المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (خلق الإنسان من علق) - لقاء الباب المفتوح - جـ ٨٢

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (خلق الإنسان من علق)

‌تفسير قوله تعالى: (خلق الإنسان من علق)

قال تعالى: {خَلَقَ الإِنْسَانَ} [العلق:2] أي: ابتدأ خلقه، {مِنْ عَلَقٍ} [العلق:2] اسم جمع علقة، كشجر اسم جمع شجرة، والعلق عبارة عن دودة حمراء من الدم صغيرة، وهذا المنشأ الذي به الحياة؛ لأن الإنسان دم ولو تفرغ من الدم لهلك، وقد بين الله عز وجل أنه خلق الإنسان من علق ولكنه يتطور، وبين في آيات أخرى أنه خلق الإنسان من تراب، وفي آية أخرى أن خلقه من طين، وفي آية أخرى من صلصال كالفخار، وفي آية أخرى من ماء داثر، وفي آية أخرى من ماء مهين، وفي هذه الآية من علق، فهل في هذا تناقض؟

لا يمكن أن يكون في كلام الله أو ما صح عن رسوله شيء من التناقض أبداً، فإن الله يقول:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] لكنه سبحانه وتعالى يذكر أحياناً مبدأ الخلق من وجه ومبدأ الخلق من وجه آخر، فخلقه من تراب، أي: أول ما خلق الإنسان من التراب، ثم صب عليه الماء فكان طيناً، ثم استمر مدة فكان حمأً مسنوناً، ثم طالت مدته فصار صلصالاً، أي: إذا ضربته بيدك تسمع له صلصلة كالفخار، ثم خلقه عز وجل لحماً وعظماً وعصباً.

إلخ.

وهذا ابتداء الخلق المتعلق بآدم.

والخلق الآخر من بنيه منشئهم من نطفة وهي الماء المهين، وهي الماء الدافق، هذه النطفة تبقى في الرحم أربعين يوماً، ثم تتحول شيئاً فشيئاً، وفي تمام الأربعين تتقلب بالتطور والتدريج حتى تكون دماً ثم علقة، ثم تبدأ بالنمو والثخونة وتتطور شيئاً فشيئاً، فإذا تمت ثمانين يوماً انتقلت إلى مضغة؛ وهي قطعة من اللحم بقدر ما يمضغه الإنسان، وتبقى كذلك أربعين يوماً، فهذه مائة وعشرون يوماً وهي بالأشهر أربعة أشهر، وبعد أربعة أشهر يبعث الله إليه الملك الموكل بالأرحام فينفخ فيه الروح، فتدخل الروح في الجسد بإذن الله عز وجل، والروح لا نستطيع أن نعرف كنهها وحقيقتها ومادتها، ولا ندري من أي مادة هي؟ الجسد عرفنا أن أصله من التراب ثم في أرحام النساء من النطفة لكن الروح لا نعلمها ولا نعرف من أي جوهرٍ هي، ولا من أي مادة:{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85] فينفخ الملك الروح في هذا الجنين فيبدأ يتحرك؛ لأن نموه الأول كنمو الأشجار بدون إحساس، وبعد أن تنفخ فيه الروح يكون آدمياً يتحرك، ولهذا إذا سقط الحمل من البطن قبل أربعة أشهر دفن في أي مكان من الأرض بدون تغسيل ولا تكفين ولا صلاة عليه ولا يبعث؛ لأنه ليس آدمياً، وبعد أربعة أشهر إذا سقط يجب أن يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في المقابر؛ لأنه صار إنساناً، ويسمى أيضاً؛ لأنه يوم القيامة سيدعى باسمه، ويعق عنه، لكن العقيقة عنه ليست في التأكيد كالعقيقة عمن بلغ سبعة أيام بعد خروجه.

وعلى كل حال: هذا الجنين في بطن أمه يتطور حتى يكون بشراً، ثم يأذن الله عز وجل له بعد المدة التي أكثر ما تكون عادة تسعة أشهر فيخرج إلى الدنيا.

وبهذه المناسبة: أود أن أبين أن للإنسان أربعة دور: الأولى: في بطن أمه.

الثانية: في الدنيا.

الثالثة: في البرزخ.

الرابعة: في الجنة أو النار، وهي المنتهى.

{خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:2] العلق اسم جمع علقة، وهي دودة من الدم معروفة، وهذا أول نشأة الإنسان الذي يتكون منه مادة الحياة وهو الدم.

ص: 4