدا
يظلُّ يدعوني ياسِّيدي
…
وليته يقبلني عبدا
وأنشدني لنفسه: [من الخفيف]
يا سميَّ النَّبي في سورة الفتـ
…
ح ومن صيغ من هلال وشمس
والَّذي لا أزال أقبض طرفي
…
في مناجاته وأبسط خمسي
إنَّ عيني تغار من أختها فيـ
…
ك ونفسي عليك تحسد نفسي
وأنشدني أيضًا من مقطعاته: [من الكامل]
سفَّاح جفني قرِّحت أجفانه
…
فجبينه الهادي وجعغر أدمعي
ومتى توسَّمت الكرى أو رمته
…
طرق الخيال وقال لي يا مدَّعي
وإذا سألت الرَّكب عن أخبارهم
…
فالعين تحسد عند ذلك مسمعي
عجبًا أسائل أين حلَّت دارهم
…
من كلِّ من ألقى وهم في أضلعي
وأنشدني لنفسه يهنّي بدر الدين أبا الفضائل لؤلؤ بن عبد الله صاحب الموصل وقد لبس خلعة زرقاء: [من الخفيف]
/180 أ/ ُّأنت أعلى محلَّة أن تهنَّي)
…
فرفعناك عن مقام الهناء
(أنت بدر وإنَّ أحسن لونًا
…
طلع البدر فيه لون السَّماء)
البيت الثاني هو لكشاجم، ولم يغيّر من الفاظه شيئًا من أبيات له.
[970]
يوسف بن سليمان بن صالح بن رهيج بن صالح، أبو يعقوب المضريُّ المعروف بابن الكتّانيِّ، وينبز بالبغل
من أهل بغداد، وأصله من الرّحبة.
وكانت ولادته بمدينة السلام سنة ستٍّ وثلاثين وخمسمائة. وكان شاعراً مطيلاً، قادراً على النظم، سمح الخاطر مطبوعًا منتجعاً مدّاحًا صاحب نكت وملح؛ له معرفة بالأدب وعلم العربية، وشعر كثير مدون يدخل في مجلد كبير كان يمتدح به الناس.
وكان في الشعر [أقرب] إلى الحيص بيص، وعليه تخرج وروى شعره عنه لي الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمود بن االحسد بن النجار البغدادي/ 180 ب/ بهاء،
وأبو الفتح يونس بن أبي الغنائم بن أبي بكر بن محمد البغدادي بحلب.
أنشدني أبو عبد الله بن النجار البغدادي بها في سنة تسع وثلاثين وستمائة – رحمه الله تعالى – قال: أنشدني أبو يعقوب يوسف بن سليمان بن صالح لنفسه يمدح الملك المسعود أبا المظفر سكمان بن محمد بن داود – ملك ديار بكر: [من المتقارب]
تعلَّقت أسمر كالذَّابل
…
مليح الشَّمائل من بابل
يميس على الدِّعص من لينه
…
فأخشى على خصره النَّاحل
إذا هزتَّ الرِّيح أعطافه
…
تمايل كالغصن المائل
وقد سيَّج الحسن في عارضيه
…
عذاراً من العنبر السَّائل
ويبسم عن لؤلؤ كلَّما
…
تألَّق عن شنب كامل
تجول المدام على ثغره
…
فأحسد للَّسلسل الجائل
إذا ما رماك بألحاظه
…
فحذرك من طرفه النَّابل
فلا مرهم لسهام الجفون
…
وقد فوَّقتها يد القاتل
يرو لي العذل من حبِّه
…
فأعشق للَاّئم العال
/181 أ/ ويبخل بالوصل حتَّى الخيال
…
فأفديه من رشأ باخل
إذا ما تحفَّظت من جوره
…
ولم أك للجور بالحامل
فلست أعدُّ مع العاشقين
…
ولا خير في العاشق الجاهل
أقول وقد سلَّ من جفنه
…
حسامًا يطول على العامل
تفانى الرِّجال على حبِّها
…
وما يحصلون على طائل
إلى ههنا أنشدني. وتمام القصيدة:
فدع عنك ذكر طماع النُّفوس
…
وعدِّ إلى الملك العادل
ولا تثن عزمك عن ماجد
…
يبخِّل للعارض الهاطل
إذا سأل النَّاس ما في يديه
…
يرى ذاك شحًا من السَّائل
يرى بذل وجهك عند السُّؤا
…
ل أكثر من ذل كالنَّائل
ويحتقر الأسد يوم النِّزال
…
ولو أنَّها عدد الوابل
ويقتلع الخيل مسرودة
…
تهفُّ بكلِّ فتى باسل
لقد علَّم البيض ضرب الطُّلا
…
وسمر القنا الطَّعن في الجاهل
/181 ب/ به نستطيل على النَّائبات
…
وأين النَّصير من الخاذل
وأنشدني أبو الفتح يونس بن أبي الغنائم بن أبي بكر بن محمد البغدادي بحلب، قال: أنشدني أبو يعقوب يوسف بن سليمان بن صالح لنفسه من قصيدة يمدح بها الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب رحمه الله تعالى: [من الكامل]
قالوا: يلا مذ تمَّ نبت عذاره
…
فأجبت ما خطر السُّلوُّ بخاطري
لولا أخضرار النَّبت ما زهت الرُّبى
…
والنُّور ما زهت الغصون لناظر
ومنها يقول:
ومعقرب الصُّدغين تعطفه الصَّبا
…
من لينه عطف القضيب النَّاضر
سلَّت محاجره عليًّ خناجراً
…
فوقعت بين محاجر وخناجر
لله أيَّام مضت لي بالحمى
…
قضَّيتها مع فتية وجاذر
/182 أ/ والشَّمس تجلوها الكؤوس وحولها
…
حدق الضَّفادع في زجاج دائر
رقَّت كرقَّة خاطري لمَّا أنبلاى
…
بالمدح في الملك الغياث الظَّاهر
ومنها قوله:
ويرفع النِّيران في غسق الدُّجى
…
يهدي الركاب إلى نداه الفاخر
فكأنَّها فوق الجبال مطارف
…
حمر الذَّوائب أو رئات أباعر
ونقلت من ديوان شعره ما قاله مديحًا في الملك الصالح أبي الفتح محمود ابن محمد بن سلمان – صاحب آمد: [من الخفيف]
قل لساقي الشَّمول حثَّ الشَّمولا
…
وأدرها سلافةً سلسبيلاً
وأسقنيها عذراء قد عقد المز
…
ج من الحبِّ حولها إكليلا
بنت كرم تنفي الهموم وتحذي
…
كرم النَّفس والسَّخاء البخيلا
لو تجلَّت في كأسها غسق اللَّيل
…
من النُّور خلتها قنديلا
فأصطبحها مدامة حكت المسـ
…
ك ذكاء وفاقت الزَّنجبيلا
/182 ب/ لو رآها الخليل تقرص في الَّرا
…
ح لأضحى لها الخليل خليلا
ولما لا أجلُّها وهي كالأر
…
واح تجري فينا قليلاً قليلا
فاسقنيها مثل الزُّلال فقدآ
…
ن لشمس النَّهار من أن تزولا
من يدى شادن أغنَّ إداجا
…
ر علينا أحار منًّا العقولا
سلب اللُّب حين ما عاين اللُّ
…
بُّ جبيناً صلتًا وخدّاً أسيلا
وفما بارد اللِّثات وظلمًا
…
عطرًا من رضابه معسولا
سلَّ من جفنه عليَّ حساما
…
خفت لمَّا رأيته أن يصولا
مثل ما سلَّ في الوغى ناصر الدِّين
…
حسامًا يردي الكماة صقيلا
ونقلت من ديوانه أيضًا بمدحه: [من مجزوء الرمل]
صاح بالزَّوراء عج بي
…
زاد بالزَّوراء عجبي
وأسأل الدَّار عن الغيـ
…
د لعلَّ الدَّار تنبي
وإذا ما عنَّ سرب
…
من نواحيها فسر بي
أو رأت عينك صحبي
…
فعلى حالك صح بي
/183 أ/ عدِّ عن عتب ودعني
…
عاذلي من ذكر عتب
إنَّني علِّقت ظبيًا
…
من بني مالك رحبي
فاتر العينين لا يصـ
…
بو وللعشَّاق يصبي
لؤلؤيَّ الثَّغر إلَاّ .... أنَّه للعقل يسبي
مائسًا يهتزُّ تيها
…
شغبًا من غبر شرب
يتثنى مقل غصن
…
من غصون البان رطب
شاب كأسي من ثنايا
…
هـ بريق منه عذب
وبدا يضرب بالأو
…
تار حتَّى سلَّ قلبي
يا بني الزوراء كلٌّ
…
منكم جاري وتربي
خبِّروا بغداد إن أخَّـ
…
رت عن بغداد كتبي
أنَّني مذ غبت عنها
…
بين جنَّات وقضب
في ربوع الملك الصَّا
…
لح لي أبقاه ربي
وقال المحلّة الغربية يستهدي شرابًا من السديد الطبيب: [من مجزوء الهزج]
/183 ب/ سديد الدَّولة المعرو
…
ف بالتَّشريح في الطِّبِّ
ويا من حلَّ في العلم
…
محلَّ العلم من قلبي
ويا من فاق في الآفا
…
ق فوق السبعة الشُّهب
سرى ذكرك في البلدا
…
ن بين العجم والعرب
فلو وافاك جالينو
…
س أضحى طائر اللُّبِّ
وسقراط وبقراط
…
وجوه الشَّرق والغرب
لأضحوا من تلاميـ
…
ذك والمأمول من ربي
دعتني شهوة اللَّهـ
…
وإلى المأكول والشَّرب
إلى مشمولة تحكي
…
أريج المندل الرَّطب
لئن روَّيتني منها
…
بما أطفي به كربي
سألت الله أن يعطيـ
…
ك في أولادك النُّجب
وقال يمدح المنتجب بالمحلَّة الغربيّة: [من مجزوء الرجز]
ألذُّ من طعم الضَّرب
…
ما أنساغ من ماء العنب
/184 أ/ مدامة قد عتِّقت
…
من عصر هامان حقب
كانت ولا شيء يرى
…
قبل جمادى ورجب
قد نظمت في جيدها
…
قلائداً من الحبب
لها إذا ما بزلت
…
في غسق اللَّيل لهب
كالشَّمس إلَاّ أنَّها
…
أحسن من لون الذَّهب
ترقص إذ غنَّى بها
…
الرَّاووق في الكأس طرب
كانَّما شعاعها
…
بنان ساقيها خضب
على سماعٍ قينة
…
لها من الرُّوم نسب
لكنهَّها من الدَّلا
…
ل تنتمي إلى العرب
جارية من دونها
…
بيض الصِّفاح واليلب
كم سلبت من عاشق
…
بغنج عينيها سلب
فيها الأرباب الهوى
…
برء لقوم وعطب
وليس لي من ناصر
…
سوى الرَّئيس المنتجب
من صَّير المدح إلى
…
جود أياديه سبب
/184 ب/ قد زَّين الشِّعر كما
…
زيَّن في الديِّن اللَّقب
فكفُّه من النَّدى
…
لو شاء سحبان سحب
لا زال يعفو درجًا
…
من المعالي ورتب
وقال يمدح الصاَّرم خطلبا بمصر: [من مجزوء الرمل]
أنا في الحبِّ كئيب
…
واالهوى شيء عجيب
تيَّمت قلبي فتاة
…
حسنها حسن غريب
من بنات التَّرك لكن
…
من دعاها لا تجيب
في فؤادي من هواها
…
زفرات ولهيب
ولها عينان كالسهـ
…
مين تصمي وتصيب
فهي شمس ليس في الأيَّـ
…
ام واللَّيل تغيب
صيَّرت جسمي قضيبًا
…
وهي كالغصن قضيب
عصني ذاو ولـ
…
كن غصنها غض رطيب
ولها ساقان كالبر
…
دي يعلوها كثيب
/185 أ/ وعليها كلَّما جئـ
…
ت إلى الباب رقيب
يتراءى إن تراءيـ
…
ت وإن غبت يغيب
كيف أنجو من سقام
…
خانني فيه الطَّبيب
أنا عان من هواها
…
وهي تلهو وتطيب
من رأى كالموت عشقًا
…
تتهاواه القلوب
أنت يا صارم للعا
…
لم في الخير نقيب
صنت وجه النَّاس مذ صر
…
ت بجدواك تصوب
وإذا ما فهت فصلاً
…
قام بالفصل خطيب
يا غريب الحسن قد
…
جاءك للرِّفد غريب
من بلاد الشَّرق وافا
…
ك وإلَاّ لا يخيب
فأبق عمر الَّهر ما عـ
…
مِّر في الدُّنيا عسيب
وصم الأعوام يا من
…
صدره صدر رحيب
وقال يمدح الملك الصالح محمود بن محمد على الشراب ارتجالاً: [من المنسرح]
/185 ب/ ومجلس رصَّعت جوانبه
…
علياك يا ناصر الدُّنى ذهبا
تدور كاساته وقد عقد الـ
…
مزج من الدُّر حولها حببا
مع قينة حلوة إذا عبثت
…
أكفُّها خلت جحفلا ً لجبا
تبسم عن لؤلؤ كأنَّ به
…
مسكًا فتيقًا وعنبراً وكبا
يروق للشَّرب ريقها فإذا .. ما مزج الكأس ريفها عذبا
إن لفتت ظيبة وإن نظرت
…
إليك سلَّت من الجفون ظبا
تجلى على مالك يسود على الـ
…
عالم أمّا كريمةً وأبا
أسمح من حاتم ندى ويداً
…
وراحتها تبخل السُّحبا
يعطي بلا منًّة ولا ملل
…
إذا أنتخاه مؤمِّل طلبا
تجود ما لا يجوده ملك
…
وغيره يستردُّ وما وهبا
ترجَّ أنعامه ونائله
…
في جذل والمفرَّ إن غصبا
ستجد شمس الضُّحى إذا جلس الـ
…
صَّالح طوعًا والبدر إن ركبا
وتستحطُّ النُّجوم هيبته
…
من فلك ضمَّ سبعةً شهبا
إذا تباهى الأنام سادهم
…
وحقِّ من صوَّر الورى نسبا
/186 أ/ نظمت فيك المديح يا ملكًا
…
جواهراً ما نظمت مخشلبا
فخلِّ شعر الرُّعاع عنك وخذ
…
شعر فتى فاق الورى أدبا
تزيد إن عنَّت الحداة به
…
ودارت الكأس بيننا طربا
فلا تحد في الزَّمان عن رجل
…
على معاليك حقُّه وجبا
ينسيك في أرؤس المنابر بالمد
…
ح ثناء جميع من خطبا
كم بين من يبذل الرَّغائب لي
…
وبين من ملَّ بعد ما رغبا
إجهد على غلب من تعاند ما أسـ
…
طعت فإنَّ الدُّنيا لمن غلبا
وأبق مع الدَّهر في بلهنية
…
ما شاق صبًا حبيبه فصبا
وقال يقتضي الملك العزيز عماد الدين أبا الفتح عثمان بن يوسف بن أيوب – صاحب الديار المصرية – وكان يطاول به حتى يتسخدمه: [من الكامل [
ماذا أقول إذا سئلت عن الَّذي
…
أغنى بنائله العفاة وأرغبا
وسقت مكارمه العطاش فأصحبت
…
روضًا وقد كانت محيلاً مجدبا
/186 ب/ وكسا بأنعمه الحدائق سندسًا
…
تفترُّ عن يقق ونور أشهبا
وسئلت ما بذل العزيز لمدحة
…
سجد الزَّمان لحسنها وتعجَّبا
وأتيت من بلدي ببلقيس الَّتي
…
جليت وجئت بعرشها لا من سبا
أنكحتها ملكًا أغرَّ مهذَّباً
…
ضخم الدَّسيعة عالمًا متأدبا
إن قلت: لم يجد الجواد يقال لي
…
مثل العزيز يردُّ بكرك ثيِّبا
حاشا ابن يوسف ان يخيب شاعرًا
…
يثني عليه مشرِّقًا ومغرِّبا
ملكًا أجلّ من الملوك بأسرهم
…
أمًا وأكرم من جميعهم أبا
وقال فيه أيضًا: [من الطويل]
ولو كنت قبل الرَّمل أيقن بالَّذي
…
لقيت وكيسي بالإياس يؤوب
لكنت من البيت المقدَّس آئبًا
…
إلى بلد فيه الغريب نسيب
تؤخرني والسَّبق لي بعد غاية
…
وأين من البحر الخضمِّ قليب
إذ أنتسبت غرُّ القوافي فإنَّني
…
لغرِّ القوافي والعلو منقيب
فلا تخب الأيَّام ظنِّي وإنَّما
…
طنون القوافي في سواك تخيب
وقال بمصر: [من الخفيف]
/187 أ/ يجتني الجهل من غصون الأماني
…
ثتمراً ما تنالها الألباب
وتموت الرُّؤوس في زمن الإيـ
…
سار جوعًا وتشبع الأذناب
وقال بالموصل وقد بات في الحمام: [من الوافر]
رقدنا في الجحيم على أناة
…
لييلتنا ولم نخف التهابا
فلمَّا أن تراءى الصُّبح نزَّت
…
أفاعيها فألقين الثِّيابا
وحرَّقت الإهاب فمذ نزعنا
…
رأيت الطَّل قد غمر الإهابا
وقال بالموصل أيضًا وقد هلّ الهلال وفي جنبه نجم يحفهما سحاب: [من مجزوء الكامل]
أدر الكؤوس وغنِّني
…
طربًا فقد رقص الحباب
وأشرب فقد هلَّ الهلا
…
ل وآفة الهمِّ الشَّراب
أو ما تراه وجنبه
…
نجم يحفهما سحاب
فكأنَّه فخٌّ يهـ
…
مُّ للفظ حبَّته شهاب
/187 ب/ وقال بامد يقتضي الوزير ضياء الدين أبا العباس أحمد بن القاسم بن شيخ السلامية ِّ وهو يومئذ وزير ملك ديار وقد هجم الشتاء – حطبًا: [من مجزوء الرجز]
يا سيدِّاً عالي الرُّتب
…
وعالمًا جمَّ الأدب
ويا وزيراً إن يشأ
…
يمحو إن شاء كتب
وأمره أنفذ من
…
وقع السِّهام في اليلب
وصاحبًا عوَّدوني
…
من كفِّه لفظ الذَّهب
ومن إذا ناديته
…
في مثل ذا اليوم وثب
قد هجم الثَّلج عسى
…
تميرنا من الحطب
وقال أيضًا: [من المنسرح]
تغيَّر الخمر للعقول كما
…
تغيِّر الحلم سورة الغضب
فافصح ولا تعتب الزَّمان على
…
من يلبت لبَّه أبنة العنب
وقال في قصيدة /188 أ/ يمدح بها شمس الدين قاضي دارا: [من الطويل
أعاذ ما لي ف السُّلوٍّ نصيب
…
وهل بعد شيبني في هواه أتوب
إذا عذل المشتاق خال من الهوى
…
أميل إلى تعذاله وأطيب
يرنِّحني ما فاه بالحبِّ مثل ما
…
ترنَّح في وادي الأراك قضيب
ويطربني نوح المام وإنَّني
…
على الدَّوح ما ناح الحمام طروب
أكتِّم حبًّا قد براني صدوده
…
ويعرض عجبًا إنَّ ذا لعجيب
يحمٍّلني شوقًا ويقتلني قلى
…
ويبعد عن عينيَّ وهو قريب
وليس لراء قد أضرَّ بمهجتي
…
سواه رب العالمين طبيب
إذا مرَّ بي طيف من الحبِّ زائراً
…
أقول وفوقي شاهد ورقيب
بحقِّ ليالي الوصل يا طيف هل بدا
…
إليك من العاني المشوق ذنوب
إذا قلت أهلاً صدَّعنِّي بوجهه
…
دلالاً ويدعوني رضًا فأجيب
وما ذاك إلَاّ فرط حبَّ تواترت
…
عليه من البيت المشتِّ خطوب
يميس على دعص من الرَّمل ناعم
…
كما ماس خوط البان وهو رطيب
ويبسم عن ثغر كانَّ رضابه
…
إذا مزجت منه المدامة طيب
/188 ب/ من التُّرك أمَّا خصره فمزنر
…
نحيل وأمَّا حسنه فغريب
تملَّك رقًا لا يباع فرقَّ لي
…
وزير بحلِّ المشكلارت لبيب
فتى أينع الأيَّام والعام ماحل
…
وأضحك سنَّ الدَّهر وهو قطوب
فما منصب إلَاّ وللشمس ذي النُّهى
…
أبي الفتح فيه حصَّة ونصيب
تفلُّ رماح الخطِّ أقلام خطِّه
…
ويرسلها دون السِّهام تصيب
يموِّل حتَّى لا ترى الدَّهر معسراً
…
ويخصب حتَّى لا يقال جديب
له من عباد الدَّين بين عماده
…
رفيع وصدر للوفود رحيب
وقال أيضًا جواب كتاب ورد عليه من بغداد من المقرب يونس بن أحمد القرقوبي: [من مجزوء الكامل]
وافي كتابك يا مقرَّب
…
فبدا يذكَّرني وأعرب
عن طيب ريعان الشَّبا
…
ب ونحن بالزَّوراء نلعب
فلثمت أسطره وكد
…
ت أطير من فرحي وأطرب
لله أيَّام مضت
…
وأنا وأنت بكلِّ مكتب
/189 ا، نلهو بأخلاق أل
…
ذَّ من الطِّلا طعمًا وأطيب
والعيش مخضر ُّ الوراق
…
مطرَّز الكمَّين مذهب
مع جيرة ما زال نأ
…
كل في مجالسهم ونشرب
جار القضاء فشَّرق الـ
…
بين المشتُّ بنا وغرَّب
ما زالت الدُّنيا تجي
…
ء بأهلها أبداً وتذهب
وقال أيضًا صدر كتاب كتبه إلى الشهاب يوسف العقاب: [من المنسرح]
شوقي إلى يوسف العقاب
…
العالم الماجد الشِّهاب
شوق كئيب إلى حبيب
…
وشوق ظام إلى الشَّراب
شوقًا إذا ما أقتصرت فيه
…
أطلت في بعضه خطابي
ولو كتبت الَّذي بقلبي
…
إليه لم يحوه كتابي
وقال في هيثم المعلم: [من الخفيف]
قل لفرخ العقاب يا أوَّل الأو
…
لاد من بيضة علاها عقاب
/189 ب/ لست تدري ما قلته فيك حتَّى
…
تتعاوى على أخيك الكلاب
وقوله بالموصل في غرض له: [من مخلَّع البسيط]
كنت بجوب الجبال مغرى
…
وكان لي سابح مجيب
أرسله في الظَّلام يهوي
…
هويَّ دلو لها وجيب
فحين زار المشيب رأسي
…
أثَّر في جسمه المشي
وقال يصف ساقيًا: [من الطويلي
أقول وساقينا يطوف بقهوةٍ
…
لها حبب يرفضُّ مثل الكواكب
بدت في سماء الكأس شمسًا ومن رأى
…
سنى الشَّمس ما بين النُّجوم الثَّواقب
وقوله وقد نفذ إلى شمس الدولة المبارك بن النفيس بن مخطر يستهديه شرابًا: [من الخفيف]
كان رسمي على المبارك شمس الدَّ
…
ولة الماجد الكريم المهاب
/190 أ/ أنَّني لا عدمت جود أياديـ
…
هـ إذا ما خلوت مع أحبابي
أقتضي طوله الكريم وإن عـ
…
مَّ بنقل وجرَّة من شراب
وقيان وشيشك حدثث السِّنِّ
…
لطيف يأتي برسم الكباب
وقد أحتجت والرَّئيس إذا أضطـ
…
رَّ يؤم السِّباع دون الكلاب
لا برحت الزَّمان في نعم تتـ
…
رى وفي دولة بغير أنقلاب
وقال فيه أيضًا وقد نفذ إليه رقعة فأبي غلاه أن يحملها إليه: [من الوافر]
كتبت إليه شمس الملك خطا
…
وحقَّ لقدر مثلك أن يهابا
وقلت لبعض من يغشاك هلاً
…
حملت لصاحبي هذا الكتابا
فأطرق من رقاعته قليلاً
…
وقال أخاف شمس الملك يابى
فقلت وهل يردُّ الشَّمس خطًا
…
تضمَّن في كتابته شرابا
وقال صدر كتاب إلى شهاب الدين العقاب: [من مجزوء الكامل]
/190 ب/ أقري السَّلام وقَّبلي
…
بالله ياريح الجنوب
بغداد والتَّاج الَّذي
…
محصت محبَّته ذنوبي
قولي لمولانا الشِّها
…
ب العالم الفطن اللَّبيب
إن كان غبت عن العيو
…
ن فما برحت عن القلوب
حاشا خيالك أن يغيـ
…
ب وأن يميل إلى الغروب
أنت الَّذي أبتهج الصَّديـ
…
ق به وصال على الخطوب
واصل بكتبك إنَّها
…
أشهي من العيش الرَّطيب
هي رقية الملدوغ إن
…
غزَّ الدَّواء على الطَّبيب
وقال يتقاضى سيف الدين غازي بن مودود بن زنكي بن أقسنقر – صاحب الموصل – بفروة لما كان نصيبين: [من الكامل]
مولاي سيف الدِّين قد هجم الشِّتا
…
ومتى تعاود فروتي وإلى متى
/191 أ/ ولقد ضمنت عليك دام لك العلا
…
أن ليس يخلفها سواك إذا فتى
فانعم بحقِّك يا أبن مودود الَّذي
…
هزم الجموع وجمَّع المتشتِّتا
تالله أقسم حلفة لابدًّ أن
…
تمحو بأمرك ما تشاء وتثبتا
يا أيُّها الملك الَّي عوَّذته الـ
…
عوذ الثَّلاث وبالإله وهل أتى
لازلت تكبت ليث كلِّ كتيبة
…
أبداً وأنت مظفَّر ألن تكبتا
وقال يهني نور الدين محمد بن داوود بعيد الفطر في الحصن: [من مجزوء الخفيف]
تهنَّ بالعيد يا من
…
له الزَّمان مواتي
وأشرب هنيئًا مريئًا
…
بخذ وهاك وهات
خمراً يشبُّ سناها
…
كالنَّار في الكاسات
أخاف أن تتلظَّى
…
منها أكفُّ السُّقاة
يحبُّ أن يشهدوها
…
الشُّهود في الحانات
على سماع فتاة
…
تزري بكلِّ فتاة
/191 ب/ دقيقة الخصر خود
…
جميلة الوجنات
تشدو فيغني غناها
…
عن أنَّة النَّايات
كأنَّ داود يتلو الزَّ
…
بور في الخلوات
أو شكر مولاي يجري
…
عقيب كلِّ صلاة
وقال أيضًا يمدح عماد الدين أبا بكر بن داود ويهنئه بعيد الفطر: [من الخفيف]
باكر الراَّح قبل وقت الصَّلاة
…
وأغتنم عقلة الزَّمان المواتي
في أنبلاج الصَّباح تنتهز الأ
…
قداح لا في غياهب الحاكات
وأجتليها بكراً فأحسن ما تجـ
…
لى علينا مستحسنات البنات
فهي أحلى من الحلال وأقسى
…
من قلوب الخرائد الخفرات
قد أتى الفطر في عساكره تز
…
حف بين الطُّبول والبوقات
وأنين النَّايات والصَّوم مازا
…
ل هزيمًا من أنَّه النَّايات
كلَّما ضجَّت الجنود عليه
…
جاوبتها طقاطق الشِّيزات
/192 أ/ هاربًا من كتائب الفطر لا يـ
…
عرف من خوفه طريق النَّجاة
وأفترعنا عرائس الدَّنٍّ والرَّا
…
ووق يبكي عليه بالعبرات
وأباريقنا تقهقه والكا
…
سات قد حمِّلت عيون البزاة
فهي شمس والكأس شرق ولكن
…
فلك الرَّاح في أكفِّ السُّقاة
جاءك العيد يا عماد يهنِّيـ
…
ك بملك يبقى مع السَّاعات
وبظلٍّ لو سرت في ألف ألف
…
حجب الشَّمس من عيون الكماة
وقال يمدح الملك المسعود سكماان بن محمد في معنى طلبه منه: [من المديد]
رشا من حسن صورته
…
بتُّ مسروراً برؤيته
زارني وهنًا فبتُّ وقد
…
زارني أهلاً بطللعته
عبثت كأس المدام به
…
فتثنى عند مشيته
كأن يخفي شربها فبدت
…
قبسًا في ماء وجنته
ماس من لين خفت على
…
خصره الواهي ودقًّته
/192 ب/ أبدع الرَّحمان صورته
…
وتناهى في ملاحته
صنم كالغصن رنَّحه
…
نفس الدًّاني لغرتَّه
تهت حبًا في هواه وقد
…
وضلَّ قوم في عبادته
بتُّ مشعوفًا به كلفًا
…
مستهامًا من محبَّته
اجتلى من وجهه قمراً
…
في دجى من ليل طرَّته
آم من آس العذار وقد
…
خطَّ مسكًا في صحيفته
ولما يفترُّ عن برد
…
رقَّ عذاَّلي لرقَّته
لو رآه السَّامريُّ لما
…
ظلَّ مفتونًا بايته
قائمًا يسعى على قدم
…
في قلاليه وبيعته
وإذا راح الكؤوس رمتً
…
لهبًا من فوق راحته
راق رواووق المدام لنا
…
من ثناياه وريقته
حاز من حسن البلاغة ما
…
حار فكري في بلاغته
مثل ما حاز العلا ملك
…
دانت الدُّنيا لدولته
وقال أيضًا /193 أ/ مبدأ قصيدة يمدح الملك الصالح ناصر الدين محمود بن محمد بن دداود بالحصن: [من البسيط]
إشراب على نفحات الرَّند من هيتا
…
حمراء تحسبها في الكأس ياقوتا
سلافة كدموع المزن صافيةً
…
تهوى الدِّنان وتجتاز الحوانيتا
عذراء لم يفترعها في الورى أحد
…
سوى المزاج فزوجها بمن شيتا
تزداد همَّاً إذا ما غبت قاتلها
…
حينًا وتفرح أحيانا إذا جيتا
كانت لآدم شربًا في شبيبته
…
وعندما هرموا أولاده قوتا
من كفِّ أهيف واهي الخصر تحسبه
…
بدراً على غصن في الدِّعص منبوتا
كأن فوق عذاريه وقد نفضت
…
أصداغه ورقًا بالمسك ملتوتا
وقينة كمهاة الرمَّل ما تركت
…
لعود معبد لا صوتًا ولا صيتا
جيداء ناعمة الأطراف ناهدة
…
قد جرَّدت لدم العشَّاق إصليتا
تكاد تخرس جالوتًا إذا هزجت
…
صوتًا وتنطق بعد الموت جالوتا
يا ضرَّة الشًّمس أين الشَّمس منك إذا
…
ما قلت قولا وسلَّيت المقاليتا
/193 ب/ نفثت في علق العشَّاق سحر هوى
…
به تعبَّدت هاروتًا وماروتا
ترنَّمي بمديحي وأسمعي غزلي
…
لناصر الديَّن مضبوطًا ومبثوتا
وقال أيضًا يمدح بدر الدين كنان ويهنئه بعيد الفطر بمصر: [من مجزوء الرمل]
قل لبدر الديَّن يا بد
…
رأتى العيد وفاجا
يا كمَّيا علَّم إلا
…
ساد في الحرب الهياجا
وجواداً غسلت أيَّامه
…
الملك الأجاجا
إكس وجه الجوَّ من نسـ
…
ج أياديك عجاجا
قد مضى الصَّوم هزيمًا
…
من يد الفطر وضاحا
يرهب النَّاي وقد جا
…
وبه الجنك وناجى
فاصرف الهمَّ بصرف
…
إن تعافيت المزاجا
فاصرف الهمَّ بصرفٍ
…
إن تعافيت المزاجا
واجل بنت الكرم بكراً
…
فهي تختار الزُّجاجا
يا أجلَّ النَّاس يامن
…
زاد حسنًا وأبتهاجا
/194 أ/ قد ملأت البرُّ براً
…
سدَّ عن عيني الفجاجا
منزلي قفر يباب
…
ما رأى ليلاً سراجا
وقدوري فارغات
…
ما حوت قطُّ دجاجا
وزبادي البيت لم تعـ
…
رف يومًا زير باجا
أنجز الوعد ولا تحـ
…
بس بذا العيد الخراجا
فخيار البرِّ ما عجِّل
…
يا بدر وراجا
وقال أيضًا يمدح سيف الدين أتابك غازي بن مودود بن زنكي: [من الكامل]
شرب الغبوق وظلَّ مصطبحًا
…
فسكرت من لحظاته وصحا
فكأنَّه والكأس في يده
…
بدر الدُّجى تسقيه شمس صحى
تنقضُّ في جنباتها شهب
…
حتَّى ظننت سماءنا القدحا
ويديرها فلك ترنِّحه
…
نفحاتها فيهينها فرحا
ويكاد يرقص كلَّما رقصت
…
في خدِّه لهباتها مرحا
/194 ب/ حتَّى إذا بلغت إلى ملك
…
ما زال يكتب ما الزَّمان محا
غربت فلا والله ما طلعت
…
إلَاّ وقد خسر الَّذي ربحا
ملك له حدَّان إن نوب
…
حدثت وصفح رضًا إذا صفحا
يغنيك من يده ومن فمه
…
فلسانه وبيانه أصطلحا
وإذا تبَّسم في مفاكهة
…
ليلاً إليه سبيلنا أتَّضحا
وإذا نوى لعداه غائلةً
…
سبق القضاء وفات ما ذبحا
فصفات سيف الدِّين يطربنا
…
إيرادها فنصوغها مدحا
من كلِّ قافية مهذبة
…
تعيي الُّرواة وتخرس الفصحا
عاينتها فوجدتها حماً
…
وصنعتها فتمثلت ملحا
تجلو على الأسماع إن سمعت
…
صممًا وعن مهجاتنا ترحا
تبقى مؤبدة يقبِّلها
…
فم كلِّ من بنظامها صدحا
غازي بن مودود محبتكم
…
فرض ومن بسط الثَّرى ودحا
لا زلت بالإقبال مشتملاً
…
وبأيمن التَّأييد متَّشحا
وقال أيضًا /195 أ/ مبدأ قصيدة يمدح بها الملك الصالح ناصر الدين محمود بن محمد بن داود: [من السريع]
بتُّ أراعي النَّجم حتَّى الصَّباح
…
في حبِّ من كان هواها مزاح
فصار جداً والهوى لم يزل
…
يدبُّ في القلب دبيب الرِّياح
لمَّا تعلَّقت بها قال لي
…
قلبي فقد تهت بها لا جناح
وجه كبدر التًّم يحوي لمى
…
كأنَّه المسك إذا المسك فاح
وثغرها المنظوم من لؤلؤ
…
منضَّد مثل بياض الأقاح
تريش بالهدب سهام الهوى
…
وتثخن العاشق منها جراح
كأنَّما ريقتها قرقف
…
ترشف من تلك الثَّنايا الملاح
يقلُّ خوط البان منها نقًا
…
يموج من تحت مشد الوشاح
فلو رأتها الشَّمس قالت إذا
…
ما غبت كوني عوضي في الصَّباح
فعدَّ عن ذكر سناها ولذ
…
بناصر الِّدين الكثير السَّماح
وقال فيه أيضًا يمدحه من قصيدة: [من المديد]
/195 ب/ فاض دمعي ليتهم نزحوا
…
ما جرى منه وما أنتزحوا
جيرة صدُّوا بلا سبب
…
خسروا مثلي وما ربحوا
ومن الابراح أنَّهم
…
أفسدوا مني وما أصطلحوا
لو أرادوا وصل مكتئب
…
ما نأوا عنه ولا برحوا
رحلوا والرُّوح موثقةً
…
معهم والجسم مطَّرح
لم يبن لولا الكلام ضنى
…
فهو من فرط الأسى شبح
أقصروا فالعشق أطيب ما
…
يبتلى فيه ويفتضح
لا تلوموني فلي ملك
…
بثياب العزِّ متَّشخ
ملك بالفضل مغتبق
…
وببذل المال مصطبح
ناصر الدِّين الَّذين انتصرت
…
بعلاه في الورى المدح
وقال يقتضي الملك العزيز عماد الدين عثمان بن يوسف بن أيوب بمصر: [من مجزوء الرمل]
يا عماد الدَّين يا من
…
طاب تغزيلاً ومدحا
/196 أ/ والَّذي ما زال يهمي
…
في الورى طشًا وسحاً
والَّذي يحتقر المو
…
ت إذا ما جرَّ رمحا
أأترى أبصر من خطِّ
…
ك في كفِّي صحَّا
لا إذا جئت إلى النُّوَّ
…
اب قالوا لي تنحَّى
وقال وقد أتعبه الديوان في إيصال الجامكيَّة بمصر: [من الهزج]
أيا من يشتري الحمد
…
ومن يكتسب المدحا
ومن يحتقر الغيث
…
إذا ما كفُّه سحَّا
لقد وقَّعت لي صحَّ
…
ولكن صحَّ ما صحَّا
وقال يمدح العضد أبا الفوارس مرهف بن أسامة بن منقذ بمصر: [من مالنسرح]
أما وثغر أنقى من البرد
…
وعارض في تضاعف الزَّرد
/196 ب/ وأسهم المقلتين ترشق اللـ
…
عشَّاق بين الفؤاد والكبد
وورد خدٍّ بالاس يحجبه
…
أو حد لا يرعوي إلى أحد
فمن رأى في زمانه رشًا
…
يطول من حسنه على أسد
أحسد كأس الطِّلا إذا أرتشف الـ
…
كأس بظلم عذب الِّثات ندي
تسلَّط النَّار والعقار على
…
وجنته وأستجنَّ بالعدد
قلت وقد ماس كالأراكة يا
…
ظبي الفيافي وبيضة البلد
ما النَّور والأقحوان أحسن من
…
ثغرك يا سيدي ويا سندي
فقال: عنِّي إليك، قلت: عسى
…
تريحني منط راحة العضد
فخر بني منقذ وبالجدِّ في الـ
…
عالم تنبي طهارة الولد
ساد بني الدَّهر من سيادته
…
فمثله في الوجود لم يجد
حوى من الفضل كلَّ مكرمة
…
بديعة من نفائس الزُّبد
له يراع وصارم طبعًا
…
كلاهما من رضًا ومن حرد
وقال وقد أعطاه الملك المؤيد نظام الدين ضيعة وكبتها / 197 أ/ له ملكًا. وكانت كثيرة الأشجار، لذيذة الثما، غزيرة الأنهار؛ وهي على شاطيء الفرات فحسده جماعة عليها وحملوه على أخذها منه. وكان قد كتب خطه معه على توقيعه بها بخط كفّه:"ملعون من يغيرها ما عاش عليه أو يستعيدها أبداً". [من المتقارب]
جعلت بنعماك يا ابن الملوك
…
أعادي لي من طريق الحسد
وكيف ولا يحسدوني وقد
…
مننت عليَّ بنامِّ البلد
أرى كلَّما زدتني رفعةً
…
يموتون في كلَّ يوم كمد
إذا لم أخف بعلاك السِّباع
…
أخاف ومثلك لي من نقد
فعمَّرك الله عمر الزَّمان
…
ولا عمَّر الله منهم أحد
وقال يمدح الوزير ضياء الدين أبا العباس أحمد بن القاسم/ 197 ب/ ابن شيخ السلَاّميَّة – وهو يومئذ وزير الملك الصالح محمود بن محمد بامد: [من المنسرح]
يا قمراً في جماله أوحد
…
مثلك في العالمين لا يجود
سلَّطت نار الأسى على كبدي
…
فكلُّ نار من مهجتي توقد
صن عقربيك اللَّتين قد لسبا
…
حبَّة قلبي بصدغك الأسود
سبحان رب براك من حمأ
…
بدراً وخداك من دمي ورَّد
بدَّد شملي ببينه وأبى
…
يجمع شملي من بعد ما بدَّد
وهدَّد اللَّيث بالُّصدود وما
…
يهمُّ ميت إن صدًّ أو هدد
لولا ثناياه ما أهتديت وقد
…
ضيَّق طرفي وسبلها سدَّد
إلى قوام كأنَّه غصن
…
مزنَّر الخصر ناعم أملد
اخاف من ضعفه وقد نظرت
…
إليه عيني ينقدُّ او ينفد
يكاد من لينه ودقَّته
…
يحلٌّ عند القيام أو يعقد
له رضاب إذا مزجت به
…
الكأس سحيراً والطَّير قد غرَّد
أبرد من دمعة السُّرور ومن
…
ماء بكانون في الشِّتا أجلد
/198 أ/ يصوغ مسكاً وعنبرًا عطرًا
…
وإن بدا شاديًا فمن معبد
إذا تحسَّيت من سلافته
…
رطلين بالظَّاهريِّ أو أزيد
ظننت أنِّي بدسته ملك
…
تجبى إلَّى البلاد أو تحشد
أفدي عذارا ما خطَّه قلم
…
كأنَّ داوود نبته زرَّد
أبدع في خلقه الإله فما
…
أحسن ما صاغه وما جوَّد
لو شرب الدَّهر من لطافته
…
ما عصرته الأكفُّ في صرخد
ما قال رأيًا ولا بدا سفه
…
منه على شربه ولا عرب
لو عبد النَّاس قبله بشراً
…
لكان من حسن وجهه يعبد
فاق بني الحسن في الزَّمان كما
…
فاق على النَّاس بالتُّقى أحمد
وقال أيضًا يمدح الملك المسعود قطب الدين أبا المظفر سكمان بن محمد ابن داوود بامد: [من الرمل]
قف على الجزع متى شئت ونادي
…
فعسى يخبرك الجزع مرادي
/198 ب/ إن وعى قولك يا سعد اللِّوى
…
أو وعى البان فعرِّض بسعاد
أتراها نسيت عهد الصِّبا
…
أم تراها صرمت حبل ودادي
إن يكن قلبي جديداً في الهوى
…
فهي مغناطيس قلبي وفؤادي
سل حمام الأيك عنِّي سحراً
…
هل تلذَّذت بنوم ورقاد
إن شدا نحت وإن نحت شدا
…
فكلانا في ثياب من حداد
ما على طيف الكرى لو زارني
…
وعلى طيف الكرى كان اعتمادي
وعلى أنعم قطب الدِّين مذ
…
كنت في الذَّرِّ طريفي وتلادي
ملك تسطو به الحرب كما
…
يطرب النَّشوان من شعر وشادي
لا يبالي والعوالي شرَّع
…
كثر الحاسد أم قلَّ المعادي
يطعن الألف فلا يرهبها
…
ويجود الألف من غير تمادي
يا بني أرتق إن عدَّ النَّدى
…
أنتم السَّامون في تلك العداد
ناركم ناران سخط ورضًا
…
فهي دخر لمحبِّ ومعادي
وقال وأرسلها إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى الشام: [من الخفيف]
/199 أ/ ما ثناني عن الثَّناء البعاد
…
الهوى والوداد ذاك الوداد
كيف أنسى تلك اللَّيالي وأيَّا
…
مي بنعماك كلُّها أعياد
وجلوسي إذا خلوت بعليا
…
ك وسمعي يصغي لما لا يعاد
إن تناسيت ذلك العهد لا شمـ
…
ت وميضًا ولا سقتني عهاد
أو تواني فمهي عن الملك النًّا
…
صر يومًا فلا ورى لي زناد
والَّذي جمَّع الشَّتات وأنشا
…
سحبًا أعشبت لديها البلاد
مذ ترَّحلت عن جنابك ما سغـ
…
ت شرابًا ولا هنا لي زاد
وقال يعاتب الوزير ضياء الدين أحمد بن شيخ السلامية: [من الكامل]
كم قد سهرت على علاك بمدحة
…
غرَّاء ما صلحت لغيرك أحمد
علِّي أحوز بما نظمت مواهبًا
…
من راحتيك وأنعمًا لا تنفد
فنبذتها نبذ الحصاة كأنَّها
…
صل ينضنض في يمينك أسود
وكأنَّ طرس قصائدي في مدحكم
…
ورق يصُّر به الدَّواء ومزود
ولكم مدحت كما مدحتك ماجداً
…
أسدى إليَّ مكارمًا تتردَّد
/199 ب/ ومنعتني فمك الَّذي أحيا به
…
ومنعت جودك قل بمن أستنجد
فإذا كسوتك في زماني حلَّة
…
تبقى على مرِّ الزُّمان وتخلد
وقال يهني صارم الدين ختلج بالعيد – عتيق نجم الدين أبي الفتح يوسف بن الحسين بن المجاور الدمشقي وزير الملك العزيز عماد الدين عثمان بن يوسف بمصر – إرتجالاً، ويطلب منه ما كان قد وعده به:[من مجزوء الرجز]
يا صارم الدِّين لقد
…
وعدتني في العيد
أرفل من جودك في
…
ذيل قبًا جديد
وليس لي عندم من
…
يطرب من نشيدي
تحيَّر الحمام في
…
الغصون من تغريدي
كأنَّني نائحة
…
تفجع بالتعَّديد
وأهيف القدِّ نشا
…
كالغصن الاملود
/200 أ/ أعيد معسول اللَّمى
…
من الظِّباء الغيد
أكحل مهضوم الحشا
…
مورَّد الخدود
ريقته أطيب من
…
سلافة العنقود
سألت عن مسكنه
…
فقال في زبيد
ولي موال قطنوا
…
بالأمس في الصَّعيد
ناولته الكأس وقد
…
مال من الرُّقود
كأنَّه القانت في
…
الركوع والسُّجود
أو طفلة من الظِّبا
…
ء علبة الزُّنود
تقوم شفعًا وتصلّـ
…
ي الوتر من قعود
أديك ياربَّ النُّهى
…
من صارم صنديد
لازلت تعلو رتبًا
…
على الملوك الصِّيد
وقال ارتجالاً وقد طلب منه الملك الصالح محمد بن محمد أبياتاً تكتب على باب عرضي: [من مخلع البسيط]
/200 ب/ حلَّ بأرجائك السُّعود
…
ولا عرشك المجيد
ولا غدا عن ذراك وفد
…
إلَاّ وقد نال ما تريد
ولا برحت الزَّمان تعلو
…
في نعم ما لها نفود
ممتَّعً بالبقاء تأتي
…
قسراً إلى بابك الأسود
ما سجع الطَّير فوق غصن
…
مغردِّاً والحيا يجود
أنت لمن يرتجيك باب
…
للخير مفتاحة السُّجود
وقوله فيه أيضًا وقد طلب منه أبياتاً تكتب على باب المجاز: [من المنسرح]
جاز بباب المجاز محمود
…
فسال من سيب كفِّه الجود
في دول ما يزال يكنفها السَّـ
…
عد وتعنو لها الصَّناديد
لا زالت النَّيرات تخدم علـ
…
ياه ركوعًا والبيض والسُّود
ما سجع الطَّير في الأراك وما
…
رجعَّ خلف الركاب غريد
وقال أيضًا/ 201 أ/ جواب كتاب أرسله إليه من الموصل بهاء الدين علي بن السمين: [من البسيط]
وافي كتاب بهاء الدِّين فابتهجت
…
عيني بذاك فلم تشبع من النَّظر
وبان منثور تبر قد سقى أدبًا
…
من وابل الفكر لا من وابل المطر
ولم أزل وحياً كفَّيك أرتع في
…
روض الرسائل بين الحبر والحبر
وقال يمدح الملك المسعود قطب الدين أبا المظفر سكمان بن محمد بن داود من قصيدة أولها: [من المديد]
ربَّ ليل بتُّ من سهره
…
أجتلي الجوزاء في قمره
ظلت أشكو طوله ومنى
…
مهجتي تشكوه من قصره
لم يحمِّلنا انقضاء هوىً
…
كلُّ إنسان على قدره
وحبيب كنت أرمقه
…
خيفة الواشين من حذره
صدَّ ظلماً وانثنى غصناً
…
فبعثت النَّفس في أثره
كيف يسري الطيف نحو فتىً
…
ما يجول النُّوم في بصره
ألف الدَّهر الصُّدود فما
…
يخطر السُّلوان في فكره
كيف يسلو عاشقٌ بشراً
…
حلَّ كلُّ الحسن في بشره
شدَّ زمَّاراً له وتلا
…
ما تلا داود من زبره
وهو للإنجيل معتنقٌ
…
يطبع الألحان من سوره
كيف يصليه الإله لظى
…
وهو أسنى الخلق من صوره
إن يكن ذا الحسن في سقرٍ
…
فجنان الخلد في سقره
تخجل الأغصان منه كما
…
تخجل الولدان من خفره
وتحار الحور منه إذا
…
سل سيف الحسن من حوره
حاز من بحر النَّسيب كما
…
حاز قطب الدِّين من درره
وقال في رجلين كل منهما يلقب بالضياء أحدهما ضرير والآخر أعرج:
[من المتقارب]
ضياءان من غسق كوِّنا
…
بسومهما ذو النهى يخسر
ضريرٌ يقول رأيت السُّها
…
وأعرج يعجب ما يذكر
يقول لحقت برجلي الغزال
…
وما فاتني البارق الممطر
ويزعم إن صفعت كفُّه
…
ضريراً ففي وقته يبصر
وقال في النحول: [من السريع]
أنحلني الشُّوق فلو أنَّني
…
ولجت في جفنك لم تشعر
وصرت لا شيء ومن لم يبن
…
كيف تناجيه ولم يبصر
وقوله وقد طلب منه الوزير صفي الدين عبد الله بن علي بن شكر أن يجيز له بيت أبي فراس: [من الوافر]
وكم أبصرت من حسنٍ ولكن
…
عليك لشقوتي وقع اختياري
فقال أبو يعقوب: [من الوافر]
فما للقلب حين يحبُّ شرطٌ
…
وهل شرطٌ لمسلوب القرار
ولو وجب القصاص على دليل
…
لكنت أخذت من عينيَّ ثاري
وقال فيه أيضاً يطلب منه دستوراً لعله يمضي يقضي من أهله وطراً:
[من المتقارب]
دعاني المسير وآن السَّفر
…
فجد لي بجودك ممَّا حضر
من الصَّافنات الجياد الَّتي
…
طواها الطِّراد بجيشٍ مجر
معوَّدة لحياض المنون
…
وطنِّ الذُّباب ورنِّ الوتر
أيا ملكاً بسماح اليدين
…
لأعلام جود نداه نشر
فأنت الزَّمان إذا ما سطا
…
وأنت الصَّباح إذا ما ظهر
وكفُّك حين ترى السَّائلين
…
تمدُّ الجياد وتعطي البدر
فمنك العطاء ومنَّا الثَّناء
…
فسيره بالمعاني سير
وقال وقد طلب منه الأوحد المغني أن يجيز له بيتاً يغني بما يجيزه؛ لأنَّه ما كان يحفظ غير ذلك البيت فحسب: [من المتقارب]
وعذراء ما لبست للحليِّ
…
إلَّا خلعت عليها عذاري
تميس من الدَّلِّ كالخيزران
…
ويعطفها اللِّين عطف السِّوار
واحذر من قدِّها أن يميد
…
فينقدُّ من هيف وانحصار
وأعجب من خصرها كيف لا
…
يزول وقد حسَّ مسَّ الإزار
فمن وجهها زهري إن أردت
…
ربيعاً ومن ريق فيها عقاري
تعلَّقتها وزمان الشَّباب
…
شفيعي إلى صورٍ كالصِّوار
فلمَّا كلفت بها قادني
…
إلى وطني عدم الإصطبار
فودَّعتها ولئالي الجفون
…
تساقط ما بين ماء ونار
كأنَّ الدُّموع على خدِّها
…
بقيَّة طلٍّ على جلَّنار
وقال بالموصل وقد أخذه نسا في رجله اليسرى: [من السريع]
يا بلدة الموصل أورثتني
…
مفاصلاً في رجلي اليسرى
إن لم أعجل لانصرافي غلى
…
بغداد آيست من الأخرى
وقال أيضاً وقد طلب من الوزير ضياء الدين أبي العباس أحمد بن القاسم ابن شيخ السلّامية شعيراً، قال له: قد نفذنا إلى الحصن في طلب الشعير:
[من الخفيف]
قد تقنَّعت بالشَّعير ومثلي
…
لا يجازى لشعره بالشَّعير
يا وزير المسعود ساعد لمن لا
…
يترجَّى سوى أيادي الوزير
كلُّ شيء يفنى سوى مدحي فيـ
…
ـك ولو جدت لي بملك كبير
فنفاد القليل يا أوحد النَّا
…
س يوازي به نفاد الكثير
وقال في الخضر بن شروه بمصر، وهو في خدمة الملك العزيز عماد الدين عثمان بن يوسف بن أيوب:[من المسرح]
بتُّ أعاطى الكؤوس في السَّحر
…
على أنين النَّايات والوتر
من كفِّ جيداء كالغزالة ما
…
أخفَّها لو مشت على بصري
بديعة الحسن من لطافتها
…
تعلِّم النَّاس صنعة الصُّور
ريقتها في الزُّجاج أطيب من
…
مسك فتيق وعنبر عطر
تميل أعطافها إذا خطرت
…
كما تميل الأقاح بالمطر
تكاد تخفي الصَّباح إن أسفر الـ
…
ـصُّبح بمحلو لك من الشعر
تعقد من لينها إذا خطرت
…
دون مهاة النَّقا على خطر
وقينة بالجمال حالية الـ
…
ـحال تغنِّي بصوتها الخمر
أما ترى اللَّيل قد مضى هرباً
…
منهزماً والصَّباح في الأثر
في ليلة ظلَّ من تقاصرها
…
يعثر ذيل الصَّباح بالسحر
هبُّوا إلى قهوة معتَّقة
…
حمراء تنفي وساوس الفكر
باكرها القسُّ في الظلام على
…
عادته والنُّجوم لم تغر
في فتية من بني الشَّمامس يز
…
هون بأعطافهم على الزَّهر
جاءوا براحٍ كأنَّها قبسٌ
…
يطير منها الحباب كالشَّرر
تذكر نوحاً وقد تعلَّقها
…
آدم من قبله أبو البشر
شجُّوا قواها حتَّى ترقَّ كما
…
رقَّت من الجود راحة الخضر
وقوله في غلام اسمه غازي معذّر [من الخفيف]
قال قومٌ على سبيل التَّهازي
…
شعراتٌ بدت بعارض غازي
قلت قول المحبِّ حين بدا الرَّيـ
…
ـحان ما حلَّةٌ بغير طراز
وقوله ما كتبه إلى الملك العزيز عماد الدين عثمان بن يوسف بمصر. وكان يحبّ أن يستزيد من رقاعه وكان يطول به رغبةً فيه ليستخدمه: [من الخفيف]
كم أناجيك في الرِّقاع وفكري
…
في معاليك ينظم الأشعار
وأغالي من المحبَّة في المد
…
ح لعلِّي أهزُّ منك الثِّمارا
وقال يمدح هلدرا ببلد مصر، ويغّزل بأياز الرومي؛ وقد مرَّت عينه على يافا:
[من مجزوء الكامل]
يا خوط بانٍ ماس سكرا
…
ورخيم دلِّ تاه كبرا
وبديع لفظٍ صيغ بالـ
…
ـتنقيح ياقوتاً ودرَّا
ما ضرَّ طيفك لو يجو
…
د بليلة في الدَّهر أخرى
حتَّى أبثَّ إليه ما
…
لاقيت منك قلى وهجراً
فلقد أضرَّ بي الهوى
…
لو كنت تنظر فيَّ أجراً
أرسلت فوق عذارك الـ
…
ـمخضرِّ من صدغيك ستراً
كتب البنفسج حوله
…
بالعنبر الشَّحريِّ سطراً
ما الدُّرُّ نضِّد في نحو
…
ر الحور أحسن منك ثغراً
قد كنت شمساً قبل أن
…
أهوى هواك فصرت بدراً
تفَّاح خدِّك نقل من
…
يمتاح من شفتيك خمراً
يا قاتلي بشبا الجفو
…
ن إلى متى بجفاك تغرى
أسبلتني سنة الكرى
…
وبدأت لي في صل تقرا
وسحرتني بأيا الصَّبا
…
ح وكنت أنفث منك سحراً
تهتز من مرِّ النسيـ
…
ـم فمن ترى سمَّاك صخراً
حتَّى أقبِّله لصد
…
ق مقاله خمساً وعشراً
لمَّا تمكَّنت المحبَّـ
…
ـة صرت كالمصفود أسراً
أسلمتني للنائبات
…
تحدُّني بطناً وظهراً
لولا انبعاث الفكر في
…
مدحي لمولانا هلدرا
وقال يطلب مداداً من زين الدين بهروز. وكان دزداراً بقلعة بالوية: [من البسيط]
أروم نقس دواتي من سحائبك السود التي حجبت من جوفها القمرا
وغرَّقت بنداها كلَّ شامخةٍ
…
حتَّى شكرت على حالاته المطرا
وقال وقد نفذ إلى العضد أبي الفوارس مرهف بن أسامة بن منقذ رقعةً وجاء إلى بابه بها فرده: [من المنسرح]
جئت إلى بابك الكريم وقد
…
نقَّحت فكري في مدحكم دررا
كأنَّها روضةٌ وقد نثر الغيم عليـ
…
ـها من النَّدى مطرا
تضوع من ريِّها إذا اضطربت
…
مسكاً فتيقاً وعنبراً عطرا
رضَّعتها في ابن منقذ العضد الـ
…
ـعالم علِّي اقضي بها وطراً
وقلت بكرٌ من الكواعب كالشـ
…
ـمس رودٌ أنكحتها قمراً
فصدَّها عن هواه أسوده
…
وما درى أنَّني أبو الشُّعرا
أقابل الجود بالمديح وما
…
زلت بهذا أعامل الأمر
وقال أيضاً يمدح أسد الدين المصري بمصر: [من الهزج]
ألا يا أسد الدِّين
…
وحقِّ ليلة القدر
لقد أوحشني شخصـ
…
ـك في صحوي وفي سكري
وما لي أحدٌ أسنـ
…
ـد في الخلق به ظهري
سوى ساميك يا من فا
…
ق فوق الأنجم الزُّهر
أرى قوماً بلا قدر
…
إذا ما جهلوا قدري
يخافون بأن أنظرـ
…
ـم في أعناقهم شعري
ولولا ابنة العمر
…
لأودى بينهم عمري
فقم وأسع إلى بكرٍ
…
شبيه الغادة البكر
إلى مشموله أعتـ
…
ـق من آدم في الذَّرِّ
تزيل الهمَّ عن صدر
…
ك والوسواس عن صدري
تضيء في ظلام اللَّيـ
…
ـل مثل الكوكب الدرِّي
إذا ما ألَّف الرَّاوو
…
ق بين الماء والخمر
وطابت نغمات العو
…
د بين الطَّبل والزَّمر
أناديك وقد زفَّت
…
علينا ابنة الخدر
إلا فارتشف الرَّاح
…
على واضحة النَّحر
على ناعمة كالخوط
…
من أجفانها سحري
فتاة كمهاة الرَّمـ
…
ـل لولا هيف الخصر
فمن رمَّانها نقلي
…
ومن ريقتها خمري
وإلَّا مع فتىً كالبد
…
ر أو أبهى من البدر
غلامٍ من بني عذر
…
ة لا يقبل من عذري
إذا ما مزج الرَّاح
…
بريق ذلك الثَّغر
ترى سوسنة العار
…
ض تنهلُّ من القطر
فمن طرَّته ليلي
…
ومن بهجته فجري
كذاك الفالق الهاما
…
ت أعني الأسد المصري
كريماً غرَّق العالـ
…
ـم في البرِّ من البرِّ
ويحمي البيض بالبيض
…
ويحمي السُّمر بالسُّمر
تراه ودم المال
…
على صارمه يجري
وقال أيضاً من قصيدة يمدح بها الملك الصالح ناصر الدين محمود بن محمد بن داود، أولها:[من السريع]
قم فاسقني يا طلعة الشَّمس
…
سلافةً تحيا بها نفسي
مع قينة تطرب إن رجَّعت
…
صوتاً بعود طيِّب الحسِّ
كالشَّمس إلَّا أنَّها والَّذي
…
صوَّرها أبهى من الشَّمس
ترنِّح الصُّم بتهزيجها
…
وتنشر الموتى من الرَّمس
وتنطق الخرس ومن قبلها
…
ما نطقت ألسنة الخرس
حمراء كالياقوت لا مزَّةً
…
تمنع أو صفراء كالورس
تجلى على شرَّابها مثل ما
…
تجلى العذارى ليلة العرس
لو بزلت بالكرج من دنِّها
…
لفاح ريَّها إلى القدس
قد نظم الرَّاووق في جيدها
…
قلائداً جلَّت عن اللَّمس
يحار فكر المرء فيها فما
…
تدرك بالعقل ولا الحسِّ
تصيِّر الفسل إذا عبَّها
…
أشجع من عنترة العبسي
أعوزني منها صراحيَّةٌ
…
في ليلة حالكة اللَّبس
فصار يهديني سناها إلى
…
قلَّاية في الدَّير كالحبس
فجئتها لم أر فيها سوى
…
أربعةً بالحزر أو خمس
وواحد يدرس إنجيله
…
وواحد خال من الدَّرس
وبينهم مشمولةٌ عتِّقت
…
من عهد كسرى ملك الفرس
عتَّقها القسُّ فلم يجلها
…
من شحِّه إلَّا على قسِّ
لمَّا رأوني وثبوا خيفةً
…
والجنس لا يهوى سوى الجنس
قالوا: سنى ذلك أم نشرها
…
هداك يا ابن السَّادة الحمس
فقلت: عين شردت من يدي
…
فجئت أقفو أثر العنس
عنساء كالبرس فهل فيكم
…
من شام لي عنساء كالبرس
ولم أزل أخدعهم حيلةً
…
أخشى على الفخِّ من الفقس
وصرت أحكي لهم ما جرى
…
على بني الأصفر في المقس
وقتلة الغبس بأسياف من
…
لم يبق في مصر على الغبس
وكان قصدي شرب فقصيَّةٍ
…
ليست من التَّمر ولا الدِّبس
ما يقلع القلاع مع حذقه
…
لطعمها الطَّيِّب من ضرسي
لله أيامٌ مضت طيبةً
…
قضَّيتها بالشُّرب في الغرس
مع فتية سادوا على كلِّ من
…
يكتب بالزِّنجار والنِّقس
إن خطرت بالطِّرس أقلامهم
…
تواثب الجيش من الطِّرس
بسِّي من الصَّوم فقد هاضني
…
صيامه يا سيِّدي بسِّي
فاشرب ومل نحو فتىً ودُّه
…
قد شيد بالقرميد والكلس
وقال أيضاً فيه يمدحه من قصيدة أوّلها: [من الخفيف]
إسق بدر الدجى من الشَّمس كاساً
…
واختلس غفلة الزَّمان اختلاساً
مع فتاة مثل القضيب إذا ما
…
ل سحيراً من النَّسيم وماسا
كلَّما غازلتك أجفانها المر
…
ضى من الغنج خلت فيها نعاساً
شابت الكأس من رضاب ثنايا
…
ها فزادت من الرُّضاب شماساً
اسقنيها سلافةً عقد المز
…
ج من الحبِّ حولها برجاساً
بنت كرمٍ كانت وما خلق اللـ
…
ـه شهوراً من قبلها وأناساً
عصرتها يد الزَّمان فما
…
تعرف قسّاً ولا رأت شمَّاساً
قهوةً عتِّقت بقطرَّبل الزَّو
…
راء تنفي الهموم والوسواسا
رقصت في يد المدير وقد قلَّـ
…
ـدها المزج في الزُّجااج قداساً
ألبستها الأيَّام ثوباً قابلت
…
حقب الدَّهر والسّنون اللِّباسا
وإذا ما بزلتها غسق اللَّيـ
…
ـل من النُّور خلتها مقباساً
فهي كالنَّفس لا تكيَّف إن فـ
…
ـكَّرت فيها ولا تحدُّ قياساً
تتلاشى من اللَّطافة في الأجسـ
…
ـام لكن تفوق عمراً وشاساً
مثل ما فاق في الورى الملك الصَّا
…
لح قدراً على الملوك وراساً
وقال أيضاً يمدح نظام [الدين] أبا سعيد البقش بماردين:
[من المتقارب]
وما روضةٌ أنفٌ كالعبير
…
سقتها عيونٌ يعاليل بيض
يلاعبها الطَّلُّ حتَّى النَّسيم
…
ويضحكها لمعان الوميض
ويطلعها شهباً كالنُّجوم
…
تأرَّج ما بين روضٍ أريض
أقام بها الشَّرب حتَّى الصَّباح
…
وقد رقَّ ثوب الطَّويل العريض
وأهيف ذو فلجٍ كالقضيب
…
بخدٍ أسيل وجفنٍ مريض
إذا أعوز القطر سقَّى الشَّراب
…
ثراها على معبد والغريض
بأطيب من مدحي في النِّظام
…
وقد رجَّعتها حداة القريض
وقال أيضاً يمدح الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب- صاحب حلب المحروسة- رحمه الله تعالى-: [من الطويل]
ترى من كساك الحسن من بعد ما خطا
…
عذارك لمَّا ندَّ بالنَّدِّ واختطَّا
ومن راش من جفنيك للنَّاس أسهماً
…
تعطُّ قلوب العاشقين به عطَّاً
فيا لك من بدر سقتني لثاته
…
بغير مزاج من كؤوسك إسفنطا
وما كحلت عيناه يوماً بمرودٍ
…
ولكن عيون العين ساهمنها قسطاً
إذا ما تقلَّدن الحسان مخانقاً
…
من الشَّذر والياقوت منظومةً سمطاً
تبسَّم عن ثغرٍ كأنَّ شتيته
…
قلائد درٍّ لا تعار ولا تعطى
وعسكر من سحر الجفون عساكراً
…
هم الرَّهط للبلوى فيا لهم رهطاً
إذا ما تثنَّى فوق دعص يقلُّه
…
رأيت قضيباً رنَّحته الصَّبا سبطاً
أقر به حتى حتَّى يحلَّ بمهجتي
…
محلَّ الهوى منِّي فيوسعني شحطاً
وأرضى بما يرضاه لو كان منصفاً
…
ولكنَّ واشي الحسن علَّمه السُّخطا
أحبُّ من الرِّيم الحجازيِّ ما رنا
…
إليَّ مشيحاً إن تدانى وإن شطَّا
ويعجبني منه إذا مدَّ جيده
…
ليقتات من أغصانه ثمر الأرطا
أغازل غزلاناً من الحلي عطَّلاً
…
وقد حكت الجوزاء في المغرب القرطا
وقد أشامت بي همَّةٌ عربيَّةٌ
…
على أينق من عزِّها قلَّ ما تمطى
من اليعملات القود ما مسَّها وجّى
…
ولا سمع الحادي لها في السُّرى نحطا
إلى الظَّاهر الملك الَّذي بحر جوده
…
يغطُّ به راجي جواهره غطَّا
وقال أيضاً وقد هجم الثلج بآمد. وكان قد انقطع الطريق عن الحطب فنفَّذ إلى الوزير ضياء الدين أبي العباس أحمد بن القاسم يطلب منه خطباً:
[من مجزوء الرجز]
يا سيِّداً أصدق في
…
وعوده من القطا
ومن إذا استر فدته
…
جاد سماحاً وعطاً
الثلج قد جار على
…
دياركم وقد سطا
وعاد كانون كما
…
كان زماناً أفرطاً
وكلُّ من يحسب ذا الشَّـ
…
ـهر سباطاً غلطاً
فلا تقل إلى متى
…
تجور هذا شططاً
فمن رأى خطوته
…
تطول في المشي خطا
وكتب إلى نظام الدين: [من الطويل]
كسوتك من لفظي مديحاً مخلَّداً
…
ولم تكسني معنىً يدوم ولا لفظا
وصيرت شعري في ثناك مشرَّداً
…
يطوف فلا شختاً يعاف ولا غلطا
وعاوضتني شيئاً بشيء وإنَّما
…
تفاوقت فاستقلعت من شجري المظَّا
إذا كان لا يخشى من الوعظ غافلٌ
…
فما ينفع المغرور أن سمع الوعظا
وكنت إذا ما جئت تلحظني هوىً
…
وقد صرت لا شزراً تراني ولا لحظا
وكم قلت طعني تستفد من مكارمي
…
فلم أستفد إلَّا من الضَّيعة الدَّلظا
وقال في نقطة سوداء بين ثنايا بيض وذلك في صباه: [من الطويل]
وثغر نقيٌّ غير شينٍ كأنَّه
…
لآل نظمناها يفصِّلها جزع
ألم تر أنَّ العين لولا سوادهما
…
لما كان نور للبياض ولا وقع
وقوله وقد أقبل على آمد. وكان في زمن الربيع فوجد برد كانون في ذلك الأوان:
[من الوافر]
أتينا آمد السَّوداء يوماً
…
لنمدح صاحب الشَّرف الرَّفيع
فلمَّا أن وصلناها وجدنا
…
هوا كانون في زمن الرَّبيع
وقال أيضاً يشكو من جماعة عند الملك العزيز عماد الدين عثمان- صاحب مصر- ذوي محضرٍ سوء: [من الهزج]
على بابك أقوامٌ
…
إذا ما قد رحا حافوا
وأنت المورد العذب
…
وهم حولك أجراف
وقد ينبت حول الكر
…
م لبلابٌ وصفصاف
وقال فيه أيضاً وقد طوّل به زماناً إلى أن قرَّبه إليه وأسبغ نعمته عليه: [من الطويل]
أخاف انقضاء العمر من قبل أن أرى
…
عطاياك قد مدت يدي بالبر يوسف
وهبك منحت الكنز لي بعد مدَّة
…
أينساغ طعماً بعد طول توقفي
ولست بجعد الكفِّ بل أنت ديمةٌ
…
تغرِّق إلَّا غلَّتي وتلهُّفي
وقال يتقاضى الوزير ضياء الدين بن شيخ السلّامية رسماً كان له عليه:
[من الخفيف]
كان رسمي على الوزير ضياء الدَّ
…
ين أكفى الكفاة في حصن كيفا
منحاً زادها وضاعفها حيـ
…
ـن رآني بها مقيماً ضعيفا
لم يزل يطلب الطَّريف من الشِّعـ
…
ـر ويعطي لقائليه الطَّريفا
وقال يعاتب الملك المسعود قطب الدين أبا المظفر سكمان في تخلفه عنه وقلّة نظر الديوان في حقّه: [من مجزوء الرمل]
قل لقطب الدِّين يا سكـ
…
ـمان يا مالك رقِّي
يا كميّا قصَّر آلا
…
جال بالرُّمح الأمقِّ
مؤنتي منِّي وخبزي
…
من دراهيمي ورزقي
فمتى أفلح قل لي
…
ومتى تنجح طرقي
وقوله ما يكتب على طاسٍ من الفضة: [من الخفيف]
أنا طاسٌ من اللُّجين ولكنَّـ
…
ـي أضاهي السَّماء لوناً وطرفا
كم تمرَّرت في الجحيم وكم صر
…
ت مصاغاً وكم تقلبت صنفا
وقوله وقد التمس منه الملك المسعود سكمان بن محمد أن يعمل له خمسة أبيات مذكرة أولها ثاءٌ وآخرها قاف: [من البسيط]
ثملت من حسنه والكأس يرشفها
…
ظبيٌ من التُّراك أضحى وهو معشوق
ثبتٌ كأنَّ بفيه وهو مغتبقٌ
…
مسكاً وفي يده طاسٌ وإبريق
ثمَّ احتسيت مدام الحبِّ من فمه
…
صرفاً وقد زانها ثغرٌ وراووق
ثق بي فلست مذيعاً سرَّكم أبداً
…
والسِّرُّ عند ذوي الألباب صندوق
ثكلت من لامني في نبت عارضه
…
وقد بدا فيه تنوينٌ وتعريق
وقال وقد قطع خبزه شتويتين لانقطاعه عند خدمته: [من الكامل]
مازلت تقطع في الشِّتا رزقي
…
يا من على الأموال لا يبقي
قل لي لأيَّة حالة وربما أسـ
…
ـتوجبت فعلك ذاك في حقِّي
ما قدر ذاك النَّزر تمنعه
…
عني وغصنك يانع العرق
غارت عيون نداك أم صفرت
…
كفَّاك من ذهب ومن ورق
وقال غزلاً أخترعه عليه بعض أصدقائه: [من الرمل]
نثر الطَّلُّ على الغصن الوريق
…
لؤلؤاً يعرب عن ثغرٍ وريق
وشفاهٍ من عقيق طاب من
…
أجلها سكناي في وادي العقيق
علقت في خدِّه من كبدي
…
نقطة الكاتب في الخطِّ الدَّقيق
إن يكن يجحد قبلي في الهوى
…
فدمي ينطق كالمسك الفتيق
حقَّق الشَّامة في وجنته
…
أنَّها تشهد بالقتل حقيق
ففؤادي يشتكي منه الظَّما
…
وجفوني تشتكي منه الغريق
وقوله وقد طلب منه صديق له أبياتاً ينقشها على منديل: [من مجزوء الكامل]
لم لا أتيه على الفتيق
…
وأسود كاسات الرَّحيق
وتحار في حسني العيو
…
ن لصنعه النَّقش الدَّقيق
وتقلُّني كفٌّ تر
…
فَّع عن ملامسة الدَّبيقي
مازال يلثمني العقيـ
…
ـق إذا احتساها كالعقيق
فأنا رفيق أخي الظَّرا
…
فة وهو من حبِّي رفيقي
وقال يستدعي صديقاً إلى الشراب: [من المجتث]
احضر ولا تتوانى
…
عندي شرابٌ عتيق
ومجلسٌ قد تهيَّا
…
كما يحبُّ الصَّديق
اضحك لرقص الحمَّيا
…
إذا بكى الرَّاووق
كأنَّه دمع عانٍ
…
قد ملَّه المعشوق
فللمداد علينا
…
فرائضٌ وحقوق
وقوله يعرض بنفسه إلى الملك العزيز عثمان بمصر وأرسلها على يد ابن المنذر:
[من البسيط]
إن كان عندك بستانٌ بلا ثمر
…
ولا اخضرار ولا زهرٍ ولا ورق
فعند عبدك ألفاظٌ حدائقها
…
معنبرات المعاني نعَّس الحدق
فاشرب على ملح الآداب مع رجلٍ
…
يغنيك في برد كانونٍ عن الدَّلق
وقال يمدح نجم الدين يعقوب بن المقدم بآمد ويطلب منه وعده:
[من مجزوء الرمل]
قل لنجم الدِّين يا من
…
عمَّ بالجود الخلائق
والَّذي مازال يولي
…
البرَّ طفلاً ومراهق
قد تعلَّقت بأهدا
…
ب معاليك السَّوابق
بك يهدي الله من ضـ
…
ـلَّ عن النَّهج الطَّرائق
هكذا قد نطق القر
…
آن والقرآن صادق
يا كمّيا فرَّقت يمـ
…
ـناه بالبيض المفارق
يوم لا يمتدُّ رمحٌ
…
لا ولا يستنُّ سابق
ليست الأوهاد في الأعـ
…
ـين كالشمِّ الشواهق
أنجز الوعد فإنِّي
…
بكريم الوعد واثق
لا نبا سيفك في يو
…
م الوغى ما ذرَّ شارق
وقال وقد طلب منه الملك الصالح ناصر الدين محمود بن محمد أن يعمل له أبياتاً في معنى اختاره: [من الرمل]
طرق العشق بقلبي فأبى
…
أنَّه يعشق من يطرقه
خلق الحسن وسوَّاه لنا
…
ونهى الخالق من يعشقه
لو أراد الله خيراً بالورى
…
كان هذا الحسن لا يخلقه
وبعيدٌ أن ترى عين فتى
…
قمراً عنَّ ولا ترمقه
وإذا المسك تجافاه الورى
…
قلَّ في العالم من ينشقه
يقطع السّضارق هذا عجبٌ
…
وبأمر كان ما يسرقه
صل فقد صرت لحيني غرضاً
…
نبل جفنيك هوىً ترشقه
اخش دمعي ولهيبي فهما
…
يغرق النَّابل أو يحرقه
فإذا أيبس عودي زمنٌ
…
ناصر الدِّين ندىً يؤرقه
وقال صدر كتاب كتبه إلى بغداد يتضَّمن شوقاً واستيحاشاً لشهاب الدين يوسف العقاب: [من الوافر]
كتبت إليك من شعفي وشوقي
…
شهاب الدِّين خطِّي كي يراكا
وقلت عسى يقبِّل حين يقرا
…
لواعج ما كتبت إليك فاكا
أحنُّ إلى لقاك وأيُّ يومٍ
…
يمرُّ ولا أحنُّ إلى لقاكا
وقال يعاتب الوزير ضياء الدين بن شيخ السلّامية بآمد رأى تناقصه في حقّه، ويعتذر إليه أيضاً خوفاً أن يكون قد بلَّغه عنه إنسان سوءٍ محالاً:[من السريع]
والله لا أنسى ولا يقتضي
…
ديني أن أكفر نعماكا
/215 أ/لعل نذلاً جاء يا سيِّدي
…
ينقل عنِّي الزُّور أفَّاكا
يريد أن ينسخ شرع الوفا
…
لا كان ما يختاره ذاكا
وإن جرى ذنبٌ فحاشاك أن
…
تؤاخذ المذنب حاشاكا
وقال يهنئ الملك المسعود قطب الدين سكمان بن محمد- بآمد- بعيد الفطر:
[من الخفيف]
جاءك العيد يا أجلَّ الملوك
…
فارتشفها على أذان الدُّيوك
من سلاف تضيء في اللَّيلة اللَّيـ
…
ـلاء ناراً في جوهر مسبوك
قد كساهاً المزاج في الكأس إكليـ
…
ـلاً يضاهي للُّؤلؤ المسكوك
بنت كرم حمراء صيَّرها العصـ
…
ـر مع العصر كالدَّم المسفوك
يتمنَّى الشُّهود أن شهدوها
…
مع غبيٍّ ومقترٍ صعلوك
يا صحابي دعوا التمعقل في الشُّر
…
ب وجنُّوا على استماع الجنوك
وأشربوها من كفِّ أغيد معسو
…
ل الثَّنايا مقرطقٍ جاووك
بابلي اللِّحاظ لوندس المئـ
…
ـزر أوهى بخصره المبتوك
واجتلوا وجهها فقد زفَّها الرَّا
…
ووق زفَّ الأستاذ للمملوك
وامزجوا كأسها بأخلاق قطب الدِّ
…
ين شمس الإسلام تاج الملوك
يا أكفَّ السُّلطان إن قايس النَّا
…
س بك البحر في النَّدى ظلموك
كرماً قد تعوَّدته بنو الآما
…
ل أجداده قبل ذاك أبوك
وقال يطلب من زين الدين أبي سعيد بهروز بن عبد الله وقد هجم البرد ببالويه كبولة: [من المجتث]
يا سيِّدي الزَّين يا من
…
آراؤه مصقوله
ومن سيوف علاه
…
على العدا مسلوله
ومن جبلَّة ساميـ
…
ـه بالتُّقى مجبوله
نريد ذا اليوم في البر
…
د من نداك كبوله
دقيقها كالتَّباطي
…
من حنطة مغسوله
وأن تكون من الضَّر
…
ب سيِّدي مقتوله
بغير شرٍّ تأنٍّ
…
لكن نريدها معسوله
كثيرة السَّمن تأتي
…
على القفا محموله
وقال يمدح بهاء الدين أبا سعيد سريجا بن عبد الله بآمد: [من المنسرح]
لقد تناهى معي العذول
…
ولست أصغي لما يقول
فكيف يصبو إلى ملام
…
صبٌّ لعبء الهوى حمول
يراقب النَّجم منه طرفٌ
…
كأنَّه بالدُّجى وكيل
ليس له في السُّلوِّ رأيٌّ
…
ولا من العشق يستقيل
فالعشق معنىً بغير ذات
…
تحار في كنهه العقول
يحلُّ بالقلب منه وهمٌ
…
وما إليه له سبيل
فتعتريه الهموم حتَّى
…
كأنَّ طرفي لها دليل
وأكحل الطَّرف فاق حسناً
…
يا حبَّذا طرفه الكحيل
مذ رضع الثَّدي وهو طفلٌ
…
ما جال في مقلتيه ميل
أسمر كالسمهريِّ لدنٌ
…
أفرط في خصره النُّحول
يميس كالغصن رنَّحته
…
مع الصَّبا في القبا القبول
ما لجفون المها سهامٌ
…
تراش منها ولا نصول
ولا لريم الفلاة فرعٌ
…
أسحم مثل الرِّشا طويل
فكم دمٍ للمحبِّ ظلماً
…
أساله خدَّه الأسيل
فرَّق جيش الهموم لهواً
…
فجمَّعت شمله الشَّمول
تخفُّ بالشَّارب الحميَّا
…
وهو على سكره ثقيل
لم يبد منه على مدام
…
مع النُّدامى قال وقيل
ناولني من يديه راحاً
…
بها يداوى الصَّب العليل
وشابها من رضاب فيه
…
فقلت آسٌ وسلسبيل
فقل لمن لا مني سفاهاً
…
في حبِّ من كلُّه جميل
تلوم في حبِّ عيسويٍّ
…
عاش بايشوعه القتيل
كما يعيش الأنام طرّاً
…
في جود من ظلُّه ظليل
وله يعاتب الدهر لكونه يرفع وضيعاً ويحط رفيعاً: [من البسيط]
إنِّي لأبغض دهراً لا يفرِّق ما
…
بين الأماجد والسَّفسافة السِّفل
يحط للَّسن النِّحرير قعر خلاً
…
ويرفع العي أعلى مرتقى زحل
لعلَّ ما وعسى الأيَّام قد عميت
…
فما تفرِّق بين الصَّاب والعسل
بالعقل والنَّقل يزداد الفتى شرفاً
…
فما التَّناقص ضاقت في الورى حيلي
ذر العوم وكن في النَّاس مسخرةً
…
وقد ولط وازن واشرب واستبح وكل
لعلَّ عتبك محمودٌ عواقبه
…
وربما صحَّت الأجساد بالعلل
وقال وقد طلب منه صديقٌ أن يصف الخال الذي في خدِّ عمر بن رجب الصائغ بماردين: [من السريع]
ماس شبيه الغصن الحالي
…
أهيف لا ينظر في حالي
وسلَّ سيف الحسن يسطو به
…
على كئيبٍ دنف بالي
ما ضرَّه لو جاد لي رحمةً
…
بقبلة في الخدِّ والخال
حلَّ ببالي عمرٌ ليته
…
يعمر ما خرَّب من بالي
لو علم المعشوق أنَّ الهوى
…
يزينه ما كان بالغالي
أثرَّ في وجنته من دمي
…
فما له يمنعني مالي
وله في جارية بخدِّها خال: [من الكامل]
ومليحة مزجت فمي برضابها
…
فظنت أنَّ رضابها سلسال
ولثمت شامة خدِّها فوجدتها
…
مسكاً وأين من الفتيق الخال
وقال بالمحلّة الغربيّة من بلاد مصر، وقد طلب من يونس بن الظهير أن يصنع له حلوةً وينفذها له مع عبده ريحان. فنفذ إليه يقول: البيت في الحمام. واعتذر بعذرٍ بارد: [من مجزوء الكامل]
لا ذنب لي فيما طلبـ
…
ـت وليس ذنبٌ للجمال
الذَّنب للسيف الَّذي
…
سوَّاك بين النَّاس والي
أرسلت ريحاناً إليـ
…
ـك فعاد كفُّ العبد خالي
وذكرت أنَّ البيت في الـ
…
ـحمَّام حدت عن السُّؤال
أنا قد سألتك حلوةً
…
من ذا سالك عن العيال
أمَّا الهمام فإنَّه
…
رجلٌ ترفَّع بالمحال
يستوعب الدَّخل الحرا
…
م ولا يعفُّ عن الحلال
الجمال: يونس بن الظهير كان نائب سيف الدين علي بن كهلان بالمحلّة. والهمام كان بين يديه يستوعب الحاصل من الجنايات.
وقال أيضاً وقد طلب منه بعض المطربين أن يعمل له غزلاً في معنى اختاره مذكراً ومؤنثاً: [من مجزوء الكامل]
منعت وصال من الوصال
…
فبقيت مرتقب الخيال
حتَّى أبثَّ إليه ما
…
لاقيته من سوء حالي
أرعى العهود لبانة
…
صرمت بلا سببٍ حبالي
ما بالها تسلو وما
…
خطر السُّلوُّ لها ببالي
يا طيف إن ساعدتني
…
بعد القطيعة بالوصال
لأعذِّب الأيَّام بالاً
…
حلام من قصر اللَّيالي
كم ليلة قضَّيتها
…
بين الغزالة والغزال
مع كلِّ خودٍ كالغلا
…
م وشادن خنث الدَّلال
يرنو إليَّ بمقلتي
…
ريمٍ ويبسم عن لآلي
حلو الشَّمائل وجنتا
…
هـ أرقُّ من ورد الشَّمال
وقال يتغزل: [من السريع]
أما ترى النَّرجس من جفنه
…
يرشق جاني الورد من وجنتيه
وسوسناً نثَّ علينا الَّذي
…
قد كتب الرَّيحان في عارضيه
ولؤلؤاً نضِّد من ثغره
…
بين عقيق ساق حتفي إليه
فوالَّذي قلَّب قلبي له
…
لازلت أهواه وأحنو عليه
وقوله يذم التكبر: [من الطويل]
ولمَّا رأيت الكبر يزري بأهله
…
تواضعت حتَّى عظَّم النَّاس حاليا
إذا الكبر زار المرء شان جماله
…
وأصبح من ثوب الرِّئاسة عاريا
وقال يمدح سعد الدين أستاذ دار الملك المؤيد مسعود بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بمصر: [من مجزوء الكامل]
أقسمت بالثَّغر النَّقيِّ
…
وبحسن وجه يوسفيِّ
وبعقرب الصُّدغين فو
…
ق بنفسجٍ غضٍّ طريِّ
وبنرجس العينين أقـ
…
ـسم لا بسحرٍ بابليِّ
وبحاجب حجب العيو
…
ن عن القوام السَّمهريِّ
وبخصره الواهي الدَّقيق
…
وورد خدَّيه البهيِّ
وبمبسم عطر اللِّثات
…
وظلم ثغر لؤلؤيِّ
لا حلت عن مدحي لسعـ
…
ـد الدِّين ذي الأصل الزَّكي
الواهب الأموال للسُّـ
…
ـؤَّال بالكفِّ السَّخيِّ
فحباه يغني مادحيـ
…
ـه إذا أتوه عن الحبيِّ
وقال يصف بغداد ويتشوّق إليها: [من المتقارب]
أحنُّ إلى الجسر والرَّقتين
…
ودار السَّلام وسكَّانها
وتاج الخلافة والجانبين
…
من الشَّطِّ والظِّلِّ من بانها
وباب المراتب والزَّند ورد
…
ونهر المعلَّى وغزلانها
وسوق العميد وباب الحديد
…
وحور الجنان وولدانها
واسأل ذا الطَّول ربِّ العباد
…
إدامة دولة سلطانها
وقال في صبيّ كلما زاده إحساناً زاده إساءة. وكان قد أنحله هواه فذكر الإساءة فجفاه: [من البسيط]
لا تعجبوا لمحبٍّ كنت أوثره
…
بناظريَّ وبروحي كنت أفديه
أسدى إليَّ قبيحاً كي يعاقبني
…
فكان للهجر أحلى من تلافيه
وعيده أن ما أسداه يمرضني
…
فكان عين شفائي والدَّوا فيه
فليته لا يزال الدَّهر يفجعني
…
بصدِّه وبصابٍ من تجنِّيه
وقال يمدح الملك الصالح ناصر الدين محمود بن محمد من قصيدة:
[من المنسرح]
يا ليلةً زارني محيَّاها
…
بغير وعد ما كان أوفاها
قرنت أولى زيارةٍ سمحت
…
على محبٍّ بيمن أخراها
بتُّ أعاطي بك الكؤوس فما
…
ألذَّها في فمي وأحلاها
أمزج من ريقها المدام وقد
…
تغزَّلت بالمدام عيناها
في ليلة والرَّقيب منعزلٌ
…
أحبُّها والحسود يشناها
أضاء لي ثغرها الظَّلام فما
…
أزال أثني على ثناياها
جاريةٌ كالقضيب لو دعت الـ
…
ـميِّت من قبره للبَّاها
أبدع في خلقها الإله فما
…
أحسن ما صاغها وسوَّاها
أنسى صلاتي إذا خلوت بها
…
وهي مع الدَّهر لست أنساها
لا سيَّما والنُّفوس في يدها
…
تأمرها تارةً وتنهاها
أحفظ عهدي لها وتحفظني
…
وذاك مازال من سجاياها
تزيد قلبي أسى وتهجره
…
وهو على الحالتين يهواها
لولا هواها يذيبني حرقاً
…
ما صرت عبداً وكنت مولاها
تسهرني والنُّجوم خافقةٌ
…
قد حدَّجت للسرى مطاياها
مرتمياتٍ بنا إلى الملك الـ
…
ـصَّالح أعني به شهنشاها
وقال وقد استدعاه الملك العزيز عثمان بن يوسف ليلاً وجعله جليساً له:
[من الخفيف]
لست أخشى صرف الزَّمان إذا ما
…
نظرتني مواهب السُّلطان
ملكٌ كنت ميِّتاً قبل مرآ
…
هـ فلمَّا رأيته أحياني
[971]
يوسف بن ضوء بن عليِّ بن ضوء بن هيماج بن عليِّ بن ضوء بن كيسان بن عليِّ بن ضوءٍ، أبو يعقوبٍ الربعيُّ.
من أهل إربل ومن بيت مشهورٍ بها.
وكان رجلاً مطبوعاً، معاشراً فيه تودّد وكياسة، يحكي الحكايات المستحسنة، ويحفظ من النوادر والأشعار كثيراً، وينظم أشعاراً لا بأس بها. وكان يخضب بالسواد. وكانت بيني وبينه صحبة أيام مقامي بإربل. وكان يخدم بها متصرفاً.
ثم رحل عنها إلى حلب، وتولّى بمعرة النعمان ولايةً فلم يمكث بها إلَّا قليلاً حتى أتت عليه منيَّته؛ وذلك في رجب سنة ستٍّ وثلاثين وستمائة- رحمه الله تعالى-.
ومما أنشدني لنفسه بإربل في سنة خمس وعشرين وستمائة: [من الطويل]
هوىً عاد لي طفلاً وقد كان مكتهل
…
وصار قشيباً بعد ما كان مضمحل
وعاودني منه الغرام الَّذي مضى
…
من الشَّوق والتَّبريح إذ كان قد رحل
فقلت له فيما أتيت وما الَّذي
…
تريد وثوبي في الشَّبيبة قد سمل
وهل يقبلنَّ البيض منِّي تشفعاً
…
إليهنَّ بيضاً في العذار فاحتمل
وما من شفيعٍ في وصال أرومه
…
فيشفع لي في وصلهنَّ إذا وصل
هو الحبُّ لا يسلى بشيبٍ وكبرةٍ
…
مدى الدَّهر في قلب الكريم إذا نزل
وأنشدني لنفسه إملاءً: [من البسيط]
قد كنت في دعة ألهو بلا فرقٍ
…
إذ كان سيَّان عندي العود والحطب
فمذ تأدَّبت نابتني نوائبه
…
وفي التَّأدب إن عاينته نوب
وأنشدني أيضاً قوله: [من المتقارب]
أما والهوى واختلاس القبل
…
وورد الخدود وغنج المقل
لقد شرَّد النَّوم عن مقلتي
…
بدر العقيقين لمَّا أفل
وأنشدني لنفسه في غلام فقيهٍ: [من الطويل]
رأيت فقيهاً يافعاً عند شيخه
…
يباحثه في درسه ساعة الدَّرس
وفي وجهه نورٌ كبدر دجنَّة
…
إذا ما بدا في الحسن أو ألق الشَّمس
يقول له يا شيخ قد قال ربنا
…
تعظَّم في تنزيله: النَّفس بالنَّفس
فقلت له: يا أحسن النَّاس منظراً
…
وعلماً غزيراً ليس في العلم من لبس
أجرني لقد أتلفت نفسي عامداً
…
ولا تعص قول الله للجنِّ والإنس
فقال ولم يفكر: صدقت، وإنِّما
…
أراد به الأحرار يا صاحب الحسِّ
[972]
يوسف بن عامر بن أبي عبد الله بن أبي نصر بن عليِّ بن أحمد بن الوهبي، أبو سعد الموصليُّ المعروف بالشَّحَّاميِّ.
قرأ طرفاً من فقه الإمام الشافعي- رضي الله عنه على الشيخ أبي حامد محمد بن يونس بن محمد بن منعة الموصلي- فقيه الموصل- وكان قبل ذلك مرتباً بالمدرسة النوريّة.
ثم سافر إلى الشام سنة ستمائة، ونزل دمشق ولم يزل بها مقيماً إلى أن مات سنة ثمانٍ وعشرين وستمائة.
صار إليّ من شعره قصيدة مدح بها أتابك نور الدين أبا الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي بن آقسنقر- صاحب الموصل- ويهنئه بالنيروز وذلك في سنة خمس وتسعين وخمسمائة- رحمه الله تعالى-: [من الخفيف]
أنا مالي وللظُّبا والعوالي
…
وسموٍّ إلى سماء المعالي
أنا مالي صبرٌ على الطَّعن والضَّر
…
ب وبالي لا يستلذُّ وبالي
لست ممَّن يروم حرباً إلى حرب
…
ولا غزو ضمرةٍ وهلال
أنا أهوى للبيض والسُّمر لا سمـ
…
ـر العوالي ولا لبيض النِّضال
إنَّ بيض الخدور أحلى من البيـ
…
ـض وصدم الأبطال بالأبطال
أنا مالي بين الصُّفوف مجالٌ
…
يوم عثر الرِّجال بالآجال
أيُّ فخرٍ إذا أتيت طعيناً
…
أو رهيناً أو جاثماً من قتال
إنَّما الفخر في وصال الأغاني
…
بالمغاني من دون قيل وقال
أو مديح المولى المؤيَّد نور الدِّ
…
ين ربِّ الإحسان والإفضال
ملكٌ جلَّ عن مشابهة الخلق
…
وعن كلِّ لاحقٍ أو تالي
فهو بين الملوك واسطة العقـ
…
ـد وجلَّ المولى عن التمثال
يا أرسلان شاه يا مالك الحد
…
باء يا من علا على كلِّ عالي
قد أتاك النَّيروز السَّعيد بجدٍّ
…
صاعدٍ مخبرٍ بخير مال
حين عاينت عرَّة العام نادا
…
ك منادٍ بالعزِّ والإقبال
إن يكن للزمان فيك لسانٌ
…
كان والله ناطقاً في المقال
ولنادى بصوته في البرايا: دمت في الملك مع دوام اللَّيالي
قد أتاك الهناء يرفل من لفـ
…
ـظي تيهاً في ثوب سحرٍ حلال
كم به أكبت الحسود وكم أسـ
…
ـحب من فرط برده أذيالي
دمت لي في سعادةٍ وسرورٍ
…
ونعيمٍ يأتي بغير زوال
[973]
يوسف بن عبد الله بن أبي الفضل بن عبد الله بن عليِّ بن الخشاب الأديب أبو المحاسن بن أبي الفرج القاهريُّ المصريُّ.
من شعراء الديار المصرية.
أنشدني الصاحب الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي، قال أنشدني أبو المحاسن بن الخشاب لنفسه:[من البسيط]
صبِّر فؤادك فالعقبى لمن صبرا
…
ولو تجرَّعت في ترك الهوى صبرا
ألم يعظك من الدُّنيا الذي خطرا
…
حتَّى ركبت إلى نيل المنى خطرا
يا لاهياً عمره في غيِّه عبرا
…
أنظر مصائر من ولَّى تجد عبرا
أين الملوك الألى أمسوا بها سمرا
…
لا يملكون بها ضالاً ولا سمرا
طافوا البلاد وأبقوا بعدهم سيرا
…
ومن تمادى قليلاً عمره سيرى
تضاحك الداهر فيما بينهم شجرا
…
إذ لا ينالون لا ماءً ولا شجرا
إنَّ الفتى إن عصته نفسه نهرا
…
وأطلق الخوف من أجفانه نهرا
فازجر فؤاداً بأحداق المها سحرا
…
واستغفر الله من ذكر الهوى سحرا
ما بذَّ طرفك إلَّا صائداً قمرا
…
قمرت عقلك فاترك سبل من قمرا
واجهد لتلقى فتىً من مكرها نفرا
…
فكم أضلَّ وأردى مكرها نفرا
وكن كصاحب لبٍّ طرفه قصرا
…
أن يجتني الذَّنب لا عن توبة قصرا
كم عامرٍ لسواه هادمٍ عمرا
…
وهادمٍ بالتُّقى ما غيره عمرا
وأنشدني أيضاً، قال: أنشدني يوسف بن عبد الله لنفسه: [من المتقارب]
نويت إلى ربعكم حجَّتي
…
وطالت على بابكم وقفتي
أطوف على ربعكم خاضعاً
…
طواف الإفاضة من عبرتي
فؤادي الحطيم بكم أو منّى
…
وزمزم ما فاض من مقلتي
ركنت إلى ركن ظنِّي بكم
…
وصيَّرت قصدي لكم كعبتي
ترى هل لأيَّامكم عودةٌ
…
تردُّ عليَّ اللَّيالي الَّتي
ألا يا بريقاً أضا بالغضا
…
لقد هجت نحوهم لوعتي
ويا نسمةً ما انطوى نشرها
…
من البعد إلَّا إلى مهجتي
نعيمي إذا أنعموا بالرِّضا
…
وإن هجروني فيا شقوتي
أعزُّ إذا قيل يا عبدهم
…
وعزِّي بغيرهم ذلَّتي
خلعت العذار على حبِّهم
…
فطاب افتضاحي على عفَّتي
وهذا حديث غرامي بهم
…
ولا تسال الغير عن قصَّتي
وأنشد أبو المظفر منصور بن سليم بن منصور الفقيه الشافعي الهمداني الإسكندري في سنة تسع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني أبو المحاسن يوسف بن عبد الله بن الخشاب المصري لنفسه بالقاهرة المعزِّيَّة: [من الكامل]
يا ناصباً لي في الهوى أشراكا
…
أنا والأنام بأسرهم أسراكا
نظرك إليك نفى عن العين الكرى
…
وهواك أصعب ما لقيت هواكا
أعدى إلي السُّقم طرفك عندما
…
أهدى إليَّ تبلبلي صدغاكا
وأقام محتصر العذار قيامتي
…
لمَّا اكتسى بجديدة خدَّاكا
أنا عبدك الرَّاضي بحكمك فاحتكم
…
قلبي أسيرك لا يروم فكاكا
غرضي رضاك فصل هواك وخن وجر
…
واهجر وصدَّ فإنَّني أهواكا
أمثال كلِّ الحسن لو خلق الهوى
…
شخصاً لكنت أنا الممثِّل ذاكا
سل ناظري عمَّن حلا فيه يقل
…
يا مشرقي بالدَّمع ما أحلاكا
واستقر أحشائي فإن تك باقياً
…
في طيِّها قلبي وأنت هناكا
إنِّي لأقنع من وصالك بالمنى
…
وأسرُّ أنِّي في المنام أراكا
وتقرُّ عيني أن تمرَّ مسلِّماً
…
متبسماً فأذوق طعم رضاكا
حتَّى م أصفيك الوفا وتشوبه
…
وافي وتغدر بي فما أجفاكا
يا وجنتيه ما أرقَّكما ويا
…
قلباً يحلُّ حشاه ما أقساكما
ماذا تريد من السَّليم تعلُّه
…
سمّاً فحسبك ما به وكفاكا
حاشاك أن تلفى بحسنك شانياً
…
بخلائقٍ مذمومةٍ حاشاكا
[974]
يوسف بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بن عبد الله بن علوان بن رافعٍ، أبو المحاسن بن القاضي أبي محمدٍ الأسديُّ.
كانت ولادته في شوال سنة ثلاث عشرة وستمائة.
وتوفي يوم الأربعاء ثالث المحرم سنة .... وثلاثين وستمائة.
من بيت علم وفقه وخير وصلاح. كان والده قاضي القضاة بحلب. ونشأ أبو المحاسن هذا فتخلَّق بأخلاق أبيه السَّنيَّة، واقتدى بأفعاله الجميلة الرضية؛ فنبغ شاباً ذكياً حسن السيرة مرضياً ذا قبول ولطافةٍ، وفخامة قدر وظرافة.
أخذ من الفقه على مذهب الإمام الشافعي- رضي الله عنه جزءاً متوفراً، وتأدّب وناب عن والده في الدروس بالمدرسة الرواحيّة شمالي المسجد الجامع، وتكلم في المسائل الخلافية وأجاد وطاوعه خاطره في نظم الشعر، فقال منه القطع الغزلة السهلة المأخذ، وظهرت عليه النجابة. وتميَّز على أقرانه، وأبناء زمانه. وكملت آدابه؛ وتوفي أكمل ما كان شباباً. رأيته بحلب ولم أجتمع به.
أنشدني الشيخ الإمام الأمين المعدل شمس الدين أبو بكر عبد الله بن محمد ابن أحمد بن مبادر بن الضحاك التاذفيّ ثم الحلبيّ بها، قال: أنشدني أبو المحاسن يوسف بن القاضي عبد الله بن عبد الرحمن الأسدي الحلبيّ لنفسه: [من الطويل]
تبارك خلَّاق وجهك الحسنا
…
واظهر في كفَّيك معجزة الحسنى
وأوجد في يساك يسر مرادنا
…
يميناً وفي اليمنى السَّلامة واليمنا
وأبدع في أخلاقك الغرِّ فاغتدت
…
هي الثمرات الطَّيِّبات إذا تجنى
واطلع بدراً في منازل سعده
…
وأبدى قواماً قد حكى الأسمر اللَّدنا
فأنت حبيب القلب سرّاً وجهرةً
…
بما حزت من لفظ بديعٍ ومن معنى
وأنت دواءٌ للسَّقيم بنظرة
…
يعيش بها أو أن تبلِّغها مثنى
فللَّه أوقاتٌ على الخيف من منىً
…
تحوز المنى والعين مطروفة عنَّا
وكم ليلةٍ وافيته في ظلامها
…
فعاد ضياءً من سنى وجهه الأسنى
ولمَّا بدا والبدر وافاه في الدُّجى
…
فقالوا فما أنصفت أعلاكما الأدنى
فحين رماني الله بالبعد والنَّوى
…
سألت لمغناه يجيب فما أغنى
ولولا رجاء الطَّيف أن يطرق فكري
…
وإلَّا لكان الصَّبر من بعده يفنى
فاسأل ربَّ الخلق يجمع بيننا
…
على حالةٍ ترضي الودود كما كنَّا
وأنشدني، قال: أنشدني يوسف بن عبد الله الحلبيّ لنفسه: [من الطويل]
ألا هل لنا بعد التَّفرق مجمع
…
فعيني لا يرقى لها الدَّهر مدمع
نأيتم وألهبتم فؤادي صبابةً
…
عسى عطفةٌ منكم وفي القوس منزع
وحرَّقتم الأحشاء بعد بعادكم
…
فكيف أروم البرَّ أو كيف أطمع
وأوقرتم سمعي عن العذل بعدكم
…
فلا أرعوي عذلاً ولا الأذن تسمع
أطعت لغيِّي في الهوى وضلالتي
…
وعاصيت سلواني وذلك انفع
سقامي نجمٌ إن حضرتم فغائبٌ
…
وإن غبتم عنِّي فإذ ذاك يطلع
حرمت لذيذ النَّوم بعد فراقكم
…
فعيني لا تغفو ولا هي تهجع
ولا يرتجي الملهوف إلَّا وصالكم
…
فبالوصل ينأى السُّقم عنه ويقلع
وأنشدني، قال: أنشدني أبو المحاسن قوله: [من الطويل]
أيا سائق الأظعان رفقاً بها رفقاً
…
فلا سلوتي تحيا ولا عبرتي ترقا
تعزَّيت بالأسقام لمَّا رأيتهم
…
وحادي ركاب القوم يحدو بهم شرقا
فناديته بالله قف لي هنيئةً
…
فقال وما ألوى: يجنَّبها الأشقى
فلمَّا سمعت القول أهويت صاعداً
…
وجسمي على نيران هجرهم ملقى
إذا هاج تذكاري خشيت تحرُّقاً
…
وإن فاض دمعي إنَّني لمن الغرقى
فإن لم يوافوا المستهام بنظرة
…
وإلَّا على حال الحياة فما يبقى
إذا ما نأوا فالدَّهر يقطب وجهه
…
وإن حضروا قد عاد مبتسماً طلقا
فلا تعذلوا المشتاق في فرط وجده
…
إلى أن تلاقوا في الهوى كلفاً يلقى
فإن كنت ألقاكم فعيشي منعَّمٌ
…
وإن غبتم عني فسحقاً له سحقا
وقد كنتم هدَّدتم الصَّبَّ بالنَّوى
…
إلى أن حدا الحادي فصار النَّوى حقَّا
إذا ما وطئت الدَّار من بعد بعدهم
…
تخيَّلت أنَّ النَّار أو حرَّها أرقى
فطوبى لعينٍ متِّعت بجمالكم
…
وعينٌ نأت عنكم جديرٌ بأن تفقا
وأنشدني، قال: أنشدني من شعره: [من الطويل]
عسى يجمع الرَّحمن شملاً تفرَّقا
…
ويشفى سقيم البعد بالوصل واللِّقا
فجسمي بنيران البعاد محرَّقٌ
…
ودمعي من بعد القطيعة ما رقا
إذا لم يداو المستهام أحبَّتي
…
فمن ذا يعانيه فقد شفَّه الشَّقا
نأيتم فأثواب السَّقام جديدةٌ
…
عليه وثوب الصَّبر أضحى ممزَّقا
فمنُّوا على الصَّب المعنَّى بطيفكم
…
فهيهات أن تبرا الصَّبابة بالرُّقى
إذا هاج تذكاري بساعة بيننا
…
فغربت في شوقي إذا البدر شرَّقا
فقلبي عند الظَّاعنين مقيَّدٌ
…
وقد كنت قبل البين ألفيه مطلقا
وأنشدني قال أنشدني لنفسه: [من الطويل]
سرى الطَّيف من نحو الحبيب مبشِّرا
…
فصادف أجفاني جفت لذَّة الكرى
وقلبي مذ بانوا يحرِّقه الأسى
…
فيا ليت لا كان الفراق ولا جرى
يخبِّرني أنَّ البعاد مباعدٌ
…
وأنَّ عسير الوصل عاد ميسَّرا
فحيث وعى سمعي لما قال عائدي
…
رأيت شفاي وجهه عاد مسفرا
ومن يبره طيفٌ ألمَّ بقربه
…
فكيف إذا وافى الجمال بلا مرا
ولمَّا دنا لقياهم قال نأيهم
…
إذا كنت تهوى البدر لا تنكر السُّرى
فقلت له: قد كان قلبي منزلاً
…
أنيساً فبالهجران أصبح مقفرا
وأنشدني، قال: أنشدني قوله: [من الطويل]
عزيزٌ علينا أن نرى بعدكم شخصاً
…
وقد كنتم الأدنى فأصبحتم الأقصى
فقد عاد جسمي بالسَّقام معذَّباً
…
وفرط اشتياقي لا يعدُّ ولا يحصى
وقد كنت بالآثار أروي هواكم
…
فما زلت حتَّى صرت أذكرها نصّاً
خليليَّ إن أدركتماه برامة
…
فمن شرح حالي والغرام به قصَّا
وقولا له يا غاية السُّؤل مغرمٌ
…
بحبِّكم دون البريَّة قد خصَّا
وقال أيضاً: [من مجزوء الكامل]
أظننت قلبي قد تسلَّى
…
يا عاذلي حاشا وكلَّا
لست المطيع للائمي
…
والسَّمع لمَّا رام كلَّا
كيف السَّبيل وقد تولًّـ
…
ـى حسنه والصَّبر ولَّى
وهواه أبرا مهجتي
…
لمَّا ألمَّ بها وحلًّا
بدرٌ تجلَّى في الدُّجى
…
فالهمُّ مذ وافى تجلَّى
ومنها قوله:
لله أيامٌ تقضَّـ
…
ـت بالمنى نحو المصلًّى
عين النَّوى مطروفةٌ
…
عنَّا وكفُّ البين شلَّا
حتَّى دهاني هجره
…
فالقلب بالنِّيران يصلى
والسُّقم آلى لا يزو
…
ل بدون رؤية من أعلَّا
لو لم يبلَّ لمهجتي
…
طيفٌ أتاني كنت أبلى
أشكو إليه سقام جسـ
…
ـمٍ ناحلٍ قد ذاب ألَّا
إن كان يسأل عن فؤا
…
دي صحَّ بعد البين قل: لا
وهواه عندي واجبٌ
…
وهوى سواه عاد نفلا
وقال أيضاً: [من الطويل]
نذرت لرِّبي إذ قضى لاجتماعنا
…
أعفِّر خدِّي في التراب له شكرا
وكيف يطيق الشُّكر عن جمع شمله
…
محبٌّ يرى مرأكم يكشف الضُّرَّا
وأحمد يوماَ ضمَّنا بعد فرقة
…
وللمستهام الصَّبِّ من سقمه أبرا
ولو كان هذا اليوم يرجى شراؤه
…
لكنت لروحي قد بذلت لكم يشرى
وكنت نذرت الصَّوم يوم لقائكم
…
ولكنَّه عيدٌ فلن يقبل العذرا
وألقي شفاهي تحت أقدام مالكي
…
أقبِّلها عشراً وأضعفها عشرا
وقد جئتكم مثرٍ من الهجر والضَّنى
…
وكنت قتيل البين من وصلكم أثرى
وقال أيضاً: [من مجزوء الكامل]
يا عاذل القلب المتيَّم
…
دعه فإنك لست تعلم
ما قد حوى من حرقة
…
من بعد سكَّان المخيَّم
أنَّى تروم سلوَّه
…
والحبُّ في الأحشاء خيَّم
أم كيف ترجو برءه
…
من غير من قد كان أسقم
هيهات حاولت المحا
…
ل ورمت شيئاً ليس يفهم
كيف السُّلو وسمعه
…
عن عذل لاحٍ قد تصَّمم
ويرى الضَّلالة رشده
…
وشقاه غاية من تنعَّم
لم يشفه إلَّا لقا
…
ء حبيبه والله اعلم
وقال أيضاً: [من مجزوء الرجز]
بي صممٌ عن عذَّلي
…
ومهجتي في شغل
رمى فؤادي شادنٌ
…
من لحظه في المقتل
له فؤادٌ كالصَّفا
…
وريقه كالسَّلسل
يريك وجهاً كالضُّحى
…
من تحت ليل اليل
لا انتهى عن حبِّه
…
فمنتهاه أجلي
كيف يرى من وجده
…
وسقمه مثلي خلي
لمَّا دنا توديعه
…
ناديته يا أملي
منَّ ولو بنظرة
…
أشفي بها من عللي
قال وأبدى لؤلؤاً
…
من ذلك المقبَّل
حكم الهوى أن لا أرى
…
لعاشق بالقبل
فمذ نأى عن ناظري
…
فعبرتي تضمن لي
[أن ليس يبقى دمعةً
…
أريقها من مقلي
وصار خدِّي بعده
…
من البكا كالجدول]
[975]
يوسف بن عبد الله بن عبد الباقي بن مكيِّ بن إسماعيل بن يحيى بن نهار بن الحسين بن يحيى بن إدريس بن محمَّد بن عليِّ بن محمَّد بن إبراهيم بن صالح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو المحاسن البكريُّ التيميُّ.
الفقيه المالكيّ من أهل مصر.
نزل بغداد واشتغل بالفقه والأصول، وسمع الحديث النبوي من أصحاب أبي الوقت السجزي في آخرين بعدهم؛ وله فهم وذكاء، ويقول شعراً؛ وهو شاب. أخبرني أنه ولد إما سنة إحدى أو اثنتين وستمائة.
ومن شعره ما أنشدني بدمشق بمسجدها الجامع في أواخر ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة؛ وهو متوجه إلى دير مصر: [من الكامل]
ما غرَّدت قمريَّة الأجفان
…
إلا وفاض الدَّمع من أجفاني
شوقاً إلى وادي الأراك وبانه
…
فهناك لي قلبٌ نأى وجفاني
أضحى مطيعاً للغرام ملبِّياً
…
فإذا عزمت على السُّلوِّ عصاني
يهوى من البيض القواضب أهيفاً
…
هزات معاطفه بغصن البان
يدنو فيمنعه الدَّلال إذا دنا
…
من قربه فهو البعيد الدَّاني
كم عاذل قد لام فيه وما وعى
…
سمعي ولا ملك الملام عناني
[976]
يوسف بن عبد الرحمن بن عليِّ بن محمَّد بن عليِّ بن عبيد الله بن حمّادي بن أحمد بن محمَّد بن جعفر بن عبد الله بن
القاسم بن النضر بن القاسم بن محمَّد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمَّد بن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه، أبو محمَّدٍ بن أبي الفرج الجوزيّ الواعظ الفقيه الحنبليُّ التيميُّ البكريُّ.
خيّرت بأنَّ جدّه كان من مشرعة الجوز إحدى محال بغداد بالجانب الغربي، فلذلك يقال لهم بيت الجوزي.
وكان والده إمام العراق في وقته، وعلمه أشهر من أن يذكر، وابنه هذا خلف أباه، وسمع الحديث الكثير على مشايخ ذلك الوقت كأبي القاسم يحيى بن أسعد بن يحيى بن يونس البغدادي، وأبي الفتح أحمد بن محمد المندائي، ووالده أبي الفرج وغيرهم.
وولّاه الناصر لدين الله أبو العباس أحمد- رضوان الله عليهم- حسبة بغداد وأنعم عليه إنعاماً عظيماً ورزق منه حظاً شاملاً؛ فلما توفي الناصر وتولّى الإمام الظاهر بأمر الله أبو نصر محمد- رضي الله عنه لم يغيّر عليه شيئاً مما كان عليه. فحينئذ انقرضت أيام الظاهر بأمر الله- تغمده الله برحمته ورضوانه- عن مدّة قريبة، وتولّى الإمام المستنصر بالله أبو جعفر المنصور- رضي الله عنه زيد في إكرامه، وارتفعت منزلته لديه. وأنفذه إلى عدّة جهات رسولاً، فحصل له بذلك الترسل أموال جمّة، ونعمة طائلة؛ فلما توفي المستنصر بالله- رضي الله عنه وتولّى المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بن المستنصر- خلد الله دولته- ولّاه أستاذ داريّة الدار.
وكان واعظاً حسناً عالماً بالتفسير والحديث فقيهاً مدرساً مفتياً على مذهبه شاعراً مسهباً غزير الشعر مقتدراً على إنشائه؛ ولم [يمدح] أحداً من الناس غير الخلفاء- صلوات الله عليهم اجمعين-.
كنت ببغداد أيام مدّة إقامتي بها، وحضرت مجلس وعظه بباب بدر عدّة مرات. وكان ينشد عقيب المجلس قصيدة طويلة من نظمه مديحاً في الخليفة يختم بها مجلس الوعظ. ولم يعلق بحفظي من أشعاره شيء ولا اتفق لي الاجتماع به ولا الرواية عنه.
ثم بعد ذلك قدم إربل رسولاً من ديوان الخلافة إلى خوارزم شاه أبي المظفر مينكبرتي بن محمد بن تكش، فاجتمعت به بعد عوده من الرسالة بإربل في أواخر شعبان سنة سبع وعشرين وستمائة، وأجازني جميع مقولاته ورواياته وما يندرج تحت الإجازة، وكتب ذلك بخطه.
وسألته عن مولده، فقال: ولدت في ذي القعدة سنة ثمانين وخمسمائة. وذكر لي أنَّ له عدة مصنفات في المذهب والخلاف والوعظ والتفسير، وغير ذلك. ومن تصانيفه كتاب ((معادن الإبريز في تفسير الكتاب العزيز)).
وقرأ القرآن الكريم على أبي بكر الباقلاني للعشرة.
ومما قرأت عليه لنفسه من قصيدةٍ يمدح بها الناصر لدين الله أبا العباس أحمد بن
الحسن- رضوان الله عليه-: [من المديد]
من لصبٍّ ضاع يوم نأوا
…
صبره عنهم وحيلته
وإذا طرف المشوقي كبا
…
لم تقل والله عثرته
وممات الصَّبِّ صدُّكم
…
وغداة الوصل بعثته
قصَّة المحزون تسطرها
…
في ظلام اللَّيل غصَّته
صفحة الخدَّين رقعتها
…
ودواه الصَّبِّ مقلته
ويراع الوجد تعربها
…
من مداد الشَّوق مدَّته
وإلى المحبوب تحملها
…
من صبا الأسحار نسمته
وإذا حنَّ الحزين أسىً
…
كحنين العنس حنته
وسلاف الحبِّ تطربه
…
فتذيع السِّرَّ نشوته
مثل ما في النَّظم يطربني
…
لإمام العصر مدحته
لوفود الجود قد كفلت
…
بالأماني أريحيَّته
من ندى كفَّيه تابعه
…
حجَّة الإنسان عمرته
فعلت بالحقِّ دولته
…
فعلت في الخلق دعوته
تخجل الوطفاء هاميةً
…
حين يهمني الجود مزنته
فأسود الغاب خاشيةٌ
…
قد كساها الخوف سطوته
وإذا ما البحر قيس به
…
أشبه الغدران لجَّته
ومن الطِّين الورى خلقوا
…
ومن العلياء طينته
ولنا منه النَّدى وله
…
من إله العرش نصرته
وله رق الورى وله
…
من رسول الله بردته
ومنانا أن تدوم لنا
…
لننال السُّؤل دولته
إنَّ ميت الجود عاش به
…
بعد ما ضمَّته حفرته
وإذا ما الله عمَّره
…
كملت للجود بغيته
حبُّه فرضٌ ندين به
…
طاعة الرَّحمان طاعته
فلمن عاداه نار لظى
…
ولمن والاه جنَّته
وقال أيضاً: [من الطويل]
ألا قل لمن أمسى على الدَّهر عاكفاً
…
تنَّبه خليلي قبل أن يفرط الأمر
فوالله ما دنياك إلَّا كزاخرٍ
…
وزهد إلى التَّقوى لعابرها جسر
أتغترُّ بالدُّنيا وتطلب صفوها
…
وظاهرها حلوٌ وباطنها مرُّ
لكلِّ صحيح الجسم منها بلَّيةٌ
…
وكلِّ صحيح من غوائلها كسر
ولو كان موت المرء آخر شدَّة
…
يراها لهان الصَّعب واستسهل العسر
ولكن لديه موقفٌ يجمع الورى
…
وداهيةٌ دهياء يظهرها الحشر
ومن شعره أيضاً وقد عرض ثلاث رقاع مزوَّقة برسم العيد السعيد باسم السادة الموالي الأمير أبي العباس أحمد، وأبي الفضائل عبد الرّحمن، وأبي المناقب المبارك أولاد أمير المؤمنين المستعصم بالله أبي أحمد عبد الله بن الإمام المستنصر بالله أبي جعفر المنصور بن الظاهر بأمر الله أبي نصر محمد بن الناصر لدين الله أبي العباس أحمد- رضوان الله عليهم وسلامه- الرقعة الأولى فهي قوله:[من الوافر]
بقيت مبلَّغاً أقصى الأماني
…
إلى أن ينقضي عمر الزَّمان
برزت لنا فلم نترك ثناءً
…
وعوَّدناك بالسَّبع المثاني
أبا العبَّاس أحمد يا ابن خير الـ
…
ـبريَّة في الأقاصي والأداني
أتاك العيد بالبركات يهدي
…
الميامن والبشائر والتَّهاني
فبلغك السُّعود به وألقت
…
لدى المولى الخليفة بالجران
وأما أبيات الرقعة الثانية فهي: [من الخفيف]
أنت يا عيد جيء ببشراك واستصـ
…
ـحب بشارات سائر الأيَّام
وأنلها أبا الفضائل مولى الـ
…
ـخلق عبد الرَّحمان نجل الإمام
وأحبه التَّهنئات يكسبك فخراً
…
كامل الحسن وافر الأقسام
وادع ربَّ الأنام يحييه كي يو
…
ليك هذا الإنعام في كلِّ عام
دام في ظلِّ مالك الرقِّ ذي السُّؤ
…
دد مولى الإحسان مولى الأنام
وأما أبيات الرقعة الثالثة فهي: [من مجزوء الكامل]
بأبي المناقب سيِّد الـ
…
ـخلق المبارك ذي المعالي
تزهى المواسم عزَّةً
…
وتميس في ثوب اختيال
يا من به حلت الحيا
…
ة ودهرنا بعلاه حالي
عمِّرت في ظلِّ الخليـ
…
ـفة ما تتابعت اللَّيالي
وسعدت بالعيد الَّذي
…
بكم اكتسى حلل الجمال
[977]
يوسف بن عبد الكريم بن عليِّ بن أبي الحسن بن أبي القاسم بن مزارٍ، أبو الحسين المعروف بابن بزاقة، وينبز بالكوذين.
كان يعلم الصبيان بالموصل، وبقي مدّة في التعليم ومال إلى الشعر، وقصد به الناس. وكان رجلاً ضعيف العينين، خفيف العارضين، مبخوس الحظ من الزمان، متظلماً من أبنائه؛ وله مدائح كثيرة وأهاجٍ قبيحة يستعذبها من يسمعها.
أخبرني أنَّه ولد سنة ثمانين وخمسمائة، وخبّرت أنه امتدح بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله- صاحب الموصل- فأنعم عليه، وقرّبه وصار يحضر مجلسه وأحد ندمائه، وتمشت أحواله.
ومما أنشدني لنفسه بالموصل مبدأ قصيدةٍ: [من السريع]
تيَّمه برقٌ بتيماء لاح
…
فبات لا يصغي إلى لحي لاح
وظنَّه زار الحمى فاحتمت
…
أجفانه عن نومها المستباح
وكان لا يظهر أشجانه
…
فصار بالدَّمع هواه صراح
له هوىً في حلبٍ ساكنٌ
…
وداره عن ربعها في انتزاح
يضرب في الآفاق يبغي الغنى
…
بالشِّعر من عند أناسٍ شحاح
كأنَّما أضحى على طائرٍ
…
أراش عزُّ الدِّين منه الجناح
وأنشدني لنفسه من أبيات: [من الكامل]
لا توحشنَّك غربةٌ عن منزلٍ
…
فيه الكريم على السَّماح يعنَّف
واقنع على ظمأ بأيسر نغبةٍ
…
من غيرها لو أنَّ دجلة قرقف
أتراكم موتى فلا يرجوكم
…
أحدٌ ولا من بأسكم يتخوَّف
كم ضعت عندكم وحظِّي قال لي
…
يا يوسفٌ قد ضاع قلبك يوسف
وأول هذه الأبيات يهجو بها أبا الحسن علي الكاتب المنبوز باللقيط الموصلي
[من الكامل]
لا تنكرنَّ من اللَّقيط مساءةً
…
عرضت فإنَّ له أباً لا يوصف
أضحى من النَّكرات عرَّفه الغنى
…
وعجبت للنكرات كيف تعرَّف
أرضٌ يسود بها اللَّقيط فخلِّها
…
لو أنَّها الفردوس حين تزخرف
وأنشدني أيضاً لنفسه فيه يهجوه: [من المجتث]
تبّاً لنعمة قومٍ
…
جاءتهم مستعاره
وقبَّح الله دهراً
…
ألقى عليهم إزاره
ساد اللَّقيط علينا
…
كأنَّه ابن زراره
وحمَّل النَّاس وزراً
…
مذ حاز فيه الوزاره
وأنشدني أيضاً لنفسه يتظلَّم من أهل الموصل: [من الطويل]
أيا جيرة الحدباء أهوى لقاكم
…
ولكن جفاكم بيننا شرُّ طائر
أبيع ثيابي عندكم وهي رثَّةٌ
…
ولولا رحيلي عنكم رثَّ خاطري
بياضكم دون السَّواد وكلُّكم
…
بياضٌ ولكن فوق أسود ناظري
وأنشدني لنفسه في الشيطان الشاعر الإربلي، وهو يوسف بن نفيس. وكان يعاشر الأمراء من أهل الموصل فكانوا يبرّونه ويحسنون إليه:[من الكامل]
يا معشر الأمراء إنِّي قائلٌ
…
قولاً يدلُّكم على حرماني
لو لم تكن أموالكم من جذركم
…
ما كان مصرفها إلى الشَّيطان
وقال أيضاً: [من الخفيف]
قد سئمت المقام بين أناسٍ
…
ما أرى دعوتي بهم مستجابة
جمعوا في أسافل وأعال
…
بين لينٍ منهم وبين صلابة
فلهم أوجهٌ تقلُّ سيوف الـ
…
ـهند ممَّا تسقى بماء الجنابة
وقال أيضاً: [من الطويل]
لحا الله قوماً لا تعدُّ ألوفهم
…
إذا عدَّ أهل المكرمات بواحد
لبست محياً من حديد لحاجتي
…
وقلت به ألقاهم في المشاهد
ولم أدر أنَّ القوم من فرط لؤمهم
…
أعدَّوا الرَّدى لي أوجهاً من مبارد
وقال أيضاً: [من الوافر]
وجوهٌ لو تكون دروع حرب
…
لأخطأت المنيَّة لابسيها
دققت وجوههم ستين عامًّا
…
بكوذيني فما أثَّرت فيها
وقوله أيضاً: [من المتقارب]
إذا طلب العين ذو فاقةٍ
…
فلا يتعدَّى عريق الخطيب
ويلقي عصاه على بابه
…
فقد أمن الدَّهر ريب الخطوب
وله من أبيات: [من الخفيف]
كيف لا أشتكي نوائب دهرٍ
…
فاتني فيه جود بدر الدِّين
قد رماني منه بكلِّ خسيسٍ
…
حملته لعينةٌ من لعين
معشرٌ إن حضرتهم سجدوا لي
…
وإذا غبت عنهم لعنوني
إن يموتوا غيظاً عليَّ فبشَّا
…
ر بن بردٍ قد مات بالكوذين
وقال أيضاً: [من الخفيف]
أصبحت تشتكي حليلة بيتي
…
عري جسمي وما به تكسوني
قلت لا تعجبني لئن كان منِّي
…
أي ثوبٍ يبقى مع الكوذين
[978]
يوسف بن عثمان بن سلّار الكرديُّ الهذبانيُّ.
من أهل إربل.
كان متجنداً في خدمة بعض الأمراء الإربليين. وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين وستمائة.
وهو القائل: [من الكامل]
شوقي إليك وإن بعدت كثير
…
وفؤادي المضنى لديك أسير
أنتم لروحي راحةٌ ولمهجتي
…
دون الخلائق فرحةٌ وسرور
كيف التَّخلَّص من هواك فدلَّني
…
لم يبق لي رأيٌ ولا تدبير
[979]
يوسف بن عليِّ بن الحويزائيِّ العود.
يقول: [من الخفيف]
يا عذولي أقصر فشرح حديثي
…
بعدما صدُّ من أحبُّ طويل
إن يكن ظاهري سليماً لمرأى الـ
…
ـعين فالقلب بالصُّدود عليل
قلت للحب والفؤاد على الجمـ
…
ـر وجفني منه الدِّماء تسيل
لا تمل في الهوى عليَّ فقلبي
…
ما أراه إلى سواك يميل
إن تكن واصلي فأنت حبيبي
…
أو تكن هاجري فصبرٌ جميل
إنَّ ما قلَّ منك عندي كثيرٌ
…
.......... قليل
(قال لي والمدام قد أخذت منـ
…
ـه ومالت بغصن بان يميل: )
(قتلتني المدام قلت: بثأري
…
أخذت كلًّ قاتل مقتول)
البيتان الآخران هما للخطيب أبي الفضائل يحيى بن سلامة الحصكفي قد ضمنها المقطوعة.
[980]
يوسف بن عليٍّ، أبو الفضل بن أبي الحسن العميد الكاتب المصريُّ، المعروف بصهر الفقيه يعقوب.
من الشعراء الكتّاب المقتدرين على إنشاء الأشعار والرسائل، وابتداع المعاني في تحرير الألفاظ.
وكان أبسط كتاب زمانه يداً، وأقدرهم على التوسع في صناعة الإنشاء لمنظوم الكلام ومنثوره. وصنّف تصانيف وله رسائل كثيرة مشهورة، وأشعار محكمة فيها التزام.
وكان على عهد السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب- رضي الله عنه.
وتوفي شاباً في سنة ثلاث أو أربع وستمائة.
وصنّف كتاباً للمرتضى بن الجليس بن الجبّاب لما قدم من الشام وسمّاه بـ ((تحفة القادم)).
وحدّثني الصاحب الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الفقيه الحنفي بحلب، قال: كتب أبو الفضل يوسف بن علي المصري بين يدي القاضي المؤتمن علي بن محمد بن كيا سيبويه الكاتب حين اتصل بالسلطان الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف- رحمه الله تعالى- بحلب؛ هذا آخر كلامه.
ومن شعر أبي الفضل يتغزل: [من البسيط]
ودَّعتكم وضلوعي حشوها حرقٌ
…
وبتُّ والجفن مشعوفٌ به الأرق
فلا يميل بقلبي بعدكم فرحٌ
…
ولا يفارقه من بعدكم فرق
لمَّا رحلتم عن الأوطان ودَّعكم
…
قلبٌ به سكن التَّعذيب والقلق
فالوجد متَّفقٌ والصَّبر مفترقٌ
…
والطَّرف مسترقٌ والدَّمع متَّسق
وقال في جمال الملك موسى بن المأمون يمدحه: [من مجزوء الرمل]
كم يد بيضاء عندي
…
لجمال الملك موسى
فجعلت المدح فيه
…
تجتلي منه شموسا
وتفرَّغت لأن أمـ
…
ـلأ بالشُّكر الطُّروسا
لأوفِّي بعض نعما
…
هـ الَّتي تحيي النُّفوسا
دام في سعدٍ وعزٍّ
…
لا يلاقي منه بوسا
وقوله في الشريف قرطم: [من مجزوء الكامل]
يا سادتي هذا الَّذي
…
قد كنت من دهري أخافه
قوموا بنا نبغي ....
…
قرطم طلب الخلافة
وله يمدح المرتضى بن الجليس بن الجبّاب: [من الكامل]
وافى خيالك في الكرى متعرِّضا
…
وأظنُّه مازال إلَّا عن رضا
قصرت لزورته القفار وإنَّما
…
حقٌّ عليها أن تطول وتعرضا
أتراه ما حسب الظَّلام البحر والـ
…
ـزُّهر الحباب ولا السَّماء العرمضا
لم يخش من نظر الغيور ولم يزل
…
يدري بأنَّ جفونه لن تغمضا
هي ليلة رضي الحبيب وزارني
…
فيها وقد كان المصدَّ المعرضا
نزَّهت طرفي في محاسن وجهه
…
في جنَّة والقلب في نار الغضا
فلثمت خدَّاً كالشَّقيق مذهَّباً
…
ورشفت ثغراً كالأقاح مفضَّضا
وجعلت أقطع ليلتي بوصاله
…
حتَّى مضى غسق الدُّجنَّة وانقضى
ونعى الظَّلام الدِّيك لمَّا أن رأى
…
في فرعه سيف الصَّباح المنتضى
وبدت أزاهير الرِّياض كأنَّما
…
أبدت لنا خلق الأجلِّ المرتضى
الألمعيِّ فلا يمارس جامحاً
…
بذكائه إلَّا وأصبح ريِّضا
أغنى بيقظته لكلِّ عظيمةٍ
…
أن يستجاش لها وأن يستنهضا
لله من آل الجليس ماثرٌ
…
بهرت فعزَّت أن تذال وتدحضا
عقدت لهم فوق السِّماك معاقدٌ
…
للمجد ليس بممكن أن ينقضا
هنِّيت ذا الفتح القريب فإنَّه
…
جاءت به خيل البشائر ركضا
أعملت فيه من الدُّعاء لنصرة إلا
…
سلام ما عضد الحسام الأبيضا
ولقد أراد الله نصرة دولةٍ
…
أصبحت فيها للنّضصائح ممحضا
عجزت عن الشُّكر النُّفوس فأصبحت
…
لا تستطيع بشكرها أن تنهضا
جاهدت فيهم بالدَّعاء وإنَّه
…
أمضى سلاح الصَّالحين إذا مضى
لازلت في كسب المعالي ساعياً
…
تسمو إلى رتب العلاء فترتضى
وقال أيضاً يمدحه من رسالة: [من مجزوء الكامل]
أغرى الملامة بالكئيب
…
غصنٌ يميس على كثيب
يزهى بخصرٍ مجدبٍ عالٍ على ردف خصيب
كم أرسلت الحاظه
…
للقلب من سهمٍ مصيب
أجفانه فتكت من الـ
…
ـتَّفتير بالسَّيف القضيب
فتراه ينظر دائباً
…
للخلق من عيني مريب
حاز الكمال فما له
…
بين البريَّة من ضريب
لا أنس لمَّا مرَّ بي
…
مترقِّباً نظر الرَّقيب
مستوحشاً لكنَّ هـ
…
ـذي شيمة الرَّشا الرَّبيب
مالت معاطف قدِّه
…
كتمايل الغصن الرَّطيب
فتساقطت عبرات عيـ
…
ـني إذ رأت شخص الحبيب
فحسبتها تحكي عطا
…
ء المرتضى للمستثيب
ابن الجليس أجلُّ من
…
أضحى نجيباً من نجيب
ندبٌ بغرِّ صفاته
…
يغني القريض عن النَّسيب
فضل البريَّة مثل ما
…
فضل الشَّباب على اللمشيب
يا من به لبس الزَّما
…
ن نضارة البرد القشيب
اسمع نداء العبد إذ
…
نادى عطاءك من قريب
الدَّهر عندك دأبه
…
أن لا يرق على أديب
يشني اللَّبيب لأنَّ من
…
عاداته خفض اللَّبيب
أهدى إليك العبد شعـ
…
ـراً راق باللَّفظ العجيب
هجر الغريب من اللُّغا
…
ت فجاء بالمعنى الغريب
فالبحتري ممثَّلٌ
…
فيه يعيب على حبيب
وقوله من صدر كتاب منثور: [من الطويل]
سلامٌ على ذاك الجناب الَّذي به
…
بلغت الأماني وادَّخرت المحامدا
وسقياً لدارٍ كنت في عرصاتها
…
أسرُّ الموالي أو أسر المعاندا
[981]
يوسف بن عبد العزيز بن إبراهيم بن شداد بن سرورٍ، أبو المحاسن الهمدانيُّ المعروف بابن المرصَّص.
من أهل الديار المصرية.
لقيته بحلب بمدرسة شاذبخت النوري. وكان نازلاً بها في شعبان سنة أربع وثلاثين وستمائة.
وكان شاعراً متأدباً منتجعاً بأشعاره، وعنده طرف صالح من علم العربية، ويقول شعراً حسناً، ويمدح جيداً، وعرض له مرض ولازمه مدّة، وانقطع في منزله ومات به. وبقي ثلاثة أيام لم يدفن وذلك في العشر الوسطى من جمادى الأولى سنة ثمانٍ وثلاثين وستمائة.
ومن شعره الذي أملاه عليّ من لفظه ابتداء قصيدةٍ امتدح بها بعض الأكابر: [من الخفيف]
أنا مالي وللظباء العين
…
خذلتني وليس لي من معين
كلَّما رمت سلوةً هاج وجدي
…
.... شعرٍ على صباح جبين
يا رشيق القوام حلو التثنِّي
…
جامعاً لي بين المنى والمنون
أنت لي جنَّةٌ فما بال قلبي
…
من تجنِّيك في العذاب المهين
لي دينٌ عليك بالوصل ولكن
…
رحت منه بذَّلة المديون
بأبي أنت من غزال ربيب
…
هام قلبي به وجنَّ جنوني
سحرتني جفونه بفتور
…
كيف صار الفتور سحر الجفون
ما لدرِّ الكلارم منه شبيهٌ
…
غير درٍّ بثغره مكنون
عذلوني وما رأوه فلمَّا
…
أبصروا حسن وجهه عذروني
قل لبدر السَّماء لا يتصدَّى
…
لي فما البدر بعده من زبون
ولغصن الأراك لا يتثنى
…
فضح الشَّكَّ منه علم اليقين
إن تجلَّى يا خجلة البدر في الأفـ
…
ـق وإن ماس يا حياء الغصون
سنَّ وجدي من طرَّة منه سودا
…
ء ومن حاجب بسينٍ ونون
أنا في مذهب الغرام إمامٌ
…
فسلوني من قبل أن تفقدوني
في هوى الغانيات قد شاب فودي
…
علقت في هوى الحسان رهوني
غادرتني ما بين دمعٍ طليقٍ
…
وفؤاد مكبَّل مسجون
بقدود من قضب نعمان لكن
…
مسن فوق الكثبان من يبرين
وعيون سود هي البيض فعلاً
…
إنَّ بيض القلوب سود العيون
أغمدت في الجفون فهي مواضٍ
…
والمواضي مغمودةٌ في الجفون
غزلي لا يزال وقفاً عليه
…
كثنائي على فلان الدّين
وقال أيضاً من قصيدة أولها: [من الخفيف]
قم بنا قم لكأس الرَّاح
…
نجتليها من قبل ضوء الصَّباح
أصلني نارها فمن صدَّ عنها
…
يا نديمي فليس لي من براح
تتلالا نوراً وأين سناها
…
في دجى الليل من سنى المصباح
قبل غرس الكروم قد عتِّقت من
…
قبل خلق الأرواح والأشباح
هي أمُّ الحياة بنت المسرَّا
…
ت غذاء الأجسام والأرواح
تطرد الهم عنك لو أنصفوها
…
لقَّبوها مغناطس الأفراح
كلُّ باب من السُّرور إذا أغلـ
…
ـق جاءت إليه بالمفتاح
فات حاناتها فما أذنَّ المز
…
مار إلَّا دعاك داعي الفلاح
واصطبحها بين الملاح فما العيـ
…
ـش سوى الإصطباح بين الملاح
إن يكن شربها افتضاحاً وهتكاً
…
ربِّ زد في تهتُّكي وافتضاحي
وقال من قصيدة أولها: [من الخفيف]
ذلُّ أهل الهوى هو العزُّ حقا
…
ولعمري قد عاش من مات عشقا
إرض ذلَّ الحبيب إن رمت عزّاً
…
وأفن فيمن تختار إن شئت تبقى
يا عزائي تعال أهلاً وسهلاً
…
يا سلوِّي إليك بعداً وسحقاً
قل لمن لام طائعاً في سلوِّي
…
إنَّما رمت أن تشاهد عنقا
أحمق النَّاس من يلوم محباًّ
…
مغرماً والرَّقيب أكثر حمقا
رقَّ قول العذول إذ كان زوراً
…
فاقطعوا ذا الحديث من حيث رقَّا
وقال أيضاً من قصيدة أخرى: [من المنسرح]
واهاً لقدٍّ كأنَّه ثملٍ
…
ومقلة بالفتور تكتحل
ووجنةٍ ما تزال داميةً
…
يجرحها من لحاظها الخجل
وورد خدٍّ أخاف تذبله
…
منِّي إذا رمت لثمه القبل
وريقة أسكرت حلاوتها
…
كأنَّما شاب خمرها العسل
وبي غزالٌ لولا لواحظه
…
ما كان يصبي فؤادي الغزل
لا يعرف الكحل جفن مقلته
…
أغناه عن زور كحله الكحل
أعجب ما فيه ماء وجنته
…
لمارج النَّار كيف تشتعل
وكيف يرمي عن قوس حاجبه
…
بسهم لحظ وليس ينفصل
يزينه حسنه بغير حلىً
…
فأعجب لحالٍ يزينه العطل
نشيط عطف وجفن مقلته
…
يخلق منه الفتور والكسل
أصبحت بالغصن والنَّقا كلفاً
…
وذاك منه القوام والكفل
يا من له مقلةٌ لواحظها
…
يخجل من حسن رميها ثعل
صن لحظ عينيك عن فؤاد فتى
…
جراحها فيه ليس يندمل
والله ما المرهفات فاعلةً
…
وهي المواضي ما تفعل المقل
[982]
يوسف بن عيسى بن الحسن بن أبي طالب بن صقرٍ، أبو العزِّ الحلبيُّ.
من بيتٍ مذكورٍ.
بها كانت ولادته في إحدى الجماديين سنة ثلاثٍ وستمائة.
شاب قصير ذو حدبتين في صدره وظهره.
قرأ شيئاً من علم العربية وتأدّب، وله فهم ودراية، ويقول أشعاراً ما بها بأسٌ.
أنشدني من شعره يمدح: [من الخفيف]
بين بان اللِّوى فرند السَّدير
…
غرَّ قلبي طرف الغزال الغرير
أسرته ألحاظ غيد لها في
…
قنص الأسد أحبلٌ من فتور
فغدا موثقاً غداةً منادي الـ
…
ـحيِّ نادى ناديهم بالنُّفور
هل مجيرٌ من جور أعين عينٍ
…
فاتكات في الأسد بين الخدور
خفرات كواعب إن تجلَّت
…
في الدُّجى أخجلت وجوه البدور
كشموس على الغصون على الكـ
…
ـثبان بيض الوجوه سود الشُّعور
ينفح المسك والعبير إذا ما
…
خطرت من عقودها والنُّحور
وثقيل الأرداف عند التَّثنِّي
…
يتعدَّى على رشاق الخصور
آنسات نوافرٍ كم قتيلٍ
…
هدر بين أنسها والنُّفور
ورداحٍ كأنَّ بهجتها شمـ
…
ـس نهارٍ على قضيبٍ نضير
خود خدرٍ لمياء قال لها الحسـ
…
ـن على العاشقين في الحبِّ جوري
نرجس الطَّرف نار وجدي فقد خـ
…
ـدَّ فؤادي في الخدِّ وردٌ جوري
صادت القلب ثمَّ صدَّت فما أمَّـ
…
ـل منها سوى الخيال الزُّور
يا زمان الصِّبا سقيت ملثّاً
…
مستهلاً من كلِّ جون مطير
مرزماً مثل جود كفِّ شهاب الـ
…
ـدِّين ربِّ المكارم ابن الوزير
جود يحيى الرَّئيس أكرم خلق اللـ
…
ـه ذي البرِّ والنَّدى المأثور
الجواد الَّذي إذا أمَّه القا
…
صد أغناه بالنَّوال الغزير
طالب الرِّفد لذ بربع شهاب الدِّ
…
ين وأنزل ببابه المعمور
تحو أسنى الغنى وتحظ من الصَّا
…
حب صدر الشَّام بالتَّكثير
فهو يلقى قصَّاده باسم الثَّغـ
…
ـر بوجه كبدر تمٍّ منير
يرجع القاصد المؤمِّل من جـ
…
ـود يديه بكلِّ خيرٍ وخير
ربعه مخصب المزاد قراه
…
وجمال أمام وردٍ نمير
كلُّ نادٍ لعرف معروفه عطـ
…
ـريُّ ذكر به كنشر العبير
قد أجدت المديح فيه لعلمي
…
أنَّه بالمديح أيُّ جدير
أفوح العرف ساكب العرف بدر
…
يُّ المحيَّا جذلان عفُّ الضَّمير
إن دعوه بحراً فما أنصفوه
…
إذ له أنملٌ شبيه البحور
كلُّ فضلٍ مكمَّلٌ في شهاب الدِّ
…
ين من ربِّه اللَّطيف الخبير
حاتمٌ في السَّخاء أحنف في الحلـ
…
ـم وقيسٌ في الرَّأي والتَّدبير
المجير الجار النَّزيل من الخطـ
…
ـب همامٌ شهمٌ وأيُّ مجير
هو عيدٌ لكلِّ عيد أهنِّي الـ
…
ـعيد حقّاً به هناء السُّرور
دام في العزِّ والسَّعادة ما هـ
…
ـبَّ نسيم العشيِّ ثمَّ البكور
[983]
يوسف بن غريب بن أبي عليٍّ، أبو الحجاج الحواريُّ.
من أهل إربل.
أخبرني الصاحب الوزير العالم أبو البركات المستوفي- رضي الله عنه وقال: كان يوسف بن غريب رجلاً خرّاطاً، وترك ذلك وجعل يستجدي الناس بالشعر. وكان يلحن في أثناء أبياته، ويأتي بأبياتٍ ساقطةٍ وأخرى لا بأس بها.
ثم قال: ومن شعره، وأنشدنيه:[من الطويل]
بنفسي لييلاتٌ مضين وكان لي
…
نديماً بها شادٍ أغنّ ربيب
تدير عليَّ الرَّاح كلَّما
…
تروَّق راووقٌ وراق طروب
وأنشدني، قال: أنشدني يوسف بن غريب لنفسه من قصيدة: [من الطويل]
وما روضةٌ مجَّاجة الغيث راضها
…
صباها ووفد الرِّيح يعسفها عسفا
بأطيب ذكراً منه في النَّاس كلَّما
…
تحدَّث صنفٌ عنه زادهم وصفا
سجاياه بذل الجود فيهم وإنَّه
…
لأرحبها باعاً وأسمحها كفَّا
ومنها:
فما شامت أيامي البأس أن لوى
…
إليَّ عناناً من مكارمه عطفا
ولا انتاش عن عودي النَّضير لبأسه
…
ومنزلتي أضحت بمنزله زلفى
خلائقه كالماء رقَّت جنوبه
…
لأشوقها قلباً وأذرفها طرفا
قال الصاحب الوزير أبو البركات- رضي الله عنه: وأكثر شعره رديء لا معنى له؛ وإنما ذكرت ذلك لتعلم أنَّ ملاك الأمر في تأليف الشعر الطبع.
قال: وعبثت به يوماً، وقلت له: ما أظنّ هذا شعرك فحلف إنَّه له ولا حاجة إلى يمينه، فقال: اقترح عليّ وزناً أعمل فيه وأنت تشاهدني، فقلت له: قول ابن الفضل البغدادي:
طلَّقت تجلُّدي ثلاثاً
…
والصَّبوة بعد في حبالي
فأخذ ورقة وفكر يسيراً وكتب:
أبكي أسفاً بدمع عينٍ
…
قد أخبر عنكم بحالي
أبقى جلدي وريح صبري
…
ما نسم نشرها ببالي
قال: وكان على غاية ما يمكن أن يكون عليه إنسان من الفقر، رثّ الثياب، باذَّ الهيأة.
[984]
يوسف بن فضل الله بن يحيى، أبو الحجّاج وأبو المظفر السكاكينيُّ.
من أهل حرَّان.
ذكره محاسن بن سلامة الحرّاني في تاريخه، وقال: كانت وفاة يوسف السكاكيني بحرّان ثامن عشر المحرّم سنة أربع وعشرين وستمائة، ودفن في منزله. ووقف داره في محلة الجلاعطة داراً للحديث، ووقف كتبه عليها.
وكان يعرف شيئاً من النحو واللغة والفقه والفرائض والقراءات وعلم التجويد والتصريف ويشعر، ويقرئ النحو. وقرأ عليه جماعة من أهل حرّان وغيرها النحو والتجويد والوقف والابتداء.
واجتمع ببغداد بأبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري النحوي، وقرأ عليه شيئاً من النحو والعربية.
وكان يعمل السكاكين والمغازل وغيرها بيده، ويأكل منها، وحجّ إلى بيت الله الحرام. وكان رجلاً عاقلاً يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وجوّد القرآن على الشيخ أبي بكر عبد الله بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن حبّان الحراني الإمام المقرئ، وسمع عليه تجويد الشيخ أبي الكرم فتيان بن ميّاح بن أحمد بن سليمان الحرّاني.
وكان شيخه في التصوف الشيخ أبو محمد عبد الله بن سليمان بن يحيى بن حسان صاحب الشيخ عتيق بن علي- رحمه الله تعالى- وسمع الحديث الكثير بدمشق وبغداد وحرّان. وبنى المسجد الذي كان يعرف به عند داره، واشترى له ملكاً، وأراد أن يزيد فيه فأدركه الموت ولم يشتر بماله ولكن بجاهه ووساطته، فكان يقرئ قوماً من أولاد الأمراء. وسمع فيما سمع بحرّان على أبي الثناء حماد بن هبة الله الحرّاني، والحافظ أبي محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي، وأبي زكريا يحيى بن أبي الفتح بن عمر الطباخ.
وانتقل أبو محمد عبد القادر بن عبد الله إلى جوار يوسف السكاكيني، وبنى إلى جانب مسجده داراً وسكنها حتى مات. وكان يسمع الناس في المسجد الذي يصلي فيه يوسف.
ثم أورد له قصيدةً طويلة لامية عدد أبياتها مائتان وأربعة عشر بيتاً يرثي بها الشيخ الفقيه الإمام الموفق أبا محمد عبد الله بن قدامة المقدسي- رحمة الله عليه- شيخ الحنابلة في وقته بدمشق، ذكر فيها معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر فيها فضائل الشيخ الموفق المقدسي، وبعث بها إلى دمشق إلى الفقيه عبد الوهاب بن زاكي بن جميع الحرّاني- رحمهما الله تعالى- هذا آخر كلام محاسن.
أنشدني الشيخ المفيد أبو حفص عمر بن مكيّ بن سرجا بن محمد المقري القلانسي الحلبي بها يوم الجمعة العشرين من المحرم سنة ثمان وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني الشيخ الصالح أبو المظفر يوسف بن فضل الله بن يحيى الحراني- رحمه الله تعالى- لنفسه في صفر من سنة إحدى وعشرين وستمائة بحرّان هذه القصيدة في الزهد ويمدح النبي صلى الله عليه وسلم: [من الوافر]
أفق يا ذا النُّهى وابغ الوفاقا
…
فقد والله أفلح من أفاقا
ونفسك أيُّها المغرور صنها
…
عن الدُّنيا وبتَّ لها طلاقا
ولا تركن إليها فهي سجنٌ
…
سفيهٌ من رجا منها إباقا
ولا تفرح بزخرفها فإنِّي
…
رأيت تمام ما تعطي محاقا
ولكن من تلفَّع ثوب زهد
…
يفكُّ بزهده عنها الوثاقا
إذا ما ساعةٌ للحشر قامت
…
ولم تر عند صيحتها فواقا
وبرِّزت الجحيم لها زفيرٌ
…
وحلَّ عذابها بهم وحاقا
وتنضب للعصاة وقد أتوها
…
وما وافوا بصالحةٍ وهاقا
فكن حذراً وقيت حلول دارٍ
…
يكون شراب ساكنها غساقا
وجاهد كي تصير إلى نعيمٍ
…
مقيمٍ لا تخاف له فراقا
بدارٍ شرب ساكنها رحيقٌ
…
يعاطي الكأس مشرعةً دهاقا
من التَّنسيم والولدان يسعى
…
بها أبداً صبوحاً واغتباقا
وعندهم حسانٌ قاصراتٌ
…
صفا ودُّ الحسان لهم وراقا
وأنهارٌ بها عسلٌ مصفَّى
…
ومن لبن زها الرَّائي وشاقا
ومن خمرٍ تلذَّ لشاربيها
…
ولا تغتال عقلاً إذ تساقى
وماءٌ لا يرى فيه أجونٌ
…
إذا ما استافه السَّاقي وذاقا
وأفنان القطوف بها روان
…
وتعتنق الغصون بها اعتناقا
وفيها ما تشهَّى النَّفس حتماً
…
لمن لم ينو في الدُّنيا نفاقا
ولم ينو الخطايا مستحلاً
…
ولا دانى فواحشها شقاقا
وأعظم منَّة لله فيها
…
على العبد التَّحيَّة حين لاقى
سلامٌ يا عبادي نلتموه
…
جزاءً من مليككم وفاقا
فخرُّوا ثمَّ كاد العقل منهم
…
وقد لاقوه ينطلق انطلاقا
وكيف القلب لا ينشقُّ منِّي
…
على هذا بغصَّته انشقاقا
وحول القوم أشجارٌ وروضٌ
…
من المرجان تصطفق اصطفاقا
وحورٌ من بطون الغيب تبدو
…
فتعتلق النُّفوس بها اعتلاقا
يلاعب بعضهم بعضاً سروراً
…
بودٍّ ما أتوا فيه مذاقا
فمن رام الخلود بدار عدنٍ
…
يشمِّر في تطلُّب ذاك ساقا
ويلزم نفسه سهر اللَّيالي
…
ويكلف في العبادة ما أطاقا
فلا والله ما نال المعالي
…
أخو دعةٍ يمدُّ له رواقا
وينشد مستظلاً في فناه
…
(أيدري الربع أيَّ دم أراقا)
بلى والله من جدَّ اجتهاداً
…
وسابق في رضا المولى سباقا
وحجَّ البيت عاماً بعد عامٍ
…
وأعمل نحوه عنساً دفاقا
ول يركن إلى الدُّنيا غروراً
…
وقطع من علائقها الرِّباقا
ولا يلوي على أهلٍ ومالٍ
…
وحنَّ إلى فراقهما وتاقا
فطوراً يقطع البيداء شاماً
…
وطوراً سالكاً فيها عراقا
وفارق زهرة الدُّنيا مطيعاً
…
وأقبل نحو أخراه اشتياقا
وعانى من أليم الشَّوق وجداً
…
وكابد من تلهُّبه احتراقا
ورافق من يرافقه برفقٍ
…
ولا يشكو إلى أحدٍ رفاقا
جديرٌ أن يصير إلى سرورٍ
…
يلذُّ به ويرتفق ارتفاقا
فيا طوبى لمن أصغى لو عظي
…
وزايل غيَّه ثمَّ استفاقا
فأسأل من دحا الأرضين بسطاً
…
وظلَّل فوقها سبعاً طباقا
ينضُّ سحائب البركات تترى
…
على المختار تنبعق انبعاقا
وتشمل من تولَّاه بصدقٍ
…
وجانب ما يخالفه وتاقا
ولست أمتُّ يا مولى الموالي
…
إليك بغير من ركب البراقا
ومن جاء البعير إليه يشكو
…
فنفَّس عنه من كربٍ خناقا
وحنَّ الجذع من شوقٍ إليه
…
فأشبه في تحنُّنه النِّياقا
ونطق الذِّئب أعجب كلِّ شيء
…
وقد لاقاه في القفر اتفاقا
وفجِّر من أنامله معين
…
بمرأى الصَّحب يندفق اندفاقا
فأروى الجيش ماءً وستقلُّوا
…
وقلُّوا منه .... فهاقا
كذاك الزَّاد أشبع منه خلقاً
…
وقدجاءوا وما ذاقوا لماقا
كذاك البدر لمَّا أن دعاه
…
أطاع الله وانعقَّ انعقاقا
وهذي آيةٌ كأخيه موسى
…
سطا بالبحر فانفلق انفلاقا
وعند ولاده صارت رجوماً
…
نجومٌ تمنع الجنَّ استراقا
ونيران المجوس خمدن لمَّا
…
رأين لنور طلعته ائتلافا
ونهر الفرس غاض فاض يبساً
…
وعاد قراره يبدو براقا
وأوثان البسيطة حين وافى
…
رجعن لخوفه رتماً دقاقا
ولو أجريت في هذا عناني
…
ثناني العجز يا أملي وعاقا
فخذ منِّي اليسير وكن عذيري
…
وعد عمَّن حدا بهم وساقا
وصلِّ على النَّبيِّ وصاحبيه
…
ولا تعبأ بمن ركب الشِّقاقا
وقال أيضاً يرثي الشيخ الموفق أبا محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الفقيه الحنبلي- رحمه الله تعالى- من قصيدة طويلة أولها: [من الرجز]
الحمد لله القديم الأوَّل
…
ما أطَّ رحل مسافرٍ متحمِّل
يقرو إلى أمِّ القرى سنن القرى
…
سنَّ القرى بتواضعٍ وتذلتل
هجر الأحبَّة باذلاً ما يحتوي
…
من نفسه وخلاقه المتأثِّل
يرجو من الرَّحمان غفر ذنوبه
…
في ما نواه وهو خير مؤمَّل
وأقول بعد لمن تكاثف همَّه
…
سلِّ الهموم مبادراً أو تعجَّل
وتزوَّد الخيرات محتقباً لها
…
فالخير أحمد زاد سارٍ مزمل
وتجاف عن رأي المفنِّد حارساً
…
سبل المسامع عن ملام العذَّل
وإذا أراد الله رفعة عبده
…
ألقى إليه طلاب أرفع منزل
فأطلب ولست بواجدٍ ما لم يكن
…
سبق القضاء بما تروم فأمهل
وانظر لنفسك ليس غيرك ناظراً
…
من غير جنسك في صلاحك فأعقل
وأقبل على جمع العلوم وقم بها
…
عملاً يخيِّب سعي من لم يعمل
وهي قصيدة طويلة.
[985]
يوسف بن محمَّد، أبو الحجاج الأنصاريُّ المنصفيُّ.
- والمنصف قريةٌ من قرى بلنسية- الشيخ الزاهد الصالح.
كان من عباد الله الصالحين، وأوليائه المتقين، حافظاً للقرآن العزيز، فقيهاً عالماً نبيهاً شاعراً بارعاً مفلقاً، جليل القدر ببلده مبرّزاً في علم الأدب والعربية.
ونظم وأفرد من شعره مجلدة في الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب- صلوات الله عليهما- تشتمل على مراثيه.
واستشهد بسبتة بعد صلاة الصبح بداره وذلك في سنة ثمان وستمائة- رحمة الله عليه-.
أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد بن علي بن عبد الواحد الأوسي السبتي- من لفظه وحفظه- بحلب، قال أنشدني الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد المنصفيُّ الأنصاري، قال: أنشدني والدي الإمام الزاهد أبو الحجاج يوسف بن محمد لنفسه: [من الرمل]
بين جرعاء اللِّوى والأثلات
…
مربعٌ للحظِّ فيه فتكات
لبني عذرة دارٌ لم يزل
…
بالعيون الدُّعج محميَّ الجهات
الظُّبا السُّمر به سمر القنا
…
والمها البيض به بيض الظُّبات
أيُّها الآمل نجداً دونه
…
مسلكٌ أبعد ما فيه النَّجاة
لا تشم بارقهم ملتفتاً
…
ربُّ جدٍّ بين هزلٍ والتفات
برق ثغرٍ خلَّبٌ تحسَّبه
…
كم سقى الدَّمع به من وجنات
لا وركبٍ نزلوا أمَّ القرى
…
وأحلُّوا المشعرين اليعملات
واستقلوا بالهدايا كرةً
…
عرفت عرف شذاها عرفات
لا أطيع الحبَّ جهلاً بعدما
…
غيَّرتني بالمشيب الخفرات
يا حماماً بالحمى أرَّقه
…
فقد زغبٍ بالفلا مرتهنات
ذات جيدٍ إن بدا تحسبه
…
قزحاً إثر سحاب هاطلات
لم تزل ترسل ما تكرعه
…
من سقاءٍ أوكأته اللَّهوات
واستدارت والهوى يقتادها
…
أغلب الشَّوق اشتياق الأمَّهات
بان مرتاداً لها في مرقبٍ
…
ولأفراخ القطا منها بيات
وارتوت من دمها مقصعةً
…
يا لأفراخ عليها ثاكلات
أنا أولى منك بالحزن على
…
فقد أيَّام الشَّباب السَّالفات
أعد السَّجع فإنّي دنفٌ
…
وأعر سمعي تلك النَّغمات
إن يكن شجوك من فقدٍ لها
…
فكذا الدُّهر اجتماعٌ وشتات
منصفيٌّ تدعي الزُّهد وقد
…
علقت منك أكفُّ الشَّهوات
وبفوديك مشيبٌ ناصعٌ
…
لك فيه لو تذكَّرت عظات
أسأل الله إليه توبةً
…
قابل التَّوب مجيب الدَّعوات
وعلى المختار من صفوته
…
أحمد الطَّاهر أزكى الصَّلوات
[986]
يوسف بن محمَّد بن محمود بن عبيد الله بن محمَّد بن يوسف بن الملثَّم.
كان شاباً ذكياً متوقداً له خطّ حسن، وترسل قريب، وشعر مطبوع. وكان بذيء اللسان خبيثه، كثير الهجو، أفحش شعراء زمانه هجواً. وكانت له اليد البيضاء في الهجاء نظماً ونثراً. وكانت فيه قحة وقلّة حياء.
هجا الناس ونفسه وأباه وإخوته وأقاربه. وكان أبوه من بلاد المغرب تولّى قضاء طبريّة من بلاد الشام مدّة.
ومولد يوسف بدمشق، ونشأ بسميساط وبها توفي في حدود سنة ستٍّ وعشرين وستمائة. ولم يكن عمره غير خمس وعشرين سنة لا مزيد على ذلك؛ وله
ديوان شعر مجموع.
أنشدني المولى الأمير الكبير العالم صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن موسى بن يوسف بن أيوب بن شاذي بحلب المحروسة بمنزلة المعمود- أدام الله أيامه- قال: أنشدني يوسف بن محمد بن الملثم لنفسه يهجو قبيلته الملثمة ببلاد المغرب:
[من البسيط]
قالوا: جدودك أقيال ملثَّمةٌ
…
لا تهجهم قلت: هجوي مدحةٌ لهم
كانوا يناكون مرداً فالتحوا فخشوا
…
أن يكره الشَّعر العشَّاق فالتثموا
ومن شعره ما كتبه إلى صديق له يقال له: أبو علي بن عبد الرحمن بن إبراهيم العطار. وكان مقيماً بالبيرة في خدمة الملك الزاهر داود بن يوسف بن أيوب متصرفاً في اليهود. وكان يوسف بن الملثم يتردَّد من سميساط إلى البيرة، وينزل في دار صديقه أبي علي بن العطّار فأتى مرة، فلم يجد أبا علي حاضراً فنزل على عادته وسأل عنه، فقال له بعض أقاربه: إنَّه قد عرض له حمّى وقد خرج إلى ظاهر البلد إلى بستانٍ له، فكتب إليه يقول:[من البسيط]
لا تحسب القلب من شوقي إليك خلي
…
أبا عليٍّ معاذ الله لا وعلي
وأنت تعلم ما عندي إليك كما
…
قلبي عليمٌ بما قد كان عندك لي
وقيل شكواك من حمًّى وما فهموا
…
هذا حرارة فكر منك مشتعل
ولا ترى بعد هذا البؤس ثانيةً
…
وربما صحَّت الأجساد بالعلل
وكتب إليه مرّةً ثانية وقد أتى على عادته ولم يجده في الدار. وكان في ظاهر البلد في البستان. وكانت عادته إذا جاء من سميساط يقيم أيّاماً كثيرةً، ولا شكّ أنه اجتاز تلك المرّة مستعجلاً، فقال:[من مجزوء الكامل]
شوقي إليك أبا علي
…
تفصيله لم يجمل
ما هكذا عوَّدتَّني
…
من منَّة وتفضُّل
أيجوز أن أمضي ولم
…
تطرق برجلك منزلي
حاشاك أن تهمل مودَّ
…
ة صاحبٍ لك أوَّل
وله وقد عمل في الملك الزاهر قصيدة مدح، وأنشده إياها وكان من عادته
/251 أ/أن يرسم له بخلعةٍ ونفقة، فأرسل له على يد صاحبه أبي علي بن العطار نفقة بغير خلعة؛ فلما أتاه بها، قال: يا صاحبي لو أنها ألف دينار ما ظهرت علي بغير خلعة فارددها، وأتني بخلعة بغير نفقة، فقال له: اعمل شيئاً يكون معي مفتاح الكلام في ذلك، فقال ارتجالاً:[من السريع]
يا ملك العالم يا من سما
…
فخاره أصلاً وذرِّيَّه
لبسي لتشريفك في عودتي
…
أحبُّ لي من ألف مصريَّه
فلما وصلها المذكور إلى الملك الزاهر وأنشده البيتين أمر له بخلعةٍ سنية مع النفقة.
وقال يهجو العماد بن النوري قاضي إلبيرة. وكان المذكور أوقاته عند الملك الزاهر فحضر شكوى من نفرين أحدهما سارق، والآخر زانٍ فتوسط القاضي للواني بالحصب وللسارق بالقتل:[من السريع]
قل لعماد الدِّين يا قاضياً
…
يحكم في البيرة بالطَّبع
يحم للسارق من علمه
…
بالحصب والزَّاني بالقطع
مذهب ابن إدريس قد أصبحت
…
أركانه هادمة الربع
لو أنَّ للمذهب عيناً بكت
…
على الَّذي قد تمَّ بالشَّرع
[987]
يوسف بن محمَّد بن عليِّ بن هبة الله، أبو المظفر البغداديُّ المعروف بابن الزجّاج.
من أهل بغداد من باب البصرة.
ذكر لي أنَّه حفظ القرآن العزيز، وقرأه للسبعة والعشرة، وتأدّب وحضر مجالس أهل العلم والأدب، وقال شعراً رقيقاً عذباً، أودعه نكتاً لطيفة.
شاهدته بالموصل وسألته عن مولده، فقال لي: الآن خمس وخمسون سنة. وكان سؤالي في شهر رجب سنة إحدى وثلاثين وستمائة.
وكان رجلاً خفيف الروح، مطبوع المجون، طيب المزاج.
أنشدني لنفسه إملاءً من لفظه وحفظه: [من الخفيف]
لذَّة الحبِّ أن ترى السِّرَّ جهرا
…
أو ترى الهتك فيه صوناً وسترا
أين برهانك الصَّحيح إذا ما
…
خفت زيداً فيه وراقبت عمرا
خلِّ قول النَّصيح واعص اللَّواحي
…
واهجر العذل والعواذل هجرا
وأسدد السَّمع عن سماع ملامٍ
…
فأخو اللُّبِّ بالمداراة أدرى
أيُّ عارٍ وأيُّ عتبٍ على ذي
…
كلفٍ وامقٍ تعشَّق بدرا
رشا فرعه الأثيث فحظِّي
…
من بني الدَّهر كلَّما رمت امرا
فوق صلت يسمو الغزالة حسناً
…
ويفوق النِّبراس نوراً وقدرا
حجبت حاجباه نومي وصبري
…
بلحاظٍ تهدي لهاروت سحرا
وأقرَّت وجناته بدم الصَّـ
…
ـبِّ فلم ذا عيناه تجحد نكرا
كتب الحسن: لا مليح سواه
…
بفصيح اللُّغات في الخدِّ سطرا
واغتدى يوسفٌ مطيعاً مقرّاً
…
أنَّه منه بالملاحة أحرى
وأقام العذار عذري عليه
…
عند من لامني فأمسك قسرا
بأبي مبسماً بروداً شتيتاً
…
ورضاباً أذكى من المسك نشرا
وقواماً كالسَّمهريِّ إذا ما
…
س دلالاً يكاد ينقدُّ هصرا
وضعيفاً من خصره سلَّ صبري
…
عن هواه إن كنت أزمعت صبرا
ولردف يحكي همومي وساقٍ
…
ساق أهل الغرام للحتف قهرا
أسمرٌ لو يشاء عند سطاه
…
ملأ الخافقين بيضاً وسمرا
لست أنساه حين بات سميري
…
وعيون الوشاة ترمق شزرا
بهواه سليم .... أضحى
…
دون خلق الإله في النَّاس مغرى
فهو في حبِّه وحيدٌ وفي السَّبـ
…
ـق إلى المكرمات مازال وترا
وأنشدني لنفسه يهجو: [من الكامل]
بكت العيون وكيف لا تبكي على
…
دبر أصيب من الزَّمان بهونه
وازاده ضعةً برفعة تاجه
…
وحقارةً بجماله وأمينه
فلينذر الزَّمن المحبَّب نفسه
…
ويسيء فيه الحرُّ ظنونه
وأنشدني لنفسه أيضاً يهجو عوّاداً: [من الخفيف]
عود عبد العزيز يشكو إلى اللـ
…
ـه إذا سار في مثانيه شدُّ
ربِّ ماذا جنيت حتَّى أكافا
…
بعذاب ما كان لي منه بدُّ
إنَّ عبد العزيز أثقل من رضـ
…
ـوى وأدهى من وقعه وأشدُّ
وأنشدني أيضاً قوله في إنسان رمدت عينه: [من البسيط]
قالوا: اشتكت عين شمس الدِّين قلت لهم
…
حاشا لها وعيون الخلق تفديها
وقلَّ ذاك لها بين الأنام فدىً
…
لكنَّ ذا العرش يكلاها ويشفيها
عينٌ من الغضِّ جفناها وناظرها
…
من الحيا ومن التَّقوى مآقيها
فكيف يدنو إليها ما يضرُّ بها
…
أم كيف يقر بها داءٌ فيؤذيها
لكنَّها نظرت وجه الحبيب وقد
…
زاد احمراراً فأعدى ما رأت فيها
وأنشدني لنفسه فيمن مطله بوعد: [من الخفيف]
من يرجِّي إليك إنجاز وعدٍ
…
حسبه أن يعيش بالآمال
وتريه أطماعه والأماني
…
أيَّما زخرفٍ وأيَّ ضلال
كيف يعطي عمراً كنوحٍ وصبراً
…
مثل أيُّوب أو كنوزاً بمال
ولعمري أن ينفد الكلُّ والوعـ
…
ـد فباقٍ على ممرِّ اللَّيالي
جلَّ وعدٌ لا ينقضي أبد الدَّهـ
…
ـر وسبحانه بغير زوال
وأنشدني أيضاً من شعره: [من البسيط]
ما عاقب الله عاداً والَّذين طغوا
…
من قوم لوط ولا النَّمرود حين عصى
بما ابتلى العود من عبد العزيز فما
…
عساه أجرم حتَّى جرِّع الغصصا
وأنشدني لنفسه: [من الكامل]
قال العذول تسلَّ عنه وخلِّه
…
فأجبته إنَّ السُّلوَّ بعيد
لأعذر في ولهي عليه وقد بدا
…
في سالفيه عذاره الممدود
[988]
يوسف بن محمَّد بن عليِّ بن شفاعة بن الحسين، أبو العزِّ الموصليُّ.
شاب قصير أسمر خفيف اللحية، ينجّم ويبيع الشربات ويعقد الحلق على الطريق؛ وهو ذو لسان ذرب، وجرأةٍ في الكلام، ومع ذلك هو من أطبع الناس ألفاظاً، وأطيبهم فكاهةً، وأحسنهم مزاحاً، يحفظ صدراً وافراً من الأشعار المستطرفة والحكايات النادرة، واعتنى بقول الشعر، فنظم منه مقطعات صالحة، تتضمَّن أغراضاً حسنة.
ومما أنشدني لنفسه بالموصل: [من الكامل]
مولاي مسألةٌ هلمَّ جوابها
…
يا قدَّ غصنٍ يا لحاظ الربرب
ما بال ثغرك وهو أنفس لؤلؤٍ
…
وأراه حلَّ بريقك المستعذب
أتراه صار كماء خدِّك إذ غدا
…
متحيِّراً فوق السَّعير الملهب
وتقدَّح الرَّيحان في جنباته
…
فلذاك زاد تحيُّري وتعجُّبي
وأنشدني أيضاً لنفسه: [من مخلّع البسيط]
لو قال لي خالقي تمنَّى
…
لقلت قول امرئٍ محقِّ:
أريد في صبح كلِّ يومٍ
…
تجعل يا ربِّ كلَّ رزقي
كوز مدامٍ ورطل لحمٍ
…
ومنَّ خبزٍ وجذر علق
وصاحباً لا يذيع سري
…
يصحبني مخلصاً بصدق
حتَّى إذا ما دنت وفاتي
…
تصفح عن زلَّتي وفسقي
وأنشدني أيضاً قوله: بمن الطويل]
إذا طار شيطان الهموم بمهجتي
…
يروم استراق اللَّهو منِّي ويهرب
عدلت إلى كرخيَّة عنبيَّةٍ
…
ففاجأه من سورة الكأس كوكب
وأنشدني لنفسه: [من المتقارب]
لقد حرت في سوء حظِّي المشوم
…
وما قد رماني به خالقي
يعاندني في جميع الأمور
…
ليجعلني غرض الرَّاشق
ولو أنَّ يوماً عشقت العوير
…
لصار له ماؤنا عاشق
والعوير هذا كان رجلاً أعور مشوَّه الخلق مختلطاً، يعبث به الصبيان بالموصل.
[989]
يوسف بن المظفر بن أحمد بن شهابٍ، أبو الفضل الإسكندري.
كانت ولادته بها في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وخمسمائة.
وكان فاضلاً أديباً عالماً لبيباً شاعراً نجيباً.
أنشدني الشيخ الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن النجار البغدادي بها- رحمه الله تعالى- قال: أنشدني يوسف بن المظفر الإسكندري لنفسه: [من الوافر]
تحدَّى بالمال وقال إنِّي
…
إمام الحسن قلت: فما الدَّليل.
فقال: وهل ظننت فقلت: كلَّا
…
ولكنِّي أحقِّق ما أقول!
فقال: أنظر تر الضِّدَّين عندي
…
على حال التزامٍ لا يحول
فها كفلي به ريٌّ وخصري
…
به ظمأٌ وذاك لذا كفيل
فقلت: لقد أتيت بمعجزاتٍ
…
وجئت بما تصدِّقه العقول
فقال: آمنت، قلت: نعم وإنِّي
…
لأشهد أنَّك الحسن الجميل
وأنشدني له أيضاً: [من الوافر]
سبى عقلي بمعتدل القوام
…
وصال بناظرٍ مثل الحسام
غزال يصرع الآساد قهراً
…
فما تنجو لديه من الحمام
من الأتراك إلَّا أنَّ فيه
…
من الأعراب إعراب الكلام
رمى بالَّبل في غرضٍ فأصمى
…
صميم القلب منِّي بالسِّهام
فقلت وقد بصرت به أهذا
…
من الولدان أم حور الخيام
وهل أبصرتم أو هل سمعتم
…
بريمٍ في البريَّة عاد رامي
[990]
/255 ب/يوسف بن المظفَّر بن أحمد بن أبي بكر بن أبي سعيدٍ، أبو العزِّ الموصليُّ المعروف بابن الجرَّاش.
أخبرني أنه ولد سنة تسعين وخمسمائة.
رأيته بالموصل رجلاً قد أسرع الشيب في لحيته، يتصرف في الأعمال، وينتمي إلى قول الشعر؛ وله مقطعات ما بها بأس.
أنشدني لنفسه في بدر الدين أبي الفضائل لؤلؤ بن عبد الله- صاحب الموصل- وقد رمى الطير المسمّى بالجليل: [من الكامل]
لمَّا تصدَّى للرميَّة أرعشت
…
كلُّ النُّجوم بمغربٍ وبمشرق
لحقت جليل الطَّير منك مهابةٌ
…
صرعته قبل يناله بالبندق
وأنشدني لنفسه فيه أيضاً حين أجرى القني الذي بالموصل: [من الخفيف]
قيل أجرى المليك قنياً يعزمٍ
…
صادقٍ زانه من الله نصر
قلت: كفُّوا فليس بدعاً يسيل الـ
…
ـقني من كلِّ إصبعٍ منه بحر
وأنشدني لنفسه فيه يهنئه بالنصف من شعبان: [من الخفيف]
جاءك النِّصف بالكمال يهنِّيـ
…
ـك وما ذاك من بديع الأمر
أنت بدرٌ وعدَّة النِّصف لا تـ
…
ـكمل إلَّا من بعد تمِّ البدر
وأنشدني أيضاً لنفسه ما كتبه إلى بعض الرؤساء وقد عاد مريضاً: [من الخفيف]
بك برء الأنام نيط فمن عد
…
ت من النَّاس برؤه قد تهيَّا
قسماً لو سألت إحياء ميتٍ
…
داثرٍ زرت قبره عاد حيَّا
وأنشدني أيضاً لنفسه يصف الخمر: [من الخفيف]
قال: صف لي المدام، قلت: تأمَّل
…
كأسها تلق كلَّ وصف وسيم
هي في لون نار موسى وفي الفعـ
…
ـل كنار الخليل إبراهيم
[991]
يوسف بن المظفَّر بن عبد السلام بن عليٍّ، أبو المظفر البغداديُّ المعروف بابن الموفيِّ.
رأيته بإربل شاباً. وذكر لي أنَّه ولد سنة ثلاث وستمائة.
وقال شعراً كثيراً، وامتدح به الناس.
ومما أنشدني لنفسه في التغزل بإربل، ولم ينشدني غير هذه المقطوعة، ولم أكتب عنه سواها؛ لأنه ما كان يؤثر ذلك:[من الوافر]
وأحوى قد حوى رقِّي ولبِّي
…
وغادرني حديثاً في البرايا
أسيل الخدِّ أحور ذو دلال
…
رشيق القدِّ وضَّاح الثَّنايا
يواصلني فأحظى بالأماني
…
ويهجرني فأرضى بالمنايا
كتمت هواه حتَّى عيل صبري
…
فأظهر دمع عينيَّ الخبايا
[992]
يوسف بن مسعود بن بركة بن سالمٍ، أبو المحاسن الشيبانيُّ المعروف بابن عرَّاجٍ.
من أهل تليعفر.
وقد مرَّ نسبه مستقصىً بتمامه في ترجمة ولده محمد.
كانت ولادته في سنة ستين وخمسمائة بتليعفر.
ومات بنصيبين في يوم الثلاثاء ثالث المحرم سنة خمس عشرة وستمائة. نزل الموصل وأقام بها مدَّة يختلف إلى الشيخ أبي الحرم النحوي، يقرأ عليه أدباً ونحواً.
وكان وافر الحفظ للأشعار وأيام العرب وسيرها حسن المعرفة بأخبار
الفرس، ومحاسن آثارهم. وكان شاعراً مطيلاً في قصائده يمدح أهل البيت- صلوات الله عليهم وسلامه- وكان من المغالين في مذهب الشيعة خالصاً في الولاء.
أنشدني أبو المجد أسعد بن إبراهيم الكاتب النشَّابيّ الإربليّ بها، قال: أنشدني يوسف بن مسعود بن بركة التليعفري لنفسه بنصيبين يمدح الملك الأشرف شاه أرمن مظفر الدين موسى بن أبي بكر بن أيوب- رحمه الله تعالى- حين صاهر أتابك نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي بن آقسنقر- صاحب الموصل- على أخته من قصيدة: [من البسيط]
أدركت بالسَّعي والتَّوفيق منزلةً
…
باتت تقصِّر عنها السَّبعة الشُّهب
ذا سعي من ليس يقفو إثره بشرٌ
…
وعزم من ليس يثني عزمه سبب
تراسلت أنفس الأملاك فاتَّفقت
…
تحت الصَّفيح وسرُّ الغيب محتجب
ما استعظم الملك في الأيَّام منزلةً
…
ورتبةً تتدانى دونها الرُّتب
ولا رأت أعين العلياء أحسن من
…
هذا القران الَّذي يسمو به الحسب
يومٌ غدا بين أيُّوب وأسرته
…
وبين مودود فيه للعلا نسب
لو فاخر الدَّهر هذا اليوم في شرفٍ
…
لأحجمت دونه الأعوام والحقب
لو أنَّ أيَّام هذا الدَّهر مالكةٌ
…
نطقاً لكانت لهذا اليوم تنتسب
لا عذر فيه لباغي سؤددٍ وغنىً
…
إذ ربُّه كيف لم يذهب به الطَّرب
وأنشدني أبو عبد الله محمد بن يوسف ولده، قال: أنشدني والدي لنفسه يمدح الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب بن شاذي- رحمه الله تعالى-:
[من الطويل]
سقى جوَّ قنَّسرين شؤبوب مزنةٍ
…
ربيعيَّة تكسوه عضباً يمانياً
وجاد قويقاً والعواصم عارضٌ
…
يغادر ذاك الجوَّ بالنُّور حاليا
ملثٌّ إذا ما سيط بالبرق ذوده
…
إذا ما ونى أو شلَّه الرَّعد حاديا
توقَّر في المسرى رويداً وكلَّما
…
حذته جنوبٌ أو صباً سار وانيا
ومرَّ على قيعان منبج تائقاً
…
ثقيل المطا واهي العرى متدانيا
فلمَّا تدانى بركه من نزاعه
…
ولاحت له الشَّهباء أرخى العزاليا
فما زال يسقي صوبه سفح جوشنٍ
…
إلى أن رأيت الهضب في الماء طافيا
فلمَّا سكرنا قال: ما جئت ساقياً
…
ولكنَّني وافيت خصماً مباريا
فقلنا لمن يعني جزيت كرامةً؟
…
فقال: عنيت الظَّاهر النَّدب غازيا
فأضحكنا ممَّا حكاه تعجُّباً
…
وقلنا: لقد ضيَّعت تلك الأياديا
أتحكي جواداً يبذل المال باسماً
…
وأنت إذا أسقيت أسقيت باكياً
وأقرب فنَّ فيكما أنَّ جوده
…
متى ما استمحنا صوبه كان ساقيا
وأنت هداك الله للرشد لم تكن
…
لتسقي الورى إلَّا إذا كنت شاتيا
فربما أقلعت عنَّا وأمسكت
…
سماؤك حتَّى لست تنقع ظاميا
ومدَّت إلى الله الأكفِّ فلا ترى
…
من النَّاس إلَّا ضارع الخدِّ داعيا
تحاول منه الغوث والعام أغبرٌ
…
وجودك يبدو أحمر اللَّون قانيا
وأكثر ما يأتي نوال ابن يوسف
…
غياث الورى والدِّين عفواً مفاجيا
يذوق حلاوات الغنى في دياره
…
فتىً لغياث الدِّين قد بات راجيا
وله من قصيدة فيه أولها: [من البسيط]
ما بعد ذا اليوم للراجي المنى أربٌ
…
نلت المرام ففيم السَّعي والطَّلب
بشارةٌ لك عندي قد خصصت بها
…
والله أدرى إذا أعطى لمن يهب
إنَّ الخليل خليل الله من نطقت
…
بفضله معجزات الآي والكتب
أرسى قواعد بيت الله في حرمٍ
…
زاك فشدَّ إليه السَّرج والقتب
واختار بالشَّام للأضياف منزلةً
…
أمسى بها لبني الآمال يجتلب
فمكَّةٌ أصبحت أمَّ القرى وغدت
…
لمن أراد النَّدى أمَّ القرى حلب
بتلك تمسي الخطايا وهي ذاهبةٌ
…
عن وفدها وبهذي يذهب السَّغب
وقال أيضاً وهو عند الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن أبي بكر ليلةً، وقد ملأ البركة ورداً حتى غطى الماء، وجعلوا الشمع حول البركة جميعها:[من البسيط]
يا أيُّها الملك الميمون أنت لنا
…
شمسٌ نهاراً وتحت اللَّيل مصباح
أنت العليم بحلِّ المشكلات فقل
…
ففي مقالك إيجازٌ وإفصاح
أهذه بركةٌ أم يوم معركةٍ
…
آثارها منك ماضي العزم شحشاح
كأنَّ محمرَّ لون الورد فيض دمٍ
…
في مائها وكأنَّ الشَّمع أرماح
وكتب إليه أيضاً: [من الخفيف]
حيث ما كنت فالإله كفيلٌ
…
لك بالنَّصر فهو نعم النَّصير
أي أرضٍ حللتها حلَّ فيها
…
عارضٌ ممطرٌ وبدرٌ منير
واستمال الرُّواد من وجهك الطَّلـ
…
ـق وكفَّيك روضةٌ وغدير
مثَّلتك العلا لعيني على البعـ
…
ـد وقلبي شوقاً إليك يطير
كلُّ ما يحصر اليراع مع الطِّر
…
س من المدح في مرادي حقير
فلهذا أخَّرته ثمَّ عوَّلـ
…
ـت على ما أنطوى عليه الضَّمير
وقال أيضاً يمدحه من قصيدة أوّلها: [من الخفيف]
ليت شعري إن هجر خرقاء طالا
…
كان زهداً صدودها أم دلالا
جعلت وصلها حراماً وقتل الـ
…
ـصَّبِّ بالصَّدِّ والتَّجنِّي حلالا
بخلت بالسَّلام يقظى وأهدت
…
طيفها في الكرى فمنِّي محالا
ويح قلبي من معرض ليس يرجى
…
منه قربٌ ومرسلٍ لي خيالا
من مجيري من ظبيةٍ ذات دلٍّ
…
تتثنَّى غصناً وترنو غزالا
ذات شكلٍ لو لوِّن الحسن ثوباً
…
وارتدته لما استزادت كمالا
أطعمتني في وصلها أمُّ عمرو
…
وأرتني من المعاني خصالا
سلبت مهجتي بوجهٍ يعير الشَّـ
…
ـمس والبدر بهجةً وجمالا
وافترقنا فكلُّ بدرٍ رأته
…
مقلتي بعدها رأته هلالا
طمع العشق مهلكٌ ووقوع النَّـ
…
ـفس في الحبِّ عثرةٌ لن تقالا
فاردد الطَّرف عن لحاظٍ إذا أو
…
مضن أرسلن للقلوب نبالا
ما أرى اللَّهو بعد خمسين والميـ
…
ـل إلى الغانيات إلَّا ضلالا
قرن لهوٍ قد كان خلف شبابٍ
…
طوع أمر الهوى فمذ راك زالا
فمذ الآن ليس إلَّا المطايا
…
والدُّجى واقتحامها الأهوالا
كلُّ حرفٍ كالنُّون قد كتب الميـ
…
ـس على متنها من الشَّدِّ دالا
واخداتٍ بكلِّ ضربٍ خفيفٍ
…
ذي همومٍ باتت تهدُّ الجبالا
فهي تسري بنا خفافاً فنطوي
…
عرصة البيد بالأماني ثقالا
نحو ملكٍ متوجٍ من بني أيُّـ
…
ـوب خير الورى وأزكى فعلا
الفتى الأشرف المظفَّر خير الـ
…
ـخلق طرّاً وأيمن النّضاس فالا
عادليٌّ يحيي نداه البرايا
…
بالعطايا ويقتل الأبطالا
عوِّد السَّبق فهو لو راهن الهـ
…
ـوج لبذَّ الصَّبا وفات الشَّمالا
يا مساميه في العلا يوم فخرٍ
…
هكذا هكذا وإلَّا فلا لا
ومنها
ما أطلت المقال إلَّا وعذري
…
واضحٌ فيك يذهب الإشكالا
هي لا شكَّ حلَّةٌ وأخو الفهـ
…
ـم إذا حاك للطويل أطالا
طلت مجداً فطال شعري ومن جد
…
ت عليه وخصَّ بالفضل قالا
أوسعت حلبة القوافي سجايا
…
ك وحلَّ الإحسان منِّي الشِّكالا
فلذا صرت لو سريت مع الرِّ
…
يح إلى غايةٍ لجئنا مثالا
وإذا ما الجواد ألفى اتساعاً
…
في ميادينه تمطَّى وجالا
جاء منك التَّشريف والبرُّ من حمـ
…
ـص إلى الشَّرق حبَّذاك نوالا
بأبي أنت من مليكٍ نداه
…
ينتحيني وما نشطت عقالا
وبعيدٌ أنِّي أكافي بشعرٍ
…
من كفاني همَّ السُّرى والسُّؤالا
وقال أيضاً يمدحه من أبيات: [من البسيط]
قارعت دوني اللَّيالي وهي قاهرةٌ
…
مسوَّدةٌ فأزلت البأس والظُّلما
وفاح لي منك نشر الودِّ تتبعه
…
مواهبٌ كالحيا الهامي إذا ارتكما
فرحت ملتحفاً نصراً ومقتبساً
…
نوراً ومستشفياً روعاً ومغتنما
إذا كنت كالسَّيل عزماً والهلال سنىً
…
والمندل الرَّطب عرفاً والحيا كرما
وقوله فيه وكان قد وعده وهو معه في الحمام بقلعة الرّها سنة أربع وستمائة بألف دينار مصريّة- أي يوم ملك خلاط- من قصيدة أنشده إياها بقلعة خلاط في ربيع الأول سنة عشرٍ وستمائة: [من البسيط]
/261 أ/ سقى خلاط ملثُّ الودق من دار
…
فإن فيها لباناتي وأوطاري
ماجت خراسَّان وارتجَّت قواعدها
…
كأنَّها الدَّوح لاقى صوب إعصار
وأصبحت شاهقات الرُّوم من حذرٍ
…
تموج منها الصَّياصي موج تيَّار
غيثًا من الرُّعب ملآنا وليث شرى
…
تظلُّ ما بين فيَّاض وزئَّار
وأضحت الكرج في تفليس خائفةً
…
إذ جاورت منك جارًا أيما جار
عليك تقري ملوك الأرض قاطبةً
…
صحائف المجد في نجد واغوار
والنَّاس والطَّير أضيافٌ وعائلةٌ
…
لله درُّك من مقر ومن قاري
بسطت لي يوم حمَّام الرّها أملاً
…
وأنت حرٌّ كريمٌ نجل أحرار
كوعد عمِّك إذ وافاه عرقلة
…
ستنجز الوعد في نظم وأشعار
فقال بيتًا سرى كالشَّمس في مثلٍ
…
مولَّد من لثار الشِّعر سيَّار
قل للصلاح معيني عند إعساري
…
يا ألف مولاي أين الألف دينار
وأنت لاشك من ذاك النِّجار ولي
…
وعدٌ عليك وهذا وقت تذكار
ما أنت دون صلاح الدِّين في كرمٍ
…
ولا أنا دون حسَّان بن عمَّار
وقال أيضًا /261 ب/ يهنئه بعيد النحر سنة تسع وستمائة من قصيدة مبدأها:
[من الخفيف]
كلُّ أوقاتك الحسان هناء
…
يا مليكًا تسمو به العلياء
لك مجدٌ موثلٌ ما تمنت
…
طمعًا في مرامه الجوزاء
قد تشكت منك اللَّيالي ازدحامًا
…
واستغاث الإصباح والإمساء
فمغيرٌ وقت الضُّحى في السَّرايا
…
ومضيفٌ في حيث يدنو المساء
فمتى
…
وفي طرفي يومك
…
للمجد غارةٌ شعواء
ومنها يقول:
ماعرفنا التَّشريق إلَاّ ثلاثًا
…
بمنى إذ تراق فيه الدِّماء
وأبو الفتح شاه أرمن قد سـ
…
ـنَّ خلالاً تبقى ويفنى البقاء
جعل الدَّهر كلَّه يوم نحرٍ
…
فالعدا والبدور فيه سواء
بأبي بل بمهجتي ربَّ ملكٍ
…
كلَّ أيَّام عمر هيجاء
فلأعدائه الظُّبا والعوالى
…
ولقصاده الغنى والعطاء
طلتم العالمين يا آل شاذي
…
بوجوه وقفٌ عليها الحياء
/262 أ/ نحن والله والخليفة والإسـ
…
ـلام والمسلمون والأنبياء
من أناسٍ لا يرتضون الَّذي تر
…
ضون للمجد والمعالي براء
وقال في معنى عرض له: [من الطويل]
وعاذلةٍ باتت تلوم على نوىً
…
قذوف شطونٍ غادرت حمتي ضحلا
ذريني وعزمي والفيافي وطولها
…
ونصَّ المهاري والـ .... البزلا
إذا كنت ما أخللت بالحلم ناشئًا
…
فيا بعد رشد النَّفس إن فاتني كهلا
تغربت عن قومي ولم أشك خلَّةً
…
ولا بتُّ فيهم ليلةً فاقدًا خلَاّ
وليس اغترابي عن بلادي لأنَّني
…
عدمت بها الإخوان والمال والأهلا
ولكنه مالي بها من مشاكلٍ
…
وإنَّ الغريب الفرد من يعدم الشَّكلا
إذا ندب التَّجريب سيف عزائمي
…
وأرهنه شحذًا وأطلقه صقلا
ولم أرض من دهرٍ غزتني صروفه
…
بسلمٍ ولم أقبل على ما جنى عقلا
فلا يبعث الأعداء نحوي وعدهم
…
فمن خاض لجَّ الموت ما يرهب الوحلا
وقال أيضًا يلغز في الثلج: [من السريع]
/262 ب/ ما بالكم في مأكلٍ باردٍ
…
ومشرب عذب يزيل الأوام
نضربه من فرط إشفاقنا
…
عليه أن يسلب ثوب الدَّوام
وضربه فيه انتفاعٌ له
…
مع أنَّه من نجل قوم كرام
تصحيفه يا ذا النُّهى أنه
…
مدينةٌ من بعدها لا ترام
وإن تصحِّفه تكن ثانيًا
…
جنسًا من الأثمار قبل التمام
وعكسه من بعد تصحيفه
…
بلده ملكٍ من بلاد الشَّام
جوابه لبعض الشعراء: [من السريع]
يا ملغزًا في شعره سعره
…
حسبك قد أثلجتنا يا غلام
وقد أجبناك لتفسيره
…
فافطن لمعنى قولنا والسلام
[993]
يوسف بن موسى بن يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن
يعقوب، الأمير أبو المظفر بن أبي محمَّدٍ.
من أبناء الملوك الأيوبية والأسرة الناصرية الصلاحية.
أخبرني –أدام الله سعادته- أنَّ ولادته بسميساط تقريبًا سنة تسع وتسعين وخمسمائة. أنجب أولاد أبيه وأعلاهم /263 أ/ همةً، وأشدهم حزمًا، وأغزرهم عقلاً، وأكرمهم نفسًا، وأكثرهم حياءً، وأصبحهم وجهًا، وأوفرهم سكونًا وبشرًا؛ يميل إلى أهل الفضل والأدب، ويجالسهم ويحفظ أنموذجًا صالحًا من بدائع الأشعار ومحاسنها؛ وربما سمحت قريحته بالبيتين والثلاثة من الشعر فتأتي كأجود شيء وأملحه.
أنشدني لنفسه ما كتبه إلى السلطان الملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين أبي المظفر يوسف بن محمد بن غازي بن يوسف بن أيوب- خلّد الله ملكه-: [من البسيط]
يا أيُّها الملك الميمون طائره
…
ومن له نعمٌ تنهلُّ كالمطر
جبرت كسر قلوب واكتسبت بها
…
أجرًا فهل لك في جبر لمنكسر
كلُّ الأرامل قد قضَّيت حاجتهم
…
فمن لحاجة هذا الأرمل الذَّكر
وأنشدني لنفسه أيضًا ما كتبه إلى بعض من كان يغشى مجلسه يستدعيه:
[من الطويل]
/263 ب/ لنا مجلسٌ قد فاق حسنًا ومنظرا
…
وليس به شيءٌ يعاب فنخفيه
فبادر إلينا منعمًا متفضِّلاً
…
فليس يطيب العيش ما لم تكن فيه
[994]
يوسف بن نفيس بن أبي الفضل بن السعود بن أبي الفضل بن أبي
طاهر بن أبي يعلى بن أبي المعالي المرَّلُّي
من أهل إربل، المنبوز بشيطان الشام.
كان والده من قرية من قرى العراق تدعى دشينيا من عمل طريق خراسان
ويوسف هذا يكنًّى أبا العِّز.
ذكر أنه ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة.
وتوفي بالموصل سادس عشر رمضان سنة ثمان وثلاثين وستمائة. ودفن بمقبرة باب الجصّاصة غربي المدينة بأرض البرزان –رحمه الله تعالى-.
ولد بإربل وبها كان منشؤه، وما برح خامل الذكر، نازل القدر، يعبث تارةً بالأبيات يسلك فيها مسلك ابن الحجاج في السّخف والهزل وتارةً بالزَّكالش العاميّة، وتارة بغير هذين النوعين حتى صارت له ملكة قوية في بداية الشعر /264 أ/ ومرتجله. وكان يقدر على نظم ما شاء من غير فكرة ولا روية.
رحل إلى البلاد وامتدح الملوك وأخذ جوائزهم. ثم انتقل إلى الموصل فأقام بها واشتهر بين أهلها له من صاحبها بدر الدين أبي الفضائل لؤلؤ بن عبد الله موضعٌ يحضر مجلس شرابه، ولا يزال يحسن إليه إلى أن مات –كما قدمنا ذكره-.
وكان شاعرًا خليعًا ظريفًا معاشرًا من ذوي الهزل والمجانة، مكبًا على الشرب مفتونًا به، لا يصحو من الزمان إلَاّ أقلَّة. وكان أسمر اللون يتزيا بزي جند الأكراد، شعره منتشر على كتفيه، ويتقلَّد سيفًا، ويلبس قباءً إلا أنه كان شيعيًا مغاليًا شديد الرفض؛ وربما بلغ ذلك إلى ما لا يجوز في الشرع ويخرج إلى الشتم والوقيعة في الصحابة –رضوان الله عليهم- وسامحه الله تعالى وعفا عنا وعن إنَّه جواد كريم. وأنشدني كثيرًا من شعره.
أنشدني لنفسه يستدعي عز الدين أبا محمد الحسن بن علي بن شماس الإربلي –رحمه الله تعالى-: [من الخفيف]
/264 ب/ يا شبيه اسمه ويا كل شيءٍ
…
يتمنى من نعمة ونعيم
أنت روح الزَّمان بأسًا وجودًا
…
في حديث من ذا وذا وقديم
إنَّ يوم الخميس يحسن فيه
…
شرب مولى في خلوة ونديم
وأنا والذي يديم لك العزِّ .. خليٌّ من صاحبٍ وحميم
والحميَّا عليَّ تجلى كشمس
…
نقط البدر وجهها بالنُّجوم
وأنا عبدك الَّذي ما تخلَّى
…
عن ثناء على علاك مقيم
فتفضَّل بزورةٍ هي أحلى
…
من وصال المنى وهجر الهموم
وأنشدني لنفسه: [من البسيط]
وربَّ حانة خمَّار حلفت بها
…
إلَاّ عكفت على جامٍ ولا كاس
حتَّى يقوم لنا ساقٍ لواحظه
…
مرضى وفي خدِّه سطرٌ من الآس
فجاءنا رشا في قدِّه خنثٌ
…
في زيِّ ساق كما شئنا وشمَّاس
وحثها قهوة قال الزَّمان لها:
…
عملت في وحشتي من بعد إيناس
وظلَّ يمزجها راحًا لها لهبٌ
…
كأنَّها شعلةٌ أو ضوء بنبراس
عانيَّةٌ لو تعاناها الرَّسول رأى
…
تحليلها من فروض الله في النَّاس
/265 أ/ فحين مالت به سكرًا أباح لنا
…
من لينه ما حماه قلبه القاسي
قبَّلته بعد لا شيءٍ أبوح به
…
وقلت ما في دخول النَّار من باس
وأنشدني لنفسه يخاطب علي بن الصدر يونس المجلد الموصلي: [من البسيط]
مازلت بالأمس يا ابن الصَّدر مرتشفًا
…
كأس الحميَّار ونجم الغرب قد سجدا
من كفِّ جارية لمَّا خلوت بها
…
وقد سقتني ومدَّت للعناق يدا
فاحت عبيرًا بدت شمسًا خطت غصنًا
…
ماجت كثيبًا رنت ريمًا سطت أسدا
قبلتها ووشاة الصُّبح ساعيةٌ
…
فينا فيا ليت صبحي لم يكن أبدا
وأنشدني من شعره يصف الدولاب: [من الطويل]
رأيت بشاطي دجلةٍ لا عدمتها
…
دواليب منها الماء كالسَّيل يدعج
لراد الضُّحى من فضَّة في متونها
…
رداءٌ من وشي الأصائل زبرج
إذا انساب من كيزانها الماء خلته
…
عواميد بلُّورٍ من القار تخرج
وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل]
إن تغترر بأخ يخنك وإن تشم
…
برقًا يضنُّ وإن تقل لم يقبل
/265 ب/ فاقنع برزقك واطَّرح هذا الورى
…
فلعلَّ حظَّك ليله أن ينجلي
وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل]
كم قد وهبت طماعةً في شاكر
…
أو حافظ الميثاق أو حرٍّ يدي
فالآن قد فرَّطت في مالي فإن
…
ملكت يدي ووهبت لا ملكت يدي
وأنشدني قوله: [من الكامل]
حالي وحادثةٌ الزَّمان كلاهما
…
عجبٌ وذا أمرٌ عليَّ يهون
إن ألق يسرا فالعدوَّ له وفا
…
أو ألق عسرًا فالصَّديق يخون
وأنشدني لنفسه: [من الكامل]
ولقد سمحت بكلِّ ما ملكت يدي
…
للأصدقاء فمسَّني الإعسار
فتكدَّروا بعد الصَّفاء كأنَّهم
…
ما كان لي فيهم يدٌ ويسار
وأنشدني من شعره: [من السريع]
يا عين آمالي لا تطمحي
…
فالرِّزق في ميقاته ينتحي
كم ليلةٍ بتُّ بها معسرًا
…
فجاءني الرِّزق ولم أصبح
وأنشدني له في الغزل: [من الكامل]
/266 أ/ ومخنَّث الأعطاف أنحل هجره
…
جسمي وأغراني بخلَّب وعده
كالغصن في حركاته وقوامه
…
والبدر أشرق في نهاية سعده
يفترُّ عن برد يرقرق سلسلاً
…
فيه وإطفاء الغرام ببرده
ما زاد وجدي فيه إلا عندما .. نبت البنفسج في شقائق خدِّه
وأنشدني له في معناه: [من الكامل]
سمح الزَّمان بزورةٍ الغضبان
…
فاليوم يوم مسرَّةٍ وتهاني
وأتت حلاوة وصله في ساعةٍ
…
فيها ذممت مرارة الهجران
قمرٌ مسيحيٌّ يميت وتارةً
…
يحيى فدونكم المسيح الثَّاني
ما شدَّ زنَّارًا له في بيعةٍ
…
إلاّ وحلَّ عزائم الرُّهبان
غرست يمين الحسن في وجناته
…
آسًا يصون شقائق النُّعمان
وأنشدني أيضًا لنفسه من خمرياته: [من البسيط]
حيِّ النَّدامى بكأس الرَّاح يا ساقي
…
فالحرب قائمةٌ فيها على ساق
أما ترى الصَّوم قد ولَّت عساكره
…
وعسكر الفطر في حثٍّ وإعناق
وأصبحت لهبة القنديل قد رجمت
…
بشعلة الكأس رجم المارد الرَّاقي
/266 ب/ وصار كلُّ بلال فوق مأذنة
…
كأنَّه معبدٌ في حذق إسحاق
يا صاحبيَّ اجعلا باقي كؤوسكمًا
…
حظِّي فبي غلَّة الصَّادي إلى الباقي
وعرِّضا بالَّذي ما كنت زائره
…
زورًا ولا واثقًا منه بميثاق
وذِّكراه التَّصابي وهو يمزجها
…
كأنَّها ما صفا من دمع مشتاق
صبهاء في جفنه منها وفي فمه
…
ما كنت أخفيه من دائي ودرياقي
أحبُّه وهو لا يدري وأكتمه
…
وجدي فتبديه أشجاني وأشواقي
واستجير به من سحر مقتله
…
وكيف يصحو نديمٌ خصمه السَّاقي
وأنشدني لنفسه يمدح الأمير الكبير الأصفهسلار العالم ركن الدين أبا شجاع أحمد بن قرطابا بن عبد الله الإربلي –أدام الله أيامه-: [من الكامل]
قسمًا بورد الوجنتين يصونه
…
آس العذار ونرجس الأجفان
وبسلسل ما بين سمطي لؤلؤ
…
حفَّت به من جوهر شفتان
/267 أ/ وبكلِّ قدٍّ كالقضيب يميل من
…
سكر الصِّبا كتمايل السَّكران
وبصبح وجه تحت ليل غدائر
…
تبدو كحظِّ عبيدك الشَّيطان
وبلين أعطاف السُّقاة إذا رنت
…
شزرًا إليها مقلة النَّشوان
وتمايلوا غصبًا فخلت قدودهم
…
تحت الغلائل من غصون البان
وبما لركن الدِّين عندي من يد
…
ما للزمان بها عليَّ يدان
إنِّي لأحسد من أرى في بيته
…
في يومنا هذا ارتفاع دخان
يا أيُّها الملك الَّذي في وجهه
…
من بشره وسماحه نوران
والمستجار ببأسه وبعفوه
…
وبجوده في طارق الحدثان
والملتجى بجنابه والمرتجى
…
لإغاثة الدَّاعي وفكٍّ العاني
وحياة رأسك إنَّه أقصى المنى
…
عندي ودون مكانه الثَّقلان
قد حلَّ بي في ذا الصَّباح ثلاثةٌ .. بأقلِّها تهوى هضاب أبان
بردٌ ولا فحمٌ وفرط خوى ولا
…
قوتٌ مسكنةٌ ولا فلسان
ولطالما أصبحت ندماني [إذا]
…
حان الصَّبوح بخندريس ألحان
وسقيته بيدي اغن كأنَّه
…
بدرٌ بدا في أربعٍ وثمان
/267 ب/ وخلعت ما وصلت إليه يدي ولم
…
اعمل حساب طوارق الأزمان
فالآن قد برح الخفاء وخانني
…
ربحٌ صفعت به قفا الخسران
أمعلِّمي من فضله ومخوِّلي
…
من ماله في السِّر والإعلان
أحسن إليَّ فإنَّني لا كافرٌ
…
حسن الصَّنيع وساعة الإحسان
وامدد إليَّ يدًا أؤمل مسدَّها
…
نحوي تكفُّ يدي عن الإخوان
وأنشدني أيضًا لنفسه: [من المدير]
آه لولا سحر مقلته
…
ورحيق في ثنيَّته
ومعان فيه قد جمعت
…
لتلافي في محبته
ما جرى دمعي ولا خضعت
…
عزتي قسرًا لذلَّته
جاءني يسعى وفي يده
…
قدحٌ في لون وجنته
ونجوم اللَّيل قد بزغت
…
والثُّريا مثل قبضته
فشربنا من يديه على
…
خدِّه من خمر ريقته
واتكا سكرًا فما عبثت
…
لي يدٌ إلَاّ بتكَّته
وأنشدني أيضًا /268 أ/ لنفسه يمدح بدر الدين أبا الفضائل لؤلؤ بن عبد الله –صاحب الموصل- من قصيدة طويلة أولها: [من المتقارب]
لامِّ عدوِّ علاك الهبل
…
أملُّ ولم أجن ذنب الملل
إذا دعن القرب لمَّا ظمئت
…
إليه ولم أسق منه بلل
وأشتاق ناديك يا من إليـ
…
ـه تشدُّ الرِّحال وتحلو الرُّحل
أعيذك بالله من مثل ذا
…
ومنك الحياة لنا والأجل
أيخدع سمعك هجر الكلام
…
وخبث القرود وكيد السِّفل
ومازلت تكسو عقول الرِّجال
…
حجي وتسكِّن منها الميل
وأنت الَّذي لم أزل عارفًا
…
بأنَّك لا يطَّبيك الزَّلل
ومنك تعلَّم صيد الملو .... ك حسن التَّأني وترك العجل
وإنِّي على ثقةٍ لو جنيت
…
بعفوك أو قلت ما لم يقل
وهذا القدر منها فيه كفاية ومقنع.
[995]
/268 ب/ يوسف بن يعقوب بن عمر بن عليِّ بن محمَّد بن محمَّد بن
الجارود، أبو يعقوب الكفر عزيُّ الإربليُّ
كان والده ابن أخي القاضي أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد بن محمد قاضي إربل.
رأيته غير مرةٍ بمجلس الصاحب الوزير شرف الدين أبي البركات المبارك بن أحمد بن المبارك بن موهوب المستوفي –رضي الله عنه شابًا طويلاً وسيمًا متصرفًا في الأعمال، ينتقل من عمل إلى غيره بإربل، ولم أعلم أنه يقول الشعر.
وتوفي بإربل سنة إثنتين وثلاثين وستمائة –رحمة الله تعالى-.
أنشدني له بعض بني عمّه من قصيد يقول منها: [من البسيط]
يا راكبًا في بحار الظُّلم ملتحفًا
…
غيَّ الشَّباب وقد غمَّت غياهبه
أفعالك السُّود ناسبت الشَّباب بها
…
وأبيضَّ فودك فافعل ما يناسبه
إن النَّضارة قد ولَّت نظائرها
…
واقبل الشيب تغزونا كتائبه
وهي قصيدة طويلة لم يقع لي منها شيء سوى ما أوردته.
[996]
/269 أ/ يوسف بن يعقوب بن أمير بن موسى بن أبي القاسم الإربليُّ
شاب رأيته بإربل؛ ذكر لي إنَّه ينظم الشعر، وقال لي من يعرف حاله: أنَّه كان ينتحل الأشعار، ويمدح بها الناس.
ومما أنشدني لنفسه بإربل على زعمه: [من الطويل]
مقيمٌ على ما تعهدون من العهد
…
وإن تلفت نفسي وذابت من الوجد
وأهون ما لاقيت من ألم الهوى
…
وقوفي بأطلال لعلوة لا تجدي
وقفت أسيل الدَّمع في عرصاتها
…
كما أنحلًّ سيلٌ أو جمانٌ من العقد
ولم أك مغزىً بالدِّيار وإنَّما
…
هواي بمن قد حلَّ بالأجرع الفرد
أيا منزلاً لم أنس عهدًا عهدته
…
به من وصال الغانيات ونن وعد
سقتك يد الأنواء عند انسكابها
…
كثيرة ضحك البرق من ضجَّة الرَّعد
وغنَّى حمام الأيك فوقك سحرة
…
وناحت فكلٌّ عند تغريدها يبدي
أأحبابنا رفقًا بقلبي تعطُّفًا
…
عليه فأنتم ساكنوه على البعد
وجودوا المحزون الفؤاد بنظرةٍ
…
تبرِّد ما أضر متموه من الوقد
/269 ب/ ألا قاتل الله العيون الَّتي لهًا
…
مضارب تحمي وردة الخدِّ بالخدِّ
وأنشدني لنفسه، وكتبه لي بخط يده:[من الطويل]
أأحبابنا لا بلَّغت فيكم المنى
…
نفوسٌ إذا لم تفن أعمارها وجدا
ولا رقات عينٌ من الدمع بعدكم
…
إذا لم تخدِّد في محاجرها خدَّا
[997]
يوسف بن يوسف، أبو الحجاج الفارقيُّ
ذكره الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي –رضي الله عنه في كتابه، وقال: هو من المجهولين غير المشهورين الذين وردوا إربل وامتدحوا بها.
كان يذكر أنه من بني نباتة سكن الجزيرة العمرية، وطلب الملوك كما ذكر بالمدائح؛ وهو يعقد الحلق في البلاد، ويقصّ على الناس مغازي النبي صلى الله عليه وسلم والأسمار في الجوامع والأسواق؛ ويعرف بابن الأرمنية.
كان شيخًا ضريرًا مربوعًا مجدّر الوجه، ورد إربل غير مرة؛ ثم وردها بأخرةٍ في محرم سنة ثماني عشرة وستمائة.
وأخبرني أنَّه ولد بميافارقين سنة إحدى /270 أ/ وأربعين وخمسمائة. وكان يجلس للوعظ بها في كل جمعةٍ بمسجدها الجامع.
ثم قال: قرئ عليه، وأنا أسمع من شعره في غرّة محرم سنة أثنتي عشرة وستمائة من أبيات أولها:[من الكامل]
أمعلِّل الصَّب الكئيب المفكِّر
…
ومؤرِّقي حتَّى الصبَّاح المسفر
ومكلِّفًا قلبي الغرام ومسلمًا
…
جسمي السَّقام بغنج طرف أحور
من ذا أحلَّ دم المحبِّ ولن يرى
…
عمَّا عهدت من الهوى بمقصِّر
أأمنت من وردٍ بخدِّك ينقضي
…
أو لا هيافة قدِّك الغضِّ الطَّري
أم حسن سالفك المضيء يشينه
…
خطُّ العذار الجائر المتعذِّر
قسمًا بحسنك يا مليح ووجنة
…
رقَّت كرقَّة عهدك المتغيِّر
إنِّي على العهد القديم محافظٌ
…
سنن الغرام وإنَّني لم اغدر
وهذا نظم خال من المعاني من حقه أن يلغى ولا يثبت منه شيء لكن قد جرت العادة لمن يعتني بجمع الأشعار أن يكتب جيدًا وساقطًا.
[998]
يوسف بن يوسف بن يوسف بن سلامة بن إبراهيم بن
الحسن بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن سليمان بن محمَّد
الفأفاء الزينبي بن إبراهيم بن محمَّد بن عليِّ بن عبد الله بن
العباس بن عبد المطلب، أبو المحاسن، وأبو العزِّ بن أبي العزِّ
العباسيُّ المعدّل الكاتب المعروف بابن زبلاق
من أهل الموصل وأبناء العدول بها.
وأصلهم من تليعفر. وكان عمه أبو المظفر منصور بن يوسف بن سلامة نائب الحكم عن القاضي حجّة الدين أبي منصور المظفر بن عبد القاهر الشهرزوري.
وأبو المحاسن هذا جلس مكان والده وعُدل وكتب الشروط مدَّة؛ وهو شاب لطيف من أبرع هل زمانه ذكاءً وفطنةً، يقول شعرًا رائقًا حلوًا بصحة فكرته وتوقد قريحته، ذو بديهة حاضرة في عمله، وتميز على أضرابه ونظرائه. وتولّى كتابة الإنشاء بدولة بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله –صاحب الموصل-؛ وله نثر جيد.
أخبرني أنه ولد في /271 أ/ أحد الربيعين سنة ثلاث وستمائة.
أنشدني لنفسه يمدح بدر الدين أبا الفضائل لؤلؤ بن عبد الله بالموصل:
[من الطويل]
ليهنك حبٌّ لا يحلُّ وثيقته
…
ولا يعرف السُّلوان أين طريقه
وقلبٌ أسيرٌ في يديك ومدمعٌ
…
يصغر من شان السَّحاب طليقه
ومازال طوعًا للهوى فصبوحه
…
مراعاة ما يرضيكم وغبوقه
وما هجعت عيناه إلا تعلُّلاً
…
بمسرى خيالٍ لا يغبُّ طروقه
بعيشكما هل روَّضت أربع الحمى
…
وهل غضَّ من ماء الغمام عقيقه؟
وهل من نعمنا برهةً بوصاله
…
يرنِّحه تذكارنا ويشوقه؟
أظبي الفلا أم ناظراه وجيده
…
وصرف الحميَّا أم لماه وريقه؟
وقامته إن ماس أو غصن النَّقا
…
نصيرًا يروق النَّاظرين وريقه
يلوم على وجدي به وصبابتي
…
خليُّ فؤاد من جوىً مستفيقه
فيا مالكًا لا يبرح الدَّهر هجره
…
يشبُّ على قلب المحبِّ حريقه
إلى م فؤادي بالصُّدود تروعه
…
وحتَّى م دمعي بالفراق تريقه
فإن ترم حظِّي بالكساد فإنَّه
…
بدولة بدر الدِّين ينفق سوقه
/271 ب/ هو الملك محمرُّ السِّنان كريهه
…
لدى البأس مبيضٌّ العطاء أنيقه
سعى نحو غايات المعالي فحازها
…
فليس يرجَّى في البرايا لحوقه
يجير على الأيَّام من جاء صارخًا
…
فتقضي برغم النَّائبات حقوقه
ينال به من كلِّ أمرٍ عظيمة
…
ويدنى به من كلِّ جود سحيقه
وإن لم يكن بحرًا نداه فإنَّه
…
إذا بخسوه تربه بل شقيقه
فيا أيُّها السَّاعي لتدرك شأوه
…
تعزَّ فقد حاولت ما لا تطيقه
ألم تر أنَّ الحمد نال جميله
…
جدير النَّدى بالمكرمات حقيقه
أخو الجدِّ إن امضى عزيمة مطلبٍ
…
فلن تستطيع الحادثات تعوقه
إذا خفقت في الرَّوع رايات جحفلٍ
…
دنا بخيالٍ لا يخاف خفوقه
إذا ما امرؤٌ جاراه في نيل سؤدد
…
فحزن المجاري جزنه وفريقه
فداؤك من غلَّت يداه عن النَّدى
…
ولم تسر إلَاّ بالجمام بروقه
ضعيف المساعي لا يخاف عدوُّه
…
ولا يرتجي الإحسان منه صديقه
فسمعًا لها بدريَّة بنت ليلة
…
لها منظرٌ يعطي الضِّياء شروقه
تكنَّفها من كلِّ لفظ جليلهٌ
…
وصاحبها من كلِّ معنى دقيقه
/272 أ/ تفاوت وقتًا وضعها وزفافها
…
إلى ملك حسن الثَّناء يروقه
فإن نال مهديها المنى فبما غدت
…
إلى غيركم آماله لا تسوقه
وأنشدني لنفسه يمدح الإمام أمير المؤمنين المستنصر بالله أبا جعفر المنصور ابن الإمام أمير المؤمنين أبي نصر محمد بن أحمد-رضوان الله عليهم- من قصيدة ويذكر نصرته لبدر الدين أبي الفضائل لؤلؤ بن عبد الله-غرس أمير المؤمنين-:
[من الطويل]
غدت بكم الزَّواراء وهي مريعةٌ
…
متى ما ينخ وفدٌ بها يلقه وفد
وعمَّت لهاكم كلَّ شرق ومغرب
…
فلم يخل غورٌ من سراها رآها ولا نجد
ونقَّفتم الحدباء فهي قويمةٌ
…
وأعذبتم أمواهها فهي الشَّهد
بها مخلصٌ في حبكُّم ما عهدتم
…
له رغبة عنكم وإن قدم العهد
حسام أمير المؤمنين الَّذي غدت
…
به أنفس الأعداء للذعر تنقدُّ
/272 ب/ بسطوتكم ذلَّت لسطوته العدا
…
وأطلق منه في رقابهم الحدُّ
أذمُّوا له ما [قد] يخاف فإنَّه
…
بذمتكم بين البريَّة معتدُّ
وليُّ لكم خوَّلتموه وعمَّه
…
ندأكم فما يكبو له في العلا زند
وعبدٌ متى تلقوا به حومة الوغى
…
يصل منه في أعدائكم أسدٌ ورد
فدمتم لهم حصنًا منيعًا وموئلاً
…
يعزُّ به طول الزَّمان ويشتدُّ
وأنشدني لنفسه يمدح الصاحب الوزير العالم شرف الدين أبا البركات المبارك ابن أحمد بن المبارك بن موهوب المستوفي –رضي الله عنه: [من الكامل]
يا ماجدًا لم ألق بعد فراقه
…
رجلاً لشرَّاد المعالي جامعًا
سمحًا عصى العذَّال في بذل اللُّهى
…
وغدا لما أمر السَّخاء مطاوعًا
يلقاه مرتادٌ فيخصب مربعًا
…
ويراه ممتهنٌ فيسعد طامعًا
لا يعرف العافون يوم حبائه
…
غير الرَّجاء وسائلاً وذرائعا
لا يؤنسنَّك من تتابع فرحة
…
دهرٌ غدا مكروهه متتابعا
/273 أ/ فلأنت مثل السيف حينًا ساكنًا
…
جفنًا وحينًا للهوادي قاطعا
وأنشدني لنفسه: [من الطويل]
وبيضاء لا يخشى الملام محبُّها
…
فيسلو ولا يرجو الشفاء عميدها
إذا أسفرت واللَّيل مرخٍ سدوله
…
تبيَّنت عوجًا قد اقيم عمودها
قصرنا بمرأى وجهها عمر ليلة
…
تغيب واشيها وطالت سعودها
تنازعنا كأسًا حكت وجناتها
…
علا فوقها درٌّ حكته عقودها
إلى أن غدت سكرى من الرَّاح والصِّبا
…
يميل على عم إلى اللَّثم جيدها
فأضحت وجهل الخمر قد غال حلمها
…
تجود بما لم يرج منها مريدها
وأنشدني لنفسه يستدعي بعض أصدقائه بالموصل إلى الشاروق: [من الكامل]
يا أيُّها المولى الَّذي بجلاله
…
فاق الأنام أواخرًا وأوائلا
قد ضمَّنا متنزهٌ مستطرفٌ
…
تلقى السُّرور به مقيمًا نازلاً
زانته دجلة في العيون وزانها
…
فكلاهما يبدي بذاك دلائلا
فكأنَّ صافيٍ الماء في جنباته
…
قضب اللُّجين وقد سبكن جداولا
/273 ب/ وحصى تودُّ الغانيات لو أنُّه
…
حلىٌ لهنُّ إذا غدون عواطلا
وعرا الجنون الماء في جريانه
…
ولذاك تلبسه الرِّياح سلاسلا
وحماحم تسبي العقول نواظرًا
…
قد اشبهتهنَّ الرِّماح ذوابلا
قد ركبت فيهنَّ حمر أسنَّة
…
يمسين للهمِّ الملمِّ قواتلا
وإذا سرت ريح النَّسيم بجوِّه
…
بعثت إليك من النَّشاط رسائلا
وخدين آداب إذا راجعته
…
قولاً رأيت الفضل عندك كاملا
يرضي ضميرك جدُّه ومزاجه
…
ويروق طرفك منظرًا وشمائلا
فلئن أتيت فمنَّة أسديتها
…
ولئن أبيت فلست تعدم عاذلا
وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الخفيف]
ما حللنا مغنى تحلُّ به الأفـ
…
ـراح عقد الهموم والأحزان
وتمنَّت منَّا الضَّمائر إلَاّ
…
كنت دون الورى جميع الأماني
وأنشدني قوله يتغزل: [من الكامل]
يا مانحي طول السَّقام ومانعي
…
بجفاه ورد رضابه المعسول
ما صار وجهك للمحاسن جامعًا
…
إلَاّ وثغرك قبله التَّقبيل
/274 أ/ وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل]
تنادى ببين من تحبُّ وأزمعوا
…
رحيلاً فماذا أنت يا قلب صانع
أأنت على حسن التصبُّر قادرٌ
…
غداة النَّوى أم [أنت] للبين جازع
ولست بصبرٍ منك يا قلب راجيًا
…
وكيف وفي بقياك ما أنا طامع
وقال أيضًا يمدح المولى السلطان الملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين أبا المظفر يوسف بن محمد بن غازي بن يوسف بن أيوب- أدام الله دولته وثبت وطأته-: [من الكامل]
وافى وما التئم الدُّجى بصباحه
…
نشوان تشرق راحه في راحه
فجلا بها جنح الظَّلام كأنَّما
…
قدح المزاج النَّار في أقداحه
وسنانٌ ضمَّ الجفن منه صارمًا
…
في كلَّ جارحة أليم جراحه
أخفى زيارته بصمت حجوله
…
لو لم ينمَّ عليه نطق وشاحه
ما يستحق الشُّكر إلا سكره
…
فهو الميسِّر من عسير جماحه
/274 ب/ أهداه لي فصممت غصنًا ناعمًا
…
تثنيه راح دلاله ومراحه
وأبحت لثمي من حديثة خدِّه
…
في آسه الزَّاهي وفي تفَّاحه
ما عذر هذا الدَّهر أن يهب الغنى
…
لذَّاته ويزيد في أفراحه
وقد استحال ظلامه وفساده
…
بضياء ناصر دينه وصلاحه
ملكٌ ترى حلو الحياة ومرَّها
…
متمثِّلاً بصحافه وصفاحه
يعطيك خفض العيش رفع ستوره
…
ويريك نصب المجد جرُّ رماحه
كاللَّيث ممنوع [العرين] مصونه
…
والغيث مبذول الحباء مباحه
وقال يجيب مجد الدين أبا عبد الله محمد بن أحمد بن عمر الحنفي الإربلي عن شعر كتبه إليه: [من السريع]
يا أيُّها المولى الَّذي ما دنا
…
عن حبِّه القلب ولا اقصرا
ومن صحبنا العيش في قربه
…
طلق المحيَّا ضاحكًا مسفرا
وافى كتابٌ منك وفيته
…
غاية فضل جلَّ أن يحصرا
حلَّ محلَّ الوصل من عاشقٍ
…
شرَّد عنه الهجر طيب الكرى
/275 أ/ نميل في إنشاد ألفاظه
…
كأنَّما ضمَّنته مسكرا
زيد من التَّقبيل حتَّى غدت
…
شفاهنا مرقومة أسطرا
إذا حال الشَّيء تكراره
…
أعطاك حسنًا كلَّما كرِّرا
كأنَّه روضٌ سقاه النَّدى
…
ريًا فأضحى نبته مزهرا
وما رأينا قبله روضةً
…
نمقها الحبر ولا حبَّرا
يخبرنا عن مثل أشواقنا
…
أكرم به مستخبرًا مخبرا
يذكرنا العهد ولم ننسه
…
فيوجب النِّسيان أن نذكرا
وكيف لا ترعى عهود امرئٍ
…
ما شابها شينٌ ولا كدَّرا
لله أيَّام تدان غدا
…
ليل المنى في ظلِّها مقمرا
أيَّام تدنو بك أفراحنا
…
إذا اتَّقاها الهمُّ أو نفَّرا
إذا وردنا مورد للصِّبا
…
لم نرض إلَاّ مثله مصدرا
ما ننس لا ننس حمى جلِّق
…
مطرد الأمواه رطب الثَّرى
كأنَّما الأسباط حلُّوا به
…
ففجَّروا أحجاره أنهرا
في أيِّ فصلٍ زرت أوطانها
…
قلت الرَّبيع الطَّلق قد أحضرا
/275 ب/ يقصِّر الواصف عن حسنها
…
وإن غدا في وصفه مكثرا
تسري صباها عطرًا نشرها
…
كأنَّما قد ضمَّنت عنبرا
والطير في مزهر عيدانها
…
تحسب في ترجيعها مزهرا
يا حبَّذا الربوة من موطنٍ
…
للأنس ما أبهى وما أنضرا
وحبَّذا أخضر ميدانها
…
حيث يصيد الظَّبي أسد الشَّرى
والشَّرف الأعلى الَّذي حسنه
…
مستوقفٌ ناظر من أبصرا
أرض دمشق لا أغبَّ الحيا
…
رباك إن راح وإن بكَّرا
لولا دمشق لا أغبَّ الحيا
…
رباك إن راح وإن بكَّرا
يا مجدنا إن قيل مجدٌ ويا
…
سيِّدنا المستعظم الأكبرا
متى أجدَّ الدَّهر أمنَّية
…
كنت المنى الصَّادق دون الورى
وقال يمدح بدر الدين أبا الفضائل لؤلؤ بن عبد الله –صاحب الموصل-:
[من الطويل]
بعثت لنا من سحر مقلتك الوسنى
…
سهادًا يذود الجفن أن يألف الجفنا
وأبصر جسمي حسن خصرك ناحلاً
…
فحاكاه لكن زاد في دقَّة المعنى
/276 أ/ وأبرزت وجهًا يخجل الصَّبح طالعًا
…
وملت بقدَّ علَّم الهيف الغصنا
حكيت أخاك البدر في حال تمِّه
…
سنى وسناءً إذ تشابهتما سنَّا
أسمراء إن أطلقت بالدَّمع عبرتي
…
فإن لقلبي من تباريحه سجنا
وإن تحجبي بالبيض والسُّمر فالهوى
…
يهوِّن عند العاشق الضَّرب والطَّعنا
وما الشوق إلا [أن] أزورك معلنًا
…
فلا مضمرًا خوفًا ولا طالبًا إذنا
وألقاك لا أخشى الغيور فأنثني
…
ولو منعت أسد الشَّرى ذلك المغنى
لك الله قلبًا لا يصدُّ عن العلا
…
وعزمًا عن المجد المؤثِّل لا يثنى
ومالي لا أسمو إلى النَّجم صاعدًا
…
وأبلغ منه قاب قوسين أو أدنى
وقد فزت من بين الملوك بمالك
…
رحيم له الحسن المضاعف والحسنى
بأصوبهم رأيًا وأسمحهم يدًا
…
وأطيبهم ذكرًا وأعذبهم مجنى
وقال أيضًا يمدح الشريف الحسيب الصاحب تاج الدين أبا المعالي محمد بن أبي نصر بن يحيى بن علي العلي المدائني المعروف بابن صلايا وهو يومئذٍ متولي إربل:
[من الكامل]
/276 ب/ ألقت إليك بنو المطالب حاجها
…
إذ شاقها الإحسان منك وهاجها
فنعشت غابرها ورشت جناحها
…
وانلت غايات المنى محتاجها
عاجت تساءل بالكرام فلم تجد
…
إلَاّ عليك من الأنام معاجها
إن كان بخل الدَّهر أكسد سوقها
…
يومًا كأنَّ على نداك رواجها
إنَّ المكارم يا ابن نصر اعذبت
…
آراؤها ونفى الزَّمان أجاجها
أضحى محمَّدها وقد ذمَّ الورى
…
وبدت مفارقها فأصبح تاجها
أجداده وجدوده أحللنه
…
شرف العلا وحللن عنه رتاجها
إنَّ الخلافة جرَّدت بك ماضيًا
…
سلك الأمور شعابها وفجاجها
ودعت ك للأواء أعضل خطبها
…
لمَّا رأت في راحتيك علاجها
فكفيتها الحالين تملأ بالندى
…
والبأس منها سلمها وهياجها
مرضت مطالبها فكنت شفاءها
…
ودجت غياهبها فكنت سراجها
وكسوت أربعها السَّكينة بعد ما
…
رفع الشِّقاق قتامها وعجاجها
وعدوت باسم أبيك في يوم الوغى
…
متسربلاً فكفيتها إزعادها
ورعيت سرح المسلمين بمقلةٍ .. أضحى اعتزامك حقَّها وحجاجها
/277 أ/ وهَّاب كلِّ جليلة بذَّالها
…
جلَاّء كلِّ ملمَّة فرَّاجها
قوَّال كلِّ كريمةٍ فعَّالها
…
ورَّاد كلِّ كريهةٍ ولَاّجها
أحيا نداك من العفاة قلوبها
…
وشجت قناك من العدا أوداجها
مدَّت بضبعك أسرةٌ علويَّةٌ
…
بتمامها أمنت علاك خداجها
شيمٌ ورثت قديمها وحديثها
…
وقفوت في حفظ العلا منهاجها
في فضلها نزل الكتاب وإن أتت
…
فئةٌ وأوجبت الحقود لجاجها
أضحى هداك لأولياك شهادةً
…
قطعت نزاع شنانها وحجاجها
ها قد جلوت على علاك عقيلةً
…
أحلت خلائقك الحسان مجاجها
عذراء أنكحها الرَّجاء وأثقلت
…
حملاً وكان ندى يديك نتاجها
تهدي هنا العم الجديد لكعبةٍ
…
أضحى عظيمات المنى حجَّاجها
وله ما يكتب على لسان سيف أهدي إلى الإمام أمير المؤمنين المستنصر بالله أبي جعفر المنصور –رضوان الله عليه-: [من البسيط]
/277 ب/ لا غرو أن حسدت بيض الظُّبا شرفي
…
وقد رأيت بي المنصور معتصما
يضمُّ جفني على برقٍ إذا هطلت
…
غمامةٌ أمطرت أعداءه نقما
ما افترَّ ثغري في هيجاء كالحةٍ
…
إلَاّ حميت مباحًا أو أبحت حمى
وقال أيضًا يمدج بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله: [من الكامل]
وحياتكم بسواكم لا أشعف
…
كلفي اختيارٌ ليس فيه تكلُّف
بكم حلفت لعذَّلي فليقصروا
…
عزَّ السُّلوُّ غداة عزَّ المصحف
جهلوا فقالوا في الغرام مذلَّةٌ
…
إنَّ المحبَّ بذلَّةٍ يتشرَّف
فأجبتهم إن كنت متلف مهجتي
…
فليهنها أن أصبحت بك تتلف
أأخيَّ هات عن الحمى فحديثه
…
عندي وإن كرَّرته مستطرف
هل زخرفت أيدي الرَّبيع ربوعه
…
فرياضهن مدَّبحٌ ومفوف
وبذالك الوادي أمير ملاحة
…
أسر القلوب بمقلتيه مصرَّف
الشَّعر منه رأيةٌ وقوامه
…
الميَّال رمحٌ واللَّواحظ مرهف
/278 أ/ جلت الملاحة منه وجهًا مشرقًا
…
كالشَّمس تجمل في العيون وتطرف
ماء الحياء سقى على وجناته
…
وردًا جنيًا باللَّواحظ يقطف
ثمر الحياة وصاله لو يجتني
…
وأخو السُّلاف رضابه لو يرشف
يا باخلين إذا سألنا وصلهم
…
وإذا هم بذلوا القطيعة أسرفوا
رفقًا فقد أبقيتم لي مهجةً
…
عن حمل جوركم تكلُّ وتضعف
بخلاً وظلمًا آن أن تترفَّقوا
…
بالمغرم العاني وأن تتعطفوا
إن تبخلوا فأبو الفضائل واهبٌ
…
أو تظلموا فأبوا الفضائل منصف
ملكٌ إذا اعوجَّ الزَّمان أقامه
…
رأيٌ له لدن المهزَّ مثقِّف
سمحٌ يفرِّق بالمواهب ماله
…
ويضمُّ أشتات العلا ويؤلَّف
معن الحباء يرى فواضل كفِّه
…
في النَّاس زائدةً تعين وتعسف
يلقى المنى منه غريم مكارمٍ
…
جذلان يقرضها الجميل ويسلف
تبدي المدائح منه ثغرًا باسمًا
…
أبدأ دموع المال منه تذرف
إنَّ الفضائل ما دعتك لها أبًا
…
إلَاّ وأنت بها أبرُّ وأراف
عدلٌ نفى ظلم الخطوب وغرَّةٌ
…
يجلى بها عنَّا الظَّلام ويكسف
/278 ب/ وخلائقٌ شرفت وجاوز حسنها
…
حدَّ الصَّفات فما تحدُّ وتوصف
فشجاعةٌ عمروٌ وجودٌ حاتمٌ
…
وسياسةٌ عمرٌ وحلم أحنف
يا كامل الأوصاف قدرك في الورى
…
أعلىعلى رغم الحسود وأشرف
أحرزت دين الله وهو مضيَّعٌ
…
ومنعت منه وهو أعزل أكشف
ضمِّنت تمهيد البلاد فمهِّدت
…
أمنًا وكانت بالمخافة ترجف
فالله يجزيك الرِّضا عن أمَّة
…
أضحت برأيك من أذاها تكنف
يا مالكًا أغنى يدي فأطاف بي الـ
…
ـعافي وكنت على الكفاف أطوف
وأنالني ما ابتغى وأعادني
…
ما أتقي وأعاد لي ما أتلف
وأفاك معتدل الزَّمان فوفِّه
…
عليا يطوف به السُّرور وتعكف
واستجل للنيروز وجهًا لم يزل
…
تصبو القلوب بمجتلاه وتكلف
روضٌ كوشي البرد يضحك زهره
…
دمع الحيا منه وتربٌ مترف
يسري النَّسيم به فيهدي صحَّة
…
لقلوبنا وهو العليل المدنف
وقال أيضًا يمدحه: [من الوافر]
/279 أ/ هنيئًا أيُّها الملك الرَّحيم
…
فقد ظفرت يداك بما تروم
رآك الله أهلاً للمعالي
…
وأحوال الورى بك تستقيم
فزاداك بسطة في الملك حتَّى
…
غدت من دون رفعتك النُّجوم
فكنت على العباد سحاب برٍّ
…
به يحيى المصوَّح والهشيم
وكانوا أنفسًا ملئت همومًا
…
فزالت إذ ملكتهم الهموم
طلعت على البلاد طلوع بدرٍ
…
يضيء بنوره اللَّيل البهيم
فقد حسدت مرابع مصر أرضًا
…
ركابك في مرابعها مقيم
لك البشرى بسيف الدِّين نجلاً
…
نماه إلى العلا الحسب الصَّميم
وما تزكوا فروع المرء إلَاّ
…
إذا زكت المغارس والأروم
مضى بسعادة وأتى بجدٍّ
…
علىٌّ لا يرام ولا يريم
ومن تك أنت والده تنله
…
المعالي وهو في مهد فطيم
فلو [لا] أن تؤمَّ التُّرك منه
…
ركابٌ أمَّت العرب الغموم
ولولا أن بعثت به إليهم
…
أبيح المال وانهتك الحريم
يدلك في رقاب النَّاس أضحى الـ
…
ـجهول بها مقرًا والحليم
/279 ب/ مليك الأرض ما للبيض تشكو
…
مماطلة وقد وجد الغريم
وما لموارد اللَّبات تبدو
…
وأطراف الرِّماح السُّمر هيم
وجرد الخيل واقفةً صفونًا
…
تكاد على تلبثنا تلوم
فأقبلها بلاد عداك قتلاً
…
تصلصل في جحافلها الشَّكيم
ومنها قوله:
ولا تحفل بجمعهم فطير الـ
…
ـحمام على نفوسهم تحوم
يدل على المعاني فيك فكري
…
فعالٌ منك محمودٌ كريم
وإن أك شاعرًا أحذو القوافي
…
ففي وادي مديحك لا أهيم
وقال أيضًا يمدحه: [من الطويل]
كذا أبدًا تبني العلا وتشيد
…
وعن قدرة تفني العدا وتبيد
ليهنك أن الله أنجز وعده
…
وألحق بالباغين منه وعيد
فلا خللٌ يخشى ولا نقص يتَّقى
…
وملكك فينا ثابتٌ ويزيد
نوالك في عمر الرَّجاء زيادةٌ
…
وسعيك في جيد الثَّناء عقود
وأنت الَّذي زدت المعالي ملاحةً
…
كأنك توريدٌ وهنَّ خدود
/280 أ/ ولمَّا بغى الأعداء سقت إليهم
…
رياح اهتمامٍ ما لهن ركود
وعزمًا تكاد الأرض من ثقل وطئه
…
تزعزع من أركانها وتميد
وكامل أوصاف العلا بحر بأسه
…
بسيطٌ إذا خاض الغمار مديد
ومنشوره الأعلام منصورة القنا
…
تقيت به أرواحهم وتفيد
أقمنا رجاءً أن يثوب غويُّهم
…
ويرجع منه السَّعي وهو حميد
فظنُّوا تمادينا يضعِّف رأينا
…
إذا الشر أبدى ناجذيه يحيد
فجادوا سراعًا والمنايا تسوقهم
…
وتبدئ في أطماعهم وتعيد
بجمع من الأعداء أمَّا عديده
…
فوافٍ وأما نفعه فزهيد
فلمَّا تدانينا وللحرب روعةٌ
…
تشيِّب رأس الطِّفل وهو وليد
نظمنا الرِّماح السَّمهريَّة فيهم
…
فهنَّ بأثناء الضُّلوع قصيد
وما افترَّ ثغر النَّصر حتَّى بكت دمًا
…
لطعن العوالي ثغرةً ووريد
إذا ركعت سمر القنا في نحورهم
…
غدا لهم فوق الصَّعيد سجود
وولَّى زعيم القوم والحرب طفلةٌ
…
ولم يذك من نارٍ الهياج وقود
يناديه صادي رمحه وهو هاربٌ
…
رويدك هذا الطعن أين تريد
/280 ب/ أما كنت يا مغرور من قبل تدَّعي
…
بأنَّك تلقاهم وأنت وحيد
أظنُّك أنسيت الشَّجاعة عندما
…
بدت لك أعلامٌ لهم وبنود
وإنَّ الَّذي منَّتك نفسك خاليًا
…
غداة التقى الجمعان منك بعيد
ولو وجدته ناشدات رماحنا
…
لحطَّ لثام النَّقع وهو فقيد
ولم ينج من ورد المنيَّة هاربٌ
…
لخوف العوالي في حشاه ورود
وما فرَّ حتَّى عاين الموت جهرةً
…
وأبصر بأس الله وهو شديد
وقابل ركن الدِّين كاللَّيث مخدرًا
…
يذبُّ العدا عن غيله ويذود
وغابًا بسمر الذَّابلات محجَّبًا
…
تصول على الأعداء منه أسود
كتائب تزجى نحوهم من كماتها
…
سحائب تهمي بالردَّى وتجود
بوارق بيضٌ في سماء عجاجة
…
لها من صهيل الصَّافنات رعود
فإن جحدوا أنَّا قتلنا سراتهم
…
فوحش الفيافي والنُّسور شهود
أأهدي إليهم صحبه أم هداهم
…
شهابٌ عراه في اللِّقاء خمود
وكيف يرجِّي نجمهم وشهابهم
…
مكانة بدر قابلته سعود
أبى الله إلَاّ أن يعين بذلَّة
…
عدوٌّ تمادى نعيه وحسود
/281 أ/ نبا المالك الملك الرحيم سمت بكم
…
سعود
فتاكم إذا جدَّ الخصام مؤمَّرٌ
…
وطفلكم قبل الفطام ولود
لكم يا نود الله في الأرض إن بغى
…
عدوٌّ من أملاك السَّماء جنود
لقد ألقحت أفكارنا بجميلكم
…
فها هي بالمدح الجميل ولود
يجيدون في إحسانكم وصنيعكم
…
فيحسن فيكم شاعرٌ ويجيد
/281 ب/.