المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السادس: الطواف الذي يشرع فيه الاضطباع والرمل - أحكام الاضطباع والرمل في الطواف

[عبد الله بن إبراهيم الزاحم]

الفصل: ‌المطلب السادس: الطواف الذي يشرع فيه الاضطباع والرمل

‌المطلب السادس: الطواف الذي يُشرع فيه الاضطباع والرمل

اتفق العلماء رحمهم الله على أن الاضطباع والرمل يُشرعان في طواف القادم إلى مكة معتمراً، أو حاجاً. سواء أكان هذا الطواف طواف عمرة، للمعتمر أو المتمتع، أم طواف قدوم للمفرد أو القارن، إذا سعى بعده 1. قال النووي: “واعلم أن طواف القدوم إنما هو في حق مفرد الحج، وفي حق القارن، إذا كانا قد أحرما من غير مكة، ودخلاها قبل الوقوف 2. فأما المكي فلا يُتصور في حقه قُدُوم، إذ لا قدوم له. وأما من أحرم بالعمرة فلا يُتصور في حقه طواف قدوم. بل إذا طاف عن العمرة، أجزأه عنها، وعن طواف القدوم، كما تُجزيء الفريضة عن تحية المسجد. حتى لو طاف المعتمر بنيّة القدوم، وقع عن طواف العمرة” 3.

واختلفوا هل يُشرع الاضطباع والرمل في طواف القادم، إن لم يسع عقبه، بأن أخّر السعي إلى طواف الإفاضة؟ أو هما خاصان بكل طواف يعقبه سعي، سواء أكان طواف قدوم، أم طواف عمرة، أم طواف زيارة؟

وهل يُشرعان في طواف الإفاضة إن تحلل قبله؟ وكيف يكون اضطباعه فيه؟ وهل يقضي الرمل في الأشواط الأخيرة إن نسيه قبل ذلك؟

هذا ما سأتناوله في الفروع التالية:

الفرع الأول: هل الاضطباع والرمل خاصان بالطواف الأول؟

اختلف العلماء رحمهم الله في ذلك على قولين:

1 انظر: منسك خليل ص 68.

2 إلا أن الحنابلة يرون مشروعية طواف القدوم بعد الوقوف بعرفة لمن لم يتمكن من دخول مكة قبل ذلك، خلافاً للجمهور الذين يرون أن طواف القدوم يفوت بالوقوف بعرفة. انظر: أنواع الطواف وأحكامه ص221. مجلة البحوث الإسلامية، العدد “50”.

3 انظر: شرح الإيضاح ص 228، 229.

ص: 272

القول الأول: إن الاضطباع والرمل لا يُشرعان إلا في طواف القدوم، أو طواف العمرة، سواء سعى بعده، أم لم يسع، لأن الاضطباع والرمل إنما يكونان في الطواف الأول حين يقدم إلى مكة.

وإلى هذا القول ذهب: الحنابلة في المذهب، والشافعية في قول 1.

قال الزركشي: “ لا يرمل في طواف الزيارة، ولا طواف الوداع ولا غيرهما، إلا في الطواف أول ما يقدم مكة، وهو طواف القدوم، أو طواف العمرة”2.

القول الثاني: إن الاضطباع والرمل يُشرعان في كل طواف يعقبه سعي. سواء أكان طواف قدوم، أم طواف عمرة، أم طواف زيارة ـ على تقدير تأخير السعي.

وإلى هذا القول ذهب: الحنفية 3، والمشهور عند المالكية 4، والشافعية

1 انظر: المغني 5/220، الشرح الكبير 9/80، المقنع لابن البنا 2/619، المبدع 3/218، كشاف القناع 2/555، 558، الوسيط 2/651، المجموع 8/20، شرح النووي على صحيح مسلم 9/7. بل اعتبره الطبري أظهر قولي الشافعي. فقال بعد أن أورد أثر ابن عمر:"كان لا يرمل إذا طاف حول البيت، إذا أحرم من مكة ": “فيه دلالة على اختصاص الرمل بطواف القدوم..، وهذا أظهر قولي الشافعي”. القرى ص 303.

2 شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/194.

3 انظر: تحفة الفقهاء 1/403، بدائع الصنائع 2/147، البحر الرائق 2/354، الفتاوى الهندية 1/226، فتاوى قاضيخان 1/292، حاشية ابن عابدين 2/495، 518، منسك الملا علي القاري ص 88، 108، هداية السالك 2/805. “نبّه” ابن عابدين على أنه يُشرع الاضطباع في طواف الإفاضة إذا أخّر السعي، ما لم يكن لابساً. فقال: “.. كل طواف بعده سعي كطواف القدوم والعمرة، وكطواف الزيارة، إن كان أخّر السعي، ولم يكن لابساً”.

4 انظر: منسك خليل ص 68، الشرح الكبير على مختصر خليل 2/43، إيضاح المناسك ص 6، وقال ابن جماعة في هداية السالك 2/805: “والمشهور عند المالكية: أن الرمل إنما يكون في طواف يعقبه سعي”.

ص: 273

في الأصح 1، وبعض الحنابلة 2.

1 انظر: الحاوي 4/140، الوسيط 2/652، شرح النووي على صحيح مسلم 9/7، هداية السالك 2/804، إعانة الطالبين 2/299. وقال النووي في المجموع 8/ 46، 47: “الطواف الذي يُشرع به الرمل قد اضطربت طرق الأصحاب فيه، ولخصها الرافعي متقنة فقال: لا خلاف أن الرمل لا يسن في كل طواف، بل إنما يسن في طواف واحد، وفي ذلك الطواف قولان مشهوران أصحهما عند الأكثرين أنه يسن في طواف يستعقب السعي. والثاني: يسن في طواف القدوم مطلقاً. فعلى القولين، لا رمل في طواف الوداع بلا خلاف. ويرمل من قدم مكة معتمراً على القولين، لوقوع طوافه مجزئاً عن القدوم مع استعقابه السعي، ويرمل أيضاً الحاج الأفقي إذا لم يدخل مكة إلا بعد الوقوف. أما من دخل مكة محرماً بالحج قبل الوقوف وأراد طواف القدوم فهل يرمل؟ ينظر إن كان لا يسعى عقبه ففيه القولان: الأول: الأصح لا يرمل. والثاني: يرمل. وعلى الأول إنما يرمل في طواف الإفاضة لاستعقابه السعي، فأما إن كان يسعى عقب طواف القدوم، فيرمل فيه بلا خلاف، وإذا رمل فيه وسعى بعده لا يرمل في طواف الإفاضة بلا خلاف، إن لم يرد السعي بعده. وإن أراد إعادة السعي بعده لم يرمل بعده أيضاً على المذهب، وبه قطع الجمهور، وحكى البغوي فيه قولين، والأول أشهر. أصحهما عند المصنف، والبغوي، والرافعي وآخرين: لا يرمل. والثاني: يرمل، وبه قطع الشيخ أبو حامد. ولو طاف للقدوم ونوى أن لا يسعى بعده، ثم بدا له وسعى، ولم يكن رمل في طواف القدوم. فهل يرمل في طواف الإفاضة؟ فيه الوجهان، ذكرهما القاضي أبو الطيب في تعليقه.

ولو طاف للقدوم فرمل فيه ولم يسع، قال جمهور الأصحاب: يرمل في طواف الإفاضة، لبقاء السعي. قال الرافعي: الظاهر أنهم فرّعوه على القول الأول، وهو الذي يعتبر استعقاب السعي، وإلا فالقول الثاني لا يعتبر استعقاب السعي، فيقتضي أن يرمل في الإفاضة”.

2 انظر: المغني5/221، الشرح الكبير 9/103، الفروع 2/499، المبدع 3/218، هداية السالك 2/806. قال ابن قدامة: “قال القاضي: لو طاف فرمل واضطبع، ولم يسع بين الصفا والمروة، فإذا طاف بعد ذلك للزيارة، رمل في طوافه..، وهذا قول مجاهد، والشافعي”.

تنبيه: قال النووي في المجموع 8/20: “الأصح من القولين: إنه إنما يُسن الرمل والاضطباع في طواف يعقبه سعي، وهو إما القدوم، وإما الإفاضة، ولا يُتصور في طواف الوداع”. ونحوه قول صاحب الفروع، والمبدع: “ذكر القاضي، وصاحب التلخيص إذا تركهما فيه، أو لم يستعقب طواف القدوم، أتى بهما في طواف الإفاضة أو غيره. ولم يذكر ابن الزاغوني الرمل والاضطباع إلا في طواف الإفاضة، ونفاهما في طواف الوداع”. فمرادهم بنفيه في طواف الوداع: إذا كان طواف الوداع مستقلا، أما إذا أخّر الإفاضة إلى حين الوداع، فحينئذ يُتصور الاضطباع في طواف الوداع. والله أعلم.

ص: 274

قال النووي: “ فعلى هذا القول، إذا طاف للقدوم وفي نيّته أنه يسعى بعده، استُحِب الرمل فيه. وإن لم يكن هذا في نيّته، لم يرمل فيه. بل يرمل في طواف الإفاضة” 1. وقال الشاشي: “ فإن طاف للقدوم ورمل واضطبع، ولم يسع عقيبه، فإنه يسعى عقيب طواف الإفاضة ويرمل ويضطبع” 2.

الأدلة:

استدل أصحاب القول الأول، بما يلي:

بحديث يعلى بن أمية رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم، طاف بالبيت، وهو مضطبع ببُرد له حضرمي” 3.

وعن ابن عمر رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج، أو العمرة، أوّل ما يقدم، سعى ثلاثة أطواف، ومشى أربعة، ثم سجد

1 شرح النووي على صحيح مسلم 9/7.

2 حلية العلماء 3/285.

3 تقدم تخريجه.

ص: 275

سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة” 1.

وعن ابن عمر رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت، الطواف الأول، خبَّ ثلاثاً، ومشى أربعاً..، وكان ابن عمر يفعل ذلك” 2.

وعن جابر رضي الله عنه في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: “.. حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن، فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم” الحديث 3.

وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة، فرملوا بالبيت ثلاثاً، ومشوا أربعاً” 4.

فهذه الأحاديث جميعها دالة على أن اضطباعه صلى الله عليه وسلم كان في طواف القدوم.

أمّا حديث يعلى، وابن عمر، وجابر، فصريحة في ذلك، فقد نصّ في حديث يعلى على أن طوافه صلى الله عليه وسلم كان حين قدومه. وكذا جاء وصف هذا الطواف بأنه الأول في حديث ابن عمر5. وكان وصف جابر لحجه صلى الله عليه وسلم مفصلاً وبيّن أن هذا الطواف كان حين وصولهم إلى البيت.

وأما حديث ابن عباس في طواف العمرة، فظاهرٌ فيه أيضاً، لأن طواف النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان حين دخل مكة. فطواف العمرة يقوم مقام طواف القدوم 6.

1 متفق عليه. أخرجه البخاري في الحج، باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة “63” 2/163، ومسلم في الحج، باب استحباب الرمل في الطواف 9/7 بشرح النووي.

2 تقدم تخريجه.

3 تقدم تخريجه.

4 تقدم تخريجه.

5 قال الطبري بعد إيراده حديث ابن عمر رضي الله عنهم: “في هذا دليل على أن الرمل إنما هو في طواف القدوم، وفي طواف العمرة، لأنه كطواف القدوم” القِرى ص 297.

6 قال صاحب المبدع 3/218: “وليس في غير هذا الطواف رمل ولا اضطباع، لأنه عليه السلام وأصحابه إنما فعلوا ذلك في الطواف الأول”.

وانظر: كشاف القناع 2/555، المجموع 8/42.

ص: 276

واستدل أصحاب القول الثاني، بما يلي:

بحديثي يعلى، وابن عباس رضي الله عنهم المتقدمين ـ ووجه استدلالهم منهما: أن اضطباعه صلى الله عليه وسلم في ذلك الطواف، لأنه سعى بعدهما. فدلّ ذلك على مشروعية الاضطباع في كل طواف يعقبه سعي.

وبحديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم. وكونه صلى الله عليه وسلم لم يرمل في طواف الإفاضة، وطواف الوداع، لأنه لم يسع بعدهما. فدلّ ذلك على أن الاضطباع إنما يكون في طواف يعقبه سعي.

إن مَن ترك الاضطباع والرمل في طواف القدوم، أتى بهما في طواف الإفاضة، لأنهما سُنة أمكن قضاؤها، فتُقضى، كسنن الصلاة 1.

إن السعي تبع للطواف، فلو أخّر السعي إلى طواف الإفاضة، وقلنا لا يرمل في الطواف، لكونه رمل في طواف القدوم، أفضى إلى أن يكون التابع أكمل من المتبوع، وهذا لا يصح 2.

الرأي المختار:

ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، القائلون: إن الاضطباع والرمل لا يُشرعان إلا في طواف القدوم، أو طواف العمرة، سواء سعى بعده، أم لم يسع. هو الأرجح والمختار. وذلك لما يلي:

ظاهر هذه المسألة أنها متنازعة الأطراف، إذ أن ما استدل به الفريقان مشترك بينهما، فلم يقم دليل صريح ـ من السنة ـ لأحد الفريقين. وجه

1 انظر: الشرح الكبير 9/103.

2 انظر: المغني 5/221، الشرح الكبير 9/104.

ص: 277

ذلك: أن اضطباع النبي صلى الله عليه وسلم ورمله إنما كان في طوافه الأول، طواف القدوم. ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم اضطبع ورمل في طواف بعده. فصح أن يُقال: باختصاص الاضطباع والرمل فيه. وصح أن يُقال أيضاً: إن اضطباعه صلى الله عليه وسلم ورمله إنما كان في طواف أعقبه سعي. وكان الدليل صريحاً في المسألة لو ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أخّر السعي عن طواف القدوم 1.

لم يبق بعد ذلك للفريق الثاني إلا الحجتان العقليتان، وهما:

إن التابع لا ينبغي أن يكون أكمل من المتبوع 2. وإثبات سنة وعبادة بمثل هذه الحجة الضعيفة غير سديد، إذ الأصل في العبادات الحظر والمنع.

قياس قضائهما عند تركهما على سنن الصلاة. وهو قياس لا يصح، لأن من تركهما في الثلاثة الأول، لا يقضيهما في الأربعة الأخر اتفاقاً، ومن ترك الجهر في صلاة الفجر، لا يقضيه في صلاة الظهر 3.

يؤكد هذا ويعضده ما سيأتي من ترجيح عدم مشروعية الاضطباع والرمل للمكي، إذ لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم أمر أحداً من أهل مكة بهما في طواف الإفاضة،

1 إلا ما يرد على الحنفية من أن القارن يسعى مرة ثانية، وهم يقولون بأنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً، ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم رمل في طواف الإفاضة، بل الثابت أنه لم يرمل فيه. فقد روى البيهقي 5/84 عن ابن عباس رضي الله عنهم:" أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه " وقال عطاء: لا رمل فيه.

2 قال ابن قدامة في معرض الرد على هذه الحجة ومناقشتها: “إن المتبوع لا تتغير هيئته تبعاً لِتَبَعِه، ولو كانا متلازمين، لكان ترك الرمل في السعي تبعاً لعدمه في الطواف أولى من الرمل في الطواف تبعاً للسعي”. المغني 5/221.

3 انظر: الشرح الكبير 9/103، 104. وقال: “لا يقتضي القياس أن يقضي هيئة عبادة في عبادة أخرى”.

ص: 278

وهو الطواف الذي يختص به المكي، مع عدم اضطباعه ورمله صلى الله عليه وسلم في هذا الطواف 1.

لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من جاء مراهقاً، فلم يدخل مكة إلا بعد الوقوف بعرفة بالاضطباع والرمل في طوافه 2، فدلّ ذلك على ذهاب وقته.

1 فعن ابن عباس رضي الله عنهم: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه " رواه أبو داود في المناسك، باب الإفاضة في الحج “2001”، وابن ماجة “3060”، وابن خزيمة “2943”، والحاكم 1/648. وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، والبيهقي 5/84. وأورده ابن حجر في تلخيص الحبير 2/25، وسكت عنه. وقال ابن البنا في شرحه 2/619: “روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرهم بذلك في طواف القدوم، ولم يأمرهم في بقية الطواف، ولا فعله”. وانظر: نيل الأوطار 5/111.

2 ثبت أن بعض الصحابة لم يُدرك النبي صلى الله عليه وسلم في حجته إلا يوم عرفة، من حديث عروة بن مضَرِّس الطائي. قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بِجَمْع، فقلت: يا رسول الله، إني جئتك من جبلي طيء، أتعبت نفسي، وأنصبت راحلتي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه. فهل لي من حج؟ فقال:"من شهد معنا هذه الصلاة ـ يعني صلاة الفجر بجمع ـ ووقف معنا حتى نُفيض منه، وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلاً، أو نهاراً، فقد تم حجه، وقضى تفثه ". أخرجه أحمد 4/15، 261، 262، وأبو داود في المناسك، باب من لم يدرك عرفة 2/196”1950”، والترمذي في الحج، باب من أدرك الإمام بجمع 2/188”892”، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في المناسك، باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح 5/263”3039- 3043”، وابن ماجة”3016”، والدارمي 2/95، والطيالسي ص181 “1282”، وابن خزيمة “2820، 2821”، وابن حبان في الإحسان 6/61 “3839، 3840”، والحاكم 1/463، المنتقى لابن الجارود ص 123”467”، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2/208، والدارقطني 2/239، والبيهقي 5/116، 173، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير 2/256”1049”: “وصحح هذا الحديث: الدارقطني، والحاكم، والقاضي أبو بكر بن العربي على شرطهما”. ووافقهم الألباني في الإرواء “1066”.

ص: 279

يعضد ذلك ما ثبت من حال ابن عمر رضي الله عنه أنه كان لا يرمل إذا أهَلّ من مكة 1.

وبهذا يتبيّن: أن ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، هو أرجح الأقوال، وهو الرأي الذي أختاره. والله أعلم.

الفرع الثاني: هل يُشرع تكرار الاضطباع والرمل في الحج؟

اختلف القائلون بمشروعية الاضطباع والرمل في كل طواف يعقبه سعي، هل يُشرع تكرارهما في الحج أم لا؟ اختلفوا على قولين:

القول الأول: يُشرع تكراره في الحج لمن أحرم متمتعاً، أو قارناً.

وإلى هذا ذهب الحنفية 2.

لأنهم طردوا قاعدتهم المشار إليها: “ إن الاضطباع والرمل يُشرعان في كل طواف يعقبه سعى” 3.

1 سيأتي تخريجه في مشروعية الرمل لأهل مكة.

2 انظر: البحر الرائق 2/355، حاشية ابن عابدين 2/532، هداية السالك 2/806.

تنبيه: قول بعض الحنفية، كابن نجيم: “إذا كان قارناً لم يرمل في طواف القدوم، إن كان رمل في طواف العمرة” خلاف ما عليه جمهور الحنفية. وقد نبّه على ذلك ابن عابدين في حاشيته، فقال: “تنبيه: أفاد أنه يضطبع ويرمل في طواف القدوم، إن قدّم السعي، كما صرّح به في اللباب. قال شارحه القاري: وهذا ما عليه الجمهور، من أن كل طواف بعده سعي فالرمل فيه سنة، وقد نصّ عليه الكرماني حيث قال في باب القران: يطوف طواف القدوم، ويرمل فيه أيضاً، لأنه طواف بعده سعي. وكذا في خزانة الأكمل، وإنما يرمل في طواف العمرة، وطواف القدوم، مفرداً كان أو قارناً. وأما ما نقله الزيلعي عن الغاية للسروجي من أنه إذا كان قارناً لم يرمل في طواف القدوم، إن كان رمل في طواف العمرة، فخلاف ما عليه الأكثر. اهـ”.

3 انظر: القول الثاني في المسألة السابقة.

ص: 280

والمتمتع يطوف ويسعى لعمرته، ثم يطوف ويسعى لحجه، فعليه طوافان وسعيان، فكل طواف أعقبه بسعي يُشرع له الاضطباع والرمل فيه. والقارن عند الحنفية كالمتمتع عليه طوافان وسعيان، فيُشرع له ما يُشرع للمتمتع من تكرار الاضطباع والرمل 1.

القول الثاني: لا يُشرع الاضطباع والرمل إلا في طواف واحد في الحج.

وإلى هذا ذهب الشافعية 2.

ومن الحجة لهم في ذلك ما يلي:

حديث ابن عمر رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف الطواف الأول، خبّ ثلاثاً، ومشى أربعاً” 3.

1 انظر: أنواع الطواف وأحكامه ص 227، مجلة البحوث الإسلامية العدد “50”، وقال السرخسي في المبسوط 4/32 في بيان أفعال القارن والمتمتع في الحج: “ويزور ـ أي: القارن ـ البيت، فيطوف به أسبوعاً يرمل في الثلاثة الأول، ويمشي في الأربعة الأواخر على ركعتين، ويسعى بين الصفا والمروة على قياس ما بيّناه في الحج، لأن هذا أول طواف يأتي به في الحج، وقد بينا أن الرمل في أول طواف الحج سنة، والسعي عقيب أول طواف الحج. وهذا بخلاف المفرد، لأنه طاف للقدوم في الحج هناك وسعى بعده، فلهذا لا يرمل في طواف يوم النحر ولا يسعى بعده، ولو كان هذا المتمتع بعد ما أحرم بالحج طاف وسعى قبل أن يروح إلى منى، لم يرمل في طواف الزيارة يوم النحر، ولم يطف بين الصفا والمروة”.

2 انظر: المجموع 8/20،19، شرح النووي على صحيح مسلم 9/7، نيل الأوطار 5/109. قال في المجموع: ”اتفقت نصوص الشافعي، والأصحاب على استحباب الاضطباع في الطواف، واتفقوا على أنه لا يُسن طواف الحج والعمرة، وأنه يُسن في طواف العمرة، وفي طواف واحد في الحج، وهو طواف القدوم، أو الإفاضة، ولا يُسن إلا في أحدهما”.

3 تقدم تخريجه.

ص: 281

قالوا: فدلّ ذلك على أنه لم يعد في غيره 1.

إن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرمل في عُمَرِه وحجته إلا مرة واحدة، فدلّ ذلك على أن الاضطباع والرمل إنما يُشرعان مرة واحدة في النسك من حج أو عمرة.

لم يثبت أن الصحابة رضي الله عنه رملوا في طواف الإفاضة حين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سعوا عقبه، لأنهم كانوا متمتعين. فدلّ ذلك على أن الاضطباع والرمل، وإن شُرِعا في كل طواف يعقبه سعي، إلا أنهما لا يُشرعان إلا مرة واحدة في الحج.

الرأي المختار:

يظهر أن الرأي الأول هو أقوى هذين الرأيين، إلا أنه سبق اختيار أن الاضطباع والرمل إنما يُشرعان في طواف القدوم. والله أعلم.

الفرع الثالث: الاضطباع والرمل من غير إحرام.

إذا لم يطف الحاج للقدوم قبل الوقوف بعرفة، أو لم يضطبع في طواف القدوم لكونه لم يسع بعده، ودخل مكة لطواف الإفاضة بعد التحلل الأصغر، وقد خلع ملابس الإحرام. فهل يُشرع له الاضطباع والرمل في هذه الحال، أم لا؟

لم تنصّ أكثر المصادر التي وقفتُ عليها على هذه المسألة، ويمكن القول بأن العلماء اختلفوا في ذلك على قولين:

القول الأول: لا يُشرع الاضطباع والرمل في غير ملابس الإحرام.

القول الثاني: يُشرع الاضطباع والرمل وإن لم يكن الطائف لابساً ملابس الإحرام.

1 انظر: المهذب مع المجموع 8/40.

ص: 282

قال البكري: “ ويُسن أن يضطبع الذَّكَر في طواف يرمل فيه، وهو الذي يعقبه السعي، ولو كان لابساً” 1.

وقال ابن عابدين: “ من لبس المخيط لعذر هل يُسن له التشبه به، لم يتعرض له أصحابنا. وقال بعض الشافعية يتعذر في حقه، أي: على وجه الكمال فلا ينافي ما ذكره بعضهم أنه قد يُقال يُشرع له، وإن كان المنكب مستوراً بالمخيط للعذر. قلت: والأظهر فعله” 2.

وقال في إرشاد الساري: “ وبفرض أنه لم يكن لابساً، فلا يُنافي ما قال في البحر من أنه لا يُسن في طواف الإفاضة، لأنه قد تحلل من إحرامه، ولبس المخيط، والاضطباع في حال بقاء الإحرام. وهذا ظاهر ـ ثم نبه على مسألة نحوها، فقال: ـ ولكن من لبس المخيط لعذر، هل يُسن في حقه التشبه به؟ ولم يتعرض له أصحابنا. وذكر بعض الشافعية: أن الاضطباع إنما يُسن لمن لم يلبس المخيط، أما من لبسه من الرجال، فيُتعذر في حقه الإتيان بالسنة ـ أي: على وجه الكمال ـ فلا يُنافي ما ذكره بعضهم من أنه قد يُقال: يُشرع له جعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن، وطرفيه إلى الأيسر، وإن كان المنكب مستوراً بالمخيط للعذر. قال في عمدة المناسك: وهذا لا يبعد لما فيه من التشبه بالمضطبع عند العجز عن الاضطباع، وإن كان غير مخاطب فيما يظهر. قلت: الأظهر، فعله. فإن ما لا يُدرك كله، لا يُترك كله. ومن تشبّه بقوم فهو منهم”.

الرأي المختار:

ليس في هذه المسألة من النصوص والأدلة ما يمكن الاعتماد عليه في

1 إعانة الطالبين 2/300.

2 حاشية ابن عابدين 2/495. وقال 2/518: “وأما الاضطباع فساقط مطلقاً في هذا الطواف ـ أي: طواف الإفاضة”. وانظر: منسك ملا القاري ص 88.

ص: 283

الترجيح والاختيار، إلا ما قد مضى تقريره، وترجيحه في مسائل أخرى. والذي أختاره في هذه المسألة، بناءً على ما تقدم، هو القول: بعدم مشروعية الرمل والاضطباع في غير ملابس الإحرام، وذلك لما يلي:

لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اضطبع، أو رمل وهو غير محرم، أو أنه أمر أحداً بذلك.

لم يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم فعلوا ذلك.

لا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما اضطبع هو وأصحابه بأرديتهم، وهم مُحْرِمون، فالاضطباع بغير تلك الحال، ليس فيه اقتداء واتباع، بل إحداث وابتداع.

مضى تقرير ارتباط كلٍ من الاضطباع والرمل بالآخر 1، فحيث لا يُشرع الاضطباع في حال عدم الإحرام، فكذا لا يُشرع الرمل في تلك الحال.

مضى في المسألة السابقة، تقرير اختصاص مشروعية الاضطباع والرمل بطواف القدوم، وترجيح عدم مشروعية طواف القدوم للمراهق 2، الذي لم يدخل قبل الوقوف بعرفة، وبذلك يتبيّن عدم مشروعية الاضطباع والرمل بغير ملابس الإحرام لمن دخل مكة بعد التحلل الأصغر.

سيأتي في المسألة التالية، تقرير عدم مشروعية قضاء الاضطباع والرمل في غير وقتهما، وعدم صحة القياس في ذلك.

إن القول بأن ما لا يُدرك كله، لا يُترك كله. ومن تشبه بقوم فهو منهم. إنما يصح في حق العاجز عن الفعل، إمّا لمرض، أو ضرر، أو فقد ونحو ذلك. ولا ريب أن من تحلل لا يُقال بأنه عاجز عن لبس إزار ورداء، والاضطباع به. وإنما يُقال: قد فات وقت المشروعية. ففرق بين الحالين. والله أعلم بالصواب.

1 انظر: التمهيد من هذا البحث.

2 انظر: بحث: أنواع الطواف وأحكامه. ص 224، مجلة البحوث الإسلامية، العدد “50”.

ص: 284

الفرع الرابع: كيف يصنع من زُحِم في الطواف؟

من لم يتمكن من الرمل بسبب الزحام. فهل يُشرع له الوقوف، ليتمكن من الرمل؟ وهل يكون البُعْد عن البيت أولى من القُرْب منه إذا تمكّن من الرمل معه؟

اتفق العلماء رحمهم الله على أن القرب من البيت مع الرمل أولى، ليجمع بين الرمل والقرب 1،

حتى ولو كان عند البيت زحام يسير يتمكن من الوقوف 2 أثناء طوافه

1 قال الشافعي: “والدنو من البيت أحبّ إليَّ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أقرب أصحابه إلى البيت، ولأن المقصود بالطواف البيت. فإذا كان أقرب إلى المقصود، كان أولى”. وانظر: فتح القدير 2/455، البحر الرائق 2/355، التاج والإكليل 3/75 مواهب الجليل 3/109، كفاية الطالب 2/668، الحاوي 4/141، إعانة الطالبين 2/299، المغني 5/220، شرح العمدة 3/442، الفروع 2/498، منتهى الإرادات 2/144، الإقناع مع شرحه 2/559.

2 تنبيه: القول بالوقوف أثناء الطواف ليتمكن من الرمل، إن لم يترتب على ذلك أذى، أو ضرر متفق عليه، كما سيأتي قريباً تقريره. وقال السرخسي في المبسوط 4/11: “إن زحمك الناس في رملك، فقم. فإذا وجدت مسلكاً، فارمل، لأنه تعذّر عليه إقامة السنة في الطواف للزحام، فليصبر حتى يتمكن من إقامة السنة، كالمزحوم يوم الجمعة، يصبر حتى يتمكن من السجود”. وتعقّب ذلك ملا القاري، فقال: في منسكه ص 91: “وأما عبارته في الكبير “فإذا زُحِم الناس في الرمل، يقف حتى تزول الزحمة، ويجد مسلكاً، فيرمل” فموهمة أنه يقف في الأثناء، وهو مستبعد جداً، عرفاً وعادة، لما فيه من الحرج والمشقة، ولكون الموالاة بين الأشواط وأجزاء الطواف سنة متفق عليها. بل قال بعض العلماء: إنها واجبة. فلا تترك لحصول سنة مختلف فيها. والله أعلم. فلو حصل التزاحم في الأثناء، يفعل ما يقدر عليه، ويترك ما لا يقدر عليه،. فإن ما لا يدرك كله، لا يترك بعضه”. إلا أن ابن عابدين نبّه على من تعقّب ذلك، ورام الجمع، فقال في حاشيته 2/498: “قوله “وقف” وفي شرح الطحاوي: يمشي حتى يجد الرمل، وهو الأظهر، لأن وقوفه مخالف للسنة ـ قاري على النقاية، وفي شرحه على اللباب ـ لأن الموالاة بين الأشواط وأجزاء الطواف، سنة متفق عليها. بل قيل: واجبة، فلا يتركها لسنة مختلف فيها. اهـ ـ قال ابن عابدين: ـ قلت: ينبغي التفصيل جمعاً بين القولين، بأنه إن كانت الزحمة قبل الشروع، وقف، لأن المبادرة إلى الطواف مستحبة، فيتركها لسنة الرمل المؤكدة، وإن حصلت في الأثناء، فلا يقف لئلا تفوت الموالاة”.

ص: 285

دون إيذاء، أو ضرر يلحقه، أو يُلْحِقه بالآخرين1.قال النووي: “ القُرب من البيت مستحب للطائف، ولو تعذر الرمل مع الزحمة، فإن رجا فُرجة، ولا يتأذى أحد بوقوفه، ولا يضيق على الناس، وقف، ليرمل” 2.

واتفقوا أيضاً: على أن البُعد من البيت مع الرمل، أولى من القرب منه مع عدمه 3. قال النووي: “ لأن فضيلة الرمل هيئة للعبادة في نفسها، والقرب من الكعبة هيئة في موضع العبادة لا في نفسها، فكان تقديم ما تعلق بنفسها أولى. والله أعلم” 4.

1 انظر: فتح القدير 2/455، البحر الرائق 2/355، حاشية الطحطاوي 1/479، الحاوي 4/141، إعانة الطالبين 2/300، مواهب الجليل 3/109، المغني 5/220، مجموع الفتاوى 26/ 122، الفروع 2/498، منتهى الإرادات 2/144، كشاف القناع 2/559.

2 المجموع 8/43.

3 انظر: فتح القدير 2/455، البحر الرائق 2/355، إعانة الطالبين 2/300، مواهب الجليل 3/109. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 26/ 122: “فإن لم يمكن الرمل للزحمة، كان خروجه إلى حاشية المطاف والرمل، أفضل من قربه إلى البيت بدون الرمل، وأما إذا أمكن القرب من البيت مع إكمال السُّنَّة، فهو أولى. ويجوز أن يطوف من وراء قُبَّة زمزم، وما وراءها من السقائف المتصلة بحيطان المسجد”.

4 شرح النووي على صحيح مسلم 9/7.

ص: 286

قال الشافعي: “ فإذا كان زحام لا يمكن معه أن يَخُبَّ، فكان إن وقف، وجد فرجة، وقف. فإذا وجد الفرجة رمل. وإن كان لا يطمع بفرجة، لكثرة الزحام، أحببت أن يصير حاشية في الطواف، فيمكنه أن يرمل، فإنه إذا صار حاشية، أمكنه أن يرمل، ولا أحب ترك الرمل” 1.

وقالوا: المحافظة على فضيلة تتعلق بنفس العبادة، أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكانها، أو زمانها2. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “ قال أصحابنا يُستحب للطائف الدنو من البيت في الطواف إلا أن يُؤذي غيره، أو يتأذى بنفسه، فيخرج إلى حيث أمكنه. وكلما كان أقرب، فهو أفضل، وإن كان الأبعد أوسع مطافاً وأكثر خطىً، فإن لم يمكنه الرمل مع القرب، لقوة الازدحام، فإن رجا أن تخف الزحمة، ولم يتأذ أحد بوقوفه، انتظر ذلك، ليجمع بين قربه من البيت، وبين الرمل، فإن ذلك مقدم على مبادرته إلى تمام الطواف. وإن كان الوقوف لا يُشرع في الطواف. قال أحمد: فإن لم تقدر أن ترمل، فقم حتى تجد مسلكاً ثم ترمل. فإن لم يمكنه الجمع بين القرب والرمل. فقال القاضي وغيره: يخرج إلى حاشية المطاف، لأن الرمل أفضل من القرب، لأنه هيئة في نفس العبادة، بخلاف القرب، فإنه هيئة في مكانها” 3.

1 الأم 2/174، 175.

2 انظر: كشاف القناع 2/559، إعانة الطالبين 2/300. وقال السيوطي في الأشباه والنظائر ص147: “القاعدة الثانية والعشرون: الفضيلة المتعلقة بنفس العبادة، أولى من المتعلقة بمكانها..، الدنو من الكعبة في الطواف مستحب، والرمل مستحب، فلو منعته الزحمة من الجمع بينهما، ولم يمكنه الرمل، وأمكنه مع البعد، فالمحافظة على الرمل مع البعد أولى من المحافظة بلا رمل لذلك”. وقال الماوردي في الحاوي 4/141: “وإنما كان الرمل أوكد، لأنه سنة والدنو فضيلة، والسنة أوكد من الفضيلة، ولأن الرمل من هيئات الطواف المقصودة، وليس الدنو من البيت من هيئته”.

3 شرح العمدة 3/442، 443. ثم أورد قول ابن عقيل من الحنابلة، وأجاب عليه. فقال: “وقال ابن عقيل: يطوف قريباً على حسب حاله، ولأن الرمل هيئة فهو، كالتجافي في الركوع والسجود، ولا يترك الصف الأول، لأجل تعذرها. فكذلك هنا لا يترك المكان القريب من البيت لأجل تعذر الهيئة. والأول أولى، لأن الرمل سنة مؤكدة بحيث يكره تركها، والطواف من حاشية المطاف لا يكره، بخلاف التأخر إلى الصف الثاني في الصلاة، فإنه مكروه كراهة شديدة. والفرق بين الصف الأول، وبين داخل المطاف: أن المصلين في صلاة واحدة، ومن سنة الصلاة إتمام الصف الأول، بخلاف الطائفين، فإن كل واحد يطوف منفرداً في الحكم فنظير ذلك أن يصلي منفرداً في قبلي المسجد مع عدم إتمام هيئات الصلاة، فإن صلاته في مؤخره مع إتمامها أولى. وأيضاً فإن تراص الصف وانضمامه سنة في نفسه فاغتفر في جانبها زوال التجافي بخلاف ازدحام الطائفين فإنه ليس مستحباً، وإنما هو بحسب الواقع. وأيضاً فإن فضيلة الصف الأول ثبتت بنصوص كثيرة بخلاف داخل المطاف. على أن المسألة التي ذكرها فيها نظر. فأما إن خاف إن خرج أن يختلط بالنساء، طاف على حسب حاله ولم يخرج”.

ص: 287

وأشار بعض الحنابلة إلى أنه إن كان يتمكن من الرمل، أو الدنو من البيت بتأخير الطواف، دون تضرر به، أو برفقته، فهو أولى. ولم يخل من تعقب 1.

فإن كان لا يتمكن من الرمل مع البُعْد، أو كان في حاشية المطاف نساء، ويخشى أن يتضرر، أو يتضررن من ذلك، كان الدنو من البيت، أولى 2.

1 انظر: الفروع 2/498، منتهى الإرادات 2/144،الإقناع مع شرحه 2/559.قال صاحب الفروع: “وهو – أي: الرمل - أولى من الدنو من البيت، والتأخير له أولى”. وقال صاحب المبدع: “وفي الفصول: لا ينتظر للرمل، كما لا يترك الصف الأول لتعذر التجافي في الصلاة”.

2 انظر: المجموع 8/43، إعانة الطالبين 2/300، مواهب الجليل 3/109، المغني 5/220. قال ابن قدامة: “فإن كان قُرْب البيت زحام فظن أنه إذا وقف لم يؤذ أحداً، وتمكن من الرمل، وقف ليجمع بين الرمل والدنو من البيت، وإن لم يظن ذلك، وظن أنه إذا كان في حاشية الناس تمكن من الرمل، فعل، وكان أولى من الدنو. وإن كان لا يتمكن من الرمل أيضاً، أو يختلط بالنساء، فالدنو أولى، ويطوف كيفما أمكنه، وإذا وجد فرجة رمل فيها”.

ص: 288

وهل يسقط عنه الرمل في مثل هذه الحال التي لم يتمكن من الرمل فيها على الصفة المشروعة حسب السنة، أو يرمل حسب قدرته وطاقته؟ وهل يتحرك في مشيه إن زُحِم عن الرمل، ويُرِي من نفسه أنه لو أمكنه الرمل لرمل؟

اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول: إنه إن لم يتمكن من الرمل على الصفة المشروعة، كما جاءت بها السنة، ترك الرمل، ومشى على عادته.

وإلى هذا القول ذهب: الحنفية 1.

القول الثاني: إنه يرمل حسب قدرته وطاقته، فإن تعذّر ذلك، مشى مشياً معتاداً على سجيته.

وإلى هذا القول ذهب: المالكية، والحنابلة 2.

1 انظر: تحفة الفقهاء 1/401، بداية المبتدي وشرحها الهداية 2/454، 455، بدائع الصنائع 2/147، هداية السالك 2/705. قال في البداية: “فإن زحمه الناس في الرمل، قام. فإذا وجد مسلكاً رمل” قال في شرحها: “لأنه لا بدّ له، فيقف حتى يقيمه على وجه السنة، بخلاف الاستلام، لأن الاستقبال بدل له”.

2 انظر: الشرح الكبير 2/41، الشرح الصغير 2/353، مواهب الجليل 3/109، المغني 5/220، هداية السالك 2/805. قال الحطاب في شرحه قول خليل في مختصره “وللزحمة الطاقة”: “قال في المدونة “وإن زوحم في الرمل فلم يجد مسلكاً، رمل بقدر طاقته” قال سند: يستحب للطائف الدنو من البيت، هو المقصود، فإن كان بقرب البيت زحام لا يمكنه أن يرمل فيه، فإن كان يعلم أنه إذا وقف قليلاً وجد فرجة، تربص، فإذا وجد فرجة رمل. وإن لم يطمع بفرجة لكثرة الزحام، فإن علم أنه إن تأخر إلى حاشية الناس أمكنه الرمل، فليتأخر، ورمله مع ذلك أولى من قُربه بالبيت، رمل، فإن كان لا يمكن التأخير، أو كان ليس في حاشية الناس فرجة، فإنه يمشي ويعذر في ترك الرمل. انتهى. قال عبد الحق: وذكر بعض البغداديين أنه إذا زوحم في الرمل، فلم يجد مسلكاً إنما يرمل إذا قدر على المشي، فأما إذا لم يستطع وهو قائم في موضعه، فليس يؤمر أن يتحرك إذا لم يطق المشي. ويدل على هذا قول مالك في كتاب محمد: إنه لا يحرك منكبيه في الرمل. فاعلم ذلك. انتهى”.

ص: 289

القول الثالث: إنه إن لم يتمكن من الرمل، تحرك في مشيه، ليُري من نفسه أنه لو أمكنه الرمل، لرمل.

وإلى هذا القول ذهب: الشافعية 1.

قال الماوردي: “ الرمل مسنون، والدنو من البيت مستحب. فإذا أمكنه الرمل والدنو من البيت، فعلهما معاً، وإن لم يمكنه الرمل مع دنوه من البيت، فله حالان:

أحدهما: أن يعلم أنه إذا وقف يسيراً، وجد فرجة، وأمكنه الرمل من غير أن يستضر بوقوفه الطُّوَّاف، فالأولى، أن يقف، ولا يثب من الأرض في وقوفه، لأنه لم يفعله أحد يُقتدى به.

والثاني: أن يعلم أنه إن وقف، لم يجد فرجة، أو علم أنه يجد فرجة، لكن إن وقف، استضر بوقوفه الطواف، فهذا يبعد من البيت، ويصير في حاشية الطواف، ليرمل، لأن الرمل أوكد من الدنو من البيت”2.

الرأي المختار:

بتأمل هذه الأقوال والنظر فيها، نجد أن أصحاب القول الأول، رأوا أن الرمل هيئة مستحبة في الطواف، إن تعذر الإتيان بها على الصفة المشروعة التي جاءت بها السنة، سقطت، ولا حاجة إلى الإتيان ببديل عنها، لأنها صفة لم تأت السنة بها.

1 انظر: المجموع 8/43، شرح النووي على صحيح مسلم 9/7، هداية السالك 2/804. قال النووي في المجموع: “ومتى تعذر الرمل، استحب أن يتحرك في مشيه، ويُري من نفسه أنه لو أمكنه الرمل، رمل. نص عليه الشافعي، واتفق عليه الأصحاب”.

2 الحاوي 4/141.

ص: 290

وأن من قال بالرمل حسب طاقته وقدرته، فإنهم يتفقون مع هذا القول بأنه إن تعذّر الرمل، مشى على سجيّته، ولم يقولوا بالتحرك أثناء المشي. وإنما قيّدوا الرمل بقدر الاستطاعة، مستأنسين بالعمومات في هذا الباب، نحو قوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 1وقوله صلى الله عليه وسلم: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} 2.

وقوله صلى الله عليه وسلم: “إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم” 3. وأن هذا نحو ما ذكره العلماء من استحباب إمرار الموسى على رأس من لا شعر له 4.

أمّا ما ذهب إليه أصحاب القول الثالث، من التحرك حال المشي، فالذي يظهر: ضعف هذا القول، لأن فيه تكلفاً لم تأت السنة به. وهل غير المستطيع للرمل في حاجة ـ وهو في هذه الحال ـ لأن يُري نفسه، أو غيره عدم قدرته على الرمل؟!

وإن كان النووي وغيره من علماء الشافعية قد نصوا على أن هذا القول قد نص عليه الشافعي. فقد نصّ على خلافه. فقال: “ رمل إذا أمكنه الرمل، ومشى إذا لم يمكنه الرمل، سجية مشيه. ولم أحب أن يثب من الأرض وثوب الرمل، وإنما يمشي مشياً”5. فهذا القول فيه موافقة لظاهر السنة، ويتفق مع أقوال المذاهب الأخرى. وهو الأحرى بالأخذ والاعتبار. والله أعلم بالصواب.

1 سورة التغابن، آية:16.

2 سورة البقرة، آية:286.

3 متفق عليه أخرجه البخاري في الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم “2” 8/142، ومسلم في الحج، باب فرض الحج مرة في العمر 9/100. من حديث أبي هريرة رضي الله عنهم.

4 انظر: المجموع 8/43.

5 الأم 2/175.

ص: 291

الفرع الخامس: قضاء الاضطباع والرمل.

سبق بيان حكم الاضطباع والرمل في الطواف، فعلى قول الجمهور بمشروعيتهما واستحبابهما، فلا يترتب على تركهما فدية، ولا محذور. بل ترك للفضيلة. قال النووي: ” ولو ترك الاضطباع والرمل..، في الطواف، فطوافه صحيح، ولا إثم عليه، ولا دم عليه. ولكن فاتته الفضيلة. قال الشافعي والأصحاب: هو مسيء. يعنون إساءة لا إثم فيها” 1.

فهل يُشرع لمن تركهما في موضعهما، تدارك ذلك وقضاؤهما فيما بعد؟ ومتى يكون ذلك؟ هذا ما سأتناوله في المسألتين التاليتين:

المسألة الأولى: قضاء الاضطباع.

مضت الإشارة إلى اختلاف العلماء رحمهم الله في وقت الاضطباع. وهل هو في جميع الطواف، أو في الأشواط التي يُرمل فيها 2؟

ومضت الإشارة أيضاً إلى أن الاضطباع ملازم للرمل ومرتبط به، وأنه لا يعني عدم فعل أحدهما في موضعه لترك الآخر لعذر أو غيره 3.

وعلى ذلك: فمن ترك الاضطباع في بعض الأشواط لعذر، أو غيره، فإنه يُشرع له تداركه فيما بقي من الأشواط. قال الشافعي: “ فإن ترك الاضطباع في بعض السبع، اضطبع فيما بقي منه، وإن لم يضطبع بحال، كرهته له، كما أكره له ترك الرمل في الأطواف الثلاثة، ولا فدية عليه، ولا إعادة” 4.

وأما القائلون: إن الاضطباع ملازم للرمل في الأشواط الثلاثة، فيكون

1 المجموع 8/45. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في الفرع الثالث، من المطلب الرابع.

2 في الفرع الأول من المطلب الخامس.

3 في التمهيد من هذا البحث.

4 الأم 2/174. وانظر: الحاوي 4/140.

ص: 292

تدارك الاضطباع، كتدارك الرمل. وأما من ترك الاضطباع والرمل في طواف القدوم، فسيأتي بيان ذلك في المسألة التالية.

المسألة الثانية: قضاء الرمل.

اتفق العلماء رحمهم الله القائلون بمشروعية الرمل في الأشواط الثلاثة الأول، على أن من ترك الرمل في الشوط الأول أو الثاني، لا يدعه في باقي الأشواط الثلاثة الأول.

وأن من تركه في الأشواط الثلاثة الأول، أو بعضها، لم يقضه في الأربعة الأخيرة، لأنه هيئة في محل، فلا يُقضى في غيره، كمن ترك الجهر بالقراءة في الركعتين الأوليين من صلاة العشاء، لا يقضيه في الأخيرتين ولأن السنة في الأشواط الأربعة الأخيرة المشي، فإذا قضى الرمل في الأربعة أخلّ بالسنة في جميع الطواف، وكان تاركاً للسُّنّتين 1، فإخلاله بسنة أيسر من إخلاله بسنتين 2.

قال السرخسي: “ وإن مشى في الثلاثة الأول، أو في بعضها، ثم ذكر ذلك، لم يرمل فيما بقي، لأن الرمل في الأشواط الثلاثة سُنَّة، فإذا فاتت من موضعها، لا تقضى. والمشي على هينته 3 في الأربعة الأخر، من آداب

1 دلّ على السُّنَّتين جميعاً حديث ابن عمر رضي الله عنهم:» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خبَّ ثلاثاً، ومشى أربعاً.. «وقد تقدم تخريجه في المطلب الثاني.

2 انظر: المبسوط للشيباني 2/406، فتح القدير 2/455، البحر الرائق 2/355، حاشية ابن عابدين 2/498، الفتاوى الهندية 1/226، الأم 2/175، الحاوي 4/141، المهذب مع المجموع 8/41،40، إعانة الطالبين 2/299ن هداية السالك 2/804، المغني 5/220، المحرر في الفقه 1/246، الفروع 2/497، منتهى الإرادات 2/142.قال النووي: “وهذا لا خلاف فيه. وهو نظير من قُطِعت مسبحته اليمنى، لا يشير في التشهد باليسرى”.

3 المشي على هينته. أي: على تأنيه. ويُقال أيضاً: على هيئته. أي: على سجيته وطبيعته.

انظر: إعانة الطالبين 2/299، القاموس المحيط ص 73، 1601.

ص: 293

الطواف، أو من السنن، فإن ترك في الثلاثة الأول ما هو سنتها، لا يترك في الأربعة الأخر ما هو سنتها”1.

واختلف العلماء رحمهم الله إن ترك الرمل والاضطباع في طواف القدوم، وقد سعى عقبه 2. فهل يُشرع له قضاؤهما في طواف غيره أو لا؟ اختلفوا في ذلك على قولين:

القول الأول: إنه لا يُشرع له قضاؤهما.

وإلى هذا القول ذهب: الحنفية 3، والشافعية في المذهب 4، والحنابلة في المشهور 5.

القول الثاني: إنه يُشرع له قضاؤهما.

وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في وجه 6، وبعض الحنابلة 7.

1 المبسوط 4/49.

2 أما إذا لم يسع عقبه، فقد مضت الإشارة إلى قول القائلين بمشروعية الرمل في كل طواف يعقبه سعي. في الفرع الأول من المطلب السادس.

3 قال ابن عابدين في حاشيته 2/518: “قوله " إن كان سعى قبل " لم يقل إن كان رمل وسعى قبل، إشارة إلى أنه لو كان سعى قبل، ولم يرمل، لا يرمل هنا، لأن الرمل إنما يشرع في طواف بعده سعي، كما مر. ولا سعي ههنا كما في العناية، وكذا في اللباب، وفيه " وأما الاضطباع فساقط مطلقاً في هذا الطواف " اهـ. سواء سعى قبله أو لا”.

4 انظر: المهذب مع المجموع 8/40، وفي حلية العلماء 3/285: “وذكر القاضي أبو الطيب في ذلك وجهين، وذكر أن المذهب أنه لا يقضيه”.

5 انظر: المغني 5/221، كشاف القناع 2/558. قال الموفق ابن قدامة: “ولا يُسن الرمل والاضطباع في طواف سوى ما ذكرناه – أي: طواف القدوم -”.

6 انظر: المهذب مع المجموع 8/40، حلية العلماء 3/285، وحكاه عن الشيخ أبي حامد.

7 انظر: المغني 5/221، المبدع 3/218، المحرر 1/246، كشاف القناع 2/558. قال صاحب المبدع: “وذكر القاضي، وصاحب التلخيص: إذا تركهما به، أو لم يسع عقب طواف القدوم، أتى بهما في طواف الإفاضة، أو غيره. وذكر ابن الزاغوني: أن الرمل والاضطباع في طواف الإفاضة، ونفاهما في طواف الوداع”. وفي هداية السالك 2/806: “وقال القاضي: إذا لم يسع عقب طواف القدوم، أو سعى عقبه ولم يرمل، رمل في طواف الإفاضة مطلقاً”.

ص: 294

القول الثالث: إنه يُشرع له قضاء الرمل إذا لم يطف للقدوم قبل الوقوف بعرفة 1، سواء أكان تركه لطواف القدوم بعذر، أم لا. ولا يُشرع له قضاء الرمل إذا طاف للقدوم وترك الرمل، سواء أكان تركه للرمل بعذر، أم لا.

وإلى هذا القول ذهب: المالكية 2.

الأدلة:

استدل أصحاب القول الأول، بما يلي:

من فاته الرمل في الطواف، لم يقضه فيما بعده، كمن تركه في الثلاثة الأول، لا يقضيه في الأربعة الأخيرة 3.

من فاته الرمل والاضطباع، لم يقضه في طواف غيره، كمن فاته الجهر في الصبح، لم يقضه في الظهر 4.

لا يقتضي القياس أن تُقْضى هيئة عبادة في عبادة أخرى 5.

1 تخصيص القضاء بالرمل، لما مضى تقريره في الفرع الأول من المطلب الرابع، من أن المالكية لا يرَوْن مشروعية الاضطباع أصلاً.

2 انظر: الشرح الكبير 2/43. قال الدردير: “ولم يطف للقدوم فيرمل بالإفاضة. أي في الأشواط الثلاثة الأول من طواف الإفاضة لمراهق ونحوه من كل من لم يطف للقدوم، لفقد شرطه أو نسيانه، بل ولو تعمد تركه بخلاف من طاف للقدوم وترك الرمل فيه عمداً أو سهواً، فلا يُندب الرمل في الإفاضة”.

3 انظر: المغني 5/221.

4 انظر: المغني 5/221، الكافي 1/432، كشاف القناع 2/480.

5 انظر: المغني 5/221، كشاف القناع 2/480.

ص: 295

واستدل القول بمشروعية القضاء1، بما يلي:

إنه سنة أمكن قضاؤها، فتقضى، كسنن الصلاة 2.

إنه إن لم يقضهما، فاتته سنة الرمل والاضطباع 3.

الرأي المختار:

ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، القائلون بعدم مشروعية قضاء الاضطباع والرمل إذا تركهما في وقتهما المشروع لهما، هو الرأي المختار، لما يلي:

تقدم في الفرع الأول من هذا المطلب: ترجيح القول باختصاص الاضطباع والرمل في طواف القدوم. فلا يُشرعان في غيره.

قوة ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن مَن ترك الاضطباع والرمل، لا يُشرع له قضاؤهما، لأنهما سنتان مضى وقتهما، فلا تُقضيان في غيره.

إن قياس قضاء الاضطباع والرمل على قضاء سنن الصلاة، لا يصح، لأن القياس لا يقتضي قضاء هيئة عبادة في عبادة أخرى.

إن قياس الاضطباع والرمل في الطواف على الجهر بالقراءة في الصلاة، أقرب من القياس على سنن الصلاة، لأن كلا منهما هيئة عبادة.

إن الاتفاق على عدم مشروعية قضاء الرمل في الأشواط الأربعة الأخيرة، يعضد القول بعدم قضائهما في طواف آخر. والله أعلم.

1 هذا الاستدلال يشمل أصحاب القول الثاني، والثالث.

2 انظر: المغني 5/221. وقال: “وهذا لا يصح، لما ذكرنا في من تركه في الثلاثة الأول، لا يقضيه في الأربعة، وكذلك من ترك الجهر في صلاة الجهر، لا يقضيه في صلاة الظهر، ولا يقتضي القياس أن تُقضَى هيئة عبادة في عبادة أخرى”.

3 انظر: المجموع 8/40.

ص: 296