المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أن يكون خطابه معروضا بطريقة مفصلة دقيقة - كلمة للدعاة والمصلحين

[-]

الفصل: ‌ أن يكون خطابه معروضا بطريقة مفصلة دقيقة

2-

نتمنى أيضا من الخطاب الدعوي - عندما يوضح أن نصرنا بالعودة (1) إلى ديننا-‌

‌ أن يكون خطابه معروضاً بطريقة مفصلة دقيقة

، تبين لكل فرد كيف يكون دوره في العودة والتغيير، لا أن يكون الخطاب بكلمة عامه فقط لا تُشعر الفرد بدوره ومسؤوليته في تحقيقها، بل وتؤدي أحيانا إلى أن نَجْعَل الفرد ممن يقول ما لا يفعل، فهو قد يتغنى بأن الحل في العودة ولكنه بعيد عن تحقيقها وعن معانيها وواجباتها.

فنحن نتمنى أن تكثر الكلمات القوية والأشعار المؤثرة التي تجعل الفرد المسلم يخرج منها بخطوات عمليه عمَّا ينبغي أن يفعله هو بنفسه لتغيير واقع أمته، لا أن يخرج فقط بحماس وانفعال قد يبرد سريعا، فأمتنا تريد عملا وعاملين.

(1) أرجو ألا يُعْتَقَد بأن التركيز على العودة يعني تقليل أهمية الجهاد،....فأولا: بلا أي شك فإن جزءاً هاماَ وأساسياً مما ينبغي أن تعود إليه الأمة هو الجهاد في سبيل الله،....وثانياً: علينا ألا ننسى وأن نتذكر أن أقوى ما يُعِدْ وتستعد به الأمة للجهاد هو عودتها إلى الله والتزامها أوامره،....وثالثاً: أن نصر الله لأمتنا مرتبط بنصرها له سبحانه وتعالى (العودة مَوْقِدُ شُعْلَةِ الجهاد وَسِرُّ انتصاره)

ص: 26

3-

حبذا أيضا لو كان في خطابنا الدعوي- نثرا كان أو شعرا أو خطابة - تبيين وتذكير ببعض المنكرات التي انتشرت في الأمة وخاصةً التي استمرأها المسلمون ، وهذا أفضل من العموميات في الكلام عن العودة والذنوب، لكي يتضح للفرد المسلم نقاط خلله وتقصيره (1) ، ومن ثم يكون خطابنا أقوى في النتيجة العملية الناتجة منه بإذن الله.

وليت خطابنا الدعوي لا يُغفل تذكير الفرد والمجتمع بخطر المعاصي كلها بشتى أنواعها، بما فيها خطر الإصرار على الصغائر (2) ، الذي تساهل به حتى الكثير من الأفاضل والطيبين، نسياناً منهم لبعض الحقائق والأسس المتعلقة بهذا الموضوع، ومنها تحول الصغائر إلى كبائر بأمور عديدة منها الإصرار والمجاهرة وعدم الحياء والخجل من الله في عملها كما وضح هذه الحقائق علماء الأمة وسلفها الصالح.

فنحتاج في خطابنا إلى تبصير الأمة بهذه الحقيقة التي نُسيت، وخاصة وأننا نرى الانتشار الضخم في الإصرار على كثير من الصغائر في واقع أمتنا الحاضر، والذي لا شك في أن إفساد المفسدين وتضليل المضلين دعمه وقوَّاه في قضايا كثيرة.

(1) من أمثلة العموميات في الخطاب وبغض النظر عن مسألة المآسي وواجب العودة أن تكثر الكلمات المتحدثة عن التوبة بدون أن توضح هذه الكلمات من ماذا تكون التوبة؟ بذِكر بعض الأمثلة (وليس شرطاً أن تذكر الأمثلة في كل كلمة) ، فالسامع للكلمة قد يكون واقعا في العديد من المنكرات (سواءً في أمر العقيدة أو الفكر أو السلوك) ولكن ضعف التصور وهوى النفس قد تجعله يرى أنه ليس هو من المقصودين بالتوبة، وأن المقصود بها غيره من الواقعين في الكبائر الظاهرة مثل شرب الخمر والزنا وغيرها. بل أحيانا يُذكَر مثلٌ ولكنه مثل عام يحتاج إلى توضيح وتحديد، فيشارك أيضا الهوى وضعف التصور في إيهام المستمع بأنه ليس المقصود؛.... فمثلا الكلام عن النظر الحرام قد يتصور البعض أن المقصود به هو رؤية الأفلام الفاحشة والشديدة التبذل وأما أن يرى المرأة المتبرجة (بل أحيانا الكاسية العارية من شدة تبرجها) فلبس هذا من النظر الحرام في تصوره،

خاصة مع الاستمراء الكبير للعديد من المنكرات في مجتمعات المسلمين في عصرنا الحاضر.

(2)

إن التنبيه على خطورة الإصرار على الصغائر لا يعني أبداً أنها أهم انحرافات الأمة، فحتى الإصرار على الكبائر إنتشر في الأمة،...... ففي الأمة الكثير من الشرك والانحرافات العقدية، وضعف تحقيق التوحيد وتمثل معانيه! ، والبدع، وتحكيم غير شرع الله، والخلل في الولاء والبراء، ومحاربة المصلحين، والاستهزاء والتهاون بقيم الدين، وترك الصلاة، والتعامل بالربا، والظلم والغش وتضييع الأمانات، والغيبة،

وغير ذلك، ولكن نبه على الصغائر لأن التذكير بها وبخطرها قد يغفل وينسى.

ص: 27

وعلينا أن لا ننسى أن كثيراً من الكبائر التي انتشرت في الأمة كان مبدؤها التساهل بصغائر متعلقة بها وتؤدي إليها. كما أن التهاون والإصرار على الصغائر يُجَرِّئ المسلم على غشيان غيرها من المعاصي ولو لم تكن متعلقة بها.

ص: 28

4-

نتمنى أن يُشْعِر الخطاب الدعوي والإصلاحي المسلمين بفاعلية بالتحديات الخطيرة التي تواجه الأمة، ويربطها بضرورة تصحيح المسار والإصلاح،

حتى يكون الشعور بالتحدي فعالا في إيقاظ المسلمين وعودتهم.

وقد كان الشعور بالتحدي فعالا في تغيير حياة كثير من شعوب العالم بعد نكبات ألمت بهم (اليابان أحد هذه الأمثلة) .

ص: 29

5-

نحن في حاجة كبيرة إلى الخطاب الدعوي الذي -عندما يخاطبنا في مآسينا، ومشكلاتنا، وفي كل أمور وشؤون حياتنا وانفعالاتنا وتحركاتنا- يربطها بعبوديتنا لله ، فهذا هو الأصل الذي ربانا الإسلام عليه وامرنا الله به وخلقنا من أجله،

قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: الآيات 162-163) .

وإن صدق الإخلاص لله في أمورنا -مع التزامنا بالنهج الصحيح بالطبع - من أهم أسباب نصرنا ، بل حتى حميتنا وغيرتنا عندما نرى ذبح إخواننا ينبغي أن تكون مربوطة بعبوديتنا لله، فنسعى لإيقاف ذلك لأنه يغضب ربنا سبحانه، ويعوق نشر دينه، وتحقيق خلافة الإنسان في الأرض، لا أن يكون غيرة وحمية أرضية.

ص: 30

6-

يحدونا أملٌ كبير -إن حقاً ذكرنا أمتنا بفعالية بدائها الأساس وجعلناه قضيتها الكبرىالأهم- أن ينتج عن ذلك حصول توجه ضخم لأمتنا نحو الحل الأساس بما يمكن أن نسميه للتذكير " مقاطعة الذنوب. "

وعلى الرغم من أهمية وضرورة المقاطعة الاقتصادية وفرحنا بها إلا أن مقاطعة الذنوب! هي المقاطعة الأهم ، وهي الدواء الأساس الذي بِعَدَمِهِ يفشل أي دواء أو عمل مساند في تحقيق الشفاء والتمكين لأمتنا المريضة الجريحة الذبيحة.

بل إن مقاطعة الذنوب بمفهومها الحقيقي الكامل تشمل المقاطعة الاقتصادية، وتقويها، وتدعمها، وتحفز الأمة لها.

وإن تحمس المسلمين الكبير للمقاطعة الاقتصادية التي دعا إليها الكثير من الدعاة والمصلحين لهي دلالة واضحة عن وجود البذرة الصالحة والاستعداد في الأمة للتوجه بحماس للعودة إلى الله في حال تذكيرها بهذه القضية بصورة مركزة كما حدث في المقاطعة الاقتصادية.

فكما فرحنا بإحساس أمتنا بالمقاطعة الاقتصادية الذي أدركه وتحمس له حتى الكثير من أطفالنا!!!....فإننا ننتظر فرحنا بحصول توجه كبير في الأمة نحو المقاطعة الأهم التي هي الأساس لحصول النصر واستعادة العزة.

ص: 31