المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الخطاب الدعوي ومآسي المسلمين - كلمة للدعاة والمصلحين

[-]

الفصل: ‌الخطاب الدعوي ومآسي المسلمين

‌الخطاب الدعوي ومآسي المسلمين

هذه الكلمات في الفقرات التالية موجهةٌ لروح الأمة، وحاملي همها من الدعاة والمصلحين، وأصحاب الأقلام الطيبة، وإن كان الأصل أن كل الأمة تكون كذلك، فالدعوة إلى الله مسؤولية الجميع.

أولا: إشكالات في الخطاب:

1-

يحز في النفس كثيرًا أن العديد من الخطباء والمحاضرين والكتاب والشعراء في وقتنا الحاضر وبالذات في مآسينا (وأيضا تخبطاتنا) الأخيرة الرهيبة، لا يقومون في خطبهم ودعائهم وتوجيهاتهم -عند الحديث عن هذه المآسي- بتذكير المسلمين بواجب العودة إلى الله، وواجب كل مسلم في تحقيقها بالشكل الواضح والكافي ، والمؤثر الحار ، الذي يوصل هذه الحقيقة إلى كل المسلمين، مبينًا لهم بوضوح أن هذا هو الحل،..... ومشعرًا لهم بأن مسؤولية تحقيقه تقع على كل فرد مسلم ،

مع أن هذا هو الحل الحقيقي الجذري (1) الموصل لتحقيق النصر، وإيقاف المآسي، وردع أعداء الدين.

قال تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} ..الآية (محمد:7) ،

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ..الآية (الرعد:11) ،

(1) قد يخطر في فكر بعض المسلمين شبهة أن السبب الأساس لعجز الأمة هو تأخرها التقني والعسكري وتفرقها، والحقيقة أنه سبب هام بلا شك ولكنه ليس السبب الرئيس، لأن سنة الله اقتضت أن النصر الحقيقي التام لا يتحقق لأمتنا بدون عودة صادقة إليه واستقامة على أوامره حتى لو تقدمت ماديا وعسكريًّا واتحدت. ومن المعروف على مدى العصور أن أمتنا كانت ذات شأن في القوة بل وفي التقدم المادي عندما كانت مطبقة لدينها، وأن بداية تأخرها وضعفها وذهاب عزها تحصل عندما تنحرف عن دينها وشريعة ربها، لذا فالتخلف التقني والعسكري والتفرق في الأمة الإسلامية لاشك أنه من أسباب ضعفها (ويجب على الأمة أن تجتهد في تقويته) ولكنه متعلق وناتج بالدرجة الأولى من بُعدها عن الله وحقيقة منهج الإسلام. وهو بالدرجة الأولى عرضٌ للمرض الأساس للأمة وليس هو المرض نفسه،..... ثم إن الأمة الإسلامية إذا صدقت في العودة إلى الله والاستقامة على شرعه ثم جاهدت أعداءها- في الوقت والظرف المناسبين- فهي منصورة بإذن الله ولو لم تصل في العدة والعتاد والاستعداد إلى مثل مستوى أعدائها، فقط هي مطالبة بأن تعد ما تستطيعه من القوة وقتئذٍ. وتاريخنا الإسلامي شاهد على انتصارات المسلمين الكثيرة على أعداء لهم فاقوهم كثيرا في استعداداتهم المادية. وحبذا الرجوع إلى رسالة قيمة (من نشر دار ابن المبارك) تتحدث عن هذا الموضوع عنوانها (ما هو سبب تخلف المسلمين) . ولنتذكر أيضًا أن تقصير أمتنا في الأخذ بأسباب القوة المادية اللازمة هو أحد ذنوبها.

ص: 3

وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن ابن عمر «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلًّا لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم» (سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني) .

ويبدو أن عدم وضوح بعض الأسس الإسلامية، إضافة إلى الضياع الفكري والتوجهي الذي تعيشه أمتنا حاليا، قد أثرا أيضا حتى على العديد من الدعاة والمصلحين؛ فرأينا البعض يتكلم ويكتب عن مآسي ومذابح الأمة بنظرة سمتها التركيز على الحلول الجزئية بما فيها الإكثار من نقد التوجه العالمي، والتحدث عن الأسباب السياسية والمادية أكثر من النظر للخلفيات الشرعية (1) المتعلقة بهذه الأحداث.

والأهم من ذلك عدم التركيز بدقة، وإيضاح تام كافٍ على الحل الحقيقي لكل هذه المآسي بالشكل الذي يصل إلى قلب ويقين كل مسلم (وليس إلى فكره فقط) ، مشعرا له بواجبه في التغيير (2) والعودة والدعوة إلى الله.

(1) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله رسالة صغيرة هامة جدًّا تتحدث عن مشكلة عدم النظر للأسباب والخلفيات الشرعية في الأحداث عنوانها: (أثر المعاصي على الفرد والمجتمع) . وحقيقة أننا نستغرب من كلمات بعض الدعاة والكتاب الذين لا نكاد نرى أو أصبح نادرًا في كلماتهم تذكير للأمة بالتوبة وتقوى الله وآثار المعاصي عند الحديث عن آلامنا ومشاكلنا وأزماتنا في أي جانب

(2)

لا شك في أن الدعاة يذكرون الأمة بالتوبة والصلاح وهذا أساس دعوتهم، ولكن الجانب الذي لوحظ فيه النقص عند العديد هو التذكير بالتوبة والصلاح بتركيز عند الحديث عن مآسي الأمة وتخبطاتها

ص: 4

وفي بعض الخطابات والبيانات المتعلقة بالمآسي وكثير من المشكلات التي تعيشها الأمة ذكر موضوع التوبة وعودة الأمة والحذر من المعاصي ولكنه كان يذكر عَرَضًا ، أو باختصار شديد قد لا ينتبه له ، أو فقط كنقطة من النقاط ضمن نقاط أخرى عديدة وبدون التركيز الكافي عليه، مع أنه أس قضايانا وكما يقال قضية القضايا.

ص: 5