الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب "سيرة النبي صلى الله عليه وسلم" للعلامة شبلي النعماني وتكملته للعلامة السيد سليمان الندوي
" عرض وتحليل "
أ. د/ تقي الدين بن بدر الدين ندوي
بسم الله الرحمن الرحيم
المبحث الأول: التعريف بالمؤلفين بإيجاز
العلامة شبلي النعماني:
هو العلامة الفاضل المؤرخ والأديب البحاثة والكاتب القدير والمتكلم الكبير، الشيخ محمد شبلي بن الشيخ حبيب الله، ولد بقرية "بندول" من أعمال (أعظم جراه)(1) سنة أربع وسبعين ومائتين وألف من الهجرة، الموافق لشهر مايو - أيار سنة 1857م (2) .
اعتنق جده الأعلى "شيوراج سنغ" الإسلام قبل أربعة قرون تقريباً، وكان أصله من "راجبوت" وهم طبقة عليا من الهندوس ومن خصائصهم الفروسية والشجاعة والقيادة.
سماه أبوه محمد شبلي، لكن شبلي اقتصر على (شبلي) وأضاف إليه النعماني، نسبة إلى مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله تعالى.
وقد نشأ في بيئة علمية فتعلم القرآن واللغة الفارسية في قريته، وقرأ اللغة العربية على أستاذ العلماء فاروق علي العباسي (3) المتوفى سنة 1327? وأخذ منه المنطق والحكمة، وبرز فيهما ولازمه مدة طويلة حتى شهد له شيخه محمد فاروق الجرياكوتي بالمهارة في الحكمة، وكان يقول له:"أنا أسد وأنت شبلي"(4) .
وقد أخذ شبلي الفقه من العالم الفقيه الأصولي إرشاد حسين المجددي
(1)(أعظم جراه) هي مدينة بشمال الهند (اترابراديش) .
(2)
انظر: "نزهة الخواطر"(8/189) وحياة شبلي ص (68) .
(3)
هو الشيخ الفاضل العلامة محمد فاروق بن علي أكبر العباسي الجرياكوتي أحد الأفاضل المشهورين في الهند المتوفى سنة 1327? "نزهة الخواطر"(8/476ـ477) .
(4)
حياة شبلي ص (74) .
الرامفوري (1) المتوفي سنة 1311هـ وسافر شبلي إلى لاهور ليأخذ الأدب العربي من الشيخ العالم الكبير فيض الحسن السهارنفوري المتوفي سنة 1304هـ وأنشأت صحبته للشيخ فيض الحسن (2) فيه ذوقاً أدبياً رفيعاً حتى حفظ ديوان "الحماسة"، وتدرَّب على الكتابة باللغة العربية الفصحى، ثم سافر إلى المحدِّث الشيخ مولانا أحمد علي السهارنفوري المتوفى سنة 1297هـ، وهو من أخص تلامذة المحدث الدهلوي الشيخ محمد إسحاق (3) المتوفى سنة 1262هـ.
قال العلامة شبلي: "إني سافرت لطلب الأدب والمنطق والحديث وأصول الفقه مسافات بعيدة إلى كبار الأساتذة في كل فن في الهند"(4) .
وقد اعترف العلامة عبد الحي الحسني أن شبلي قد فاق أقرانه في الإنشاء والشعر والأدب والتاريخ وكثير من العلوم والفنون (5) .
ثم ولي التدريس في كلية (علي جراه) وصحب الأساتذة الغربيين؛ لأن الكلية كانت مجمعاً لأساتذة الشرق والغرب، وهي أول كلية أنشئت بعد دخول الإنكليز في الهند لتدريس العلوم الجديدة، لذلك أتيحت له الفرصة للاطلاع على أفكار الغرب ودراساتهم، والتقى آرنولد في الكلية وتعلم شبلي
(1) انظر ترجمته في "نزهة الخواطر"(7/391) .
(2)
هو الشيخ العالم الكبير العلامة فيض الحسن السهارنفوري عُرِف بالذكاء والفطنة والعلم، ولم يكن في عصره أعلم منه بالنحو واللغة والأشعار، وأيام العرب، توفي سنة 1304? (نزهة الخواطر" (8/389) .
(3)
هو الشيخ العالم المحدث المسند أبو سليمان إسحاق بن محمد أفضل الدهلوي المهاجر إلى مكة المباركة ودفينها، توفي سنة 1262 ? "نزهة الخواطر"(7/60) .
(4)
مجلة "المعارف" عدد نوفمبر 1923م.
(5)
"نزهة الخواطر"(8/174) .
منه اللغة الفرنسية، كما تعلم آرنولد منه اللغة العربية، واستفاد منه في التاريخ الإسلامي (1) .
وصحب شبلي السيد أحمد بن المتقي الدهلوي (2) ومال إلى التاريخ والسير، وصنف كتاباً في " سيرة المأمون العباسي " و " سيرة النعمان " في سيرة الإمام أبي حنيفة و " الفاروق "، وألف كتابه " الجزية " و " حقوق الذميين " و " حياة الرومي " و " شعر العجم " وغيرها. وقد زار شبلي سنة 1892م القسطنطينية والشام وبيروت وبيت المقدس والقاهرة، واطلع في رحلته هذه على المكتبات وكتب قيمة نادرة من العلوم والفنون المختلفة، وقد أكرمته الحكومة التركية بالوسام المجيدي، فلما اطلعت الحكومة الإنكليزية على ذلك في الهند أكرمته بلقب شمس العلماء سنة 1894م وقد أُكرم العلامة بهذا اللقب ولم يتجاوز عمره خمساً أو ستاً وثلاثين سنة.
وكان شبلي قد شارك في تأسيس ندوة العلماء، وله دور بارز في إصلاح مناهجها، وكان رئيس ندوة العلماء الشيخ محمد علي المونكري يقول: أنا مغرم بكفاءة العلامة شبلي، وأنا أرى أن النجاح لم يتحقق إلا بكفاءته وهمَّته (3) .
وقد توفي سنة 1332هـ عن سبع وخمسين سنة، ودفن في ساحة مجمع دار المصنفين الذي أسسه لإعداد المؤلفين والباحثين، وقد صدر عنه ما يقارب ثلاثمائة كتاب على مستوى عالٍ في البحث والتحقيق، ونشر منها كتاب "سيرة
(1) انظر: "حياة شبلي" ص (131) .
(2)
هو السيد أحمد بن المتقي الدهلوي المعروف بسيد أحمد خان المتوفي سنة 1315? "نزهة الخواطر"(7/42) .
(3)
سيرة مولانا مونكيري ص (281) .
النبي"، وصار في أسلوبه أحد المجيدين الخمسة للغة الأردية، وهو أصغرهم سناً، وقد اختار أسلوبه أكثر المؤلفين في الكتابة والبحث في اللغة الأردية.
وتتلمذ عليه عدد كبير من العلماء، وأشهرهم المحقق السيد سليمان الندوي، وهو خليفة العلامة شبلي، كان من أحلى أمانيه أن يكمل كتاب شيخه:"سيرة النبي صلى الله عليه وسلم" وقد وضع شبلي خطة الكتاب وبدأ تأليفه لكنه لم يؤلف إلا جزأين حتى وافاه الأجل، فخلفه تلميذه النابغة السيد سليمان الندوي، وأكمل الكتاب في سبعة مجلدات كبار.
العلامة السيد سليمان الندوي (1)
هو الشيخ العلامة الأستاذ السيد سليمان الندوي الحسيني، أحد العلماء المبرزين في علوم التفسير والتاريخ والأدب والكلام ونوابغ الفضلاء والمؤلفين في القارة الهندية.
ولد يوم الجمعة لسبع بقين من صفر سنة اثنتين وثلاثمائة وألف، الموافق 22 من نوفمبر سنة 1884م، ونشأ بدسنه - بكسر الدال وسكون السين المهملتين - وهي قرية من أعمال ولاية بهار.
وقرأ مبادئ العلم وبعض الكتب المتداولة، ثم التحق بدار العلوم ندوة العلماء سنة 1318?، وتخرج فيها ونال الشهادة سنة 1324?، ولا شك أن كبار العلماء والمدرسين قد اجتمعوا في عصره في ندوة العلماء، فقرأ عليهم واستفاد منهم، وكان منهم العلامة شبلي النعماني.
أخذ عنه السيد سليمان الندوي الأدب العربي، واستفاد منه استفادة عامة واختص به ولازمه، وتولى نيابة عنه تحرير مجلة "الندوة" ثلاث مرات، ولفت الأنظار بمقالاته العلمية التي تدل على نبوغه وتبشر بمستقبل الكاتب، وعيّن أستاذا في دار العلوم ندوة العلماء سنة 1325?، ثم استقدمه مولانا أبو الكلام سنة 1330? للمشاركة في تحرير جريدة (الهلال) ، ومكث فيها سنة، ثم اختير أستاذا في كلية بونا التابعة لجامعة بومبائي، وأقام فيها نحو ثلاث سنوات، وحاز ثقة الأساتذة والطلبة.
(1) انظر ترجمته في "نزهة الخواطر"(8/177) وحياة سليمان للأستاذ معين الدين احمد الندوي، و"براني جراغ"(المصابيح القديمة) لسماحة الشيخ أبي الحسن الندوي، ومجلة "المعارف" الصادرة في دار المصنفين اعظم جراه الهند.
ثم طلبه أستاذه العلامة شبلي عند دنو الأجل، وفوض إليه إكمال سلسلة "سيرة النبي" على صاحبها الصلاة والسلام، التي بدأ بها، ونظارة دار المصنفين التي أسسها، وتوفي أستاذه على إثر ذلك، وذلك في سنة 1332?، وتولى تحرير مجلة "المعارف" الشهرية، وعكف على التأليف والتحقيق مكبّاً على إكمال "سيرة النبي صلى الله عليه وسلم" وزار لندن وباريس والقاهرة وأفغانستان، ولما عقد الملك عبد العزيز مؤتمر العالم الإسلامي سنة 1344? ودعا علماء المسلمين وزعماءهم، اختير العلامة السيد سليمان الندوي نائباً للرئيس في وقائع المؤتمر.
وقد طلبه ملك أفغانستان ليستفيد من تجاربه ودراساته فسافر مع الدكتور محمد إقبال والسيد رأس مسعود، وأكرمه الملك، واحتفت به البلاد، ومنحته جامعة علي جراه الإسلامية شهادة الدكتوراه الفخرية في الأدب اعترافاً بمكانته العلمية.
وطلبه حاكم ولاية بهوبال ليتولى رئاسة القضاء في الإمارة ورئاسة الجامعة الأحمدية والإشراف على التعليم الديني والأمور الدينية في بهوبال، فأجابه إلى ذلك، وأقام فيها ثلاث سنوات، وبعد انقسام الهند طلبه بعض أركان حكومة باكستان ليشارك في وضع الدستور الإسلامي للحكومة الوليدة فأجابهم إلى ذلك، في شعبان سنة 1369? وقرر الإقامة في باكستان. وكذا اختاره مجمع فؤاد الأول في مصر عضواً مراسلاً في سنة 1371?.
ووافاه الأجل غرة ربيع الآخر سنة 1373? في كراتشي، وحضر جنازته كبار العلماء وأعيان البلاد، وجمع كبير من الناس، ودفن في مقبرة كراتشي بجوار الشيخ شبير أحمد العثماني (1) صاحب كتاب "فتح الملهم شرح مسلم"،
(1) انظر ترجمته في مقدمة تكملة "فتح الملهم" المجلد الأول و"حياة عثماني" لأنوار الحسن الشيركوتي.
المتوفى سنة 1369هـ.
كان السيد سليمان الندوي: من كبار المؤلفين في هذا العصر، ومن المكثرين في الكتابة والتأليف، مع سعة علم ودقة بحث وتنوع مقاصد.
قال سماحة الشيخ أبي الحسن الندوي: "كان راسخاً في العلوم العربية وأدبها، دقيق النظر في علوم القرآن وعلم التوحيد والكلام، غزير المادة في التاريخ وعلم الاجتماع والمدنية، صاحب أسلوب أدبي في اللغة الأردية وكاتبا مترسلا في اللغة العربية"(1) .
وله مؤلفات عديدة منها:
* تكملة "سيرة النبي صلى الله عليه وسلم" لأستاذه في خمسة مجلدات كبار.
* "خطبات مدارس" من خير ما كتب في السيرة النبوية، ونقل إلى اللغة العربية باسم "الرسالة المحمدية" ونقل إلى الإنجليزية أيضاً.
* "أرض القرآن" في مجلدين في جغرافية القرآن، و"سيرة عائشة".
* "سيرة الإمام مالك" و "خيام" و"نقوش سليمان" و"حياة شبلي" في سيرة أستاذه، وغيرها من المؤلفات والبحوث والمقالات.
(1) انظر: "نزهة الخواطر"(8/179) .