الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد رسول الله الصادق الوعد الأمين وعلى اله وأصحابه الغر الميامين ومن تبعه بإحسان الى يوم الدين أما بعد:
فمنذ بداية نشأتي منَّ الله علي بحب الحديث وأهله ودراسة هذا العلم الجليل الذي يأتي في المرتبة الثانية في الإسلام بعد كتاب الله عز وجل، ولكونه خرج من فم النبي عليه الصلاة والسلام فأضاء الكون بنوره البهي وأوضح معالم الطريق لمن أراد الهداية والرشاد.
وعندما قبلت في الدراسات العليا في كلية الإمام الأعظم لأعداد الأئمة والخطباء والدعاة طلب مني أن اقدم بحثا علميا تكميليا لنيل درجة الماجستير، ففتشت عن المواضيع التي لم يكتب فيها على وجه التخصص فوجدت أن الحديث المسلسل لم يؤلف له كتاب على وجه مستقل من حيث مصطلح الحديث الشريف، فأحببت أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع، فأخذت أفتش هنا وهناك وأسال أهل العلم بهذا الفن، وأتتبع مصادره النادرة في المكتبات العامة والخاصة حتى استوى هذا البحث على ساقه متضمنا بعد هذه المقدمة تمهيدا واربعة مباحث وخاتمة.
وقد كانت خطة البحث على ما يأتي:
أما التمهيد فقد تكلمت فيه عن اختصاص الحديث المسلسل بالإسناد وتطلب هذا أن أعطي نبذه مختصرة على الإسناد، تتضمن تعريفه وأهميته واقوال العلماء فيه.
وأما المبحث الأول: فقد تكلمت فيه عن تعريف الحديث المسلسل وجهود العلماء فيه وقسمته على مطلبين:
المطلب الأول: تعريفه.
المطلب الثاني: جهود العلماء فيه.
وأما المبحث الثاني: فقد جعلته في أقسام الحديث المسلسل بحسب نوع التوارد فيه وقسمته على مطلبين:
المطلب الأول: التوارد على حال، وفيه فروع عدة:
الفرع الأول: التوارد على قول.
الفرع الثاني: التوارد على فعل.
الفرع الثالث: التوارد على قول وفعل.
المطلب الثاني: التوارد على وصف.
الفرع الأول: التوارد على وصف في السند.
الفرع الثاني: التوارد على وصف في التحمل.
صيغ الأداء، زمان الرواية، تاريخها.
وأما المبحث الثالث: تكلمت فيه عن فائدته وبعض ما يعتريه وجعلته في مطلبين:
المطلب الأول: فائدة التسلسل.
المطلب الثاني: بعض ما يعتري الحديث المسلسل.
وأما المبحث الرابع: فقد خصصته لبيان أنواع المسلسلات وفيه مطلبان:
المطلب الأول: المسلسلات التامة.
المطلب الثاني: المسلسلات الناقصة.
وأما الخاتمة فقد بينت فيها أهم ما توصلت إليه من نتائج، وأردفتها بملخص لتراجم أهم العلماء المذكورين في البحث.
وما أحوجني الآن إلى أن أقول أن ما كان في البحث المتواضع من صواب فمن الله وما كان فيه من خطأ فمن الشيطان ومن نفسي، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تمهيد:
تناول العلماء دراسة الحديث النبوي الشريف من جميع جوانبه فوضعوا تقسيمات للحديث من حيثيات مختلفة فمن حيث الكثرة والقلة في الرواة قسموه إلى متواتر وآحاد ومن حيث القبول والرد إلى صحيح وحسن وضعيف، ومن حيث المتن إلى مرفوع وموقوف ومقطوع.
أما التسلسل فقد وضعوه في ما يسمى بلطائف الإسناد. وكذلك لو نظرنا إلى أنواع وأقسام التسلسل من حيث الواقع لوجدناها جميعها تدور على الإسناد وليس للمتن منه نصيب.
كل هذه الأمور دعت المحدثين إلى القول بان التسلسل من صفات الإسناد منهم العلامة ابن الصلاح (1) والحافظ العراقي (2) والحافظ ابن حجر العسقلاني (3) وهذا ما يدعوني إلى أن أتكلم على الإسناد وسأتكلم عليه في النقاط الآتية:
1.
تعريف الإسناد.
2.
أهميته.
3.
أقوال العلماء فيه.
أولا: تعريف الإسناد لغة واصطلاحا.
أن كلمة إسناد مأخوذة في اللغة من مادة سند وهذا يدعوني إلى أن أبين
(1) علوم الحديث: ص248 تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح الشهرزوري، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/285.
(3)
نزهة النظر شرح نخبة الفكر: ص 136 شهاب الدين أبو الفضل احمد بن علي بن محمد يعرف بابن حجر العسقلاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ـ مصر.
الأصل وهو سند ثم بعد ذلك أبين ما تفرع منه وهو الإسناد.
أ -السند لغة واصطلاحا.
السند لغة: له معان عديدة منها:
1.
(ما ارتفع من الأرض في قبل جبل، أو واد)(1)
2.
السند بمعنى المعتمد.
قال أهل اللغة: ((وكل شيء أسندت إليه شيئا فهو سند (2)) ) ، (وفلان سند أي معتمد)(3) .
3.
ويأتي الفعل سند بمعنى صعد ورقي. كما يقال: فكان فلان في مشربه فأسندت إليه أي صعدت (4) .
السند اصطلاحا:
إن للسند في اصطلاح المحدثين تعريفين:
أحدهما: هو الإخبار عن طريق المتن (5) .
شرح التعريف:
الإخبار: هو مصدر للفعل اخبر.
والمراد بالطريق: هم سلسلة الرواة الذين نقلوا الحديث عن مصدره الأول أي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عمن هو دونه من صحابي أو
تابعي (6) .
(1) لسان العرب: مادة (سند) جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم بن علي بن منظور، مطبعة دار المعارف.
(2)
المصدر نفسه: مادة (سند) .
(3)
المصدر نفسه: مادة (سند) .
(4)
أساس البلاغة: 310 أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، دار ومطابع الشعب، القاهرة.
(5)
تدريب الراوي شرح تقريب النواوي: 1/41 أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن ابن كمال آبي بكر السيوطي الشافعي، دار إحياء السنة النبوية.
(6)
شرح علي القاري على شرح نخبة الفكر: 18/19.
أما المراد بالمتن: فانه يطلق في اللغة على عدة معان منها:
1.
يقال: ((متن الشيء صلبه)) (1) .
2.
ويقال: ((ماتنه: باعده في الغاية)) (2) .
3.
المتن ما ارتفع من الأرض واستوى، وقيل ما ارتفع وصلب (3) .
وأما تعريف المتن في اصطلاح المحدثين:
فقد عرفه بدر الدين ابن جماعة بقوله: ((هو ما ينتهي إليه غاية السند من الكلام)) (4) .
التعريف الثاني للسند: هو الطريق الموصل إلي المتن (5) .
شرح التعريف:
إن هذا التعريف يدل على أن المراد بالسند، هم جملة الرواة الذين نقلوا الحديث من مصدره الأول فحسب، أي أسماء رواة الحديث الذين أوصلوا متن الحديث، بالتسلسل، واحداً عن الآخر (6) .
وبعد أن انتهينا من ذكر تعريف السند اصبح لزاما علينا تعريف الإسناد لغة واصطلاحا.
أولا: تعريف الإسناد لغة:
إن الإسناد في اللغة مصدر للفعل اسند من قولهم: أسندت هذا
(1) أساس البلاغة: مادة (متن) .
(2)
المصدر نفسه: مادة (متن) .
(3)
لسان العرب: مادة (متن) .
(4)
المنهل الروي في مختصر علوم الحديث: ص 29بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة ـ دار الفكر، بيروت، وينظر: تدريب الراوي: 1/42، ألفية الحديث للسيوطي: ص3 أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن كمال آبي بكر السيوطي الشافعية، دار الفكر.
(5)
فتح الباقي على ألفية العراقي: 1/16 لزكريا الأنصاري ـ دار الكتب العلمية بيروت،
شرح علي القاري على شرح نخبة الفكر: 19.
(6)
شرح علي القاري على شرح نخبة الفكر: 18.
الحديث إلى فلان، اسنده إسنادا إذا رفعته فاسند الحديث بمعنى رفعه (1) .
لذا يعني الإسناد في الحديث عند أهل اللغة أن يسند الحديث أو يرفعه إلى قائله (2) .
ثانيا: تعريف الإسناد اصطلاحا.
إن للإسناد في اصطلاح المحدثين عدة تعاريف وهي:
1.
عرفه الحافظ ابن حجر العسقلاني فقال: ((الإسناد: حكاية طريق المتن)) (3) ومعنى الحكاية عن الطريق، الإخبار عنه وذكره.
2.
وقيل: الإسناد ((هو الإخبار عن طريق المتن)) (4) ، ومعنى الإخبار عن طريق المتن، حكاية رجال الحديث (5) .
3.
وقيل: الإسناد ((هو الطريق الموصل إلى المتن)) (6) .
والتعريف الراجح هو التعريف الأول لأنه يتناسب مع المعنى اللغوي للإسناد كما أوضح ذلك أهل اللغة عندما بينوا المراد من الإسناد في الحديث.
ثالثا: أهمية الإسناد:
لقد اهتم المحدثون بالإسناد وذلك لكونه طريق معرفة الحديث الشريف، ثاني أدلة أحكام الشرع في الإسلام، والتالي للقرآن الكريم في الشرف والأفضلية كما أن شرف الإسناد آت من ثمرته وغايته، وهي تمييز ما صح من
(1) لسان العرب: مادة (سند) .
(2)
لسان العرب: مادة (سند) .
(3)
نزهة النظر: 19، شهاب الدين أبو الفضل احمد بن علي بن محمد يعرف بابن حجر العسقلاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ـ مصر، ينظر فتح المغيث: 1/ 17 محمد بن عبد الرحمن السخاوي الشافعي، مكتبة السنة، بالقاهرة.
(4)
انظر: حاشية لقط الدرر: 24 عبد الله بن حسين خاطر السمين، مطبعة البابي الحلبي وأولاده ـ مصر.
(5)
شرح المنظومة البيقونية: 14.
(6)
فتح المغيث: 1/17، شرح علي القاري على شرح نخبة الفكر:19.
حديث النبي صلى الله عليه وسلم عما لم يصح عنه.
كما أن الإسناد يعد نصف علم الحديث لان الحديث متن وإسناد (1) .
رابعا: أقوال المحدثين في تبيين أهمية الإسناد:
أدرك المحدثون أهمية الإسناد فوردت عنهم كلمات تبين منزلته ولزوم العناية به لما له من اثر بالغ في الحفاظ على حديث النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وعلوم الشريعة عامة، وهذه بعض أقوال العلماء فيه:
1.
ما روي عن الأمام الزهري (ت 124هـ) .
روى الأمام احمد بسنده عن عتبة بن أبي حكيم قال: سمع الزهري إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال الزهري: (قاتلك الله يا بن أبي فروة، ما أجرأك على الله إلا تسند حديثك؟ تحدثنا بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة)(2) .
2.
ما روي عن الأعمش (ت147 هـ أو 148 هـ) .
روى ابن حبان بسنده عن عبد الله بن إدريس انه قال: (ربما حدث الأعمش بالحديث، ثم يقول: بقى رأس المال، حدثني فلان قال، ثنا فلان عن فلان عن فلان)(3) .
3.
ما روي عن عبد الله بن عون (ت 150 أو 151هـ) .
روى ابن أبي حاتم الرازي بسنده عن عبد الله بن عون، انه كان يقول
(1) الإسناد عند المحدثين: 30 رسالة جامعية في كلية الشريعة للدكتور داود سليمان الدليمي.
(2)
معرفة علوم الحديث للحاكم: ص6 محمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، المكتب التجاري ـ بيروت، الكفاية في علم الرواية: ص556 احمد بن علي بن ثابت أبو بكر الخطيب البغدادي ـ المكتبة العلمية ـ المدينة المنورة، وينظر الإسناد عند المحدثين ص73.
والخطم: جمع خطام وهو كل ما يوضع على انف الناقه والازمة: جمع زمام وهو كذلك أيضا.
(3)
كتاب المجروحين: 1/19 أبو حاتم محمد بن حبان البستي، دار الوعي ـ حلب.
(لا يؤخذ هذا العلم إلا عمن شهد له بالطلب)(1) .
4.
ما روي عن الإمام إلاوزاعي (ت157هـ) .
روى ابن عبد البر عن إلاوزاعي انه قال (ما ذهاب العلم إلا ذهاب
الإسناد) (2) .
5.
ما روي عن شعبة بن الحجاج (ت160هـ) .
روى ابن أبي حاتم الرازي بسنده عن شعبة يقول: (كنت انظر إلى فم قتادة، فإذا قال بالحديث: حدثنا، عنيت به فوقفته عليه، وإذا لم يقل حدثنا لم اعن به)(3) وروى إبن حبان بسنده عن شعبة قال: (كل حديث ليس فيه حدثنا، وأخبرنا، فهو مثل الرجل بالفلاة معه البعير ليس له خطام)(4) .
وروى الخطيب بسنده عن شعبة انه قال: (كل حديث ليس فيه (أنا)(5) و (ثنا)(6) فهو خل وبقل (7)(8) - (9) .
(1) الجرح والتعديل: 1/قسم 1، ص28 عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس أبو محمد الرازي التميمي، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
(2)
التهميد: 1/ 314، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية ـ المغرب.
(3)
الجرح والتعديل: 1/قسم 1، ص32.
(4)
كتاب المجروحين: 1/19.
(5)
(أنا) = اختصار أخبرنا.
(6)
(ثنا) = اختصار حدثنا.
(7)
أي لا يساوي شيئا
(8)
الكفاية في علم الرواية: 412، و 454 احمد بن علي بن ثابت أبو بكر الخطيب البغدادي ـ المكتبة العلمية ـ المدينة المنورة، ينظر: الكامل في ضعفاء الرجال / المقدمة عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد أبو احمد الجرجاني، دار الفكر ـ بيروت.
(9)
ينظر: الإسناد عند المحدثين للدكتور داود سليمان الدليمي، لمن أراد الاستزادة في هذا الموضوع.