المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وها أنا أخي أنقلك إلى واد آخر من أودية الزهد مع العلماء الربانيين - قواصم الظهور على دار الغرور الزهد

[أزهري أحمد محمود]

الفصل: ‌وها أنا أخي أنقلك إلى واد آخر من أودية الزهد مع العلماء الربانيين

الزهاد، ومن أحبهم كان معهم».

أيُّها الباني قُصُورًا طوالاً

أينَ تبغي هل تُريدُ السَّحَابَا

إنَّما أنتَ بوادي المنايا

إنْ رمَاكَ الموتُ فيه أصَابَا

أيُّها الباني لهدم اللَّيالي

ابن ما شئتَ سوفَ تَلْقَى خَرابَا

‌وها أنا أخي أنقلك إلى واد آخر من أودية الزهد مع العلماء الربانيين

.. وأهل المعرفة الراسخين ..

فلنصطحب أخي سويًا لنقف على كلام الإمام ابن رجب رحمه الله يهدينا كلمات غاليات، تعين على سلوك درب الزاهدين، فيقول: «الذي يعين على الزهد ثلاثة أشياء:

أحدها: علمك العبد أن الدنيا ظل زائل كما قال تعالى: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا

} وسمَّاها: {مَتَاعُ الْغُرُورِ} .

والثاني: علمه أن وراءها دار أعظم منها، وهي دار البقاء، فالزهد في الدنيا لتلك الدار العظيمة.

والثالث: أن تعلم أن ما قُدِّر لك من الدنيا لابد أن يأتيك، فزهدك عنها لا يمنع أن يأتيك ما كُتبَ لك منها، كما أن حرصك عليها لا يأتيك بما لم يكتب لك منها».

أرى الدنيا لمَنْ هي في يديه

عذابًا كلَّما كَثُرتْ لدَيْه

تُهينْ المكرمينَ لها بصُغْر

وتُكْرمُ كلَّ مَنْ هَانتْ عَليه

إذا استغنيت عن شيء فَدَعْهُ

وخُذْ ما أنتَ محتاجٌ إليه

ص: 13

أخي المسلم: لا يجد طعم الزهد إلا من تقلَّب في رياض الزاهدين .. فاقتبس أخبارهم .. واستروَح شَذَاهُم .. فهو في بستانهم يقطف من أزهارهم ..

أخي: ينبيك عن طيب نفحات الزهاد، تلكم الصور الرائعة للزهاد وهم يَحيُونَ حياة الزهد .. وينعمون نعيم أهل الطاعات .. فما أسعدها من لَحْظَات أنسُوا بها .. وما أسعدها من لحَظات لنا إن اقتفينا آثار الركب .. ويممنا شطرهم ..

وها أنا أخي أسرح بك في تلك الرياض .. لتحيا حياة الزاهدين حقًا .. فكن أخي كمن يرى ذلك بعينيه، ولا تقف على الأطلال وقوف الغافل اللاهي!

وكم هو جميل عندي أخي أن أعرض لك أولاً هذه الصور الرائعة من زهد نبينا صلى الله عليه وسلم، فهو سيد الزاهدين .. وإمام المهتدين ..

خطب النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: «ذكر عمرُ ما أصاب الناسُ من الدنيا فقال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ما يجد دقلاً (رديء التمر) يملأ به بطنه» ! [رواه مسلم].

أخي أليس هو صلى الله عليه وسلم السائل ربه أن يحيه حياة الزاهدين يوم أن قال: «اللهم أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين» [رواه ابن ماجه والطبراني/ صحيح الجامع: 1261].

أخي في الله: إن الله تعالى لم يرض لنبيه صلى الله عليه وسلم إلا الدرجة العليا في الصالحات، فما من عمل يُلْتَمَسُ به وجه الله تعالى، والدار الآخرة إلا وكان فيه للنبي صلى الله عليه وسلم النصيب الأوفر، والقدح المُعَلَّى ..

ص: 14

فصلواتي وسلامي عليك يا رسول الله، لم تَألُ جهدًا أن تبذل لأمتك النصح قولاً وعملاً ..

وهذه المصُونة الصديقة بنت الصديق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تخبرنا بطرف من هذا الزهد، حيث وقف ابن أختها عروة مشدوهًا بزهده عندما قالت له:«ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلَّة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار فقال عروة: ما كان يعيشكم؟ ! قالت: الأسودان التمر والماء .. » [رواه البخاري].

وها هو صلى الله عليه وسلم ذات مرة بين أصحابه رضي الله عنهم وقد نام على حصير فأثر في جنبه صلى الله عليه وسلم فقالوا له: لو اتخذنا لك وطاءً. فقال: «مالي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها! » [رواه الترمذي وأحمد والحاكم/ صحيح الجامع: 5668].

أخي: ما أجْفَى الدنيا وما أقلَّ وفاءَها، ولو كان فيها خير لأقبل عليها النبي صلى الله عليه وسلم ولكن أنَّى! وما عند لله خير وأبقى .. فمات صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبز الشعير!

قالت عائشة رضي الله عنها: «لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين! » [رواه مسلم].

نَزْهٌ عن الدنيا وباطلها

لا عَرَض يَشْغُلهُ ولا نَقْدُ

رفضَ الحياةَ على حلاوتها

واختارَ ما فيه له الخُلْدُ

يكفيه ما بلغَ المحل به

لا يشتكي إن نابَهُ جَهْدُ

فاشدُدْ يديكَ إذا ظفرتَ به

ما العيشُ إلا القَصْدُ والزُهْدُ

ص: 15