المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثالث كتابة الرسالة - كيف تكتب بحثا أو رسالة دراسة منهجية لكتابة البحوث وإعداد رسائل الماجستير والدكتوراة

[أحمد شلبي]

الفصل: ‌الباب الثالث كتابة الرسالة

‌الباب الثالث كتابة الرسالة

كتابة الرسالة:

المواد الأولية التي يتكون منها صنف ما من صنوف الطعام تكاد تكون واحدة بين يدي كل طباخ، ولكن الطعام بعد تكوينه يختلف اختلافا بينا باختلاف طاهيه، ومن مادتي القطن والصوف مثلا يمكن إنتاج رقيق الملابس وخشنها، غاليها ورخيصها، فموقف الطالب من المادة التي جمعها هو موقف الطاهي مما بين يديه من اللحم والخضر والأرز والملح والتوابل، وموقف النساج من مادتي القطن والصوف.

فإذا انتهى الطالب من قراءة المراجع، ومن جميع المادة، وفرز البطاقات على ما مر ذكره، فليدرك أنه انتهى من مرحلة يستطيع كثيرون أن يقوموا بها بدون تفاوت يذكر، وأنه ابتدأ مرحلة جديدة يبرز فيها التفاوت بروزا كبيرا، وتظهر فيها ذاتية الطالب وشخصيته ظهورا واضحا، وتلك هي مرحلة الاختيار من المادة المجموعة، وترتيب ما اختير، ثم كتابته، وتلك مرحلة شاقة لا ريب، إذ إن الطالب سيجد

ص: 107

من غير الممكن ومن غير المرغوب فيه إثبات جميع ما جمع، وبخاصة إذا كان موضوعه مطروقا كثرت البحوث عنه، فعلى الطالب حينئذ أن يظهر مقدرته في تقدير المادة التي جمعها ليتمكن من الاختيار منها، فعملية الاختيار أو قل التصفية تتوقف قبل كل شيء على مقدرة الطالب على تقدير قيمة بضاعته ومادته ليأخذ بعضها ويدع بعضها الآخر، وبطبيعة الحال سيتدخل في تقدير قيمة المادة طرافتها، وعدم ذيوعها، ودقة المرجع الذي أخذت منه، وقبل كل شيء فائدتها لموضع البحث.

وليس من الحكمة أن نتجاهل صعوبة ترك بعض المادة وعدم الانتفاع بها في الرسالة، فالطالب كثيرا ما يتأثر بما بذل من جهد وما لاقى من عناء حينما كان يجمع هذه المادة، وهو لهذا يضن بها ألا يستعملها، ولكن على الطالب أن يتذكر أن حشر مادة غير ضرورية سيؤثر حتما في جمال الرسالة، وسيقلل من قيمتها، وعليه أن يدرك أن القيام بالبحث لا يكون لإنتاج الرسالة فقط، بل للتزود بثقافة رفيعة في موضوع تخصصه، فهو لا شك قد استفاد بما قرأ وبما جمع من مادة إن لم تكن لازمة في الرسالة فهي لازمة في حياته العملية وفي إنتاج أبحاث أخرى يقوم بها في دراساته في المستقبل.

وقد سبق أن أشرنا إلى حقيقة هامة هي أن الطالب يبدأ

ص: 108

دراسته وفي ذهنه فكرة غير واضحة تماما عن الموضوع، وهو في ضوء هذه الفكرة يجمع مادته من هنا ومن هناك، وفي ضوء معلوماته التي تتطور وتتعمق يحدث تغييرا في الخطة التي كان قد رسمها عند بدئه في العمل، وإحداث هذا التغيير يقتضي أن يصرف الطالب النظر عن بعض ما جمعه، وعلى هذا فترك بعض ما لديه من مادة شيء طبيعي.

وعملية الاختيار أو التصفية تستلزم أن يضع الطالب أمامه البطاقات التي بها مادة عن الباب أو الفصل الذي يريد كتابته، ويقوم بقراءتها ثانيا، وبالتفكير فيما احتوته، ثم يختار منها، ويكون رأيا ينساب في تسطيره تبعا لخطة ارتسمها ولترتيب اقترحه، ويجب أن يلاحظ الترتيب الزمني ملاحظة دقيقة فيما للزمن دخل فيه، ويجب كذلك أن تبرز شخصية الطالب في مقارنة النصوص بعضها ببعض، وفي التقديم لها، والربط بينها، والتعليق عليها، وعليه أن يبدل رأيه بين الحين والحين ليدل على حسن تفهمه لما أمامه من معلومات، وعلى أنه مؤثر فيها، متأثر بها، وحذار أن يكون متأثرا بها فحسب، فهو إذًا ناقل وليس بباحث ناقد خبير.

والطالب مسئول عن كل ما يورده في رسالته، ولا يعفيه من المسئولية أن يكون ما أورده قد أخذه عن شخص آخر

ص: 109

وإن كانت مكانته العلمية في القمة، إذ إن عليه ألا ينقل إلا ما اطمأنت نفسه هو إليه.

ويمكن للطالب أن يفتتح الباب أو الفصل الذي يكتب فيه بمقدمة قصيرة تبين النهج الذي سيتبعه في دراسته، وأهم من هذا أن يجعل في ختام كل باب موجزا يعرض فيه باختصارٍ النتائج التي وصل إليها، ويكون الطالب صريحا كل الصراحة في عرض هذه النتائج، فيعرضها نهائية إذا اعتقد أن فيها فصل الخطاب، أما إذا لم تكن نهائية في نظره فيعرضها على أنها نهاية ما استطاع الوصول إليه، ولا يتردد في إعلان أنها ليست القول الفصل وأنه يرجو في ضوء ما قدم من أبحاث، وفي ضوء ما قد يظهر من مادة، أن يتمكن هو أو سواه في المستقبل من متابعة البحث رجاء الوصول به إلى الغاية.

وقد اتبعت هذه الخطة في موقف مماثل، فقد حدث أن عثرت على مخطوط قصير لا يعرف له مؤلف ثم عثرت على مخطوط آخر في نفس الموضوع ومؤلفه معروف وبين الاثنين تشابه من بعض الجهات مما جعلني أرجح -لا أجزم- أن مؤلفهما واحد، أو أن أحدهما مأخوذ عن الآخر.

وحينما كنت أبحث نشأة "الكتاب" الذي كان الأطفال -ولا يزالون في بعض البلدان- يتعلمون فيه القرآن الكريم والمعلومات الأولية أوردت أقدم نصوص عثرت عليها عن

ص: 110

الكتاب، ورجحت أن يكون الكتاب نشأ حوالي ذلك التاريخ.

وإذا كان الطالب يريد أن يورد أدلة؛ ليدعم رأيا معينا؛ فإن عليه أن يبدأ بأبسط هذه الأدلة ثم يتبعه بآخر أقوى منه، وهكذا يتدرج في إبراز فكرته، حتى إذا ما نقل السامع أو القارئ من جانب المعارضة إلى جانب التشكك، ألقى بأقوى أدلته؛ لتصادف عقلا مترددا فتجذبه، وتنال تأييده.

وليحذر الطالب من الاستطراد؛ فإنه يفكك الموضوع ويذهب وحدته وانسجامه، وأقصد بالاستطراد هنا الاستطراد بكل أنواعه، بأن يضاف للرسالة باب ليس وثيق الصلة بها، أو يوضع في أحد الأبواب فصل ليس واضح العلاقة بغيره من الفصول، أو الاستطراد في ثنايا الحديث بإضافة فقرة أو فقرات أو جملة أو جمل لا يتطلبها الهدف الذي يحاول الطالب الوصول إليه، ويجب أن ننبه إلى أن مثل هذا الاستطراد قد يحدث قلقا وارتباكا للقارئ، وهو على أية حال يقطع لذاته التي ركزها في تتبع نقطة ما، وقطع هذه اللذة يغضبه، ويؤثر في مدى انقياده للباحث، وذلك ما يجب أن يتجنبه الطالب الذكي.

مظهر الكتابة والإضافات لما كتب:

ويكتب الطالب على أوراق مسطرة ذات هامش كبير على الجانب الأيمن، ويكتب على سطر ويترك سطرا، وتكون

ص: 111

الكتابة- على وجه واحد من الورقة، كما أن عليه أن يلاحظ أن يترك في أسفل كل صفحة المسافة المطلوبة لكتابة الحواشي والمراجح.

وقد يعنُّ للطالب أن يضيف جديدا في ثنايا ما انتهى من كتابته؛ فإذا كان هذا الجديد سطرا فأقل، كتبه على السطر الذي تركه بين كل سطرين مع وضع إشارة كهذه "×" لتحدد موضع هذه الإضافة، أما إذا زادت الإضافة عن سطر واتسع لها الهامش الجانبي فإنها توضع فيه بعد تحديد موضع الإضافة.

وهناك طريق آخر لإضافة الزيادات التي تحتاج لحوالي خمسة أسطر، وذلك هو وضع سهم يبدأ عند المكان الذي يراد وضع الزيادة به، ويمتد هذا السهم ليشير إلى ظهر الورقة، ثم توضع الزيادة بظهر الورقة، وعلى الباحث أن ينبه الكاتب على الآلة الكاتبة؛ ليلاحظ ذلك عند كتابة الرسالة على الآلة الكاتبة.

أما إذا تجاوزت الزيادة هذا القدر فهناك طريقة أخرى أتبعتها في رسالة الدكتوراه فوجدتها -على ما تحتاج إليه من جهد وعناية- أكثر وضوحا وجلاء وهي أن تكتب الإضافة التي تزيد على خمسة أسطر كتابة مستقلة على ورقة تكبر أو تصغر بحسب هذه الزيادة، ثم تقطع الورقة

ص: 112

الأصلية عند المكان الذي يراد إدماج الزيادة عنده، وتثبت هذه الورقة الجديدة في مكان المعلومات الجديدة بصمغ، أو بورق لصق يوضع على ظهر الورقة، وتظهر مهارة الطالب في جعل الأسلوب متسلسلا متصلا مع هذه الزيادة الجديدة، والورقة التي أضيفت لها الزيادة تطوى من أسفل حتى لا يظهر طولها، وأذكر أن المكتب الذي تولى كتابة رسالتي على الآلة الكاتبة بانجلترا امتدح هذه الطريقة كثيرا، وذكر أنها يسرت عمل العمال تيسيرا ملموسا.

وعلى العموم فإنه يحسن إلغاء الورقة إذا طالت بها الزيادة أو تعددت الزيادات، وإعادة كتابتها من جديد في ورقتين أو أكثر مع وضع الإضافة أو الإضافات في أماكنها؛ أما مسألة تعديل أرقام الصفحات بسبب هذه الزيادة فسيأتي الحديث عنها فيما بعد.

وعلى الطالب أن ينتقد عمله بلا هوادة كلما سار فيه، وأن يدرك أن خبرته بموضوعه واسعة، تؤهله أن يتعرف مواطن الضعف به، وأن يحاول دائما أن يكمل نفسه، وينبغي أن يدع جانبا ما انتهى من كتابته ثم يعود إليه بعد بضعة أيام وينظر فيه لا بالفكر الذي أملاه، بل بفكر الناقد له، الباحث عن السبل التي ترفع مستوى هذه الرسالة وتجعلها أقرب للكمال، سواء في خطتها، أو في معلوماتها، أو أسلوبها.

ص: 113

القواعد والأسلوب1:

سواء أكانت الرسالة في موضوع علمي أو أدبي لا بد من سلامة قواعد اللغة وقواعد الإملاء، وإذا لم يكن الطالب واثقا من صحة ما يكتب فلا بد له أن يرجع إلى من يجيد هذه القواعد؛ ليصحح ما قد يكون قد وقع في الرسالة من هفوات أو أخطاء، وليس من مهمة الأستاذ المشرف -طبعا- أن يقوم بهذا التصحيح، فمهمته أسمى من ذلك، كما أن هذه الأخطاء وإن كانت شكلية فهي معيبة جدا في الرسائل.

أما جمال الأسلوب فليست الحاجة ماسة إليه في الرسائل العلمية، كالرسائل التي كتبت في موضوعات الطب العلوم والهندسة بشرط أن يتوافر فيها الوضوح والجلاء، ولكن الرسائل التي تكتب في موضوعات أدبية يحسن أن تكتب بأسلوب جميل، ويجب أن يكون مفهوما أن الأسلوب الجميل

1 من أشهر الإنجليز الذين كتبوا عن ذلك الموضوع G.H. Vallins في كتابيه

The Making and Meaning of Words:

Good English: How to write it:

ووأبحاث Vallins نافعة جدا ويمكن الاستفادة بالكثير منها بالنسبة للغة العربية ولكن ذكرها هنا غير ممكن لأنها تخرج بنا عما نحن بصدده في هذا الكتاب.. ولذلك نكتفي بأن نقول أن Vallins قد أوضح أن اللغة كائن حي، وهي لذلك دائمة التغيير، فكلمات تختفي وأخرى تندثر، وكلمات تضعف وأخرى تنتشر، وتغير اللغة لا يظهر فقط في الكلمات بل في أشياء أخرى: كالقواعد الإملائية وترتيب الكلمات في جمل، وإذن فعلى حساسية الكاتب واستجابته للعصر الذي يعش فيه تتوقف جودة الكتابة، ويوضع Vallins الهدف الأسمى في الكتابة وهو أن يعبر الكاتب عما يدور في نفسه بأسلوب رقيق مبسط.

ص: 114

ليس معناه الزخرفة والألفاظ الغريبة، فهذا ما يجب أن يتحاشاه الطالب؛ لأنه يتنافي مع طبيعة الرسائل، تلك الطبيعة التي تدعو أن يكون هدف الكاتب والقارئ هو الناحية الفكرية، ولهذا فمعنى الأسلوب الجميل في الرسائل هو أن يعرف الطالب جيدا:

- كيف تختار الكلمات.

- كيف تنظم الكلمات في جمل.

- كيف تتكون من الجمل العبارات والمقالات.

وفيما يلي بعض ما ذكره الباحثون؛ ليساعد الطلاب في إيضاح هذه النقاط الثلاث:

الكلمات:

يجب أن يكون معجم الطالب في اللغة التي يكتب بها واسعا، بحيث يمده باللفظ التي يدور معناها في خلده، ثم يمده بألفاظ متعددة مترادفة للمعنى الواحد إذا كان هذا المعنى سيتكرر عدة مرات في مكان واحد.

وتستعمل الكلمات المعاصرة الواضحة، لا الكلمات القديمة، ولا الكلمات حديثة الظهور، هذا في الأسلوب العادي، أما في ظروف خاصة كأن يكون الطالب يكتب مثلا عن شاعر قديم أو شاعر حديث مجدد فلا مانع من اقتباس بعض الألفاظ التي استعملها الشاعر على ألا تكون نابية مبهمة، وليدرك أن التعقيدات اللفظية والكلمات

ص: 115

الغريبة تسبب جفاف الأسلوب وإجهاد القارئ، وتشبه قِطَعًا من الحجارة تلقى في طريق ممهد، فتعوق السائر عن المسير بيسر.

ولا تستعمل الكلمات أو العبارات الأجنبية إلا إذا كانت كلمات أو عبارات اصطلاحية "Technical Terms" وفيما عدا ذلك فتجنبها لازم في الوسائل.

الجمل:

تكتب الجملة بأقل ما يمكن من الألفاظ، وكلما استطعت أن تضع معنى في ثمانية كلمات فلا تضعه في عشرة.

ويسبق المبتدأ الخبر، أو الخبر المبتدأ، ويتقدم الفعل على الاسم أو يتقدم الاسم على الفعل؛ تبعا لأهميته أولا، وثانيا للتطابق بين الجملة التي أنت بصدد كتابتها، وما سبقها من جمل.

ويتحاشى الطالب الفواصل الطويلة بقدر الإمكان بين الفعل والفاعل وبين المبتدأ والخبر، بحيث يكون من السهل على القارئ أو السامع أن يدرك الارتباط بين شطري الجملة أو بين الكلمة ومعلقاتها.

والجمل القصيرة تفضل الجمل الطويلة بوجه عام.

الأسلوب:

السجع جميل إذا حدث من حين لآخر وجاء عفوا، والتزواج بين الجمل محبوب.

ص: 116

وينصح الطالب ألا يقتبس مشهور الشعر أو الأمثال.

ويلاحظ أن تكرار المعاني معيب للغاية، وأن الحديث عن نقطة في أكثر من مكان عيب كبير1.

ومن مظاهر الأسلوب الجميل الارتباط بين الجمل بأن تأخذ كل منها بعجز سابقتها؛ ومن مظاهر الأسلوب الجميل كذلك البساطة، فالتعقيد يقلل من قيمة الرسالة، ثم الإيجاز بحيث يحس القارئ أنه يجد جديدا كلما قرأ، فإذا اتضحت الفكرة التي يشرحها الطالب، فليتوقف عن أن يضيف سطرًا واحدا إليها، وينتقل بالقارئ إلى فكرة أخرى.

ومن المستحسن كلما انتهى الطالب من كتابة فصل ما، أن يقرأ بصوت مرتفع؛ ليزاوج بين الجمل، وليطمئن إلى انسجام العبارات، وحسن جرسها ورنينها.

وكلمة أسلوب يغلب أن تستعمل في اللغة العربية لتدل على رقة العبارة وتسلسلها، وعدم التعقيد فيها على ما مر، ولكن للأسلوب معنى آخر أعم يشمل خطة الرسالة، والبراعة في عرض المادة، وترتيب الفقرات، وإبراز النتائج،

10 في بعض الأحيان تشرح نقطة شرحا وافيا في مكانها الذي يجب أن ترد فيه، ثم يلزم أن يشار إليها إشارة سريعة في مكان آخر، ولا مانع من هذا، على أن يربط الكاتب بين الموضوعين بأن يذكر في المواضع غير الموضع غير الرئيسي عبارة مثل: كما سبق شرحه، أو كما سيأتي تفصيله، مع تحديد المكان الذي ورد التفصيل فيه بتعيين الصفحة أو الفصل كلما أمكن ذلك، ويكون التحديد بالهامش.

ص: 117

وكل ما من شأنه أن يؤثر تأثيرا قويا في قيمة الرسالة، والأسلوب بهذا المعنى يجب أن يلاحظ فيه الاعتبارات الآتية:

على الطالب ألا يكثر من إيراد براهين على مبادئ مسلم بها أو يمكن التسليم بها بسهولة؛ فمن الواجب أن تطرد قلة الأدلة أو كثرتها مع التسليم بالرأي أو الإمعان في مخالفته.

وعلي الطالب أن يتحاشى المبالغات، وأن يقصد كل ما يكتب، وقد حدث مرة أن كتب لي أحد الطلاب -وهو ينقد رأي ابن خلدون في ولاية العهد:"إن هذا الموضوع شائك، وقد كتبت فيه كتب كثيرة جدا"، فسألته أن يعدد لي بعض هذه الكتب التي وصفها بأنها كثيرة جدا، فتوقف ولم يجب، ويبدو أنه كتب "كثيرة جدًّا" دون أن يعنيها، وذلك وما يشبهه يجب ألا يقع فيه طالب الماجستير والدكتوراه.

ويتحاشى الطالب كذلك الأسلوب التهكمي وعبارات السخرية، فليس في الرسائل مجال لمثل هذا اللون من التعبير.

ويتجنب بقدر الإمكان كل ما سيفتح عليه بابا للخلاف، وهنا تبدو براعة الطالب الذي لا يحذف شيئا مهما ولا يتورط في الوقت نفسه في إثارة مشكلات يمكنه أن يفلت منها.

وحذار أن يجادل الطالب حبا في الجدل، فذلك أبعد ما يكون عن الروح العلمية التي ترمي -كما قلنا- إلى تبيان

ص: 118

الحقيقة، وعلى هذا إذا رأى أن الضرورة تقتضي مناقشة آراء الآخرين فليناقشها دون تهيب ودون مجاملة، ولكن بأدب جم، وعدل بعيد عن الهوى.

الضمائر:

أكثر الذين كتبوا في موضوع هذا الكتاب "كيف تكتب رسالة"، وتعرضوا للكلام عن ضمير المتكلم، ينصحون أن يتجنب الباحث ذكر هذا الضمير بكل أنواعه، سواء في ذلك ضمائر الرفع وضمائر النصب والجر، منفصلة أو متصلة، بارزة أو مستترة، للفرد أو للجماعة، وعلى هذا لا يقول: أنا، ونحن، وأرى، ونرى، وقد انتهيت في هذا الموضوع إلى

ورأيي، ونحو ذلك، ومثل ضمير المتكلم ضمير المخاطب.

وينصح هؤلاء الكتاب الباحث أيضا ألا يكثر من استعمال الأساليب الآتية:

ويرى الكاتب، والمؤلف لا يوافق.. والباحث يميل.. أما التعبيرات التي يجب أن تغلب على الأسلوب فهي مثل: ويبدو أنه

ويظهر مما سبق ذكره، ويتضح من ذلك، والمادة المعروفة عن هذا الموضوع تبرز.

هذا ما ذكره الكتاب الإنجليز الذين تعرضوا للكلام عن ضمير المتكلم والمخاطب، وهذا هو ما يتبعه الإنجليز في أسلوبهم، وما ينبغي أن يتبعه الذين يكتبون رسائلهم

ص: 119

بالإنجليزية كطلاب الطب والعلوم بالجامعات المصرية، وقد اتبعت ذلك إلى حد كبير في رسالتي التي كتبتها بالإنجليزية وحصلت بها على الدكتوراه من جامعة كمبردج، ولكني عندما بدأت أترجم هذه الرسالة للغة العربية، وجدت أنه لا غنى عن استعمال الضمائر في بعض الأحايين، ثم تناقشت مع بعض الأساتذة في ذلك، فاتفقنا على أن أسلوب اللغة العربية لا يتنافى مع هذه الضمائر على ألا يكثر استعمالها، وعلى أن تخلو من مظهر الفخر والاعتداد بالنفس.

وعلى هذا ينصح الذين يكتبون رسائلهم باللغة العربية ألا يكثروا من استعمال ضمير المتكلم والمخاطب، وأن يلاحظوا -إذا استعملوا ضمير المتكلم- التواضع والأدب الجم، فالحديث عن النفس غير محبوب غالبا للقارئ والسامع، ويتحاشى الطالب عبارات مثل: إن الأبحاث التي قمت بها تجعلني اعتقد

ولا أوافق هذا الكاتب على، لأني استطعت الحصول على مادة

وغير ذلك من الأساليب التي فيها مظاهر الإعجاب، وعلى الطالب أن يكون ماهرا في إبراز ما يريد بأسلوب سمح هادئ وأن يستعمل الأساليب التي سبقت الإشارة إليها مثل: ويبدو أنه.. ويتضح مما تجمع من مادة.

الفقرات:

الفقرة وحدة قائمة بذاتها لا تحتاج إلى عنوان، وهي

ص: 120

تكون مع غيرها من الواحدات "فصلا" مستقلا له عنوان، ومن مجموعة الفصول يتكون "الباب".

والفقرة مجموعة من الجمل بينها اتصال وثيق لإبراز معنى واحد أو لشرح حقيقة واحدة، وينبغي أن يلاحظ أن للفقرة استقلالا يمكن معه أن يطلق عليه أنها "بحث قصير" أو "بحث داخل بحث" ولهذا يجب أن تستوفى عناصر الاستقلال، وأن تؤدي إلى نتيجة واضحة، وأن تكون حول فكرة واحدة.

وللفقرة طول متوسط فلا ينبغي أن تكون طويلة جدا ولا قصيرة جدا، وإن كان قصرها مقبولا عن طولها.

وترتيب الفقرة ينبغي أن يكون متسلسلا ومنطقيا، تنبني كل جملة على ما قبلها وتمهد لما بعدها لإيضاح الفكرة التي يراد إبرازها.

وينبغي كذلك ملاحظة الصلة التي بين كل فقرة وأخرى بأن تحوى كل فقرة نوعا من الارتباط بالفقرة السابقة؛ إذ إن جميع الفقرات في الفصل تخدمه وتوضحه.

ومن حيث إن كل فقرة وحدة قائمة بذاتها، فينبغي أن يبرز ذلك للعين فضلا عن بروزه للعقل، ومعنى ذلك أن تظهر الفقرة مستقلة على الورق، فيبدأ الكاتب سطرا جديدا لكل فقرة، ويترك فراغا عند بدء ذلك السطر، ويضع نقطة عند انتهاء الفقرة، ويترك بين كل فقرتين فراغ أوسع

ص: 121

قليلا من الفراغ المتروك بين السطرين في الفقرة الواحدة، وذلك حتى تظهر الفقرة مستقلة بنفسها تمام الاستقلال، وهو ما اتبعناه في هذا الكتاب.

الاقتباس:

يعتبر الاقتباس من أهم المشكلات التي يجب على الباحث أن يدرسها بكامل العناية والاهتمام، ويدرس كل ما يحيط بها من ظروف على ما يلي:

1-

أول ما يوصى به الطالب أن يلاحظ ما سبق أن فصلناه عن ضرورة الدقة في اختيار المصادر التي يقتبس منها، بأن تكون مصادر أصلية في الموضوع جهد الطاقة، وأن يكون مؤلفوها ممن يعتمد عليهم، ويوثق بهم.

2-

ثم يجيء بعد ذلك أن يلاحظ الطالب الدقة التامة في النقل، ويضع ما يقتبس بين شولات، وإذا كان الاقتباس لأكثر من فقرة يجب أن توضع شولتان قبل بدء كل فقرة، ولكن الفقرة الأخيرة فقط هي التي تختم بشولتين، ويشار في الحاشية إلى المرجع الذي اقتبس منه.

3-

ولا بد من حسن الانسجام بين ما اقتبس وما قبله وما بعده بحيث لا يبدو أي تنافر في السياق.

4-

ويجب ألا تختفي شخصية الباحث بين ثنايا كثرة الاقتباسات، وألا تكون الرسالة سلسلة اقتباسات متتالية،

ص: 122

كما يجب أن تنسق الاقتباسات تنسيقا بديعا، وألا توضع خالية من التقديم والمقارنة والتعليق، حسب الظروف.

5-

أما عن طول الاقتباس في الرسالة فقد وضع الباحثون له نظاما يلخص فيما يلي:

إذا لم يتجاوز طول الاقتباس ستة أسطر فإنه يوضع كجزء من الرسالة ولكن بين شولات "

" فإذا تجاوز ستة أسطر إلى صفحة فإنه حينئذ لا يحتاج إلى شولات، ولكنه يوضع مميزا بأن يترك فراغ أوسع بين الاقتباس وبين آخر سطر قبله وأول سطر بعده، وبحيث يكون الهامش على يمين الاقتباس وعن شماله أوسع من الهامش الأبيض المتبع في بقية الرسالة، وأن يكون الفراغ بين سطوره أضيق من الفراغ بين السطور العادية "مسافة واحدة في حالة الآلة الكاتبة، وفي حال الطبع يكون بنط الحرف الذي يجمع به الاقتباس أصغر قليلا من بنط الحرف الذي جمع به الكتاب"، وقد مرت أمثلة في هذا الكتاب طبقت فيها جميع هذه الإرشادات1، فإذا تجاوز ما يراد اقتباسه عن صفحة فإنه لا يجوز حنئذ الاقتباس الحرفي، بل يصوغ الكاتب المعنى في أسلوبه الخاص ويشير في الحاشية إلى ما يفيد أن هذا المعنى -لا الألفاظ- قد اقتبس من مرجع كذا، كأن يقول: انظر كتاب معجم البلدان لياقوت جـ2 ص225 وما بعدها.

1 انظر الصفحات: 84 و85.

ص: 123

6-

الاقتباس لا يكون من الكتب والمجلات فحسب؛ بل يكون أيضا من المحاضرات أو من محادثات علمية شفوية.. ولكن يجب حنيئذ استئذان صاحب الرأي ما دام هذا الاقتباس لم يصبح عاما بنشره للجماهير في كتاب أو مقال.

7-

وإذا كان الطالب يريد اقتباس رأي لمؤلف ما ليناقشه، فعليه أن يتأكد من أن هذا المؤلف لم يعدل عن هذا الرأي فيما نشر بعد ذلك من أبحاث، أو في الطبعات الحديثة للكتاب.

8-

ويجوز أن يحذف الطالب من الفقرة التي يقتبسها كلمة أو جملة لا يحتاج إليها في بحثه على ألا يضر الحذف بالمعنى الذي يريده الكاتب الأصلي، وفي حالة الحذف يجب أن توضع نقط أفقية متتابعة في موضع الحذف، مثل

فإذا اقتبس الطالب فقرة كاملة ثم ترك فقرة، وعاد يقتبس مرة أخرى، فالدلالة على ما حذف تكون بوضع سطر تام مستقل من النقط.

9-

وفي بعض الحالات يضطر الطالب أن يضيف كلمة أو كلمات في أثناء الاقتباس؛ ليشرع شيئا أو ليبين مرجع ضمير أو نحو ذلك، ولا بد إذن أن توضع هذه الزيادات داخل علامتين مثل [] .

التفريع:

يكون الطالب ماهرا إذا استطاع أن يتتبع طريقا واضحا

ص: 124

منظما كلما استدعته دراسته أن يفرع فروعا متعددة لأصل واحد، وهذه المسألة الشكلية ذات قيمة كبيرة في الرسائل وفي الكتابة على العموم، فإذا قسم الطالب مسألة ثلاثة أقسام مثلا، ثم قسم أحد هذه الأقسام إلى فرعين، وهكذا، فيجب:

أولا: أن تبدأ أسطر الفروع داخلة قليلا عن بدء أسطر الأصول.

ثانيا: أن توضع الأسطر ذات الرتبة الواحدة أحدها تحت الآخر بكل ضبط وعناية.

ثالثا: أن يلاحظ الدقة في الأرقام أو الحروف التي يضعها للتعريف بالأقسام والفروع.

وفيما يلي مثال ذلك:

والموارد الإسلامية التي رتبت لسد المصالح العامة هي:

أولا: الزكاة، وتجب في:

أ- النقد.

ب- عروض التجارة.

جـ- السوائم، وتشمل السوائم ما يلي:

1-

الإبل على ألا تقل عن خمسة.

2-

البقر على ألا تقل عن ثلاثين.

ص: 125

3-

الغنم على ألا تقل عن أربعين.

د- ما ضرب على الأرض التي يملكها المسلمون ويشمل ذلك:

1-

العشر وهو على الأرض التي سقيت بماء السماء.

2-

نصف العشر وهو على الأرض التي سقيت بالآلات.

ثانيا: الجزية وهي الضريبة على الأشخاص..

ثالثا: العشور وهي الرسوم التي تؤخذ على الورادات إلى البلاد الإسلامية.

رابعا: الخراج وهو ضريبة الأرض الزراعية التي يملكها بيت مال المسلمين.

خامسا: خمس الغنائم، وخمس ما يعثر عليه من الركائز والمعادن.

سادسا: تركة من لا وارث له.

الألقاب:

إذا أشار الباحث في رسالته إلى شخص ما، فالقاعدة العامة أن يذكر اسمه بدون ذكر لقبه أو الوظيفة التي يشغلها، فيقول: ويرى ابن الأثير، ويميل طه حسين، ويؤيد جولد زيهر رأيه

وهكذا، أما استعمال دكتور، أستاذ،

ص: 126

عميد، وزير، وغيرها من الألقاب والوظائف فليس استعمالا صحيحا في الرسائل.

ولكن هناك بعض حالات يكون ذكر الألقاب والوظائف فيها ضروريا، وذلك في حالة ما إذا كان للقب أو الوظيفة صلة خاصة بالفكرة التي يتحدث عنها الكاتب، وحينئذ يذكر اللقب أو تذكر الوظيفة دون أن يكون القصد تكريم الشخص بل الإيضاح ودعم الرأي، مثال ذلك أن تتحدث عن "الباشا" أو "الولي" في تاريخ الدول العربية تحت سلطة العثمانيين، فإن ذلك اللقب وهذه الوظيفة يشيران إلى النفوذ والظلم والاستبداد، وكأن تقول -في حديثك عن الشيعة- إن من رأي فلان زعيم الإسماعيلية في الهند أو زعيم الشيعة في النجف.. فإن لهذه المكانة أهمية خاصة في دعم الآراء الإسماعيلية الشيعية، ولهذا إذا تحدثت عن الوالي حديثا بعيدا عن وظيفته كأن كنت تتحدث عنه كأديب أو مؤرخ مثلا، فإك تذكر اسمه دون أن تضيف له لقب "الباشا" أو وظيفة "الوالي" وكذلك الحال في زعيم الإسماعيلية أو الشيعة إذا تحدثت عنه في غير ما يتصل بهذا المنصب.

ويجب أن يكون مفهوما أن حذف الألقاب ليس معناه عدم التقدير، فالتقدير شيء وهذه الألقاب شيء آخر، وليس الطبيعي أن نذكر اسم ابن المقفع والمعرى والمتنبي وابن الأثير بدون ألقاب ثم نقول أمير الشعراء أحمد شوقي وعميد الأدب

ص: 127

العربي الدكتور طه حسين مع ما نكنه لشوقي ولطه حسين من الإجلال والاحترام.

هذا ويستثنى ثلاثة مواضع تذكر فيها الألقاب أو الوظائف وهي:

1-

عند ذكر مصادر الرسالة فإن اسم المؤلف يذكر مع ألقابه.

2-

في التقدير والاعتراف: إذ تذكر الألقاب مع أسماء من تفضلوا بالمساعدة وتقديم العون للكاتب، كما تذكر الوظائف كأن تقول: فلان مدير مكتبة الجامعة يستحق كل تقدير وشكر لما قدم من تسهيلات.

3-

أن يكون الشخص الذي تناقش رأيه أو تقتبس منه شخصا غير مشهور في محيط المادة التي تدرسها، فلا مانع حينئذ أن تقدمه للقارئ كأن تقول فلان أستاذ الأدب العربي القديم أو نحو ذلك؛ ليشاركك القارئ رأيك أنه يستحق أن تقتبس منه أو تناقشه، ولكن هذا التعريف يجب أن يكون في الحاشية لا في صلب البحث، وعلى هذا فالباحث في الدراسات الإسلامية يمكنه أن يذكر الأسماء الآتية ألقاب ودون أن يعرف بأصحابها:

رتيشارد كوك-بروان-جولد زيهر-آدم متز-فيليب حتى-جب-أحمد أمين-طه حسين.

ص: 128

تلك هي القاعدة العامة كما صورتها المراجع الإنجيليزية وكما يفعل الإنجليز، غير أن ذلك لا يبدو مقبولا على هذا النحو في أساليبنا العربية وتقاليدنا الشرقية، فلعله من غير المستساغ أن نقول: ويرى حسن إبراهيم بدون أن نقول: الدكتور، ولهذا أميل إلى أن الطالب العربي ينبغي أن يذكر اللقب العلمي، أما الألقاب الأخرى مثل: السيد، الوزير، العميد، وما شابهها فليس في الرسالة مجال لها، كما ينبغي للطالب العربي أن يبتعد كل البعد عن ذكر عبارات كالعبارات الآتية:

أستاذنا الكبير، العالم الجليل، العلامة، فأمثال ذلك يجب أن تخلو الرسالة منه.

وعلى كل حال فكلما استطعت -في الأبحاث العلمية- أن تذكر الاسم بدون الألقاب كلما كان ذلك أكرم لصاحب الاسم وأرفع لقدره.

الاختصارات:

جرى المؤلفون والكتاب على اختصار كلمات خاصة يكثر تكرارها في المؤلفات أو في الرسائل؛ وفي كل مادة من المواد كلمات أو جمل تتردد كثيرا، وقد اصطلح العرف على قبول اختصارها، وعلى أن الرمز يؤدي مؤداها، وهذا النوع من الاختصارات نتركه لعلماء كل مادة، ولا يجوز للكاتب أن يختصر ما لم يجر العرف والاتفاق على اختصاره.

ص: 129

أما عن الاختصارات العامة فإنني أورد أشهرها فيما يلي:

ق م= قبل الميلاد.

م= التاريخ الميلادي.

هـ= التاريخ الهجري.

"ص"= صلى الله عليه وسلم "وأفضل أن تكتب الجملة كاملة".

جـ= جزء.

ص: صفحة "يستعمل الاختصار في الحاشية فقط".

وهناك اختصارات تتعلق بالمراجع الأجنبية وسيأتي الحديث عنها عند الكلام على الحاشية "الهامش".

علامات الترقيم والشكل:

علامات الترقيم يتوقف الفهم عليها أحيانا، وهي دائما تعين مواقع الفصل والوصل، وتنبه على المواضع التي ينبغي فيها تغيير النبرات الصوتية، وتسهل الفهم والإدراك عند سماع الكلام ملفوظا، أو قراءته مكتوبا.

من أجل هذا تعتبر علامات الترقيم ضرورية في الكتابة الفنية في العصر الحديث، وإذا كان بعض الكتاب لا يعطيها الأهمية الكافية في الكتب والمقالات، فهي في الرسائل ضرورية، وعلى الطالب أن يلاحظها تماما.

ص: 130

ومثل علامات الترقيم، قواعد الإملاء، فيجب أن يعرف الباحث هذه القواعد، ومن العيب أن يوجد في الرسالة خطأ إملائي، والخطأ الإملائي يشبه الخطأ في حروف الكلمات الإنجليزية "Spelling" وهو شيء لا يقبله الإنجليز أبدًا.

ولما كانت علامات الترقيم وقواعد الإملاء لم تنل ما تستحقه من المعلمين ولا من المؤلفين، فقد رأيت أن أورد موجزا عن علامات الترقيم في الملحق رقم "1" بآخر هذا الكتاب، وأن أورد موجزا آخر عن قواعد الإملاء بالمحلق رقم "3".

وبمناسبة الكلام عن علامات الترقيم يجدر بنا أن نذكر أن الكتابة باللغة العربية تحتاج إلى شيء آخر لا يقل أهمية عن علامات الترقيم، ذلك هو الشكل، فكثير من الكلمات العربية تحتاج إلى الشكل لإزالة اللبس وتيسير القراءة، وعلى الطالب أن يقرأ رسالته بعد كتابتها بصوت مرتفع، أو يطلب من غيره قراءتها أمامه؛ ليتعرف على الكلمات التي سيتردد القارئ في نطقها نطقا صحيحا، ليسرع إلى تشكيلها، وسيجد أن الفعل المبني للمجهول من أهم هذه الكلمات، وكذلك سيجد كلمات كثيرة يزيدها الشكل وضوحا وجلاء مثل: يكون، يكوِّن، والكتاب، الكتَّاب، يُعين، يعيِّن، يَعِنُّ، ولُبس ولَبْس، وغَزَل، غزْل، وغيرها، ومن الحالات التي قد يحسن وضع الشكل فيها أن يقدِّم الكاتبُ المفعول

ص: 131

على الفاعل، أو أن يورد الطالب كلمات نطقها الصحيح غير مشهور، وقد اجتمعت هاتان في قول الشاعر:

اعتاد هذا القلبَ بلبالُه

أن قُرِّبَت للبين أجمالُه

وعلى الطالب ألا يبالغ في استعمال الشكل فلا يشكل إلا ما يحتاج إلى إيضاح، ثم عليه أن يقتصد في شكل الكلمة المبهمة، بأن يشكل منها الحرف الذي سيجعل قراءتها أيسر، ولا يتعدى هذا الحرف إلى ما سواه، والآلة الكاتبة العربية تحوى الشدة "ّ" ولهذا فالكاتب على الآلة الكاتبة يمكنه أن يضعها في مكانها إذا وضعها الطالب على النسخة التي يسلمها للكاتب وطلب إليه مراعاة ذلك، أما غير الشدة كالفتحة والضمة والكسر فيضعها الطالب بنفسه مستعملا قلما رفيعا وحبرا لا يختلف لونه عن لون الحبر الذي استعمل في شريط الآلة الكاتبة، وقد راعيت في هذا الكتاب أن استعمل الشكل على النحو المطلوب في الرسائل؛ ليكون هذا الكتاب نموذجا للباحث.

ولا يقوم الطالب باستعمال علامات الترقيم أو الشكل ليهدي ممتحنه إلى طريق الصواب؛ فإن ثقافة الممتحن ستقوده حتما إلى هذا الطريق، ولكن الطالب يقوم بذلك؛ ليكون عمله أقرب إلى الكمال، وليدل على أنه عالج الموضوع من جميع النواحي، علمية كانت أو منهجية أو شكلية.

ص: 132

الحاشية: "Footnote Refereces"

ثلاثة أشياء رئيسية تذكر في الحاشية، وهي:

1-

الإشارة إلى المرجع الذي استقى منه الطالب مادته، سواء أكان ذلك المرجع مطبوعا أو مخطوطا أو محاضرة أو مشافهة، ويثبت الطالب مراجعة في الحاشية اعترافا بالفضل لهؤلاء الذين انتفع بجهودهم واقتبس منهم، وليدل على أنه اطلع واستوعب في دراسته المراجع المهمة التي تتصل برسالته، وبنى على ما ورد فيها دراسته ونتائجه، ثم ليتيح للقارئ فرصة القيام بدراسة أوسع في هدي هذه المراجع إذا أراد.

2-

إيضاحات تورد أحيانا لتفصيل مجمل ورد في صلب الرسالة أو لتحقيق موضع أو نحو ذلك، ولا يمكن إثبات هذه الإيضاحات في صلب الرسالة؛ لأنها غير أسياسية فيها، فلو وردت بها لقطعت اتساق الرسالة وتسلسلها، فالقاعدة حينئذ أن تبعد هذه الإيضاحات عن صلب الرسالة وتوضع في الملاحق إذا كانت طويلة1، فإذا كانت قصيرة وضعت في الحاشية، ولكن ينيغي ألا يكون الدليل عليها رقما عاديا كالذي يوضع عند الإشارة للمصدر، بل تميز أمثال هذه الإيضاحات بعلامة كالنجمة مثلا1 فإذا ورد إيضاح ثانٍ على نفس الصفحة كانت الإشارة له نجمتين2 وهكذا، وكذلك تستعمل النجوم بدل الأرقام إذا كان مكانها فوق عنوان من العناوين2.

1 سيأتي تفصيل ذلك عند الكلام عن حجم الرسالة ص155.

2 انظر النجمة وتكرارها ص77.

ص: 133

3-

أن تحيل القارئ إلى مكان آخر من الرسالة وضحت به نقطة ما، أو أوردت به تفاصيل عنها؛ وذلك لتتحاشى إعادتها إذا ورد لها ذكر مرة ثانية.

وهناك طرق ثلاث للترقيم بالهامش:

1-

أهم هذه الطرق وأسهلها وأكثرها شيوعا هو وضع أرقام مستقلة لكل صفحة على حدة، وهي تبدأ من رقم "1"، وتوضع في أسفل كل صفحة هوامشها، وسهولة هذه الطريقة واضحة فكل صفحة مستقلة بأرقامها ومراجعها وكل ما يتصل بها، ومن السهل في هذه الحالة أن تحذف رقما أو تضيف بها، ومن السهل في هذه الحالة أن تحذف رقما أو تضيف آخر بدون احتياج إلى إحداث أي تغيير في هوامش الصفحات الأخرى.

2-

إعطاء رقم مسلسل متصل لكل فصل على حدة ويبدأ أيضا من "1" ويستمر إلى نهاية الفصل، وإحداث أي تغيير بالحذف أو بالإضافة في الأرقام يستلزم تغيير ما بعده حتى نهاية الفصل وتوضع في أسفل كل صفحة هوامشها أو تجمع الهوامش كلها لتوضع في نهاية الفصل.

3-

إعطاء رقم مسلسل متصل للرسالة كلها ويبدأ من "1" كذلك ويستمر إلى نهاية الرسالة، وإحداث أي تغيير بالحذف أو بالإضافة في الأرقام هنا يستلزم تغيير ما بعده حتى نهاية الرسالة وتوضع في أسفل كل صفحة هوامشها، أو تجمع الهوامش كلها لتوضع في نهاية الرسالة.

ص: 134

والرقم الذي يوضع في الصلب يوضع مرتفعا قليلا عن السطر، ولا توضع نقطة بعده، وهو يتلو اسم المؤلف إذا ذكر الاسم، فإذا لم يذكر واقتبس كلامه بدون ذكر اسمه، فإن الرقم يوضع عند نهاية الجمل المقتبسة.

وفي حالة الطبع توضع هذه الأرقام بين قوسين، أما في حالة الكتابة على الآلة الكاتبة فإنها لا توضع بين قوسين إلا إذا كانت الدراسة رياضية يخشى فيها أن يلتبس الرقم الذي يوضع للهامش بالأرقام الموجدة في صلب الرسالة للدراسة، ويمكن في هذه الحالة أن يستبدل بالرقم علامات أخرى مثل أب جـ د.

ويفصل صلب الرسالة عن الهوامش بخط أفقي يكون بينه وبين صلب الرسالة مسافة واحدة، وتتلوه الهوامش على بعد مسافة واحدة أيضا، وكذلك يفصل بين كل سطرين بالهامش بمسافة واحدة، والرقم الموضوع في الهامش يوضع محاذيا للسطر ولا يرتفع عنه، وتوضع شرطة بعد كل رقم، وتوضع الأرقام أحدها تحت الآخر بمحاذاة تامة، ثم توضع المراجع أو المعلومات بعضها تحت بعض مع مراعاة المحاذاة التامة أيضا كالآتي:

1-

ابن خلكان: وفيات الأعيان جـ2 ص127.

2 السبكي: طبقات الشافعية الكبرى جـ3 ص123.

ص: 135

3-

وإذا اشترك في تأليف الكتاب اثنان أو ثلاثة فينبغي أن تذكر أسماء الجميع مثل:

حامد عبد القادر، ومحمد عطية الإبراشي، ومحمد مظهر سعيد: في علم النفس جـ2 ص75.

4-

وإذا اشترك في تأليف الكتاب أكثر من ثلاثة ذكر اسم من اشتهرت صلة الكتاب به أكثر من سواه وأضيفت كلمة "وآخرون" بعد هذا الاسم مثل:

أحمد الإسكندري وآخرون: المنتخب من أدب العرب جـ1 ص94.

5-

وإذا كان المؤلف غير معروف كتب الهامش كما يلي: منهاج المتعلم "مجهول المؤلف" ص84.

6-

وإذا ذكر اسم المؤلف في صلب الرسالة فلا داعي لإعادة الاسم في الهامش بل يذكر عنوان الكتاب فقط: كأن يراد في صلب الرسالة عبارة مثل: قال ياقوت

فالهامش يكون كالآتي:

معجم البلدان جـ6 ص174.

7-

فإذا ورد اسم المؤلف وعنوان الكتاب في صلب الرسالة فلا داعي لإعادة أي منهما، فإذا قيل: وفي رحلة ابن جبير ما يشير إلى أن

كان الهامش كالآتي:

ص65.

ص: 136

8-

وإذا كان الاقتباس من ترجمة وليس من الأصل؛ لأن الطالب لا يعرف اللغة الأصلية التي كتب بها الكتاب أو لم يستطع الحصول عليه، كان الهامش كالآتي:

آدم متز: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري جـ1 ص192 من الترجمة العربية لمحمد عبد الهادي أبو ريدة.

9-

وإذا كان الاقتباس ليس من الأصل بل من كتاب اقتبس منه لتعذر الحصول على الأصل كان الهامش كالآتي:

سبط بن الجوزي: مرآة الزمان جـ8 ص227.

اقتبسه جرجيس عواد في كتابه "خزائن الكتب القديمة في العراق" ص155.

10-

وإذا كان الاقتباس من مجلة أو صحيفة، فإن الإشارة يجب أن تشمل عنوان المقال واسم مؤلفه واسم المجلة ورقم العدد وتاريخه مثل:

تحف جديدة من الخزف الفاطمي ذي البريق المعدني؛ بحث للدكتور زكي حسن نشر بمجلة كلية الآداب: المجلد الثالث عشر، الجزء الثاني "ديسمبر سنة 1951" انظر صفحة 91، ما بعدها.

11-

وإذا كان المرجع مخطوطا لم ينشر نبه إلى كونه مخطوطا وذكر المخطوط ومكانه ورقمه مثل:

ص: 137

ابن حجر: رفع الإصر عن قضاة مصر ص295، مخطوط: دار الكتب المصرية رقم 105 تاريخ.

12-

وقد يعتمد الكاتب على محادثة شفوية أو محاضرة، والإشارة إليها حينئذ تكون هكذا:

أغا بزرج: حديث شخصي "نوفمبر 1950" أذن بالإشارة إليه.

13-

أو:

الدكتور إبراهيم مدكور: محاضرة عامة بتاريخ

أذن بالإشارة إليها.

14-

وإذا تكرر مرجع في نفس الصفحة بدون فاصل فإنه يذكر في المرة الأولى كاملا، وفي المرة الثانية يذكر هكذا:

نفس المرجع ص85.

15-

وإذا كان التكرار لمرجع أجنبي دون فاصل أيضا أشير إليه هكذا: ibid p. 18

16-

وإذا وجد فاصل واحد ففي حالة المرجع العربي تكون الإشارة.

السيوطي: المرجع السابق ص62.

17-

وفي حالة المرجع الأجنبي تكون الإشارة: Op. Cit' p. 27

ص: 138

Op. cit=Opero citato=In the work cited

18-

وإذا كان الاقتباس الثاني من نفس الجزء والصفحة ففي حالة المرجع العربي تكون الإشارة:

نفس المكان.

19-

وفي حالة المرجع الأجنبي تكون الإشارة:

Loc cit.=loco citato=In the place cited

20-

وليس من الضروري أن يذكر اسم المؤلف وعنوان الكتاب كاملا ما دام ذلك معروفا مثل:

الصابي: تاريخ الوزراء ص78، بدلا من:

أبو الحسن: الهلال بن المحسن بن إبراهيم الصابي: تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء ص78.

21-

ومثل:

Coke R. Baghdad p. 13

بدلا من:

Richard Coke: Baghdad: The City of Peace p. 13

22-

وفي المراجع الأجنبية يشار إلى الجزء بـ Vol وهي اختصار Volume، وإلى الصفحة بـ p. وهي اختصار page.

ص: 139

23-

وإذا كان الطالب يشير إلى عدة صفحات متتابعة جاز -طبعا- أن يعيد رقمي الصفحتين كاملين مثل

صفحات 214-219 وهكذا، ولكن هناك طريق للاختصار في كتابة الرقم الثاني كالآتي:

أولا: لا اختصار في كتابة الرقم الثاني إذا كان مكونا من رقمين فقط مثل:

صفحات 52-57.

ثانيا: إذا تعدى الرقم إلى المئات أو إلى الآلاف يكفي أن يكون التغيير في رقمي الآحاد والعشرات فقط مثل:

صفحات 327-29 بدلا من 327-329 ومثل:

صفحات 1375-77 إلا إذا كان هناك تغيير في رقم المئات، أو الآلاف فيغيران طبعا مثل 598-601 وإلا إذا كان هناك صفران يشغلان الآحاد والعشرات، فيعاد معهما المئات مثل: 600-604 وكذلك إذا كان هناك صفر في المئات أيضا فيعاد رقم الآلاف مثل 1000-1003.

ويجوز في كل هذه الأحوال أن يقال ص327 وما بعدها وهكذا.

24-

وإذا تعددت الصفحات في المراجع الأجنبية كانت الإشارة هكذا:

19-

17. PP أي من ص17 إلى ص19

PP. 17 F أي ص17 والصفحة التالية لها

PP. 17 FF أي ص17 والصفحات التالية لها

ص: 140

25-

وإذا كان يشير إلى شيء مشهور يرد ذكره كثيرا في أمكنة متعدة في كتاب، فيجوز ألا يذكر صفحة أو صفحات محددة وأن يكتفي بأن تكون الإشارة هكذا:

السيوطي: تاريخ الخلفاء في أمكنة متعددة.

26-

فإذاكان المرجع أجنبيا استعمل الكلمة اللاتينية ومعناها: هنا وهناك، هكذا: Passim

Browne E، G، A Literary History of Persia، Passim

27-

وإذا أورد جدولا واحتاج الجدول إلى إشارة في الحاشية وجب أن توضع الإشارة على نفس الورقة التي بها الجدول، وهكذا إذا كان الجدول مكونا من ورقة من حجم طويل أو من عدة ورقات ملتصقة ويتبعه إشارة أو إشارات، فمكان الإشارة هو نهاية الجدول على أية حال.

وقد وضح من الأمثلة السابقة أنه لا داعي لأن يذكر في الهامش مكان طبع المرجع وتاريخه، ما دامت هذه التفاصيل سترد في قائمة المراجع التي ستذكر في آخر الكتاب.

وإذا لم يكف سطر واحد لذكر المعلومات فتكمل في سطر ثان.. ولكن يبدأ السطر الثاني -لا تحت الأرقام- بل تحت المعلومات ويترك ما تحت الأرقام فراغا.

استعمال الأرقام في صلب الرسالة:

وضع الباحثون نظاما لاستعمال الأرقام في الرسائل،

ص: 141

وفحوى ذلك النظام أن الرقم الذي لا يحتاج الطالب في التعبير عنه إلى أكثر من ثلاث كلمات ينبغي أن يكتب بالكلمات مثل: ألفان، مائة وثلاثون، مائة وثلاثة وأربعون، أما إذا احتيج في التعبير عنه إلى أكثر من ثلاث كلمات فتستعمل الأرقام مثل 1465.

وهناك أشياء اصطلح على كتابتها بالأرقام دائما للتيسير وهي: الرقم الذي يشير إلى مبلغ من المال، ورقم المنزل بالشارع، ورقم الهاتف "التليفون"، ورقم الصفحات في الكتب، والنسبة المئوية، والتاريخ، والأرقام التي توضع للجداول والصور والرسوم.

وهناك حالة يجب أن يكتب فيها العدد بالحروف وإن احتيج في التعبير عنه إلى أكثر من ثلاث كلمات، وذلك فيما إذا وقع ذلك العدد في أول الجملة، كأن تقول: ألف وثلاثمائة وأربعة وعشرون شخصا كانوا ضحية هذا الزلزال المروع، على أن الطالب يوصى بتجنب استعمال هذا الأسلوب أو التقليل منه كلما أمكن ذلك.

وفي حالة الأرقام التي تزيد على ثلاثة يوصى الطالب بوضع شرطة بعد كل ثلاثة أرقام من جهة اليمين مثل 2.573 ومثل 26.453.792.

ويكتب الكسر بالحروف إذا كان وحده كأن تقول: وسار نصف الجيش، وكذلك إذا كان مع عدد مفرد مثل: أربعة أمتار وربع، أما ما عدا فيكتب بالأرقام مثل 16.5.

ص: 142

الجداول:

يلجأ الطلاب كثيرا إلى الجداول لإيضاح نقطة من نقاط البحث، أو لإبراز فكرة مهمة يجعلها الجدول مركزة قوية ناطقة، مثال ذلك أن يتحدث الطالب عن اضطراب الوزارة في عهد الخليفة المستنصر الفاطمي بمصر، ذلك الاضطراب الذي أدى إلى كثرة تغيير الوزراء ولم يدع لأي منهم فرصة للبقاء في منصبه وقتا طويلا، ثم يحصي الطالب وزراء هذا الخليفة، ويرتبهم في جدول، مبينا تاريخ تولية كل وزير، ونهاية عهده، ومدة بقائه في وظيفته.

ومن ذلك يلاحظ أن الجدول يقسم إلى أعمدة منظمة، يشير كل منها إلى فكرة واحدة تخدم الحقيقة التي وضع الجدول من أجلها، فيحوي عمود أسماء الوزراء، وآخر تاريخ تولية كل منهم، وثالث تاريخ نهاية عهده، ورابع المدة، وهكذا.

ويكون للجدول تقديم في السطور السابقة له مباشرة كأن يقال: واستدعى هذا الاضطرب تغيير الوزراء من حين لآخر، وعجز هؤلاء عن تأدية أعمالهم، وما كان الواحد منهم يكاد يستقر في مكانه حتى يعزل، ونتج عن ذلك أن شغل هذا المنصب كثيرون من الوزراء في هذه الفترة، كما يبدو من الجدول الآتي:

ص: 143

ولا بد أن تكون أعمدة الجدول في صفحة واحدة مع طول صفحة الرسالة أو مع عرضها، فإذا لم يتسع طولها، أو عرضها لكل الأعمدة فمن الضروري أن يؤتى بورقة من حجم أوسع، أو تلصق ورقتان أو ورقات حتى تكون صفحة للأعمدة كلها، أي للمعلومات العريضة، أما المعلومات الزمينة بالجدول فإنه يجوز كتابتها في أكثر من صفحة إذا لم تتسع صفحة واحدة لها، فإذا أثبت جدولا عن اطراد نمو ميزانية هيئات التعليم الحكومية بمصر من سنة إلى أخرى خلال النصف الأول من القرن العشرين، فإنك تضع عمودا للسنة التي تتحدث عنها، وآخر لميزانية وزارة التربية، وثالثا لميزانية كلية البوليس، ورابعا لميزانية الكلية الحربية، وخامسا لميزانية الجامعات.. وعمودا عن مجموع النفقات على هذه الهيئات، وربما أضفت عمودا آخر لتبين نسبتها إلى ميزانية الدولة

وكل هذه الأعمدة يجب أن توضع على

ص: 144

صفحة واحدة مهما كان عرضها، أما من الناحية الزمنية فإنه يجوز أن نضع على الصفحة الأولى المعلومات والأرقام عن السنين العشرة الأولى من هذا القرن، وعلى الصفحة الثانية المعلومات والأرقام عن السنين العشرة الثانية منه، وهكذا.

وهذا وضع الجدول في صفحة أو صفحات مستقلة فإن التقديم له يكون على الصفحة السابقة له كأن تقول: وزاد إقبال الناس على التعليم في مصر، ورحبت الحكومة بهذا الإقبال، فأكثرت من فتح المدارس وإنشاء الجامعات، وغذت ميزانية الدولة هذه النهضة بالمال الوفير الذي أخذ يزيد من عام إلى آخر "الجدول رقم

".

أو صفحات مستقلة فإنه يأخذ رقما ويأخذ مع الرقم عنوانا يبين خصائه كما يلي:

جدول رقم6

بيان ميزانية هيئات التعليم الحكومية بمصر من سنة 1900 إلى سنة 1950

"ويجيء الجدول بعد ذلك"

ويستلزم الجدول دقة تامة حتى يكون صورة صادقة مرتبة دون خلل أو اضطراب وتكثر الجداول كلما كثر استعمال الأرقام بالرسالة؛ لأن وضع الأرقام أحدها تحت

ص: 145

الآخر يبرز المقارنة بينها، ويعلن عن الغاية التي رمي الباحث إليها.

الرسم البياني:

يريد الطالب أحيانا أن يصل إلى القمة في إبراز تطور ملموس في حالة من الحالات التي عني بدراستها، ولا يبدو منه أنه يكتفي بالجدول تنطق أرقامه، بل يريد أكثر من ذلك، فليعمد إذن إلى الرسم البياني الذي يشرع من أول وهلة وبدون إعمال فكر، هذه النتيجة التي يرغب الطالب في إعلانها.

والرسم البياني يسبق دائما بجدول أو بأرقام توضح نفس الفكرة التي وضع الرسم لإبرازها.

ويختلف الرسم البياني عن الجدول في أن الرسم يجب أن يوضع في صفحة واحدة مهما كان حجمها؛ لأن الهدف منه هو المقارنة المنظورة، وهذه لا تتوافر إلا إذا كان الرسم كله أمام العين في وقت واحد.

وفيما عدا ذلك فإن الرسم البياني تنطبق عليه نفس القوانين التي سبق اشتراطها في الجداول، فلا بد له من تقديم، وهو يلي التقديم مباشرة إذا اتسعت له الصفحة، كأن يتحدث الطبيب عن محموم، فيصف حالته العامة، ومقدار مقاومته، وعلاجه

فإذا وصل إلى الكلام عن حرارته قال: أما حرارة المريض فتتضح من الرسم التالي:

ص: 146

الأيام

ومثل ذلك ما يفعله المهندسون في تسجيل مناسيب المياه وغيرها، فإذا لم يكن وضع الرسم البياني تاليا للتقديم مباشرة واحتاج لصفحة مستقلة لكبر حجمه، وضع على صفحة مستقلة بحيث تكون تالية للصفحة التي بها التقديم، ويوضع له حينئذ رقم وعنوان.

والرسم البياني على العموم يجب أن تلاحظ فيه الدقة التامة، وأن تكون النسبة بين أطوال خطوطه وبين الحقائق التي يشير إليها دقيقة كل الدقة، وهو لهذا يرسم أولا بالقلم الرصاص حتى يكون من السهل محو ما لا يحتاج إليه، فإذا طابق الهدف الذي يريده الطالب سار فوق خطوطه بالحبر، ويجب أن يلاحظ أن الرسم البياني لو اختل قليلا لكان حذفه أجدى من إثباته.

وفيما يلي رسم بياني وضع على صفحة مستقلة، وسنورده بعد إيراد مقدمة له وجدول تشرح أرقامه ما سيرد في الرسم على ما سبق وصفه:

ولم تبخل مصر بالمال على نشر المعارف، بل سخت على

ص: 147

التعليم سخاء ظاهرا، وأخذ نصيب وزارة التربية والمعاهد التعليمية من ميزانية الدول ينمو نموا مطردا، ويزداد سنة بعد أخرى، وقد شهد العقد الخامس من القرن العشرين تطورا عظيما برز من عام إلى عام، كما يبدو من الجدول الآتي ومن الرسم البياني الذي يليه:

عام مصروفات التعليم خلاله بالجنيهات

"انظر الرسم البياني رقم1"

"جميع البيانات الخاصة بالتعليم الواردة في هذا الكتاب مأخوذة عن البيانات الرسمية لدى المراقبة العامة للمشروعات والإحصاء بوزارة التربية والتعليم، علما بأن هناك مصروفات أخرى على التعليم تتحملها ميزانيات مستقلة كميزانية الأزهر مثلا". وينبغي أن يلاحظ أن هذه الأرقام تضاعفت بمرور السنين.

ص: 148

الصور:

يعمد الطلاب كثيرا إلى إيراد صور فوتوغرافية لإيضاح شيء يتحدثون عنه، ويجب حنيئذ أن تكون الصورة واضحة تؤدي الغرض المقصود منها، ويلزم في الرسائل أن توضع الصور في الصفحات مستقلة، كما يلزم أن يوضع لها عنوان يعرف بها، ورقم يشار إليه في صلب الرسالة.

وتثبت الصورة على الورقة التي خصصت لها من أوراق الرسالة تثبيتا دقيقا نظيفا باستعمال مربعات الأركان وقليل من الصمغ، وتوضع الصورة بالطول أو العرض حسب حجمها، ويكون تحتها فراغ ليكتب فيه رقمها وتحته الجملة التي تعرف بالصورة مثل:

صورة رقم5

واجهة المدرسة المستنصرية كما تبدو الآن

وتتفق الصورة مع الجداول والرسوم البيانية في أنها لا بد لها من تقديم في صلب الرسالة، وأنها توضع أقرب ما يمكن إلى هذا التقديم، وتختلف عنهما في أن رقمها والجملة التي تبين ماهيتها يوضعان تحت الصورة لا فوقها.

وإذا كان الطالب حريصا على أن يكسب رسالته طابعا من الجمال فإنه ينصح أن يضع ورقة من النوع الشفاف فوق كل صورة.

ص: 150

وإذا كانت الرسالة في العلوم الطبيعية أو الهندسة فإنه يكثر أن تستعمل الخرائط والرسوم والإحصائيات والأشكال الهندسية، ويجب أن يكون كل من هذه الأشياء ضروريا للرسالة ووثيق الصلة بها، كما يجب أن يبسط لدرجة تجعله موضحا، فمن الخطأ أن تحتاج هذه الأشياء إلى ما يوضحها.

أما في العلوم الاجتماعية فالجداول أكثر ورودًا من الرسوم والخرائط، ولكن هذه الجداول يجب أن تعد إعدادًا دقيقًا، وأن توضح المطلوب بسهولة كما يجب ألا تقطع تسلسل الحديث، بل يختار لها المكان المناسب بحيث تدعم الفكرة التي يحاول الطالب إبرازها.

وقد سرت في شرحي للجداول والرسوم والصور على الطريقة الواسعة الانتشار، ولا يمنعنا هذا أن نذكر أنه إذا كثرت هذه الأشياء فمن الممكن جمعها كلها لتوضع في نهاية الرسالة، وإن كنت لا أفضل شخصيًّا مثل هذا الطريق، ففيه فصل بين الجدول أو الرسم أو الصورة وبين الموضوع الذي أوردت هذه الأشياء لتساعد على إيضاحه، وأحسن من هذا ما يفعله بعض الطلاب من وضع الجداول والرسوم والصور -إذا كثرت- في مجلد خاص، بحيث يستطيع القارئ أن يطالع في المجلد الذي به الأبحاث العملية، وأمامه في الوقت نفسه المجلد الآخر مفتوحا عند الجدول المطلوب أو

ص: 151

الرسم المشار إليه، وفي هذه الحالة ترتب الجداول والرسوم في المجلد الإضافي حسب ورود ذكرها في المجلد العلمي، ولا مانع من وضع جدول ثم صورة ثم رسم وهكذا.

حجم الخط:

لا يميل الناطقون بالضاد إلى اتباع ذلك النظام الذي عرف باسم "حروف التاج" في كتاباتهم؛ وهذا النظام كان وثيق الصلة بما هو معروف في اللغة الإنجليزية باسم "Capitalization" ولعل الناس لا يميلون إليه لما فيه من تعقيد وانثناءات لا ضرورة لها، ثم لأن الآلات الكاتبة التي تستعمل في الرسائل غير معدة بما يشمل حروف التاج1.

ولكني أحب أن أكتب هنا شيئا عن اختلاف الأحجام التي ينبغي أن تلاحظ عند الإمكان "كما في حالة استعمال المطبعة مثلا".

وسأتبع ذلك برأيي فيما يمكن أن يتبع في حالة استعمال الآلة الكاتبة:

ينبغي أن يستعمل في الطبع أحجام أربعة:

1-

حجم كبير لكتابة عنوان الرسالة "خط ثلث مثلا ويغلب استعمال الأكلشيهات".

2-

حجم أصغر من السابق وأكبر من العادي لكتابة

1 ألغي التاج وحروف التاج.

ص: 152

عناوين الأبواب والعبارات الآتية: مصادر البحث -محتويات الرسالة- فهرس الصور، وما يشبه ذلك "رقعة أو نسخ كبير نوعا ما".

3-

الحجم العادي لكتابة صلب الرسالة.

4-

حجم أصغر من العادي لكتابة الحواشي بأسفل الصفحات، ويجوز أن تكتب به الملاحق والوثائق.

وإذا كتبت الرسالة باليد فإن الثلاثة الأولى هي التي تستعمل ولا داعي لاستعمال الرابع بل تكتب الحواشي بالخط العادي أيضا.

أما إذا كتبت بالآلة الكاتبة الرعبية فالطريق أن تكتب عناوين الأبواب والفصول، على مساحة أوسع، أي أن تنفرج حروفها بعضها عن بعض وتكون المسافة بين العنوان وبين ما كتب تحته أفسخ مما بين السطرين "أي تكون ثلاث مسافات" أما المسافة بين كل سطرين في صلب الرسالة فتكون مسافتين، وتكون بين كل سطرين في الحواشي مسافة واحدة.

وبهذه المناسبة نذكر أنه يحدث في أثناء الكتابة أن ترد كلمة أو جملة أو فقرة تستحق اهتمام خاصا، وفي اللغة العربية تستعمل عدة طرق لإبراز ذلك الاهتمام:

أ- فأول هذه الطرق هو تغيير الحرف الذي يستعمل

ص: 153

في الطباعة وذلك ما نشاهده كثيرا في الصحف اليومية، فإن الصحيفة إذا أرادت إبراز عبارة أو فقرة استعملت حروفا أكثر سمكا من الحروف العادية "حرف أسود" فيظهر المقصود ظهورا واضحا.

ب- تغيير نوع الخط بكتابة الكلمة الهامة أوالجملة بخط الرقعة مثلا.

جـ- والطريق الثالث -وهو الذي يهمنا هنا؛ لأنه الذي يستعمل في الأبحاث والرسائل- يكون بوضع خط أفقي تحت الكلمة أو الجملة أو الفقرة ذات الأهمية، وكما يستعمل هذا في حالة الكتابة على الآلة الكاتبة فإنه قد يستعمل في الأبحاث والرسائل- يكون بوضع خط أفقي تحت الكلمة أو الجملة أو الفقرة ذات الأهمية، وكما يستعمل هذا في حالة الكتابة على الآلة الكتابة فإنه قد يستعمل في كتابة اليد وفي الطباعة أيضا.

وقد حدد الباحثون الأشياء التي توضع تحتها خطوط في الرسالة بما يأتي:

1-

أسماء الكتب والصحف والمجلات إذا ورد ذكرها في صلب الرسالة أما إذا ورد في الحاشية أو في المصادر فلا أرى داعيا لوضع خط تحتها، ولو أن بعض الكتاب يرى اطراد وضع الخط تحت هذه العناوين أينما وردت.

2-

يضع الطالب خطًّا تحت كلمة أو كلمات بقصد إبراز المعنى الذي تحمله إذا كان ذلك المعنى كبير الأهمية كالذي اتبع في بعض صفحات هذا الكتاب، وينصح الطالب ألا يكثر

ص: 154

من استعمال هذا النوع حتى لا يضيع الأثر الذي يرجى من هذا الاستعمال.

3-

تحت الكلمات الأجنبية التي لا تكتب بحروف لغاتها، كأن يكتب الطالب العربي كلمة بروفسور بالحروف العربية أو يكتب الطالب الأوربي كلمة Masjed بالحروف اللاتينية، ويستثنى من ذلك الكلمات الأجنبية التي شاعت في اللغة التي دخلت فيها، فإن هذه لا يوضع تحتها خط؛ لأنها لا تعامل معاملة الكلمات الأجنبية ومثل ذلك كلمة ليسانس وبكالوريوس في اللغة العربية.

حجم الرسالة:

ليس هناك قانون يتدخل في حجم الرسالة في أكثر الجامعات، ولكنه يوجد في بعضها؛ ففي جامعة كمبردج مثلا يجب ألا تزيد رسالة الدكتوراه في التاريخ أو الأدب عن ستين ألف كلمة "حوالي ثلاثمائة صفحة".

ويختلف حجم الرسالة اختلافا واضحا باختلاف المادة التي كتبت فيها؛ فالرسائل التي تعالج مشكلة علمية، أو نظرية رياضية يطلب أن تكون صغيرة نسيبا، والعرف فيها أن يستكمل البحث، عناصره وتجاربه وأدلته وأن ينتج رسالة في حجم مناسب بحيث لا تكون إلى المقال أقرب منها إلى الرسالة، أما في الرسائل الأدبية فقد وضع العرف لها حدا تقريبيا؛ فرسالة الماجستير يحسن أن تكون حوالي

ص: 155

مائتي صفحة "أربعين ألف كلمة"، ورسالة الدكتوراه يحسن أن تكون حوالي ثلاثمائة صفحة "ستين ألف كلمة" من الحجم المعروف في الرسائل.

والحجم فقط هو الذي يفرق بين الرسالة وبين المقال العلمي القديم الذي ينشر في مجلة علمية، فكلاهما إنتاج رفيع، ومساهمة ثقافية، ومرجع يمكن أن يعتمد عليه الباحثون، ولكن المقال العلمي لا ينظر إلى حجمه في حين يلاحظ الحجم إلى حد ما في الرسائل.

وقد لاحظت في الفترة الأخيرة تسابق الطلاب بمصر في مجال زيادة صفحات الرسائل، وأشارت الصحف يوما إلى إحدى الرسائل بأنها تقع في ستمائة وخمسين صفحة؛ وليس من الفخر في شيء أن تصبح الرسائل كمًّا، فليرجع الطلاب إلى الحجم المناسب، وليجعلوا تنافسهم في العمق والابتكار لا في الجمع والحشد، وليتذكروا قول القائل وقد كتب لصديقه رسالة مسهبة:"كتبت إليك كل شيء مفصلا؛ إذ ليس عندي وقت للاختصار" فمن الواضح أنك في الاختصار تحتاج إلى عمق وفكر بحيث تختبر كل شيء، فلا تحشد كل ما يقابلك، ولا تدع شيئا يتسرب للرسالة إلا إذا كان عميق الصلة بها، وفي الوقت نفسه لا يفلت منك شيء مهم للرسالة، وبودِّي أن يقف الأساتذة موقفا حازما يمنعون به هذا التضخم الذي لا يعني إلا عدم قدرة الطالب على حسن الاختبار والاختيار.

ص: 156

وهناك مقياس نضعه للطالب؛ ليزن به عمله؛ فالمعلومات الضرورية توضع في صلب الرسالة، والمعلومات غير الضرورية تنحى عنها، والمعلومات التي يتردد الطالب في كونها ضرورية أو غير ضرورية توضع في الملاحق "آخر الرسالة"، وحذار أن يرى الطالب كل شيء ضروريا، فهو بذلك لا يجد النقد والاختيار.

ص: 157