الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
مراعاة المصالح والمفاسد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
قال رحمه الله: " وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والحسنات والسيئات أو تزاحمت؛ فانه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد وتعارضت المصالح والمفاسد؛ فإن الأمر والنهى وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به؛ بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته، لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد رأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقل أن تعوز النصوص من يكون خبيرا بها وبدلالتها على الأحكام، وعلى هذا إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما بل إما أن يفعلوهما جميعا أو يتركوهما جميعا لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا أن ينهوا عن منكر؛ بل ينظر فإن كان المعروف أكثر أمر به وإن استلزم ما هو دونه من المنكر، ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف اعظم منه؛ بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وزوال فعل الحسنات، وإن كان المنكر أغلب نهى عنه؛ وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف، ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمرا بمنكر وسعيا في معصية الله ورسوله، وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما، ولم ينه عنهما، فتارة يصلح الأمر، وتارة يصلح النهي، وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي حيث كان المنكر والمعروف متلازمين، وذلك في الأمور المعينة الواقعة، وأما من جهة النوع: فيؤمر بالمعروف مطلقا، وينهى عن المنكر مطلقا، وفي الفاعل الواحد والطائفة الواحدة يؤمر بمعروفها وينهى عن منكرها، ويحمد محمودها، ويذم مذمومها، بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات معروف أكبر منه، أو حصول منكر فوقه، ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول ما هو أنكر منه، أو فوات معروف أرجح منه، وإذا اشتبه الأمر استثبت المؤمن حتى يتبين له الحق، فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونية، وإذا تركها كان عاصيا، فترك الأمر الواجب معصية، وفعل ما نهى عنه من الأمر معصية، وهذا باب واسع ولا حول ولا قوة إلا بالله"
(1)
.
(1)
الاستقامة: 2/ 216 - 219.
وقال أيضا- رحمه الله: " وهذه حال كثير من المتدينة يتركون ما يجب عليهم من أمر ونهي وجهاد يكون به الدين لله، وتكون به كلمة الله هي العليا لئلا يفتنوا بجنس الشهوات، وهم قد وقعوا في الفتنة التي هي أعظم مما زعموا أنهم فروا منه، وإنما الواجب عليهم القيام بالواجب من الأمر والنهي وترك المحظور، والاستعانة بالله على الأمرين، ولو فرض أن فعل الواجب وترك المحظور وهما متلازمان، وإنما تركوا ذلك لكون نفوسهم لا تطاوعهم إلا على فعلهما جميعا أو تكرهما جميعا مثل كثير ممن يحب الرياسة أو المال أو شهوات الغي فإنه إذا فعل ما وجب عليه من أمر ونهي وجهاد وإمارة ونحو ذلك فلا بد أن يفعل معها شيئا من المحظورات؛ فالواجب عليه أن ينظر أغلب الأمرين، فإن كان المأمور أعظم أجرا من ترك ذلك المحظور لم يترك ذلك لما يخاف أن يقترن به ما هو دونه في المفسدة، وإن كان ترك المحظور أعظم أجرا لم يفوت ذلك برجاء ثواب فعل واجب يكون دون ذلك، فذلك يكون بما يجتمع له من الأمرين من الحسنات والسيئات فهذا هذا، وتفصيل ذلك يطول"
(1)
.
وقال أيضا- رحمه الله: " وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات أو المستحبات؛ فالواجبات والمستحبات لا بد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة؛ إذ بهذا بعثت الرسل وأنزلت الكتب والله لا يحب الفساد، بل كل ما أمر الله به فهو صلاح، وقد اثنى الله على الصلاح والمصلحين والذين امنوا وعملوا الصالحات، وذم الفساد والمفسدين في غير موضع، فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم يكن مما امر الله به؛ وإن كان قد ترك واجب وفعل محرم، إذ المؤمن عليه أن يتقى الله في عباد الله وليس عليه هداهم، وهذا من معنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضال، وذلك يكون تارة بالقلب وتارة باللسان وتارة باليد"
(2)
.
(1)
الاستقامة: 2/ 291.
(2)
الاستقامة: 2/ 211 - 212.