المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السابع: من يشرع له الاضطباع والرمل - أحكام الاضطباع والرمل في الطواف

[عبد الله بن إبراهيم الزاحم]

الفصل: ‌المطلب السابع: من يشرع له الاضطباع والرمل

‌المطلب السابع: من يُشرع له الاضطباع والرمل

.

اتفق العلماء رحمهم الله على أن الاضطباع والرمل مشروعان للرجال1.

واتفقوا أيضاً: على أنهما لا يُشرعان للنساء 2.

وحكاه ابن المنذر، وابن عبد البر إجماعاً3. وقال النووي: “ الاضطباع مسنون للرجال، ولا يُشرع للمرأة بلا خلاف” 4. لأنهما شُرعا لإظهار الْجَلَد، وليس مطلوباً منهن. بل إنما يُقصد فيهن الستر، وفي الاضطباع والرمل، تعرّض للانكشاف 5.

1 انظر: البحر الرائق 2/382، إيضاح المناسك ص 68، الرسالة مع تنوير المقالة 3/435، البيان والتحصيل 3/450، قوانين الأحكام الشرعية ص 139، الشرح الكبير 2/41، 43، أقرب المسالك 2/352، حلية العلماء 3/285، مغني المحتاج 1/489، إعانة الطالبين 2/299 الكافي 1/432، كشاف القناع 2/480.

2 انظر: المراجع السابقة و: المبسوط 4/33، المحلى 7/96، بداية المجتهد 1/340، الشرح الصغير 2/352، التاج والإكليل 3/109، المجموع 8/20، شرح صحيح مسلم للنووي 9/7 روضة الطالبين 3/88، المقنع مع الشرح الكبير 9/102، الفروع 2/499، التوضيح 2/518. وعقد الماوردي فصلاً فيما تخالف فيه المرأة الرجل في الطواف. في الحاوي 4/94

فقال: “فأما ما تُخالفه في هيئات الطواف فثلاثة أشياء: أحدها، أن الرجل مأمور بالاضطباع فيه، والرمل. والمرأة منهية عن ذلك، بل تمشي على هيئتها، وستر جميع بدنها”.

3 انظر: الإجماع لابن المنذر ص 48، التمهيد 2/88، الاستذكار 12/139، الشرح الكبير 9/102، المبدع 3/218.

4 المجموع 8/21.

5 انظر: البحر الرائق 2/382، الشرح الكبير 9/102، المبدع 3/218.

تنبيه: نصّ الصاوي في بلغة السالك 2/352، والأزهري في إيضاح المناسك ص 6 على أن الرجل لا يرمل إذا كان طوافه عن المرأة. قال الأزهري: “لا يرمل الرجل إذا أحرم عن المرأة”. وهذا محل نظر، إذ يلزم عليه: أن المرأة ترمل إذا أحرمت عن الرجل!! والصحيح أن الإحرام إنما هو بالنية، ويفعل كل واحد منهما ما يفعله لو أحرم لنفسه.

ص: 297

وقال الشافعي: “ وليس على النساء رمل بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، ويمشين على هينتهن، وأحب للمشهورة بالجمال أن تطوف وتسعى ليلاً. وإن طافت بالنهار سدلت ثوبها على وجها، أو طافت في ستر”1. وقال الشيرازي: “ ولا ترمل المرأة ولا تضطبع، لأن في الرمل تبين أعضاؤها، وفي الاضطباع، ينكشف ما هو عورة منها” 2. وقال البكري: “ لا يُسن لها الرمل، ولو ليلاً، ولو في خلوة، لأن بالرمل تتبين أعطافها، وفيه تشبه بالرجال. قال في التحفة: بل يَحْرم إن قصدت التشبه. ومثل الرمل في ذلك الاضطباع. ومثل الأنثى الخنثى” 3.

وقد دلّ على منع الاضطباع والرمل للنساء آثار عن الصحابة رضي الله عنهم 4،

1 الأم 2/211.

2 المهذب مع المجموع 8/40. وقال النووي في شرحه 8/45: “اتفقت نصوص الشافعي، والأصحاب على أن المرأة لا ترمل ولا تضطبع، قال الدارمي، وأبو علي البندنيجي وغيرهما: ولو ركبت دابة، أو حُمِلت في الطواف لمرض ونحوه، لم تضطبع، ولا يرمل حاملها. قال البندنيجي: سواء في هذا الصغيرة والكبيرة، والصحيحة والمريضة. قال القاضي أبو الفتح، وصاحب البيان: والخنثى في هذا كالمرأة. والله أعلم”.

3 إعانة الطالبين 2/299.

4 قال البيهقي في السنن الكبرى 5/48: “ورويناه عن فقهاء التابعين من أهل المدينة”، وروى سعيد بن منصور عن سليمان بن يسار:» أن السنة عندهم، أنه ليس على المرأة هرولة بالبيت، ولا سعي بين الصفا والمروة «. وروى عن مكحول:» ليس على النساء رمل بالبيت، ولا سعي بين الصفا والمروة «، انظر: القِرى ص 299. وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه 3/151 آثاراً أخرى عن بعض التابعين، كعطاء، والحسن، وإبراهيم. وأخرج أثر إبراهيم، أبو يوسف في كتاب الآثار 1/95، 116.

ص: 298

فمن ذلك:

عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: “ليس على النساء رمل بالبيت، ولا بين الصفا والمروة”1.

وعنه رضي الله عنه أنه قال: “ليس على النساء سعي بالبيت، ولا بين الصفا والمروة”2.

وعن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: على النساء رمل؟ فقالت: “أليس لَكُّنَّ بنا أسوة! ليس عليكن رمل بالبيت، ولا بين الصفا والمروة”3.

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: “ليس على النساء رمل” 4.

واختلف العلماء رحمهم الله في مشروعية الاضطباع والرمل للصبي، وفي مشروعيتهما لأهل مكة، وللراكب والمحمول. وسأعرض لذلك في الفروع التالية:

الفرع الأول: الاضطباع والرمل للصبي.

اختلف العلماء رحمهم الله في مشروعية الاضطباع والرمل للصبي

1 أخرجه الدارقطني 2/295، وابن أبي شيبة 3/151، وأبو نعيم في الحلية 9/36.

2 أخرجه الدارقطني 2/295، والبيهقي 5/48، 84. وقال النووي في المجموع 8/45: “استدل الشافعي ثم البيهقي بما روياه في الصحيح عن ابن عمر ـ ثم ذكره”.

3 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنّفه 3/151 من طريق ليث عن مجاهد. والبيهقي 5/84 بنحوه من طريق هشام بن عروة عن أبيه.

4 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/151. من طريق ابن أبي ليلى عن عطاء.

ص: 299

على قولين:

القول الأول: يُشرع للصبي الاضطباع والرمل، كالرجل.

وإلى هذا القول ذهب: جمهور العلماء القائلين بمشروعيتهما، من الحنفية، والمالكية في المشهور، والحنابلة، والأصح عند الشافعية 1.

القول الثاني: لا يُشرع له الاضطباع، ولا الرمل، لأنه ليس من أهل الجلد.

وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في وجه 2. وأطلق خليل الخلاف فيه. فقال: “ وفي الرمل بالمريض والصبي، خلاف” 3.

الرأي المختار:

ما ذهب إليه الجمهور من مشروعية الاضطباع والرمل للصبي، هو الرأي المختار، لأن الصبي ملحق بالرجل في أحكامه، ومنها ملابس إحرامه،

1 انظر: الشرح الكبير 2/41، الشرح الصغير 2/352، التاج والإكليل 3/109، كفاية الطالب 1/667، المقنع مع الشرح الكبير 9/102، التوضيح 2/518، المقنع لابن البنا 2/619، شرح الزركشي 2/194، منتهى الإرادات 2/143، كشاف القناع 2/447، حلية العلماء 3/285، روضة الطالبين 3/88، هداية السالك 2/807، مغني المحتاج 1/489، 490، وقال النووي في المجموع 8/20: “وفي الصبي طريقان، أصحهما ـ وبه قطع الجمهور ـ يُسن له، فيفعله بنفسه، وإلا فيفعله به وليّه، كسائر أعمال الحج. والثاني، فيه وجهان: أصحهما هذا، والثاني: لا يشرع له”. ولم أقف على نص صريح للحنفية في ذلك، لكنه ظاهر من تعليلهم في منع المرأة من ذلك. قال السرخسي في المبسوط 4/33: “ولا رمل عليها في الطواف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، لأن الرمل لإظهار التجلد والقوة، والمرأة ليست من أهل القتال، لتُظهر الجلادة من نفسها، ولا يؤمن أن يبدو شيء من عورتها..”

2 انظر: حلية العلماء 3/285، المجموع 8/20، الشرح الكبير 9/102.

3 منسك خليل ص 68.

ص: 300

ومحظوراته، إذ يُحْرِم في إزار ورداء، فيكون ملحقاً به في هيئة أفعاله من اضطباع ورمل..، وقد مضى تقرير أن الاضطباع والرمل وإن شُرعا في الأصل لإظهار الجلادة، إلا أنهما سنتان ثابتتان بعد ذهاب سببهما، وليسا لإظهار القوة أو الجلادة فإن شق على الصبي فعلهما، لزحام، أو ضرر ونحو ذلك، فيكون حكمه حكم العاجز عن أدائهما. والله أعلم.

الفرع الثاني: الاضطباع والرمل لأهل مكة.

اختلف العلماء رحمهم الله في مشروعية الاضطباع والرمل لأهل مكة، أو لمن أحرم منها من غير أهلها. على قولين:

القول الأول: لا يُشرع الاضطباع والرمل إلا للآفاقي، الذي يأتي إلى مكة من خارجها. أما أهل مكة، ومن يُحْرِم منها من غير أهلها، فلا يُشرع لهم الاضطباع.

وإلى هذا القول ذهب: الشافعي في القديم1، والحنابلة 2، وهو مروي عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم 3، والحسن، وعطاء 4. قال الترمذي: “ قال بعض أهل العلم ليس على أهل مكة رمل، ولا على من أحرم منها” 5.

1 انظر: مصادر الشافعية في القول الثاني.

2 انظر: المغني 5/221، المحرر 1/246، شرح العمدة 4/354، الفروع 2/499، شرح الزركشي 2/194، كشاف القناع 2/447، المبدع 3/218، هداية السالك 2/808. قال الموفق ابن قدامة: “قال أحمد: ليس على أهل مكة رمل عند البيت، ولا بين الصفا والمروة”. وقال صاحب المبدع: “وكذا أهل مكة، لا رمل عليهم في قول الأكثر، لأن إظهار الجلد معدوم في حقهم، وحكم من أحرم منها حكم أهلها، ولو كان متمتعاً”.

3 انظر: البيهقي 5/84، المغني 5/221، هداية السالك 2/808.

4 انظر: مصنف ابن أبي شيبة 3/374، المحلى 7/96.

5 السنن 3/212.

ص: 301

القول الثاني: يُشرع الاضطباع والرمل لأهل مكة، ومن أحرم منها، كما يُشرع لغيرهم.

وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في المذهب1، والمالكية في المشهور2، وهو مروي عن مجاهد 3.

الأدلة:

استدل أصحاب القول الأول، بما يلي:

عن نافع قال: “إن عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان إذا أحرم من مكة، لم يطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى، وكان لا يرمل إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة” 4.

1 انظر: المجموع 8/43، هداية السالك 2/804، إعانة الطالبين 2/299، مغني المحتاج 4/490. وقال النووي في المجموع: “وأما المكي المنشئ حجه من مكة. فهل يرمل في طواف الإفاضة؟ فإن قلنا: بالقول الثاني، لم يرمل، إذ لا قدوم في حقه. وإن قلنا بالأول، رمل، لاستعقابه السعي. وهذا المذهب”.

2 انظر: بداية المجتهد 1/341، الشرح الكبير 2/41، 43، الشرح الصغير /352، 355، مواهب الجليل والتاج والإكليل 3/109، 115. وقد مضى في الفرع الثالث، من المطلب الرابع التنبيه على أن المالكية يفرقون بين مشروعية الرمل للآفاقي، الذي يُحرم من المواقيت، ومن يحرم من دونها، كالتنعيم والجعرانة، فيُسن للأول، ويُندب للثاني.

3 انظر: مصنف ابن أبي شيبة 3/277، 374. ويظهر أن الحنفية يذهبون إلى هذا القول، ولم أقف على تصريح لهم بذلك، إلا أنهم يوافقون المالكية والشافعية على أن الرمل يُشرع في كل طواف يعقبه سعي، بل يرون مشروعية تكراره في الحج، كما مضى تقريره في الفرع الأول، من المطلب السادس.

4 أخرجه مالك في الموطأ، في كتاب الحج، باب الرمل في الطواف 1/365، وابن أبي شيبة في مصنفه 3/374، والبيهقي 5/84.

ص: 302

وسئل عطاء عن المجاور إذا أهلّ من مكة، هل يسعى الأشواط الثلاثة؟ قال: إنهم يسعون. فأما ابن عباس فإنه قال: “إنما ذلك على أهل الآفاق” 1.

إن الرمل إنما شُرع في الأصل لإظهار الْجَلَد والقوة لأهل البلد. وهذا المعنى معدوم في أهل البلد 2.

الاضطباع سنة الرمل. فمن لا يُشرع له الرمل، لا يُشرع له الاضطباع، كالنساء3.

واستدل أصحاب القول الثاني، بما يلي:

إن الرمل سنة ثابتة بعد زوال سببها، فيستوي فيها المكي وغيره 4.

إنه يُشرع في كل طواف يعقبه سعي، فيستوي في ذلك المكي وغيره 5.

الرأي المختار:

ليس في هذه المسألة نصوص من السنة يُعتمد عليها في الترجيح أو الاختيار. ولعل ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، القائلون: بعدم استحباب الاضطباع والرمل للمكي، وللمحرم منها من غير أهلها، هو أولى الرأيين

1 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/374، المحلى 7/96.

2 انظر: المغني 5/222، شرح الزركشي 2/194، كشاف القناع 2/480. وقال ابن البنا في شرحه 2/619: “لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك من قدم من أهل البلدان، ليعلم أهل مكة قوتهم، وجلدهم. وهذا المعنى معدوم في أهل مكة”.

3 انظر: الشرح الكبير 9/103، البحر الرائق 2/382، إعانة الطالبين 2/300، نيل الأوطار 5/111، حاشية ابن عابدين 2/528. وقال الزركشي في شرحه 2/194: “تنبيه: يُسن الاضطباع لمن يُسن له الرمل”.

4 أرجع ابن رشد سبب الخلاف بين القولين إلى: “هل الرمل كان لعلة، أو لغير علة؟ وهل هو مختص بالمسافر أم لا؟ ”. والسبب الثاني أظهر.

5 انظر: المجموع 8/43.

ص: 303

بالاختيار. وذلك لما يلي:

مضى تقرير أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمل في طوافه الأول في حجته. وأهل مكة لم يطوفوا مع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الطواف، ليقتدوا به في ذلك.

مضى أيضاً تقرير أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في طواف الإفاضة1، ولم يثبت أنه أمر أهل مكة بالرمل فيه. وهو الطواف الذي يختص به المكي. فظاهر هذا أن أهل مكة لم يرملوا في حجهم مع النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً.

إن ما استدل به أصحاب القول الأول من الرواية عن بعض الصحابة رضي الله عنه في التفريق بين المكي وغيره، يعضد هذا القول ويقوِّيه. والله أعلم.

الفرع الثالث: الاضطباع والرمل للراكب، والمحمول 2.

1 في الفرع الأول من المطلب السادس.

2 تنبيه: عبّر بعض الحنابلة عن ذلك بـ: “حامل معذور”. انظر: الفروع 2/499، المبدع 3/218، التوضيح 2/517، منتهى الإرادات 2/141، شرح منتهى الإرادات 2/49، 50، وأوقع هذا التعبير اختلافاً في فهمه والمراد به. فقيل: المراد به، الطائف الذي يحمل المعذور، كصغير، ومريض في ردائه. هل يُشرع له الرمل والاضطباع أو لا؟ وقيل: المراد به: من يحمل الطائف المعذور في عدم مشيه، لعجز بسبب صغر، أو هرم، أو مرض. هل يُشرع له. بأن يرمل به حامله أو لا؟

ونبّه على ذلك الجاسر في مفيد الأنام ص 238، 239 إذ قال: “قال في المنتهى وشرحه: ويضطبع استحباباً غير حامل معذور بحمله بردائه. انتهى. فقوله “بحمله” متعلق بمعذور، وقوله “بردائه” متعلق بيضطبع. وقال عبد الوهاب بن فيروز على قوله في شرح الزاد “إن لم يكن حامل معذور بردائه” قوله: “إن لم يكن حامل معذور” بالإضافة. أي: بأن حمل في ردائه معذوراً. انتهى.

قلت: فيما جنح إليه ابن فيروز، نظر. قال الشيخ عثمان النجدي: قوله “غير حامل معذور” وهو بالإضافة. أي: غير حامل شخصاً معذوراً، كمريض وصغير، فلا يستحب في حق الحامل الطائف به اضطباع، ولا رمل. هكذا ينبغي أن يُفهم. ويدل له قول العلامة ابن قندس عند قول الفروع: “أو حامل معذور” أي: المعذور، إذا حمله آخر، ليطوف به، لا يرمل الحامل. انتهى. فالأظهر ما قاله الشيخ عثمان: من أن حامل المعذور لا يستحب له الاضطباع مطلقاً، سواء حمل المعذور في ردائه، أو لم يحمله فيه. ويؤيد هذا قوله في الإقناع وشرحه: ويطوف سبعاً يرمل في الثلاثة منها: ماشٍ غير راكب، وغير حامل معذور، وغير نساء، وغير محرم من مكة، أو من قربها. فلا يسن هو. أي: الرمل. ومن لا يُشرع له الرمل، لا يُشرع الاضطباع. انتهى ملخصاً. ومنه يتضح عدم وجاهة ما ذهب إليه عبد الوهاب بن فيروز في حاشيته على شرح الزاد. والله أعلم”. وانظر: حاشية عثمان النجدي 2/141.

وما ذهب إليه الجاسر من التنبيه، هو الصواب، إذ صورته قريبة من الراكب، ولذا كان اقترانهما في المسألة. قال أبو الفرج ابن قدامة في الشرح الكبير 9/108: “وإذا طاف راكباً أو محمولاً، فلا رمل فيه”. وهذا هو الموافق للمذاهب الأخرى. قال النووي في المجموع 8/44: “ولو طاف راكباً أو محمولاً. فهل يُستحب أن يُحرك الدابة ليُسرع كإسراع الرامل، ويُسرع به حامله أم لا؟ ”.

ص: 304

المراد بالراكب: من طاف راكباً على دابة، كبعير ونحوه 1. فهل يُشرع له الاضطباع والرمل، بأن تُحرَّك الدابة أثناء سيرها، أو لا يُشرع له ذلك؟ والاضطباع تبع للرمل في ذلك 2.

والمراد بالمحمول: من طِيف به محمولاً على ظهر إنسان، أو على رأسه، لصغر، أو عجز3.فهل يُشرع له الاضطباع والرمل. بأن يُسرِع به الحامل، كهيئة الرامل، أم لا يُشرع له ذلك؟

1 ويُلحق بهذا، الكراسي المتحركة، التي يستخدمها كبار السن، والعاجزون عن الحركة.

2 الشرح الكبير 9/108.

3 طواف المحمول أصبح كثير المشاهدة وبخاصة في أيام الحج. وقد نظَّم المسؤولون عن شؤون المسجد الحرام من يقومون بإعانة العاجزين عن مباشرة أداء مناسكهم من طواف أو سعي. كما وفّرت الكراسي المتحركة، لمن يتولى بنفسه دفع قريبه. فجزى الله هذه الدولة خير الجزاء على ما تقوم به من خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام.

ص: 305

اختلف العلماء رحمهم الله في ذلك على قولين:

القول الأول: لا يُشرع للراكب ولا للمحمول، الاضطباع ولا الرمل.

وإلى هذا القول ذهب: الحنفية والحنابلة في المشهور 1، والمالكية في وجه 2، والشافعية في قول 3.

القول الثاني: يُشرع لهما الاضطباع والرمل. سواء أكان الراكب والمحول بالغاً، أم صبياً، أم مريضاً.

وإلى هذا القول ذهب: المالكية في المشهور4، والشافعية في الأصح 5،

1 انظر: الفروع 2/499، المبدع 3/218، التوضيح 2/517، منتهى الإرادات 2/141، كشاف القناع 2/447، هداية السالك 2/805. قال ابن جماعة: “وصحح ابن قدامة: أن الراكب، والحامل لا يرملان”.

أما الحنفية، فلم أقف على ما يُساعد في نسبة هذا القول لهم، إلا قول السندي في لباب المناسك ص 91: “فلا يطوف بلا رمل، إلا إذا تعذّر لمرض”. وهي محتملة. والله أعلم.

2 انظر: منسك خليل ص 68، وأطلق الخلاف في ذلك، فقال: “وفي الرمل بالصبي والمريض خلاف”. وقال ابن جماعة في هداية السالك 2/80: “وفي التبصرة للخمي، قال أبو محمد: يُرمل بالمريض. وعلى قول ابن القاسم، لا يرمل بالصبي إذا طيف به محمولاً. وقال أصبغ: يُرمل به. وعلى قول ابن القاسم هذا، لا يرمل بالمريض. وهو أحسن فيه، وفي الصبي”.

3 انظر: حلية العلماء 3/28. قال الشاشي: “فإن كان محمولا، رمل به حامله. وحكى الشيخ أبو حامد، أن للشافعي – رحمه الله – قولاً آخر أن المريض لا يرمل به حامله”.

4 انظر: الشرح الكبير 2/41، الشرح الصغير 2/352، مواهب الجليل والتاج والإكليل 3/109، كفاية الطالب 1/667، هداية السالك 2/805. قال الدردير في الشرح الكبير: “رمل رجل في الأشواط الثلاثة الأول فقط. ولو كان الطائف مريضاً وصبياً حُملا على دابة أو غيرها، فيَرْمل الحامل، وتُحرك الدابة، كما تُحرك في بطن محسر”.

5 انظر: روضة الطالبين 3/87، المجموع 8/44، مغني المحتاج 1/490.قال النووي في المجموع: “لو طاف راكباً أو محمولاً، فهل يستحب أن يحرك الدابة، ليسرع، كإسراع الرامل، ويسرع به الحامل أم لا؟ فيه أربع طرق: أصحها، وبه قطع البغوي، وآخرون فيهما: قولان. ومنهم من حكاهما وجهين، أصحهما – وهو الجديد – يُستحب، لأنه كحركة الراكب والمحمول. والثاني: وهو القديم، لا يستحب، لأن الرمل مستحب للطائف، لإظهار الجلد والقوة. وهذا المعنى مقصود هنا، ولأن الدابة والحامل قد يؤذيان الطائفين بالحركة

ص: 306

ووجه عند الحنابلة 1. قال ابن جماعة: “ وإن طاف راكباً أو محمولاً، فالأصح عندهم ـ أي: الشافعية ـ أنه يرمل الحامل، سواء أكان المحمول بالغاً، أم صبياً. ويحرك الدابة. وفي قول قديم: لا يرمل الحامل بالمحمول، ولا يحرك الدابة”2.

الأدلة:

احتج أصحاب القول الأول، بما يلي:

إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا أمر به 3.

إن الرمل بالراكب والمحمول، لا يتحقق به معنى الرمل من إظهار الجلادة والقوة 4.

إن الدابة والحامل قد يؤذيان الطائفين بالحركة 5.

إن من لا يُشرع له الرمل، لا يشرع له الاضطباع 6.

1 انظر: الشرح الكبير9/108، الفروع 2/499، المبدع 3/218، كشاف القناع 2/447. قال أبو الفرج ابن قدامة: “يخبّ به بعيره”. وذكر الآجري: يرمل بالمحمول.

2 هداية السالك 2/805،804.

3 انظر: الشرح الكبير 9/108.

4 انظر: المرجع السابق.

5 انظر: المجموع 8/44.

6 انظر: الشرح الكبير 9/103، المبدع 3/218، كشاف القناع 2/447.

ص: 307

واحتج أصحاب القول الثاني، بما يلي:

بعموم قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 1.

وقوله صلى الله عليه وسلم: “إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم” 2. فالراكب والمحمول يُشرع لهما الإتيان بما يستطيعانه. وهما يستطيعان الرمل بغيرهما. فيأتيان به.

إن الرمل في هيئته، كحركة الراكب والمحمول 3.

إن الرمل سُنَّة ثابتة بعد زوال سببها، فيستوي فيها القوي وغيره 4.

الرأي المختار:

ليس في هذه المسألة من النصوص ما يُستعان به على ترجيح أحد الرأيين واختياره. وما ذهب إليه أصحاب القول الأول، القائلون: بعدم مشروعية الاضطباع والرمل للراكب والمحمول. هو الرأي الذي أختاره، وذلك لما يلي:

إن ما استدل به أصحاب القول الثاني من العمومات، قد لا تحتمله هذه المسألة، ولا يدخل فيها. إذ أن نسبة الرمل للطائف من خلال تحريك الدابة، أو سرعة الحامل، فيه بُعْد ظاهر.

إن من طاف راكباً أو محمولاً، فإنما فعل ذلك لعجزه، وبالعجز تسقط الواجبات، فضلا عن السنن والمندوبات. والله أعلم.

1 سورة التغابن، آية:16.

2 تقدم تخريجه.

3 انظر: المجموع 8/44.

4 هذا نظير حجة القائلين بالرمل للمكي.

ص: 308