الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4-
يتكلم العديد من المحاضرين والشعراء والكتاب وتصدر توجيهات من بعض الدعاة بعد العديد من المآسي والمحن عن الجهاد وعزة الأمة ووحدتها ونخوتها، ولاشك أن هذا تذكير نحتاجه وأن هذه أسس هامة جدا ونحن بأمس الحاجة إليها وبها بإذن الله يتحقق النصر ولكن......
كيف السبيل إليها؟
وهل وُضِّح للناس
كيف نصل لطريق الجهاد؟ وكيف يتحقق النصر فيه
؟
وكيف تحدث العزة والوحدة؟
هل نريد من المسلمين أن يثبوا فجأة للجهاد، رغم كل العوائق وأهمها الذنوب والمعاصي؟ ،.. ونتمنى أن يحدث ذلك ولكن المخدر بشكل عام عادة لا يقوم فضلا من أن يثب وثوبا حقيقيا.
ثم لو حصل الجهاد من أمتنا بدون تركها المعاصي ومجاهرة الجبار بها فلن يحصل النصر الحقيقي التام. (1)
وحتى لو حصل نصر مؤقت فهل يكفينا حدوثه بينما أمتنا مستمرة في بعدها، وأين نضع هذا بالنسبة لأهداف الجهاد العظيمة وغاياته؟ !! وهل هدف الجهاد في الإسلام هو فقط إنقاذ المسلمين؟! فعلى الرغم من أهمية وضرورة هذا الهدف، إلا أن الهدف الأعلى والأعظم للجهاد هو حفظ الدين وإقامته وتعبيد الناس لله رب العالمين {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} (البقرة:193، الأنفال:39) .
(1) قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله كلمة مسجلة له تعتبر بالغة الأهمية، فقد قالها وسط غمرة أحداث الانتفاضة الفلسطينية المباركة الأخيرة وبالضبط يوم الاثنين 19رجب 1421هـ، فقال رحمه الله معلقا على الأحداث: ((كيف نؤمل النصر ونحن هذه أفعالنا ونياتنا. إذن لنرجع لأنفسنا لا تأخذنا العاطفة!.......المسجد الأقصى لا يمكن أن يرجع إلا إلى أصحابه ومن هم أصحابه
…
اسمع قول الله عز وجل ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون.. (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين...... لن يرجع المسجد الأقصى إلا إذا قاتل المسلمون لله عز وجل، لكي تكون كلمة الله هي العليا مهما عمل الناس......... أرجو ألا تأخذنا العاطفة.. ألا تأخذنا العاطفة! وأن نغفل عن الأشياء الأساسية!........ نحن لا نرضى أن يقوم طاغية من طغاة اليهود كشارون يطوف ببيت المقدس لإهانة المسلمين ولكي يرتفع عند قومه من وجه آخر
…
لا نرضى بهذا أبدا ولن يرضى بذلك أي مسلم
…
ولكن علينا أولا أن نصلح أنفسنا
…
أنفسنا ما صلحت إلا ما شاء الله
…
فكروا بهذه الأمور..لا تأخذكم العاطفة ((.* هذه الكلمة ملحقة في نهاية شريط قيم للشيخ عبد المحسن القاضي عن الأقصى وقد قامت تسجيلات الاستقامة في القصيم بإضافتها نظراً لأهميتها.
ولا يخفى على الدعاة والمصلحين ما حصل في أمتنا من بعد كبير عن حقيقة دينها، ولا يخفى أيضا ما يفعله المفسدون في الأمة، حتى وصل الأمر إلى حد محاربة أوامر الله وتحكيم غير ما يرضاه.
وليتنا نرجع إلى كتب التفسير ونتأمل بعض الحكم المستفادة من قوله تعالى في سورة محمد [سورة القتال] : {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} (محمد:21) .
ومسألة أخرى هامة تجدر الإشارة إليها هنا وهي: أن تذكيرنا للأمة بالجهاد بدون توجيهها للتوبة والعودة قد يؤدي إلى حدوث اتكالية وتأخر في التغيير والإصلاح - الذي هو الطريق الذي يقود الأمة بفاعلية للجهاد ويحقق لها النصر فيه بإذن الله- بين أفراد الأمة، بحجة أن الجهاد لم يقم وأننا ننتظر اليوم الذي يبدأ فيه حتى ننصر إخواننا بمشاركتنا فيه، فتنسى الأمة وتغفل عن أن استمرارها في الذنوب والغفلة وعدم تحقيق العودة الصادقة إلى الله هو أحد أهم أسباب تأخر الجهاد في الأمة وتأخر تحقيق النصر فيه.
وكم واجهنا من المسلمين الذين عندما نذكرهم بترك اللهو والمعاصي غِيرةً على الأقل على واقع الأمة نجدهم يحتجون بحجة عدم وجود الجهاد الآن، وأنه لو كان موجوداً لتفاعلوا معه في إنقاذ إخوانهم، ونَسوا أنهم بأعمالهم هذه ولهوهم يكونون من أهم أسباب تأخر بدء وحصول الجهاد في الأمة.
وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما وسلفنا الصالح كانوا عندما يرسلون جيوشهم التي حوت خيار الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم كانوا يوصونهم بتقوى الله والحذر من الذنوب وأنها أهم العدة على الأعداء (1) ...... فكيف يُنسى هذا -أو يذكر بدون إعطائه حقه- عندما نذكر أمتنا بالجهاد، وهي على ما هي عليه من الغفلة والبعد وتضليل المضلين وإفساد المفسدين.
(1) كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص عندما أخبره عن كثافة جيش هرقل بإزاء جيش المسلمين: (إنكم لا تغلبون بقلة عددكم وإنما تغلبون بالمعاصي على كثرة عددكم فاحترسوا منها)«نقلاً من كتاب أسباب سعادة المسلمين وشقائهم للعلامة محمد الكاندهلوي» .ومما كتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسعد بن أبي وقاص عندما أرسله لفتح فارس: (أما بعد، فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب وآمرك ومن معك بأن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم) «نقلا عن كتاب توجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع للشيخ محمد جميل زينو. .
بل ويبدو أن تذكير الأمة بالجهاد بدون تذكيرها بالتوبة والرجوع ومساعدتها على تحقيقه، قد يؤدي إلى نشوء شوائب الحمية في إخلاص الأمة عند حماسها للجهاد، مما قد يجعل توجه البعض للجهاد تشوبه نية الحمية ، التي تضعف تحقق العبودية فيه. وفي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:«سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً أي ذلك في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» . وصفاء النية من شوائب الإخلاص تحتاج إلى أفرادٍ تربوا على الصدق مع الله، والتزام أوامره، والحرص على ما يرضيه.
5-
وبالنسبة لجانب تفرق الأمة ووحدتها فمن الإشكالات في الخطاب الدعوي والإصلاحي أن تُوْهَم الأمة أن السبب الأساس لتخبط الأمة وتأخر النصر هو عدم وحدة الأمة وإتحاد صفها وتلاحمها، فليس الأساس كذلك، بل نحتاج في الخطاب الدعوي إلى أن نؤكد للمسلمين بأن أمتنا لن تنتصر النصر الحقيقي وتحفظ حتى ولو اتحدت وتلاحم أبناؤها طالما أنها لم تطبق شرع الله وتحترم أوامره.
وذلك حتى لا تعتقد الأمة أن أساس دائها هو التفرق (ولا خلاف في أنه مشكلة هامة) ، ولتدرك في واقعنا الحالي أنه ليس إلا عرضا من أعراض مأساتها الكبيرة، ألا وهي بعدها عن حقيقة الدين، وعن التمسك الكامل به في كل أمور وجوانب الحياة. قال تعالى:{أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} الآية (الأنعام:65) .
ورجوع الأمة إلى دينها وتمسكها به سيكون أقوى دافع لاتحاد الأمة ولحمتها، بل هو جزء أساس من معاني الرجوع إلى الدين وصدق التمسك به وبتعاليمه.
6-
أيضا يلاحظ في أحيانٍ عديدة التركيز على كيد الكافرين ومؤامراتهم وخططهم وخطورتهم والسبل المادية لمواجهتهم أكثر من التركيز على الإصلاح وعودة الأمة، مع أن صلاح الأمة هو الأساس لردنا أي كيد وأي اعتداء، وخالقنا العظيم العليم أخبرنا سبحانه بأن كيدهم لن يضرنا إذا صبرنا واتقينا {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} (آل عمران:120) .
ولا شك أن أقوى ما نواجه به الكافرين هو صدقنا مع الله والتزامنا بأوامره، وأن أهم أسباب هزيمتنا وذلنا هو المعاصي، وبعدنا عن الله وعن التطبيق الحقيقي الكامل لشرعه وأوامره، ولا رد حقيقي لكيد الأعداء ونحن نقويه بذنوبنا ومعصيتنا.
بل وإن التركيز على كيد الأعداء (الذي من المُسَلّمْ بأنه لا خلاف في الأصل على أهميته) بطريقة تُشْعِر بأنه الأساس في مصائبنا وبدون تذكير الأمة بأمراضها التي كانت السبب في ذلها واستئساد الأعداء عليها وتمكنهم منها، قد يكون أيضا عاملاً آخراً يضعف التفات الأمة لمرضها الأساس، ودائها الأهم، وأولوياتها في طريق إنقاذ نفسها من الأخطار المحيطة بها؛ قال تعالى:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (آل عمران: 165) .
7-
يكثر بعض الدعاة أحيانا من ذكر " صلاح الدين " وغيره من أبطال الأمة خاصة في الأشعار والأناشيد عند كلامهم عن مآسينا، ولاشك في أن أمتنا تحتاج إلى أمثالهم وبشدة، ولكن.......
أن نجعل أن كل مشاكل الأمة وكل مآسينا بسبب عدم وجود أمثال " صلاح الدين " يعتبر فهماً خاطئاً، وله خطورته من حيث إنه يصرف أنظار الأمة عن أمراضها الحقيقية التي تنخر في جسدها، كما وضح ذلك صاحب كتاب " هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس" الدكتور ماجد الكيلاني.
ثم كيف يخرج لنا مثل " صلاح الدين "؟! ، هل ننتظر أن يوجد بيننا حتى ونحن على ما نحن عليه!!!!
إن العودة إلى الله ومناهج الإصلاح هي التي تخرج لنا" صلاحاً" -بإذن الله-!!. و" صلاح الدين " نفسه كان أحد ثمار المنهج الإصلاحي الذي عاصره وسبقه.
ولا شك أن ذكر" صلاح الدين " والأبطال مهم ونحتاجه، ولكن ليكن وسيلة لتحفيز الأمة للعودة إلى الدين، والنخوة له، والجهاد الصادق في سبيله، وليكن حافزا لنا لنكون على مثل ما كان عليه " صلاح الدين " من صلاح (1) وتقوى، سبقت بطولته وإنجازاته.
(1) كلمة معبرة للشيخ جميل عقاد (من سوريا) رحمه الله عن القدس يستشهد بها هنا وهي:) لن تعود حتى نعود (.
وذلك حتى يكون ذكره حافزا لنا في معرفة واجباتنا ومسؤوليتنا في الإصلاح، لا أن يكون ذكره وذكر عدم وجود أمثاله شماعة!!!! يستغلها الشيطان لكي تُلقي الأمة عليها أخطاءها بينما هي سادرة في غفلتها ولهوها وذنوبها، والتي هي أساس مأساتها وتخبطها وتفرقها وضياعها وهوانها.
8-
يبدو أيضا أن كثرة استخدام الدعاة والمصلحين والشعراء مصطلح العودة إلى الدين بالشكل الذي يخاطب الأمة بشكل عام لا بشكل فردي مثل عبارة "عودي إلى الله" التي تخاطب الأمه وعبارة "الحل في عودتنا لما كنا عليه سابقا" قد لا تشعر الفرد المسلم بواجبه في التغيير، خاصة مع وجود الغبش الكبير في فكر وسلوك أمتنا الديني، فقد يعتقد الكثير من أبناء الأمة أنهم ليسوا هم المقصودين بهذه العودة، خاصة مع وجود عدو الإنسان الكبير الشيطان الرجيم وشياطين الإنس، الذين يلبسون على المسلم أحكام دينه ويجعلونه يرضى بواقعه، على الرغم من وجود التقصير الكبير في تطبيقه والتزامه بالدين وأحكامه. وأيضا قد لا يكون واضحا للفرد أن بداية تغيير واقع الأمة وعودتها إلى الله تبدأ بالفرد نفسه، بالتزامه الصادق الكامل وبدعوته غيره من أفراد المجتمع (عودة ودعوة) . (1)
(1) هاتان الكلمتان تعبران باختصار عن دور المسلم في الإصلاح بتغييره نفسه ودعوته غيره، ويمكن أن يستفاد منها كشعار عملي يرمز لهذا الواجب. والشعارات لها أثرها الطيب الذي لا ينكر في التذكير والتحفيز
9-
مما يدل أيضا على أن خطابنا الدعوي كان ناقصاً هو ما نلاحظه من البرود والانتكاس العاطفي والعملي السريع ، والعودة للضلال واللهو الذي يحدث للأمة بعد فترة وجيزة من انتهاء إحدى نكبات المسلمين. بل حتى أنه مع استمراء الواقع وكثرة المذابح أصبح الكثير من الأمة يلهو ويغني، وينشغل بالدنيا، والمعاصي التي يؤخر بها نصر أمته في نفس الوقت الذي يرى أمامه يوميا إخوانه وهم يذبح أطفالهم، وتهدم منازلهم، وينكل بهم أشد تنكيل.
10-
يبدو أن من آثار عدم تركيز الدعاة وغيرهم من المصلحين والغيورين على طريق النصر الحقيقي-بالقدر الكافي- في خطابهم الدعوي أننا أصبحنا نرى العديد من الإنتاجات الطيبة التي كانت ردة فعل للمحن من مقالات وأشعار وكتابات، وإصدارات إعلامية متنوعة، وتوجهات شعوبية (1) ، كلها طيبة لكن الكثير منها يتسم بعدم تلمس طريق النصر الحقيقي بإيضاح جيد لا بكلمات رنانة عامة، وأفعال حماسية غير دقيقة في توجهها لأساس الداء والدواء.
بل إن بعض ردود الفعل تجاه المحن سواء كانت نثراً أو شعراً أو خطابةً أو مظاهرات أو غير ذلك كانت تتكلم عن المحن بالطريقة التي يتكلم بها أي إنسان يضيع عليه مجده أو وطنه أو ينتهك عرضه ودمه، فبعضها جاف من المعاني الإسلامية، ومعاني العبودية، وفي بعضها سمة الحمية أظهر من سمة العبودية والإخلاص والتجرد والعمل من اجل إرضاء الله.
(1) إننا نأمل أن تصبح شعارات وكلمات الرجوع والعودة إلى الدين، والتحفيز للتوبة والصلاح هي السمة الأساس التي لا تفتقد في أي تفاعل طيب يحدث من الشعوب المسلمة بعد الآلام التي تراها
…
فهذا هو الطريق الحق لعزنا ونصرنا وفلاحنا في الدنيا والآخرة.
11-
ومن الإشكالات التي لوحظت ما يمكن أن نسميه التخدير بالنصر والتفاؤل الذي يحدث عندما يحرص بعض الأفاضل الكرام الغيورين من الدعاة والمصلحين في خطاباتهم -كلمات كانت أو شعرا أو توجيهات- على طمأنة الأمة بأن النصر قادم، وبث روح التفاؤل فيها بدون أن ُتذَكَّر الأمة بأهمية أن تصحح مسارها، وتتوب من المعاصي التي وقعت فيها، وتعلن وتبدأ بجدية في العودة الصادقة إلى الله، وإلى حقيقة دينها وتطبيقه الكامل، والدعوة والبذل والتضحية من أجله، فنكون بذلك كمن يطمئن الطالب الكسول المحبط بأن عليه ألا ييأس وأنه سينجح بدون أن يذكره بأن عليه أن يثابر ويجتهد.
ولا يعني هذا عدم التشجيع على بث روح الأمل والتفاؤل، فهو أمر مطلوب محمود، ولكن القصد أن يكون معه تذكير واضح بالعمل والسعي للتغيير، حتى تُتَلافى سلبية الركون واستمراء الواقع.
((إن أمتنا تحتاج إلى التفاؤل ولكنها.....
تحتاج أكثر ما تحتاج إلى من يهزها بقوة لتستيقظ من نومها العميق وبُعدها،
تحتاج أكثر من التفاؤل إلى من يحذرها من حدوث مآسٍ وعقوبات أخرى من الجبار سبحانه لها فهي:
لم تفق وترجع إلى الله وهي في أشد مآسيها وذلها وهوانها،
لم تعد ولم تتب من المعاصي (1) وهي ترى المسلمين يذبحون ذبح النعاج بما فيهم أطفالهم!!! الأبرياء،
لم تعد (2) وهي تسمع بآلافٍ!!!! من أخواتهن يغتصبن!!!! .
لم تعد ولم تتب وهي ترى الأعداء يتربصون بها من كل جانب!!
لم تعد ولم تتب وهي ترى العالم يعيش في قمم من الضياع والتعاسة والكفر
والضلال، وهي المسؤولة عن تبليغه طريق النجاة
…
أولاً:بتمثلها هي نفسها الإسلام
حقيقة وصدقاً (فهو الأهم لنشر الدين)، وثانياً: بتبليغها الإسلام بكل عزم وهمة.
إن أمتنا التي لم تفق (3) ولم تعد وهي ترى كل هذه البلايا.... تحتاج أكثر ما تحتاج إلى من يخوفها من حصول مثل ما حصل لإخوانهم عليهم.
وإذا أردنا أن نخفف بعض إحباطاتها فليُصاحب ذلك تذكيرٌ بالطريق والوسيلة التي بحصولها وبالبدء بتحقيقها نتفاءل التفاؤل الحقيقي الذي يكون تفاؤلا مفيداًً لا أماني قد تضر أكثر مما تفيد ((. (4)
(1) أمثلة المعاصي والانحرافات التي وقعت فيها الأمة وجاهرت الجبار بها واستمرأتها (وكأنها حلال) وأصرت عليها وانتشرت فيها كثيرة وفي جوانب متنوعة عديدة،....ولكن لا أجد مثلاً أوضح على ذلك -كما يبدو لي- مثل قضية إصرار الأمة -سواءً المنفذين أو المشاهدين- على قبول واستمراء المنكرات التي تأتي بها القنوات ووسائل الإعلام وتساهلها بعرضها ورؤيتها (خاصةً مع معرفة الكثير بحرمتها) وإن كان ذلك مجرد النظر إلى المرأة المتبرجة مذيعةً كانت أو غير ذلك (وهذا من باب ضرب المثل بالأقل وإلا فإن هذه الوسائل يعرض فيها أكثر من ذلك بكثير، ويعرض في كثير منها ما يشيب له الرأس مما يفسد المجتمع دينياً وأخلاقياً) . وعلينا أن لا نستهين بهذا الجانب فخطر وأثر الانحراف في هذه الوسائل عظيم الأثر على فكر وقيم وسلوك وتوجهات واهتمامات وتربية أي مجتمع حتى لو غض الطرف عن جانب المعاصي المباشرة المتحققة بالنظر لها. وهي -بتعويدها الأمة على استسهال المعصية- تهيؤها للتمادي في معاصٍ أخرى في شتى المجالات.
(2)
لا يخلو المسلم من الذنوب فهذا من طبيعة النفس البشرية، ولكن الخطورة على الفرد والأمة تكمن في الإصرار عليها والمجاهرة بها،.. وخطر الذنوب وأثرها على الفرد والمجتمعات والأمة بشكل عام فصله علماء ودعاة الأمة في السابق والحاضر. ومن أفضل الكتب الحديثة - حسب إطلاعي- التي كتبت عن الذنوب وأثرها كتاب «المعاصي وأثرها على الفرد والمجتمع» للشيخ حامد المصلح
(3)
لا تعني هذه العبارات فقدان الأمل في الأمة، بل إن الأمل في الخير الكامن فيها هو ما يدفع لكتابة مثل هذه الكلمات، ولا يُنكر أن الأحداث غيرت العديد من المسلمين،.. ولكن بشكل عام فإن الغفلة لا زالت مستمرة والاستيقاظ المأمول لم يحصل حتى الآن
(4)
جزء من مقال يتحدث عن هذا الجانب من موقع «مأساتنا والحل: عودة ودعوة» ، وهو موقع يركز على التذكير بواجب العودة وإصلاح المسار www.awda-dawa.com
12-
ومن سلبيات بعض الألفاظ التي تستخدم للتعبير عن بعض مآسي ومحن الأمة ووصفها مثلاً بأنها القضية الأخطر التي تواجهنا ونعيشها أو بأنها مشكلة المسلمين وقضيتهم الكبرى - وذلك في غياب أو ضعف تذكير الأمة بواجبها في الصلاح والإصلاح عند الحديث عن هذه الأحداث- أن تصرف الأمة عن التركيز على قضيتها الكبرى ومأساتها الأكبر ألا وهي بعدها عن حقيقة الدين، والالتزام بأوامره، والتي نتجت واستمرت بسببها شتى المآسي التي تعيشها الأمة من ضعف وتفرق وتخبط، وذل وهوان، وضياع للمقدسات والأوطان،..... فتعتقد الأمة أن المأساة هي فقط فيما حصل من فقدان للأراضي والبلاد،
…
وكأنه يرضي الله وتتحقق رسالتنا في الأرض فقط باسترداد ما فقد منا، وبأن ننتصر على الأعداء، وإن استمررنا على مداومة المعاصي والبعد عن حقيقة الدين.
13-
وختاماً فمن بعض النقاط السابقة يلمس المرء أن بعض أحبتنا من الدعاة والمصلحين في حديثهم عمّا يتعلق بالمآسي التي نعيشها يخاطبون (في أحيانٍ قليلة أو كثيرة) الأمة أو بعض فئاتها وكأنها بشكل عام الأمة المستقيمة على ما يرضي الله والمطبقة لشرعه والسائرة على هداه، والتي لم يبق لها إلا توجيه لقضية معينة قصرت فيها، أو مسألة واحدة أخطأت في فهمها، أو فقط اجتماع كلمتها على حُكمٍ في مسألة،..... ولكن القضية أكبر وأشمل من ذلك،.... إنها قضية إحياء أمتنا التي قتلها الأعداء والمفسدون والشيطان والهوى منذ عقود عديدة بإبعادها عن أساس حياتها، ومقتضيات رسالتها، وسر سعادتها في الدنيا والآخرة.
ثانياً: ما نتمناه في خطابنا الدعوي عن المآسي:
1-
نتمنى من الخطاب الدعوي والإصلاحي عن مآسي أمتنا وتخبطاتها أن يكون مركزا على الحل الأساس الأهم حسبما عرفنا من السنن الربانية التي عرَّفنا بها قرآننا العظيم، ونبينا صلى الله عليه وسلم، وعلماء الأمة وسلفها الصالح، ألا وهو رجوع الأمة إلى دينها، وتطبيقه الكامل، وابتعادها عن المعاصي والذنوب التي هي أساس المصائب والفتن والنكبات والشرور.
وأن يركز على علاج مرض أمتنا أكثر من التركيز على علاج أعراضه، (1)
وأن يكون مستمرا لا منقطعا، حتى لا يكون فقط ردة فعل تأخذ وقتها ثم تبرد وتنتهي.
(1) أيضاً لوحظ التركيز على الأعراض أكثر من المرض نفسه في كلمات بعض المصلحين بعد ما أصاب الأمة من أخطاء أو انحرافات، أو أزمات حادة أو مصائب أو نكبات، أو فتن أو تخبطات معينه، فكنا نجد التركيز على الفتاوى والأحكام والتوجيهات والنظرات الخاصة بذلك الحدث مع ضعف الاستفادة من الحدث لتذكير الأمة بوضوح وتركيز بدائها الأساس الذي تسبب في هذا الواقع وانحرافاته، فبذلك النهج نكون قد توجهنا لعلاج العرض ونسينا الأصل المتسبب في ظهوره. ولا شك أننا نحتاج بشدة إلى الفتاوى والتوجيهات التي تبين لنا الحكم الشرعي والنظرة الصحيحة في حدث مؤلم أو انحراف معين، وينبغي علينا توضيحها للأمة، ولكن الأهم هو علاج المرض الضخم الكبير الأساس الذي نتجت عنه تخبطات الأمة وانحرافاتها ، وتفرقها واختلافها ، وتشتت آرائها وتوجهاتها ، وقلة البركة في رزقها ، وضعفها وذلها، وتسلط الطغاة عليها، وتمكن الأعداء منها، ووضعها المأساوي الذي تعيشه،....ألا وهو عدم استقامتها على الإسلام كاملا، وبعدها عن صدق التمسك بالدين، واستمراؤها الذنوب والمعاصي وإصرارها عليها، وعدم عيشها للدين حقيقةً لا خيالاً. قال تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير (الشورى 30) .