المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثاني: مشكلات ما قبل الكتابة - كيف تكتب بحثا أو رسالة دراسة منهجية لكتابة البحوث وإعداد رسائل الماجستير والدكتوراة

[أحمد شلبي]

الفصل: ‌الباب الثاني: مشكلات ما قبل الكتابة

‌الباب الثاني: مشكلات ما قبل الكتابة

الأستاذ المشرف:

يبدأ دور الأستاذ المشرف مبكرا، ولذلك كان لابد أن نبكر في الحديث عنه.

والأستاذ المشرف تختاره الكلية أو المعهد الذي يتبعه الطالب، ومن الحق أن نقول إن العلاقة تبدأ بين الطالب والأستاذ قبل أن يعين الأستاذ للإشراف؛ فالعمل الذي تقوم به الكلية أو المعهد هو في الواقع تقرير لشيء حاصل.

وتدلني تجاربي بجامعات إنجلترا على أن زمام الأمر متروك -إلى حد كبير- إلى الأستاذ المشرف، فهو الذي يقابل الطالب، ويقرر مستواه ومدى صلاحته، وتقريره مقبول دائما، ومن أمثلة ذلك أن أحد الطلاب بجامعة لندن قدم أوراقه فقرر الأستاذ أن صلاحيته لتحضير رسالة الماجستير تتوقف على نجاحه في امتحان مؤهل حدده له، ثم غير الأستاذ رأيه في الطالب بعد بضعة شهور أثبت الطالب خلالها كفاءته فطلب الأستاذ منه سحب أوراقه وتقديمها من

ص: 55

جديد، وكان القرار الثاني أن الطالب صالح للتحضير للدكتوراه وبدون أي امتحان مؤهل، كما أني رأيت بجامعة كمبردج طالبا سمح له بالتحضير الدكتوراه مع أنه لم يلتحق قبل ذلك بجامعة، ولا يحمل مؤهلا قط، ولكنه أثبت صلاحية وامتيازا في امتحان تحرير وآخر شفوي عقدا له في الجامعة، وأجمع الممتحنون -وأستاذه منهم- على أن مستواه يسمح له بالتحضير للدكتوراه.

وكل ما يشترط في الأستاذ المشرف بجامعات إنجلترا هو صلته العلمية بموضوع البحث، وتخصصه وتعمقه فيه، دون أي اهتمام بمكانته بين أعضاء هيئة التدريس، فقد يكون مدرسا أو أستاذا مساعدا أو أستاذا.

ولا تسير الأمور في مصر ولا في البلاد العربية على هذا المنوال؛ فليس للأستاذ المشرف هنا من السلطة في تقدير مستوى الطالب، مثل ما للأستاذ المشرف هناك، إذ أن القوانين في البلاد العربية تتدخل في كثير من الأمور لتنظيمها.

والأستاذ المشرف في مصر وفي البلاد العربية هو أستاذ المادة، أو الأستاذة المساعد، وليس للمدرسين أن يشرفوا على تحضير الرسائل بصفة رسمية، فالاتجاه القانوني في الجامعات العربية يرى في الأستاذ أو الأستاذ المساعد مزيدا من الخبرات والتجارب تساعد على رفع مستوى البحث، وقد أجازت القوانين المصرية حديثا أن يشترك المدرسون في

ص: 56

الإشراف مساعدين للمشرف الرئيسي أستاذا كان أو أستاذا مساعدا.

ويبدأ دور الأستاذ المشرف مبكرا كما سبق، فعقب اقتراح الطالب موضوع البحث يرشده الأستاذ عن الظروف المحيطة بهذا الموضوع، فقد يكون بحث من قبل على النحو الذي يقترحه الطالب، وقد يكون موضوعا لا يستحق المجهود الذي سيبذل فيه، لجفافه أو عدم إفادته، وقد يكون من الموضوعات التي تحتاج للغات لا يعرفها الطالب.

واختيار الموضوع هو في الحقيقة مهمة الطالب، ولكن لا مانع أن يوجهه الأستاذ المشرف، ويقترح عليه حتى يتمكن من اختيار موضوعه، وسنتكلم عن اختيار الموضوع فيما بعد.

ومتى تم الاتفاق على الموضوع فمن واجب الطالب أن يظل على صلة بالأستاذ المشرف، وأن ينسق علاقته به، ليظل الأستاذ المشرف على علم تام بالخطوات التي يخطوها الطالب، ويعرف تماما مدى التقدم والتطور الذي يحصل عليه.

وفي هذه الناحية لا تختلف الجامعات فحسب، بل يختلف الأساتذة المشرفون أنفسهم في الجامعة الواحدة، أو حتى في الكلية الواحدة، ويدعوني هذا أن أتحدث بكثير من الفخار والاعتزاز عن أستاذي بورفسور آرثر أربري أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة كمبردج، فقد نظم لي مقابلة أسبوعية طوال مدة تحضيري للدكتوراه بهذه الجامعة، وكانت المقابلة تطول أو تقصر حسب الموضوع الذي أعرضه، والنقاش.

ص: 57

الذي يدور حوله، وكان لقائي بعد بعد ظهر الخميس من كل أسبوع، فإذا ما تعذر هذا الموعد لطارئ أجل لليوم التالي أو الذي بعده، ولكنه ما كان يلغي قط، وهكذا كان يفعل برفسور أربري مع جميع طلابه.

والطالب الذي يقابل أستاذه من حين لآخر يستفيد جدا من خيرة أستاذه وتوجيهه، ثم يدرك إلى أي مدى خطأ، لأنه ينهي العمل نقطة نقطة بإشراف أستاذه، وهذا الوضع يريح الأستاذ أيضا، فهو في النهاية لا يحتاج إلا إلى نظرة سريعة إلى الرسالة، لأنه يعرف دقائقها، وقد مرت عليه كلها، وأبدى فيها ما شاء من نقد وتوجيه كان ينفذ أولا فأولا.

والطالب وحده هو المسئول عن رسالته، ولا ينبغي أن يظن أن أستاذه يشاركه أية مسئولية، كما لا ينتظر أن يدافع عنه أستاذه عند نقاش نقطة ما، ولو أقرها الأستاذ عند الإعداد، فالأستاذ المشرف يفرق تماما بين كونه مشرفا وبين كونه ممتحنا، وطالما وافق الأستاذ في إنجلترا على تقديم الرسالة للمناقشة، ثم كانت نتيجة هذه المناقشة أن يطلب إجراء تعديل بها وتقديمها مرة أخرى، مع أن الأستاذ المشرف قد يكون أحد الممتحنين.

والحق أن من العدالة ألا يخرج الأستاذ المشرف الرسائل التي يشرف عليها مصبوغة بروحه وعلمه، بل أن تصبع بروح الطالب وجهده، حتى يمكن التفاوت العادل بين الرسائل التي يعدها طلاب متعددون متفاوتو المواهب تحت إشراف أستاذ واحد.

ص: 58

اختيار موضوع الرسالة:

اختيار موضوع الرسالة قد يبدو مهمة شاقة على الطالب، إذ أنه ربما ظن أن أهم الموضوعات التي تتصل بتخصصه قد بحثت ووضحت، والحقيقة أن هذه الفكرة لا تتفق مع الواقع في شيء، فأغلب الأساتذة -إن لم يكن كلهم- يدركون أن موضوعات كثيرة لا تزال في حاجة إلى من يدرسها ويخرجها للوجود، وكثيرون منهم يشغلون أنفسهم بإخراج واحد من هذه الموضوعات، ويتمنون لو أتيح أن يحصلوا على من يعمل في الموضوعات الأخرى، ولكن الأساتذة يحرصون على أن يتركوا للطالب أن يثابر على حضور محاضرات أستاذه، وأن يكون وثيق الصلة بأساتذة المادة التي تخصص فيها، يجالسهم ويناقشهم، وسيصل حتما إلى معرفة الموضوعات التي تستحق دراسة أوسع وأعمق، فيختار منها ما يلائمه ويوافق ظروفه1.

وإذا وجد الطالب من نفسه ميلا لدراسة موضوع ما،

1 كنت أنا أكتب تاريخ الشمال الإفريقي في الجزء الرابع من "موسوعة التاريخ الإسلامي" ثم وأنا أكتب الجزء السادس عن "الإسلام والدول الإسلامية جنوب صحراء إفريقية" أمر مرورا سريعا على كثير من الدول التي لعبت في التاريخ الإسلامي والتاريخ الإنساني دورا كبيرا مثل دولة بني مرين وبني زيان ودولة مالي وصنغى، ولا أستطيع الوقوف معها طويلا بحكم المنهاج الذي التزمت به، وكنت أتمنى أن أجد أحد طلاب أبحاث فيهم عزيمة وصبر وموهبة ليتخذوا من هذه الدول وحضارتها موضوعات لرسائلهم، وقد رحبت بمن جاءني من هؤلاء، ولا يزال في المجال متسع لكثيرين.

ص: 59

وجب عليه قبل تسجيله والتقيد به أن يسأل نفسه الأسئلة الآتية:

1-

هل يستحق هذا الموضوع ما سيبذل فيه من جهد؟

2-

أمن الممكن كتابة رسالة عن هذا الموضوع؟

3-

أفي طاقتي أنا أن أقوم بهذا العمل؟

4-

هل أحب هذا الموضوع وأميل إليه؟

فإذا كانت الإجابة بالنفي في أي من هذه الأسئلة، فليحاول موضوعا آخر دون أن يضيع وقته ونشاطه في دراسة لن تكتمل له فيها عناصر النجاح.

ولنعد إلى هذه الأسئلة بشيء من الإيضاح:

1-

ليس كل موضوع يستحق الجهد الذي سيبذل فيه، وعلى هذا يجب أن يحرص الطالب الطموح على أن يختار موضوعا حيا ليحصل به على الماجستير أو الدكتوراه بحث يفتخر بنشره وتقديمه للقراء بعد ذلك، وهنا انتهز الفرصة لأحث الطلاب على اختيار الموضوعات النافعة، لا الموضوعات التي تختفي في مكاتب أصحابه بمجرد حصولهم على الدرجة التي تقدموا لها، فليست المسألة أن يكتب رسالة أو ينال درجة، بل أن يخرج موضوعا مفيدًا يكون تذكارًا جميلًا لحياة الدراسة، وأثرا خالدا يتكافأ، والوقت الذي قضى فيه، والعناء الذي صودف من أجله، ويدعو مبدأ ربط العلم بالحياة أن يحاول الطالب اختيار

ص: 60

موضوع ينتفع به عمليا بعد تمامه، كأن يحاضر فيه إذا كان مدرسا، أو ينتفع به في معمل أو عمارة إذا كان يشتغل بالعلوم أو الهندسة.

2-

وقد يكون الموضوع مفيدا وطريفا ولكن المادة الموجودة عنه غير متوافرة، ولا تكفي لتكوين رسالة، ومثل هذا الموضوع يصلح لمقال علمي ينشر في المجلات العلمية، ولكنه لا يكون موضوع رسالة، والمقال العلمي من هذا النوع لا يختلف عن الرسالة من ناحية الكيف، وإن كان دونها من ناحية الكم.

3-

وأما السؤال الثالث فيشير إلى حالة الطالب وظروفه الخاصة، ويشمل ذلك اللغات التي يعرفها، والوقت الذي يكون قد خصص لهذا العمل، ومقدرة الطالب المالية، فالطالب الذي لا يعرف لغات متعددة لا يمكنه أن يكتب كتابة ناجحة عن موضوع كتب عنه بلغات كثيرة، ومن هذه الموضوعات موضوع الشيعة والموالي في الدراسات الإسلامية.

وعلى هذا فالطالب الذي لا يجيد إلا اللغة العربية يحسن به أن يختار موضوعا غير مطروق كثيرًا للمستشرقين، حتى يستطيع أن يقرأ كل ما كتب عنه، ولا يصرفنا هذا عن تقرير حقيقة مهمة، هي إن إجادة لغة أخرى غنية على الأقل يعد عنصرا هاما من عناصر نجاح الرسالة، حتى يستطيع

ص: 61

الطالب أن يقرأ أفكار قوم آخرين بلغتهم، ويرى كيف يعالجون الموضوعات العلمية، وسيلمس بنفسه حينئذ أنهم يختلفون في كثير من الاتجاهات عن قومه الناطقين بلغته، ولا يكفي أن يقرأ الطالب ترجمة أبحاثهم، لأن المربين يقررون أن قراءة أفكار الرجل بلغته تفضل كثيرا قراءة أفكاره بلغة سواه.

وتتدخل اللغات كذلك من ناحية أخرى، فالطالب الذي يجيد الأسبانية أو الروسية مثلا في بلاد لا تنتشر فيها هاتان اللغتان، يجدر به أن ينتهز هذه الفرصة ويختار موضوعا كتب عنه الأسبان أو الروس ليتمكن من نقل بعض أفكارهم إلى قومه.

وللوقت تأثير كبير في اختيار الموضوع، فإذا كان على الطالب أن ينتهي من بحثه في مدة محددة -كعضو البعثة مثلا- فإن عليه أن يختار موضوعا يستطيع الفراغ منه في هذه المدة.

وقد يكون للناحية المالية دخل في اختيار الموضوع، كأن يستلزم السير فيه القيام بزيارات نائية لدراسة ميدانية، أو يحتاج إلى صور مخطوطات تطلب من مكتبات بعيدة مقابل دفع تكاليفها، أو إلى شراء مراجع معينة حديثة لم تزود بها المكتبات العامة بعد، فإذا كانت حالة الطالب المالية لا تساعده على ذلك فالموضوع لا يناسبه، وقد يناسب سواه.

ص: 62

وبمناسبة الحديث عن المراجع يجدر بنا أن نقول: إن مراجع معينة قد تدفع الطالب لاختيار موضوع خاص، كأن يكون لدى الطالب أو أسرته مكتبة غنية بنوع من الكتب يناسب ثقافته مما قد يشجعه على اختيار موضوع تغذية هذه المكتبة بالقسط الأوفر من المصادر، ويظهر هذا بوضوح في حالة بعض الهنود الذين يميلون لدراسات تتصل بالطائفة الإسماعيلية، لأن بالهند كثيرا من العلماء الذين يملكون مكتبة غنية بالكتب في هذا الموضوع، كما أن الطالب قد يعثر على مخطوط أو عدد من المخطوطات لم تنشر بعد، وفيها مادة جديدة، فيدفعه ذلك إلى موضوع يتصل بهذه المعلومات الجديدة النافعة.

ومثل المراجع ما يحدث أحيانا في بعض المصانع، فمصنع السيارات مثلا قد يصادف مشكلة ما في عمله، فيحيل المصنع هذه المشكلة إلى كلية متخصصة لتدرسها، ولتحاول أن تجد لها حلا، ويعلن المصنع عادة عن ألوان من المساعدات والتسهيلات للطالب الذي يعني بهذه الدراسة.

4-

وأما السؤال الرابع فيتصل بالعاطفة التي لا يمكن أن تتجاهل في هذا الصدد، إذ أن الطالب سيعيش مع موضوعه مدة أقلها سنتان، وعلى هذا يجب أن يختار موضوعا يحبه، ويمتزج بدمه، ويتصل بروحه، يقبل دائما عليه، ويفر لا منه بل إليه.

ص: 63

وما يناسب تفصيله هنا ما سبق أن أشرنا إليه من أن الطالب لا يختار موضوعا يتعصب ضده أو يتعصب له، فالطالب الشيعي النزعة، الإمامي العقيدة لا يكتب رسالة عن عمر بن الخطاب "رضي الله عنه". والطالب الشيوعي لا يدرس موضوعا يدور حول نظرية اقتصادية يحتضنها الاقتصاديون الرأسماليون، ففي مثل هذه الموضوعا يقف الطالب حائرا بين الأمانة العلمية وبين العاطفة التي قد تثور ضده، فلا يقوى على مواصلة العمل والتحمس له.

وكما أن الطالب لا يختار موضوعا يتنافى مع عقيدته وعاطفته، فكذلك لا يختار موضوعا توجب عليه عاطفته أن يسير فيه سيرا معينا، فلا يكتب طالب رسالة عن أبيه العالم أو السياسي؛ خوف أن يغفل هفواته ويبالغ في تصوير حسناته، ومثل ألب أي إنسان أو أي موضوع يكن له الطالب كامل الإحلال والتقدير لعلاقة خاصة.

ويجب أن نبرز هنا نقطتين مهمتين:

1-

من الممكن أن يكتب الإنسان كتابا فيما لا يجوز أن يكتب فيه رسالة، ومن اليسير أن تلمس الفرق واضحا بين كتاب، ورسالة كتبا في موضوع واحد، فمثلا كتب سامي الكيالي كتابا عن طه حسين عنوانه "مع طه حسين""سلسلة اقرأ عدد مايو سنة 1952" وقدم Pierre Caschia لجامعة ادنبره رسالة سنة 1951 حصل بها على الدكتوراه موضوعها،

ص: 64

"طه حسين" والمطلع السفرين يرى أن سامي الكيالي يمدح الدكتور طه في كل سطر، ويدافع عنه في كل فقرة، ويملأ صفحات كتابه ثناء وإعجابا بالمفكر الحر والكاتب العظيم دون أن يخط سطرا واحدا ينقده به أو يخالف فيه آراءه، فهذا كتاب وما كان من الممكن أن يكون رسالة، ولكن Pierre Caschia يحلل ويعرض، ويمدح وينقد، ويتفق ويختلف، وغير ذلك مما جعل عمله رسالة وكتب له النجاح فيها.

2-

إذا استطاع الطالب أن يجرد نفسه تجريدا تاما من كل ميل، ويبدأ بحثه خاليا من أي مؤثر، مستعدا لينقب وليعلن النتائج التي يقوده إليها بحثه الحر، وكانت الظروف تتيح له هذا الوضع، فإنه حيئنذ يمكنه أن يختار موضوعا من الموضوعات التي سبق أن حظرناها عليه.

واختيار موضوع الرسالة هو مهمة الطالب كما سبق، وهي مهمة تحتاج إلى إرشاد المشرف وتوجيهه، ويجب أن يكون الموضوع متصلا تمام الاتصال بتخصيص الطالب، وبدراسته بالجامعة في أثناء عمله للحصول على الليسانس أوالبكالوريوس، كما يحسن أن يطلب إلى الطالب أني كتب بضعة بحوث في موضوعات مختلفة في المادة التي تخصص فيها، ويدور بعضها حول موضوعه، قبل أن يبدأ العمل في رسالته، فإن هذه البحوث بإشراف الأستاذ ستعطي للطالب فرصة الدربة ليستطيع أن يبدأ عمله في الرسالة بنجاح.

ص: 65

ويميل كثير من الطلاب إلى أن يختاروا للماجستير موضوعا يكون ذا صلة فيما بعد بدارسة جديدة ذات طابع أعمق، وعناصر أوسع، تصلح للدكتوراه، كأن يكتب الطالب رسالة الماجستير عن: أبو نواس، حياته وشعره، ثم يجعل رسالة الدكتوراه عن الخمريات في العصر العباسي الأول، وكأن تكون رسالة الماجستير عن: عبد الرحمن الناصر، ورسالة الدكتوراه عن: الحالة الاجتماعية في العهد الأموي بالأندلس.

ويحرص الطالب الطموح أيضا على أن يختار للدكتوراه موضوعا يكون أساسا لدراسات أوسع يقوم فيها فيما بعد، وقد انتفعت أنا بهذه التجربة فقد كتبت رسالة الدكتوراه عن "تاريخ التربية الإسلامية" وفيها تحدثت عن نقابات المدرسين، وعن تاريخ الشهادات الدراسية، وعن تكافؤ الفرص بين الطلاب، وتوجيههم حسب مواهبهم، وغير ذلك، ولما كانت التربية الإسلامية جزءا من الحضارة الإسلامية، فقد فتحت هذه الرسالة أمامي آفاقا أوسع لاستكمال الدراسة عن الحضارة الإسلامية، فكتبت موسوعة الحضارة الإسلامية في عشرة أجزاء شملت الكلام عن السياسة في الفكر الإسلامي، وعن المجتمع الإسلامي، وعن الاقتصاد في الفكر الإسلامي وعن العلاقات الدولية في الفكر الإسلامي، وغيرها..

ص: 66

ويجب أن تكون الرسالة عملا مستقلا يقوم به طالب واحد، ويحدث في بعض الأحيان أن يختار عدد من الطلبة موضوعا واحدا ليبحثه كل منهم بحثا مستقلا من زاوية معينة مثل:

1-

المذهب الإسماعيلي: مبادئه وطرق الدعاية له.

الدولة الفاطمية:

2-

السياسة الخارجية لخلفاء الفاطميين.

3-

وزراء الدولة الفاطمية.

كما يحدث أن يختار عدد من الطلاب موضوعا واحد ليبحثه كل منهم في فترة خاصة مثل:

1-

في صدر الإسلام.

الحياة الاقتصادية.

2-

في العهد الأموي.

3-

في العصر العباسي الأول.

تغيير الموضوع:

يحدث في بعض الأحيان ألا يجد الطالب مادة كافية عن الموضوع الذي اختاره، أو يعرف أن هذا الموضوع قد درس من قبل على النحو الذي كان الطالب يزعم أن ينتهجه، أو يدرك صعوبة الحصول على بعض المراجع الأساسية في الموضوع. والواجب حينئذ أن يبادر إلى تغيير هذا الموضوع حتى لا يضيع الوقت فيما لا طائل تحته.

ص: 67

وينصح الطالب أن يسأل نفسه من حين لآخر الأسئلة التي سبق أن ذكرناها:

- هل يستحق هذا الموضوع ما يبذل فيه من جهد؟

- أفي طاقتي أنا أن أقوم بهذا العمل؟

..........................................................................

فإذا لم تكن الإجابة دائما بالإيجاب فمن الأفضل أن يتوقف، ويبحث عن موضوع أكثر نفعا، وأغزر مادة، ويجب ألا يأسف على الوقت والجهد اللذين يكون قد بذلهما في الموضوع الذي يتركه، وليفهم أنه يستفيد من كل قراءة، ويتزود من كل اطلاع، وأنه في سبيل تكوين نفسه وتخصصه سيقرأ كثيرًا مما يتصل بموضوعه أو لا يتصل، فليست الرسالة إلا عملا من الأعمال التي يعنى بها الطالب.

تبويب الرسالة تبويبا أوليا:

ينظم المهندس خطة البناء تبعا للغرض المطلوب من البناء، ووفقا للظروف المختلفة التي تحيط بالمشروع، فلكل من المسجد والمنزل والمسرح تصميم خاص، ثم يتدخل الغنى، وموقع المكان، وظروف كثيرة فيختلف المنزل في مكان أو لشخص، عنه في مكان آخر أو لشخص آخر.

كذلك يختلف تخطيط الرسائل اختلافا بينا تبعا لموضوعاتها، وللمادة التي كتبت عنها، وللمدة المعينة لدراستها، وللجامعة التي يتبعها الطالب، وغير هذه من

ص: 68

المؤثرات، ومن ثم لم يكن من الممكن أن نورد هنا تفصيلات دقيقة لكيفية وضع الخطوط الرئيسية تاركين ذلك إلى صلات خاصة تتهيأ فيها دراسة الظروف المختلفة التي تحيط بكل موضوع.

ويمكن أن نوصي الطالب أن ينتفع بجهود من سبقوه، فإن مكتبات الجامعات تشمل مجموعة من الرسائل الناجحة، وهذه الرسالة يجب أن تكون عونا كبيرا لطلاب الدرجات المماثلة؛ لأنها تلقي للطالب ضوءا ينير له السبيل.

ويجب ألا يكون مفهوما أن كل الرسالة التي أجازتها الجامعات يمكن أن تعد نموذجا، لا؛ فبعضها في مستوى عادٍ ليس من الخير أن يحتذيه الطالب.

وعلى الطالب أن يحاول الحصول على رسالة في المادة التي يبحثها، فطلاب القانون يبحثون الرسائل التي قدمت في القانون، وطلاب التاريخ يرجعون إلى رسائل تاريخية وهكذا، وليس ذلك فحسب، بل من الأفضل أن يحاول الطالب أن يجد رسالة أقرب من حيث الخطوط العريضة إلى موضوعه، فإذا أراد أن يكتب عن حياة شاعر، أو عن قصة عاصمة من العواصم، فمن الأفضل له أن يرى رسائل كتبت عن حياة شعراء آخرين أو عن عواصم أخرى، وسيلم من ذلك بفكرة عن الطريقة التي تبحث بها حياة الأشخاص أو العواصم،

ص: 69

وليس معنى ذلك أنه سيتبع نفس الطريقة التي سبق بها، بل معناه أن يسترشد بها في وضع خطوط رسالته، ملاحظا أن الظروف تختلف من موضوع إلى موضوع، ومن فكرة إلى فكرة.

ويقدم الأستاذ عونا كبيرا للطالب في مجال التخطيط للرسالة.

وبعد أن يتعرف الطالب على نماذج من التخطيط لرسائل تشبه رسالته، وبعد أن يتفق مع أستاذه على تخطيطها، بعد ذلك يقرأ عن موضوعه قراءة عامة لينمي فكرته عن اتجاهات الموضوع، وليتعرف عليه تعرفا كافيا، فالطالب في هذه المرحلة يعمل ليعرف الموضوع معرفة واسعة قبل أن يعرف به، ويأخذ عنه قبل أن يعطي.

وفي هذه الأضواء يستطيع الطالب أن ينتقل إلى مرحلة جديدة، هي أن يضع الخطوط العريضة الأولية لدراساته وأبحاثه، ويشمل ذلك:

1-

وضع عنوان للمشكلة موضوع الرسالة.

2-

بيان المشكلات الرئيسية التي تتفرع عن هذه المشكلة، وكل مشكلة من هذه المشكلات الرئيسية المتفرعة تسمى بابا.

3-

تقسم كل مشكلة من هذه المشكلات الرئيسية إلى مشكلات فرعية، كل منها يسمى فصلا.

ص: 70

ويجب أن يلاحظ أن يكون عنوان الرسالة طريفا ممتعا جذابا، ثم أن يكون ذلك العنوان، وكذلك عنوان كل باب، وكل فصل، قصيرا بقدر الإمكان، ولكن على أن يكون واضعا تمام الوضوح وشاملا لكل ما يستوعبه من جزئيات وتفاصيل، وقد وضع Bigelow قاعدة لذلك خلاصتها: أن يشمل العنوان من المعلومات ما يدفع باحثا آخر أن يبحث عن هذه المعلومات تحت هذا العنوان.

ويقرر الأستاذ الدكتور إبراهيم سلامة1 أن العنوان يشبه اللافتة ذات السهم، الموضوعة في مكان ما لترشد السائرين حتى يصلوا إلى هدفهم.

وعلى هذا فالعنوان يجب أن يدل القارئ على ما تحتويه الرسالة، ويتضح من هذا أن العناوين العامة التي لم يحدد مدلولها لا قيمة لها على الإطلاق، فليتحاش الطالب أن يكون عنوان رسالته مبهما أو ضعيفا، مثل: نظرات في التاريخ المصري الحديث، دراسة عن بعض الاتجاهات الأدبية المعاصرة، ونحو ذلك، فإن العنوان الضعيف أو المبهم تخلف في الشوط الأول، ومن مصلحة الطالب أن يبدأ بدءا قويا، فالمطلع الناجح نصف الفوز.

ويجب كذلك أن تخضع الأبواب والفصول في ترتيبها إلى

1 تيارات أدبية بين الشرق والغرب ص350.

ص: 71

أساس سليم، وفكرة منظمة، ورابطة خاصة، كالترتيب الزمني مثلا، أو كالأهمية، أو نحو ذلك، وليحذر الطالب أن يضع الأبواب والفصول ارتجالا، وعلى غير أساس مقبول.

وينصح الطالب عند وضع تخطيط رسالته أن يدعه جانبا بضعة أشهر، وأن يقرأ خلال هذه الفترة قراءة عامة لا تتصل بموضوع رسالته فحسب بل تتصل عموما بالعلم أو الفن الذي اختار منه موضوعه، كالتاريخ أو الطب أو الموسيقى أو الأدب. ويكتب آنذاك بعض الأبحاث في موضوعات مختلفة، ويظل فكريا على صلة بهذا التخطيط طيلة هذه المدة، وسيرى أنه خلالها قد يحدث تعديلات فيه ذات بال.

ولنعد لنوجز المراحل السابقة قبل أن نخطو خطوات جديدة:

1-

التعرف على نماذج من التخطيط لرسائل قريبة الشبه برسالة الطالب.

2-

القراءة حول موضوع رسالته للتعرف عليه والتعمق فيه دون تقييد شيء.

3-

اقتراح تخطيط لرسالته في ضوء النقطتين السابقتين.

4-

القراءة العامة حول الموضوع مدة شهر أو شهرين، مع قرب الصلة بالتخطيط لإمكان أن يحدث به بعض التعديلات قبل أن يبدأ مرحلة إعداد البطاقات وإعداد المراجع.

ص: 72

إعداد المصادر والمراجع1:

مهمة إعداد المراجع مهمة ذات بال في الدراسات العليا، ومن المسلم به أن الطالب إذا نجح في إعداد تبويب لرسالته، ونجح كذلك في إعداد قوائم مراجعه، فإن طريقه يسير واضحا، وعمله يبدأ بعد ذلك على أساس قويم.

وهناك اقتراحات قيمة تساعد الطالب على إعداد مراجعه، وفيما يلي أهم هذه الاقتراحات:

1-

يبدأ الطالب بأن يقرأ ما كتب عن موضوعه بدوائر المعارف العالمية التي تضارفت جهود ضخمة لإنتاجها، فطلاب الدراسات الإسلامية مثلا يقرأون ما يتصل بموضوعاتهم في:

The Encyclopaedia of Islam.

The Encyclopaedia of Religions and Ethics.

موسوعة التاريخ الإسلامي وموسوعة الحضارة الإسلامية "للمؤلف".

وطلاب التربية يقرأون ما يتصل بموضوعاتهم في:

The Encyclopaedia and Dictionary of Education.

1 يفرق العلماء بين مصدر "Source" وبين مرجع "Refernce"، وعلى كل حل فالمصدر مرجع دون العكس، وقد أثرت هنا أن أستعمل ما يميل إليه كثير من الباحثين في مثل موضوعنا هذا، فعبرت عن المصدر بالمرجع الأصلي، وعن المرجع "الحديث" بالمرجع الثانوي، إبرازا للفرق بينهما، وسنشرح ذلك بعد قليل.

ص: 73

التربية الإسلامية: نظمها، تاريخها، فلسفتها "للمؤلف". وهكذا.

ويلاحظ الطالب أن الموضوع الواحد يبحث بدوائر المعارف في عدة مقالات غالبا، وعلى الطالب أن يجيد التعرف على هذه المقالات التي تتصل بموضوعه بالكشف عن الأماكن والأشخاص الذين لهم صلة بذلك الموضوع، فإذا كان يريد القراءة عن الحروب الصليبية فسيجد ذلك فيما كتب عنها وعن الخليفة العاضد والسلطان صلاح الدين والملك الكامل وغيرهم، وإذا كان يريد أن يقرأ عن أسرة مالكة اطلع على المقال العام الذي يكتب عن الأسرة، ثم على ما كتب عن أبرز رجالها من ملوك ووزراء، وإذا كان يقرأ عن التعليم في الإسلام فسيجد ذلك فيما كتب عن: مسجد وعن "نظام الملك"، وهكذا.

وستضع دوائر المعارف أيدي الطالب على المصادر الأصيلة بما تذكره من مراجع ومصادر لما تورده من معلومات، ويسارع الطالب فيدون عناوين هذه المصادر بقوائم مراجعه وسنتكلم عن قوائم المراجع بعد قليل.

2-

أن يستعين في هذه المرحلة بالكتب الحديثة القيمة التي تثبت مراجع ما احتوته في أسفل الصفحات، ومن هذه الهوامش سيحصل الطالب على كثير من المراجع الأصلية، يضيفها إلى قوائم مراجعه.

ص: 74

3-

أن يتحدث مع من له خبرة بهذه الدراسة، فأغلب الظن أنه سيرشده إلى بعض المراجع، كما يفيده في تنسيق الموضوع، ويفتح له أبواب نافعة.

4-

على الطالب أن يتعرف بل أن يعقد صلات ودية مع المشرفين على المكتبات التي يتردد عليها، أو مع رؤساء الأقسام بالمكتبات التي تتبعها دراسته إذا وجدت هذه الأقسام بالمكتبات، فأغلب هؤلاء لهم خبرة كبيرة بالمراجع، وببعض المخطوطات الثمينة التي قد تتصل بالموضوع، ولا يفتأ هؤلاء يعملون في الكتب وينقبون فيها، فلا نزاع أنهم سيمدونه بين الحين والآخر بما يعاونه معاونة ظاهرة.

5-

يراجع الطالب فهارس المكتبات في المادة التي يبحث فيها، وبالإضافة إلى المكتبات العامة سيجد في مكتبات المعاهد والكليات التي تعنى بدراسته فرصة أوسع وأيسر للحصول على مصادر مهمة، فطالب القانون يلجأ إلى فهارس كلية الحقوق، وطالب الدراسات الإسلامية يلجأ إلى فهارس مكتبة الأزهر وكلية دار العلوم، وطالب التربية يلجأ إلى فهارس مكتبات كليات التربية وهكذا.

6-

ينصح الطالب بأن يقرأ الأبحاث الجديدة التي تنتشر بمجلات ودوريات تعنى بمثل دراسته، وسيجد طالب الدراسات الإسلامية مثلا مقالات ذات قيمة مع مراجعها ينشرها كبار الكتاب والباحثين في:

The Journal Asiatique

Islamic Culture

ص: 75

- المشرق.

- مجلة كلية الآداب "جامعة القاهرة".

- مجلة المعهد العلمي العربي بدمشق.

كل هذا سيضمن للطالب مجموعة كبيرة من المراجع مفيدة وشاملة، وحتى إذا كانت هذه المجموعة غير كافية، فلا نزاع في أن الموضوع سيتضح له كلما سار فيه، وستتفرع مراجعه من حين لآخر، فإذا بدأ الطالب بعشرين مرجعا فليس غريبا أن ينتهي بمائتين، غير أن عليه أن يبادر فيضيف إلى قوائم الكتب التي أعدها، كل كتاب يصادفه ويرى أنه متصل بموضوعه، وبإثبات هذا الكتاب في المراجع سيتحقق أن هذا المرجع لن يهمل، أو يحجبه النسيان.

وسيجد الطالب بعض هذه المراجع متصلا بالموضوع اتصالا عاما، كما سيجد بعضها متصلا بباب من أبواب الرسالة أو بفصل من فصولها، فليثبت الكتب المتصلة اتصالا عاما بالموضوع وحدها، وليوزع على كل فصل مجموعة الكتب المتصلة به. ويجوز أن يثبت المراجع كلها في قائمة واحدة إذا لم تكن مميزة الاتجاهات، وهذا ما يغلب أن يتبعه الطلاب الذين يعتمدون على مراجع قديمة، إذ أن مؤلفيها كانوا -غالبا- يكتبون عن كل شيء، فأغلب الظن أن كل كتاب سيحوي مادة عن كل باب من أبواب الرسالة.

ص: 76

قائمة المراجع:

فإذا ما انتهى من إعداد قائمة مراجعه، أو قوائم مراجعه، كان عليه أن يثبت أمام كل مرجع مكان وجوده، فإذا كان هذا المرجع في مكتبته الخاصة كتب أمامه: مكتبتي الخاصة، وإلا بحث عنه في المكتبة الأسياسية التي يعتمد عليها1، فإذا وجده بها كتب أمامه الرمز الموضوع له بهذه المكتبة2. وإلا حاول أن يعثر عليه في إحدى المكتبات الأخرى الخاصة أو العامة، فإذا وجده كتب أمامه اسم المكتبة والرمز الموضوع له إن كان في مكتبة عامة، أو كان في مكتبة خاصة تستعمل فيها الرموز3، أو كتب اسم صاحبه إن كان بمكتبة خاصة لا تستعمل فيها الرموز، فإذا لم يجده فلا مناص إذن من شرائه، وينصح الطالع على العموم أن يشتري -كلما أمكنه ذلك- الكتب الأسياسية، التي سيحتاج إلى الرجوع إليها من حين لآخر.

1 المكتبة الإسلامية هي المكتبة التي يتردد عليها الطالب كثيرا، والتي تحوي المصادر المهمة لرسالته، كمكتبة المعهد الذي ينتسب إليه، أو مكتبة الجامعة التي يتبعها، أو إحدى المكتبات العامة القريبة منه، وينصح الطالب أن يتخذ له "مكتبة أساسية" فإنه بمرور الزمن سيدرس نظامها، ومواضع الكتب بها، وسيصبح معروفا للمشرفين عليها، مما قد يمنحه تسهيلات نافعة، وكل هذا سيجعل هذه المكتبة لا تختلف كثيرا عن مكتبة يملكها هو.

2 الرمز وحده يكفي، فالرمز بدون اسم مكتبة معناه أن الكتاب موجود "بالمكتبة الأسياسية".

3 بعض المكتبات الخاصة الكبيرة تستعمل فيها الرموز، وقد كانت كذلك مكتبة الأستاذ الدكتور أحمد أمين.

ص: 77

وفيما يلي "نموذج قصير لقائمة المراجع":

الجهشياري: الوزراء والكتاب "926ح""926ح"

Rechard Cpke The City Of Peacs. "مكتبتي الخاصة"

الصابي: تاريخ الوزراء "590ح".

W.Berthold: Turkestan Down to the Mongol Invesion "مكتبتي الخاصة"

ابن حجر: رفع الإصر عن قضاة مصر مخطوط: دار الكتب 105 تاريخ

الوليد بن بكر: الوجازة في صحة القول بأحكام الإجارة مكتبة الأستاذ "

"

الفتح بن خاقان: قلائد العقيان. دار الكتب تاريخ تيمور 286

ابن منقذ: الاعتبار دار الكتب 406

E. J.Bolus: the Infuence of Islam. مكتبتي الخاصة

ويجب أن يلاحظ الطالب كلما أدخل مرجعا جديدا على قوائم مراجعه، أن ينتهز أقرب فرصة ليثبت أمامه الرمز الخاص به على النحو السابق.

ص: 78

ويعمد بعض الطلاب وهم يعدون فهرسا عام للمراجع التي سيرجعون إليها، إلى اتباع نظام البطاقات، وطريقة ذلك أن يحضر الطالب عددا من البطاقات مقاس كل بطاقة 8×10 سم ويخصص كل بطاقة لكتاب واحد، على أن يوضع اسم المؤلف في أعلى البطاقة، وتحته عنوان الكتاب، وفي السطر الثالث يدون اسم المكتبة التي بها الكتاب، وكذلك الرمز الموضوع له، وترتب هذه البطاقات في درج تريبا أبجديا حسب أسماء المؤلفين، وكلما عثر على كتاب جديد يتصل بموضوعه أعد له بطاقة ووضعها في موضعها من درج البطاقات، والطالب بذلك يكون له مكتبة هامة وإن لم يملك كتبها.

ومن الضروري أن يتنبه الطالب إلى أنه إذا استعمل طبعة ما لمصدر من المصادر، كان عليه أن يستعمل نفس الطبعة في جميع بحثه كلما أمكن ذلك، فإذا اضطر لاستعمال طبعتين لمصدر واحد فإن من الواجب أن يحدد الطبعة التي اعتمد عليها في كل اقتباس يورده عن ذلك المصدر.

المصادر أهم ما يعنى به الباحث:

والمراجع الأصلية "المصادر" -وهي أقدم ما يحوى مادة عن موضوع ما- هي المراجع ذات القيمة في الرسائل، ولذلك وجب الاعتماد عليها والرجوع إليها، وكلما زاد استخدام المراجع الأصلية وكثرت الحقائق المستفادة منها كلما عظمت

ص: 79

قيمة الرسائل، وبخاصة إذا كانت هذه الحقائق وتلك المعلومات لم تصل لها يد من قبل، ولم يسبق لأحد أن اقتبسها، فالمراجع الأصلية إذن هي:

1-

المخطوطات القيمة التي لم يسبق نشرها والتي تحوي معلومات لا توجد فيما نشر من كتب.

2-

الوثائق "وسيأتي شيء من التفصيل عنها فيما بعد".

3-

مذكرات القادة والساسة عما يجري في الخفاء مما يعرفونه هم ولا يعرفه سواهم.

4-

حيثيات الحكم المسببة للأحكام القضائية.

5-

الخطابات الخاصة ذات الأهمية العامة.

6-

اليوميات.

7-

الدراسة الشخصية للأمكنة واللوحات التاريخية.

8-

والأكثر ذيوعا هو الكتب على أن يكون مؤلفوها قد شاهدوا الفكرة التي هي موضوع الحديث، وبهذا يكون الوصف وصف شاهد عيان، ومن هذه الكتب في الدراسات الإسلامية كتاب "أخبار الراضي بالله أو تاريخ الدولة العباسية من سنة 322هـ إلى سنة 333" الذي ألفه أبو بكر الصولي المتفوى سنة 335، وكذلك كتاب "المحاسن اليوسفية" الذي وضعه عن صلاح الدين "سكرتيره" ابن شداد، ويدخل في هذا ما يكتبه المؤرخون المعاصرون مرتبطا

ص: 80

بما يشاهدونه من أحداث، ومنه ما دونته في جزأين من "موسوعة التاريخ الإسلامي" هما:

جـ9: ثورة 23 يوليو من يوم إلى يوم: عهد محمد نجيب وعهد عبد الناصر.

جـ10: ثورة 23 يوليو من يوم إلى يوم: عهد أنور السادات.

وتأتي بعد هذه الكتب المعاصرة الكتب قريبة الصلة الزمنية بموضوع الكلام، ومن هنا يظهر أن الطالب لا يحق أن يعتمد على كتاب السيوطي "911هـ" المسمى تاريخ الخلفاء فيما أورده الطبري "310هـ": أو الصولي في كتابه سالف الذكر، أو غريب ابن سعد "366هـ" في صلة تاريخ الطبري، أو ابن الأثير "630هـ" في الكامل في التاريخ، أو غيرهم من المعاصرين أو القريبين من الأحداث.

وكما يلاحظ الزمن يلاحظ المكان، فيحسن بالطالب الذي يتحدث عن تاريخ مصر أن يعتمد -كلما أمكنه ذلك- على مؤرخ مصري كتب عن الحقبة التي يتحدث عنها، فذلك أفضل من اعتماده على مؤرخ بغدادي معاصر له، وتناولها أيضا بالكتابة.

وشيء ثالث لا يقل عن الزمان والمكان إن لم يزد عليهما، ذلك أن يعرف المؤلف بالدقة والنزاهة، ويسوقنا هذا إلى أن ننبه إلى ضرورة أن يعرف الطالب فكرة عن الكتاب الذين

ص: 81

كتبوا في موضوعه، وعن ميولهم السياسية والاقتصادية والدينية والمذهبية، وكذلك عن مقدار معرفتهم ببواطن الأمور، ثم عن أخلاقهم، وعن كل ما يؤثر فيما يكتبونه؛ ليختار منهم أنزههم وأدقهم وأوسعهم ذكاء وأكثرهم صلة وخبرة بالأمور، ثم ليقرأ بكثير من التحفظ ما كتبه مؤلفون يعتقد أنهم كانوا متأثرين بمؤثر خارجي، كما يفعل أكثر الكتاب المحدثين عندما يقرأون لشخص مثل ناصر خسرو "481هـ" في وصفه لمصر أيام الفاطميين؛ إذ إن الباحثين يخشون أن يكون ناصر خسرو قد تأثره بميوله الشيعية فيما كتب عن مصر الفاطمية.

التخصص في نقطة البحث:

ومن أهم ما يجب أن يلاحظ في المراجع تخصصها في النقطة التي يبحث فيها الطالب، فإذا كان يبحث مثلا في التاريخ فمراجعه الأصلية العامة هي كتب التاريخ، ولكنه إذا عرض له في بحثه تحقيق لغوي -كأن يريد أن يحقق معنى الخلافة أو الوزارة في اللغة- فمرجعه في ذلك كتب اللغة، وإذا عرض له حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد أن يؤكد صحته فليبحث عنه في كتب الحديث الستة الشهيرة، وإذا أراد أن يستشهد بأبيات لشاعر فليكن مرجعه ديوانه، وهكذا ينتقل الباحث من مراجعه الأصلية العامة إلى مراجع أصلية خاصة ككتب الفقه والعقائد واللغة والحديث ودواوين الشعراء كلما صادف في بحثه ما يستلزم ذلك.

ص: 82

المراجع والحرص منها:

أما المراجع الثانوية فهي المراجع التي أخذت مادة أصلية من مراجع متعددة، وأخرجتها في ثوب آخر جديد، فعلى الطالب -إذا وجد في المراجع الثانوية ما يلزمه- أن يعود للمراجع الأصلية لتحقيقه وأخذه منها، وسيجد الطالب من تجاربه أن عودته للمراجع الأصلية للتحقيق ضرورية، فبعض المراجع الثانوية تسيء فهم ما كتب في المراجع الأصلية، أو أن المادة تلون في المراجع الثانوية بلون خاص يبعدها عن الفكرة التي سيقت لها في الأصل، وكثيرا ما رأيت أنا مثل هذا، ونبهت على بعضه، وأنا أكتب رسالة الدكتوراه، ولا بأس أن أعطي هنا أمثلة قليلة لذلك:

ورد في The Eneyctopaedia of Islam ج3 ص360 النص الآتي في معرض الكلام عن الكتاتيب:

The main Subject taught in children's schools was Adab so that the schools of children were called "Maj-alis al- Adab".

وترجمة هذه العبارة هي: وكان الأدب هو المادة الرئيسية التي تدرس بمدارس الأطفال "الكتاتيب" حتى أن هذه المدارس كانت تسمى "مجالس الأدب".

وكان المرجع الذي ذكره المؤلف لهذه العبارة هو الأغاني 18: 101 فلما رجعت إلى هذه الصفحة من الأغاني وجدت النص هو:

ص: 83

علي بن جبلة كان أصغر إخوته، وكان أبوه يرق عليه، فجدر، فذهبت إحدى عينيه في الجدري، ثم نشأ فأسلم في الكتاب فحذق بعض ما يحذقه الصبيان فحمل على دابة ونثر عليه اللوز "تكريما لتفوقه في الكتاب" فوقعت على عينه الصحيحة لوزة فذهبت، فقال الشيخ لولده: أنتم لكم أرزاق من السلطان فإن أعنتموني على هذا الصبي وإلا صرفت بعض أرزاقكم إليه، فقالوا: وماذا تريد؟ قال: تختلفون به إلى مجالس الأدب. قالوا: فكنا نأتي به مجالس العلم.

ومن هنا يظهر أن دراسة هذا الصبي للعلم والأدب قد بدأت بعد نجاحه بتفوق في دراسة الأولية بالكتاب، وأن مجالس الأدب شيء والكتاب شيء آخر.

وقد ذكر الدكتور خليل طوطح في كتابه التربية والتعليم عند العرب1 تحت عنوان "البنت والمكتب" ما يلي: "ومما يذكر في كتاب الأغاني تردد البنات إلى المكتب في القرن الثاني للهجرة" ثم يسوق اقتباسات غير كاملة من الأغاني يرى أنها تؤيد رأيه "وسنوردها فيما بعد" ويعلق على هذه الاقتباسات بقوله: "فمن هذا يظهر أن الفتيات ذهبن للتعلم

1 ص66.

ص: 84

في المكتب، وفي بعض الأحيان تعلمن مع الفتيان كما هو معروف اليوم في بعض الأماكن".

وكان مرجعه في ذلك الأغاني 14: 49 و 21: 48، فلما ذهبت إلى الأغاني في الموضوعين المذكورين وجدت النص الأول كالآتي:"كان بالكوفة رجل يقال له: علي بن آدم، وكان يهوى جارية لبعض أهلها "أهل الكوفة" وأنه علقها وهي صبية تختلف إلى الكتاب، فكان يجيء إلى ذلك المؤدب فيجلس عنده لينظر إليها، فما أن بلغت حتى باعها مواليها لبعض الهاشميين، فمات جزعا عليها".

"الأغاني جـ14 ص49 طبعة السياسي".

أما النص الثاني فهو كما يلي:

حدثني القطراني المغني عن محمد بن حسان قال: كان خليل المعلم يلقب خليلان، وكان يؤدب الصبيان ويعلم الجواري الغناء في موضع واحد، فحدثني من حضر قال: كنت يوما عنده وهو يردد على صبي يقرأ بين يديه {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} ثم يلتفت إلى صبية يردد عليها "في لحن غنائي":

ص: 85

اعتاد هذا القلبَ بلبالُه

أن قربت للبين أجمالُه

فضحكْتُ ضحكا مفرطا لما فعله، فالتفت إلي فقال: ويلك!! مالك؟ قلت: ضحكي مما تفعل، والله ما سبقك إلى هذا أحد، ثم قلت: انظر أي شيء أخذت على الصبي من القرآن، وأي شيء تلقي على الصبية؟ والله إني لأظنك ممن يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله.

قال: أرجو إلا أكون كذلك إن شاء الله.

"الأغاني جـ21 ص48 طبعة مصر".

ويبدو لي أن هذه المادة قد لونت بلون خاص؛ لتناسب ما ذهب إليه الدكتور طوطح من تعليم البنت في الكتاب مع الولد، ولكن الذي أراه ويراه معي كثيرون لا يتفق من ما ذهب إليه الدكتور طوطح؛ فإن البنت المسلمة التي نقول إنها تعلمت في عصور الإسلام الأولى، ونالت قسطا ملحوظا من الثقافة هي البنت الحرة قبل كل شيء، وهذه البنت تعلمت في البيت على أحد ذويها، أو على معلم خاص، ولم تذهب كما ذهب الصبيان إلى الكتاب.

والاقتباسان اللذان اعتمد عليهما الدكتور طوطح يتعلقان

ص: 86

بالجواري، وتعليم الجواري بالكتاب لا يدل بحال من الأحوال على تعليم الحرائر به؛ لأن كراهية اختلاط الجنسين ما كانت تنطبق على الجواري، فقد كن متبذلات منحن كثيرا من التسهيلات التي لم تستمع بها الحرائر.

ولم يكن المراد بتعليم الجواري هو الثقافة بقدر ما كان يراد منه رفع أثمانهن بتعليمهن الكتابة كما في الاقتباس الأول، أو الغناء كما في الاقتباس الثاني، على أن الاقتباس الثاني أبعد جدا عن الموضوع لتعلقه بالغناء الذي هو صنعة أخرى صادف أن المؤدب كان يجيدها وكان يزاولها مع عمله البعيد عنها كل البعد، كما يزاول بعض معلمي كتاتيب الريف المصري في هذه الأيام بعض الصناعات اليدوية البسيطة وهم يشرفون على أطفال الكتاب، فلم تكن هذه البنت في الحقيقة ملتحقة بالكتاب، ولعل هذا الازدواج هو ما جعل خليل المعلم يلقب "خليلان".

لم يكن المراد هنا أن نناقش هذين المؤلفين الفاضلين وإنما أردت أن أبين -بما لا يدع مجالا للتردد- خطورة الاعتماد على مرجع ثانوي دون تحقيق ما ورد به في المرجع الأصلي.

ومما يؤكد ذلك من ناحية أخرى ما قام به بعض الباحثين من تجارب أثبتت أنه لو نقل "ب" من "أ" موضوعا ما، ثم

ص: 87

نقل "ج" من "ب" هذا الموضوع، ثم نقله "د" من "ج"، فإن ما نقله "د" سيكون مخالفا كثيرا أو قليلا لما أثبته "أ". ويستطيع المدرس مثلا أن يجري مثل هذه التجربة مع تلاميذه، وسيصل في الغالب إلى هذه النتيجة مع ملاحظة أن طول السلسلة أولا وعدم الدقة في إحدى حلقاتها ثانيا سيجعلان الاختلاف أكثر بروزا.

خلاصة عن المصادر والمراجع:

والآن نسجل هنا الحقائق المهمة التالية:

1-

المراجع الأصلية قد تكون حديثة، كالإحصائيات التي تنشرها الحكومات من حين لآخر عن التعداد، وعن الواردات والصادرات، والميزان التجاري، وكالتجارب العلمية الموثوق بها، والتي قبلتها الهيئات العلمية، وكاليوميات وحيثيات الحكم وغير ذلك.

2-

الكتب الحديثة التي لا تكتب مصادر مادتها كتب قليلة الفائدة لطالب الأبحاث.

3-

المراجع الثانوية تشمل أحيانا نقاطا أصلية، مثل وجهات نظر المؤلف الخاصة فيما يتحدث عنه، وتعليقه على ما يقتبسه، ونقده له إذا لم يكن قد سبق بمثل هذا التفكير.

4-

الحقائق العامة الواسعة الانتشار يجوز ذكرها في الرسالة بدون أن يثبت لها مرجع قديم أو حديث.

ص: 88

5-

وقد لاحظت في الفترة الأخيرة اهتمام بعض الباحثين بالمراجع اهتماما يفوق عنايتهم بالأفكار، فقد رأيت أفكارا مسلَّما بها يمكن أن تورد بدون مراجع أو مصادر، ولكن الباحث يذكر لها العديد من المراجع، وهذا الوضع يجعل الأصل فرعا والفرع أصلا، فالمرجع مطلوب لتوثيق فكرة مهمة، أو بلغة أخرى إن الفكرة هي هدف الباحث، فإذا عثر عليها وثقها وذكر مصدرها، وليست المراجع مقصودة لذاتها، وقيمتها تتوقف على ما تقدمه للبحث من معلومات ومعارف.

ثم إن المراجع إذا كثرت اهتم الباحث بأقدمها وأكثرها صلة بالموضوع، وإذا ذكر المصدر الرئيس "أغنى ذلك عن سلسلة المراجع التي أخذت عنه، فليس هناك حاجة لأن يذكرها الباحث متصلة بهذه النقطة التي أخذها من مصدرها الأول.

إعداد البطاقات:

والآن بعد هذا الشوط الطويل من اختيار موضوع الرسالة، ومن تخطيطها وتبويبها، ومن إعداد مصادرها ومراجعها، يصل البحث إلى مرحلة القراءة التي سنتكلم عنها بعد قليل.

وقبل القراءة يعد الطالب البطاقات التي سيدون عليها اقتباساته، ونتائج تجاربه العملية.

ص: 89

وقد كنت في الطبعات السابقة أذكر أن الطالب يستطيع أن يدون هذه المعلومات على البطاقات أو أن يستعمل "الدوسيه المقسم" والطريقان سليمان، ولكن طريقة البطاقات تتيح للأستاذ المشرف فرصة أدق لمتابعة التعرف على جهد الطالب وسعة قراءته، ومن هنا رأيت ابتداء من الطبعة "الثامنة عشرة" أن أركز القول على استعمال البطاقات، فكثير من الطلاب لم يحسنوا استعمال الدوسيه المقسم، أو فروا به من المتابعة الدقيقة.

وتصنع البطاقات من الورق المقوى غالبا، وحجم البطاقة في العادة 10×14 سم، ومن الممكن أن يصنع الطالب البطاقات بنفسه من الأوراق، والغالب أن تشتري مجهزة، ويلزم أن تكون متساوية الحجم.

ولما كانت القراءة وسعة الاطلاع من أهم واجبات الباحث، فإنه يلتزم أن يجعل ذلك دستوره، وينصح عند القراءة أن يبدأ بأهم المصادر التي ترتبط بموضوعه، وبعد الأهم يجيء المهم وهكذا.

جمع المادة:

يبدأ الباحث بقراءة مراجعه كتابا إثر كتاب، ويقتبس من كل كتاب ما يراه نافعا لموضوعه، ويدونه في البطاقات على النحو الذي سنشرحه فيما يلي:

ص: 90

طريقة تدوين الاقتباسات:

تدون الاقتباسات على عرض البطاقة وعلى وجه واحد منها، ويستحسن أن يوضع عنوان لكل اقتباس؛ ليدل على ما ورد في البطاقة من معلومات، وتكون الكتابة بالحبر وبخط واضح، ويكتب في أسفل البطاقة اسم المصدر الذي أخذت منه المادة، وكذلك اسم المؤلف، ورقم الجزء والصفحة، ولا يكتب في كل بطاقة إلا اقتباس واحد.

وعلى الطالب أن يجمع من المادة كل ما اتصل بموضوعه من قريب أو من بعيد، ويتذكر أن من السهل أن يترك من المادة التي جمعها ما يظهر في المستقبل أنه عديم الفائدة أو قليلها، أما إذا ترك بعض المادة ثم تذكرها فيما بعد وظهر لزومها، فإن وقتا ثمينا قد يبدل رجاء العثور عليها، وقد تنجح المحاولة وقد تفشل.

دراسة عن الكتب والقراءة:

لا نزاع في أن الكتاب كريشة الرسام، إن أمسك بها قليل المران اضطربت وأحدثت خللا، وإن تناولها الماهر المتمرن أبدعت وأخرجت ما ينطق بالحسن والجمال، وكذلك الكتاب يقرؤه شخص فيسمى فهمه، أو يخرج منه صفر اليدين، ويقرؤه شخص آخر فيتزود منه علما وأسلوبا ومنهاجا.

ويظن البعض أن القراءة سهلة ما دامت المراجع قد أعدت،

ص: 91

والخطة قد وضعت، ولكن القراءة في الحقيقة عمل غير يسير إذا أريد بها أن تكون نافعة منظمة ويقول Cole:"إن مما لا شك فيه أن المقدرة على القراءة وعلى هضم الأفكار المكتوبة والانتفاع بها فن لا يعرفه إلا القليلون، ومن المجهود الضائع أن يبذل الطالب وقته وحماسته في قراءة غير نقدية وغير مركزة".

فعلى طالب الدراسات العليا أن يتعلم كيف يقرأ، وليضع أمامه حقيقة هامة، هي أنه يتوقع منه أن يقرأ كثيرا، وأن يطلع على مجموعة كبيرة من الكتب، وألا يفوته مرجع ذو أهمية في موضوعه وعمل كهذا يحتاج إلى أعوام طويلة لا تتوافر غالبا للطالب، وللتغلب على هذه المشكلة يجب أن يعرف الطالب نظام القراءة لبعض الكتب، وأن يتذكر قول Bacon:

Some books are to be tasted Others to be swallowd and aome few to be chewed and tasted.

فهو يشبه الكتب بالطعام تذوقه أحيانا ثم تدعه إذا لم تعجبك عناصره ونكهته، وتزدرده أحيانا ازدرادا سريعا، وأحيانا يكون لذيذا جدا -وقليلا ما يكون- وحينئذ فإنك تمضغه برفق وأناة طلبا للذة والمتعة.

وعلى هذا فالقراءة ثلاثة أنواع:

ص: 92

1-

القراءة السريعة:

وتكون بقراءة الفهرس قراءة فاحصة، ويختار الطالب من الفهرس ما يمس موضوعه من قريب أو من بعيد، ففي هذه المرحلة، يكون تحديد الموضوعات التي ستقرأ هو الهدف الأساسي للاطلاع، ويدخل في هذه المرحلة كذلك التعرف على الكتاب بقراءة بعض موضوعاته أو فصوله قراءة سريعة يحدد الطالب بها قيمة الكتاب على العموم، فقد تكون الموضوعات بالفهرس جذابة ولكن يكون الحديث عنها في صلب الكتاب سطحيا أو ضحلا، وعلى هذا فالطالب في هذه المرحلة يستبعد بعض الكتب نهائيا لهبوط مستواها أو لعدم صلتها بموضوعه، ويختار من بعض الكتب موضوعات محددة يؤمل أن تكون مفيدة لبحثه.

2-

القراءة العادية:

وفي هذه المرحلة يقرأ الطالب الموضوعات التي حددها للقراءة في بعض الكتب ويختار منها الاقتباسات التي تتصل بموضوعه.

3-

القراءة العميقة:

هناك أبحاث ممتازة وثييقة الصلة بالموضوع، وهذه ينبغي أن يقرأها الطالب بتوؤده وعمق، وعليه أن يتمثلها ويستفيد بها في تكوين فكره وتطويره، وأن ينتفع باتجاهاتها، وربما كان

ص: 93

عليه أن يعيد قراءتها وأن يعيش معها، وأن يقتبس ما ينير له السبيل.

وفيما يلي نص الاقتراحات التي يقدمها كبار الباحثين لطلاب الدراسات العليا رجاء أن ينتفعوا بها في قراءتهم.

1-

أن يكون الطالب حاذقا في تحديد قيمة الكتب التي بين يديه ليعرف المهم منها والأهم.

2-

ألا يقرأ وهو مجهد جسمانيا، فإن هذه الحالة ستؤثر في القوى العقلية، وستجعل الاستفادة من القراءة هزيلة.

3-

أثبتت عدة تجارب أن الإنسان أكثر استعدادا للفهم والاستفادة في ساعات الصباح، فعلى الطالب أن ينظم وقته لينتفع بهذه الفترة.

4-

ألا يستطرد في قراءة أجزاء لا تتصل بموضوعه من الكتاب الذي بين يديه، ويستطيع أن يستعين بالفهارس ليعرف ما يتصل بموضوعه وما لا يتصل، ويجب أن نشير هنا إلى أن قراء الكتب القديمة لن يستطيعوا الاستفادة من الفهارس؛ لأن فن الكتابة لم يكن قد تطور إلى مكانته الآن، فالكتاب القدامى يستطردون كثيرا لأدنى ملابسة، وكثيرا ما يعثر قارئ الكتب القديمة على معلومات هامة في غير مكانها، لذلك ينصح قراء هذه الكتب بالقراءة السريعة، حتى إذا عثروا على مادة ثمينة قرءوها قراءة هادئة فاحصة،

ص: 94

وبمناسبة الحديث عن الكتب القديمة نرى من حق ابن الأثير علينا أن نذكر أنه -وإن سار في وضع كتابه الكامل في التاريخ على نظام السنين- قد وضع عناوين دقيقة مفصلة لما أورده في حوادث كل سنة، فمن الممكن الاستفادة بهذه العناوين اختصارا للوقت، كما أن بعض الكتب القديمة مثل "الطبري" و"ابن الأثير" قد طبعها المستشرقون، ووضعوا لها فهارس شاملة كبيرة العون والفائدة، كما قام بعض الأساتذة الأستاذ عبد السلام هارون بالنسبة لكتاب الحيوان والبيان والتبيين للجاحظ، وكما تفعل دار الكتب -بإشراف فريق من المتخصصين- لإخراج كتاب الأغاني وغيره، والمرجو أن يجيء يوم قريب تكون فيه أمهات الكتب القديمة جميعها قد أعيد طبعها على هذا النحو؛ لتكون جميلة الإخراج سهلة التناول.

ويميل كثير من الطلاب إلى القراءة في بيوتهم وحجراتهم الخاصة، كما يفضل آخرون أن يطالعوا في المكتبات، وليس لي تعليق على هذا؛ لأن تفضيل أحد المكانين على الآخر يتوقف على ظروف الطالب الخاصة، وعلى التسهيلات التي تمنحها المكتبات له، وأيًّا ما كان هذا فالطالب محتاج إلى القراءة في منزله أحيانا وفي المكتبات أحيانا أخرى. وهو لهذا يجب أن يعرف نظم الاستعارة الداخلية والخارجية بالمكتبات

ص: 95

التي يتردد عليها، وأن يستوفى الشروط المطلوبة لها، وينصح الطالب -إذا كان يفضل القراءة خارج المكتبات- أن يطلع بالمكتبات على المراجع التي تمس موضوعه مسا خفيفا يمكنه الإحاطة به في وقت قصير، فهو بهذا يوفر على نفسه مشقة حمل هذه الكتب، ويساعد موظفي المكتبة وجمهور المطالعين، ثم يتجنب عدها عليه ضمن العدد المسموح باستعارته استعارة خارجية إذا كان هذا العدد محدودا.

ويقرأ الطالب قوائم مراجعه كتابا كتابا، وكلما وصل إلى نقطة متصلة بموضوعه توقف عن القراءة، لينقل هذه النقطة في بطاقة، البطاقات التي أعدها، ويكون النقل حرفيا وبدون تعليق في هذه الرحلة مدخرا المقارنة والنقد إلى مرحلة كتابه الرسالة1، وإذا ما انتهى من قراءة كتاب، وجب أن يدون في بطاقة خاصة: اسم الكتاب، واسم مؤلفه كاملا، وتاريخ طبعه ومكانه، ثم موجزا قصيرا لمحتوياته، مع إشارة خاصة للنقطة أو النقاط التي أفادها البحث من هذا المرجع، وسيساعده هذا في المستقبل عندما يعد قائمة الكتب التي رجع إليها في مصادر رسالته ليضعها في آخر الرسالة، وسيساعد هذا أيضا عند الكلام في المقدمة عن مصادر الرسالة، وسيساعده كذلك في إعداد الموجز الذي سيقدمه للجنة المناقشة.

1 أما ما يبدو له من تعليقات الآن فمن الممكن أن يشير إليه إشارة مستقلة موجزة بين قوسين في ذيل البطاقة، أما النص فينقل كما هو مستقلا.

ص: 96

ويحدث أحيانا أن يندمج الطالب في نقطة ما من نقاط بحثه، فيسلمه مرجع إلى مرجع حتى يجمع كل ما كتب عن هذه النقطة، وقد ينتج عن ذلك أن يكتب الطالب هذا الفصل ويضعه في صيغته النهائية مع أنه قد يكون في الشوط الأول بالنسبة للأجزاء الأخرى من الرسالة، ولا حرج في هذا، بل لعل الانتهاء من بعض الفصول أو الأبواب في أثناء القراءة، مما يشجع الطالب ويسهل عليه مهمته، ويخفف عنه أنس أنه وفى نقطة ما بحثا، وجمع من المادة ما يجعلها واضحة تمام الوضوح كتبها، ثم استأنف جمع المادة لغيرها، وتلوين العمل يجدد النشاط، ويدعو لليسر والسهولة.

وكما أن الطالب يتوقف أحيانا عن القراءة وجمع المادة ليكتب فصلا من فصول الرسالة، فإن العكس يحدث أيضا، أي أن الطالب يتوقف عن الكتابة ليجمع مادة عرضت له وهو يكتب، فإذا كان الطالب متجها تماما لكتابة فصل ما من فصول الرسالة، ثم صادفته معلوما تتصل بفصل آخر فينبغي أن يبادر فورا إلى اقتناص الفرصة، وإلى إثبات هذه المادة في مكانها أو -على الأقل- الإشارة إليها ليرجع لها عقب الانتهاء مما هو فيه، ويحذر الطالب أن يهمل هذه المادة بحجة أنه لا يريد أن يقطع تفكيره فيما هو بصدده، وليذكر أن جزءا كبيرا من المادة يأتي عفوا، ولو أهمل ما يصادفه عفوا، لبذل من أجل الحصول عليه عندما يطلبه وقتا طويلا، ومجهودا كبيرا.

ص: 97

وقد تكون هذه المعلومات التي وجدها عرضا تتصل بباب أو فصل قد انتهى الطالب من كتابته، فيجمعها أيضا، ليضيفها عند المراجعة إلى مكانها، وبهذه المناسبة نذكر أن الطالب قد تعرض له فكرة قيمة تتصل بالمادة أو المنهج، وعليه -حتى لا ينساها- أن يبادر بتدوينها في مكانها ولو موجزة يعود إليها بالتفصيل والدراسة فيما بعد.

التجارب العلمية والدراسات الخاصة:

Experiment and Fieldwork:

تستلزم بعض الأبحاث العلمية أن يجري الطالب بنفسه تجارب معينة على الإنسان أو الحيوان أو النبات، كما تستلزم أبحاث أخرى -كالأبحاث التاريخة والجغرافية والاجتماعية- أن يقوم الطالب بزيارة أمكنة خاصة، إما لدراسة المعالم والمواقع والمنشآت والأمكنة الهامة، وإما لمشاهدة ظاهرة من الظواهر الجغرافية، وإما لدراسة أحوال الناس وطبقاتهم والتيارات التي تنبعث بينهم، ثم الاستماع إليهم لمعرفة اتجاهاتهم، واختبار تفكيرهم.

ويبدأ الطالب تجاربه وزياراته بعد أن يفرغ من قراءة ما قد يكون قد كتب عن هذا الموضوع أو حوله، حتى يستطيع أن يجري أبحاثه وله معرفة وخبرة بما سبق به، وليتمكن -وهو يجري أبحاثه ويقوم بدراساته- من أن يقارن فيثبت أو يعارض ما اتجه إليه من سبقه من الكتاب.

ص: 98

والرسائل العلمية -كتلك التي تقدم في مسائل طبية أو زراعية- تعتمد كثيرا على التجارب الشخصية التي يقوم بها الطالب، ولا بد له قبل أن يبدأ في التجارب اللازمة لرسالته أن يكون قد قام بعدة تجارب أخرى تكونت فيها خبرته، وثبتت بها مقدرته وكفاءته، ولا بد له من دقة الحساسية، ومزيد من الفطنة، وأن يكون رزينا، صبورا لا يعجل، مجتهدا أمينا كل الأمانة.

ويعطي الطالب في الرسائل العلمية وصفا دقيقا مفصلا عن الإنسان أو الحيوان أو النبات الذي أجريت التجارب عليه، ويشمل ذلك صحته وسنه ونوعه "ذكر أو أنثى"، وغير ذلك مما يلزم في مثل هذه التجارب.

وليدرك الطالب أن عماد التجارب العلمية هو أن يبدأ بها بدءا صحيحا، ويسير فيها سيرا محكما، ويكون خلال ذلك قوى الملاحظة عميق التأمل، ثم يرصد النتائج أولا بأول بمنتهى الدقة.

والدراسة التي يجريها الطالب في مكان ما يجب أن تتم بكل عناية واهتمام، وأن تعتمد على الحقائق الثابتة، وعلى الاتصالات المباشرة، بحيث تنقل صورة صحيحة عن مشاهدات الطالب، ويجب ألا يخلط بين ما يثبته على أنه رآه وشاهده، وبين ما يثبته على أنه استنتاج ورأي.

ص: 99

وإجراء هذه التجارب، والقيام بهذه الدراسة، من أهم ما يلجأ إليه الباحثون في العصر الحديث، والرسائل التي تشمل هذا اللون من العمل هي رسائل كبيرة القيمة بلا ريب، إذا برهن الطالب على دقته فيما أجراه من تجارب ووصف ما شاهده من معالم، وقد أتيح لي وأنا أزور معاهد العلوم الإسلامية الأولى بالبلاد العربية، أن أصحح بعض ما كتبه المؤرخون عن هذه الأماكن دون أن يزوروها أو يشاهدوا معالمها ومحتوياتها، وقد أثبت هذا في رسالتي عن "تاريخ التربية الإسلامية" التي حصلت بها على درجة الدكتوراه.

المحادثات والمراسلات العلمية:

برز بعض العلماء الأفذاذ المعاصرين بروزا واضحا في مادتهم، وكثيرا ما نجد اسم الواحد من هؤلاء يتصل اتصالا وثيقا بموضوع ما، كما تتصل أسماء بعض علماء النجف كالسيد محمد آل كاشف الغطاء والشيخ محمد الأميني بالدراسات الشيعية، وكما يتصل اسم الدكتور طه حسين بالأدب العربي، واسم البروفسور أربري بدراسة التصوف الإسلامي، وغيرهم.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن بعض فروع الرسالة قد لا يكون الأستاذ المشرف متخصصا فيه تخصص غيره من الباحثين، مما يستدعي أن يتصل الطالب بأحد هؤلاء الباحثين ليهتدي بآرائه حول هذه النقطة، وينتفع بتوجيهاته.

ص: 100

فإذا مس الطالب في دراسته موضوعا من هذه الموضوعات، أو جدت عنده نقطة من تلك النقاط، فينبغي عليه أن يتصل بالعالم المبرز الذي له أبحاث ودراسات في ذلك الموضوع أو تلك النقطة، وتكون الصلة بمقابلة شخصية كلما أمكن ذلك، ويعد الطالب نفسه إعدادا تاما لهذه المقابلة بتنظيم الأسئلة التي سيطلب الإجابة عنها، والنقاط التي يريد استيضاحا لها، ثم يدون الإجابة تدوينا دقيقا منظما، ويكون التسجيل بطريق الكتابة أو بطريق تسجيل الصوت على شريط "كاست" ثم على الطالب أن يعرض المادة على هذا العالم ليوافق عليها قبل نشرها، فإذا لم يتمكن من المقابلة الشخصية لبعد الشقة فالواجب أن تتم الاتصالات بطريق المراسلة، ويجب حينئذ أن تكون رسالة الطالب لهذه الشخصية واضحة تمام الوضوح، يقدم فيها نفسه تقديما قصيرا، ثم يتبع ذلك بالأسئلة التي يريد عنها إجابة، أو لها إيضاحا.

وقد قمت في أثناء تحضيري لدرجة الدكتوراه بالاتصال الشخصي بعدد من كبار العلماء، أذكر منهم هنا علماء النجف فيما كتبته عن مذهب الشيعة برسالتي، والشيخ "أغا بزرج" الذي أفدت من مقابلته إفادة كبيرة في مسألة تاريخ الشهادات الدراسية، والدكتور مصطفى جواد في محاولة تحديد موضوع للمدرسة النظامية ببغداد، وغيرهم، ولا شك أن هذه المقابلات كانت كبيرة الفائدة عظيمة النفع.

ص: 101

توزيع المادة:

عندما ينتهي الطالب من قراءة المصادر والمراجع والدوريات التي أعدها وينتهي من جمع مادته منها، وعندما يصبح عنده حوالي خمسين ظرفا بها بطاقات لاقتباساته، عندئذ يبدأ خطوة جديدة هي فرز هذه البطاقات وتوزيعها حسب أبواب الرسالة، فإذا كانت أبواب الرسالة خمسة مثلا، فإن البطاقات كلها ستوضح في خمسة أقسام، وربما وضع كل قسم في ظرف خاص، ومعنى هذا أن محتويات الأظرف الخمسين الأولى أصبحت في خمسة أظرف فقط، ويكتب على كل ظرف عنوان الباب.

وهناك طريقة أخرى يلجأ لها بعض الطلاب الأذكياء، هي أن يجمع المادة ويوزعها في نفس الوقت، بمعنى أن يعد أظرفا بعدد الأبواب، ويكتب على كل ظرف عنوان باب من أبواب الرسالة، ثم يقرأ، ويقتبس ويضع بطاقاته في الأظرف حسب موضوعها، فهو هنا يخطو خطوتين في عمل واحد.

وقد يجري الباحث تقسيما آخر حسب فصول كل باب؛ أي أن تقسم بطاقات كل باب على فصوله.

وهذا التقسيم سيوضح للطالب مدى القصور أو الكفاية بالنسبة للمعلومات اللازمة لكل باب وكل فصل، مما قد يجعله يحاول استكمال حاجاته للمادة عن طريق كتب ومراجع أخرى يقرؤها لهذا الغرض.

ص: 102

تعديل خطة الرسالة:

عندما ينتهي الطالب من قراءة ما أعده من مراجع، وبعد أن يجمع ما استطاع الحصول عليه من مادة دونها في البطاقات، عليه -قبل أن يبدأ الكتابة- أن يعاود النظر في التبويب الذي كان قد وضعه من قبل، وسيجد غالبا أنه في حاجة إلى تعديل في ضوء ما عثر عليه من مادة، وقد يكون هذا التعديل واسعا بأن يشمل تحويرا في عنوان الرسالة تبعا لتغيير الهدف الأساسي الذي كان قد ارتسمه وذلك إذا كان المادة التي جمعها توحي بهذا التحوير، ومثل هذا التغيير يجب أن يتم بصفة رسمية أي أن الطالب يجب أن يكتب للكلية التي يتبعها بالعنوان في صيغته الجديدة التي يريدها، ولا تمانع الكلية غالبا في إجراء مثل هذا التحوير ما دام الأستاذ المشرف موافقا.

وقد يشمل التعديل حذف بعض الأبواب أو الفصول، أو إضافة أبواب أو فصول جديدة، كما يشمل تغييرا بالتقديم أو التأخير سواء في الأبواب أو الفصول، وكل هذا يتم بين الطالب وأستاذه دون حاجة لموافقة الكلية فإذا ما أجرى الطالب هذا التعديل، ووضع الخطة النهائية، كان عليه أن يستشير أستاذه ليقر ذلك، أو ليبدي ما يراه من اقتراحات، فإذا ما حصل الطالب على موافقته، أو إذا حقق مقترحاته، كان ذلك إيذانا بالسير إلى مرحلة جديدة هي مرحلة كتابة

ص: 103

الرسالة التي ستكون موضوع حديثنا في الباب التالي.

ومع أن التعديل يحدث غالبا في هذه المرحلة، فقد يعن للطالب ما يجعله يحدث تعديلا ثانيا في أثناء الكتابة، وليس هناك ما يمنع من ذلك، فالرسالة للطالب كالصورة للرسام يظل يحرك قلمه في أي جزء منها حتى تخرج في النهاية على أحسن ما يمكن، وخير ما يستطاع.

ص: 104