الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الافتتاحية
حرب القرن القادم
..
وراء افتعال علاقة بين الإسلام والإرهاب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
وبعد: فمنذ سنوات قلائل، والدعوات والصيحات تخرج من الغرب مبشرة بصراع
قادم لا محالة
…
وظلت التصريحات تتناثر هنا وهناك محذرة من (الأصولية
الإسلامية) باعتبارها العدو الأول للحضارة الغربية بعد زوال الشيوعية. وجرى في
الوقت ذاته ربط مريب بين ثلاث مفردات، لتصبح ذات مدلول واحد في النهاية
وهي: (الإسلام الأصولية الإرهاب) وليتم التسلسل التلقائي بينها وتتعود عليه
الأفهام والأسماع؛ فالتمسك بالإسلام: يعني الأصولية، والأصولية: تعني الإرهاب! ولسنا في حاجة الآن لاستعراض الدلائل على هذا الربط المتعمد؛ لأنها أكثر من
أن تحصى.
وعلى إيقاع دوران الآلة الإعلامية الغربية لإتقان تلك المعزوفة؛ كانت آلات
الإعلام العربي تكرر الأنشودة السمجة ببلاهة وبلادة حيناً، وبخبث ومكر أحياناً..
وظلت النغمة النشاز تتعالى شيئاً فشيئاً، حتى عدنا لا نسمع لهؤلاء حديثاً عن
الإسلام إلا قليلاً ولكن نسمع عن الأصولية الإسلامية.. ومع الوقت قلّ الحديث عن
الأصولية ليحل محلها: الإرهاب؛ لتكون تلك الكلمة هي المرادف المباشر لـ
(الإسلام) ! حتى إذا كاد (المصطلح) أن يستقر، بدأنا نسمع عن السعي لخطوات
عملية للاستعداد لدخول الصراع القادم
…
مع الإسلام؟ ! لا لا
…
مع الإرهاب!
وأصبح كل عدو لدود يقول: نحن لا نحارب الإسلام، بل نحارب الأصولية.. لا
بل نحارب الإرهاب. وعلى هذا الزعم بدأت الحرب بصورة إقليمية في أكثر بلاد
المسلمين ضد الإسلاميين باسم محاربة الإرهاب، والأمثلة على ذلك ماثلة أمامنا من
كل مكان، ولا تحتاج إلى برهان.
ثم بُدئ في إعطاء تلك الحرب بُعداً دولياً، وتعالت صيحات متشنجة هنا
وهناك بضرورة عقد المؤتمرات الدولية لمكافحة الإرهاب بصورة جماعية!
ثم بلغت الأمور ذروتها عندما انطلقت من الولايات المتحدة الأمريكية الدعوة
الصريحة إلى خوض (حرب عالمية) تقودها أمريكا (ضد الإسلام) عفواً ضد
الإرهاب! !
لقد انتهز الرئيس الأمريكي بيل كلينتون حوادث تفجير السفارتين الأمريكيتين
في كينيا وتنزانيا ليدشن مرحلة البدء بتلك الحرب، فقبل أن تنتهي التحقيقات في
حوادث التفجير، وقبل أن تثبت أي جهة دولية أو غير دولية التهمة ضد أحد بدأ
بتوجيه ضربات جوية ضد أهداف في السودان وأفغانستان. ولكم كانت عجيبة
غريبة ومريبة تلك التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته بُعيد
توجيه تلك الضربات. قال كلينتون: (لقد بدأنا حربنا ضد الإرهاب.. وعلينا
الاستعداد لحرب طويلة) ! في حين زادت في الصراحة والوقاحة وزيرة خارجيته
اليهودية (مادلين أولبرايت) فقالت: (على الأمريكيين أن يعدوا أنفسهم للحرب ضد
الإرهاب.. إنها حرب القرن القادم) ! بينما تحدث وزير الدفاع عن حرب تشبه
الحرب العالمية الأولى والثانية.
والظاهر أن الصراع الذي بشر به (هنجتون) في كتابه (صراع الحضارات)
والسيناريو الذي وضع خطوطه (واينبرجر) في كتابه: (الحرب القادمة) والظروف
المواتية التي تحدث عنها نيكسون في كتابه (عام 1999 نصر بلا حرب)
و (اغتنموا الفرصة) والنهاية المزعومة التي نظّر لها (فوكوياما) في كتابه: (نهاية
التاريخ) يبدو أن تلك الاحتفالية الألفية، قد قص شريط افتتاحها الرئيس المراهق
(كلينتون) ! فما هي ملامح تلك الحرب المرتقبة، أو التي أعلنت بالفعل؟
يمكننا من خلال أولى جولاتها في السودان وأفغانستان أن نلمح أبرز معالم تلك
الحرب فيما يلي:
* إنها ستكون صليبية عالمية، بأسلحة غربية وتوجيهات يهودية.
* أن العدو الوحيد فيها هم: الإسلاميون باعتبارهم عدو الغرب الباقي الذي لم
يركع.
* أن تلك الحرب لن تقيم وزناً لما يسمى بـ (الشرعية الدولية) إلا إذا خدمت
أهداف تلك الحرب المعدة سلفاً.
* أنها ستكون حرباً ذرائعية، تتصيد الفرص وتصطنعها إن لم تجدها.
* أن تأييد العالم أو تنديده سيستويان، ولن يقيم الأمريكان وزناً لمعارض أياً
كان.
* أنها ستدوس على سيادة الدول وحريتها في أراضيها، إذا ما تعارضت مع
خطوات هذه الحرب.
* أنها ستعتمد أسلوب الغدر والمباغتة حتى لا تترك أحداً في مأمن..
أما عن هدف تلك الحرب والاستمرار فيها، فالواضح أنها ترمي إلى إبقاء
المسلمين في ذيل الأمم، ومؤخرة الركب، وتجريدهم من أي قدرة على المبادرة أو
المبادأة. سواء أكانت على مستوى مجموع دولهم أو بعضها أو حتى على مستوى
التجمعات التي تتطلع إلى الخروج من الأزمة المصيرية التي تعيشها أمتنا الإسلامية..
إن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الغربيين لا يخفون إصرارهم العنيد
على فرض الحصار الحضاري على أمة الإسلام، بمنعها من كل أسباب التقدم،
وشغلها بمشكلاتها الداخلية والخارجية، لتنعم دولة اليهود بعد ذلك بالاستقرار والقوة
والعلو.
نعم: يجب ألا نتجاهل الرمز الذي تشير إليه كلمات (مادلين) و (كوهين)
اليهوديين في الإلحاح على إعطاء الحرب بُعداً كونياً وزمنياً أبعد مما يتصور..
فنحن نعتقد جازمين أن وقود تلك الحرب المعلنة يُستمد من حقد اليهود.. وليست
أحقادهم القديمة وتصريحاتهم العدائية بأفصح ولا أصرح من تصريحاتهم التحريضية
الجديدة. ففي عام 1993م قال (حاييم هيرتزوج) الرئيس الإسرائيلي السابق أثناء
زيارة قام بها لبريطانيا: (إن الأصولية الإسلامية هي الخطر الأكبر على العالم
الحر) وأعاد التحريض بأسلوب آخر زعيم آخر، هو الهالك (رابين) فقد قال في
مؤتمر لاتحاد المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة (إيباك) في إبريل 1993م
(إننا نريد التأكد من أن الرئيس كلينتون وفريقه يدركان تماماً خطر (الأصولية
الإسلامية) والدور الإسرائيلي الحاسم في محاربتها) واستطرد قائلاً: (إن مقاومتنا
ضد الإرهابيين المسلمين القتلة مقصود منها أيضاً إيقاظ العالم الذي يرقد في سبات
عميق على حقيقة أن هذا خطر جاد وحقيقي يهدد السلام العالمي، والآن نقف نحن
الإسرائيليين في خط النار الأول ضد الإسلام الأصولي، ونحن نطالب كل الدول
وكل الشعوب أن يكرسوا انتباههم إلى الخطر الضخم الكامن في الأصولية
الإسلامية) .
ولما جاءت الأغلبية اليهودية إلى (الكونجرس الأمريكي) بدأت تترجم هذه
الصيحات التحذيرية إلى سياسات عملية، حتى إن رئيس مجلس النواب الأمريكي
(بنوت جنجريتش) ترأس جلسة للمجلس عرض فيها برنامجاً شاملاً للسياسة
المقترحة لمواجهة الأصولية الإسلامية في العالم، وضمت الجلسة التي عقدت في
واشنطن ما يزيد على 400 من كبار الخبراء في الشؤون الأمنية والعسكرية، وقدم
خطة من أربعة بنود تهدف إلى كسر شوكة الإسلاميين في العالم، وقال
(جينجرتش) في هذا المؤتمر بالحرف الواحد: (الأصولية تعني إعلان الحرب علينا
وعلى الحضارة الغربية، فيجب التعامل معها من واقع الحرب المعلنة) .
أما نحن فعلى يقين قبل هذه التصريحات وبعدها أن اليهود والنصارى
مجتمعين لم يكونوا يوماً إلا أعداء للإسلام نفسه، دون وصف الأصولية والإرهاب، لأنهم كما قال الله يتمنون أن يرونا كفاراً ولو كنا مسالمين مهادنين: [وَدُّوا لَوْ
تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً] [النساء: 89] وهم سيناصبوننا ذلك العداء إلى
حد القتال [وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونََكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا]
[البقرة: 217] وقال تعالى: [إن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ][الممتحنة: 2] ولن يرضوا عنا مهما أظهرنا لهم من رغبة في الود والحب وحسن الجوار إلا إذا كنا على ديانتهم الباطلة [وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ][البقرة: 120] . وإن الذي أخبرنا عن ذلك كله سبحانه هو الذي أكد أن النصر حليفنا عليهم إن اعتصمنا به والتجأنا إليه: [وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِياً وَلا نَصِيراً][الفتح: 22] .
فاللهم كن للمسلمين جميعاً ولياً ونصيراً،،،
دراسات في الشريعة والعقيدة
عيد الأسبوع.. يوم الجمعة
خصائصه وفضائله وأحكامه وآدابه
(2/2)
بقلم: عبد اللطيف بن محمد الحسن
تحدث الكاتب في الحلقة السابقة عن فضل يوم الجمعة وسبب تسميته
واختصاص الأمة به، وخصائص هذا اليوم، وما جاء من الوعيد في ترك صلاة
الجمعة وعن أهمية التهيؤ لها والاهتمام بها. ثم عرج على ذكر شروط صلاة
الجمعة وقسمها إلى نوعين: شروط الوجوب، وشروط الصحة. ويتابع في هذا
العدد حديثه عن أحكام الصلاة والخطبة وآداب الخطيب، وآداب الجلوس في
المسجد يوم الجمعة.
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
- البيان -
سادساً: من أحكام صلاة الجمعة:
1-
حكمها: هي فرض عين على الرجال، وهذا أمر ظاهر. تقدم من
النصوص ما يدل عليه.
2-
حكم صلاة الجمعة إذا اجتمع يوم الجمعة ويوم العيد: عن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه
من الجمعة، وإنا مجمّعون) [1] .
وهذا ظاهره أن الجمعة تعد رخصة بعد صلاة العيد، فمن شاء شهدها، ومن
شاء صلى الظهر أربعاً، سواء في ذلك الإمام أو غيره لشمول النص لذلك.
والأوْلى والله أعلم أن يصليهما جميعاً تحرياً للفضيلة، وطلباً للأجر.
3-
إدراك الجمعة: عن ابن عمر قال: قال رسول الله: (من أدرك ركعة من
الجمعة أو غيرها فقد أدرك الصلاة) [2] . وهذا يدل على أن الجمعة تصح بإدراك
ركعة؛ ومفهومه: إذا لم يدرك ركعة فإنه لم يدرك الجمعة، فيتمها ظهراً أربع
ركعات [3] . واشترط بعض الفقهاء لصحة الجمعة إدراك شيء من الخطبة، وقالوا: فإنْ لم يدرك شيئاً منها صلى أربعاً.
4-
استحباب قراءة سورة الجمعة والمنافقون في صلاة الجمعة، أو الأعلى
والغاشية، أو الجمعة والغاشية: جاء كل ذلك في صحيح مسلم [4] . قال ابن القيم: (ولا يستحب أن يقرأ من كل سورة بعضها، أو يقرأ إحداهما في الركعتين، فإنه
خلاف السنة) [5] .
5-
صلاة النفل قبل صلاة الجمعة: لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه
وسلم- سنة راتبة للجمعة، ولكن إذا دخل المصلي المسجد، سُنّ له أن يصلي تحية
المسجد ركعتين، ثم يصلي ما كتب له كما ورد في الأحاديث، قال ابن القيم: (فإن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته فإذا رقي المنبر أخذ بلال في أذان
الجمعة، فإذا أكمله أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير فصل،
وهذا كان رأي عين، فمتى كانوا يصلون السنة؟ ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال
من الأذان قاموا كلهم، فركعوا ركعتين، فهو أجهل الناس بالسنة) [6] .
6-
السنة بعد الجمعة: قال: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها
أربعاً) [7] .
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة
ركعتين في بيته. أخرجاه [8] .
وللجمع بين الحديثين ذهب بعض العلماء إلى أنه: إن صلى في المسجد صلى
أربعاً، وإن صلى في بيته صلى ركعتين [9] وذهب آخرون إلى أن الركعتين
خاص به صلى الله عليه وسلم، والمشروع في حق أمته أربع ركعات.
7-
المستحب أن يفصل بين الفريضة والسنة بالتحول من مكانه، أو بالكلام:
فقد قال معاوية رضي الله عنه لرجل رآه صلى السنة بعد الجمعة بلا فصل: (لا تعد
لما فعلت، إذا صليت الجمعة، فلا تَصِلْها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك: أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو
نخرج) [10] . والأوْلى أن يتحول إلى بيته.
8-
استحباب القيلولة بعد الجمعة: حث النبي صلى الله عليه وسلم على
القيلولة فقال: (قيلوا؛ فإن الشياطين لا تقيل)[11] وحدد وقتها في يوم الجمعة بعد
الصلاة؛ لحديث أنس قال: (كنا نبكر بالجمعة، ونقيل بعد الجمعة)[12] .
سابعاً: أحكام الخطبة:
1-
الأذان عند جلوس الإمام على المنبر للخطبة: عن السائب بن يزيد قال:
(كان النداء يوم الجمعة، أوله إذا جلس الإمام على عهد النبي -صلى الله عليه
وسلم-، وأبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، قال: فلما كان عثمان رضي الله
عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء) [13] .
وعلى الإمام أن يجيب وهو على المنبر إذا سمع النداء كما في البخاري [14] .
2-
حمد الله في الخطبة والثناء عليه والإتيان بخطبة الحاجة: عن ابن مسعود
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال: (الحمد لله
نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن
يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن
يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً) [15] .
3-
الشهادة في الخطبة: قال رسول الله: (الخطبة التي ليس فيها شهادة كاليد
الجذماء) [16] .
4-
يخطب خطبتين قائماً يفصل بينهما بجلوس: روى البخاري عن ابن عمر
رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً، ثم يقوم كما
تفعلون الآن) [17] .
5-
موعظة الناس وتذكيرهم: عن جابر بن سمرة قال: كانت للنبي -صلى
الله عليه وسلم- خطبتان يجلس بينهما: يقرأ القرآن ويذكّر الناس [18] . وقوله:
(يذكر الناس) فيه دليل على جواز الخطبة بلغة غير العربية، لكن لا بد له من
قراءة الآيات والأحاديث بالعربية كما لا يخفى، ثم يترجم معانيها بلغة المخاطبين.
وإذا فهم المقصود من الخطبة عُلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن
خطبته مجرد كلام لا حياة فيه ولا روح، ولا رسالة ولا توجيه، بل كانت متصلة
بالحياة، وبالواقع كل الاتصال [19] ، وقد كانت خطبه تملأ القلوب إيماناً وتوحيداً، لا كخطب غيره التي قد لا يحصل منها إلا النوح على الحياة، فتخلو من ذكر ما
يعرّف بالله ويذكّر بأيامه، ويبعث النفوس على محبته، والشوق إلى لقائه.
6-
استحباب قصر الخطبة: قال رسول الله: (إن طول صلاة الرجل،
وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة، وإن من البيان
سحراً) [20] .
فإقصار الخطبة سنة، وهو التوسط، وعلامة لفقه الرجل، لكونه مطلعاً على
جوامع الألفاظ، فيعبر باللفظ المختصر عن المعاني الكثيرة، وكذلك كانت خطب
النبي صلى الله عليه وسلم واقعية بليغة مؤثرة، لكنها لم تكن طويلة مملة.
والمقصود بإطالة الصلاة أن تكون بحيث لا تشق على المؤمنين، فتكون
طويلة نسبة للخطبة. وإطالة الصلاة تنبيه إلى المقصود والأهم من الاجتماع وهو
الصلاة.
7-
قراءة شيء من القرآن في الخطبة: عن يعلى بن أمية أنه سمع النبي -
صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر: [وَنَادَوْا يَا مَالِكُ][21][الزخرف: 77] .
وهذا الحديث وغيره يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ آياً من
القرآن بدون ملازمة لسورة أو آية في خطبة الجمعة.
8-
استحباب قراءة سورة (ق) : لحديث أم هاشم بنت حارثة بن النعمان قالت:
(.. وما أخذت [ق وَالْقُرْآنِ المَجِيدِ][ق: 1] إلا عن لسان رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-، يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس) [22] .
قال العلماء: وسبب اختياره هذه السورة لما اشتملت عليه من ذكر البعث
والموت، والمواعظ الشديدة، والزواجر الأكيدة.
وقد كان ذلك لقوم يفهمون معانيها، ويدركون أسرارها، فيتأثرون بها أعظم
التأثر، ويتعظون بها أجلّ الاتعاظ، أما قراءتها عند قوم لا يفهمون معانيها، ولا
يدركون مغازيها، فلا ينبغي إلا مع الشرح والبيان، حتى يتحقق المقصود.
9-
مشروعية الدعاء في الخطبة: لحديث الأعرابي الذي شكى الجدب
لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فدعا، فمُطروا حتى الجمعة
الأخرى، فشكا أعرابي في الجمعة التالية كثرة المطر، فقال -صلى الله عليه
وسلم- وهو يخطب: (اللهم حوالينا ولا علينا) ورفع يديه فدعا [23] . وأيضاً فهي
ساعة يجاب فيها الدعاء.
10-
المستحب أن تكون الخطبة حسب مقتضى الحال: وهو أمر تضافرت
عليه الدلائل من أحوال خطب النبي؛ ومن أمثلته حديث أبي سعيد الخدري قال:
جاء رجل يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب بهيئة بذة، فقال له
رسول الله: (أصليت؟) قال: لا، قال:(صل ركعتين) ، وحث الناس على
الصدقة، فألقوا ثياباً، فأعطاه منها ثوبين.
11-
جواز أن يتكلم الإمام في غير موضوع الخطبة عند الحاجة: كان النبي- صلى الله عليه وسلم ربما رأى رجلاً في الشمس، فأمر بتحوّله إلى الظل، أو
رأى رجلاً ترك السنة فأمره بها، كما في تحية المسجد، أو رأى مرتكِباً منهياً فنهاه؛ كمن تخطى رقاب الناس.
ثامناً: آداب الخطيب:
1-
أن يسلم على المأمومين إذا صعد المنبر ويُقبل عليهم بوجهه: عن عطاء
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صعد المنبر أقبل بوجهه على الناس فقال: السلام عليكم. وهذا مرسل صحيح [24] .
2-
أن يجلس على المنبر بعد صعوده قبل الخطبة: عن محمد بن عمر بن
علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوم الجمعة إذا استوى على المنبر يجلس، فإذا جلس أذن المؤذن، فإذا سكتوا قام يخطب، فإذا فرغ من الخطبة الأولى جلس، ثم قام فخطب الخطبة الآخرة [25] .
3-
أن يخطب على المنبر: أخرج البخاري [26] عن جابر قال: (كان جذع
يقوم إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وُضع له المنبر سمعنا للجذع مثل
أصوات العِشار؛ حنيناً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تركه، وقد
كان يخطب عليه، وحنيناً لما كان يسمع الذكر) حتى نزل النبي -صلى الله عليه
وسلم- فوضع يده عليه وقد صنع المنبرَ امرأةٌ، كما في حديث سهل، وفيه:
(فاحتمله النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه حيث ترون)[27] .
4-
أن يخطب قائماً: أخرج ابن ماجه بسنده: سئل عبد الله: أكان النبي -
صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً أو قاعداً، قال: أوَ ما تقرأ: [وَتَرَكُوكَ قَائِماً]
[الجمعة: 11][28] . ويدل على هذا أيضاً حديث كعب بن عجرة في مسلم [29] .
5-
أن يتكئ على عصا أو قوس: دل عليه حديث الحكم بن حَزَن
الكَلَفي [30] .
والحكمة: الاشتغال عن العبث، وقيل: أربط للجأش.
6-
أن يرفع الصوت ويبجل شأن الخطبة: عن جابر قال: كان رسول الله -
صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه،
حتى كأنه منذر جيش يقول: صبّحكم، ومسّاكم، ويقول: (أما بعد: فإن خير
الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة
ضلالة
…
) [31] .
7-
كراهة رفع اليدين وتحريكهما، وجواز الإشارة بأصبع أو أصبعين حال
الخطبة: أخرج مسلم [32] عن حصين عن عمارة بن رويبة قال: رأى بشرَ بن
مروان على المنبر رافعاً يديه فقال: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله -
صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا [اي: يشير بها] ، وأشار
بأصبعه المسبحة.
واختلف الرواة عن حصين؛ فقال بعضهم: رافعاً يديه يدعو، وبعضهم لم
يذكر الدعاء؛ لذا اختلف العلماء في فهم الحديث على قولين:
1-
ففهم البيهقي والشوكاني المعنى الأول: وهو ذكر الدعاء، وقالوا: ليس
من السنة رفع اليدين حال الدعاء في الخطبة.
2-
وفهم الطيبي المعنى الثاني، وذكر أن المقصود بالنهي رفع اليدين أثناء
الكلام حال الخطبة كما هو دأب الوعاظ والقصاص.
8-
أن ينهى عن المنكر إذا رآه وهو يخطب: وهذه المسألة تقدم لها شواهد
وأدلة كثيرة.
تاسعاً: آداب الجلوس في المسجد يوم الجمعة:
1-
أن يصلي ركعتين تحية المسجد قبل الجلوس؛ للأمر العام، ولقوله: (إذا
جاء أحدكم يوم الجمعة، والإمام يخطب فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما) [33] .
2-
أن يجلس حيث وجد المكان: قال: (لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة، ثم
ليخالف إلى مقعده فيقعد فيه، ولكن يقول: افسحوا) [34] .
3-
ألاّ يتخطى رقاب الناس ولا يفرق بينهم: قال عبد الله بن بسر: جاء
رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب،
فقال له النبي: (اجلس فقد آذيت)[35] .
ويستثنى من ذلك: الإمام إذا لم يجد طريقاً، ومن رأى فرجة لا يصل إليها
إلا بالتخطي على خلاف ويتأكد التخطي إذا ترك الناس الصفوف الأولى وجلسوا في
آخر المسجد، قال الحسن: (تخطوا رقاب الذين يجلسون على أبواب المساجد؛
فإنه لا حرمة لهم) ويستثنى أيضاً: من جلس في مكان ثم خرج لحاجة، ثم عاد إلى
مكانه [36] .
4-
أن ينصت إذا بدأ الإمام يخطب: قال: (إذا قلت لصاحبك: أنصت
والإمام يخطب فقد لغيت) [37] . وقال: (من مس الحصى فقد لغا)[38] .
…
5-
يجوز أن يشير إذا احتاج إلى الكلام: روى ابن خزيمة في صحي [39] عن أنس قال: دخل رجل المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم
على المنبر يوم الجمعة، فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ فأشار إليه الناس أن
اسكت، فسأله ثلاث مرات، كل ذلك يشيرون إليه أن اسكت
…
الحديث [40] .
6-
أن يدنو من الإمام: وهو أمر قلّ الحريصون عليه، وغفل الكثير عما
ورد فيه من ترغيب، بل عن قوله: (احضروا الذكر، وادنوا من الإمام؛ فإن
الرجل لا يزال يتباعد حتى يُؤخّر في الجنة وإن دخلها) [41] .
7-
أن يجتنب اللغو: قال: (يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجل حضرها يلغو
بلغو، وهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو، فهو رجل دعا الله عز وجل إن
شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخط رقبة
مسلم، ولم يؤذ أحداً فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها، وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن
الله عز وجل يقول: [مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا][الأنعام: 160][42] .
8-
أن لا يحتبي: عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن
الحبوة يوم الجمعة، والإمام يخطب [43] .
والاحتباء: أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعها به مع ظهره،
ويشده عليهما، وقد يكون باليدين عوضاً عن الثوب، وهو يجلب النوم، ويعرِّض
لانتقاض الطهارة، ومثله الاستناد إلى الجدار ونحوه وقد يكون أشد منه في جلب
النوم.
9-
أن يستقبل الإمام: عن عدي بن ثابت عن أبيه قال: كان النبي -صلى
الله عليه وسلم- إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم [44] .
10-
أن لا يتحلق قبل الجمعة: لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
الشراء والبيع في المسجد، وأن تُنشد فيه ضالة، وأن ينشد فيه شعر، ونهى عن
التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة [45] . وهذا يدل على كراهة ذلك [46] ؛ لأنه ربما
قطع الصفوف، مع كونهم مأمورين يوم الجمعة بالتبكير والتراص في الصفوف
الأول فالأول.
11-
أن يتحول من مكانه إذا نعس: لحديث: (إذا نعس أحدكم يوم الجمعة
فليتحول عن مجلسه ذلك) [47] .
12-
مسألة: حكم الكلام بعد نزول الإمام من المنبر وقبل الصلاة: والأوْلى
أن لا يتكلم إلا لحاجة؛ لأحاديث منها حديث سلمان بلفظ: (وينصت حتى يقضي
صلاته) [48] .
عاشراً: كيفية الاستفادة من خطبة الجمعة:
إن خطبة الجمعة وسيلة متاحة للدعاة، ليخاطبوا بها جميع المسلمين بمختلف
طبقاتهم، واتجاهاتهم، وقد شرع الله عز وجل لهذه الوسيلة ما يعين على الاستفادة
منها، من أمر المسلمين جميعاً من الذكور بالسعي للصلاة، والإنصات للخطيب.
وهي وسيلة متاحة في كل أسبوع، فيستمع المسلم في العام الواحد إلى (52) خطبة؛ ومع إقبال الناس على صلاة الجمعة، فإنهم يتأثرون إذا وجدوا خطيباً جيداً.
وهذا مما يوجب على الدعاة وخاصة الخطباء أن يراجعوا أساليبهم في مخاطبة
الناس، وينظروا دائماً في إصلاح أخطائها [49] .
(1) رواه أبو داود برقم: (1073)، وأورده في صحيح أبي داود برقم:(948) .
(2)
رواه ابن ماجه برقم: (1123) ، وأورده في صحيح ابن ماجه (922) .
(3)
انظر المغني، 3/183 184.
(4)
انظر رقم: (877) ، (878) .
(5)
زاد المعاد 1/381.
(6)
ج1/432 وللتوسع في المسألة، انظر (فتح الباري 2/476، 493، 494، وزاد المعاد 1/431 440 ورسالة (سنة الجمعة) لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(7)
رواه مسلم برقم (881) .
(8)
البخاري برقم: (937)، ومسلم برقم:(882) .
(9)
وإليه ذهب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، انظر زاد المعاد 1/440.
(10)
رواه مسلم برقم: (883) .
(11)
ذكره في صحيح الجامع، ح/4431.
(12)
رواه البخاري برقم: (905) .
(13)
أخرجه البخاري برقم: (912) والنداء الثالث، هو: المعروف اليوم بالأذان الأول، وإنما صار ثالثاً على اعتبار أذان الجمعة نداء أول، والإقامة نداء ثانياً لأنها تسمى أذاناً كما في حديث:(بين كل أذانين صلاة) ، والمراد بين الأذان والإقامة.
(14)
برقم: 2/396.
(15)
رواه أبو داود برقم: (1097)، وأورده الألباني في الضعيف ولكن له شواهد منها ما أخرجه النسائي وأورده الألباني في صحيح النسائي برقم (1331) عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(علمنا خطبة الحاجة: الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له) .
(16)
رواه أحمد في المسند 2/302 قال شاكر: إسناده صحيح، ح/ 8004 والجذماء: المقطوعة.
(17)
برقم: (920) .
(18)
رواه مسلم برقم: (862) .
(19)
انظر: الأركان الأربعة، ص 57.
(20)
رواه مسلم برقم: (869) .
(21)
رواه البخاري برقم: (4819) .
(22)
رواه مسلم برقم: (873) .
(23)
رواه البخاري برقم (933) .
(24)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عن عطاء 1/192.
(25)
وهذا مرسل حسن الإسناد، ويقويه حديث معاوية في إجابة الخطيب للمؤذن، فذكر فيه جلوسه حال أذان المؤذن.
(26)
برقم: (918)، والعشار: النوق الحوامل التي قربت ولادتها.
(27)
تلخيص الحبير، 2/126.
(28)
برقم: (1108)، وأورده في صحيح ابن ماجه:(909) .
(29)
برقم: (864) .
(30)
رواه أبو داود برقم: (1096) وسنده حسن كما قال الحافظ وحسنه الألباني في صحيح
أبي داود (971) .
(31)
رواه مسلم برقم: (867) .
(32)
برقم: (874) .
(33)
رواه مسلم برقم: (875) .
(34)
رواه مسلم برقم: (2178) .
(35)
رواه مسلم برقم: (1118) وأورده في صحيح أبي داود برقم: (989) .
(36)
انظر تفصيل ذلك في المغني 2/39، 350.
(37)
رواه مسلم برقم: (851) .
(38)
رواه أبو داود برقم: (927) ، وأورده في صحيح أبي داود (1050) .
(39)
3/149 وإسناده حسن كما أفاد صاحب (أحاديث الجمعة) ص: 426، 427.
(40)
وحديث أنس في سؤال الأعرابي عن الساعة، وقول الرسول: ماذا أعددت لها؟ أخرجه البخاري ومسلم وأحمد بعدة طرق، ولكن ليس فيها كما في رواية ابن خزيمة من أنه كان يخطب، ولا ذكر يوم الجمعة.
(41)
سنن أبي داود (1108) ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (980) .
(42)
رواه أبو داود برقم: (1113) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ح/984.
(43)
رواه أبو داود برقم: (1110) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (982) .
(44)
أخرجه ابن ماجة برقم: (1136) وصححه الألباني (932) .
(45)
رواه أبو داود برقم (1079) وصححه الألباني (956) .
(46)
وهو قول الجمهور، انظر مثلاً: معالم السنن، للخطابي، 1/651.
(47)
رواه الترمذي عن ابن عمر برقم: (532) وصححه وأورده في صحيح سنن الترمذي (436) .
(48)
النسائي برقم: (1330) وصححه الألباني.
(49)
انظر تفصيلاً مهماً في مقال بعنوان: (حتى نستفيد من خطبة الجمعة) للشيخ محمد الدويش، في مجلة البيان، عدد 65، ص 18، عدد 66، ص 9.