الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الغالب على أمره
. الحكيم في نهيه وأمره. والصلاة والسلام على سيد خلقه. ومبلغ وحيه. وعلى آله وأصحابه زينة المجالس. وغرر الأيام الدوارس. وتابعيهم على الهدى والحق الذي ليس له طامس. وبعد:
أخي المسلم: إن نفوسنا ألفت المألوف، وانقطعت إلى دنيا الحظوظ، وتقلَّبَتْ على بساط الأماني، ورضعت من لبان الشهوات، فأصبح نهارها في طول الآمال .. وليلها المظلم إذا حُدِّثَتْ بقصر الآمال .. انقطعت إلى الدنيا .. وتَعبَّدَتْ للآمال الدنية .. والأيام في زوال .. والدهور في ارتحال .. لا المال الكثير يُقنِّعُها! ولا الجاه العريض يزَهِّدُها!
أخي: ماذا ننتظر بهذه النفوس الخداعة؟ ! وإلى متى نمد لها في حبال الآمال البراقة؟ !
أخي: أما كان فيمن مضى معتَبر؟ ! أمَا كان في القرون الخاليات مزدجر؟ !
أخي: أبَت النفس إلا ولوهًا بالشهوات .. وضلوعًا في الجهالات .. فيا تُرى فيم يكون الدواء الشافي؟ ! والسوط الرادع الواقي؟ !
أخي: سأدلك اليوم على دواء ترياق
.. وسم للدنيا دَفَّاقْ .. إن أنت تناولته كنت من الدنيا في مكان حَرِيزْ .. ومنزل عزيزْ .. تداوى به الصالحون من الدنيا وأوصابها، فكان سببًا في ارتفاعهم وعلوهم،
فأثنت عليهم الألسنة بالمحامد والمفاخر، وكانوا كالملوك ولم يكونوا ملوكًا! ولكنها أخي الدنيا وعجائبها، من لهث خلفها صيرته عبدًا لها! ومن زهد عنها ورفضها وقال لها: إليك عني صار ملكًا مسودًا!
فإن أردت أخي أن تعرف هذا الدواء فتأمل معي في هذه المنحة الإلهية، وبعدها أخبرك ما هو؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين ويهلك آخرها بالبخل والأمل» [رواه أحمد في الزهد والطبراني في الأوسط/ صحيح الجامع: 3845].
أخي: هل علمت هذا الدواء؟ ! إنه (الزهد).
أخي في الله: لقد اختلفت عبارات العلماء في تعريف الزهد، ولكنهم لم يختلفوا في فضله ومنفعته لعلاج أدواء الركون إلى الدنيا دار الغرور.
وها أنا أخي أفيض عليك هذه الدرر من كلام العلماء الربانيين؛ لتقف أخي على حقيقة (الزهد) الدواء العجيب!
قال ابن المبارك: (هو الثقة بالله مع حب الفقر).
وقال أبو سليمان الداراني: (هو ترك ما يشغل عن الله).
وقال سفيان الثوري: (الزهد في الدنيا: قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباءة).
وقال سفيان بن عيينة: (الزهد في الدنيا الصبر وارتقاب
الموت).
وقال ذو النون: (حقيقته هو الزهد في النفس).
وقال ابن الجلاء: (الزهد هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال لتصغر في عينيك فيتسهل عليك الإعراض عنها).
وقال وهيب بن الورد: «الزهد في الدنيا أن لا تأسى على ما فاتك منها ولا تفرح بما أتاك منها» .
وقال الإمام أحمد بن حنبل: «الزهد في الدنيا قصر الأمل» وقال أيضًا: «إنه عدم مرحه بإقبالها ولا حزنه على إدبارها» .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما تخاف ضرره في الآخرة» .
وقالوا: «الزهد خلو القلب عما خلت منه اليد» .
وقالوا: (الزهد من قوله سبحانه: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [الحديد].
وقالوا: «هو عزوف القلب عن الدنيا بلا تكلَّف» .
أخي المسلم: ها أنت قد رأيت عبارات العارفين .. وإن شئت أخي جمعت لك ذلك كله في عبارة واحدة هي:
إن الرغبة عن الدنيا، والفرار منها من غير تحريم لحلالها، ولا تحليل لحرامها، واتخاذ نعيمها مطية لطاعة الله تعالى يجمع لك حقيقة (الزهد) وحول هذه الأطلال حام الإمام ابن القيم رحمه الله فقال: «والتحقيق إنها إن شغلته عن الله فالزهد فيها أفضل وإن لم تشغله