المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب الصفة المشبهة باسم الفاعل - التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل - جـ ١١

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ باب الصفة المشبهة باسم الفاعل

-[ص:‌

‌ باب الصفة المشبهة باسم الفاعل

وهي الملاقية فعلاً لازماً ثابتاً معناها تحقيقاً أو تقديراً، قابلة للملابسة والتجرد والتعريف والتنكير بلا شرط، وموازنتها للمضارع قليلة إن كانت من ثلاثي، ولازمة إن كانت من غيره، ويميزها من اسم فاعل الفعل اللازم اطراد إضافتها إلى الفاعل معنى.]-

ش: الملاقية فعلاً جنس يشمل الصفة وغيرها من اسم الفاعل اللازم وغير اللازم. وقال المصنف في الشرح: "احترز به من نحو قرشي وبتات". يعني: فإنهما لا يلاقيان فعلاً، فلا يكون من باب الصفة المشبهة، وسيذكر هو في آخر الباب أنه قد يكون المنسوب من باب الصفة المشبهة.

واحترز بقوله لازماً من الصفة المتعدية الملاقية فعلاً متعدياً، وسيذكر هو في آخر الباب صوغ هذه الصفة من فعل متعد، ونستوفي الكلام فيه.

واحترز بقوله ثابتاً معناها تحقيقاً من نحو قائم وقاعد. وقال أصحابنا: اسم الفاعل الذي لا يتعدى كقائم وجالس ونائم يدخل في هذا الباب. وكذلك اسم المفعول كمضروب. وكذلك ما زاد على الثلاثة، نحو: منطلق الأب، ومنقطع القرابة، ومتكسر الثنايا. وفي "البسيط":"معنى الثبوت أنه خلاف الحدوث".

ص: 5

وعنى بقوله أو تقديراً مقدر الثبوت وإن لم يكن ثابتاً، نحو متقلب، فإنه يكون صفة مشبهة.

قال المصنف في الشرح: "واحترز بقبول الملابسة والتجرد من أب وأخ". يعني أنهما وصفان لا يقبلان الملابسة والتجرد لمن جريا عليه. ولا ينبغي أن يحترز منهما لأنهما لم يدخلا في قوله "الملاقية فعلاً"؛ ألا ترى أنهما لم يلاقيا فعلاً بمعناهما، فلم يدخلا فيما قبل ذلك فيحترز منهما. وأيضاً فقد أخذ في الحد "ثابتاً معناها"، وما كان ثابتاً معناه لا يكون قابلاً للملابسة والتجرد، لو قلت مررت بزيد الطويل الأنف لم يقبل هذا الوصف الملابسة والتجرد بالنسبة إلى زيد؛ لأنه وصف ثابت المعنى له.

قال المصنف في الشرح: "واحترز بقبول التعريف والتنكير بلا شرط من أفعل التفضيل". ولا ينبغي أن يحترز منه؛ لأنه لم يدخل فيما قبله؛ ألا ترى أنه قد قال "هي الملاقية فعلاً لازماً" وهي لا تلاقي فعلاً لا لازماً ولا متعدياً؛ لأنه لم يوجد فعل يدل على معنى التفضيل حتى تكون أفعل تلاقيه، ولا مصدراً بمعناه، وإنما هو مشتق من مصدر ليس بمعناه كما اشتق اسم الفاعل واسم المفعول ونحوهما.

ومعنى قوله بلا شرط أن أفعل التفضيل/ يقبل التعريف والتنكير بشرط، وهو إذا كان بـ"من" منكر، وإذا كان بأل معرف، وإذا كان مضافاً فإما إلى نكرة فنكرة، أو إلى معرفة فمعرفة، وذلك على ما أحكم في بابه.

وقوله وموازنتها للمضارع قليلة إن كانت من ثلاثي مثاله: ضامر الكشح، وساهم الوجه، وخامل الذكر، وحائل اللون، وظاهر الفاقة، وطاهر العرض.

ص: 6

وزعم الزمخشري أن الصفة المشبهة هي التي لا تجري على فعلها، نحو حسن وشديد، وهو ظاهر كلام أبي علي في "الإيضاح". وهذا خلف؛ ألا تراهم متفقين على أن قوله:

من صديق أو أخي ثقة

أو عدو شاحط دارا

على أن شاحط صفة مشبهة، وقال الشاعر:

.......................................

وإني إليك تائب النفس باخع

وفي قول المصنف قليلة دليل على أن الكثير ألا تكون جارية على المضارع، نحو ضخم ولين وجميل وخشن وحسن ويقظان.

وقوله ولازمة إن كانت من غيره نحو: منطلق اللسان، ومطمئن القلب، ومغدودن الشعر، ومستسلم النفس، وقال الشاعر:

أهوى لها أسفع الخدين مطرق

ريش القوادم، لم تنصب له الشرك

وقال رجل من طيئ:

ومن يك منحل العزائم تابعاً

هواه فإن الرشد منه بعيد

ص: 7

وقوله ويميزها من اسم فاعل إلى آخره قال في الشرح: "يخرج بهذا اسم الفاعل الذي لا يتعدى، ولا يصلح أن يضاف إلى ما هو فاعل في المعنى، كماش وجالس ومنطلق إلى كذا ومستكين ومبسمل ومتجاهل" انتهى. وقد تقدم لنا أن أصحابنا يجعلون اسم الفاعل اللازم من باب الصفة المشبهة، نحو: قائم وجالس ونائم.

وقوله اطراد إضافتها إلى الفاعل معنى ظاهر كلامه يدل على أن الإضافة من رفع، وكذا ذكر في أرجوزته، قال:

صفة استحسن جر فاعل

معنى بها المشبهة اسم الفاعل

وهذه مسألة خلاف:

فمن النحاة من زعم أن الإضافة من نصب لا من رفع، فإذا قلت مررت برجل حسن الوجه فأصله: حسن الوجه، بالنصب؛ لشبه الوصف اللازم بالوصف المتعدي، فنصب، ثم جر المنصوب كما جر منصوب اسم الفاعل المتعدي إذ كان قد استكن في الصفة المشبهة ضمير، وبقي الوجه فضلة، فانتصب، فجاز جره. وإلى هذا ذهب أبو محمد بن السيد والأستاذ أبو علي وأكثر أصحابه، فالخفض عندهم ناشئ عن النصب، والنصب ناشئ عن الرفع.

/وذهب أبو زيد السهيلي إلى أن الإضافة من رفع، والنصب من خفض، فالخفض ناشئ عن الرفع، والنصب ناشئ عن الخفض.

ص: 8

وذهب الأستاذ أبو الحسن علي بن جابر الأنصاري - شهر بالدباج - وأبو عبد الله بن هشام الخضراوي إلى أنه يمكن أن تكون الإضافة من رفع؛ ويمكن أن تكون من نصب. قال الدباج: لما قلت: مررت برجل حسن وجهه، بالرفع - وهو الأصل - أردت أن تنقل الضمير إلى حسن مبالغة في الوصف، فبقي الوجه دون إعراب؛ إذ إعرابه قد انتقل إلى الضمير في حسن، فإما أن تنصبه على التشبيه ثم تخفضه بعد ذلك، وإما أن تخفضه من أول وهلة.

وقد رد كونه يكون الخفض من رفع بأنه يلزم في ذلك إضافة الشيء إلى نفسه.

وأجاب الدباج عن هذا بأنه إنما يلزم ذلك لو قلت: حسن وجهه، من غير نقل للضمير، أما بعد النقل فقد صار الحسن هو الضمير لا الوجه، فخفض الوجه بالإضافة على ما يجب في الأسماء من إضافة بعضها إلى بعض.

ورد أيضاً هذا المذهب ابن عصفور، واستدل على أن الخفض من نصب بأن الجر إنما جاء على كونه من نصب لا من رفع بقولهم: مررت بامرأة حسنة وجهها، كما تقول: مررت بامرأة حسنة وجهها، فإلحاق التاء في حسنة مع الخفض دليل على أن الخفض من النصب، ولو كان من الرفع لكان بغير تاء.

وقال بعض أصحابنا المتأخرين: ليس دخول التاء مع النصب بأولى من دخولها مع الخفض، وليس استحقاق دخولها مع الخفض لأجل ما كان الخفض منه، بل مقتضى دخولها حالة النصب والخفض هو كون الصفة مفرغة للأول مستكناً فيها ضميره؛ وفي حالة الرفع الوصف مفرغ للمرفوع، فيجري على حكمه من التذكير أو التأنيث، فإذا كان دخول التاء إنما كان مع الوصف غير المفرغ لما بعده

ص: 9

لم يكن في ذلك دليل على أن الخفض من نصب ولا رفع، وإنما كان يظهر الفرق بين الحالتين لو كان الخفض من الرفع والخفض من النصب متباينين، فكان يؤدي أحد الخفضين إلى معنى يلحظ فيه معنى المفعولية، كهو في اسم الفاعل، وكان الخفض الآخر يؤدي إلى معنى كما يؤدي الرفع، ولكن العربي إنما يتكلم بالخفض، ولا يتضح من كلامه فرق بين أن يكون الخفض من رفع أو نصب.

وقد اختلف الناس في قول س: "وقد يجوز أن تقول في هذا: هو الحسن الوجه، على: هو الضارب الرجل، فالجر في هذا الباب على وجهين": فخرجه الدباج على أنه جر من رفع، وجر من نصب. وخرجه الأستاذ أبو علي على أن خفض الصفة للوجه قد يكون بإضافة أولية بحكم الأصل، كقولك: نزلت بنفس الجبل، وقبضت كل الدراهم، لأن إضافة حسن من جهة المعنى لما ثبت واستقر، فهي صحيحة من هذه الجهة، وإضافة ضارب بمعنى الحال والاستقبال غير صحيحة لأنها غير ثابتة، ولما لم يتصور ذلك في الضارب الرجل جعل مشبهاً، وعلى هذا قد يضاف الحسن الوجه المشبه بالضارب الرجل كإضافة الضارب الرجل، /فيكون محمولاً على الحسن الوجه الذي الألف واللام فيه داخلة بعد الإضافة. قال: وهذا معنى قول س. فقول س "على هو الضارب الرجل" أي: على حكمه، على أن تجعل الحسن الوجه الذي الألف واللام فيه داخلة قبل الإضافة مشبهاً بالحسن الوجه الذي الألف واللام فيه داخلة بعد الإضافة عوضاً من التعريف الذي منع.

وقد أجاز المازني أن يكون النصب في الضارب الرجل بوجهين: حكم الأصل الداخل عليه الخفض، وبالتشبيه بالحسن الوجه، ينصبونه نصبه كما خفضوه خفضه.

ص: 10

-[ص: وهي إما صالحة للمذكر والمؤنث معنى ولفظاً، أو معنى لا لفظاً، أو لفظاً لا معنى، أو خاصة بأحدهما معنى ولفظاً، فالأولى تجري على مثلها وضدها، والبواقي تجري على مثلها لا ضدها، خلافاً للكسائي والأخفش.]-

ش: الأولى كل صفة يصلح معناها للمذكر والمؤنث، وقد بنت العرب من اسمها لفظاً للمذكر والمؤنث، وذلك نحو الحسن والقبح والكرم والبخل.

والثانية كل صفة يصلح معناها للمذكر والمؤنث، واختص كل واحد منهما بلفظ، وذلك نحو كبر الألية، فهذا معنى مشترك فيه، لكن خص المذكر بلفظ آلي، والمؤنث بلفظ عجزاء.

والثالثة كل صفة معناها خاص بالمذكر أو المؤنث، واللفظ من حيث الوزن صالح للمذكر والمؤنث، وذلك نحو الحيض والخصاء، فمعنى الحيض مختص بالمؤنث، والصفة منه حائض على وزن فاعل، والخصاء معنى مختص بالمذكر، والصفة منه خصي على وزن فعيل، وهذان الوزنان صالحان للمذكر والمؤنث.

والرابعة كل صفة معناها ولفظها خاص بالمذكر أو المؤنث، وذلك نحو الأدرة والكمرة، معناها خاص بالمذكر، واللفظ خاص به، تقول منهما في الوصف: آدر وأكمر. ونحو الرتق والعفل، معناها خاص بالمؤنث، واللفظ خاص به، تقول في الوصف: رتقاء وعفلاء.

وقوله فالأولى تجري على مثلها وضدها يعني أنها يجري مذكرها على المذكر وعلى المؤنث، ومؤنثها على المؤنث والمذكر، وهو الذي يعبر عنه النحويون بأنه

ص: 11

يشبه عموماً، تقول: مررت برجل حسن الأب، وبرجل حسن الأم، وبامرأة حسنة الأم، وبامرأة حسنة الأب.

وقوله والبواقي تجري على مثلها تقول: مررت برجل آلي الابن، وبامرأة عجزاء البنت، وبرجل خصي الابن، وبامرأة حائض البنت، ومررت برجل آدر الابن، وبامرأة رتقاء البنت، وهذا يعبر عنه النحويون أنه يشبه خصوصاً.

وقوله لا ضدها، خلافاً للكسائي والأخفش يعني: فإنهما يجيزان جريان هذه الصفة على ضدها في الأقسام الثلاثة، فتقول: مررت برجل عجزاء بنته، وبامرأة آلي ابنها، وبرجل حائض بنته، وبامرأة خصي ابنها، وبرجل رتقاء بنته، وبامرأة آدر ابنها.

وما ذكره المصنف من أن الخلاف في ثلاثة الأقسام/ غير موافق عليه، أما ما لفظه ومعناه خاص بالمذكر أو بالمؤنث نحو آدر وعذراء، أو ما معناه خاص بالمذكر أو المؤنث واللفظ من حيث الوزن صالح لهما - فنقل بعض أصحابنا اتفاق النحويين على أنه لا يشبه إلا خصوصاً، فيجري المذكر على المذكر والمؤنث على المؤنث، وأن الخلاف إنما هو عن الأخفش في الصفة التي هي مشتركة من جهة المعنى واللفظ مختص بالمذكر أو المؤنث نحو آلي وعجزاء.

وأما ما ذكره من أن الكسائي أجاز ما ذكر فقد خالفه أبو جعفر النحاس في بعض الصور، قال أبو جعفر:"أجاز الأخفش: مررت برجل حائض المرأة، ومجصص الدار، وبامرأة خصي الزوج، ولا يجيز ذلك الكسائي ولا الفراء ولا أحد من البصريين غيره" انتهى. وهذا موافق لنقل أصحابنا عن الأخفش ونص عن الكسائي أنه لا يجيز ذلك، وهو خلاف لما نقل المصنف.

وقال الجرمي في "الفرخ": "واعلم أنه محال أن تقول: مررت بامرأة خصية البعل، ومررت برجل حائض المرأة، لا يكون من الخصاء تأنيث، ولا من الحيض تذكير. وكذلك إذا كان الوصف مجموعاً والموصوف مفرد، وبالعكس، نحو:

ص: 12

مررت برجل كرام آباؤه، لا تقول: مررت برجل كرام الآباء، وكذلك برجال كريم أعمامهم، لا تقول: برجال كريم الأعمام" انتهى.

ومن الناس من أجاز هذا كله اعتماداً على أن المعنى للسيي، وحملوا عليه قول الشاعر:

فهل تسلين لهم عنك شملة

مداخلة، صم العظام، أصوص

جعلوا "صم العظام" نعتاً لـ"شملة"، وهي مفردة، وثم جمع أصم.

وقد نوزع في هذا التخريج، فقيل: صم بدل من الضمير في مداخلة. وقيل: مرفوع بمداخلة على حذف العائد. ويقوي هذا رواية النصب في صم على التشبيه. قيل: وأما الرفع على النعت فبعيداً جداً. انتهى.

ومثل المصنف هذا الفصل كله في الشرح برفع ما بعد الصفة، فقال: مررت برجل حسن بشره، وبامرأة حسن بشرها، وبامرأة حسنة صورتها، وبرجل حسنة صورته، ومررت بامرأة عجزاء أمتها، أتوم جارتها، عفلاء كنتها، فدل ذلك كله على أنه أدرج في الصفة المشبهة صورة رفع ما بعدها.

وهذه مسألة خلاف: من النحويين من ذهب إلى أن الصفة إذا رفعت هي صفة مشبهة كحالها إذا نصبت أو خفضت؛ وهو اختيار الأستاذ أبي علي، ويظهر من كلام ابن جني. فعملها الرفع إنما هو بالحمل على اسم الفاعل لا على الفعل؛ لأنها ليست بجارية على الفعل، ولا يعمل عندهم الاسم رفعاً ولا نصباً ولا خفضاً

ص: 13

بالحمل على الفعل حتى يكون جارياً عليه، ولهذا لم يجز من ذهب إلى هذا إعمال اسم الفاعل بمعنى المضي لا في مرفوع ولا منصوب ولا مخفوض؛ فلم يجيزوا: مررت برجل ضارب زيداً أمس، ولا: قائم أبوه أمس. وإذا كانت كذلك تبين أن هذه الصفات/ إنما رفعت بالحمل على اسم الفاعل؛ لأنها غير جارية على الفعل.

ومن النحويين من ذهب إلى أنها لا تكون صفة مشبهة إلا حالة النصب والجر، وهو اختيار ابن عصفور. فإذا رفعت هذه الصفة فبالحمل على الفعل، ولا يشترطون في الصفة إذا رفعت الجريان على الفعل في الحركات والسكنات وعدد الحروف؛ وإنما يشترطون ذلك فيها إذا عملت نصباً أو خفضاً، ويجيزون أن يقال: مررت برجل قاعد أبوه أمس. وقد تقدم لنا ذكر الخلاف في إعمال اسم الفاعل الماضي في المرفوع في "باب اسم الفاعل".

ولم يتعرض المصنف لزمان هذه الصفة، وذكر ذكر في أرجوزته، فقال:

وصوغها من لازم لحاضر

كطاهر القلب جميل الظاهر

وهي مسألة خلاف:

ذهب أكثر النحويين إلى أنه لا يشترط أن تكون بمعنى الحال.

وذهب أبو بكر بن طاهر إلى أنها تكون للأزمنة الثلاثة، وأجاز أن تقول: مررت برجل حاضر الابن غداً، فتكون بمعنى المستقبل.

وذهب السيرافي إلى أنها أبداً بمعنى الماضي. وهو ظاهر كلام الأخفش، قال: الصفة لا يجوز تشبيهها إلا إذا ساغ أن يبنى منها قد فعل.

ص: 14

وذهب ابن السراج والفارسي إلى أنها لا تكون بمعنى الماضي. وهو اختيار الأستاذ أبي علي، قال:"وسواء أرفعت أم نصبت، لأنك إذا قلت مررت برجل حسن الوجه فحسن الوجه ثابت في الحال، لا تريد مضياً ولا استقبالاً؛ لأنها لما شبهت باسم الفاعل لم تقو قوته في عملها في الزمانين".

وقد جمع بعض أصحابنا بين قول السيرافي وقول ابن السراج بأن قال: لا يريد السيرافي بقوله (إنها للماضي) أن الصفة انقطعت، وإنما يريد أنها ثبتت قبل الإخبار عنها، ودامت إلى وقت الإخبار. ولا يريد ابن السراج أنها إنما وجدت وقت الإخبار، فلا فرق بين القولين على هذا.

وفي "البسيط": قال بعضهم: والصفة المشبهة باسم الفاعل تفارقه في أنها لا توجد إلا حالاً. وتقدم أن ذلك ليس على جهة الشرط، بل إن وضعها كذلك لكونها صفة دالة على الثبوت، والثبوت من ضرورته الحال، وأما على جهة الشرط فتكون حينئذ يصح تأويلها بالزمان، ولا يشترط إلا الحاضر لأنه المناسب. انتهى.

* * *

ص: 15

-[ص: فصل

معمول الصفة المشبهة ضمير بارز متصل، أو سببي موصول أو موصوف يشبهه، أو مضاف إلى أحدهما، أو مقرون بأل، أو مجرد، أو مضاف إلى ضمير الموصوف أو إلى مضاف إلى ضميره لفظاً أو تقديراً، أو إلى ضمير مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف.]-

ش: ذكر أن معمول هذه الصفة يكون أحد عشر قسماً:

الأول: مثاله مررت برجل حسن الوجه جميله، فمعمول جميله ضمير بارز متصل، وقال الشاعر:

[5: 50/ب]

/حسن الوجه طلقه أنت في السلـ

ـم، وفي الحرب كالح مكفهر

الثاني: مثاله: رأيت رجلاً جميل ما اشتمل عليه من الصفات. وأصحابنا عند ما عدوا معمول هذه الصفة لم يعدوا فيها الموصول. وذكر بعض شيوخنا أن من النحويين من أجاز أن يكون من وما الموصولتين. وذكر بعض أصحابنا عن بعض النحويين أن يكون السببي من الموصولة. واستدل على ذلك بقوله:

ومهمه هالك من تعرجا

يريد: من تعرج عليه. قال: ولا حجة فيه؛ لأن هالكاً واقع موقع مهلك، فليس بصفة مشبهة، بل من مفعول به، وفاعل قد يقع موقع مفعل، نحو وارس ويافع، من أورس وأيفع.

ص: 16

وهذا تخريج لا ينبغي؛ لأن "فاعل" بمعنى "مفعل" إنما أورد مورد الشذوذ، فلا ينبغي أن يخرج عليه، وقالت العرب: ورس ويفع، فجاء وارس ويافع على هذا الثلاثي، واستغنى به عن اسم فاعل من الرباعي لأنه بمعناه. وإنما يخرج على أنه اسم فاعل من هلك المتعدية، فإنه سمع متعدياً ولازماً.

والصحيح أن الموصول يكون معمولاً لهذه الصفة، وورد به السماع، قال عمر بن أبي ربيعة:

أسيلات أبدان، دقاق خصورها

وثيرات ما التفت عليه الملاحف

وقال آخر:

إن رمت أمنا وعزة وغنى

فاقصد يزيد العزيز من قصده

الثالث: مثاله: رأيت رجلاً طويلاً رمح يطعن به. ولم أر أحداً من أصحابنا ذكر في معمول هذه الصفة أن يكون موصوفاً غير صاحب كتاب "التمهيد".

والصحيح جواز ذلك، وقال الشاعر:

أزور امرأ جما نوال أعده

لمن أمه مستكفياً أزمة الدهر

ومعنى قول المصنف "يشبهه" أن يكون موصوفاً بما يوصل به الموصول من جملة أو شبهها.

الرابع: مثاله: رأيت رجلاً غني غلام من صحبه، وقال الشاعر:

فعجتها قبل الأخيار منزلة

والطيبي كل ما التأثت به الأزر

ص: 17

الخامس: مثاله: رأيت رجلاً حديد سنان رمح يطعن به.

السادس: مثاله: (وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ).

السابع: مثاله: مررت برجل حسن وجهه.

الثامن: مثاله: مررت برجل حسن وجهه.

التاسع: مثاله: مررت برجل حسن شامة خده، هذا مضاف إلى مضاف إلى الضمير لفظاً.

العاشر: [مثاله]: مررت برجل حسن شامة الخد، قال:

خفيضة أعلى الصوت، ليست بسلفع

ولا نمة خراجة حين تظهر

/فهذه مضافة إلى الضمير تقديراً، يريد: أعلى صوتها.

الحادي عشر: مثاله: مررت بامرأة حسنة وجه جاريتها جميلة أنفه، فـ"أنفه" هو المعمول لجميلة، وهو مضاف إلى ضمير هو عائد على وجه، ووجه مضاف إلى جارية، وجارية مضافة إلى ضمير يعود على المرأة. وكذلك: مررت برجل حسن شامة خده شديد حلكتها. ويحتاج إلى إجازة هذا التركيب إلى سماع من العرب.

وبقي تركيب آخر، قد ذكره المصنف في أثناء كلامه في الشرح، وهو أن يكون المعمول مضافاً إلى ضمير معمول صفة أخرى، نحو: مررت برجل حسن الوجنة جميل خالها، وهو تركيب نادر، قال الشاعر:

ص: 18

سبتني الفتاة البضة المتجرد الـ

ـلطيفة كشحه، وما خلت أن أسبى

-[ص: وعملها في الضمير جر بالإضافة إن باشرته وخلت من "أل"، ونصب على التشبيه بالمفعول به إن فصلت أو قرنت بـ"أل"، ويجوز النصب مع المباشرة والخلو من "أل" وفاقاً للكسائي. وعملها في الموصول والموصوف رفع ونصب مطلقاً، وجر إن خلت من "أل" وقصدت الإضافة. وإن وليها سببي غير ذلك عملت فيه مطلقاً رفعاً ونصباً وجراً، إلا أن مجرور المقرونة بـ"أل" مقرون، أو مضاف إلى المقرون بها، أو إلى ضمير المقرون بها. ويقل نحو: حسن وجهه، وحسن وجهه، وحسن وجه، ولا يمتنع، خلافاً لقوم.]-

ش: إذا كان المعمول ضميراً فإما أن يكون مرفوعاً أو غير مرفوع، فإن كان مرفوعاً استتر في الصفة، وارتفع بها، مثاله: مررت برجل مؤشر الثغر صاف، تريد: صاف هو، أي: الثغر. وإن كان غير مرفوع، وباشرته الصفة، وخلت من أل - فالضمير مجرور بالإضافة، نحو: مررت برجل حسن الوجه جميله.

وأجاز الفراء التنوين والنصب، فيقول: جميل إياه. وهو فاسد؛ إذ لا يفصل الضمير ما قدر على اتصاله.

وقوله ونصب على التشبيه بالمفعول به إن فصلت مثاله: قريش نجباء الناس ذرية وكرامهموها. ولا خلاف في نصبه إذا كانت الصفة منفصلة منه بضمير، وروى الكسائي عن العرب: هم أحسن الناس وجوهاً وأنضرهموها.

وقوله أو قرنت بأل مثاله: مررت بالرجل الحسن الوجه الجميلة، ففي هذا الضمير خلاف - وهذا إذا كانت الصفة منصرفة في الأصل - فمن النحويين من قال: الضمير في موضع نصب. ومنهم من قال: في موضع جر. واعتبر بعضهم ذلك

ص: 19

بوضع الظاهر موضع الضمير، فما جاز فيه جاز في الضمير، فإذا قلت: مررت بالرجل الحسن وجهاً الجميلة، فهذا الضمير في موضع نصب؛ لأنك لو قلت الجميل وجه، وجررت - لم يجز، وإذا قلت: مررت بالرجل الحسن الوجه الجميلة - جاز في الضمير النصب/ والجر؛ لأنك لو جعلت مكانه الوجه جاز فيه الجر والنصب، وهذا إذا كانت الصفة منصرفة في الأصل.

وإن كانت الصفة غير منصرفة في الأصل، وقرنت بأل، نحو: مررت بالرجل الحسن الوجه الأحمره، فالضمير في موضع نصب عند س، ويظهر من كلام الفراء ترجيح الجر على النصب، وعن المبرد الجر، ثم رجع إلى النصب.

وقوله ويجوز النصب مع المباشرة والخلو من أل وفاقاً للكسائي قال المصنف في الشرح: "إذا جردت الصفة المتصل بها ضمير بارز فقد تقصد إضافتها إليه، وقد لا تقصد، فإن قصدت حكم بالجر، وإن لم تقصد حكم بالنصب على التشبيه بالمفعول به. وإنما يمكن القصدان والمعمول ضمير إذا كانت الصفة غير منصرفة، نحو: رأيت غلاماً حسن الوجه أحمره، فالجر بالإضافة، والنصب على التشبيه بالمفعول به جائز عند الكسائي، والجر عند غيره متعين. ومذهب الكسائي هو الصحيح؛ لأنه روى عن بعض العرب: لا عهد لي بألأم منه قفا ولا أوضعه، بفتح العين، وبمثل هذا يظهر الفرق بين قصد الإضافة وغيرها، وعلى هذا يقال إذا قصدت الإضافة: مررت برجل أحمر الوجه لا أصفره، وإذا لم تقصد الإضافة قيل: مررت برجل أحمر الوجه لا أصفره، إلا أن هذا الوجه لم يجزه من القدماء غير الكسائي" انتهى. وذكر ابن عصفور في هذه المسألة الوجهين، ولم يعز جواز النصب للكسائي.

ص: 20

وقوله وعملها في الموصول والموصوف رفع ونصب مطلقاً يعني بقوله مطلقاً أنه يستوي الرفع والنصب سواء أكانت الصفة مقرونة بأل، نحو: رأيت الرجل الجميل ما اشتملت عليه ثيابه، وقول الشاعر:

.....................................

فاقصد يزيد العزيز من قصده

فيجوز الحكم على من بالرفع والنصب، ونحو: رأيت الرجل الطويل رمح يطعن به. أم غير مقرونة، نحو: رأيت رجلاً جميلاً ما التفت عليه ثيابه، وقول الشاعر:

عذ بامرئ بطل من كان معتصماً

به، ولو أنه من أضعف البشر

فيجوز في من الرفع والنصب، هكذا أنشده المصنف في الشرح شاهداً على ما ذكرناه. ويجوز في من أن تكون شرطية، وحذف الجواب لفهم المعنى، وتقديره: نجا وسلم. وكذلك الموصوف، نحو: رأيت رجلاً طويلاً رمح يطعن به، وطويلاً رمحاً يطعن به.

وقوله وجر إن خلت من أل وقصدت الإضافة أي: إن خلت الصفة من أل، فتقول: رأيت رجلاً جميل ما اشتملت عليه ثيابه، ورأيت رجلاً طويل رمح يطعن به.

وقوله وإن وليها سببي غير ذلك عملت فيه مطلقاً رفعاً ونصباً وجراً أي: غير الضمير والموصول والموصوف، وذلك ثمانية أنواع، وقد تقدم لنا تمثيلها. ويعني بقوله "مطلقاً" أكان في الصفة أل أو لم تكن وفي المعمول أل، أو كان مجرداً أو مضافاً، فالرفع على الفاعلية، والنصب إن كان نكرة، قال المصنف/ في الشرح:"على التمييز"، وقال غيره: على التمييز، ويجوز على التشبيه بالمفعول به. وإن كان

ص: 21

معرفة بالإضافة فالنصب على التشبيه بالمفعول به، وسيأتي الخلاف فيه. أو بأل فعلى التشبيه أيضاً، وأجاز بعضهم أن يكون نصبه على التمييز.

وقوله إلا أن مجرور المقرونة بأل مقرون، أو مضاف إلى المقرون أو إلى ضمير المقرون بها مثاله: رأيت الرجال الحسن الوجه، أو الحسن أنف الوجه، أو الكريم الآباء الغامر جودهم، وهذا الأخير نادر، وقد تقدم الاستدلال عليه.

وقوله ويقل نحو: حسن وجهه، وحسن وجهه، وحسن وجه، ولا يمتنع، خلافاً لقوم أما الجر فمن شواهده ما روي في الحديث من قوله (أعور عينه اليمنى)، وفي حديث أم زرع (وصفر وشاحهها، وملء ردائها) أو (ملء كسائها 9، وفي وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وشثن أصابعه)، وفيه أيضاً (شثن الكفين والقدمين طويل أصابعهما)، وأنشد س للشماخ:

ص: 22

أمن دمنتين، عرج الركب فيهما

بحقل الرخامي، قد عفا طللاهما

أقامت على ربعيهما جارتا صفا

كميتا الأعالي، جونتا مصطلاهما

وقال الأعشى:

فقلت له: هذه هاتها

إلينا بأدماء مقتادها

وقال أبو حية النميري:

على أنني مطروف عينيه، كلما

تصدى من البيض الحسان قبيل

وقال:

تمنى لقائي الجون مغرور نفسه

فلما رآني ارتاع، ثمت عردا

ولم يجز س الجر إلا في الشعر، ومنعه المبرد مطلقاً، وأجازه الكوفيون مطلقاً. والصحيح جوازه على قلة كما ذهب إليه المصنف.

وأما النصب فمن شواهده ما أنشده الكسائي وأبو عمر الزاهد:

ص: 23

أنعتها، إني من نعاتها

مدارة الأخفاف مجمراتها

غلب الذفارى وعفرنياتها

كوم الذرا، وادقة سراتها

وقال آخر:

لو صنت طرفك لم ترع بصفاتها

لما بدت مجلوة وجناتها

وقال المصنف في الشرح: "وأما رأيت رجلاً حسناً وجهه فهو مثل قراءة بعض السلف (وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ) بالنصب انتهى. ولا يتعين ذلك؛ إذ يجوز أن يكون انتصاب/ (قلبه) على أنه بدل من اسم إن.

وأما مررت برجل حسن وجه فأجازه الكوفيون، ومنعه أكثر البصريين، والمنع اختيار ابن خروف. ومما استشهد به على جواز الرفع ما أنشده الفراء عن بعض العرب:

بثوب ودينار وشاة ودرهم

فهل أنت مرفوع بما هاهنا رأس

وقال الراجز:

ص: 24

ببهمة منيت شهم قلب

منجذ، لا ذي كهام ينبو

وقول ابن هشام في نحو هذا "لا يجوز الرفع في قول أحد؛ إذ لا ضمير في السبب ولا ما يسد مسده" - ليس بصحيح؛ إذ جوازه محكي عن الكوفيين وبعض البصريين.

وقد انقضى شرح كلام المصنف في هذا الفصل، وكنا قد تكلمنا على معمول هذه الصفة في كتاب "منهج السالك" من تأليفنا، ونحن نلخص من ذلك شيئاً فنقول:

المعمول إما أن يكون مضمراً أو ظاهراً، إن كان مضمراً فقد أمعنا الكلام عليه في أول الفصل المفروغ من شرحه آنفاً.

وإن كان ظاهراً فإن كان مقروناً بأل أو مضافاً إليه فالصفة إما مقرونة بأل أو غير مقرونة، إن كانت غير مقرونة بأل، نحو: مررت برجل حسن الوجه، وبرجل حسن وجه الأخ - فالأجود الخفض، ثم النصب، ثم الرفع، على الخلاف الذي سيأتي، وقال الشاعر في الخفض:

خفيضة أعلى الصوت، ليست بسلفع

ولا نمة خراجة حين تظهر

وقال آخر في النصب:

أهوى لها أسفع الخدين مطرق

ريش القوادم، لم تنصب له الشبك

وقال آخر في الرفع:

ص: 25

ونأخذ بعده بذناب عيش

أجب الظهر، ليس له سنام

وإن كانت مقرونة مثناة أو مجموعة جمع سلامة في المذكر وتثبت النون فالنصب؛ نحو: مررت بالرجلين الحسنين الوجوه، وبالرجال الحسنين الوجوه، وبالرجلين الأشمين أنوف الوجوه، وبالرجال الطويلين أنوف الوجوه. أو تحذف النون فالجر والنصب، نحو: مررت بالرجلين الحسني الوجوه، وبالرجلين الأشمي أنوف الوجوه، ومررت بالرجال الحسني الوجوه، وبالرجال الطويلي أنوف الوجوه.

وذهب بعض أصحابنا إلى أنه لا يجوز حذف النون من الصفة ونصب المعمول، قال: ومن أجاز ذلك فهو مخطئ؛ لأنه لم يسمع منهم، ولا يقبله قياس؛ ألا ترى أن الذي سوغ ذلك في قولك (الضاربو زيد) مفقود هنا؛ لأنها ليست في معنى (الذي) فيخفف بحذف نونه للطول. وإنما لم يكن هنا بمعنى (الذي فعل) لأن الفعل نفسه لا يشبه. وظاهر/ كلام س جواز حذف النون والنصب.

أو غيرهما، نحو: مررت بالرجل الحسن الوجه، والحسن وجه الأخ، فالأجود النصب على التشبيه، وأجازه بعض البصريين على التمييز، وهي نزعة كوفية، ثم الجر، ثم الرفع على الفاعلية، والضمير محذوف، أي: الحسن الوجه منه. هذا

ص: 26

مذهب س والبصريين. و"أل" عوض من الضمير مذهب الكوفيين، ونسبه صاحب كتاب "رد الشارد" إلى س والبصريين.

وزعم أبو بكر بن طاهر أن الكوفيين حكوا: مررت برجل ظريف الأب، بالرفع، وتنوين الصفة، وكريم الأخ، وحسن وجه الأخ، وكريم الأب.

وذهب أبو علي في "الإيضاح" إلى أن ارتفاعه على البدل من الضمير المسكت في الصفة على زعمه، وجوز في "البغداديات" الوجهين.

ويبطل مذهب الكوفيين جواز المجيء بالضمير مع أل، قال الشاعر:

رحيب قطاب الجيب منها، رفيقة

بجس الندامى، بضة المتجرد

وأيضاً لو كانت "أل" عوضاً من الضمير هنا لاطرد، فقلت: زيد الغلام حسن، تريد: غلامه، ولا يجو، فكذلك هنا.

ويبطل مذهب أبي علي ما حكاه الفرء من قولهم: مررت بامرأة حسن الوجه، وحكى الكوفيون: بامرأة قويم الأنف، برفع الوجه والأنف؛ ألا ترى أنه لا يجوز أن ينوي في حسن ضمير المرأة والوجه بدل منه؛ لأنه لو كان كذلك لكانت

ص: 27

الصفة مؤنثة لتأنيث الضمير. وكذلك: مررت برجل مضروب الأب، لا يجوز رفعه على البدل؛ لأنه ليس بدل شيء من شيء، ولا بدل بعض من كل؛ إذ ليس إياه ولا بعضه.

وإن كان المعمول مجرداً أو مضافاً غليه والصفة بأل مقرونة مثناة أو مجموعة جمع سلامة في المذكر فالحكم حكمه إذا كان المعمول مقروناً بأل أو مضافاً إليه؛ والخلاف في حذف النون والنصب هنا مثله هناك.

وإن كانت غير المثناة والمجموعة ذلك الجمع وثم رابط مذكور، نحو: مررت بالرجل الحسن وجه منه، أو الحسن خال وجنة منه - فالرفع، ويجوز النصب ضرورة، ولا يجوز الخفض، فلا تقول: بالرجل الحسن وجه منه، كما لا تقول الحسن وجهه. أو محذوف فلا يجوز الخفض، لا تقول: مررت بالرجل الحسن وجه، ولا الرفع، لخلو الصفة من عائد مذكور، بل يجب النصب، فتقول: بالرجل الحسن وجهاً، أو وجه أخ.

أو غير مقرونة بأل وصرحت بالرابط فالرفع، ويجوز النصب والجر ضرورة، نحو: مررت برجل حسن وجه منه، أو حسن وجه أخ له. ويجوز في الشعر: وجهاً منه، ووجه منه. أو لم تصرح فالاختيار الخفض، نحو: برجل حسن وجه، قال حميد الأرقط:

ص: 28

أحقب شحاج مشل عون

لاحق بطن بقرا سمين

وقال آخر:

[5: 53/ب]

ألكني إلى قومي السلام تحية

بآية ما كانوا ضعافاً ولا عزلا

ولا سيئي زي إذا ما تلبسوا

إلى حاجة يوماً مخيسة بزلاً

ويجوز النصب، نحو: حسن وجهاً، قال:

هيفاء مقبلة، عجزاء مدبرة

محطوطة، جدلت، شنباء أنيابا

ولا يجوز الرفعولا يجوز الرفع لخلو الصفة من ضمير مذكور يعود على الموصوف، هذا مذهب أكثر البصريين، وأجازه الكوفيون، وتقدم الاحتجاج بالسماع عليه.

وإن كان المعمول مضافاً إلى ضمير الموصوف، والصفة مقرونة بأل مثناة أو مجموعة بالواو والنون، وأثبت النون، نحو:[مررت] بالرجلين الحسنين وجوههما، وبالرجال الحسنين وجوههم - فالرفع على لغة "أكلوني البراغيث"، والنصب في الشعر، ولا يجوز الجر. أو حذفتها فالرفع على تلك اللغة، والنصب والجر في الضرورة.

أو غير مثناة ولا مجموعة بالواو والنون، نحو:[مررت] بالرجل الحسن وجهه - فالرفع، يجوز النصب ضرورة، ويمتنع الجر. أو غير مقرونة بأل، نحو:

ص: 29

حسن وجهه - فالرفع، ويجوز النصب والجر ضرورة. وتقدم ذكر الخلاف عن الكوفيين والمبرد.

وإن كان المعمول مضافاً إلى مضاف إلى ضمير الموصوف فحكمه حكم ما قبله، وتقدمت شواهده، وقال الشاعر:

تراهن من بعد إسآدها

وشد النهار وتدآبها

طوال الأخادع خوص العيون

خماصاً مواضع أحقابها

وإن كان المعمول مضافاً إلى ضمير اسم مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف، أو مضافاً إلى ضمير معمول صفة أخرى، أو موصوفاً أو مضافاً إليه، أو موصولاً أو مضافاً إليه فقد تقدم الكلام عليها مستوفى.

ولم يذكر س إلا أنها تعمل فيما كان من سببها معرفاً بأل أو نكرة، وأهمل المضاف إلى ذي أل لأنه في رتبة ما فيه أل، والمضاف لضمير ما فيه أل لأنه محكوم له بحكم ما فيه أل، ولم يذكر المضاف إلى ضمير لأنه لا يجيزه إلا في الشعر.

وقسم ابن المصنف الشيخ بدر الدين محمد في شرحه أرجوزة أبيه مسائل هذا الباب إلى:

ممتنع، وهو: الحسن وجهه، أو وجه أبيه، أو وجه، أو وجه أب.

وإلى قبيح، وهو: حسن وجه، أو وجه أب، والحسن وجه، أو وجه أب.

ص: 30

وإلى ضعيف، وهو: حسن الوجه، أو وجه الأب، وحسن وجهه، أو وجه أبيه، وحسن وجهه، أو وجه أبيه.

وإلى حسن، وهو [حسن الوجه، أو وجه الأب، وحسن وجهه، أو وجه أبيه، وحسن وجهاً، وحسن وجه أب، وحسن الوجه، أو وجه الأب، وحسن وجه، أو وجه أب، والحسن الوجه، /أو وجه الأب، والحسن وجهه، أو وجه أبيه، والحسن الوجه، أو وجه الأب، والحسن وجهه، أو وجه أبيه، والحسن وجهاً، أو وجه أب، والحسن الوجه، أو وجه الأب]، انتهى ملخصاً.

وتلقفنا عن شيوخنا أن ما تكرر فيه الضمير من المسائل أو عري منه فهو ضعيف، وما وجد فيه ضمير واحد فهو قوي إلا ما وقع الاتفاق على منعه، وهو: الحسن وجه، والحسن وجهه. وقد نظمت هذا الذي تلقفناه في أرجوزتي المسماة بـ"نهاية الإعراب في علمي التصريف والإعراب"، ولم يكمل نظمها، فقلت مشيراً إلى الصفة والمعمول:

عرفهما، أو نكرن، أو عرفن

الوصف أو معموله، ولتعربن

معموله بضمة وكسره

وفتحة تبلغ ثمان عشره

يقبح ما منه حذفت المضمرا

أو كان فيه مضمر تكررا

ونحو "داجي شعره" قد وردا

في الشعر، فاقبل، ودع المبردا

ونصب "شعره" دليل الجر

والنصب في النثر أتى والشعر

ويمنع اثنان، كـ"هم بالحسن

عذاره"، لا بـ"القبيح ذقن"

وقال الفراء: القياس يقتضي جوازه. يعني جواز: الحسن وجه؛ لأن الإضافة لما لم يكن لها تأثير في لحاق التعريف بالإضافة إلى النكرة لا يكون لها تأثير في لحاق التعريف أيضاً.

ص: 31

وقال السيرافي: "لا تبعد إضافة المعرف إلى المنكر، نحو قولنا: يا حسن وجه، وحسن معرف بالنداء". قيل: وهذا غلط؛ لأن المنادى هو المجموع من المضاف والمضاف إليه بمنزلة عبد الله اسماً.

وأنشد النحاة في شواهد هذا الباب مما لم يتقدم لنا ذكره قول الأغلب العجلي:

ليست بكرواء ولا بدحدح

ولا من السود القصار الرمح

قباء، غرثى موضع الموشح

وقول الآخر:

ومنهل أعور إحدى العينين

بصير أخرى، وأصم الأذنين

وقول لخرنق:

لا يبعدن قومي الذين هم

سم العداة وآفة الجزر

النازلين بكل معترك

والطيبون معاقد الأزر

وقول الفرزدق:

ص: 32

أأطعمت العراق ورافديه

فزارياً أحذ يد القميص

وقول عروة بن الورد:

/وما طالب الأوتار إلا ابن حرة

طويل نجاد السيف عاري الأشاجع

وقول الآخر:

فما قومي بثعلبة بن سعد

ولا بفزارة الشعر الرقابا

وقول الراجز:

الحزن باباً والعقور كلباً

ومن أحكام هذا الباب أنه يجوز الفصل بين هذه الصفة وبين معمولها إذا كان مرفوعاً أو منصوباً، كقوله تعالى (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ)، قال معناه في

ص: 33

"البسيط". وفي "شرح الخفاف": لم يفصلوا بين الصفة المشبهة ومعمولها فيقولو: كريم فيها حسب الآباء، إلا في الضرورة، كما قال:

.......................................

والطيبون، إذا ما ينسبون، أبا

وقد أغفل المصنف الكلام على تابع معمول الصفة المشبهة، فنقول: يجوز أن يتبع بجميع التوابع ما عدا الصفة، فإنه لم يسمع من كلامهم، هكذا زعم الزجاج، فلا يجوز: جاءني زيد الحسن الوجه الجميل، وقد جاء في الحديث في صفة الدجال (أعور عينه اليمنى)، فاليمنى صفة لعينه، وعينه معمول الصفة، فينبغي أن ينظر في ذلك.

وعلل منع ذلك بعض شيوخنا بأن معمول الصفة محال أبداً على الأول، فأشبه المضمر؛ لأنه قد علم أنك لا تعني من الوجوه إلا وجه زيد في نحو: مررت بزيد الحسن الوجه. وحكى لي هذا التعليل أيضاً الشيخ بهاء الدين أبو عبد الله محمد بن النحاس الحلبي رحمه الله عن عبد المنعم الإسكندراني من تلاميذ ابن بري، قال لي: وقد كان ظهر لي ما يشبه هذا، وهو أن الصفة هي في الحقيقة للوجه وإن أسندت إلى زيد مثلاً، فقد تبين الوجه بالصفة، فلا يحتاج إلى تبيين.

قلت له: الصفة قد تكون لغير التبيين، كالمدح والذم وغيرهما، فهلا جاز أن يوصف بصفات هذه المعاني؟

ص: 34

فقال: أصل الصفة أن تأتي للتبيين، ومجيئها لما ذكرت هو بحق الفرع، وإذا امتنع الأصل فأحرى أن يمتنع الفرع.

وقال بعض أصحابنا: "امتنع ذلك لأنها ضعيفة في العمل؛ لأنها عملت تشبيهاً باسم الفاعل العامل بشبهه للفعل، فلم تقو أن تعمل في الموصوف والصفة معاً" انتهى.

ويضعف هذا بعملها في المؤكد والتوكيد، إلا إن فرق بينهما بأن المؤكد والتوكيد كأنهما شيء واحد؛ لأن التوكيد لم يدل على معنى زائد في المؤكد، بخلاف الصفة.

فإذا أتبعت المعمول وهو مرفوع رفعت، أو منصوب نصبت، أو /مجرور جررت، ولا يجوز أن يتبع المجرور على الموضع من نصب أو جر.

وأجاز الفراء أن يتبع المجرور على موضعه من الرفع، فأجاز: مررت بالرجل الحسن الوجه نفسه، وهذا قوي اليد والرجل، برفع نفسه والرجل مع جر المعمول، كأنك قلت: الحسن وجهه نفسه، وقوي يده ورجله. وقد صرح س بمنع ذلك، وأنه لم يسمع منهم في هذا الباب.

وأما أن يعطف على معمولها المجرور نصباً فنصبوا على أنه لا يجوز، لا تقول: هذا حسن الوجه والبدن، وذلك بخلاف اسم الفاعل، فإنه يجوز وإن اختلف التأويل فيه، فبعضهم يقول: هو عطف على الموضع، وبعضهم يقول: هو على إضمار فعل، وهو الصحيح. وأما هنا لا يجوز لا على الموضع ولا على إضمار الفعل؛ لأن الفعل لا يشبه، إنما يشبه الوصف لا فعله. ولا يجوز إضمار صفة تنصب؛ لأن الصفة المشبهة لا تعمل مضمرة، بخلاف اسم الفاعل، فإنه يعمل مضمراً، تقول: أنا زيداً ضاربه، فتقديره: أنا ضارب زيداً ضاربه. فهذا من الفوارق التي بين الوصف المشبه واسم الفاعل المشبه به.

ص: 35

وأجاز البغداديون الخفض في المعطوف على المنصوب، فتقول: هذا حسن وجهاً ويد؛ لأن الإضافة قد كثرت، فكأنها ملفوظ بها.

ومنها أنه لا يجوز تقديم معمولها عليها، ولا الفصل بينهما، وأنه لا يكون إلا سببياً، وأنه يقبح أن يضمر فيها الموصوف ويضاف معمولها إلى مضمره، وأنها إذا كانت ومعمولها داخلاً عليهما أل كان الأحسن الجر، وذلك إذا قدرنا أل دخلت بعد الإضافة. وأما اسم الفاعل فيجوز تقديم معموله عليه بشرطه المذكور في بابه، والفصل بينهمان فتقول: زيد ضارب - في الحرب - الأبطال. ومعموله يكون سببياً وأجنبياً، ولا يقبح أن يضمر فيه الموصوف، ويضاف معموله إلى ضميره. والأحسن في نحو "الضارب الغلام" النصب كما يكون أحسن في معمول الصفة المشبهة إذا قدرت دخول أل فيهما قبل الإضافة.

* * *

ص: 36

-[ص: فصل

إذا كان معنى الصفة لسابقها رفعت ضميره، وطابقته في إفراد وتذكير وفروعهما ما لم يمنع من المطابقة مانع، وكذلك إن كان معناها لغيره ولم ترفعه، فإن رفعته جرت في المطابقة مجرى الفعل المسند إليه، وإن أمكن تكسيرها حينئذ مسندة إلى جمع فهو أولى من إفرادها، وتثنى وتجمع جمع المذكر السالم على لغى (يتعاقبون فيكم ملائكة)، وقد تعامل غير الرافعة ما هي له إن قرن بأل معاملتها إذا رفعته.]-

ش: الصفة إذا كان معناها للموصوف حقيقة أو مجااً رفعت ضمير الموصوف، وطابقت الموصوف في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، تقول: مررت برجل عاقل، وبرجلين عاقلين، وبرجال عاقلين أو عقلاء، /وبامرأة عاقلة، وبامرأتين عاقلتين، وبنساء عاقلات أو عواقل.

وقوله ما لم يمنع من المطابقة مانع يعني أن من الصفات ما لا يقبل ذلك، فيكون على حسب السماع في تلك الصفات، وعلى حسب الاشتراك في ذلك الوصف أو الاختصاص، إما من جهة اللفظ أو من جهة المعنى، وتقدم أولاً ذكر شيء من هذا. ومنها ما لا يقبل التذكير كـ"ربعة"، ومنها ما لا يقبل التأنيث كـ"جريح"، ومنها ما لا يقبل التثنية ولا الجمع ولا التأنيث كـ"أفعل من"، وكالمصدر إذا وصف به في أفصح اللغتين.

وقوله وكذلك إن كان معناها لغيره ولم ترفعه هذا الذي ذكرنا إنما يكون للموصوف مجازاً، ويعني أنه تطابق الصفة الموصوف قبلها إن كانت مما يقبل المطابقة، وإلا فعلى حسب السماع، فتقول: مررت برجل حسن الغلام، وبرجلين حسني الغلمان، وبرجال حسني الغلمان، وبامرأة حسنة الغلام، وبنساء حسان الغلمان.

ص: 37

وقوله فإن رفعته جرت في المطابقة مجرى الفعل المسند إليه أي: إن رفعت السببي جرت مجرى الفعل. قال المصنف في الشرح: "فيقال مررت برجلين حسن غلاماهما، وبرجال حسن غلمانهم، وبامرأة حسن غلامها، وبرجل حسنة جاريته، وبنساء حسن غلمانهن، كما يقال: حسن غلاماهما، وحسن غلمانهم، وحسن غلامها، وحسنت جاريته، وحسن غلمانهن" انتهى تمثيل المصنف.

وقوله وإن أمكن تكسيرها حينئذ - أي: حين أن ترفع السببي - مسندة إلى جمع فهو أولى من إفرادها من الصفات ما لا يمكن تكسيره، فيكون الإفراد فيه أحسن، نحو فعال، فتقول: مررت برجل شراب آباؤه. ومثال ما يمكن تكسيره كريم وحسن، فتقول: مررت برجال حسان غلمانهم. وظاهر كلام المصنف أنه إذا كان السببي جمعاً وأمكن تكسير الصفة كان التكسير أحسن من الإفراد، وسواء أكان ما قبل الصفة مفرداً أم مثنى أم مجموعاً، نحو: مررت برجل حسان غلمانه، وبرجلين حسان غلمانهما، وبرجال حسان غلمانهم، فهذا عنده أولى من أن تقول: مررت برجل حسن غلمانه، وبرجلين حسن غلمانهما، وبرجال حسن غلمانهم، فتفرد الصفة.

وجماع القول في الصفة إذا رفعت السببي أن تقول: إن كان السببي مفرداً أفرد الوصف: نحو: مررت برجل قائم أبوه، أو مثنى أفرد أيضاً في الفصيح، نحو: مررت برجل قائم أبواه، وبرجل أعور أبواه، وتجوز التثنية على لغة قوله:

ألفيتا عيناك عند القفا

................................

فتقول: مررت برجل قائمين أبواه، وبرجل أعورين أبواه.

ص: 38

وفصل الكوفيون، فقالوا: إن كانت الصفة مما لا يجمع بالواو والنون وجب تثنيتها، نحو: مررت برجل أعورين أبواه، وإن كانت مما لا يجمع بهما أفردت. وإن كان السببي جمعاً والصفة تجمع الجمعين أو تجمع جمع تكسير فقط فالأحسن التكسير؛ نحو: مررت برجل كرام أعمامه، وبرجل صبر آباؤه، ويجوز الإفراد، فتقول: برجل كريم أعمامه، وبرجل صبور آباؤه، ويضعف فيما جمع الجمعين: برجل كريمين أعمامه. أو لا تكسر فالإفراد، نحو: مررت/ برجل ضراب آباؤه، ويجوز: ضرابين آباؤه، على لغة "أكلوني البراغيث". والسببي غير العاقل كالعاقل، التكسير فيه الأحسن، تقول: مررت برجل حسان أثوابه، ويجوز الإفراد، فتقول: حسن أثوابه.

وأوجب الكوفيون الجمع فيما لا يجمع جمع سلامة وهو لعاقل، وفيما هو لغير عاقل، فلا يجيزون إلا: مررت برجل عور آباؤه، وحسان أثوابه، ولا يجوز عندهم: أعور آباؤه، ولا: حسن أثوابه.

وهم محجوجون بالسماع من العرب، قال الشاعر:

ورجال حسن أوجههم

من إياد بن نزار بن معد

وقال الآخر:

وكنا ورثناه على عهد تبع

طويلاً سواريه، شديداً دعائمه

وقال آخر:

ص: 39

قرنبي يحك قفا مقرف

لئيم مآثره فعدد

وقال س: "وتقول: مررت برجل أعور آباؤه، وأحسن من هذا: أعور قومك؟ ومررت برجل ثم قومه" انتهى. وقال الله تعالى (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ)، وقرئ (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ)، وخشع أكثر في كلام العرب.

وذهب بعض شيوخنا إلى أن الإفراد أحسن من التكسير، قال:"لأن العلة في ذلك أنه قد تنزل منزلة الفعل إذا رفع الظاهر، والفعل يثنى ولا يجمع، فانبغى أن تكون الصفة مفردة، نعم، التكسير أجود من جمع السلامة؛ إذ لا تلحقه علامة جمع، فهو كالمفرد؛ لأنه معرب بالحركات مثله، بخلاف جمع السلامة، وإلا فالفعل لا يجمع لا جمع سلامة ولا جمع تكسير، فكيف يكون أحدهما أحسن من الإفراد" انتهى. وما ذكره هو القياس، لكنه ذهل عن نقل س في ذلك.

وقال بعض من عاصرناه من أصحابنا ما نصه: "جمع التكسير عند النحويين دون المفرد. ومذهب أبي العباس أن التكسير أولى من المفرد. وكلام س في ذلك محتمل، وغايته أن جعل المكسر بمثابة المفرد ومبايناً للمسلم، من غير أن ينص على ترجيح المكسر، إلا أنه وقع في بعض نسخ الكتاب ما نصه: (واعلم أن ما كان يجمع بغير الواو والنون، نحو حسن وحسان - فإن الأجود فيه أن تقول: مررت برجل حسان قومه. وما كان يجمع بالواو والنون، نحو منطلق ومنطلقين - فإن الأجود فيه أن يجعل بمنزلة الفعل المقدم، فتقول: مررت برجل منطلق قومه). وذكر السيرافي أن هذا الفصل ليس من كلام س. وقال الأستاذ أبو علي: الإفراد أولى من التكسير".

ص: 40

قال هذا المعاصر: "وهذا كله من غير أن يعرضوا للموصوف وينظروا هل يكون جمعاً أو غير جمع، فربما إذا كان جمعاً حسن الجمع المكسر بعض حسن، فيكون لذلك أولى من الإفراد للمشاكلة لما قبله ولما بعده، نحو: مررت/ برجال حسان قومهم، وكان ذلك أولى من: مررت برجال حسن قومهم. وإن كان مفرداً كان الإفراد أحسن من التكسير؛ لأنه تكلف جمع في موضع لا يحتاج إليه؛ لأنه إذا رفع فقوته قوة الفعل، وطريق الجمع في الفعل مكروه، فينبغي أن يكره ذلك في الاسم" انتهى.

وتلخص لنا من هذا أن في الصفة إذا كانت مما يجمع الجمعين وكان المعمول جمعاً ثلاثة مذاهب:

أحدها: أن يكون التكسير أولى من الإفراد، وهو نص س في بعض نسخ كتابه، ومذهب المبرد، واختيار أبي موسى، وصاحب "التمهيد"، وهذا المصنف.

والثاني: العكس، وهو مذهب الجمهور، واختيار الأستاذ أبي علي، وشيخنا أبي الحسن الأبذي.

والثالث: أن الصفة إن كانت تابعة لجمع كان التكسير أولى من الإفراد، وإن كانت تابعة لمفرد أو مثنى كان الإفراد أحسن من التكسير.

ص: 41

وفي "البسيط": وخالف المبرد، فقال: إن الأولى أن يعمل المسلم لأنه كالفعل من حيث إنه تلحقه الزيادة التي تلحق الفعل؛ ويسلم بناؤه معها، والجمع المكسر يتغير، ولا يكون في الفعل مثله، فلذلك كان المسلم أولى.

وهذا فاسد من جهة السماع والنظر: أما السماع فقوله تعالى (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ)، وهي قراءة الجماعة حاشا أبا عمرو، والأبيات التي أنشدها س، كقوله:

بمطرد، لدن، صحاح كعوبه

وذي رونق، عضب، يقد القوانسا

وأما النظر فلأن الجمع المسلم إن كان كالفعل فهو يمنع من الشبه في العمل، ويظهر من مذهب الكوفيين مثله.

وقوله وقد تعامل إلى آخر المسألة قال المصنف في الشرح: "قد يقال: مررت برجل حسنة العين، كما يقال: حسنة عينه، حكى ذلك الفراء في معاني سورة (ص وَالْقُرْآَنِ)، قال:(والعرب تجعل الألف واللام خلفاً من الإضافة، فيقولون: مررت على رجل حسنة العين قبيح الأنف، فالمعنى: حسنة عينه، قبيح أنفه).

ص: 42

قلت: فعلى هذا يقال: مررت برجل حسان الغلمان، وبرجل كريمة الأم، وبامرأة كرام الآباء، وكريم الأب، كما يقال: مررت برجل حسان غلمانه، وبرجل كريمة أمه، وبامرأة كرام آباؤها، وكريم أبوها، ومنه قول الشاعر:

أيا ليلة، خرس الدجاج، سهرتها

ببغداد، ما كادت عن الصبح تنجلي

فقال: خرس الدجاج، كما يقال: خرساً دجاجها. ومثله قول الآخر:

فماحت به غر الثنايا، مفلجاً

وسيماً، جلا عنه الطلال، موشماً

أراد: فما غر الثنايا، فجمع مع الألف واللام كالجمع مع الضمير إذا قيل: فماحت به فما غرا ثناياه. ومثله قول الآخر في وصف عقاب:

يأوي إلى قنة خلقاء راسية

حجن المخالب، لا يغتاله الشبع

/فقال: حجن المخالب، كما كان يقول: حجن مخالبها" انتهى.

وذكر المصنف من وقوع أل خلفاً من الضمير قوله (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَاوَى)، و (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَاوَى)، وقول الأعشى القيسي:

ص: 43

وأما إذا ركبوا فالوجو

هـ في في الروع من صدأ البيض حم

أي: مأواه، وفوجوههم. وقال الآخر:

ولكن نرى أقدامنا في نعالكم

وآنفنا بين اللحى والحواجب

أي: بين لحاكم. وقال ذو الرمة:

تخللن أبواب الخدور بأعين

غرابيب، والألوان بيض نواصع

أي: وألوانهن.

قال المصنف: "وقد سوى س بين: ضرب زيد ظهره وبطنه، وضرب زيد الظهر والبطن، وبين مطرنا سهلنا وجبلنا، ومطرنا السهل والجبل. فالظاهر من قوله أنه موافق لقول الفراء، وليس هذا على تقدير (منه)؛ إذ لو كان كذلك لاستوى وجود الألف واللام وعدمها، كما استويا في مثل: البر الكر بستين، فكان يجوز أن يقال: ضرب زيد ظهر وبطن، ومطرنا سهل وجبل، كما جاز أن يقال: البر كر بستين، والتمر منوان بدرهم؛ لأن البعضية مفهومة مع عدم الألف واللام كما هي مفهومة مع وجودها.

ومن الاستغناء عن الضمير بالألف واللام (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ)، أي: مفتحة لهم أبوابها" انتهى.

ص: 44

وهذه نزعة كوفية في أن أل تخلف الضمير، وأنشدوا على كون أل تعاقب الضمير:

لهم شيمة، لم يعطها الله غيرهم

من الناس، والأحلام غير عوازب

أي: وأحلامهم. وتقول على هذا: زيد أما المال فكثير، وأما الوجه فحسن. وتقدم الرد على هذا المذهب

وأما تجويز المصنف: برجل كريمة الأم، وبامرأة كرام الآباء، بالنصب أو بالجر - فهي مسألة خلاف، منع بعض النحويين أن تقول: مررت برجل كرام الآباء، وبرجال كريم الأعمام، وعليه أصحابنا المتأخرون، لا يجيزون إذا رفعت الصفة الضمير وانتصب المعمول أو انجر إلا مطابقة الصفة للموصوف.

وقد تأول الفارسي قوله "خرس الدجاج" على أن الليلة لطولها كالجمع، فكأن كل جزء منها ليلة، كقولهم: ثوب أخلاق، وبرد أسمأل، وبرمة أعشار.

وحكى يعقوب عن الأصمعي أن العرب تقول: ليلة خرس - على وزن عنق - إذا لم يسمع فيها صوت، والعرب تخفف فعلاً، فيكون خرس في البيت مما

ص: 45

وصف به المفرد وهو مفرد، فلا يحتاج إلى تأويل الفارسي، وتقدم منع الجرمي ذلك.

ومثل "خرس الدجاج" قوله:

وإن التي هام الفؤاد بذكرها

رقود عن الفحشاء، خرس الجبائر

[5: 57/ب] لأنها امرأة واحدة. وقال لبيد يصف السهم:/

مرط القذاذ، فليس فيه مصنع

لا الريش ينفعه ولا التعقيب

سكن الراء، وهو جمع أمرط، فأجراه على الواحد لقوله "فليس فيه".

ومن النحويين من أجاز هذا كله اعتماداً على أن المعنى للسببي، يجعل الوصف إذا انتصب المعمول أو انجر كهو إذا رفع السببي. ويعضد هذا المذهب ظاهر قول الشاعر:

فهل تسليم الهم عنك شملة

مداخلة، صم العظام، أصوص

فقال: صم العظام، ولم يقل صماء العظام، وكأنه قال: ثم عظامها، وتقدم تأويل هذا البيت.

وقوله في البيتين: "غر الثنايا"، و"حجن المخالب"، ولم يقل: أغر الثنايا، ولا: حجناء المخالب - أجرى المعمول المجرور مجرى المرفوع.

ص: 46

وقول المصنف "وقد تعامل" يدل على قلة ذلك، وينبغي ألا يمنع، لكن في القياس على ما سمع منه نظرز

وأبعد من هذا قوله:

ولولا خيله لنزلت أرضاً

عذاب الماء، طيبة ثراها

جمع صفة أرض، وأتى بعدها بمفرد، فقال: عذاب الماء، ولو رفع الماء لم يجز، فينبغي ألا يجوز إذا نصب أو جر، وهذا نظير قولك: مررت بامرأة حسان الخلق، فلو نصبت الخلق أو جررت لم يجز. وينبغي أن يجعل الماء هنا اسم جنس حتى يفيد معنى الجمع، وقد قالوا: ماءة، فيكون الماء اسم جنس بينه وبين مفرده تاء التأنيث، ودل على معنى الجمع، فيشبه "حجن المخالب"، و"صم العظام".

-[ص: وإذا قصد استقبال المصوغة من ثلاثي على غير فاعل ردت إليه ما لم يقدر الوقوع. وإن قصد ثبوت معنى اسم الفاعل عوامل معاملة الصفة المشبهة ولو كان من متعد إن أمن اللبس وفاقاً للفارسي. والأصح أن يجعل اسم مفعول المتعدي إلى واحد من هذا الباب مطلقاً، وقد يفعل ذلك بجامد لتأوله بمشتق.]-

ش: يعني أنه إذا كان اسم الفاعل من الثلاثي على غير فاعل، نحو: شرف فهو شريف، وشجع فهو شجاع، وحسن فهو حسن، وشبع فهو شبعان، وسمن فهو سمين، وما أشبهها من الأوزان التي للثلاثي على الإطلاق، سواء أكان على وزن فعل أم فعل أم فعل - فإذا قصدت الاستقبال في اسم الفاعل بنيت تلك الأوزان على وزن فاعل، فتقول شارف وشاجع وحاسن وشابع وثاقل. وظاهر

ص: 47

كلام المصنف في الفصل والشرح أن هذا الصوغ إلى فاعل مخصوص بقصد الاستقبال، ووقف في ذلك مع ظاهر قول الفرء، قال الفراء:"العرب تقول لمن لم يمت: إنك مائت عن قليل، ولا تقول لمن قد مات: هذا مائت، إنما يقال في الاستقبال. وكذا يقال: هذا سيد قومه، فإذا أخبرت أنه سيسودهم قلت: هو سائد قومه عن قليل. وكذا الشريف والطمع وشباههما، إذا قصد بها الاستقبال/ صيغت على فاعل" انتهى.

وكذا قال بعض أصحابنا: إن ذهب به مذهب الزمان كان على فاعل، نحو حسن يحسن فهو حاسن غداً، فقيد بناء فاعل بالظرف المستقبل، وكان ينبغي أن يحرر العبارة فيقول: إن ذهب به مذهب الزمان المستقبل، وإلا فقوله يدل على أنه إذا ذهب به مذهب الزمان مطلقاً، وسواء أكان الزمان ماضياً أم حالاً أم مستقبلاً.

ومن هذا الرد قوله تعالى (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ)، ومن كلامهم: أحسن إن كانت حاسناً، وقال الشاعر:

وما أنا من رزء وإن جل جازع

ولا بسرور بعد موتك فارح

وقال الآخر، وهو الحكم بن صخر:

أرى الناس مثل السفر، والموت منهل

له كل يوم وارد ثم وارد

إلى حيث يشقي الله من كان شاقياً

ويسعد من في علمه هو ساعد

وقال قيس بن العيزارة:

ص: 48

فقلت لهم: شاء رغيب وجامل

فكلكم من ذلك المال شابع

وقال آخر:

لقد ألف الحداد بين عصابة

تساءل في الأسجان: ماذا ذنوبها

بمنزلة: أما اللئيم فسامن

بها، وكرام القول باد شحوبها

وقال آخر

حسبت التقى والحمد خير تجارة

رباحاً إذا ما المرء أصبح ثاقلاً

وقرأ بعض السلف (إِنَّكَ مائتٌ وَإِنَّهُمْ مائتونَ). وأما على قراءة الجمهور فالمعنى: إنك وإياهم وإن كنتم أحياء فأنتم في عداد الموتى، وإلى قراءة الجماعة (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) أشار المصنف بقوله "ما لم يقدر الوقوع"، فإنه يبقى على صوغه الأول، ولا يرد إلى فاعل، كقراءة الجمهور.

وقوله وإن قصد ثبوت معنى اسم الفاعل عومل معاملة الصفة لمشبهة قد تقدم له هذا المعنى في أول هذا الباب في قوله "ثابتاً معناها"، إلا أنه كرر هذا لقوله "وإن كان من متعد إن أمن اللبس وفاقاً للفارسي".

وفي "الإفصاح": وقد جاء في المتعدي، قالوا: ضريب قداح، مبالغة في ضارب، وهذا عريف القوم، أي: كثير المعرفة بهم. وهذا نادر لا يقاس. وذكره عريف القوم وهم؛ لأنه ليس مضافاً للفاعل.

ص: 49

وقال المصنف في الشرح: "يقال: زيد ظالم العبيد خاذلهم، راحهم الأبناء ناصرهم، إذا كان له عبيد ظالمون خاذلون، وأبناء راحمون ناصرون.

[5: 58/ب] قال أبو علي في (التذكرة): من قال زيد الحسن عينين فلا بأس/ أن يقول: زيد الضارب أبوين، والضارب الأبوين، والضارب الأبوان، والأبوان فاعل على قولك: الحسن الوجه. ومثله الضارب الرجل إذا أردت الضارب رجله.

ولم يقيد أبو علي بأمن اللبس، والصحيح أن جواز ذلك متوقف على أمن اللبس، ويكثر أمن اللبس في اسم فاعل غير المتعدي، فلذلك سهل فيه الاستعمال المذكور، ومنه قول ابن رواحة:

تباركت إني من عذابك خائف

وإني إليك تائب النفس باخع

ومنه قول رجل من طيئ:

ومن يك منحل العزائم تابعاً

هواه فإن الرشد منه بعيد

ومن ورده في المصوغ من متعد قول الشاعر:

ما الراحم القلب ظلاماً وإن ظلما

ولا الكريم بمناع وإن حرما"

انتهى.

وما قاله المصنف من أنه إذا كان الوصف متعدياً وأمن اللبس جاز أن يكون من باب الصفة المشبهة يدل ظاهره وإطلاقه على أنه يجوز ذلك من كل متعد، سواء أتعدى بحرف جر أم بنفسه، لواحد أم اثنين أم ثلاثة.

ص: 50

ونقول: إن كان متعدياً إلى أكثر من واحد، كأن يتعدى إلى اثنين أو إلى ثلاثة - فلا خلاف أنه لا يجوز تشبيهه، فإذا قلت مررت برجل معطى أبوه درهماً، أو معلم أبوه زيداً قائماً، فلا يجوز: معطى الأب درهماً، ولا معلم الأب زيداً قائماً.

وإن تعدى لواحد بحرف جر فذهب الأخفش إلى جواز ذلك، وصححه ابن عصفور، فتقول: مررت برجل مار الأب بزيد، بنصب الأب أو بجره. ويستدل بقولهم:"هو حديث عهد بالوجع"، فقوله بالوجع متعلق بحديث، وهو صفة مشبهة.

وذهب الجمهور إلى المنع، وتأولوا ذلك على أن "بالوجع" متعلق بـ"عهد" لا بالصفة، فإن جاء من كلامهم مررت برجل غضبان الأب على زيد علقوا "على زيد" بفعل محذوف تدل عليه الصفة، أي: غضب على زيد.

وإن تعدى لواحد بنفسه فحكى الأخفش إجازته عن طائفة من النحويين، يقولون في: هذا ضارب أبوه زيداً: هذا ضارب الأب زيداً.

وذهب كثير من النحويين إلى المنع.

وفصل آخرونن فقالوا: إن لم يحذف المفعول اقتصاراً لم يجز، وإن حذف جاز، وهو اختيار ابن عصفور وابن أبي الربيع. وهذا تفصيل حسن؛ لأنه إن لم يحذف المفعول أو حذف اختصاراً فهو كالمثبت، فيكون الوصف إذ ذاك مختلف التعدي والتشبيه، وهو واحد، وذلك لا يجوز.

وبيان ذلك أنه من حيث نصب السببي أو جره يكون مشبهاً باسم الفاعل المتعدي؛ ومن حيث نصب المفعول به يكون اسم فاعل متعدياً مشبهاً بالمضارع، فاختلفت جهة تعديه وتشبيهه من حيث صار شبيهاً بأصل في العمل شبيهاً بفرع في العمل؛ فصار فرعاً لأصل وفرعاً لفرع، ولا/ يكون الشيء الواحد فرعاً لشيئين،

ص: 51

ثم إنه إنما سمع استعمال المتعدي صفة مشبهة حيث حذف المفعول اقتصاراً، نحو قوله:

ما الراحم القلب ظلاماً وإن ظلما

...........................................

مع أن هذا البيت يحتمل التأويل. والأحوط ألا يقدم على جواز ذلك حتى يكثر فيه السماع، فيقاس على الكثير؛ لأن القليل يقبل الشذوذ.

وفي كتاب الصفار وقد أنشد:

الحزن بابا والعقور كلبا

من عقر الرجل غيره، وعقر كلبه غيره، فتكون الصفة متعدية، وحذف مفعولها رأساً، ولم يرد ثم شبهت، ولا خلاف في تشبيه هذا، وإنما الخلاف فيما يتعدى عند ذكر مفعوله.

وقوله والأصح أن يجعل اسم مفعول المتعدي إلى واحد من هذا الباب مطلقاً يعني في رفع السببي ونصبه وجره على ما تقرر في غير اسم المفعول، وما يمتنع من ذلك، وما يجوز، وما يقبح ويقل، وقد تقدم إنشادنا الأبيات التي فيها دليل على ذلك، نحو قوله "مغرور نفسه" و"ومجلوة وجناته" و"مرفوع بما هاهنا رأس".

وقوله والأصح يدل على خلاف في المسألة، ولا نعلم أحد منعها.

وقوله وقد يفعل ذلك بجامد لتأوله بمشتق مثاله: وردنا منهلاً عسلاً ماؤه، وعسل الماء، أي: حلواً، ومررنا بقوم أسد أنصارهم، وأسد الأنصار، أي: شجعان، ومررت بحي أقمار النساء، أو أقمار نساؤهم، أي: حسان، وقال الشاعر:

ص: 52

فلولا الله والمهر المفدى

لأبت وأنت غربال الإرهاب

وقال الآخر:

مئبرة العرقوب إشفى المرفق

وقال الآخر:

فراشة الحلم، فرعون العذابن وإن

يطلب نداه فكلب دونه كلب

أي: مثقب، وحديدة، وطائش ومهلك.

ومن ذلك النسب، تقول: مررت برجل هاشمي أبوه تميمية أمه، وتضيف فتقول: هاشمي الأب تميمي الأم؛ لأنه مقدر بمنتسب إلى هاشم، ومنتسبة إلى تميم.

وفي "الغرة": مررت برجل أسد، إذا شبهته به، لا يرفع ظاهراً، لا تقول: برجل أسد أبوه، فأما قول الشاعر:

سل المرء عبد الله إذ فر هل رأى

كتيبتنا في الحرب كيف قراعها

ولو قام لم يلق الأحبة بعدها

ولاقى أسوداً هصرها ومصاعها

فقال قوم: هصرها ومصاعها بدل من: قراعها. وقيل: هما مرفوعان بأسود.

مسألة: مشيوخاء ومعلوجاء وصفان، واختلف في جواز الرفع بهما، فذهب الفارسي إلى جواز ذلك، ثم اعترض على نفسه بعدم الجريان، وانفصل بأنه قد يعمل/ غير الجاري، نحو: مررت بأعور أبوه. ورد هذا بأن أعور وبابه - وإن

ص: 53

كان غير جار - مشبه للجاري؛ ألا ترى أنه يثنى ويجمع، وله مؤنث، ومشيوخاء لا يشبه الجاري؛ ألا ترى أنه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث.

فإن قلت: ينبغي أن يرفع كما يرفع عور، فإنه أيضاً لا يشبه الجاري.

قلت: هو وإن لم يشبه الجاري هو جمع لما يشبه الجاري، فكيف ما كان يعمل، وأما هذا فلا يشبه الجاري، ولا هو جمع للجاري ولا للمشبه الجاري، ومشيوخاء يوصف به لأنه من لفظ الشيخ، والشيخ صفة، فأمر الوصف به بين، وأما معلوجاء فمن لفظ العلج، والعلج في الأصل هو الغليظ، لكن قد جرى مجرى الأسماء، فالوصف به على توهم أصله.

مسألة نختم بها الباب: اختلفوا في تشبيه الفعل اللازم بالفعل المتعدي كما شبه وصفه باسم الفاعل المتعدي؛ فأجاز ذلك بعض المتأخرين، فتقول: زيد تفقا الشحم، أصله: تفقا شحمه، فأضمرت في تفقا، ونصبت الشحم تشبيهاً بالمفعول به. واستدل بما روي في الحديث:(كانت امرأة تهراق الدماء).

ومنع من ذلك الأستاذ أبو علي، وقال: لا يكون ذلك إلا في الصفات وأسماء الفاعلين والمفعولين، وقد تأولوا الأثر على أنه على إسقاط حرف الجر أو على إضمار فعل، أي: بالدماء، أو: يهريق الله الدماء منها. وهذا هو الصحيح إذ لم يثبت ذلك من لسان العرب.

* * *

ص: 54