المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حتى نحقق النصر والفلاح - كلمة للدعاة والمصلحين

[-]

الفصل: ‌حتى نحقق النصر والفلاح

‌حتى نحقق النصر والفلاح

أخي هل تراك سئمت الكفاح

وألقيت عن كاهليك السلاح

فمن للضحايا يواسي الجراح

ويرفع راياتها من جديد

(1)

إخوتنا الدعاة إلى الله - والأصل أن أبناء أمتنا كلهم دعاة إلى الله - يا من حملتم مشاعل الأمل لهذه الأمة في طريقها إلى العودة والنصر. إخوتنا إن مسئوليتنا تعظم مع هذه المآسي، فتقصيرنا في الدعوة وفي تربية أنفسنا التربية القوية في شتى الجوانب الهامة يعني إطالة معاناة الأمة واستمرار مذابح إخواننا.

فهل نهنأ والحال كذلك!!؛....

إن أملنا في حاملي مشاعل الأمل هو أن:

يحققوا أولاً صدق إخلاصهم وتجردهم لله (2) ،

وصدق محبتهم له سبحانه (3) ،

وارتفاعهم في درجات العبودية،

وقوتهم في أعمال القلوب، وسلامتهم من أمراضها (4) ، (فهذه الأمور من أقوى عوامل الفلاح والنصر) .

وأن يلتزموا ما ورد في الكتاب والسنة والدليل الصحيح -فلا فلاح ولا نصر بدون هذا-،.. وحتى لا نقع في تمييع أحكام الدين أو التنطع،

وأن يكونوا قدوة حقة تتحدث أفعالهم قبل أقوالهم (5) ،

وأن يكونوا قمة في أخلاقهم (6) ،

(1) شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث: حسني جرار، أحمد الجدع، (الجزء الرابع) من القصيدة البليغة المؤثرة «أخي» لسيد قطب، ص 44

(2)

إن الإخلاص كما قال علماؤنا عزيز وتحقيقه يتطلب جهداً كبيراً وحرصاً بالغاً وهو هام جداً، فأولاً: ضعف الإخلاص قد يحبط العمل وقد يؤدي بالمسلم إلى الهلاك، وثانياً: هو عامل هام يؤدي عدم تحقيقه إلى تأخر نصر أمتنا بلا شك. ولا تخفى التنبيهات العديدة في القرآن العظيم والأحاديث الشريفة وكلام الكثير من علماء الإسلام في السابق والحاضر عن أهمية هذا الجانب والانتباه للصدق في تحقيقه، خاصة أن الشوائب والضعف في الإخلاص قد توجد بدون أن ينتبه لها الداعية أو العالم، فقد يظن نفسه محققاً الإخلاص بينما قد يوجد في إخلاصه الكثير من النقص والعديد من الشوائب التي تساهم في دفعه للدعوة بدون أن يشعر بها، وقد نبه الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد إلى مثل هذا الأمر عندما علق على قوله تعالى قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين فبين أن من المسائل المستفادة من هذه الآية التنبيه على الإخلاص فقال:(فيه مسائل. . . الثانية: التنبيه على الإخلاص لأن كثيرا لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه) ، أي أنه قد يكون سبب دعوته هو تحقيق شهوات خفية لإرضاء نفسه وإسعادها لإتباع الناس لما يقول، أو لفرحٍ دنيوي بأنه أصبح ذو شأن ونشاط وذو حركة وتميز (كما يحصل لمقتنع أي فكر أومبدأٍ أرضي يعمل ويبذل من أجله) ، وليس دافعه الأساس الدعوة إلى الله، وفي الحديث الصحيح:(يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل)(صحيح الترغيب والترهيب: تحقيق الألباني) . ونبه ابن رجب الحنبلي رحمه الله لشوائب الإخلاص في رسالته الهامة عن شرح حديث (ما ذئبان جائعان) ، ولسيد قطب رحمه الله لفتات وتوجيهات هامة جداً عن الإخلاص والتجرد لله، ذكرها في أكثر من موضع في الظلال خاصة عند حديثه عن وعد الله للمسلمين بالنصر، فحبذا الرجوع إليها.

(3)

تحقيق المحبة الصادقة ليس بالأمر الهين ويحتاج إلى جهد ومجاهدة،.. فهل حقاً أن الله ورسوله (وما يحباه!!) أحب إلينا من أنفسنا!!!! ومما سواهما؟! ،..... وهل نحن حقاً نتأثر!! ونغضب لله أويتمعر وجهنا ونتألم! عند رؤية المنكرات أو سماع أخبارها!! وما يتعلق بها!!!!! (كما لو أن شيئاً يصيبنا) ؟!!! ،.... وهل نحن حقاً نحب في الله!! ونبغض في الله؟!!

(4)

كان سلفنا الصالح مثل شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم وغيرهما يهتمون بأعمال القلوب ويحذرون من أمراضها وخطورتها، ويركزون بالذات على من تصدر للدعوة من أهل الصلاح خوفا عليهم من الضعف فيها، فإثم ذلك عظيم وشره كبير. وليتنا نرجع إلى كتبهم ورسائلهم عن هذا الجانب، ومنها «التحفة العراقية في أعمال القلوب» لشيخ الإسلام إبن تيمية. ومن جانب آخر فإن تحسن المسلم في أعمال القلوب يرفعه درجات أكبر وأكبر مما ترفعه أعمال الجوارح. وأيضاً قد توجد في الإنسان - وهو غير منتبه- العديد من أمراض القلوب الخطيرة مثل الكبر والعجب والحسد والرياء وغيرها والتي هي كما ذكر ابن القيم رحمه الله في المدارج أبغض إلى الله وأخطر من العديد من الكبائر الظاهرة. وحقيقة أننا عندما نرى الاختلاف بين بعض فئات الصحوة من جهة، أوبين فئات الصحوة وغيرهم من المثقفين والمفكرين الخيرين من جهة أخرى فإن سببه الأهم (والله أعلم) الضعف في الإخلاص وفي أعمال القلوب والتي تجعل الإنسان لا يتقبل الرأي الآخر حتى مع وضوح وإيضاح!! الحق والدليل الشرعي فيه!! ، نظراً لما قد أصابه من أمراض القلوب من عجب بالنفس والرأي، وكبر على الآخرين وعلى تقبل الحق منهم، وحب للرياسة.- ولا شك أيضاً أن من عوامل تأخر النصر الضعف في أعمال القلوب ووجود أمراضها، ولا أدل من ذلك من أن الصحابة الأطهار رضوان الله عليهم تأخر عليهم النصر في غزوة حنين لحدوث عُجْبٍ عَارِض!! كاد أن يكون سبباً في هزيمتهم ويوم حنينٍ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً (التوبة:25) ، وانظر كلام ابن القيم البليغ عن العبر من غزوة حنين في زاد المعاد.

(5)

القدوة أساس ومن أهم أسباب نجاح الدعوة، وضعفها مشكلة كبيرة ومن أهم أسباب النفور وعدم التقبل،

فأذكر نفسي وإخوتي الكرام بأن نتقي الله في هذا، وحتى لا نكسب إثم تنفير أحد، خاصة أن الكثير يضعوننا تحت المجهر وحتى الخطأ الصغير يستكثر منا (ولا يليق بنا) .ومن أهم الجوانب التي تعيننا بإذن الله على تحقيق ذلك؛ التناصح بين الدعاة أنفسهم، والذي كثيرا ما نحتاجه..وكثيرا ما ننساه!! ونقصر ونجامل فيه!..وننسى أن جزءاً هاماً وواجباً!! من واجبات الدعوة أن ينصح الأخ أخاه ويقومه (بل وأيضاً نحتاج إلى أن نحسن ونطور جهودنا بالتناصح بيننا!) .

(6)

لا نشك في أن الشباب المتدين في واقعنا المعاصر في عمومهم يتميز الكثير منهم بالقرب من الأخلاق الحسنة بدرجات مختلفة في هذا القرب، ويعتبر الشباب المتدين بشكل عام أقرب إلى حسن الخلق وسماته وصفاته (وذلك لأثر التدين الذي لا ينكره منصف) ،.....ولكن الدرجة التي وصل إليها الشباب المتدين بشكل عام في جانب حسن الخلق لا تتناسب مع المستوى الذي ينبغي أن يكونوا عليه، وهم الذين من المفترض أن لا تخفى عليهم الدرجة الهامة والأجر العظيم الكبير لحسن الخلق في الإسلام والذي يتبين من كثير من الأحاديث الصحيحة مثل قوله صلى الله عليه وسلم:(أكمل المؤمنين إيماناً أحاسنهم أخلاقاً..) الحديث، وقوله:(أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً)، وقوله:(أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن) وقوله: (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار)، وقوله:(أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس....ولأن أمشي مع أخٍ في حاجةٍ أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا)«الأحاديث من سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني» . أيضا من الخسارة ألا يكون الجل الأعظم من الدعاة قمة في أخلاقهم وهم يدركون أثر حسن الخلق في التأثير على الناس وتقبلهم وتأثرهم.

ص: 33

وقمة في تربيتهم الروحية الإيمانية (1) بما فيها الزاد العظيم زاد قيام الليل ، وزاد الصلاة الخاشعة والذكر الذي يواطيء القلب فيه اللسان (2) ،

وأن لا ينسوا أن يتسلحوا بالسلاح العظيم ألا وهو الدعاء في كل أمورهم،

خاصة دعاء أوقات الاستجابة،

وأن يركزوا في دعوتهم للناس على تربية الإيمان والعقيدة أولا (3) ،

وأن يركزوا على الأولويات (4) ،.......

والأهم فالأهم (5) ،

وألا تفوت عليهم الموازنة بين الواجبات (6) ،

وألا يركّزوا على الأعراض أكثر من الأمراض (على مستوى الفرد أو المجتمع) ،

وأن يقدموا العطف واللين والحسنى والتسامح والتحبب والإحسان في تعاملهم الدعوي مع الآخرين، فهو يأتي بما لا تأتي به الشدة التي -في غالبها- تنفر أضعاف ما تقرب، وتُخسِّرُ أكثر مما تُكسب (7) ، ومن أُغْضِبَ وخُسِرَ قلبُه ومحبته لا يستجيب للنصح غالبا وإن غُلِبَ في الحجة والتبيان (8) ،

وألا ينشغلوا في طريق دعوتهم بأمور أو معارك جانبيه تشغلهم عن الأساسيات والواجبات الأهم، وعن الأعداء الحقيقيين (9) ،

وألا ينشغلوا بغير الأولى والأجدى والأهم للدعوة والإصلاح، فالوقت غالٍ ومحدود والواجبات كثيرة جدا (10) ،

(1) حبذا الرجوع إلى العديد من الكتب القيمة التي تكلمت وتطرقت للجوانب الإيمانية التربوية بما فيها أعمال القلوب والسلامة من أمراضها الخطيرة مثل العبودية لشيخ الإسلام إبن تيمية، و «مختصر منهاج القاصدين» لإبن قدامة المقدسي، و «تهذيب مدارج السالكين» لعبد المنعم العزي، و «تزكية النفوس وتربيتها كما يقرره علماء السلف» للدكتور أحمد فريد، وكتاب الرقائق لمحمد أحمد الراشد، وسلسلة «توجيهات نبوية على الطريق» للدكتور السيد محمد نوح. وإن أعظم اللذة والسعادة والفرح والفوز يكمن في تحقيق هذه الجوانب.

(2)

إن من أعظم ما يحقق الفائدة من الصلاة والذكر ويَعْظمْ به أجْرُهما حضور القلب واستشعار المعاني

(3)

إن عدم البدء والتركيز على تربية الإيمان وتقوية العقيدة في الله والدار الآخرة بين المدعوين، وفي المقابل التركيز فقط على النهي والأمر يؤدي إلى نفورهم وعدم استجابتهم،.. فَتَمَكُّنْ العقيدة والإيمان في النفوس هو الذي سيجعلها بإذن الله تستجيب لأوامر الشرع، كما حصل مع الصحابة رضوان الله عليهم، فبعد أن تَرَبَّى الإيمان والعقيدة والتطلع إلى الآخرة فيهم في الفترة المكية من الدعوة، أتت الأوامر والأحكام الشرعية في الفترة المدنية فنفذوها مباشرة بلا أي تلكؤ، لأنهم عرفوا أنها أوامر العظيم رب الكون الذي مُلئت نفوسهم بمحبته، وبالإيمان بعظمته، وما عنده من الأجر الكبير لمن اتبع وأطاع، وما عنده من العذاب الشديد لمن عصى وعاند. وعموماً فالطريق الدعوي الفعال الأقوى للتأثير على الناس ونقلهم بإذن الله إلى الالتزام بالدين هو معايشتهم والاحتكاك المستمر بهم وتقوية إيمانهم وعقيدتهم والإحسان إليهم لا مجرد الإنكار عليهم

(4)

ليتنا ونحن في طريق الدعوة نتذكر الأهداف والأولويات!! ، حتى لا نغرق في وسيلة ونهتم بها حتى تصبح وكأنها هدف ونقدمها على الأهداف الحقيقية، أو حتى لا نقدم الأقل أهمية على الأهم منه. فمثلاً ليس الهدف الأساس للدعوة ازدياد معلومات المسلمين الفقهية - وإن كانت أمراً هاماً ووسيلة ضرورية لتحقيق معرفة المسلمين لأحكام الدين التي يجب عليهم معرفتها- فالهدف الأساس في الدعوة هو عودة الأمة إلى حقيقة الدين والصدق في تطبيقه والالتزام بأوامره في كل الأمور، وكمثل آخر ليس الهدف الأهم الأساس حفظ كتاب الله (مع جلالة هذا العمل العظيم) ولكن الأهم هو تطبيق الأفراد والمجتمعات لأوامر القرآن ونهجه، وتربيهم على معانيه وقيمه، (أيضاً المواضيع الفكرية هي وسيلة لا غاية!!) .وهذا يُذكرنا بأهمية أن يستفيد الدعاة من أفكار ومبادئ الإدارة التي تساعد على تقوية ملكات تقدير الأهداف والأولويات، وتقييم وتحسين!! الإنتاجية!!!! ، والبحث عن الطرق الأكثر فاعليةً!!.وبمناسبة ذكر الاستفادة من العلوم الإدارية فأحب أن أذكر بالفائدة الكبيرة بإذن الله للخطباء والدعاة من معرفة ودراسة مهارات الإلقاء والاتصال والحوار (تقدم بعض المؤسسات الدعوية أو التدريبية دورات جيدة في هذا الجانب) ، وأيضا معرفة القواعد التربوية المتعلقة بتغيير السلوك مثل ما يتعلق بالمعرفة والتوجهات وعلاقتها بتغيير السلوك (وأن المعرفة وحدها لا تكفي عادةً للتغيير) .

(5)

(أ) من الأولويات والأمور الأهم التي تفوت علينا أحياناً مسألة التذكير بالتوبة في مواسم الخير مثل شهر رمضان والعشر الأواخر فيه وعشر ذي الحجة وغيرها، حيث نجد التذكير مركزاً على الازدياد في النوافل والسنن والأذكار والصدقات وفضائل الأعمال، ويقل التركيز على التذكير بالتوبة والبعد عن المعاصي وأداء الواجبات المفروضة مع أنها أهم الأعمال وأحب الأعمال إلى الله، خاصة في هذا الواقع الذي بعدت فيه الأمة وتهاونت في كثير من الأحكام الواجبة وانتشرت فيه الكثير من المعاصي، فكما ورد في الحديث القدسي الصحيح:(وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضته عليه..) صحيح البخاري، وفي الحديث أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم:(اتق المحارم تكن أعبد الناس) «حسنه الألباني في صحيح الترمذي، وفي الأثر عن ابن عمر رضي الله عنه:(لرد دانق من حرام أحب إلى الله من إنفاق مائة ألفٍ في سبيل الله) . أيضاً يفوت علينا أحياناً التذكير بالتوبة والالتزام بأوامر الدين عند الحديث عن حِكَمِ بعض العبادات مثل الحج والعمرة، والأضحية!! ، وصيام رمضان، وقراءة القرآن وواجبنا تجاهه، وصيام التطوع في مواسمه المختلفة، والأذكار وغير ذلك، مع أن التوبة من أعظم وأهم حكم هذه العبادات. بل إن التركيز في المواسم على فضائل الأعمال، والتركيز على حكم العبادات بدون التذكير بالتوبة قد يؤدي إلى تكريس رضا الأمة بواقعها الذي بعد كثيرا عن الالتزام الكامل بالدين، بحيث يمكن أن يتربى في فكر الفرد المسلم (بشكل غير مباشر) أنه يكفيه أن يتقرب إلى الله بفضائل الأعمال في المواسم وغيرها بينما هو مستمر في إصراره على ذنوب لا يرضاها الله سبحانه وتعالى، أي تحصل لديه اتكالية كبيرة على فضائل الأعمال التي يقوم بها، (ومن المهم أن تُذكّر أمتنا بأن من علامات قبول الأعمال التوبة والأوبة بعدها) . (ب) أيضاً عندما يتحدث داعية لأفراد مجتمعاتنا في هذه الأيام عن حديث البطاقة بدون أن يتكلم عن شروط لا إله إلا الله،

أو يُذَكِّر في موعظة عن سعة رحمة الله ومغفرته بدون أن يستدرك في الأخير وينبه أن سعة رحمة الله يجب أن لا تنسينا أنه سبحانه شديد العقاب؛ فتزيد بذلك الاتكالية!. (ج) ومثل آخر على تفويت الأولويات وموازنتها أن نجد بعض الأفاضل ممن لا نشك كما نحسبهم في مدى تقواهم وصدقهم فتجدهم يجتهدون ويبذلون الأموال من أجل الاعتكاف في الحرم الشريف في العشر الأواخر ويفوت عليهم سعيهم لدعوة أهلهم وأقربائهم في موسم العيد (بتجهيز وشراء ما يمكن أن يوزع عليهم من وسائل الدعوة في فترة العيد، أو بغير ذلك من طرق ووسائل الدعوة) مع أن الدعوة والبذل لها واجب أهم من الاعتكاف. (د) ومثل آخر على تفويت الأولويات ما يحدث أحياناً من حماس لتوزيع أشرطة أو كتيبات أو مطويات أو أي وسيلة أخرى لا تتحقق فيها الأولوية الدعوية من حيث أثرها في الدعوة وإحداث التأثر والتوبة والتغيير لديهم على حساب الأشرطة والوسائل الأهم في التذكير والإصلاح. فتوزيع ما يحوي قصص التائبين ووصف الجنة وأحوال الآخرة والتذكير بعظمة الله ومعاني!! العقيدة أهم وأكبر أثراً من توزيع ما يتعلق بفتوى عن قضية محددة أو الأذكار (مع عدم إنكار أهمية توزيع كل ما ذكر، ولكن المسألة هي على ماذا نركز ونبذل الجهد الأكبر) ،........ وللجمع بين الخيرين!! فليتنا مثلاً عندما ننشر كتيبا عن الأذكار نضيف فيه (في باطن غلافه أو صفحته الأولى أو الأخيرة) كلمة أو قصة تذكيرية عن التوبة (وبالذات القصص أو كلمات التائبين، فلها أثر عظيم وقد اهتدى أناسٌ كثيرون بسببها) . (هـ) أيضاً عندما نقدم بعض أنواع النوافل على عمل فيه خدمة للآخرين وإسعاد لهم، فالأخير هو الأهم وأجره أكبر.

(6)

قد نسرف أحياناً في واجب دعوي على حساب واجبات أخرى هامة أو أهم، ولعل من أمثلة ذلك ما قد يحدث في إسراف في الوقت المعطى للدعوة عن طريق الإنترنت على حساب واجبات أخرى،.. وأيضاً إنكار المنكرات فعلى الرغم من أهميته إلا أنه يجب الانتباه إلى أن لا ننشغل أكثر من اللازم في إنكار منكر معين فيشغلنا ذلك عن منكرات أخرى أهم، أو عن واجبنا الدعوي التربوي الذي هو الأكبر فعالية في الإصلاح. بل يبدو لي أحياناً أن بعض المفسدين قد يفرحون بانشغال الدعاة انشغالاً أكثر من اللازم في إنكار منكر (وقد يكونوا قصدوا ذلك الإشغال) ، فحتى الكثير من أعداء الدين يعلمون بأهمية وفعالية العمل الدعوي التربوي فيفرحون بانشغالنا عنه، وباختلاط الأولويات علينا.

(7)

يكفي دليلاً على أهمية تقديم الرفق أمر الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام بأن يخاطبوا الطاغية فرعون بالقول اللين ليكون ذلك الأسلوب عوناً على الهداية، فأسلوب الشدة غالباً ما يعين الشيطان ليحرف الإنسان ويعوقه عن الاستجابة للحق فقولا له قولًا لينًا لعله يتذكر أو يخشى (طه:44) . وأسلوب الشدة يجعلنا نكسب!! عداوة الكثيرين،.. في الوقت الذي نحن بحاجةٍ إلى أن نجعل كل مسلم وكل ضالٍ مع الحق لا عليه!!!

(8)

من العبارات التربوية الجميلة القيمة التي ينبغي أن نستفيد منها في الدعوة وعندما نناقش ونحاور عبارة: «إن كسب القلوب أهم من كسب المواقف» ، وهي منقولة من كتاب رائع وقيم ينصح جداً بقراءته وعنوانه «أصول الحوار» صدر من الندوة العالمية للشباب الإسلامي.

(9)

من المؤلم ما نراه أحيانا من انشغال بعض الدعاة والمصلحين والغيورين والأخيار الأفاضل بالرد على خطأ أو وجهة نظر أخرى من دعاة آخرين بطريقة غير مقبولة، أو بإعطاء الموضوع أكثر مما يستحق، ولا نقول أن يقفل باب التناصح والرد على الأخطاء، ولكن ليعطى كل شيء حقه وبالطريقة المناسبة وبدون أن يحمل الموضوع أكثر مما يحتاجه، وبدون أن ننسى فضل وخير من يُنتقدون، خاصة إذا كانوا ممن نفع الله بهم الأمة كثيرا. وأيضا على الناقد أن يتأكد أولا، فقد يكون الرأي الآخر صواباً أو يعذر فيه صاحبه، وخاصة أن أهواء النفوس تدخل في مثل هذه الأمور حتى بدون أن يشعر الإنسان بها. وليس من الصحيح أن يصبح ذلك جل همنا، فمحاربو الدين ومضيعوه هم الأولى بالوقوف في وجههم، بل هم من أهم أسباب الواقع البعيد عن الدين وعن المنهج الحق الذي نعيشه، والذي من آثاره حدوث تفرق في الأمة، واجتهادات مختلفة للدعاة والمصلحين، قد يحدث الخطأ في بعضها. بل وحتى الكثير من الفاسدين المفسدين والكثير من المنحرفين والمخطئين في فكرهم وتوجهاتهم يحسن أن يُرفق بهم وأن يُدعوا باللين والحسنى في أحيانٍ كثيرة عند دعوتهم، فبعضهم ليس خبيث النفس سيء النية، ولكنها الغفلة والبعد والضياع والتناقض الذي تعيشه أمة الإسلام في عصرنا (ونأمل أن يهتدي الكثير منهم ليقفوا معنا ضد الكفار المحاربين) ،....فكيف بمن يكون أخاً لنا في الدعوة ويضحي بالكثير من أجلها. ويجب أن نحذر بشدة في هذا الموضوع لأنه لا شك أن الشيطان الرجيم يدخل في مثل هذه الأمور ويقويها، وأيضا شياطين الإنس وأعداء التدين وأعداء الإسلام يسرون جدا من ذلك، بل هو من أسعد الأمور إلى قلوبهم أن يروا الدعاة والمصلحين والغيورين والأخيار مشغولين ببعضهم البعض، ويعطل بعضهم خير بعض. وإن مثل ذلك مثل أخوين في غابة مليئة بالسباع يفترض أن يكونا في غاية الحب والعون لبعضهما، فإذا بهما يتقاتلان بينما السباع تقترب منهما!

فلنتق الله ولنحذر من أن نكون سببا في استمرار جراح الأمة وتعطيل الدعوة وتأخير النصر.

(10)

كثيرا ما نجامل!! بعضنا بعضاً وفي أمور يضيع فيها الوقت بل والمال أحياناً فيما ليس له ضرورة أو أولوية دعوية! ، فليتنا نقلل من ذلك، ولنتقي الله في أوقاتنا،

وليعذر الواحد منا الآخر في هذه الأمور، ولنشجع بعضنا بعضاً على التقليل من ذلك

ص: 34

وأن يحفزوا الهمم، ويشدوا العزم، وينطلقوا متفانين باذلين كل أوقاتهم وأموالهم لا بعضها فقط، فهم ممن يفترض أنهم باعوا أنفسهم وأموالهم لله شراءً لجنته،

وأن يشحوا بأوقاتهم وأموالهم بأن تضيع في غير ما يخدم الدين ويساهم في تقريب النصر،

لأنهم قد باعوا حياتهم لله فهي ليست لهم!! ،

وألا يدعوا أي فرصة فيها خدمة للدعوة إلا واستغلوها أحسن استغلال، ولو كانت فرصة صغيرة أو عارضة (1) ،

وأن يضحوا براحتهم في سبيل نصر الدين والعمل له، ليبزغ بإذن الله

فجر العزة والسؤدد الذي طال انتظاره.

وليكونوا كما قيل:

نبي الهدى قد جفونا الكرى

وعفنا الشهي من المطعم

نهضنا إلى الله نجلو السرى

بروعة قرآنه المنزل

(2)

وأن يجددوا العهد إن ضعف العزم:

جدد العهد وجنبني الكلام

إنما الإسلام دين العاملين

وانشر الحق ولا تخش الظلام

فبصدق العزم يعلو كل دين

(3)

يقول أحد الدعاة متحدثا عن الدرجة التي ينبغي أن نكون عليها في حماسنا

لديننا ودعوتنا:

(1) لقد سمعت من أحد الدعاة كلمة عظيمة في معناها أتمنى أن نتمثلها جميعاً، وهي:(أن واقع أمتنا!! يقتضي أن يكون كل داعية مثل الجهاز المتعدد الأغراض) يقصد أن يعمل للدعوة في كل اتجاه، ولا يقول مثلا: أنا داعية كبير مشغول فليس من مهامي (إذا أمكنني وتيسر ذلك) أن أوزع شريطاً، أو أضع كتيبات في أماكن الإنتظار!!! ، أو ألقي كلمة وعظية عابرة في مسجد أو مجلس!! ، أو أن أنكر منكراً أراه أمامي، أو أن أعظ وأنصح شباباً مجتمعين على رصيف، أو أن أُنسق لحلقة ذكرٍ للأقارب أو الجيران، أو أن أعلق إعلان محاضرة أو ورقة نافعة،.. وغير ذلك، ولا تعارض بين هذه الكلمة وموضوع التخصص الذي تحتاجه الدعوة في بعض مجالاتها، اللهم إلا إذا كان وقته وظروفه بالفعل نظرا لتخصصه وانشغاله لا تسمح له ولو بشيء من ذلك،

ولكن في أحيانٍ كثيرة -عند البعض- ليس التخصص أو الإنشغال السبب، ولكنه نسيان الواجب، وضعف إدراك الأجر والفائدة، وضعف في الهمة وكسل، وضعف في الشعور والتألم لجراح الأمة التي تدفع المستشعر لها حقا أن يبادر بكل وبِأَي شيء لتضميدها وإيقاف نزفها،.. وقد يكون ضعف صدق الإخلاص ودخول الشوائب فيه سبب عدم اجتهاد بعضنا في أعمال دعوية غير التي نقوم بها عادة وتألفها وتحبها!!! أنفسنا!!. ومما يُحزن أننا نرى حتى الآن!!! العديد من الدعاة ممن يبخل على الدعوة بماله، أو يكون حرصه على دنيا يصيبها أو مال يحصل عليه أعظم من حرصه على الدعوة،

وتأثره وقهره لما يفقده في الدنيا أعظم من تأثره إذا قصر في الدعوة والبذل من أجلها، أو إذا ضاعت عليه فرصة كان من الممكن أن يخدم الدعوة فيها بكلمة أو عمل معين ولو كان صغيرا، أو إذا فوت (أو أخر!!) أي شيء متعلق بها،

وكأنه لا يستشعر - وهو الداعية العارف بواقع الأمة وآلامها- أن تأخره وضعفه في همته الدعوية يعني تأخر نصر الإسلام ويعني!! تأخير إنقاذ أبناء أمتنا المذبحين في كل مكان. وأصبح أداء العديد من الدعاة لواجب الدعوة تشوبه (الروتينية!) والبرود! والفتور ويفتقد الحرارة والحماس والهمة العالية، والتألم والحرقة على الواقع، والحرص والغيرة الشديدة على أن لا يفوت عليه أي شيء فيه فائدة للدعوة ولو كان من غير المجالات التي يهتم بها هذا الداعية عادة. ومتى لم نبلغ الدرجة اللازمة في حرصنا وهمتنا وبذلنا وتضحيتنا فلنعلم أن نصر الإسلام سيتأخر كما وُضِّحَ ذلك في الكلمة المؤثرة لأحد الدعاة والتي ستُذكَر في آخر هذا المقال. وحقاً ما قيل من أن جهود الدعاة والأخيار في الدعوة بشكل عام تعتبر قليلة مقارنةً بأعدادهم.

(2)

- شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث: حسني جرار، وأحمد الجدع، من قصيدة الكتائب لعبد الحكيم عابدين، ص 40.

(3)

شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث: أحمد الجدع وحسني جرار الجزء الرابع، من قصيدة (نداء القرآن) للشاعر أحمد حسن القضاة، ص 106

ص: 35

((إنه من الواجب أن تكون في قلوبكم نار متقدة تكون في ضرامها على الأقل!!! مثل النار التي تتقد في قلب أحدكم عندما يجد ابنا له مريضا ولا تدعه حتى تجره إلى الطبيب، أو عندما لا يجد في بيته شيئا يسد به رمق حياة أولاده فتقلقه وتضطره إلى بذل الجهد والسعي.

إنه من الواجب أن تكون في صدوركم عاطفة صادقة، تشغلكم في كل حين من أحيانكم بالسعي في سبيل غايتكم، وتعمر قلوبكم بالطمأنينة، وتكسب لعقولكم الإخلاص والتجرد، وتستقطب عليها جهودكم وأفكاركم، بحيث إن شؤونكم الشخصية وقضاياكم العائلية إذا استرعت اهتمامكم، فلا تلتفتون إليها إلا مكرهين!!.

وعليكم بالسعي أن لا تنفقوا لمصالحكم وشؤونكم الشخصية إلا أقل ما يمكن من أوقاتكم وجهودكم ،!!!! فتكون معظمها منصرفة لما اتخذتم لأنفسكم من الغاية في الحياة. وهذه العاطفة ما لم تكن راسخة في أذهانكم ملتحمة مع أرواحكم ودمائكم آخذة عليكم ألبابكم وأفكاركم، فإنكم لا تقدرون أن تحركوا ساكنا بمجرد أقوالكم)) .

ص: 36