المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: سبب تأليف هذا الكتاب - كتاب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم

[تقي الدين الندوي]

الفصل: ‌المبحث الثاني: سبب تأليف هذا الكتاب

‌المبحث الثاني: سبب تأليف هذا الكتاب

ألف العلامة شبلي مؤلفات عديدة في التاريخ والأدب، واشتهرت مؤلفاته ومقالاته في البلاد، وآخر كتبه الذي تشرف بتأليفه هو "سيرة النبي" صلى الله عليه وسلم، ويقول في بيت من الشعر مامعناه:

لقد مدحت العجم وألَّفت تاريخ بني العباس، كان من قدر الله أن أقيم عند الأغيار مدة من الزمن، ولكني وفقت أن أؤلف الآن سيرة خاتم النبيين، فالحمد والشكر لله على حسن الخاتمة بهذا العمل المبارك.

فلما أراد العلامة شبلي أن يؤلف هذا الكتاب توجَّه إلى الاطلاع على مؤلفات علماء الإسلام في السيرة قديماً وحديثاً، ولكن هذه المؤلفات كانت عبارة عن سرد الحوادث التاريخية فحسب، ولا علاقة لها بعلم الكلام، ولكن الناقدين المعاصرين يزعمون أن الدين لو كان عبارة عن الإيمان بالله فحسب فلا نقاش فيه، وإذا كان الدين يطالب بالإيمان بالرسول أيضاً فلابد لنا من معرفة شؤون حياته وعاداته وأخلاقه؛ لأنه هو الذي أنزل عليه الوحي وهو رسولٌ بين الله وخلقه.

إن مؤرخي الإفرنج الذين ألفوا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قدَّموا في مؤلفاتهم صورة مشوهة لحياته صلى الله عليه وسلم.

وأبناء الجيل الجديد الذين لم يدرسوا اللغة العربية والدراسات الإسلامية، إذا أراد أحد منهم معرفة شيء عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لجأ إلى كتب المستشرقين المشوهة المملوءة بالمعلومات المسمومة، وهكذا تتسرب هذه السموم إلى نفوسهم، وتؤثر رويداً رويداً فيهم من غير أن يشعروا بها؛ لدرجة

ص: 13

أنه قد ظهر في البلاد جماعة لا يفرقون بين المصلح والرسول، فالرسول عندهم مصلح محض.

هذه العوامل هي التي دعتني أخيراً إلى وضع كتاب ضخم في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم. ويبدو هذا العمل في بادئ الأمر سهلاً يسيراً؛ لأن هناك مئات من الكتب باللغة العربية، فلو أردت أن أؤلف كتاباً في السيرة كان عليّ أن أختار من هذه الكتب، ولم يكن يتطلب مني ذلك إلا بضعة شهور. ولكني لما قمت بهذه المهمة وجدتها صعبة وشاقة ودقيقة لم أواجه مثلها طول حياتي العلمية.

ثم إن مؤلفي السيرة النبوية لم يكتفوا في كتبهم بالروايات الصحيحة وحدها كما أشار إليه الحافظ زين الدين العراقي، وهو من شيوخ الحافظ ابن حجر العسقلاني قائلا:

وليعلم الطالب أن السيرا

تجمع ما صحَّ وما قد أُنْكرا

ولهذا السبب تسربت الروايات الضعيفة والموضوعة إلى كتب السيرة، فكان من الضروري أن تجمع جميع الكتب الهامة في الحديث والرجال لتمحيص الروايات ونقدها؛ ليمكنني أن أؤلف كتابا في السيرة حتى يعدَّ ثقة بين الناس، ولا يستطيع شخص واحد أن يتصفح مئات من الكتب في هذا المجال ويقتبس منها المعلومات.

وكذلك كنت بحاجة إلى الاطلاع على الكتب الإفرنجية التي ألفت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فهيأ الله أن كُوِّنت لجنة من المسلمين الباحثين العارفين باللغات الإفرنجية والعربية، وبعد ذلك لم تكن موانع للقيام بهذه المهمة (1) .

(1) انظر مقدمة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم (1-7/10) .

ص: 14