المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: ما كتب في هذا العهد على وجه الإجمال - كتابة السنة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وأثرها في حفظ السنة النبوية

[رفعت بن فوزي عبد المطلب]

الفصل: ‌الفصل الأول: ما كتب في هذا العهد على وجه الإجمال

‌القسم الثاني: كتابة السنة في عهد الصحابة رضوان الله عليهم

‌الفصل الأول: ما كتب في هذا العهد على وجه الإجمال

اتسعت دائرة ما كتب في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، فنجد كثيراً من الصحف والنسخ، ونجد كثيراً من الصحابة لديهم شيء مكتوب من السنة.

وبعض هذه الصحف لا ندري أهو مكتوب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وهذا ندرجه فيما كتب في هذا العهد.

وقد أوصل بعض الباحثين عدد الصحابة الذين كان عندهم مكتوب من السنة إلى أكثر من خمسين صحابياً وصحابية (1) .

وسنقتصر على ذكر الصحف البارزة في هذا العهد الميمون.

(1)

الدكتور محمد مصطفي الأعظمي في كتابه "دراسات في الحديث النبوي (ص: 92-142) .

ص: 54

1-

صحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة رضى الله عنه:

وهذه هي أبرز ما كتب في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، ذلك لأنها نقلت إلينا كاملة في مخطوطات مستقلة بها، ونقلها الإمام أحمد في مسنده في مكان واحد منه (1) .

وسنعود إلى هذه الصحيفة في الفصل التالي.

2-

صحيفة الأعرج عن أبي هريرة رضى الله عنه:

وهي توءم صحيفة همام بن منبه عن هذا الصحابي الجليل، وتدل الدلائل على أنهما كتباهما معاً. وهما تبدآن بحديث واحد، وهو حديث:"نحن الآخرون السابقون يوم القيامة".

وفهم ذلك من تصرُّف البخاري في رواية هذه الصحيفة وتلك؛ إذ هو يذكر إسناد كل منهما، ثم يذكر طرف هذا الحديث، ثم يثني برواية الحديث الذي يريد روايته من الصحيفة والملائم للباب الذي يذكره فيه.

ولم يفهم بعض الشراح دافع هذا التصرف، فعقد صلة متكلفة بين طرف هذا الحديث: "نحن الآخرون

"والحديث المراد روايته أو الذي روي كاملاً.

في كتاب الوضوء - باب البول في الماء الدائم، روى البخاري من طريق أبي الزناد عن عبد الرحمن بن هُرْمُز الأعرج، حدثه أنه سمع أبا هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"نحن الآخرون السابقون".

(1) انظر مقدمة تحقيقنا لصحيفة همام بن منبه – مكتبة الخانجي بالقاهرة.

ص: 55

قال البخاري: وبإسناده قال: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه"(1) .

يقول ابن حجر في هذا ما بين تصرف البخاري، وهو أنه يروي حديثاً من صحيفة أحاديثها بإسناد واحد، وتبدأ بحديث:"نحن الآخرون":

قوله "نحن الآخرون السابقون": اختلف في الحكمة في تقديم هذه الجملة على الحديث المقصود، فقال ابن بطال: يحتمل أن يكون أبو هريرة سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم مع ما بعده في نسق واحد فحدَّث بهما جميعا، ويحتمل أن يكون همام فعل ذلك لأنه سمعهما من أبي هريرة وإلا فليس في الحديث مناسبة للترجمة. قلت: جزم ابن التين بالأول، وهو متعقب؛ فإنه لو كان حديثاً واحداً ما فصله المصنف بقوله: وبإسناده، وأيضا فقوله:"نحن الآخرون السابقون" طرف من حديث مشهور في ذكر يوم الجمعة، فلو راعى البخاري ما ادعاه لساق المتن بتمامه. وأيضاً فحديث الباب مروي بطرق متعددة عن أبي هريرة في دواوين الأئمة، وليس في طريق منها في أوله "نحن الآخرون السابقون"وقد أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" من طريق أبي اليمان شيخ البخاري بدون هذه الجملة.

(1) خ: (1/95 – 96)(4) كتاب الوضوء (68) باب البول في الماء الدائم. رقم (238) .

ص: 56

وقول ابن بطال: ويحتمل أن يكون همام وَهِمَ، تبعه عليه جماعة. وليس لهمام ذكر في هذا الإسناد. وقوله إنه ليس في الحديث مناسبة للترجمة صحيح، وإن كان غيره تكلف، فأبدى بينهما مناسبة كما سنذكره.

والصواب أن البخاري في الغالب يذكر الشيء كما سمعه جملة لتضمنه موضع الدلالة المطلوبة منه، وإن لم يكن باقيه مقصودا، كما صنع في حديث عروة البارقي في شراء الشاة كما سيأتي بيانه في الجهاد، وأمثلة ذلك في كتابه كثيرة. وقد وقع لمالك نحو هذا في "الموطأ"؛ إذ أخرج في باب صلاة الصبح والعتمة متوناً بسند واحد أولها "مر رجل بغصن شوك" وآخرها "لو يعلمون ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبواً" وليس غرضه منها إلا الحديث الأخير، لكنه أوَّلها على الوجه الذي سمعه. قال ابن العربي في القبس: نرى الجهال يتعبون في تأويلها، ولا تعلق للأول منها بالباب أصلا. وقال غيره: وجه المناسبة بينهما أن هذه الأمة آخر مَنْ يدفن من الأمم في الأرض، وأول من يخرج منها، لأن الوعاء آخر ما يوضع فيه أول ما يخرج منه، فكذلك الماء الراكد آخر ما يقع فيه من البول أول ما يصادف أعضاء المتطهر، فينبغي أن يجتنب ذلك. ولا يَخْفى ما فيه.

وقيل: وجه المناسبة أن بني إسرائيل، وإن سبقوا في الزمان، لكن هذه الأمة سبقتهم باجتناب الماء الراكد إذا وقع البول فيه، فلعلهم كانوا لا يجتنبونه. وتعقب بأن بني إسرائيل كانوا أشد مبالغة في اجتناب النجاسة

ص: 57

بحيث كانت إذا أصابت جلد أحدهم قرضه، فكيف يُظَنُّ بهم التساهل في هذا؟ وهو استبعاد لا يستلزم رفع الاحتمال المذكور.

وما قررناه أولى. وقد وقع للبخاري في كتاب التعبير - في حديث أورده من طريق همام عن أبي هريرة مثل هذا - صدَّره أيضاً بقوله "نحن الآخرون السابقون" قال: وبإسناده

ولا يتأتى فيه المناسبة المذكورة مع ما فيها من التكلف. والظاهر أن نسخة أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة كنسخة معمر عن همام عنه، ولهذا قلَّ حديثٌ يوجد في هذه إلا وهو في الأخرى.

ويهمنا من هذا كله كما فسر ابن حجر أن هناك نسخة للأعرج عن أبي هريرة كنسخة همام عن أبي هريرة. وكما يقول ابن حجر: "قَلَّ حديث يوجد في هذه إلا وهو في الأخرى" وهذه وتلك تبدأ بحديث واحد، وهو "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة".

وما سلكه البخاري في بعض أحاديث نسخة الأعرج هو ما سلكه في صحيفة همام عن أبي هريرة

قال ابن حجر بعد ما سبق: "وقد اشتملتا على أحاديث كثيرة أخرج الشيخان غالبها، وابتداء كل نسخة منهما حديث: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة (1)

".

(1) فتح الباري (1/346-347)

ص: 58

3-

صحيفة جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:

كان جابر بن عبد الله رضى الله عنه يكتب؛ فقد روى ابن أبي شيبة عن الربيع ابن سعد أنه قال: رأيت جابراً يكتب عند ابن سابط في ألواح، وكان يأتي إليه عدد من التلاميذ ويكتبون عنه.

وعن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب قال: كنت أنطلق أنا ومحمد بن علي أبو جعفر ومحمد بن الحنفية إلى جابر بن عبد الله، فنسأله عن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صلاته فنكتب عنه ونتعلم منه (1) .

وهذا يرشح أنَّ حديث المناسك الكبير الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه هو مما كتبه أبو جعفر محمد بن علي عن جابر.

وكان سليمان بن قيس اليشكري عنده صحيفة عن جابر رضى الله عنه (2) .

وكان عند أبي الزبير صحيفة جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (3) .

وكان عند الحسن البصري صحيفة جابر أيضاً (4) .

(1) الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/319) وتقييد العلم (ص104) والمدخل للبيهقي (2/247) ، وبعضهم يزيد على بعض.

(2)

العلل ومعرفة الرجال (1/333) وتقييد العلم (ص:108) بإسناد صحيح.

وانظر الجرح والتعديل (4/136) وتهذيب التهذيب (4/215) .

(3)

الضعفاء الكبير للعقيلي (4/136) وسير أعلام النبلاء (5/382) .

(4)

الجعديات (1/377 رقم 1319) وسير أعلام النبلاء (6/197) وتهذيب التهذيب (4/202) والطبقات الكبرى (7/2/18) وسند البغوي صحيح.

ص: 59

4-

صحيفة سمرة بن جندب رضى الله عنه:

والحق أنه كان لسمرة كتب اعتمد عليها الحسن البصري (1) .

يقول أبو زرعة العراقي: وأما روايته - أي الحسن - عن سمرة، ففي صحيح البخاري سماعه منه لحديث العقيقة، وقد روى عنه نسخة كبيرة غالبها في السنن الأربع، ويعدّها علي بن المديني سماعاً كلها، وكذلك حكى الترمذي عن البخاري نحو هذا، وقال يحيى بن سعيد القطان وجماعة كثيرون: هي كتاب، وذلك لا يقتضي الانقطاع. وفي مسند أحمد بن حنبل: حدثنا هشيم، عن حميد الطويل قال: جاء رجل إلى الحسن البصري فقال: إن عبداً له أبق، وأنه نذر إن قدر عليه أن يقطع يده، فقال الحسن: حَدَّثنا سمرة قال: "قَلَّ ما خَطَبَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمر فيها بالصدقة ونهى عن المثلة" وهذا يقتضي سماعه من سمرة لغير حديث العقيقة (2) .

وسنعود إليها - إن شاء الله تعالى.

(1) تحفة التحصيل (ص 198 – 199) .

(2)

تحفة التحصيل (ص: 89) .

ص: 60

5-

صحيفة سعيد المقبري عن أبي هريرة رضى الله عنه:

كان سعيد المقبري يحدث عن أبي هريرة، وعن أبيه عن أبي هريرة، وعن رجل عن أبي هريرة فاختلطت، عليه فجعلها كلها عن أبي هريرة.

قال ابن حبان في هذا: ليس هذا بوَهَن يُوَهَّن الإنسانُ به؛ لأن الصحيفة كلها في نفسها صحيحة (1) .

6-

أنس بن مالك رضى الله عنه:

قال بعض التابعين: دخلت فرأيت شيخاً، والناس حوله يكتبون عنه، فسألت عنه فقيل لي: أنس بن مالك (2) .

وكان عند ثمامة حفيده كتاب الصدقات (3) .

7-

عبد الله بن أبي أوفي رضى الله عنه (86هـ) :

روى سالم بن أبي أمية التيمي عن عبد الله بن أبي أوفى كتابه، وكان سالم كاتباً لعبد الله بن أبي أوفي (4) .

(1) تهذيب التهذيب (9/342) في ترجمة محمد بن عجلان.

(2)

تاريخ بغداد (8/259) .

(3)

خ: (1/449)(24) كتاب الزكاة (38) باب زكاة الغنم رقم: (1454) .

وقد رواه البخاري عن محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري قال: حدثه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجَّهه إلى البحرين

(4)

فتح الباري (6/34) تهذيب التهذيب (3/43) .

ص: 61

8-

عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:

كان ابن عباس رضى الله عنه يكتب ويسأل غيره ممن حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم؟ ومع ابن عباس من يكتب ما يقول (1) .

وكان يقرأ كتبه على الناس، ولكنه ابتلي في بصره، فطلب من الناس أن يقرؤوا عليه كتبه (2) .

قال موسى بن عقبة: وضع عندنا كريب مولى ابن عباس حمل بعير من كتب ابن عباس (3) .

9-

عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:

كان تلاميذه يكتبون عنه كسعيد بن جبير، وعبد العزيز بن مروان وعبد الملك بن مروان، ونافع مولاه (4) .

10-

عائشة رضي الله عنها:

سبق أنها أخبرت عن أحاديث مكتوبة في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) .

ونقل هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: قالت لي عائشة رضي الله عنها يا بني، إنه يبلغني أنك تكتب عني الحديث، ثم تعود فتكتبه، فقلت لها: أسمعه منك على شيء، ثم أعود فأسمعه على غيره، فقالت: هل تسمع

(1) الإصابة: (2/332) .

(2)

الكفاية ص 263 – سير أعلام النبلاء 3/238 – العلل للترمذي 2/238.

(3)

طبقات ابن سعد (5/216) .

(4)

انظر دراسات في الحديث النبوي ومصادره ص 120 – 121.

(5)

انظر ص: (20) من هذا البحث.

ص: 62

في المعنى خلافًا؟ قلت: لا. قالت: لا بأس بذلك (1) .

والكتابة غير هذا كثيرة، لا يتسع نطاق البحث لتتبعها.

كما أنه ينبغي التنبيه أنه قد رويت بعض الروايات التي تبين أنَّ بعض هؤلاء الصحابة كَرِه كتابة الأحاديث، وهي إنْ صَحَّتْ لا تُحْمل على إطلاقها جمعاً بينها وبين ما سبق.

ونعود إلى بعض النماذج البارزة في الكتابة في عهد الصحابة، فنعرض لصحيفتين من عهد الصحابة رضوان الله عليهم، وهما: صحيفة همام بن منبه، وصحيفة سَمُرَة رضى الله عنه.

(1) الكفاية: (ص: 205) .

ص: 63