المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السابع: منهجهما في توثيق الروايات وترجيح بعضها على بعض - كتاب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم

[تقي الدين الندوي]

الفصل: ‌المبحث السابع: منهجهما في توثيق الروايات وترجيح بعضها على بعض

‌المبحث السابع: منهجهما في توثيق الروايات وترجيح بعضها على بعض

ذكرت أنهما أخذا في تصحيح الروايات وتضعيفها بقواعد المحدثين، ولاسيما إذا كان حادثاً له قيمة كبيرة، قاما بتحقيقه تحقيقا علميا دقيقا، أما ما يتعلق بالأحداث اليومية فاكتفيا بما جاء في كتب السير.

نذكر أمثلة لذلك منها:

أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر قد خرجا في ليلة الهجرة وأوَيا إلى غار ثور. وبينما هما في الغار، إذ رأى أبو بكر آثار المشركين، فقال: يا رسول الله: لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا، قال:"لا تحزن إن الله معنا" والمعروف أن الكفار لما دنوا من غار ثور أنبت الله على بابه الراءة. (هي شجرة معروفة) فحجبت عن الغار أعين الكفار. وأرسل الله حمامتين وحشيتين فوقفتا على وجه الغار، وإن ذلك مما صدَّ المشركين عنهما، وإن حمام الحرم من نسل تَينِك الحمامتين. يقول العلامة شبلي (1) : قد ذكرت هذه الرواية في "المواهب اللدنية" وفي شرحه للزرقاني رويت عن "مسند البزار" وغيره، لكن هذه الرواية لا أصل لها، لأن راوي هذه القصة هو عون ابن عمرو. قال يحيى بن معين فيه: لا شيء، قال البخاري: هو منكر الحديث، ومجهول، وفي إسناد هذه الرواية أبو مصعب المكي لا يعرف، وقد ذكر الإمام الذهبي هذه الأقوال في "ميزان الاعتدال"(2) في ترجمة عون بن عمرو، وذكر

(1)"سيرة النبي"(1/272) .

(2)

(3/306) .

ص: 37

هذه الرواية (1) أيضاً.

1-

في غزوة خيبر أبلى عليّ رضي الله عنه بلاءً حسناً، ومن دلائل ذلك: روى ابن إسحاق (2) من حديث رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن علياً عندما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود، فطرح ترسه من يده، فتناول عليّ باباً كان عند الحصن فترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده حتى فرغ. قال الراوي أبو رافع: فلقد رأيتني في نفر سبعة معي أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما نقلبه. قال العلامة شبلي:(3) هذه الرواية رواها ابن إسحاق والحاكم، لكن قال السخاوي في:"المقاصد الحسنة"(4) : كلها واهية. قال الذهبي (5) في ترجمة علي بن أحمد فروخ: هذه رواية منكرة، أخرج ابن هشام هذه الرواية بإسنادين: أحدهما منقطع وثانيهما منقطع، وفيه بريدة بن سفيان، قال البخاري: فيه نظر، وقال أبو داود: لم يكن بذاك، وقال الدارقطني: متروك (6) .

(1) الحديث أخرجه أحمد في مسنده (1/348) في إسناده عثمان الجزري: وثقه ابن حبان، وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح، نسب في "الدر المنثور"(3/189) أيضا لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردويه وأبي نعيم في الدلائل والخطيب. وذكر ابن كثير في "تاريخه"(3/198ـ199) هذه الرواية، وقال: هذا إسناد حسن، وكذلك حسنه ابن حجر في "فتح الباري"(15/90) .

(2)

"سيرة ابن هشام"(3/467) ، و"دلائل النبوة" للبيهقي (4/212) .

(3)

"سيرة النبي"(1/467) .

(4)

(193) .

(5)

"ميزان الاعتدال"(3/113) .

(6)

المصدر نفسه (1/306) .

ص: 38

1.

روي أنه صلى الله عليه وسلم ولد مسروراً (1) مختوناً، واستدلوا على هذا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من كرامتي على ربي أني ولدت مختوناً" قد ورد في هذا أحاديث، اختلف العلماء الحفاظ في الحكم عليها.

قال الحاكم (2) : وقد تواردت الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً مسروراً إلخ، علّق عليه الحافظ الذهبي في "تلخيص المستدرك" بقوله: ما أعلم صحة ذلك فكيف يكون متواترا؟ وحكى الحافظ زين الدين العراقي (3) أن الكمال بن العديم ضعف هذه الأحاديث، وقال: لا يثبت في هذا شيء، وأقره عليه، وبه صرح ابن القيم في الهدي النبوي (4) .

وذهب إليه السيد سليمان الندوي ونقل عنه أنه قال: ليس هذا من خواصه صلى الله عليه وسلم، فإن كثيرا من الناس يولد مختونا، واكتفى بذلك.

هكذا كان منهجهما في تحقيق الروايات، لكنهما أخذا في الأحداث العامة من كتب السير حتى من كتاب الواقدي أيضاً، وسأشير إليه عند كلامنا على الواقدي.

الملاحظات على الكتاب

بعد دراسة هذا الكتاب الجليل وجدنا بعض الملاحظات عليه، وهذا لاينقص من مكانته، ولكن رأيت من الواجب أن أشير إليها ولو باختصار.

(1) مسروراً: أي مقطوع السرّة.

(2)

"المستدرك"(2/602) .

(3)

انظر: "شرح الزرقاني على المواهب"(1/233) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم (1/192) .

(4)

انظر: "زاد المعاد"(1/80) .

ص: 39

1-

قد انتقد العلامة شبلي الواقدي انتقاداً شديداً حتى قال: ينبغي لنا أن نصرف النظر عن الواقدي، وإنه يضع الروايات، لكني وجدت أنه والعلامة السيد سليمان الندوي استشهدا في الكتاب بروايات الواقدي أيضاً (انظر 1/440 و441-496) رواية ابن سعد عن الواقدي، (و477) ابن سعد عن الواقدي.

لا شك أن الواقدي جمع في كتابه كل رطب ويابس، ومع ذلك لخص كتابه الحافظ ابن حجر العسقلاني ولهذا المختصر مخطوط في دار الكتب بالقاهرة (5/143)(1) .

وقال الحافظ ابن حجر: "الواقدي إذا لم يخالف الأخبار الصحيحة ولا غيره من أهل المغازي فهو مقبول عند أصحابنا"(2) .

وقال الذهبي: "وقد تقرر أن الواقدي ضعيف يُحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج، أما في الفرائض فلا ينبغي أن يذكر، وعندي أنه مع ضعفه يُكتب حديثه، ويروى؛ لأني لا أتهمه بالوضع، وقول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه"(3) .

ثم نحن نرى أن ابن سعد يعتمد في أكثر كتابه في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم على كتب الواقدي، ولذلك لا نستطيع أن نرد كل ما روى الواقدي في السيرة، بل نحن نرجع لمعرفة روايات الواقدي إلى قواعد المحدثين، ونحكم في ضوئها على هذه الروايات بالصحة أو الضعف أو غيرهما، والله

(1)"تاريخ التراث العربي"(2/472) .

(2)

"تلخيص الحبير"(2/291)(1116) .

(3)

"سير أعلام النبلاء"(9/469) .

ص: 40

أعلم بالصواب.

1-

وجدنا في كتاب السيرة في مواضع أن العلامة شبلي خالف فيها الجمهور، نبه على ذلك تلميذه السيد سليمان الندوي في حاشية الكتاب، ومن ذلك:

* ذكر العلامة شبلي موضوع إسلام أبي طالب وعدمه، وقد ثبت في "الصحيحين"(1) أنه مات كافراً على الرغم من حمايته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

* خالف ابن إسحاق رواية البخاري ومسلم، وروى أن أبا طالب قد نطق بكلمة الإسلام عند موته، ورجح العلامة شبلي رواية ابن إسحاق على رواية البخاري ويقول: لأن الراوي الأخير هو المسيّب، وهو قد دخل في الإسلام عند فتح مكة، وهذا حديث مرسل، لهذا نرجح رواية ابن إسحاق عليه، وخالفه تلميذه السيد سليمان الندوي في حاشية الكتاب: وقال: الراوي الأخير لهذه الرواية هو المسيب (2) ، وهو صحابي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومراسيل الصحابة حجة عند الجمهور، أما رواية ابن إسحاق فلم تصح، وهي منقطعة، إلى آخره (3) .

في غزوة المريسيع (بني المصطلق) لما كان بنو المصطلق ممن بلغتهم دعوة الإسلام، واشتركوا مع الكفار في غزوة أحد، وكانوا يجمعون الجموع

(1) أخرجه البخاري (3884) ومسلم (1/54/ح/24) .

(2)

"أسد الغابة"(4/131) هو والد سعيد بن المسيب الفقيه المشهور.

(3)

انظر فتح الباري (7/240) رد فيه ابن حجر على رواية ابن إسحاق وكذلك قال في "الإصابة"(4/116) وردّ على من قال بإسلامه، ورد الذهبي عليه في السيرة (232) أيضاً.

ص: 41

لحرب المسلمين، فقد روى البخاري (1) ومسلم (2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغار عليهم وهم غارُّون: أي غافلون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث بن ضرار.

ويروي ابن إسحاق - بإسناد ضعيف - أن ثمة قتالاً قد وقع على ماء المريسيع، ثم انهزم بنو المصطلق، وقتل بعضهم، وأخذ المسلمون أبناءهم ونساءهم وأموالهم، فتمت قسمة ذلك بينهم.

قال الحافظ ابن حجر:" ما في الصحيح أولى بالاحتجاج به ". ولكن شبلي يقول:" إن رواية الصحيحين أيضاً منقطعة؛ لأن إسناده يصل إلى نافع، فهو منقطع ". ورد عليه السيد سليمان الندوي: يقول: كأن المؤلف نظر إلى أول الحديث، وإلا ففي الأخير صرح نافع بقوله: حدثني هذا الحديث عبد الله ابن عمر وكان في الجيش (3) .

1-

وكذلك يحتاج الكتاب إلى تخريج الروايات من المصادر والمراجع، ودراسة بعض الروايات لبيان درجتها.

(1) أخرجه البخاري ح (2541) .

(2)

صحيح مسلم (3/1356/ح/2531) .

(3)

أخرجه البخاري ح (2541) .

ص: 42