الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم الدكتور/ أشرف بن محمود بن عقلة الكناني
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإن من نعم الله تعالى العظمى عليَّ أن وفقني لزيارة مصر الحبيبة إلى قلبي عدَّة مرات، وسبب حبي لها أمران؛ الأول: أنها بلد العلماء في القديم والحديث، والآخر: طيبة أهلها وصفاء أُناسها، ومن عظيم منن الله تعالى عليَّ أن هيأ لي أسباب لقيا شيخنا المحدِّث العلامة أبي إسحاق الحويني - حفظه الله
تعالى وشفاه، وفسح في مدته - في زيارتي الثانية لمصر عام 2008 م، التي خصصتها لهذا الهدف، ولو رجحت بدونه لخسرت متعة من أجمل متع الدنيا؛ ألا وهي: متعة لقيا العلماء؛ فإن لقياهم والجلوس معهم جنة الدنيا، كما وصف العلماء، فالحمد لله على ما يسَّر ووفق، وأسأله المزيد من فضله، وعميم إحسانه.
هذا وقد وثق بي الأخ: "محمد الإتربي" مرتين؛ مرة حينما استشارني في بعض جوانب من موضوعه القيِّم هذا: "تروك النبي صلى الله عليه وسلم دراسة تأصيليَّة تطبيقيَّة"، والمرة الثانية: حينما دفع إليَّ هذه الرسالة لأقدم لها، وهذا من حسن ظنه بإخوانه، فجزاه الله تعالى خير الجزاء، وجعلني خيرًا مما يظنون، وغفر لي ما لا يعلمون.
وكنت قبل ذلك قد أشرت على أحد الإخوة عندنا في الأردن أن يكتب في أطروحته للدكتوراه في: "مباحث الترك عند الأصوليين"، نظرًا لأهميَّة الموضوع، وكثرة تفصيلاته، وفعلًا اخترت له هذا العنوان مع مفرادته، وبدأ في الكتابة فيه إلى أن أنهاه، ولكن أخانا لم ينله التوفيق في كثير مما كتب، أو على الأقل لم يكتب على الوجه الذي كان في ذهني من التأصيل العلمي، والتطبيق العملي، وبقيتُ أشعر بخيبة أمل تجاه الكتابة في هذا الموضوع إلى حين زيارتي هذه لمصر؛ حيث ساقني القدر بين يدي زيارتي لشيخنا الحويني، أن صحبني أخانا عمرو الحويني إلى بيت الشيخ محمد الإتربي - وفقه الله تعالى -، وكم سررت حينما أبلغني أنه اختار موضوعًا لأطروحته في الماجستير في تروك النبي صلى الله عليه وسلم، وسألت الله تعالى في نفسي أن يُوفق في كتابته لهذا الموضوع، وكنت
بعدها أتابع عن طريق أخينا عمرو الحويني مراحل كتابته وأطمئن على عمله الذي طال وقته، إلى أن هيأ الله تعالى لي أن أزور مصر للمرة الرابعة، وهيأ الله تعالى سبب زيارتي للشيخ محمد الإتربي عن طريق أخينا عمرو دون سابق ميعاد في يوم الثلاثاء 26/ 1 / 2010 م، فأهداني الإتربي نسخة من رسالته، فسررت سرورًا عظيمًا بها، وقلَّبت بعض صفحاتها، وكان يبدو لأول وهلة عظيم الجهد المبذول فيها، وبعدها بيومين هيأ الله تعالى لي زيارة شيخنا العلامة أبي إسحاق الحويني، وكان مما ذكرت لفضيلته أن موضوع رسالة تروك النبي صلى الله عليه وسلم، موضوع مهم، وقد وفِّق الباحث فيه، فكان مما قال - أنقل كلام فضيلته بالمعنى -:"نحن حريصون على نشر مثل هذا الموضوع وتقديمه للناس، ومن النادر أن يكتب أحد مثل هذه الكتابة، وبمثل هذه الطريقة" فاعتبرت هذا شهادة مبدئية للرسالة قبل أن أقرأها، وهي شهادة يُغبط الباحث عليها، ولا تنفعه شهادتي بشيء بعدها.
وحينما قرأت الرسالة بعد رجوعي إلى بلدي، ألفيتها رسالة تُشفي الغليل، وتبرئ العليل؛ حيث امتازت بسباكة التأصيل، وحسن التمثيل، وقد استقصى الباحث فيها مسائل الترك عند الأصوليين، ومثَّل لذلك تمثيلًا حسنًا واقعيًّا، مع ما انضم إلى ذلك من ظهور شخصية الباحث ظهورًا واضحًا في كل الرسالة، وإنصاف في التعامل مع المخالف، وتجرد للحق دون تبني رأي مُسبَق وحسن التقسيم والتنويع، كل ذلك في عدم إطالة مملة، أو اختصارة مخلَّة، وقد امتازت الرسالة بميزات كثيرة تدل على سعة اطلاع الباحث وتنوع معرفته للعلوم الشرعيَّة، أعرضها مع التعليق عليها من خلال ما يلي: